الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآل عمران:102. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباًالنساء:1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيمالأحزاب:70-71.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإن من واجباتنا نحو ربنا أن نعلم كيف نعبده، وإن من واجباتنا نحوه، ونحو شريعته أن نلتزم بتطبيقها في الواقع، وفي المعاملات التي تدور بيننا في أنفسنا، من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإن من واجباتنا نحو ربنا أن نعلم كيف نعبده، وإن من واجباتنا نحوه، ونحو شريعته أن نلتزم بتطبيقها في الواقع، وفي المعاملات التي تدور بيننا في أنفسنا، وقد سبق أن بينا لكم في الخطبة الماضية بعضاً مما يتعلق بأحكام البيوع التي يجهلها كثير من الناس، ويخطئ فيها بعضهم، ويقعون فيها.
وأنت -أيها المسلم- إما أن تكون بائعًا، وإما أن تكون مشتريًا، لا يمكن أن يخلو البيع والشراء من حياتك، فمن أجل ذلك كان لابد من معرفة المامة في هذا الموضوع، ومعرفة شيء من الأحكام المتعلقة به، ونحن نكمل لكم بعض ما يتعلق بهذه الأحكام في هذه الخطبة.
خلاصة الخطبة الماضية
وملخصاً لما ذكرنا في الخطبة الماضية أن البيع المبرور له فضل وأجر، والتحذير من كثرة الحلف في البيع، وبعض أخلاقيات البيع والشراء كالسماحة والإقالة، وما يترتب على البيع والشراء من الأحكام الشرعية مثل انتقال السلعة إلى المشتري، والثمن إلى البائع، وأنه إذا اختلف البيعان والمبيع موجود فالقول موجود، فالقول قول البائع، وأنهما ما داما في المجلس فالخيار قائم، فإذا فارقاه لزم الطرفان البيع، إلا إذا اشترطا مدة أطول يمكن لكل منهما الرجوع خلالها، وأن الأصناف الستة، وهي ما حدده ﷺ اثنتان تتعلقان بالوزن، وأربعة بالكيل، يجب التماثل والتقابض فيها إن كانت متماثلة، فغرام بذهب بغرام بذهب في نفس المجلس متماثلان متقابضان في نفس المجلس، وصاع من تمر بصاع من تمر مثل بمثل متقابضان في نفس المجلس، فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد[مسلم:1587]، من هذه الأصناف، وهذا له مزيد من البيان.
وذكرنا أن الذهب بالذهب، وزناً بوزن مثلاً بمثل يداً بيد لا يجوز بيع الذهب بالدين، ولا بالتقسيط.
وذكرنا لا يجوز إبدال ذهب مستعمل بذهب جديد مع الفرق أبداً لابد من التماثل، والتقابض في نفس المجلس، وأنك إذا أردت أن تتخلص من القديم عندك، وتشتري جديداً، فبع القديم، واقبض القيمة بالنقود، ثم اشتري بهذه النقود أو أقل، أو أكثر ذهباً جديداً آخر، وأن العملة تقوم مقام الذهب، والفضة، العملة الورقية النقدية تقوم مقام الذهب، والفضة.
ولذلك أفتى علماء عصرنا بأنها لابد من التماثل، والتقابض فيها في نفس المجلس إن كانت من صنف واحد، وأما إذا اختلف العملة ريال بدولار، فإنه يجوز التفاوت في القيمة، ولكن يجب التقابض في نفس المجلس، وأن العملة إذا اتفقت فلا بد من التقابض، والتماثل في نفس المجلس، وبناء على ذلك بينا أن لا يجوز صرف ورقة خمسين بثلاث عشرات، وثنتين فيما بعد، وإنما الحل أن تجعل الخمسين رهنا، ويستلف العشرات الثلاث، ثم يرجع الثلاث عشرات، ويأخذ خمسينته التي كان قد رهنها إذا احتاج إلى ذلك.
وأنا أعلم -أيها الإخوة- أن ذكر بعض هذه الأشياء يسبب اضطراباً عند بعض الإخوان من جهة أنهم تعودوا على كثير من هذه البيوع في حياتهم، ولكن علينا النصيحة، ويجب البيان، والتبليغ، وعلى المسلم أن يلتزم بأحكام الشريعة، وفتاوى الثقات من أهل العلم، التي نحاول أن ننقلها إليكم عبر مثل هذه الخطب، وذكرنا كذلك أنه ينبغي معرفة صفة السلعة، فإن أمكن له رؤيتها فحصها، وعاينها، وإن لم يمكن له الكشف عنها، فعليه بمعرفة صفتها كالبيانات المكتوبة عليها صدقاً.
