الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
الحمد لله الذي يجمع الخلق ليوم التناد.
لماذا سمي يوم القيامة بيوم التناد؟
ويوم التنادي فيه نداءات كثيرة، وقد قال مؤمن آل فرعون لقومه: وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِغافر:32، سُمي بيوم التنادي لكثرة النداءات فيه، فالله تعالى ينادي الخلق، والملائكة تناديهم أيضاً، وينادي الناس بعضهم بعضاً مما يعاينون من الأهوال، ويتنادى الخلق، فمن مستشفع، ومن متضرع، ومن مهنأ، ومن موبخ، ومن معتذر، ينادى المؤمن، وينادي أيضاً بعد أخذ صحيفته ويقول: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْالحاقة:19، وينادى الكافر بالعذاب، وينادي أيضاً بالويل، والثبور، والحسرة، ويصرخ، يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْالحاقة:25، تنادي جهنم، ولها نداءات يومئذ، أين الجبارون، أين المتكبرون، وتنادي الجنة أين المشمرون في طاعة الله، وأين الصابرون، وينادى كل أناس بإمامهم، فهنيئاً لمن كان إمامهم محمد ﷺ، وهنيئاً لمن كانت أئمتهم الأنبياء، أهل التوحيد الذين ينادون بأنبيائهم، ويدعون بعبادتهم، وإخلاصهم لله تعالى.
النداءات يوم القيامة
نداءات كثيرة في ذلك اليوم، ينادي أصحاب الأعراف على أصحاب الجنة، وأصحاب النار، وينادي أصحاب الجنة أصحاب النار، وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة، ينادى حين يذبح الموت: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت[رواه البخاري 4730 ومسلم2849]، ينادى بالسعادة، يا فلان بن فلان، وينادى بالشقاوة فلان بن فلان، نداءات كثيرة تتعالى في ذلك اليوم، إنه يوم زحام وخصام، وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِق:41- 42، يخرجون من القبور صاغرين، لا أموال، ولا قصور، لا مراكب، ولا مناصب، الكل بارز بين يدي الله تعالى، يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِغافر:16- 17، يوم يقوم الناس لرب العالمين، قال عليه الصلاة والسلام عن ذلك المشهد العظيم: يطوي الله السموات يوم القيامة، ثم يأخذنهن بيده اليمنى، ثم يقول: أن الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون أين المتكبرون[رواه مسلم2788]، نداء عظيم يوم القيامة، يوم الخزي لأهل الشرك، والكفر، والنفاق، والعصيان، والمبارزة لله الواحد القهار، أين الغافلون يومئذ؟ وأين المعاندون؟ أين أكلة الحقوق؟ وأين المفرطون؟ أين مضيعو الصلوات؟ أين مانعوا الزكوات؟ أين آكلوا أموال اليتامى؟
نداء عظيم يوم القيامة، يوم الخزي لأهل الشرك، والكفر، والنفاق، والعصيان، والمبارزة لله الواحد القهار، أين الغافلون يومئذ؟ وأين المعاندون؟ أين أكلة الحقوق؟ وأين المفرطون؟ أين مضيعو الصلوات؟ أين مانعوا الزكوات؟ أين آكلوا أموال اليتامى؟
أين الأكالون للسحت والرُشى؟ أين الذين يسرقون أموال الناس، ويبغون في الأرض بغير الحق؟ أين الظلمة؟ أين أهل البدعة الذين تسود وجوههم؟ أين المشركون والكفار؟ ينادي المنادي يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِالمائدة:109، ماذا أجابتكم الأمم؟ أنت أعلم يا رب، هذا هو الأدب مع الله سبحانه، أنت علام الغيوب، ينادي الله بني آدم جميعاً: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَالقصص:65، ماذا أجبتم المرسلين؟ قال تعالى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَالأعراف:6، فالنداء للطرفين، والسؤال للطرفين، قال أبو العالية: "كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون، ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟" وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَالقصص:65، سمعاً وطاعة، ماذا كان جوابكم لهم؟ ماذا كان حالكم معهم؟ ماذا فعلت بسنة نبيك يا مسلم؟ ماذا فعلت في هدي رسولك يا عبد الله؟ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَالقصص:65، أطعتموهم أم عصيتموهم؟ اتبعتموهم أم خالفتموهم؟ هل كنتم على سنتهم أم على الهوى؟ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَالقصص:66، لم يهتدوا إلى الصواب، ولا إلى إخراج جواب، من الذي ينجو ذلك اليوم؟ فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَالقصص:67.
