الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران:102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء:1.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب:70-71.
أما بعد:
الإسلام يحل مشكلة السرقة
فإن الإسلام جاء لحل كل مشكلة، ومحاربة كل جريمة، وجاءت الحدود في هذه الشريعة ردعاً لأصحاب النفوس المريضة، وكانت الحدود رحمة من الله تعالى للأمة، وكان القصاص حياة لأولي الألباب، وكان قطع اليد وقاية لأموال الناس، وكان الجلد والرجم حماية لأعراض العالم، وهكذا كانت حدود الشريعة حماية من الله تعالى لأهل الأرض، فلأن يطبق فيهم حد واحد خير لهم من أن يمطروا أربعين صباحاً.
عباد الله: لو نظرنا في المجتمع، وكثرة الجرائم التي ترتكب فيه لعلمنا حقاً عظمت الشريعة في تشريعاتها وأحكامها، ولنأخذ على سبيل المثال مرضاً متفشياً من الأمراض الخطيرة التي لا تزال تعظم وتزداد، وربما لا يوجد أحد إلا ووقع في شيء من ذلك، من قبل مجرم من المجرمين، ألا وهو مرض السرقة، جريمة السرقة جريمة تزداد وتكثر على جميع الأصعدة والمستويات، جريمة السرقة من الجرائم المتفشية العظيمة، فلننظر -أيها المسلمون- في شرعنا وديننا ماذا يوجد بشأن هذا الموضوع، في سورة عظيمة، في آخر السور نزولاً سورة المائدة كان حد الله في السارق: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌسورة المائدة:38 عز فحكم؛ فقطع يد السارق ، من ذكر أو أنثى.
حكم السرقة في الشريعة
وكان أول ما أخذ النبي ﷺ العهد على أصحابه في بيعة العقبة -وهم في مكة، وكان المسلمون في حال الاختفاء-، على "ألا يشركوا بالله شيئاً، ولا يسرقوا، ولا يزنوا"، أخذ النبي ﷺ العهد على الرجال بعدم السرقة، كما جاء في الصحيح، وعلى النساء أخذ العهد أيضاً بنص كتاب الله تعالى، كما روى مسلم رحمه الله في صحيحه: أن عائشة زوج النبي ﷺ قالت: "كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله ﷺ يمتحن بقول الله :يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَسورة الممتحنة:12بعد الشرك مباشرة، عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ..." إلى آخر الآية، قالت عائشة: "فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة" أي الامتحان، "وكان رسول الله ﷺ إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله ﷺ: انطلقن فقد بايعتكن،ولا والله ما مست يد رسول الله ﷺ يد امرأة قط، غير أنه يبايعهن بالكلام".
وقال النبي ﷺ لاعناً السارق، مبيناً دعاءه عليه بالطرد والإبعاد من رحمة الله: لعن الله السارق؛ يسرق البيضة، فتقطع يده، ويسرق الحبل؛ فتقطع يده[رواه البخاري (6783)، ومسلم (1687)]رواه البخاري رحمه الله ومسلم وغيرهما، لعنة على السارق من الرسول ﷺ، فالذي يسرق في البداية الشيء اليسير كالبيضة والحبل، ثم يؤدي به الأمر إلى أن يسرق شيئاً ذا قيمة، فتقطع يده في النهاية.
وقد عاقب النبي ﷺ أقواماً سرقوا وقتلوا وكفروا عقاباً أليماً، وكانت السرقة إحدى جرائمهم، فإنهم قدموا من عكل أو عرينة، فاجتووا المدينة، نزلوا بها، ثم مرضوا، ولم يلائمهم جوها، فأحسن إليهم النبي ﷺ، فأمرهم بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، علاج للحمى، وعلاج للمرض الذي أصابهم، وبول كل ما أكل لحمه طاهر، فانطلقوا فلما صحوا -رجعت إليهم الصحة-، قتلوا راعي النبي ﷺ، واستاقوا النعم -أخذوا الإبل-، فجاء الخبر في أول النهار، وكان مع النبي ﷺأبطال، فبعث في آثارهم، فما ارتفع النهار حتى جيء بهم عند النبي ﷺ حاضرين، ألقي القبض عليهم، أين يهربون؟ من شجاعة الصحابة ما ارتفع النهار إلا والحرامية عند النبي ﷺ، فقطع أيديهم وأرجلهم، ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها، وطرحهم بالحرة، على الصخور الحارة، يستسقون فلا يُسقون، قال أبو قلابة: "فهؤلاء سرقوا، وقتلوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله".