وذكرنا أنه لا يجوز بيع ما لا يملك، ولا بيع السلع المحرمة كالخمر، والكلب، والآت الموسيقى، وعسب الفحل، والهر، والميتة، والأصنام، والدم، وجلد الأضحية، وما يلتحق بها مما هو أشد منها ضرراً كأشرطة الأغاني، وأفلام الفيديو المحرمة، وسائر الأجهزة التي تستخدم في الإفساد.
شروط البيع
ونقول اليوم إن البيع حلال في الأصل لقوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَاالبقرة:275، وأنه يجوز في جميع السلع إذا تمت شروط البيع الشرعية.
وأن من هذه الشروط: الرضا لقول الله : إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْالنساء:29.
ومن الشروط: أنه لا يجوز بيع الغرر، والجهالة؛ لأنه ﷺ نهى عن بيع الغرر، وكذلك من الشروط: أن لا يكون فيه ربا لحديث: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد[مسلم:1587]، فلا يباع مكيل بمكيل من جنسه إلا بهاذين الشرطين، فإذا أردت أن تبيع تمراً بتمر مثلاً فيجب التماثل، والتقابض في نفس المجلس، ولو كان التمر مختلفاً، فإن بعض أنواع التمر أجود من بعضها، فمن ذلك ما تعارف عليها العامة من بيع الخِلاص مثلاً على أنه تمر جيد لا يجوز بيع صاع منه بصاعين من تمر آخر أقل جودة، وإنما يبيع صاع التمر الجيد فيأخذ الثمن بالنقود، ثم يشتري تمراً آخر إذا أراد بهذه النقود.
ومن الشروط: أنه لا يجوز بيع الغرر، والجهالة؛ لأنه ﷺ نهى عن بيع الغرر، وكذلك من الشروط أن لا يكون فيه ربا لحديث: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة ... مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد، فلا يباع مكيل بمكيل من جنسه إلا بهاذين الشرطين، فإذا أردت أن تبيع تمراً بتمر مثلاً، فيجب التماثل، والتقابض في نفس المجلس، ولو كان التمر مختلفاً، فإن بعض أنواع التمر أجود من بعضها، فمن ذلك ما تعارف عليها العامة من بيع الخلاص مثلاً على أنه تمر جيد، لا يجوز بيع صاع منه بصاعين من تمر آخر أقل جودة، وإنما يبيع صاع التمر الجيد فيأخذ الثمن بالنقود، ثم يشتري تمراً آخر -إذا أراد- بهذه النقود، ولا يبادل واحد باثنين مادام من نفس الجنس أي: كلاهما من التمر، ولا يجوز بيع موزون بموزون من جنسه إلا إذا كان متماثلاً يداً بيد متقابضاً في مجلس العقد.
وأما إذا باع مكيلاً بمكيل من غير جنسه، كما إذا باع صاع من تمر بصاع من أرز مثلاً، أو موزون بموزون من غير جنسه كفضة بذهب مثلاً جاز ذلك ولو تفاوت، فيجوز على سبيل المثال بيع صاع من تمر بصاعين من الرز، أو غرام من ذهب بعشر غرامات من الفضة بشرط أن يتم التقابض في نفس المجلس.
وكذلك إن بيع مكيل بموزون، أو عكسه جاز ولو كان القبض بعد التفرق، فهب أنه باع تمراً بذهب، التمر يكال، والذهب يوزن، فيجوز التفاوت والتقابض بعد المجلس، يجوز ذلك، ويقوم مقام الذهب العملة الورقية الآن، ولذلك يجوز أن تشتري تمراً بنقود، وتسلم النقود بعد ذلك، بعد التفرق، يجوز ذلك، ولا يشترط مادام أنها قد اختلفت من جهة الصفة، فهذا مكيل، وهذا موزون، فيجوز التفاوت في الثمن، ويجوز أن تدفعها بعد التفرق.
ومن الشروط كذلك، أن يكون المبيع حلالاً شرعاً كما بينا، ويدخل في هذا أنه لا يجوز للبائع أن يبيع شيئاً يعلم أنه يفعل به المعاصي كبيع السلاح لقاتل، أو قاطع طريق، أو بيع العنب لمن يعلم أنه يصنع به خمراً، وبيع الأشجار المستخدمة في أعياد النصارى، ونحوها من بطاقات التهنئة على ما بينا؛ لأنك تساعدهم في شركهم، والمقام بمحرماتهم.
حكم بيع السلم
وكذلك فإن الشريعة قد أباحت أنواعاً من البيوع للحاجة إليها، فمن ذلك بيع الآجل، وهي أن تشتري السلعة الآن وتأخذها، والثمن تسلمه فيما بعد، سواءً كانت تسلمه دفعة واحدة، أو على أقساط، أو دفعة مقدماً، والباقي على أقساط، هذا جائز لا حرج فيه، في غير الأموال الربوية التي ذكرناها قبل قليل، فلا يجوز مثلاً أن تشتري الذهب على أقساط.
