الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
خطورة التراجع في الدين
فإن الله قد أمرنا أن نعتصم بحبله المتين، وبكتابه المبين، وأن نقيم شرعه القويم:وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًاسورة آل عمران:103، وأن الاستمساك بالعروة الوثقى من علامات الإيمان، والاستمساك هو الأخذ بالجميع، وعدم ترك شيء: خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍسورة البقرة:63، وقد أنزل الله هذا الدين ليعمل به كما هو بدون تغيير ولا تبديل، ولا تحريف، ولا زيادة ولا نقصان: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًاسورة المائدة:3.
عباد الله: إن عدداً من المسلمين -وخصوصاً في هذا الزمان- قد شرعوا تحت ضغط الواقع إلى عمل تغييرات، وإجراء تبديلات في بعض أحكام الدين لأجل مسايرة من حولهم، وهذه قضية جد خطيرة، أن ننتقل من المعصية إلى التبديل والتحريف، فإن العاصي الذي يفعل ما يفعل -وهو مقر بالحكم الشرعي- أهون عند الله من الذي يقول: إن الدين ليس هكذا أصلاً، فيحل ما حرم الله، ويبدل ويغير، ويزعم أن هذا هو الحكم الذي أنزله الله، وأن الدين يبيح هذا الأمر.
ونحن المسلمين لا يجوز لنا بأي حال من الأحوال أن نرضى بأي تغييرات يحاول بعض هؤلاء الانهزاميين أن يجروها على أحكام الدين، ويشيعون هذه التغييرات بين العامة، وانتبهوا معي لهذه القضية؛ فإنها من الخطورة بمكان، تحت ضغط الواقع، وانهزاماً أمام الهجوم الذي يقوده أعداء الإسلام على الإسلام، وما يروجونه حول المسلمين في إعلامهم، يقوم بعض المسلمين بالكلام على أمور من الأحكام الشرعية يتضمن تقديم تنازلات، والتراجع عن التمسك بأحكام أو إثباتها، تراجعاً أمام الكفار، وانهزاماً أمام الهجوم، ورضوخاً للضغوط، وتروج هذه الفتاوى الجديدة للعامة -في الفضائيات وغيرها- على أن هذا من دين الإسلام، هذه من أخطر القضايا التي ينبغي على المخلصين أن يتصدوا لها، وأن ينتبهوا للمكر والسوء الموجود فيها.
الثبات على الدين نعمة
عباد الله: لقد قال الله لنبيه ﷺ: وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً * إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِسورة الإسراء:74-75، والله أعلم نبيه ﷺ بأن القضية قول فصل، وليس بالهزل، وعندما عرض عليه الكفار شيئاً من المبادلة في المواقع، وقالوا: نعبد إلهك سنة، وتعبد إلهنا سنة، أنصاف حلول نتوصل بها إلى أرضية مشتركة نتعايش فيها وإياك -يا محمد ﷺ تعايشاً سلمياً بمكة! تعبد إلهنا سنة، ونعبد إلهك سنة: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَسورة القلم:9، تتراجع أنت ويتراجعون هم، وتصلون إلى حل وسط، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَسورة الكافرون:1، وناداهم بالكافرين؛ تصريحاً بكفرهم، وإعلاناً بعداوتهم، واتخاذاً للموقف الصريح منهم: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَسورة الكافرون:1، ليس يا أهل مكة الذين تقيمون معي! ويا إخواننا في البلد! لا، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُسورة الكافرون:1-5، تكرار بعد تكرار، وإصرار بعد إصرار على الثبات على الأصل وعدم التراجع، وإعلان المفاصلة بقوله في النهاية: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِسورة الكافرون:6، يودع المؤمن روحه التي تقبض في نومه بهذه السورة؛ إعلاناً منه بالبراءة من المشركين، والثبات على التوحيد قبل كل نومة ينامها، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَسورة الكافرون:1.
