الخميس 17 شوّال 1445 هـ :: 25 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

قواعد شرعية في التعامل مع إغراءات المعاملات المالية


عناصر المادة
الخطبة الأولى
وقفات مع المعاملات المالية الكثيرة المشبوهة الموجودة اليوم
أسباب كثرة الإغراءات
الواجب نحو المصيبة
الخطبة الثانية
كيفية التعامل مع المصائب
أهمية الورع فوائده
حرمة الخمر وبيان عقوبة شاربه

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

وقفات مع المعاملات المالية الكثيرة المشبوهة الموجودة اليوم

00:00:29

فإن الله قد أمر عباده المرسلين أن يأكلوا من الطيبات، وأمر عباده المؤمنين أن يأكلوا مما في الأرض حلالاً طيباً، وأخبرنا النبي ﷺفقال: أن الحلال بين، وأن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس[رواه البخاري52 ومسلم1599]،ولا بد للمسلم من وقفات مع هذه المعاملات الكثيرة المشبوهة الموجودة اليوم:

أولاً: أن يعلم أن فتنة المال من أعظم الفتن، وأنه لا يوفق للصبر في هذه الفتنة إلا أهل الإيمان.

ثانياً: اتقاء الشبهات، كما قال النبي ﷺ: فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه[رواه البخاري52 ومسلم1599]، وقد سبق بيان عدد من هذه المعاملات من أنواع المحرم، ومن أنوع المختلط، اختلط فيه الحرام بالحلال، وما هو الموقف من هذا المختلط، ثم يأتي القسم الثالث هنا: وهو الذي لم يتبين هل هو حلال أم حرام، فإن هذا أخف من الذي قبله، وهو أن تدخل في معاملة، وأنت تعلم أن فيها محرم، وفيها حلال أيضاً، فاختلط الحلال بالحرام، ومعاملة تدخل فيها ولا تعلم هل هي حلال أم حرام؛ ولذلك فإن المسلم عليه أن يتقي الشبهات أياً كانت.

ثالثاً: ما جاءك من هذا المال وأنت غير سائل ولا مشرف فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك، أي: ما لم يكن كذلك فقطع تعلق نفسك به، وقال ﷺأيضاً: ما آتاك الله من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف فخذه فتموله أو تصدق به، وما لا فلا تتبعه نفسك[رواه النسائي2605 وأصله في البخاري1473]لا تجعلها تتعلق بالمال الذي ليس في يدك، دفعاً لما يحصل في النفس من الحزن، والحسرة إذا هي لم تحصل عليه.

رابعاً: "من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه"، وهذا يعم الحرام، وكذلك المشتبه.

خامساً: البركة في المال وإن قل أعظم وأولى من البحث عن كثير من طريق محرم، أو مشكوك فيه.

سادساً: على المسلم أن يكون صادقاً مع نفسه تمام الصدق في تأكده من تحقق الشروط الصحيحة التي تبيح المعاملة، ليسلم قلبه، ويسلم كسبه، ويسلم جسده من النار، وكذلك فإن بعض النفوس تخفي مقاصد، وتخفي عند الاستفتاء من المعلومات ما هو مهم في الفتوى، وبعض الناس يتعمد إهمال بعض الأشياء مما يراه أمامه ويظن أن هذا الإهمال والتجاوز يفيده وهو قد استقر عنده، وقد علمه أين الخطر، وأين الحرام، وأين مكمن الخلل في هذه المعاملة، فهل غض الطرف عن هذا يفيد شيئاً وقد علمه؟ ينبغي أن يكون العبد صادقاً مع نفسه، صادقاً مع ربه، صادقاً مع من يستفتيه أيضاً.

سابعاً: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فلا بد من توضيح ما تريد السؤال عنه لتحصل على حكم صحيح، ولا يفيدك أن يفتيك المفتي بفتوى في سؤال قد أخفيت بعض معلوماته.