عاقبة السرقة
وقد أخبرنا النبي ﷺ: أنه رأى في جهنم سارقاً بل سارقين، فيما رواه النسائي رحمه الله في حديث الكسوف المشهور الذي رواه الأئمة في مصنفاتهم، عن عبد الله بن عمرو قال: "كسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ، فصلى رسول الله ﷺ، فأطال القيام، ثم ركع، فأطال الركوع، ثم رفع فأطال، في السجود أيضاً نحو ذلك، وجعل يبكي في سجوده، وينفخ ويقول: رب لم تعدني هذا وأنا أستغفرك، لم تعدني هذا وأنا فيهم، فلما صلى قال: عرضت علي الجنة حتى لو مددت يدي، تناولت من قطوفها، وعرضت علي النار فجعلت أنفخ خشيت أن يغشاكم حرها" رحمة من النبي ﷺ، " فجعلت أنفخ خشيت أن يغشاكم حرها، ورأيت فيها سارق بدنتي رسول الله ﷺ، ورأيت فيها أخا بني دُعدُع سارق الحجيج، فإذا فطن له قال: هذا عمل المحجن"[رواه النسائي (1496)] يأخذ محجنه يطوف حول البيت، ويعلق هذه العصا المكوفة بمتاع الحاج، فإذا فطن له قال: آسف، هذا تعلق بمحجن، وإذا لم يفطن له ذهب به، سارق الحجيج، عصابات السراق الذين يأتون إلى الحجيج يسرقون الحجيج في موسم الحج، وينظمون ذلك، لا يتركون حرماً، ولا مسجداً آمناً، ولا عباد الله العباد الحجاج، هذا كان في النار رآه النبي ﷺ.
وأخبر ﷺ أن السارق عند سرقته لا يكون مؤمناً، يرتفع منه الإيمان: لا يسرق حين يسرق وهو مؤمن[رواه البخاري (2475)، ومسلم (57)]، ومن السرقات العظيمة السرقة من الأراضي، تغيير العلامات ليسرق من الأرض، ويضيف ما ليس من حقه في حقه، يدخله فيه، قال ﷺ: ومن سرق من الأرض شبراً شبراً واحداً يأخذه الرجل من أرض جاره، شبراً واحداً، ومن سرق من الأرض شبراً طوقه يوم القيامة من سبع أرضين هذا الشبر اضرب في عمق سبع أرضين ويجعل حول عنق السارق يوم القيامة، كيف يحمله؟! كيف يطيقه؟! هكذا هو حاله يوم القيامة.
وكذلك روى مسلم رحمه الله عن ندم السارق يوم تقوم الساعة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوانتخرج الأرض كل ما فيها من الكنوز والأموال من الذهب والفضة -التي هي سبب تقاتل الناس وشجعهم، وسرقتهم واعتداء بعضهم على بعض، وقطعهم أرحامهم- تقيء الأرضإذن يوم القيامة تقيء الأرض، أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل، فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع، فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قُطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً[رواه مسلم (1013)].
عباد الله: إن الأمر جد خطير، إن هذه الجريمة التي ترتكب من قبل كثير من الناس في اعتدائهم على الأموال العامة، والسيارات والبيوت، والمخازن والأسواق، والحقائب والأموال، إنها جريمة عظيمة، ولا ننسى أن نذكر حديث النبي ﷺ في أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته؛ لا يتم ركوعها، ولا سجودها، كما جاء في الحديث الصحيح.
