الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الحق الذي لا يجوز الاختلاف فيه


عناصر المادة
الخطبة الأولى
ما هو الحق؟
دعوى أن الحق نسبي والرد عليها
الحق واحد وأمثلة على ذلك
ماذا يجب علينا تجاه الحق
الخطبة الثانية
الحق في المسائل الفقهية

الخطبة الأولى

00:00:05

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

ما هو الحق؟

00:00:27

فإن الله هو الحق، وقد خلق السماوات والأرض بالحق، وقد أنزل كتابه بالحق، وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ 7 سورة الأنفال.

أمر نبيه باتباع الحق، وقال له: الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ 147 سورة البقرة، ونهى عن لبس الحق بالباطل، فقال: وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ 42 سورة البقرة.

وهكذا ضرب الله الأمثال في الكتاب العزيز بالحق، وأرسل رسله بالمعجزات ليتبين الحق،فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ 118 سورة الأعراف،وهكذا فإنه قد جعل الحق طريقاً واحداً وابتلى الناس بجعل سبل أخرى ابتكرها وابتدعها واخترعها أهل الضلال بوحي من إبليس، فقال الله محذراً: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ 153 سورة الأنعام، فوحَّد الصراط وجمع السبل، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ 153 سورة الأنعام، والسبل جمع سبيل، وذلك أن على رأس كل سبيل منها شيطان يدعو إليه.

لو أراد الله أن يجعل الناس أمة واحدة لجعلهم، ولو شاء أن يكونوا جميعاً على الحق لفعل ولكن ستنتهي القضية أن يدخل كل الناس الجنة ولا يدخل أحد النار، ولذلك شاء الله بحكمته أن يبتلي الناس، وأن يكون هنالك التباس، ولكنه أنزل الكتاب وأرسل الرسل وجعل طائفة على الحق منصورة باستمرار يأوي إليها من يريد الجنة.

وهذا الحق بينه وبين السبل الأخرى معارك، ويكون هنالك لغط ونقاشات وأخذ وعطاء فيقذف الله النور في قلب من يشاء من عباده فيتبعُ الحق الذي أنزله، قال سبحانه: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً 213 سورة البقرة، يعني على التوحيد، من آدم إلى نوح عشرة قرون كلهم على الإسلام -كلهم على التوحيد- فحدث الشرك في قوم نوح فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ 213 سورة البقرة،  أي ما اختلفوا فيه من التوحيد والشرك والسنة والبدعة، وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ 213 سورة البقرة، فالله ما أراد أن يضل من يضل محبة للضلال -تعالى الله- ولا عمَّى على البشرية وجعلهم في ظلمة، كلا، بل جاءتهم البينات بالكتب والرسل، لكن لماذا اختلفوا؟

قال الله: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ أي في هذا الحقإِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ 213 سورة البقرة، أي ظلماً وعدواناً واتباعاً للشهوات والهوى.

قال تعالى مبيناً إنقاذه للفئة التي ستدخل الجنة: فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ213 سورة البقرة،فالحق واحد لا يخرج عما جاءت به الرسل وهو يوافق العقل الصريح والفطرة، والحق عليه نور، ولذلك يجب اتباعه والانقياد إليه.

ولما صار عند بعض الصحابة شك ولبس واختلاف في قضية المنافقين جاء في القرآن لوم لهذا الاختلاف، فقال الله ، موجهاً كلامه للصحابة:فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ 88 سورة النساء،فالنفاق أمره واضح، والحكم على المنافقين واضح، وسبيل المنافقين واضح فهو كفر وضلال وإن لبسوا وأظهروا أشياء تخالف حقيقته؛ فأمره واضح وهو عند الله واضح، فلماذا تختلفون فيهم فمنكم من يقول: كفار، ومنكم من يقول: لعلهم ولعلهم ويقدم الأعذار؟ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً88 سورة النساء،إذاً لا ينبغي لكم أن تشتبهوا فيهم ولا أن تشكّوا؛ لأنهم كفرة وقد تكرر كفرهم، وتكرر وقوع النفاق منهم.