ثامناً: الحذر من تتبع رخص الفقهاء، فلا يعذر الآخذ بها وهو يعلم الحقيقة من كلام أهل العلم، فتراه يعلم عدداً من الفتاوى في تحريم مسألة، فسمع واحداً في قناة فضائية، أو جريدة، يقول بخلاف ذلك فيتبعه، ويظن نفسه قد نجا، متعلقاً بهذا المبيح، ومن تتبع رخص العلماء تزندق، من تتبع رخص العلماء وقع في الحرام، فإنه ما من شيء إلا ويزل فيه زال.

عباد الله: قال ﷺ: البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في نفسك وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك[رواه أحمد 17540 وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب1734 ].

تاسعاً: آكل الحرام إذا كان معترفاً بأنه حرام أخف من الذي يأكله وهو يتحايل؛ لأن المتحايل يضيف إلى أكل الحرام والوقوع فيه إثم التحايل أيضاً، وهذه مصيبة بني إسرائيل.

عاشراً: ما ثبت عندك تحريمه فاقطع تعلق نفسك به، ولا تأسفن على فواته، واحمد الله أن سلمك منه، مهما كثر، ومهما رأيت تهافت الناس عليه، وأكثر من دعاء: اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا ومن شر ما منعت، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين[رواه أحمد 15066،وهو حديث صحيح]، وتأمل في قوله ﷺ: وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، فهذه نعمة من الله عظيمة لو حصلت؛ لأنه ما الذي يوقع الناس في الإثم والكفر والفسوق والعصيان؟ إنه جاذبية هذه الأشياء بالنسبة لبعض الناس، جاذبية الحرام، الإغراء الموجود فيه، الحلاوة والطلاوة في ظاهره، فإذا كره العبد هذا وفقه الله فبغض إليه الحرام لم يقع فيه، فإذا بقي الحرام بالنسبة إليه مغرياً جذاباً فإنه كثيراً ما يقع فيه؛ ولذلك كان هذا الدعاء من أعظم الأدعية: وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان؛ لأن نفسه إذا كرهت ذلك انصرفت عنه.

أسباب كثرة الإغراءات

00:08:15

عباد الله: لقد كثرت الإغراءات في هذا الزمان، في الأمور المالية وغيرها، ومن أسباب ذلك: علم التسويق، وكثرة المسوقين، وتعدد وسائل التسويق، والعرض، والجذب، والإغراء، إنها دعوات متعددة بأغلفة كثيرة، تأمل مثلاً في القروض الشخصية، وهي قروض ربوية محرمة ملعون من عرضها، وسوقها، وأعلن عنها، ودخل فيها، واقترض وأقرض، وحسب، إن المسألة محسومة بالكتاب والسنة، هذه القروض الشخصية على الرواتب واضحة جداً، تأمل في كثرة الإعلانات عنها، وهذه الصور المنشورة عنها، صورة الأسرة ابن يلعب، وبنت تلهو، وزوجة تضحك، وزوج يبتسم ويمرح، إنه تسويق لهذه القروض على اعتبار أنها سبب للسعادة، وأنها أسعدت الأسرة، هكذا تظهر القضية في الإعلانات، وفي الحقيقة شر، وخبث، ولعنة، وحرام، وغمس في جهنم، وغضب من الله تعالى، محق للبركة، وشقاء على الأسرة، وتعاسة في حياة الزوجين والأولاد، أهكذا يدخل الإنسان الحرام على أسرته وأولاده؟!

عباد الله: مهما زين هؤلاء بالوسائل العصرية والسمعية والبصرية وأدخلوا علم البصريات، والسمعيات، ووسائل العرض الجذابة، وهذه الفنيات اللماعة، الخلابة، الآخذة بالألباب، والأسماع، والأبصار بوسائل الإعلان المرئية، والمقروءة، والمسموعة، فإن الحرام يبقى حراماً، هو هكذا عند الله ؛ ولذلك فالحذر الحذر من الانسياق وراء العروض الترويجية للحرام.