الأمر جد وهو غير مزاحِ | فاعمل لنفسك صالحاً يا صاحِ |
كيف البقاء مع اختلاف طبائع | ومرور ليل دائم وصباحِ |
تجري بنا الدنيا على خطر كما | تجري عليها سفينة الملاحِ |
تجري بنا في لج بحر ما له | من ساحل أبداً ولا ضحضاحِ |
ينادي الله عبيده، يسألهم عن التوحيد، ينادي المشركين وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَالقصص:62، أين شركائي الذين وجهتم إليهم، وصرفتم أنواعاً من العبادة في دعاء، واستغاثة، ونداء، وعبادة، ونذر، وطواف، وحكم بغير ما أنزلت، أين هم شركائي هؤلاء؟ أين الشركاء المزعومون الذين اتبعتموهم؟ أين نفعهم؟ وأين دفعهم؟ وفي تلك الحال يلعن بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض، وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍفصلت:47- 48، وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُفصلت:48، كانوا في الدنيا يشركون يا فلان يا فلان، يا نبي، يا ولي، قَالُوا آذَنَّاكَفصلت:47، أعلمناك، مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍفصلت:47، ليس أحد منا اليوم يشهد أن معك شريكاً، وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُفصلت:48، فلم ينفعوهم، وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَالأنعام:94، ينادي الله الكفار إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَغافر:10، إنه فضيحة، وخزي يصيبهم، إنهم يسألون الرجعة فلا يجابون، إن هؤلاء يناديهم الله تعالى ويقول لهم: لَمَقْتُ اللَّهِغافر:10، وتناديهم الملائكة موبخين لَمَقْتُ اللَّهِغافر:10، أي: بغض الله إياكم لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْغافر:10؛ لأنهم يمقتون أنفسهم جداً في ذلك اليوم، ويبخونها للغاية، لماذا لم تستجب؟ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَغافر:10، فالسخط مستمر عليكم حتى آل بكم الأمر إلى ما ترون، ينادي المنادي في ذلك اليوم ليتبع كل من كان يعبد شيئاً ذلك الشيء، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فينادي مناد ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر، أو فاجر، وغبرات من أهل الكتاب، أي: من كان يوحد الله من أهل الكتاب، ثم يؤتى بجنهم تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله، فيقال: كذبتم لم يكن لله صاحبة، ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، عطشنا ربنا فاسقنا، فيقال: اشربوا فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم لم يكن لله صاحبة، ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا فيتساقطون في جهنم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر، أو فاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا منادياً ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا[رواه البخاري7440]، فهنيئاً لمن يوحد الله، هل عرفنا ما أهمية التوحيد، وما ثمرة التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، ينادى المنافقون يوم القيامة، وينادون أيضاً، يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَاالحديد:13، انتظرونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْالحديد:13، لكن هيهات لن ينتظروهم، فسيعبر المؤمنون الصراط، وسيقع المنافقون والمنافقات في النار؛ لأنكم فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْالحديد:14، بالنفاق، وَتَرَبَّصْتُمْالحديد:14، الدوائر بالمؤمنين، وَارْتَبْتُمْالحديد:14، شككتم في الخير والحق، وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّالحديد:14 الآمال، والأباطيل، وطول العمر، وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُالحديد:14، أي: الشيطان، فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌالحديد:15، مهما حاولتم تقديم فدية للنجاة من النار والافتكاك من سجن جهنم فلن يقبل منكم، لا عدل، ولا شفاعة، لا صرف، ولا فدية، وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواالحديد:15، النار هي مولاكم تتولاكم، وَبِئْسَ الْمَصِيرُالحديد:15.