ولكن يجوز أن تشتري التمر بنقد، أو رزاً بنقد، أو خضروات بنقد، ولكن تسلم الثمن فيما بعد، أو تشتري السيارة بنقد، وتسلم الثمن فيما بعد، هذا اسمه بيع الآجل، وهو جائز في غير الأصناف الربوية التي ذكرناها اثنتان في الأثمان: الذهب، والفضة، وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية، وأربعة في الطعام، فهذه لا يجوز التأجيل في الدفع يجب أن تدفع حالاً.
وكذلك فإن من الأنواع التي أباحتها الشريعة بيع السلم، وهو عكس البيع الآجل، بيع الآجل البضاعة الآن والثمن فيما بعد، تشتري البضاعة بالدين، جائز في غير الأصناف المذكورة، وأما بيع السلم فهو: أن تسلم الثمن الآن، والسلعة مؤجلة فيما بعد.
فمثلاً -على سبيل المثال-: لو أردت من مصنع أن يُصنِّع لك خزاناً، فيجوز لك -والخزان لم يصنع بعد- أن تدفع الثمن كاملاً، وأن يكون الخزائن معلوماً موصوفاً في ذمة البائع، بيع موصوف في الذمة، أن يكون الخزان معلوم مادته وأبعاده واتساعه، معلوماً موصوفا بالضبط، فتسلم الثمن كاملاً، وأن يكون البيع معلوماً من جهة المدة، فيكون الاستلام مثلاً بعد شهرين، هذا جائز تدفع الثمن الآن، وتأخذ البضاعة فيما بعد، أباحته الشريعة -والحمد لله-، وهذا له شروط قالها ﷺ وهي: من أسلف وهو يبيع السلم: في شيء، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم، متفق عليه[البخاري:2240، ومسلم:1604].
وينبغي أن يعلم كذلك: أن بيع السلم استثناء جاءت به الشريعة للحاجة، فلا يجوز إذا خولفت الشروط أن يدفع الثمن، ويأخذ فيما بعد، فلابد من استيفاءها.
بيوع منهي عنها
ومن الأمور المحرمة في البيع بيع الحصاة، وبيع الغرر ما تضمن جهالة، وما تضمن شيئاً مجهولاً لا يدري البائع، والمشتري هل هو فيه مغبوناً أم لا؟
ومن الأمثلة التي جاءت بها الشريعة لهذا نهى ﷺ عن بيع المضامين، والملاقح، وحبل الحبلة، [المعجم الكبير للطبراني:11581]، والمضامين: ما في بطون الأجنة، فلا يجوز بيعها؛ لأنك لا تعلم هل يخرج سليماً أو لا؟ هل هو واحد أو اثنين؟ ونحو ذلك، والملاقح: هو ماء الفحل، وهو الذكر لا يجوز بيعه، وحبل الحبلة: هو حمل الناقة التي في بطنها جنين.
وكذلك نهى ﷺ "عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، وتأمن العاهة"،[البخاري:2194، ومسلم:1534]. "ونهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن السنبل حتى يبيض، ويأمن العاهة"،[البخاري:2197، ومسلم:1535]. "ونهى ﷺ عن المنابذة"[البخاري:584]، أي: البيع بمجرد القاء متاع دون خيار، كأن يقول البائع: نتفق أنا وأنت –يا أيها المشتري- أي ثوب رميته عليك فهو بعشرة ريالات، أي ثوب رميته عليك ترضى بعشرة ريالات.
هذا لا يجوز؛ لأن المشتري لا يدري هل الثوب سوف يبيعه البائع يساوي هذه القيمة أم لا؟ هل يعجبه أم لا؟ هل هو بالطول الذي يريده أم لا؟ هل هو من المادة التي يرتضيها أم لا؟
وكذلك "نهى ﷺ عن الملامسة"[البخاري:584]، وهو بيع الثوب لمجرد لمسه بلا خيار، كأن يقول أي ثوب لمسته فهو علي بكذا، أو فهو لك بكذا.
وكذلك "نهى عن بيع الحصاة"[مسلم:1513]، كأن يقول له: هذه الحصاة سأرميها فعلى أي سلعة جاءت فهي علي بكذا، أو يقول البائع: سأرميها فعلى أي سلعة جاءت فهي لك بكذا، ولا خيار، أو أن يأتي بائع الأرض، فيقول: سأرمي الحصاة، أو المشتري يقول: سأرمي الحصاة، فما بلغت من المسافة فهو علي بكذا.
هذا كله حرام لا يجوز؛ لأنه من بيع الغرر، وقد تضمن الجهالة، والشريعة جاءت بالأشياء الواضحة، ولا تجيز الشريعة مثل هذا الأمر أبداً كما يقولون: أنت وحظك فهذا حرام لا يجوز.