رسولنا الكريم يقيم حد السرقة
عباد الله: لقد نزل حد الله تعالى في السارق بقطع يده، ولم يتوانى النبي ﷺ في قطع الأيدي في السرقة إذا ثبت الحد واستوفيت الشروط، وقد كانت قصة المرأة المخزومية قصة عظيمة فيها عبر وأحكام، رواها الأئمة في كتبهم، وهذه رواية مسلم عن عائشة زوج النبي ﷺ: "أن قريشاً أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي ﷺ"، وكانت هذه المرأة تأخذ الأمانات، وتستعير ثم تجحدها، تستعير الأشياء ثم تجحدها، تقول: ما أخذت منكم شيئاً، ولا استعرت منكم شيئاً، ولا لكم عندي شيء، "في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله ﷺ؟" بنو مخزوم من سادات قريش، بنو مخزوم من عيون العرب، بنو مخزوم قبيلة في غاية الاحترام، سرقت منهم امرأة، ألقي القبض عليها، اهتمت قريش كلها في شأن المرأة المخزومية، من ساداتهم من عيونهم، قالوا: "من يكلم فيها رسول الله ﷺ؟" فقالوا: "ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله ﷺ" انتقوا أحب الناس إلى النبي ﷺ، "فأتي بها رسول الله ﷺ، فكلمه فليها أسامة بن زيد" يستشفع، شفاعة، "فتلون وجه رسول الله ﷺ" تلون غضباً على أسامة بن زيد، "فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟! الحد ثبت، جيء به إلى الحاكم، أتشفع في حد من حدود الله؟!، فقال له أسامة أي نادماً-: "استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العشي قام رسول الله ﷺ، فاختطب، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد هذا الذي أهلك الذين من قبلهم، وهو الذي سيُهلك الذين يتعاطون هذا، وإني والذي نفسي بيدهحلف، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، وفي رواية: "أن المرأة استعاذت بأم سلمة" لجأت مستعيذة بأم سلمة، فقال ﷺ: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، "ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها"، ولا بد من تنفيذ الحكم، قُطعت يدها، ولكن هذه المرأة كما جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها "حسنت توبتها، وتزوجت" يعني: يوجد مكان للتائب في المجتمع الإسلامي، "وتزوجت" هناك من يتزوجها، "وكانت تأتي بعد ذلك إلي"، "تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله ﷺ" [رواه البخاري (3475)، ومسلم (1688)].
إذن: لا بد من إقامة الحد إذا وصل إلى الحاكم، يتعافى الناس الحدود بينهم، ويسامح بعضهم بعضاً، ويتنازل بعضهم لبعض قبل أن تصل إلى القضية، قبل أن تصل إلى الشرع، لكن إذا وصلت إلى الشرع حد السرقة لا بد من تنفيذه؛ ولذلك جاء في سنن النسائي عن صفوان بن أمية: "أنه طاف بالبيت وصلى، ثم لف رداءاً له من برد، فوضعه تحت رأسه، فنام فأتاه لص فاستله من تحت رأسه، فأخذه، فأتى به النبي ﷺ، فقال: إن هذا سرق ردائي" قبض عليه وجاء به، "فقال له النبي ﷺ: أسرقت رداء هذا؟قال: نعم، قال: اذهبا به، فاقطعا يده، قال صفوان: ما كنت أريد أن تقطع يده في ردائي، فقال له ﷺ: فلو ما قبل هذا" [رواه النسائي (4881)]، وفي قصة عند أحمد: "أن النبي ﷺ أتاه رجل بشخص، فقال: هذا سرق خميصة لي، فأمر بقطعه، فقلت: يا رسول الله، فإني قد وهبتها له، قال: فهلا قبل أن تأتيني به" [رواه أحمد (14879)]، فإذا جاء ووصل الأمر إلى القاضي لا تقبل الشفاعات، ولا الواسطات، الشفاعة في الحدود جريمة عظيمة، ولكن الذين إذا أسقطوا الحد يسقط في الشرع كأولياء القتيل إذا سامحوا في حقهم سقط...، أما السرقة إذا وصلت إلى الحاكم لا تقبل فيها شفاعة.
بشرى للمسروق منه
وليبشر المسروق منه بأنه سيأخذ من حسنات السارق يوم القيامة، أو يؤخذ من سيئاته فتطرح على السارق، والنبي ﷺ أخبر: أنه ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة[رواه مسلم (1552)] كما جاء في الحديث عنه ﷺ، في هذا بيان أن المسروق منه ماله لا يضيع عند الله، عرف السارق، أو لم يعرف.
والحدود كفارة لأهلها إذا أقيم الحد في الدنيا كان كفارة لصاحبه.