الحق هذا هو الذي جاء به الوحي الإلهي وأنزل الله به كتبه إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا119 سورة البقرة، ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ176 سورة البقرة، وفي آية أخرى: وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ213 سورة البقرة، وفي آية ثالثة: قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ170 سورة النساء، وهكذا.

وليس بعد الحق إلا الضلال، فلا يوجد حق وحق بل هو حق واحدكما قال تعالى: فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ 32 سورة يونس.

دعوى أن الحق نسبي والرد عليها

00:06:27

خرجت علينا طوائف وأفكار، فيقولون: لا أحد يحتكر الحقيقة المطلقة، والحق نسبي، ويوجد عند كل طائفة جزء من الحق، وبهذا نلتقي!

لماذا دخلوا علينا هذا المدخل؟ دخلوا علينا هذا المدخل؛ لأن المنافقين عندما يريدون إشاعة الباطل أو إشاعة الشرك، إشاعة البدعة، إشاعة الانحرافات إشاعة المعاصي فلا بد لهم من مدخل على الناس توطئة وتمهيد، فما هي التوطئة والتمهيد المناسبة لقضية إحداث الالتباس وخلط الأمور، وجعل الملل الكفرية تدخل على الناس من كل ناحية، وتكون مقبولة غير محاربة ولا مرفوضة؟

المدخل الشيطاني أن تروج فكرة وهي أنه لا أحد يحتكر الحقيقة المطلقة، الحق المطلق لا يملكه كل أحد، الحق قضية نسبية، ما يكون عندك مقبولاً يكون عند غيرك مرفوضاً، وما يكون عند غيرك مرفوضاً يكون عندك مقبولاً، وهكذا ما يكون عند غيرك مقبولاً يكون عندك أنت أيضاً مرفوضاً، ولا يمكن أن نقول: إن المسلمين عندهم كل الحق، فالنصارى عندهم جزء من الحق، اليهود عندهم جزء من الحق، لا يمكن أن نقول: إن أهل السنة عندهم كل الحق، القدرية عندهم جزء من الحق، الجبرية عندهم جزء من الحق، الجهمية عندهم جزء من الحق، الأشاعرة عندهم جزء من الحق، أهل الرفض عندهم جزء من الحق، فلا تحتكر الحق، من أنت حتى تحتكر الحق؟ وتدعي أن العالم كله على خطأ!! وهكذا يبدأ تمهيد الطريق لدخول الكفر والبدع بأنواعها، وهذه الفكرة ابتدعها السفسطائيون من اليونان في القرنين الرابع والخامس قبل الميلادولذلك قال علماؤنا في هذا المذهب: أوله سفسطة وآخره زندقة؛ لأنه يجعل الشيء ونقضيه مقبولاً واحداً، ويخير الناس بين كل المذاهب وكل الأفكار، وكل الطرق وكل الأديان، ويؤدي في النهاية إلى قضية وحدة الأديان أو إلى قضية اجتماع الأديان، والرضا بكل الأديان والرضا بكل الطوائف، والرضا بكل الفرق، وقد قال أحد ملاحدة العرب معبراً عن هذه المدرسة:

لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائـف وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنَّى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيمـاني

ما قال: فالحق ديني وإيماني، قال: فالحب ديني وإيماني، ولذلك لا مانع عندهم أن يجتمع هؤلاء من جميع الملل والنحل والفرق والأديان، ويؤلفوا شيئاً جديداً ومذهباً اسمه الإنسانية، وقالوا بقضية نسبة الحقيقة، وهذه القضية الخطيرة جداً ستؤول إلى أن الإسلام ليس هو فقط دين الحق، وأن طريق أهل السنة وطريق السلف الصالح ليس هو كل الحق، وبالتالي اقبل الجميع وتعايش معهم بالإقرار، تقرهم على ما هم عليه، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ 6 سورة الكافرون، مع أن الآية: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ 6 سورة الكافرون؛ يعني لكم دينكم الباطل ولي ديني الحق، لكم دينكم المختلف عن ديني ولي ديني المختلف عن دينكم، أنا كافر بما عندكم وأنتم كفار بما عندي، هذا معنى لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ6 سورة الكافرون، لكن هؤلاء يريدون أن يستعملوا هذه الآية على غير ما أنزلها الله من أجله، وأن يفهموا منها غير مراد الله تعالى منها.