ينادي الله الخلق جميعاً، عن عبد الله بن أنيس قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلاً بهماً، أي: غير مختونين، بهماً ليس معهم شيء، لا رصيد، ولا خدم، لا ملابس، ولا أثاث، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما سمعه من قرب، ماذا يقول تعالى؟ صوت عجيب يسمعه البعيد كما يسمعه القريب أنا الملك، أنا الديان، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه، عدل سبحانه، حتى الكافر الذي له حق يأخذه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه حتى اللطمة قلنا: وكيف، وإنما نأتي الله عراة غراً بهماً؟ كيف سيكون السداد، كيف ستكون التعويضات ولا معنا مال؟ قال: بالحسنات والسيئات،[رواه أحمد15612 وهو حديث حسن] الله يتكلم بصوت حقيقي، بحرف، وصوت يسمعه الناس.
فالله ربي لم يزل متكلماً | حقاً إذا ما شاء ذو إحسان |
نادى بصوت حين كلم عبده | موسى فأسمعه بلا كتمان |
وكذا ينادي في القيامة ربنا | جهراً فيسمع صوته الثقلان |
أن يا عبادي أنصتوا لي واسمعوا | قول الإله المالك الديان |
هذا حديث نبينا عن ربه | صدقاً بلا كذب ولا بهتان |
لسنا نشبه صوته بكلامنا | إذ ليس يدرك وصفه بعيان |
ينادي الله آدم باعتباره والد البشرية، والد الجميع، عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال: أول ما يدعى يوم القيامة آدم فتتراءى له ذريته فيقال: هذا أبوكم آدم فيناديه ربه فيقول: يا آدم؟ فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك فيقول: أخرج بعث النار، ميزهم من غيرهم، أنت والدهم، قال: وما بعث النار، كم المقدار؟ وما بعث النار، وفي رواية: فيقول: يا ربي كم أخرج؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين هؤلاء للنار، فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، قال الصحابة: يا رسول الله وأينا ذلك الواحد؟ قال: ابشروا فإن منكم رجلاً، -يعني: من المسلمين الموحدين من جميع الأمم- ومن يأجوج ومأجوج ألفاً ،[رواه البخاري3348 ومسلم222]
يا جنة الرحمن ليس ينالها | في الألف إلا واحد لا اثنان |
نسبة مخيفة، ولكن الله أخبر وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِالأنعام:116، وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَيوسف:103، وأهل النار أكثر من أهل الجنة قطعاً.
وكلمة التوحيد هذه لها أثر عظيم، من جاء بها موفياً حقها سينجو قطعاً يوم الدين، يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق فينشر له تسعة وتسعون سجلاً، كتاب كبير كل سجل مد البصر، طوله وعرضه مقدار ما يمتد إليه بصر الإنسان، ثم يقول الله هل تنكر من هذا شيئاً؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده رسوله[رواه الترمذي 2639 وأحمد 6955 وصححه الألباني في الجامع الصغير1776] هذا التوحيد ليس مجرد كلام، هذا فيه اعتقاد بالقلب، وليس مجرد معرفة قلبية باردة، بل هو أعمال بالجوارح أيضاً، هذه كلمة عظيمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله بالقول، واللسان، والجوارح.
اللهم إنا نسألك أن تنجينا يوم الدين، وأن تتوب علينا يا رب العالمين، اجعلنا ممن ينادى من بين أهل السعادة، ويأخذ كتابه باليمين، اللهم ارزقنا شفاعة محمد ﷺ، اللهم أوردنا حوضه، وثقل موازيننا بالحسنات.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، أشهد أن لا إله إلا الله خلق السموات والأرض بالحق، وخلق الجن والإنس ليعبدوه، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، مصطفاه وخليله، أمينه وصفيه، والمبعوث رحمة للعالمين، أشهد أنه رسول الله حقاً، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأزاوجه وخلفائه وذريته، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
نداءات يوم القيامة لأصحاب الأعمال
عباد الله: نداءات يوم القيامة لأصحاب الأعمال، نج نفسك يا عبد الله، اعمل لذلك اليوم، والله ما شغلنا عن الآخرة إلا حطام الدنيا هذا.