نسأل الله أن يعافينا، وأن يعفو عنا، وأن يعفنا، وأن يجعلنا رزقنا حلالاً، اللهم اغننا بحلالك عن حرام، وبفضلك عمن سواك، يا سميع الدعاء.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على النبي الأمين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن رسوله المبعوث رحمة للعالمين، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
حِكَم وأحكام في قطع يد السارق
عباد الله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌسورة المائدة:38، وذكر النبي ﷺ المبلغ والمقدار الذي تقطع فيه يد السارق، فقال: تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً[رواه البخاري (6789)] ربع دينار! تصور! ربع دينار! الدينار أربعة وربع غرامات من الذهب، تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً، وأجمع المسلمون على وجوب قطع يد السارق في الجملة.
والسارق عنصر فاسد في المجتمع، إذا تُرك صار فساده في جسم الأمة، فلا بد من حسمه بالحد، تلك اليد الظالمة التي امتدت إلى ما لا يجوز لها الامتداد إليه، الهاتمة الباغية التي تأخذ ولا تعطي لا بد من قطعها، إن السرقة التي عرفها العلماء بقولهم: أخذ المال على وجه الاختفاء من مالكه، لها شروط إذا توافرت في السارق والمسروق منه، مثل أن يكون معصوماً، ولا شبهة للآخذ منه، وكان المال المأخوذ قد بلغ النصاب، وأُخذ من حرز، ولم تكن هناك مجاعة، وكان الأخذ على وجه الخفية؛ ولذلك المغتصب والمنتهب على عظم الجريمة لا يقطعان، لكن يؤدبان بالتأديب البالغ، إذا توافرت الشروط قطعت يد السارق، قال ابن القيم رحمه الله: "إنما قطع السارق دون المنتهب والمغتصب؛ لأنه لا يمكن التحرز منه" الغاصب يمكن أن تخفي مالك عنه، وكذلك المنتهب الذي يأخذه عياناً، "أما السارق فإنه ينقب الدور، ويهتك الحرز، ويكسر القفل، فلو لم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضاً، وعظم الضرر، واشتدت المحنة، ولكن المنتهب والمغتصب يُكف عدوانهم بالضرب والنكال، والسجن الطويل، والعقوبة الرادعة كما ذكر العلماء، فإذا كان المسروق مالاً محترماً ليس محرماً كآلة اللهو والخمر، والخنزير والميتة، وكذلك المالك محترماً ليس كافراً حربياً، فإنه حلال الدم والمال، وكذلك كان المسروق نِصاباً ثلاثة دراهم إسلامية، أو ربع دينار إسلامي، أو ما يقابلها، فإن اليد تقطع بتوافر الشروط"، تقطع يد السارق في ربع دينار مع أن دية اليد في الشريعة خمسمائة دينار؛ لأنها لما كانت أمينة كانت ثمينة، لما خانت هانت؛ ولذلك لما اعترض بعض الملاحدة على حد السرقة -وهو أبو العلاء المعري-، فقال:
يد بخمس مئين عسجد وديت | ما بالها قطعت في ربع دينار |
العسجد هو الذهب
يقول: يد ديتها في الشريعة خمسمائة دينار من الذهب تقطع في ربع دينار، فأجابه بعض العلماء، فقال راداً على شبهته في النظم والقافية نفسها قال:
"عز الأمانة أغلاها" اليد الأمينة ديتها خمسمائة دينار.
عز الأمانة أغلاها وأرخصها | ذل الخيانة فافهم حكمة الباري |
لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت تُقطع، تقطع اليد.
وتكلم العلماء رحمهم الله تعالى في الحرز وشروطه، ومعنى المال المحفوظ، وقضية الدكاكين والخزائن والبيوت، وما الذي يكون حرزاً مما لا يكون، وانتفاء الشبهة، وقضية درء الحد بالشبهة؛ ولذلك إذا سرق من مال ابنه، أو سرق من مال أبيه، أو سرق من مال زوجته، فهذه شبهات تدرأ الحد، أما سرقة الأقارب من بعضهم تقطع عند جمهور العلماء، إذا سرق من أخيه، من أخته، من عمه، من عمته، من خاله من خالته، من زوج أمه، من زوجته بعد الطلاق والفراق، فهو سارق تقطع يده.