ثبات أهل الباطل على باطلهم
عباد الله: إذا كان الكفار يثبتون على دينهم الباطل، ويقولون لأنبيائهم: إننا غير مستعدين لتغيير ما كان يعبد آباؤنا، ويقولون لأنبيائهم: قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَاسورة الأعراف:70، قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَاسورة هود:62، وقال عن قوم فرعون عن قولهم لموسى: قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَاسورة يونس:78، وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَاسورة البقرة:170، ما هو الشاهد هنا؟ أن الكفار يتمسكون بما عندهم من الباطل، فإذا كانوا يصرون على الكفر، وليسوا مستعدين لترك ما كان عليه آباؤهم، أفلا يكون الأجدر بنا أهل الإسلام أن نتمسك بما نحن عليه من الحق، وألا نتراجع عما يروجه هؤلاء؟! سواءً كانوا أعداء الإسلام، أو الذين يريدون أن يسيروا على منوالهم، ويستجيبوا لدعوتهم، ويتأثروا بضغوطهم، وإن من أوضح الأمثلة على هذا قضية التآخي بين الأديان، أو التقارب بين الأديان، هذه الدعوة التي يروجونها اليوم تحت عنوان السلام العالمي، التقارب بين الأديان، ما معنى التقارب بين الأديان؟ إذا كان اليهود يقولون: عزير ابن الله، ويقولون: يد الله مغلولة، ويقولون: إن الله فقير ونحن أغنياء، وإذا كانت النصارى يقولون: المسيح ابن مريم هو الله، أو هو ابن الله، أو هو ثالث ثلاثة، كيف يكون التقارب مع مثل هؤلاء البشر؟ كيف يكون؟ أنت يمكن أن تتقارب مع ناس يشتركون معك في الأصول مثلاً، تتقارب معهم في الفروع، لكن إذا كانت الأصول مختلفة تماماً، فكيف يحدث التقارب؟! كيف يمكن أن يحدث التقارب؟! فالتقارب إذن مع اليهود والنصارى ما هو في ديننا؟ هو كفر بالله ، التقارب معهم خروج عن الإسلام؛ لأن الله أنزل ديناً لا يقبل غيره، وأنزل شرعاً لا يرضى بتبديله ، ولا بالتنازل عن شيء منه، هذا الكلام نقوله الآن في الوقت الذي يخرج أولئك في الفضائيات، وغيرها ليقولوا: إن هناك أخوة بيننا وبين إخواننا المسيحيين، لماذا؟ قال فض فوه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌسورة الحجرات:10، نحن مؤمنون، وهم مؤمنون، هذا الدليل، فإذا آمنوا بكفرهم وبباطلهم فهم مؤمنون عنده، ونحن مؤمنون بالله إذن نحن جميعاً نشترك، ثم يقول: إن مودة المسلم لغير المسلم لا حرج فيها، أليس الله قد قال: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِسورة الممتحنة:1؟ كيف نقول بعد ذلك: إن بيننا وبينهم مودة؟.
يأتي إلى قوله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْسورة المائدة:82، فيقول: هذا الكلام كان بالنسبة للوضع أيام النبي ﷺ، وليس الآن، فقل لي -أيها المسلم- بالله عليك أيهما أفظع في التسلط والحرب على الإسلام وأهله يهود اليوم أو اليهود الذين كانوا أيام النبي ﷺ؟ من هم أشد كيداً وقوة وحرباً على الإسلام يهود اليوم، أم يهود الأمس؟ ثم نأتي ونقول: هذه الآية خاصة بزمن النبي ﷺ، وكلما تورط هؤلاء العقلانيين الضلال بورطة في نص شرعي أقرب ما يكون لها أن يزعم أن هذه خاصة بأيام النبي ﷺ، وهكذا أي حكم شرعي لم يستطيعوا تطويعه والعبث به وخداع الناس في شأن تنفيذه أسهل ما يقولون: هذه خاصة بأيام النبي ﷺ، وكأن الله أنزل ديناً لسنوات معينة، ثم ينتهي مفعوله.