كذلك من الأمور المحرمة في الشريعة قولهﷺ: المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر[مسلم:1414]، يعني حتى يترك، وقال ﷺ: لا يبيع الرجل على بيع أخيه حتى يبتاع أو يذر[سنن النسائي:4504]، وقال: لا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يسوم على سوم أخيه[ابن ماجه:2172].
وبذلك يعلم أنه لو جاء إنسان يشتري من بائع، فأخذ منه، فأشار إليه بائع آخر أن تعال إلي أعطيك بأرخص، فهذا حرام لا يجوز لما يقضي من العداوة بين البائعين، أو أن يكون كذلك المشتري يريد الشراء، فيأتي مشتر آخر، يقول للبائع: أنا أخذ نفس السلعة منك بأكثر، حرام لا يجوز مادام البائع، والمشتري الأول قد اتفقا فلا يجوز التدخل.
وكذلك لا يجوز التدخل في حال المساومة، فلو كان واحد يساوم البائع على سلعة معينة لا يجوز أن يدخل آخر بينهما ليساوم "نهى عن سوم الرجل على سوم أخيه حتى يترك" [ابن ماجه:2172].
والسبب أن الشريعة لا تريد من المسلمين أن يتناحروا، ولا أن يكون بينهم معاداة، ولا عداوة، ومن أجل ذلك منعت هذه الأشياء.
وقال ﷺ: لا تلقوا الركبان للبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لبادن، ولا تصروا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاع من تمر[أبو داود:3443].
وهذا الأخير نوع من أنواع الغش التجاري، ولعلنا نبينه في خطبة قادمة إن شاء الله، وكذلك الأنواع الأخرى المذكورة في الحديث، وقد جاء في الحديث الآخر "نهى ﷺعن سلف، وبيع، وشرطين في بيع، وبيع ما ليس عندك، وربح ما لم تضمن"[الترمذي:1234]حديث صحيح.
نهى عن سلف في بيع كأن تقول بعتك هذا بكذا على أن تقرضني بعتك هذه السلعة على أن تقرضني، وعن شرطين في بيع مثل أن يقول مثلاً: بعتك هذه السلعة على أن تبيعني هذه السلعة بعتك هذه السلعة على أن تزوجني ابنتك، بعتك هذه السلعة بكذا على أن تأجرني الدكان، فلا يجوز إحلال شرطين في بيع، وعقدين في عقد لا يجوز.
أما الشروط الشرعية فإنه لا بأس بها، وهذا سؤال قد ورد إلى أهل العلم فيه شيء من هذا القبيل، قال بائع ذهب: جاءني إنسان، فأخذ مني سواراً بألف ريـال، وليس معه مال، فقلت له لا يجوز إلا نقداً، فقال المشتري: سلفني ألف ريـال من عندك، فأعطيته الألف، فقال: هذه الألف ثمن السوار، ويبقى لك عندي هذا السلف. الجواب. لا يجوز؛ لأنه احتيال على الربا، وجمع بين عقدين: عقد سلف، وعقد بيع في نفس العقد الواحد في المجلس، وقد نهى ﷺ عن سلف وبيع"[الترمذي:1234].
ومن الصور المنهي عنها بيعتين في بيعة، كأن يقول: بعتك هذه السلعة نقداً بعشرة، وتقسيطاً بخمسة عشرة إلى سنة، فيقول المشتري: رضيت ولا يحدد -كل منهما- أي النوعين يريد، هذا تضمن جهالة في الثمن، فلو قال: خذها نقداً بألف، أو بعد سنة بألف وخمس مائة، فقال: رضيت هات، وبعدين أفكر، فيما بعد نفكر، لا يجوز لابد أن يحدد الآن هل سيأخذها الآن بألف؟ أو بعد سنة بألف وخمس مائة، فإذا حدد جاز البيع إذا حدد نقداً أو بالتقسيط جاز البيع، وإذا لم يتم التحديد، لا يجوز نظراً لجهالة الثمن، فهو لا يعرف هل هو ألف أو ألف وخمسمائة؟
أو أن يقول: بعتك احدى هاتين السيارتين بثلاثين ألفاً، فيقول: قبلت ولا يحدد أي السيارتين، فلابد من التحديد، وهنا جهلت السلعة، ولا يجوز الجهالة في البيع، فلابد من التحديد، أو يقول: ابيعك داري على أن تبيعني دارك، أو أبيعك داري على أن تزوجني ابنتك، ونحو ذلك من الأمور.
ونهى ﷺعن بيع السنين"[مسلم:1536]، وهو بيع ما تثمره النخل مدة سنتين مقدماً.