الواجب نحو المصيبة

00:10:34

ثم يحدث بعد ذلك في سوق المال أيضاً أنواع من المصائب نتيجة للخسارات التي تحدث فيه، فماذا يفعل العبد إذا أصيب بمصيبة في ماله؟

الجواب: إن من طبيعة هذه الحياة الدنيا أنها دار ابتلاء، ولو لم يكن فيها مصائب ما صارت دنيا، إنها دنيا لأنها أدنى، والآخرة والجنة أعلى، والجنة دار فرح لا يكدرها شيء، لا خسارة مالية، ولا أمراض بدنية، ولا غموم نفسية، إن الجنة سالمة من هذا، أما هذه الدار فهي دار ابتلاء، قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَسورة البقرة155، هذه طبيعتها، آلام وكدر، لا تصفو لأحد: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍسورة البلد4، ومن أدرك طبيعة هذه الدنيا سهلت عليه التعامل مع مصائبها.

واعلم يا عبد الله أن هذا المال وديعة:

وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوماً أن ترد الودائع

وقال تعالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْسورة آل عمران186فهذا الابتلاء حاصل حاصل، المال لا بد أن يذهب كله، أو بعضه، وإذا لم يذهب في حياة الإنسان؛ فارقه إذا مات رغماً عنه، يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد: يتبعه أهله وماله[رواه البخاري6514 ومسلم 2960]، قيل: العبيد الذين كان يمتلكهم هذا الميت ونحو ذلك من الأموال من مراكب مثلاً، مما كان يمتلكه قبل أن يموت.

عباد الله: إن الصبر عند الصدمة الأولى أمر مهم، وعندما تتناقل الأخبار مصائب الناس في هذه الأسهم على سبيل المثال، وهي مصائب ضخمة جداً ولا شك؛ لأن من الناس من اقترض مالاً، أو دخل في معاملة على تسديد من رواتب قادمة لعشر سنين، ما معنى ذلك؟ كم سينقص من دخله إلى عشر سنين، القضية ضخمة، أموال محجوزة، وآخرون يتمنون الانفكاك، وآخرون لا يستطيعون الخروج، وآخرون قد خسروا وخرجوا، وآخرون قد أخرجوا رغماً عنهم، مصائب هكذا، وبعض الناس إذا تحمل مصيبة فإنه لا يستطيع أن يتحمل التي بعدها وهكذا، ومثل سوق الأسهم مليء بالمصائب؛ لأن فيه ارتفاعاً وانخفاضاً، ولذلك لوحظ في الآونة الأخيرة أن قلوب بعض الناس قد أصيبت بالهبوط القلبي، وهبوط القلب من أنواع الأمراض الخطيرة؛ لأنهم لا يتحملون ارتفاع المؤشرات وانخفاضها، فكما أن الإنسان قد لا يتحمل الفرح العارم المفاجئ فهو كذلك لا يتحمل الحزن المفاجئ الشديد، فإذا توالت موجات عليه من الفرح العارم الشديد، والحزن الشديد أيضاً فماذا سيحصل لقلبه؟ ولذلك من كانت الدنيا عنده بالميزان الشرعي وهو غير متعلق بها، من كان المال بالنسبة إليه كحماره الذي يركبه، وبيت الخلاء الذي يدخله ويستعمله فلا خوف عليه لأنه زاهد، فهو يتخذ المال للحاجة إلى المال، فلا بد من المال، وهكذا نظر العلماء إليه كالحمار الذي يركبه فلا بد له من دابة ينتقل عليها، لكن قلبه ليس متعلقاً بالحمار، شغوفاً بالحمار، محباً للحمار، وكذلك بيت الخلاء بيت النجاسة فإنه لا يتعلق قلبه به، ولا يحبه، ويغرم به، وإنما يقضي حاجته وينصرف من ذلك المكان الذي فيه تلك النجاسة وخبث الرائحة، ولذلك فإن من كانت نفسه تتعامل مع الدنيا وما فيها من الأموال بحسب ما هي في الوزن الشرعي: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالماً ومتعلماً[رواه الترمذي2322 وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير1609] الدنيا دنية فمن نظر إليها فأخذ بلغته منها، الدنيا كمتاع الراكب حال الإنسان فيها كالمسافر، فمن كان فيها هكذا لم تضر قلبه الارتفاعات والانخفاضات، وأما من كان متعلقاً بالمال، شغوفاً به، هلوعاً جزوعاً، فستضر قلبه هذه الارتفاعات، وهذه الانخفاضات في المؤشرات، قلوب كثير من الناس لا تتحمل هذا.