واعلموا أيها الإخوة: أن أهل الباطل يشغلون الناس إشغالاً عظيماً عن اليوم الآخر، فلا يكاد يفكر الواحد بالقبر، ولا باليوم الآخر، ولا بما في اليوم الآخر من الأهوال والأحداث، خمسين ألف سنة من الأحداث المتوالية، والناس قيام على أقدامهم بين يدي رب العالمين ينفذهم البصر، يسمعهم الداعي، لا يخفى على الله منهم شيء، كم تعيش في الدنيا سبعين، ثمانين سنة؟ في القبر أكثر، ويوم القيامة خمسين ألف سنة، ثم الجنة أو النار للأبد، نكدح يومياً من أجل الدنيا، وكلامنا من أجل الدنيا، واتصالاتنا من أجل الدنيا، وصفقاتنا من أجل الدنيا، وسفرياتنا من أجل الدنيا، وعلاقاتنا من أجل الدنيا، ودنيا في دنيا، ومال في أموال، في صفقات، في كلام، في استمتاع، في لذة، في أفلام، في قنوات، في اتصالات، في ألعاب، في ترفيهات، والآخرة ماذا لها من نصيب، ما نصيب الآخرة من أعمالنا، ما نصيب الآخرة من أوقاتنا، ما نصيب الآخرة من جهودنا، ما نصيب الآخرة من سهرنا، ما نصيب الآخرة من سفرنا، ما نصيب الآخرة من أعمالنا، ما نصيب الآخرة، ما هو نصيب الآخرة، هذا الحق، هذه الساعة، هذا المشهد العظيم، هذا الميقات المعلوم، هذا اليوم المشهود ما هو نصيبه من حياتنا، ما هو نصيبه من تفكيرنا، ما هو نصيبه من حركات، ألسنتنا وأعضاءنا وجوارحنا، ما هو نصيبه؟ كم يشغل فكرك منه؟ يحتل كم من حيز العمل عندك؟ يحتل كم من الأربع والعشرين ساعة في يومك وليلتك؟ نشتغل للحطام، وننشغل، ونسبة الإشغال مائة في المائة، على أسماعنا ملاهي، وبالأبصار ملذات، ونمشي إلى أين؟ ونعمل ماذا بأيدينا، فلا يكون للآخرة إلا الشيء القليل مع أنها هي الباقية، ونعمل للدنيا كثيراً مع أنها هي الفانية.
يوم القيامة هنالك أناس ينادون أصحاب أعمال، المتحابون في الله، يقول النبي ﷺ: إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي،[رواه مسلم2566]، أهل الصيام يقال يوم القيامة: أين الصائمون، لما يفتح باب الريان فيقومون، الذين صاموا النوافل بعد الفرائض، فيقومون لا يدخل منهم أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، وكل مكثر من عمل صالح يدعى، قال ﷺ: من أنفق زوجين أي شيء من أي صنف من أصناف المال، كبعيرين، وشاتين، ودرهمين، في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير، هذا الباب خير لك بكثرة ثوابه، ونعيمه بالنسبة لك؛ لأنك كنت تستكثر من الصيام، تستكثر من الصدقة، تستكثر من الصلاة، تستكثر من الذكر، تستكثر من التلاوة، تستكثر من الدعوة، تستكثر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تستكثر من الإحسان إلى الخلق، تستكثر العمل الذي أنت بارع فيه، ومستكثر منه من الصالحات، تدعى من بابه، قال: فمن كان من أهل الصلاة، المكثرين من النوافل بعد الفرائض، دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله ما على أحد يدعى من تلك الأبواب من ضرورة، ليس هناك من ضرورة واحتياج على من دعي من باب واحد من تلك الأبواب إن لم يدع من سائرها، هل هذا صحيح؟ فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ ليس هناك ضرورة ولا ضرر، ليس هنالك ضرر على من دعي من باب واحد؛ لأن المقصود حصل بدخول الجنة، فالصديق فهم هذا، ليس هنالك ضرر على من دعي من باب واحد؛ لأن المقصود سيحصل بدخول الجنة، لكن ما هو سؤال الصديق؟ قال: "فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟" ضرب بنصيب وافر في شتى الأعمال الصالحة، فقال رسول الله ﷺ: نعم، وأرجوا أن تكون منهم[رواه مسلم1027]، كاظم الغيظ، كاف الغضب، الذي لجم نفسه، من كظم غيظاً وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء[رواه الترمذي2493 وهو حديث حسن]، صبور، يعرف كيف يزم نفسه ويخطمها.