وتكلم العلماء في الشهادة، وكيفية إثباتها، وصفة العملية، ومن شروطه أن يطالب المسروق منه بالمال، فلو لم يطالب لم يجب القطع إلا أن تكون جريمة عامة في حق عامة المسلمين، فإذا تكاملت الشروط قطعت اليد اليمنى من مفصل الكف، مفصل الكف هنا الكوع، هذا الكوع مفصل الكف، تقطع اليد منه؛ لأنها آلة السرقة، فعوقبت اليد بإعدامها؛ لأنها آلة السرقة، ويعمل ما يحسم الدم، ويندمل به الجرح، وبعض الخواجات المهابيل جاء يطالب باليد يقول: هاتوها بعد القطع نضعها في الثلج ونعيدها بالخياطة، فنقول: إن الشريعة قد قصدت قطعها وإزالتها، وليس أن تقطع ثم تعاد، ثم تقطع، ثم إذا سرق المرة الثانية تقطع الرجل اليسرى، واليد اليمنى، والرجل اليمنى إذا توالت السرقات في كل مرة، تقطع، ويقطع طرف من الأطراف.
ظاهرة انتشار السرقة أنواع وأسباب
عباد الله: أنتم ترون وتسمعون ما عم به البلاء من السرقة من أموال الناس؛ ولذلك جاءت الشريعة بهذا الحد، وبهذه العقوبة، لقد عمت السرقات، صار بعض الناس يسرق من بيت جيرانه، تزور المرأة بيت الجماعة الفلانيين فإذا غابت صاحبت البيت للإتيان بالضيافة سرقت، وهذا شاب طائش يدخل البقالة ويسرق، وهذا يدخل في المحلات يخفون في جيوبهم، وسائل أصحاب المحلات عن الميزانيات في دكاكينهم كم يضعون للمسروقات فيها، واضطروا لوضع الكاميرات المرايا لأجل هؤلاء السراق، ومع ذلك تحدث السرقات، ويدخلون الأماكن التي فيها البضائع الثمينة يأخذون ويسرقون، وهؤلاء الشباب الطائش يفتحون السيارات يسرقون السيارات؛ يلعبون بها، أو يأخذونها، أو يبيعونها، أو يزورون الأوراق، ويفعلون، ويفعلون، وكذلك هؤلاء المؤتمنون على أموال المسلمين يسرقون؛ فتجد هذا المدير، أو هذا الموظف يأخذ من أموال المسلمين.
أيها المسلمون: إن السرقة من الأموال العامة مصيبة عظيمة؛ لأنها سرقة من جميع المسلمين، إذا سرق من المال العام، وأخذ من المال العام من بيت المال سرق من جميع المسلمين! العقوبة عظيمة عند الله تعالى، تفننوا في السرقة، تنوعت الأشكال، العصابات، قلدوا الغربيين في الأفلام، وأخذوا الأفكار من الأفلام، وصار السطو المسلح، والتهديد للسرقة، التخفي والتلثم، كل هذا من أين أتى؟ نزع خوف الله من قلوبهم، زال الإيمان، وإذا زال الإيمان ونزع فلا أمان.
عباد الله: نقول هذا الكلام، ونذكر به، وفي الذكرى فائدة لمن ألقى السمع وهو شهيد، ويجب إعادة الأموال المسروقة إلى أصحابها، إذا تاب الإنسان إلى الله ، يجب عليه أن يعيدها علانية أو سراً، باعتذار أو بغيره، بواسطة أو بغيرها، لا بد من إعادة المال المسروق؛ لأن هذه حقوق عباد لا تزول بالتوبة فقط، التوبة حق الله، اعتديت على دينه، وانتهكت حدوده ومحارمه، التوبة والندم والاستغفار والصالحات، ولكن حق الناس لا يضيع، لا بد من أدائه، لا بد من إعادته بأي طريقة، لا بد أن يعاد المال على مراحل، وإذا لم يستطع دفعة واحدة أعاده على مراحل، أو استسمح من صاحبه، هناك إحراج، حرج الدنيا أهون من حرج الآخرة، مات، يعاد إلى ورثته، لم يوجد لا هو ولا الورثة يتصدق به نيابة عنه، لا بد من إعادة المال المسروق.
وترى الناس الذين أخذوا أشياء من السيارات، أو الإطارات، غطاء الإطار هذا، طاسات السيارات، كم سُرق منها؟ كل هذا مسجل عند الله تعالى، مسجل ومحسوب عند الله تعالى.