عباد الله: ولا بد من الصبر عند الصدمة الأولى وما بعدها، والصابرون يوفى الواحد منهم الأجر بغير حساب، قال بعض العلماء: "ليس يوزن لهم ولا يكال إنما يغرف لهم غرفاً"، وإذا تذكر العبد أن الله مع الصابرين، وأنه يحب الصابرين، وأن الصبر يكفر السيئات، ويقال لهم يوم القيامة: سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِسورة الرعد24، وأن الله يرفع منزلة المصاب، فإذا صبره بلغه المنزلة التي سبقت له منه في الجنة، ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه، وولده، وأهله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة[رواه الترمذي2399 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير5815].

وينبغي أن يكون بين الناس تعلم وتداول العبارات الشرعية: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها[رواه مسلم918]،إن لله ما أخذ وله ما أعطى فاصبر واحتسب[رواه البخاري1284 ومسلم923] إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَسورة البقرة156ونحو ذلك.

وليعلم العبد أن المصيبة ربما تكون خيراً له، قال : فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًاسورة النساء19، وأيضاً فإنه لا بد من اللجوء إلى الله في كشف المصيبة؛ لأن الله يبتلي الناس لعلهم يتضرعون، يريد من العبد أن يتضرع إليه، أن يلح عليه، أن ينطرح بين يديه، أن يسأله، أن يلحف في المسألة، والله يحب الملحين في الدعاء، قال ﷺ: من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل[رواه الترمذي2326 وهو حديث صحيح].

عباد الله: كان ﷺ يستعيذ من فتنة الفقر كما يستعيذ من فتنة الغنى، فعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ كان يتعوذ من هؤلاء الكلمات كثيراً: اللهم إني أعوذ بك من فتنة الغنى، ومن فتنة الفقر، ومن فتنة النار، ومن فتنة القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال[رواه البخاري6376].

وكذلك فإن على العبد ألا يكون أشراً بطراً، فبعض الناس تقلبت بهم الأحوال في المدة المتأخرة فكانوا أهل فقر، فصاروا أهل غنى، فماذا يفعل العبد إذا تغيرت حاله فجأة من الأسفل إلى الأعلى في الدنيا؟ وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ۝ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَسورة التوبة75- 76.

عباد الله: لا بد أن يهيئ العبد نفسه لما يصيبه قبل أن يصيبه، وهذا لا يكون إلا بالعلم، والتزود بالعبادة، والإيمان، وحضور حلق الذكر، وأن يكون الإنسان مع عباد الله الصالحين، مع الأبرار، مع الأخيار، وليتذكر من أصيب بالخسارة العظيمة في الدين، فإنها أشد وأشنع؛ ولذلك كان النبي ﷺ يقول: ولا تجعل مصيبتنا في ديننا[رواه الترمذي3502]إنه دعاء عظيم.