وإذا غضبت فكن وقوراً كاظماً | للغيظ تبصر ما تقول وتسمع |
فكفى به شرفاً تبصر ساعة | يرضى بها عنك الإله وترفع |
ينادى على الفقراء، عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ قال: يجتمعون يوم القيامة فيقال: أين فقراء هذه الأمة ومساكينها؟ فيقومون، فيقال لهم: ماذا عملتم؟ فيقولون: ربنا ابتلينا فصبرنا ووليت الأموال والسلطان غيرنا، فيقول الله : صدقتم، قال: فيدخلون الجنة قبل الناس، وتبقى شدة الحساب على ذوي الأموال والسلطان[رواه ابن حبان في صحيحه7419 وهو حديث حسن].
ينادى على أهل المعاصي في المقابل، مانعي الزكاة، من آتاه الله مالاً ولم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرعاً، حية ذكر سقط شعر رأسه من كثرة سُمه، يتبعه ثاغراً فاه فإذا أتاه فر منه، فيناديه ربه خذ كنزك الذي خبأته، فأنا عنه أغنى غني، فإذا رأى أنه لابد له منه سلك يده في فيه، في فم الثعبان، فقضمها قضم الفحل،[رواه مسلم988]، قال ﷺ في الضلال الذين لا يتبعون سنة محمد ﷺ، ولا هديه، أصحاب البدع، الشراذم، الفرق: ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال فأناديهم: ألا هلموا، فناداني مناد من بعدي فقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فقلت: ألا سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي[رواه البخاري6585 ومسلم249]، المتكبرون ينادون، المصورون الذين يعملون صور ذوات الأرواح، قال ﷺ: تخرج عنق من النار يوم القيامةقطعة من النار على هيئة الرقبة الطويلة، لها عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، فينادي إني وكلت بثلاثةوكلني الله بأن أدخل ثلاثة النار، وأعذبهم بالفضيحة على رؤوس الأشهاد، فسيناديهم هذا العنق من النار ويسحبهم إليها، بكل جبار عنيد يرد الحق بعدما تبين له، وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين[رواه الترمذي2574 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 512 ]،وقال: إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء فيقال: ألا هذه غدرة فلان بن فلان، [رواه البخاري6177 ومسلم1735واللفظ له]، الغادر اليوم يفتخر بذكاءه، وأنه أوقع فلاناً، وأوقع بفلان، وكاد لفلان، وحفر لفلان، وحطم مستقبل فلان، والمكر والخديعة في النار، وهذا في النار، وبأس القرار، إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله لله أحداً فليطلب ثوابه من عند غير الله، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك[رواه الترمذي3154 وهو حديث حسن]، المرائي في النار، المنافقون يفضحون على رؤوس الخلائق، استتروا في الدنيا ما انكشفوا، لكن يوم القيامة سيكشفون يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كنفه يستره فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: أي ربي أعرف، فيقول: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته، وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق، هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ هود:18[رواه البخاري2441 مسلم2768]، هذا يوم التناد، هذا يوم التنادي، يوم النداءات تتعالى من هنا وهناك، نداءات كثيرة في ذلك اليوم.
اللهم نجنا يوم الدين، واجعلنا ممن يأتيك بقلب سليم، ارحمنا يا رب العالمين، اللهم استرنا بسترك واصفح عنا بصفحك، واغفر لنا بمغفرتك وتب علينا يا تواب، اللهم استرنا يا ستير، اللهم ارحمنا في الدنيا، وفي الآخرة، وفي القبر، ويوم يقوم الأشهاد، لا تخزنا يوم يبعثون، لا تخزنا يوم يبعثون، لا تخزنا يوم يبعثون، واجعلنا مما يأتيك بقلب سليم، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا، وولاة أمورنا، واغفر لنا يا ربنا، اللهم من أراد أمن هذه البلاد بسوء فابطش به، واجعل كيده في نحره، اللهم من أراد العبث بأمننا وإيماننا فأشغله في نفسه، اللهم من أراد أعراض نساءنا بسوء فاجعله عبرة للمعتبرين، اللهم من أراد أن يحارب العفاف، والستر، والفضيلة، والحجاب، فامكر به وابطش به، اللهم اجعله نكالاً لمن بين يديه ومن خلفه، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا في خير وعافية، اللهم إنا نسألك العفو العافية، اللهم إنا نسألك العفو العافية، اللهم إنا نسألك العفو العافية.
-
سعيدة حاصل
جزاكم الله الف خير .على هادا الموقع الرائع