وكذلك بناءً عليه تباح الفروع الأخرى إذن فيما هو دون ذلك، في قضية التهنئة بالأعياد مثلاً؛ لأن هذه بجانب هذه لا شيء، فإذا أجاز المودة، وقال: إن أشد العداوة كانت في ذلك الزمان؛ إذن قضية التهنئة بالأعياد لا شيء فيها، هذه قضية بسيطة وسهلة بجانب القضية الكبرى، والقاعدة التي وضعت، وهو مسألة الأرضية المشتركة بيننا وبينهم.
ثم يقال: إن العداوة بيننا وبين اليهود من أجل الأرض التي سلبوها، وليست عداوة دينية، والله الذي لا إله إلا هو إذا كنا لا نكرههم لأنهم سبوا الله، وقالوا: يد الله مغلولة، وأن الله خلق السماوات والأرض وتعب واستراح يوم السبت، وأن الله فقير ونحن أغنياء، إذا كنا لا نكرههم لأجل هذا فلا دين، ولا إيمان، ولا خير فينا على الإطلاق، إذا كنا سنكرههم لأنهم سلبوا شيئاً مادياً ودنيوياً، وهو أرض وزرع، ولا نكرههم لأنهم سبوا إلهنا وخالقنا وأشركوا به، فأي خير فينا إذن؟! وأي دين؟! وأي إيمان؟!.
أيها الإخوة: هناك ممارسات خطيرة جداً إذن تمارس في قضية العقيدة تلبيساً وتشويهاً، وتمويها وخداعاً وتضليلاً على المسلمين، قل: بحسن نية، يقصد ولا يقصد، لكن هذه هي النتائج، وهذه هي بوضوح.
أيها الإخوة: إن الإنسان إذا شُتم، وسب أبوه وأمه غضب، وانتفخت أوداجه، واحمر وجهه، فكيف إذن يرضى بأن يحب أو يتقارب مع قوم سبوا إلهه؟! إذا كان الإنسان يغار على عرضه أفلا يغار على دين ربه؟! لماذا إذا انتقص منا شيء غضبنا، وإذا سلب منا مال قمنا وفزعنا، وإذا انتقص شيء من الدين سكتنا، ولم ندافع عن ديننا؟! فأي خير في قوم هذه طريقتهم؟!
تنازلات في الدعوة إلى الله
عباد الله: وإن من التنازلات التي تقدم، وهي من أسوأ أنواع التنازلات التنازل في الدعوة إلى الله ، والتنازلات في هذا المجال كثيرة، وكثيرة جداً، وتأتينا تحت مسمىً التأقلم مع الواقع، والتمشي مع الواقع، يعرف علماء الاجتماع هذا بالتأقلم مع المعطيات الاجتماعية والعلمية المتجددة في العصر، التأقلم والتمشي والمسايرة، يجب أن ننتبه انتباهاً شديداً لهذه الدعوة الخطيرة: التأقلم والتمشي والمسايرة، وبهذه السكين تذبح العقيدة، بسكين التأقلم والتمشي والمسايرة تذبح الأحكام الشرعية، فإذن لو قال لك إنسان: أنا سأتأقلم مع الواقع المعاصر، وسأنتقل من استعمال الجمل إلى استعمال السيارة، إن هذا تأقلم جيد، في أمور الدنيا تأقلم بما أباح الله، وساير وواكب وتمشى بما أباح الله، لكن لو واحد قال لك: في أحكام الدين سنتأقلم ونتمشى ونساير الواقع؛ فاعلم أنه ضال مضل مفترٍ كذاب أشر، وداعية باطل؛ لأن المقصود تغيير الدين، لو قال: هذا حكم، ولا أستطيع تطبيقه، بل لو قال: وأنا عاصٍ لا أطبقه، لكان أهون، لكن أن يقول: إن الحكم ليس هكذا، وإن الحكم قد تغير في هذا الزمان، الحكم قد تغير، هذه كارثة كبرى، وهذه مصيبة عظيمة، ولذلك كان من الوسائل التي استعملها هؤلاء المنهزمون قضية العقل في مواجهة النص الشرعي، وجاءوا بالأمثلة، فإذا قلت: ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح[رواه البخاري (4730)]، قال: عقلي لا يقبل هذا، والموت أمر معنوي، وكيف يكون كبشاً، أو حيواناً من الحيوانات، فنقول: ألست تعلم أن الله على كل شيء قدير؟ الله على كل شيء قدير، يبعث هذه الأجساد بعد أن صارت بالية، فلن يعجز سبحانه بأن يجعل الشيء المادي معنوياً، والمعنوي مادياً، أليس هو على كل شيء قدير؟.