فنسأل الله أن يقينا وإياكم الشرور، وأن ينعم علينا جميعاً بنعمه ودار الحبور، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:20:12

الحمد لله على نعمائه، والشكر له على ما أنعم به علينا من نعمة الإسلام، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، الحي القيوم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سيد الأنام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه العظام، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأزواجه وذريته، اللهم صل وسلم وبارك على آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

كيفية التعامل مع المصائب

00:20:52

عباد الله: لا بد للمسلم أن يدفع قدر الله بقدر الله، وأن يأخذ من الأسباب الشرعية ما يخفف المصيبة، وأن يتعامل معها بعقل وحكمة، والله شرع لنا من اتخاذ الأسباب ما نخفف به المصائب، وما نجلب به المصالح، وما ندفع به المفاسد، وإن سد الذرائع قاعدة شرعية عظيمة، والإنسان إذا كان يخشى من شر يأتي عليه من باب فإن عليه أن يسده، وهذه القاعدة قد عرفها البشر حتى الكفار، ألا تراهم يحقنون المواليد بالتطعيمات ضد الأوبئة، ويفتشون القادمين من المنافذ الحدودية، ويعملون الحجر الصحي، ويراقبون طرق السيارات بأنواع الأجهزة والرادارات، ويعملون الفحص الطبي قبل الزواج، وهكذا وكل هذا سداً للذريعة، إنه محاولات لمنع الشر، لمنع الفساد، تحصينات، وقايات، إجراءات احترازية، فإذا كان العباد يعملونها من أجل أجسادهم وأموالهم، من أجل منافع دنيوية، أفلا ينبغي لهم أن يحرصوا على ذلك لسلامة دينهم؟ ومعلوم أن حفظ الدين مقدم.

أهمية الورع فوائده

00:22:31

عباد الله: ينبغي أن يكون عند المسلم من الورع ما يتقي به الحرام والشبهات، وقد ورد عن النبي ﷺ قوله: خير دينكم الورع[رواه الديلمي في الفردوس4343 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير3308] وتعريف الورع هو: ترك ما يخشى ضرره في الآخرة، هكذا نقل ابن القيم رحمه الله تعريفه عن السادة العلماء، فشيء تخشى أن يكون عليك ضرر منه في الآخرة اتركه الآن، قالوا: الورع الخروج من كل شبهة، وقالوا: الورع البعد عن المحرمات، والكف عن الشبهات، والتخفف من المباحات، ومحاسبة النفس.

والورع أمر مهم جداً في هذه الأيام التي كثر فيها الحرام، هذا الورع هو الذي جعل النبي ﷺ لما رأى في يد حفيده تمرة وخشي أن تكون من تمر الصدقة، لأن النبي ﷺ تجلب إليه الصدقات لتوزيعها، وحجرته عند المسجد ملاصقة، فيمكن أن تكون هذه التمرة مما التقطه الصبي من صدقات المسلمين، فقال ﷺ: كخ كخ وهي كلمة تقولها العرب لطرح الشيء وإبقائه وتركه، ثم قال: أما شعرت أننا لا نأكل الصدقة[رواه البخاري1491 ومسلم1069]فإذا منع ولده وحفيده الصغير غير المكلف من أن يأكل تمرة فما بالكم بالذي يتعمد أكل الملايين، والذي يتعمد أكل مدخرات المساهمين، والمساكين، والذي يتعمد إلحاق الضرر بأموال المسلمين، والذي يتعمد الألاعيب في رفع السوق وخفضها للاستيلاء على ما جمعه هؤلاء المقلين؟!

عباد الله: قال ﷺ: إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها[رواه البخاري2433]، ومعلوم أن آل بيت النبي ﷺ، والنبي ﷺ لا تحل لهم الصدقة، وجعل الله لهم مصرفاً في الفيء في هذا، جعل الله للنبي ﷺ مصرفاً خاصاً يغنيه عن أوساخ الناس، صدقات يغسلون بها ذنوبهم فلا تليق بالنبي ﷺ.

وأبو بكر الصديق جعله الورع يضع أصبعه في أقصى حلقه ليتقيأ ما أكل من مال غلام له حصل عليه بالمخادعة بكهانة لم يكن يحسنها، فجمع بين محرمات حصل بها على المال، وجاء بطعام لسيده فأكله، ولم يكن يدري عنه، فلما علمه تقيأه.

والصحابة رضوان الله عليهم لما كانوا محرمين، وأبو قتادة غير محرم شاهدوا صيداً فلم يشيروا إليه، ولم يعينوه عليه، رفضوا المشاركة فيه، ولما صاده تورعوا عن الأكل.