ونهى ﷺ عن تلقي الجلب"[مسلم:1519]، وهو ما يجلب إلى البلد، فيستقبله البائع قبل أن يصل المشتري إلى السوق، والمشتري لا يعلم كم تساوي بضاعته في السوق، فيذهب البائع ليقطع الطريق على المشتري، ويقول له: في ظاهر البلد قبل أن يصل إلى السوق، ويعرف الثمن أخذها منك بكذا، وقال ﷺ: لا تستقبلوا السوق[الترمذي:1268]، من أجل أي شيء حتى لا يغبن البائع، ولا تشترى منه سلعته بأقل مما تساوي في السوق.
سؤال وجواب عن الربا
وقد سائل بعض الإخوان أسئلة بعد الخطبة الماضية، فقالوا: هل يجوز أن نبادل في سلع غير الذهب، والفضة، والنقود، ونأخذ الفرق أم لا؟ فمثلاً: هل يجوز تبديل ساعة بساعة مع دفع الفرق، والساعة ليست من الذهب، والفضة بطبيعة الحال مثلاً، أو أعطيه سيارتي القديمة، وأخذ سيارته الجديدة، وادفع له الفرق، أو أبادله أرضي بأرض أخرى، وأدفع له الفرق إذا كان هناك فرق؟
الجواب: جائز لا شك في ذلك؛ لأن هذه السلع ليست من الأصناف الربوية، فمبادلة بعضها ببعض جائز مع دفع الفرق، فلا يشترط فيها التماثل، ولا التقابض؛ لأنها ليست من الأصناف الربوية، لكن ساعة ذهب بساعة ذهب مع دفع الفرق، لا يجوز ذلك.
وكذلك فإن من بعض أنواع الغرر الموجودة في السوق: أن يكون الثمن مجهولاً أو السلعة مجهولة، قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين في كتابه في كتابه الخطب: وقد سمعنا أن بعض الناس يجمع أنواع من السلع مجهولة العدد مختلفة القيمة، فيبيعها جميعاً بسعر واحد، وهذه جهالة واضحة، فإن السلع الرخيصة قد تكثر في هذه الحزمة، فيكون المشتري مغبوناً، وقد يكون الأمر بالعكس فيكون البائع مغبوناً، وقد يكون البائع عالماً بالأمر لكنه يريد غبن المشتري، كما سمعنا أن بعض الناس يبيع جميع ما في دكانه بسعر واحد، والمشتري لا يدري ما قدر كل سلعة، وهذه جهالة وغرر حرام، وباطل لا يجوز الإقدام عليه.
وسمعنا أنه باع دكانه كل حبة بريـال، فلما أعطوه ظهر كيس السكر بريـال، وصندوق الكبريت بريـال، وبقيت الأنواع على ريـال، وهم حين العقد لا يعلمون كم عدد السكر، فلو قال لصاحب البقالة: أريد أن أصفي المحل، أبيعك -أيها المشتري- كل ما في البقالة كل حبة بعشرة ريالات، سواءً كانت علبة كبريت، أو كانت صندوق من حفائظ الأطفال أي ما كانت، فكل حبة بعشرة ريالات أي كانت، فهذا من الغرر لا يجوز ذلك، لابد أن يعطي البضاعة، ويعلم المشتري كم سعرها؟ كم تساوي في السوق؟ وأسعارها الحقيقية، ثم يقرر يشتري أو لا.
ويقرب من ذلك ما يقع في بعض محلات كل شيء بعشرة ريالات، أو كل شيء بخمسة ونحو ذلك، فبعض الباعة يعمد إلى تغرير المشترين، فيضع بعض السلع التي تساوي فعلاً عشرة يضع عشرة، وأخرى لا تساوي عشرة يضع عشرة، فيظن بعض المشترين أنها هذه السلع كلها تساوي هذا القدر، فيلتقط من هنا، ومن هنا، فلا يجوز لأي بائع أن يخدع المشترين، لا يجوز أن يتخذ من التسويق وسيلة لخداع المشترين، وبعضهم لا يتقون الله في ذلك.
فينبغي أن لا يخدع، وأن يبين هذه السلعة بكم، وإذا كان يعلم أن السلعة لا تساوي عشرة، فلا يحشرها مع زمرة العشرة، وهكذا لابد من التبيين، وقد قال ﷺ: المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيع فيه عيب إلا بينه له[ابن ماجه:2246]. وقال ﷺ: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدق، وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما، وكذبا محقت بركة بيعهما [البخاري:2079، ومسلم:1532].