وعندما يأتي إلى حديث في البخاري: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة[رواه البخاري (4425)] قال: هذا لا يتماشى مع الواقع، ولا بد أن نتأقلم مع الواقع، والواقع الآن فيه رفع لراية المرأة، وحرية المرأة، ودور المرأة، فكيف نستطيع أن نجاهر بهذا الحديث في عالم اليوم؟! لا مكان لحديث البخاري في عالم اليوم، عالم اليوم عالم الحرية، عالم رفع لواء المرأة، وتحرير المرأة، وتوسيع دور المرأة، كيف نقول: لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة؟! إذن هذا حديث لا يصلح أن يطبق في عالم اليوم، ولذلك هؤلاء، لا يمكن أن يقروا أبداً أمام الناس، وفي الملأ، وفي الفتاوى الفضائية بحديث مثل: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للب الرجل الحازم من إحداكن[رواه البخاري (304)، ومسلم (80)]، ما يمكن أن يقول بهذا؛ لأنه يراه فشيلة، وهذا من أسوأ أنواع الانهزام أن يرى الإنسان نصاً شرعياً، وحكماً دينياً، يراه فشيلة، ولذلك لما عرض عليه الحديث قال: هذه كانت مزحة من النبي ﷺ، مزحه، وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىسورة النجم:3-4، كيف يكون هذا الكلام مزحة، وغير مقصود، هل النبي عليه الصلاة والسلام يلبس على الناس، ويقول كلاماً لا نعرف جده من هزله، ولا نعرف مقصوده؟ مزحة! هذا نبي، أو لعب؟! هذا مسلسل فكاهي، أو نبي يبين للناس ما نزل إليهم من ربهم؟! ثم يأتي على حديث: ما رأيت من ناقصات عقل ودينيقول: مزحة، فإذا قلت: قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: لا يقتل مسلم بكافر[رواه البخاري (111)]، هذا مؤمن، وذاك كافر لا يستويان عند الله، فيقول: هذا مخالف للعدل، وهذا الحديث لا يليق بزماننا، سبحان الله! انظر إلى القضية: لا يليق بزماننا! إذن الزمان الآن هو الحاكم، والواقع هو المسيطر، والتشريع يؤخذ من الواقع، وما كان مرفوضاً في الواقع فهو مرفوض عنده، وما كان الواقع يقبله فهو مقبول عنده، وليس ما يقبله الدين، وما يرفضه الدين، وإنما ما يقبله الواقع، وما يرفضه الواقع، فإذا قال لك إنسان: لو أن مسلماً قتل كافراً ماذا يكون عند الله؟ نقول: إذا قتله بحق فهو مأجور، وتقرب إلى الله بقربة من أعظم القربات، وإذا قتله معتدياً ظالماً، فهو آثم عند الله: ومن قتل معَاهَداً لم يرح رائحة الجنة[رواه البخاري (3166)]لكن شرعاً في القضاء الإسلامي لا يُقتل، مثل الوالد لو قتل ولده، ما حكمه عند الله من جهة الإثم؟ آثم إثماً كبيراً، أزهق نفساً بغير حق، لكن الشارع هو الذي قال: لا يقاد والد بولده، ولذلك لا يقتل الوالد لاعتبار معين يريده الشرع، لا يقتل الوالد إذا قتل ولده، لكن عند الله آثم يعذب في نار جهنم بالزبانية، وبأشد العذاب، هذا أمر معروف، لكن في الحكم والقضاء الشرعي لا يُقتل، هذا شرع الله، فإذا قال: لكن هذا ليس فيه عدل، ولا إنصاف كفر مباشرة؛ لأنه يتهم الله بالظلم، ويتهم الشريعة بالحيف.