عباد الله: إن هذا الورع يقي المسلم شروراً كثيرة، عمر بن الخطاب لما فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف في أربعة آلاف، فرض لابنه عبد الله بن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة، فقيل له: هو من المهاجرين فلماذا أنقصته؟ قال: إنما هاجر به أبواه، ليس هو كمن هاجر بنفسه. سبحان الله! يقول: هذا ولدي هاجر به أبواه وهو صغير ليس كمن هاجر بنفسه وهو كبير، هكذا يفعل .

وينبغي على المسلم أن يتحرى خصوصاً في هذا الزمان الذي اختلطت فيه الأمور، وعم فيه الحرام، والإنسان المسلم لا يكلف بشيء لا يطيقه، وقد تغشاه الغواشي، وتختلط عليه الأمور، فيأخذ بما يستطيع، ويسأل الله أن يغفر له تقصيره وإسرافه، فهو يجتهد، وقد يكون في اجتهاده خطأ فيسأل ربه المغفرة.

أيها المسلمون: إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي[رواه مسلم 2965]، ثم مهما جمع الناس من الأموال فلا بد أن يغادروا ذلك:

ويا جامع الدنيا لغير بلاغه ستتركها فانظر لما أنت جامع
فكم قد رأينا الجامعين قد أصبحت لهم بين أطباق التراب مضاجع

والإنسان إذا كان عنده ما يكفيه فليحمد ربه: من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا،[رواه الترمذي2346 وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير 6042]وإذا يئس الإنسان بما في أيدي الناس رفع الله ذكره وأغنى قلبه، وجمع له نفسه، وهؤلاء الذين يكنزون ولا يؤدون حق الله والمهم أن تزيد أرصدتهم لهم موعظة:

فيا جامع الدنيا لغير بلاغه ستتركها فانظر لما أنت جامع
وكم قد رأينا الجامعين قد أصبحت لهم بين أطباق التراب مضاجع
إذا ظن من ترجو عليك بنفعه فذره فإن الرزق في الأرض واسع
ومن كانت الدنيا هواه وهمه سبته المنى واستعبدته المطامع
ومن عقل استحيا وأكرم نفسه ومن قنع استغنى فهل أنت قانع
لكل امرئ رأيان رأي يكفه عن الشيء أحياناً ورأي ينازع

عباد الله: إن المسلم يحتاج دائماً أن يكون قريباً من ربه منيباً إليه ليرزق البصيرة التي يعرف بها الحلال من الحرام والحق من الباطل، وما أكثر ما التبس على الناس في هذه الأيام، وإن العبد إذا أحسن التعامل مع المصيبة صارت في حقه نعمة:

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

وأيضاً: فإن الله قد أبان لنا عن الطريقة التي تريح القلوب، وتهدئ النفوس بذكره : أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُسورة الرعد 28.

واعلم يا عبد الله أن ذهاب شيء من مالك ليس دليلاً على إهانة الله لك، قال : فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ۝ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِسورة الفجر15-16فواعجباً من حال العبد.

كن عن همومك معرضاً وكل الأمور إلى القضاء
وأبشر بخير عاجل تنسى به ما قد مضى
فلرب أمر مسخط لك في عواقبه رضا
ولربما ضاق المضيق ولربما اتسع الفضاء
الله يفعل ما يشاء فلا تكن معترضاً
الله عودك الجميل فقس على ما قد مضى

وليحمد العبد ربه أن المصيبة لم تكن في شيء أعظم، فقد كان يمكن أن تكون في الدين، وكان يمكن أن تكون في العرض، وكان يمكن أن تكون في الولد؛ ولذلك فإننا نرثي حقيقة لحال الذين أصيبوا في دينهم.