وتربية الأبناء يا عباد الله ، بعض الناس الذين هم مسكوا في السرقات أغنياء، ما هم محتاجين، لكن السرقة عندهم أصبحت مرضاً، السرقة مرض، داء خبيث، مرض، شهوة، فيسرقون بسبب أنه لا يوجد تربية، ولا حفظ للأولاد، لم ينشأ الولد منذ صغره على العفة، ولا على إعادة الأشياء إلى أصحابها، لما سرق في الفصل الدراسي، لما سرق قلماً من زميله، لما فتح حقيبته ما تابعه الأب، ولا تابعته الأم، وهكذا خرج السارق، خرج من البيوت، مسؤولية على الأولاد، والآباء والأبناء قبلهم، مسئولية على الجميع.
والكلام في موضوع السرقة يطول أيها المسلمون، نكتفي بهذا القدر منه.
ونسأل الله السلامة والعافية، ونسأل الله تعالى ألا يرينا مكروهاً من هذا، أو من غيره في أنفسنا، أو أولادنا.
واعلموا -أيها الإخوة- أن هذا شهر عظيم مبارك، هو شهر الله المحرم، من الأشهر الحرم العظيمة التي يضاعف فيها الذنب، وفيها يوم عظيم يوم نجَّا الله فيه موسى ومن معه، وهو يوم عاشوراء شرع لنا صيامه، ومخالفة اليهود بصيام يوم قبله، وهو أفضل، أو يوم بعده، وحيث أنه لم يثبت خبر، ولم ينقل خبر، ولم يأت من يبلغ بدخول الشهر على حسب التقويم، فإننا نجري على القاعدة، وما هي القاعدة؟ أن نكمل الشهر الماضي ثلاثين يوماً، فإذا أكملنا شهر ذي الحجة ثلاثين يوماً يكون عاشوراء يوم السبت.
ود كثير من الناس لو أنهم صاموا الخميس والجمعة إجازة ودون تعب العمل، ولكن المسلم يضحي لله تعالى ويصبر، وهي نافلة على أية حال ليست بإلزامية، ولكن الأجر العظيم فيها في تكفير سنة قبله هي التي تحمل المسلم على الصبر والتحمل، ومن صام الخميس احتياطاً لتاسوعاء، ولأنه يوم يصام فيه أصلاً، ويستحب فيه الصيام فقد أحسن، الخميس والجمعة والسبت، فإذا كان السبت عاشوراء صمنا الجمعة والسبت، وإذا صام السبت والأحد يوم بعده بالإضافة إلى عاشوراء، فهو أيضاً طيب، والحمد لله على نعمة وامتنانه.
اللهم إنا نسألك الأمن والأمان في بلادنا وبلاد المسلمين، اللهم إنا نسألك العفة واليقين، اللهم إنا نسألك الثبات والتقوى، والتمسك بالعروة الوثقى، اللهم إنا نسألك أن تنزل بأسك باليهود والنصارى، اللهم اجعلها عليهم ناراً ودماراً، اللهم إنا نسألك النصر لأهل الإسلام عليهم.
أيها المسلمون، لا نشك لحظة واحدة أن اليهود يدبرون لنا في الخفاء مؤامرة عظيمة، ولا نشك دقيقة واحدة في أنهم يعدون العدة لحرب يريدون بها النكال بالمسلمين، والله تعالى هو المسؤول أن يسلط عليهم من جنوده وعباده من يطفئ نارهم.
فنسأله سبحانه النصر عليهم، ونسأله سبحانه الهزيمة لهم، إنه سميع الدعاء، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
-
سارة
ان ظاهرة السرقة انتشرت بشكل غير مقبول و لاسيما في الدول الاسلامية انه لعلر ان يسرقك اخوك و ابوك و انت فى بيتك لا تامن حتى على نفسك ياااااااا رب سترك
-
عبد النور
جزاك الله خيرا على الموضوع الشامل، ومن السرقات المحتقرات ركوب الحافلات الخاصة للجامعيين مثلا وليس الراكب منهم. ومنها ما أخذ بسيف الحياء، كاصطحاب غير المدعووين إلى المناسبات مع إحراج المضيف. ومنها إزعاج الأصحاب بدفع مبالغ الوجبات في النزهات بطريق المزاح المحشي بالجد والاستغلال والأنانية
-
samia
اصبحت السرقة ظاهرة ملموسة في المجتمع المغربي