ومن هذا القبيل من الأنواع المحرمة: ما يحدث في حرجات السيارات، فيؤتى بالسيارة ينادى عليها، فيقال: كومة من حديد، كومة من حديد بعتك كومة من حديد بكذا، يظنون أنهم يسلمون من تبيين العيوب، كذبوا والله على الله، وعلى أنفسهم، وعلى عباد الله، مادام يعلم أن فيها عيوباً لابد أن يبينها، وكلمة كومة حديد لا تنجيه لا تنجيه عند الله ، وهو كذاب يعلم أنها ليست كومة من حديد، يعلم أنها سيارة تمشي وتسير، ويعلم أن فيها مقاعد، وفيها أشياء من غير الحديد، فعلى ماذا يكذب، ويقول: كومة من حديد؟
ولذلك فهم يحرجون على سيارة، وفيها عيوب، لا يبينون عيوبها، إنما تأتي على رأس من؟ كما يقولون: وتلبس لمن؟ لمغرر به جاء ليشتري سيارة من السوق، فيضحك عليه الدلالون، ويدخل ضمن الناس، فيقعون في بيع النجش، ويزيدون في السلعة، وهم متفقون متواطئون فيما بينهم، ولا يريد أي واحد منهم شراءها، حتى تتلبس بشخص مسكين جاء إلى السوق ليس عنده خبرة بالسيارات، فيأخذها فرحاً يظن أنه قد فاز بصفقة ثمينة، وهو قد خدع، وصار مضحوكاً، ولو رست على أحد من هؤلاء الدلالين هذه الشرية، أو البيعة لأرجعها لصاحبها، كما قد اتفقوا في الباطن، ولا يلزم بشرائها كما هم يتعاملون بينهم، إلا من رحم الله من الناس الذين يخافون الله.
وأما الذين لا يخافون الله فهم كثر في مجال بيع السيارات وغيرها، ومن هذا القبيل من كسب العيوب المحرمة، ما يقع لبعض الشركات التي تبيع السيارات فتعرض في ساحات البيع سياراتها، ويقولون للناس: يضعون على كل لوحة على كل سيارة قيمتها، ويقولون: تشتري بهذه القيمة، ويمنعونك من الفحص، أو تجريب السيارة، أو معرفة ما فيها من العيوب، لا يبينون شيئاً، ويقولون: تشتري، وإلا فلا، وهكذا إما أن يلبسوك هذه السيارة، وقد تكون تساوي فعلاً قد تكون مغنما، وقد تكون مغرماً.
وهذا حرام لا يجوز، لابد من كتابة كل ما يتعلق بالسيارة قبل بيعها، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما.
حكم بيع التقسيط والعربون
وبيع التقسيط الذي يسأل عنه الناس إن كانت السلعة مملوكة عند البائع في مستودعاته، مسجلة باسمه، قد تم تملكه عليها، بكامل الأوراق الرسمية، وقد حازها إليه عند ذلك يجوز أن يبيعها لك نقداً، أو بأقساط إذا تم تعيين نوع البيع، هل هو بالنقد، أو بالتقسيط؟ وهذا الثمن الذي تشتري به غير قابل للزيادة في المستقبل، ولو تخلفت عن التسديد، لا يجوز الزيادة عن هذا الثمن.
وأما العربون: فإنه لا حرج في أخذه في أصح قولي العلماء إذا اتفق البائع والمشتري على ذلك، فإذا اتفقا أن هو يدفع له عربوناً على أن يحجز له السلعة بحيث أنه لو بحيث أنه إذا غير رأيه ورفضها، فإن العربون من حق البائع الذي عرض السلعة، فإذا اتفقا على ذلك جاز للبائع أخذ العربون إذا رفض المشتري أن يكمل الصفق.
أسئلة عن شراء وتحويل العملات
وسأل بعض الإخوان عن تحويل الأموال عن طريق البنوك، فقالوا: إننا نعطي البنك ريالات لكي يحولها إلى البلد الآخر دولارات، وأنت قلت في الخطبة إنه لابد أولاً أن تشتريها وتقبضها، وهم لا يرضون بذلك، الطريقة الشريعة أن تشتري الدولارات أولاً ثم تحولها، ثم تحولها، وتدفع لهم أجرة التحويل.
لكنهم لا يرضون بذلك، فأجاب أهل العلم إذا اضطررت إلى التحويل لبلد آخر، كأن يكون فيه قريب لك محتاج، أو تريد أن تشتري، وليس هناك مجال إلا تحويل النقد، وهم لا يرضون بالطريقة الشرعية، بحيث بريالات دولارات، وقلت: حولوها، قالوا: ارجعها ريالات مرة أخرى؛ لأن نظام البنك لا يسمح بذلك، فهنا أنت مضطر لتحويل، والإثم عليهم، ولا شيء عليك -إن شاء الله -تعالى-.
وأخيراً وأخيراً، فإن بعض الإخوان قد سأل عن شراء العملات بأكثر منها، فما حكم شراء مائة ريـال قديمة عملة قديمة بمائة وخمسين من العملة الحالية.