حرمة الخمر وبيان عقوبة شاربه

00:30:50

وقد طالعتنا الأخبار على سبيل المثال بهؤلاء القوم الذين سكروا بالكولونيا في الأسبوع الماضي، أربعة وخمسين إصابة، منهم سبعة عشر قتيلاً فارقوا الدنيا بالميثانول السام في هذه الكولونيا التي تعاطوها، ألا تعجبون عباد الله من حال هؤلاء؟! قالوا: إنهم ناس ليس عندهم من المال ما يشترون به تلك الخمور التي يسمونها فاخرة فسكروا بهذا فكان في هذا أجل بعضهم، وأسفى على هؤلاء وأسفى على شباب المسلمين يتعاطون المسكرات خسر الدنيا والآخرة ماذا بقي له؟ لقي ربه بماذا؟ بهذا السكر الذي لعن الله من تعاطاه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَسورة المائدة90  من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة[رواه البخاري5575 ومسلم2003]  لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه[رواه أبو داود3674 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير5091]  لا يشرب الخمر رجل من أمتي فيقبل الله منه صلاة أربعين يوماً[رواه النسائي5664 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير7717] أحاديث عن النبي ﷺ، وعيد، تهديد، عذاب، سخط، لعنة، غضب، ثم بعد ذلك يشربونها، يقول لهم نبيهم: لا يدخل الجنة مدمن خمر[رواه ابن ماجه3376 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير7673]، يشربونها، يصرون عليها، يذهبون إلى البلاد القريبة والبعيدة لشربها، يهربونها، يملئون بها خزانات السيارات، يتحايلون بكل طريق مع العمالة وغيرها، استراحات تضبط، مصانع خمور في بيوت قديمة، أسباب وطرق كثيرة يتحايلون بها لنشر هذا المسكر الذي جاءت الشريعة بكل هذه النصوص التي تتوعدهم، يحاربون الله أيجترئون على الحليم؟! من ذا الذي يقوى على ربه؟! الله على كل شيء قدير والله عزيز ذو انتقام.

فإذا تأمل العبد بعض هذه المصائب التي تحدث للناس في دينهم وأبدانهم هان عليه بعض ما يحصل له في ماله.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم جنبنا العسرى ويسرنا لليسرى، اللهم إنا نسألك البر والخير عاجله وآجله يا رب العالمين، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله يا أرحم الراحمين، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين، اللهم من أراد ببلدنا سوءاً فخذه، اللهم من أراد بنا شراً فكده، اللهم من أراد بهذا البلد وبلاد المسلمين شراً فامكر به، اللهم عليك به، اللهم انصر أهل الإسلام والتوحيد على أهل الشرك والبدعة يا رب العالمين، اللهم طهر بلاد المسلمين من الشرك والكفر والنفاق، اللهم إنا نسألك يوماً قريباً تعز فيه دينك وترفع فيه لواء سنة نبيك ﷺ، اللهم إنا نسألك النصر العاجل لأهل الإسلام، اللهم إنا نسألك الهزيمة لأهل الكفر إنك على كل شيء قدير.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه البخاري52 ومسلم1599
2 - رواه البخاري52 ومسلم1599
3 - رواه النسائي2605 وأصله في البخاري1473
4 - رواه أحمد 17540 وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب1734
5 - رواه أحمد 15066،وهو حديث صحيح
6 - رواه البخاري6514 ومسلم 2960
7 - رواه الترمذي2322 وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير1609
8 - رواه الترمذي2399 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير5815
9 - رواه مسلم918
10 - رواه البخاري1284 ومسلم923 
11 - رواه الترمذي2326 وهو حديث صحيح
12 - رواه البخاري6376
13 - رواه الترمذي3502
14 - رواه الديلمي في الفردوس4343 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير3308 
15 - رواه البخاري1491 ومسلم1069
16 - رواه البخاري2433
17 - رواه مسلم 2965
18 - رواه الترمذي2346 وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير 6042
19 - رواه البخاري5575 ومسلم2003  
20 - رواه أبو داود3674 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير5091  
21 - رواه النسائي5664 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير7717 
22 - رواه ابن ماجه3376 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير7673