فإذن -أيها الإخوة- تحت ثقل الواقع يرزح هؤلاء، ويتراجعون عن أحكام الدين، ويشوهون الإسلام، وينقضون عرى هذه الشريعة عروة عروة باسم التأقلم والمسايرة والتمشي، ليس في الأمور الدنيوية، وإنما في الأمور الدينية، وهذا هو الخطأ.
اللهم إنا نسألك أن تفقهنا في ديننا، وأن تبصرنا بشرعك يا رب العالمين، اللهم اجعلنا بدينك مستمسكين، اللهم إنا نسألك السلامة والعافية يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
ردوا الشرع بالعقل الفاسد
قد عرفنا خطورة دعاوى هؤلاء الذين يريدون تغيير الأحكام الشرعية، ولا يقرون بالحدود مثلاً، فيرفضون تطبيق حد الردة، يرفضون حديث النبي ﷺ: من بدل دينه فاقتلوه[رواه البخاري (3017)]، ويرفضون تطبيق حد رجم الزاني، ويقولون: لا يتناسب مع العصر، ويرفضون قطع الأعضاء، قطع يد السارق، أو إقامة حد المفسدين في الأرض، أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويقولون: هذه وحشية لا تتناسب مع العصر الحالي، عرفنا أن القائل بهذا ضال مضل بل إنه كافر؛ لأنه رافض للحكم الشرعي الذي أنزله الله، ومن لم يرض بما أنزل الله فهو كافر، ومن لم يكفِّر الكافرين الذين كفرهم الله فهو كافر -كما نص العلماء-، من رفض تكفير الكافر، أو شك في كفره فهو كافر، لماذا؟ لأن الله كفره، قال: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍسورة المائدة:73، ثم قال هذا: أنا لا أكفره، أو أتوقف في كفره، والله قد كفره، وقال: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةسورة المائدة:73.
عرفنا إذن على ضوء ما تقدم أن الذين يقولون: إن الربا لا شيء فيه في هذا العصر، أو إن القليل منه 1%، 2% لا يتجاوز 5% لا بأس به إذا كان باسم مصاريف إدارية، أن ذلك كله هراء، وكلام فارغ، وأنه خروج عن الشرع، ومصادمة لدين الله ، والذين يقولون: إن الاختلاط اليوم لا بأس به تحت ضغط الواقع، وأن المدارس والجماعات لو صارت مختلطة، فلا بأس بذلك تحت ضغط الواقع، وأن النساء لو تساهلن في بعض الأشياء المتعلقة بالحجاب لا بأس به تحت ضغط الواقع، ولو قادت المرأة السيارة وخرجت بين الرجال فلا بأس به تحت ضغط الواقع، أن كل هذه الدعاوى ضالة مضلة، مصادمة للشرع، ولو قالوا: إنكم متخلفون ورجعيون، وتنظرون إلى الوراء، وغير ذلك فنقول: الحمد لله، من تمسك بهدي النبي ﷺ فهو المفلح، نحن ننظر إلى النبي ﷺ، وإلى هديه وسيرته، فنأخذ عنها، ونريد أن نذكر في هذا المقام في قضية ضغط الواقع، والتأقلم والتمشي، ونحو ذلك من أنواع المسايرات، ما يفعله بعض المقصرين من المسلمين في إدخال أمور من المنكرات إلى بيوتهم وحياتهم، فيتساهلون بمجيء الخادمة بغير محرم، أو المرأة الكافرة، إلى بيوتهم، وكذلك جلب أدوات اللهو وآلاته وأجهزته إلى بناتهم ونسائهم وأولادهم، فيطَّلعون على الأمور المحرمة، يتساهلون في اختلاط الرجال بالنساء في الأعراس -مثلاً-، وفي مصافحة المرأة للرجل في المقابلات العائلية، ويأمر زوجته بأن تترك الحجاب أمام إخوانه؛ لأن في الحجاب بزعمه تشتيت للعائلة، وتفريق لهذه الجمعة، وتخريب لحلاوة السهرة، وإفساد للوئام، ولم شمل العائلة كما يقولون، نعلم أن هذه كلها من التساهلات التي لا يرضى بها الشرع، وكذلك ما حدث من تقليد نساء المسلمات، نساء المسلمين للكافرات في لباسهن، وغير ذلك، وكل هذا من أنواع التساهل الذي يفعله بعض الناس، وقد يكون فعلاً بغير رغبة في المعصية، ولا إرادة مبدأية للخروج عن شرع الله، لكن فعلوه تحت ضغط النساء والأولاد، أدخلوا هذه المنكرات، وأجهزة اللهو، وسمحوا لبناتهم لممارسة أمور غير شرعية تحت ضغط هؤلاء، ومسايرة لهم، ومن كثرة ما زنت على رأسه زوجته، ومن كثرة ما سمع من الكلام من بناته جلب ما جلب، وسمح بما سمح، وتغاضى عما تغاضى عنه، وسكت عما سكت عنه، هذا حال كثير منا، لا يريد في الحقيقة أن يخرج عن شرع الله ابتداءً، ولو لم تكن هناك ضغوط لما رضي بهذا، هذا حال كثيرين، فيهم خير ودين وطيبة، لكن تحت الضغط رضي بأشياء.