أجاب شيخنا عبد العزيز - رحمه الله - قال: إذا ألغيت العملة، وانتهت صارت ورقة مثل الدفتر، يجوز بيعها بأي قيمة، مادامت قد ألغيت، فيجوز بيعها بما يتراضيان عليه إذا كان في ذلك نفع لهما.
هذا ما تيسر بيانه من بعض أحكام البيع والشراء، وهذا باب طويل، وموضوع واسع، ولا زال فيه مزيداً للحادث للكلام، فلعلنا نؤخر ذلك إلى خطبة قادمة -إن شاء الله-، وخصوصاً -أيها الإخوة- هذه الدعايات الموجودة الآن في المحلات التي فيها سحب، أو فيها مسابقات يسحب عليها، ونحو ذلك، وهدايا، وأشياء، والناس يذهبون للشراء، ويتقصدون ذلك المحل من أجل الجوائز، أو هذه العلب من المرطبات إذا فتحتها، فإذا وجدت رسمت تأخذ الجائزة المعينة مثلاً، فما حكم ذلك؟ هذه الأشياء لابد من البيان فيها؛ لأن الناس واقعون فيها كثيراً.
نسأل الله أن يفقهنا، وإياكم في دينه، وأن يرزقنا اتباع شريعته، وأن يرزقنا الحلال، وأكله، وأن يجنبنا الحرام، وأكله. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأولين والأخرين، ومالك السماوات والأرضين، مالك الملك جبار السماوات والأرض، وقيوم السماوات والأرض وما فيهن، تبارك اسمه، وتعالى جده، ولا إله غيره، وصلى الله وسلم على النبي الأمين المصطفى المختار من خلقه –سبحانه- أرسله إلى الثقلين جناً وإنسا، عرباً وعجم بدين يهيمن على الأديان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه.
حكم عيد الميلاد
وبينا في نهاية الخطبة الماضية -أيها الإخوة- أموراً بما يتعلق بأعياد الميلاد، ونزيد فنقول: لكثرة البلاء الحاصل فيها بين الناس في هذه الأيام.
قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، قال العلماء: الزور هو: أعياد المشركين، وقال ﷺ: إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدناأهل الإسلام. فبين اختصاص أهل الإسلام بهذه الأعياد الشرعية عيد الفطر، وعيد الأضحى، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، قال العلماء: الزور هو: أعياد المشركين، وقال ﷺ: إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا أهل الإسلام؛ فبين اختصاص أهل الإسلام بهذه الأعياد الشرعية عيد الفطر، وعيد الأضحى، وبين أن أي عيد سوى ذلك من أعياد الناس أنه بدعة، وحرام لا تجوز المشاركة فيه، وهذه الأعياد الدينية شاء الناس أم أبوا، وهذه الاحتفالات التي يقوم بها الكفار في مثل هذه الأيام، فيحتفلون يوم وليلة الخامس والعشرين من شهر ديسمبر في مجتمعاتهم، فتغلق دوائرهم، ومحلاتهم التجارية، وتتوقف مواصلاتهم، وقطاراتهم، فتتوقف الحياة عندهم في ذلك اليوم، إلا في نوعين من أنواع المحلات يزدهر سوقها، ويكثر روادها، وهما حانات الخمور، والبارات التي يشرب فيها المسكر، ويفرط الناس في شربها إلى حد فقدان العقل، حتى رجال الشرطة خالفوا القوانين فشربوا المسكر، وقادوا السيارات في تلك البلاد، فحصلت الأحداث العجيبة.
وكذلك يلقي بعضهم من النوافذ والارتفاعات الشاهقة، ثم إن سلم فيقول: لقد كنت في غيبوبة تامة، ولا استطيع أن أتذكر كيف سقطت من هذا الارتفاع؟ ويحدث من حالات الخطف، والقتل، والاغتصاب في ليلة العيد السعيد، وعجبي ليلة العيد السعيد عندهم ما يبين لنا سخافة دينهم، وبطلان مذاهبهم، ويبين لنا عظمة ديننا دين أهل الإسلام الذي نلجأ إلى الله فيه بالدعاء، والصلاة، صلاة العيد والعبادة بالنحر، وصدقت الفطر، وغيرها، لا كما يتقربون هم بأم الخبائث.
هؤلاء الذين فعلت فيهم أفلام العنف، والجريمة، والمجون، والخلاعة، وذهبت فيهم كل مذهب، فإذا طاشوا في الخمر ماذا تتوقع أن يفعلوا؟ ولك أن تتصور أي وسعادة وسرور يعيشها طفلان لما يتجاوزا الخمسة من عمرهما، وأي معنى من معاني ميلاد المسيح يبقى في ذهنيهما بعد أن شاهدا وحشاً كاسراً، يهجم تلك الليلة على أمهما، وجدتهما، ويحيلاهما إلى جثتين هامدتين، تسبحان في بركة من الدماء، ثم يولي هاربا ًفهل تعرف من هو؟ إنه والدهما الحنون الذي أخذ به الخمر كل مذهب، وفعل جريمته.
وهكذا يبقون في خماراتهم يعربدون، وفي ليلة رأس السنة يخرجون إلى الاحتفالات في سكرهم، وعربدتهم، ويلقون بأنفسهم في النوافير التي في الساحات العامة، ويذهب ضحية ذلك من الناس ما لا يعلمه إلا الله، وفي إحدى بلدانهم ذهب في احتفالات رأس السنة ضحية وستمائة من الناس جرحى نتيجة انفجار المفرقعات، واستخدام الألعاب النارية الملونة في احتفالات رأس السنة، هذا بالنسبة إلى الأرقام التي وصلت إلى المستشفيات، أما الذين آثروا أن لا يلجؤوا إلى المستشفيات، فلا يعلمهم إلا الله.
وفي مدينة مانيلا في أحد السنوات لقي اثنان وعشرين شخصاً حتفهم، نتيجة الألعاب النارية، وإطلاق النيران، وهكذا يعمدون هذه هي حياتهم.
ومن مظاهر البذخ الذين يعملونها ما ينفق على هذه الألعاب والأشجار، ونحوها من الخمور، والأشياء الضارة، تعساً لهم، وتباً لأيديهم، ما أشقاهم، وما أكفرهم، ويكون أبرهم بوالديه من يرسل لوالديه بطاقة تهنئة بمناسبة ذلك العيد، ولو لم يزرهما، ولم يكلمهما طيلة السنة، وهكذا.
وأما الفقراء، فيبقون في البرد القارص، في مستوى من الفقر مع تبذير الأموال في هذه الأعياد، وإذا سار المسلمون على هذه الخطى تشبهوا بالكفرة، فلابد أن تحدث نفس النتيجة بينهم، فحذاري حذاري من التشبه بهم، ومن اتباع مذاهبهم، ومن تقليدهم، يكفيك أيضاً ما عندهم من الاعتقادات في بابا نويل، وهذا الرجل العجوز السمين المرح ذو اللحية البيضاء الطويلة، والملابس الحمراء الزاهية، الذين يعتقدون أنه كان قديساً عاش في أوروبا، وكان يعطف على الأولاد، ويوزع عليهم الهدايا، ونتيجة استفتاء جرى بينهم، قال تسعون في المائة من الكبار: إنهم يؤمنون بوجود سانتكلوز، وهو بابا نويل المزعوم أين هو؟
يقولون: يأتي على زحافة من بلاده الثلجية، فيمر على كل سطح منزل، ويدخل الهدية خلال المدخنة إلى غرفة الطعام، ولذلك يأتي الآباء، والأمهات إلى أولادهم، وهم نائمون الآن، ويضعون الهدية عندهم حتى يقوم الأولاد، ويشبوا على الاعتقاد، بأن بابا نويل هو الذي أتى لهم بها، أو يلبسون شخص آخر من البشر ملابسه، ليأتي ويوزع عليهم الهدايا، زد على ذلك ما في هذه الخرافة من شجرة الميلاد التي يزعمونها، ونحن نعلم أن الشجرة التي ولدت عندها مريم ولدت مريم ولدها عندها شجرة النخلة، ولكنهم يأتون إلى هذه الشجرة الغريبة التي يقولون: لا تخضر في جميع أوقات السنة، فيشترونها، ويقيمونها في بيوتهم، ويضعون عليهم سائر أنواع الزينات، والأضواء، علماً أنك لو بحثت لوجدت تاريخياً أن هذه الشجرة يسمونها شجرة الجنة يحتفلون بذكر آدام وحوى في أربع وعشرين ديسمبر.
وبالنهاية أنك ستجد أن هناك كثيراً من الأمور الوثنية التي دخلت في أعيادهم، وديانتهم، وإذا جلسنا نستعرض ونستعرض لوجدنا الكثير من الخرافات، والكفر، ونحو ذلك من المجون، والخلاعة التي طغت على أعيادهم، فهل تريدون معشر أهل الإسلام أن تدخلوا جحورهم، وأن تتشبهوا بهم في كفرهم؟ فإياكم ومشابهتهم، وإياكم والتعاون معهم، انكروا المنكر، وأبطلوا الباطل، واسعوا في سبيل ذلك ما استطعتم، ولكم من الله الأجر، والمثوبة.
اللهم ثبتنا على دينك، وقنا شر الشيطان الرجيم، اللهم باعد بيننا وبين الحرام، وأهله، والباطل وأهله، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول، وعمل، ونعوذ بك من النار، وما قرب إليها من قول، وعمل.