رضا الله تعالى قبل كل شيء
أيها الأخ المسلم: من أسخط الله في رضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه من أرضاه في سخطه، ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه من أسخط في رضاه[رواه الطبراني في الكبير (11696)].
أيها الأخ المسلم: قدِّم دينك قبل زوجتك وبناتك وأولادك، قدِّم حكم الله على ضغط الواقع، أين الصمود؟ وأين القبض على الدين؟ نحن نعلم أننا في زمن فتنة، وأن القابض على دينه يوشك أن يصل إلى مرحلة القبض على الجمر، لكن لو سألنا أنفسنا: أليست هذه مسؤولية؟ أليس هناك حساب يوم الدين؟ أليس الله سائلاً كل راعٍ عما استرعاه؟ أحفظ ذلك أم ضيع؟ إذن لا بأس بالصبر على مرارة الضغوط من أجل تحصيل الحلاوة يوم القيامة، لا بأس بالصبر والصبر مر على ضغوط الواقع من أجل النجاة يوم الدين، عذاب الدنيا ولا عذاب الآخرة، ولذلك نذكر أنفسنا بيوم يجعل الولدان شيباً، بيوم طويل عبوس قمطرير، قمطرير: أي طويل، مهول يعبس الناس فيه من شدة الأهوال التي يرونها، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَسورة المطففين:6، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌسورة الحـج:2.
أيها الإخوة: من خاف ربه لم يخف الناس، ومن خشي الله واليوم الآخر لم يخش الناس، فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِسورة آل عمران:175، فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِيسورة البقرة:150، فمن وضع الآخرة نصب عينيه صبر على الضغوط، وصبر على ما يلقى من الأذى، وليس المقصود استعمال القوة دائماً والبطش، وإنما المعالجة بالحكمة، دارهم دون أن تغضب ربك، ليس على حساب الشرع، وإنما بالكلمة الطيبة، والحكمة والموعظة الحسنة، وفي النهاية الامتناع من قبلك عن جلب أي منكر، وعن الرضا بأي حرام؛ لأجل يرضى الله عنك.
اللهم ارض عنا يا رب العالمين، اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، اللهم اجعلنا نخشاك كأنا نراك، وأسعدنا بتقواك، ولا تشقنا بمعصيتك، اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، وأصلح أولادنا وذرياتنا، وبيوتنا يا رب العالمين، اللهم انصر إخواننا المسلمين في بلاد الشيشان، اللهم انصر المجاهدين في بلاد الشيشان، وفي كشمير وسائر البلدان يا رب العالمين، اللهم ارفع راية الجهاد، وأعل كلمتك في أرضك يا إلهنا يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين، وأذل الكافرين، اللهم إنا نسألك أن تعاجل الروس واليهود والمشركين بنقمتك إنك على كل شيء قدير، اللهم أنزل بهم بطشك وعذابك، اللهم أرنا فيهم آية، اللهم أرنا فيهم آية، اللهم أرنا فيهم آية يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم من أراد بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وارشد الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.