الحق واحد وأهله في الجنة، والباطل شعب وأهله في النار، لمن خلق الله النار؟ إذا كنا سنسير على مذهب نسبية الحق، وأن الجميع على حق فلمن خلق الله النار؟ ومن الذي سيدخل النار؟

قد يقولون: سيدخل النار الحرامي المغتصب -وربما لا يقولون: الزاني؛ لأن الزنا إذا صار برضا الطرفين فهو عندهم صح ما فيه خطأ، المرتشي؛ لأن الرشوة تؤدي إلى الإفساد العام، أي أنهم يختارون جرائم معينة ويقولون: هذه للنار، فماذا عن الذي يعبد بوذا من دون الله، والذي يجعل البقرة إلهاً من دون الله، والذي يجعل الله ثلاثة، والذين يقولون: عزيرٌ ابن الله، والذين يعبدون الأصنام، والذين عبدوا هبل واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى؟ أين مصيرهم؟

لذلك نحن أمام كفر خطير جداً يروَّج نهايته لماذا قاتل أبو بكر الصديق المرتدين؟ إذا كان الله يريد الحرية وأهم شيء في العالم هي الحرية بإطلاق من حرية الأديان، وحرية الأفكار، وحرية التفكير، وحرية الاعتناق، وحرية المذاهب، وحرية الفرق، فهذه المدرسة وأصحابها تجعل الحرية بهذا المعنى الواسع هي أهم شيء في الحياة، فالناس يعشقون الحرية وخاصة في أجواء الظلم والاضطهاد فتتوافق الدعوة الخطيرة مع ما يحس به كثير من الناس من الظلم فتشرئب الأعناق نحو هذه الدعوة إلى الحرية بحكم الضغوط والاضهطاد الواقع على رؤوس الكثيرين، وبعض العامة لا يدركون خطورة ما وراء الدعوة إلى الحرية، وتقديسها وجعلها المبدأ الأول الذي يبحث عنه الناس في العالم، لذلك فإن الأمة تحتاج إلى علم وبصيرة لإدراك هذه القضية، فما هو الواجب علينا أمام هذا الأمر؟

الحق واحد وأمثلة على ذلك

00:13:00

أيها الأخوة: الواجب علينا أولاً: أن نعتقد أن الحق واحد، ولما نقول هذا فهو في كل شيء، بمعنى أننا عندما نقول: إن الله واحد، فهذه الحقيقة لا تقبل التعدد أبداً، أي: لا تقبل أن يكون الله اثنين أو ثلاثة أو هناك عدة آلهة، لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا22 سورة الأنبياء، وقال الله تعالى: قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً 42 سورة الإسراء،  وسيحدث الصراع بين الآلهة ويخرب العالم؛ لأن كل إلهٍ عنده رغبة تختلف عن رغبة الآخر، وهناك صراع على الهيمنة والسيطرة، لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا 22 سورة الأنبياء،لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً ۝ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ۝ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ44 سورة الإسراء.

هذه حقيقة غير قابلة للنقاش وكل من يقول بخلاف هذا فهو كافر مخلد في النار؛ لأنه على باطل من أوله إلى آخره، وهكذا قل في صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، سواء كان توكلاً أو استغاثة أو نحو ذلك من العبادات كنذر أو ذبح، فمن ذبح لقبر أو نذر لميت أو استغاث بولي أو استعان به فيما لا يقدر عليه إلا الله كشفاء المرضى، وإحياء الموتى، ومغفرة الذنوب، وقضاء الحاجات، وتفريج الكربات وغيرها مما لا يقدر عليها إلا الله فهو مشرك وعلى باطل من أوله إلى آخره، وهو في النار خالد مخلد فيها ولو كان اسمه زيد أو عبيد، ولو كان عربياً من أبوين عربيين، ولسانه عربي، فأبو لهب في النار، وأبو جهل في جنهم.

كذلك على سبيل المثال لا يجوز الاختلاف في مواضع الإجماع، يعني ما أجمعت عليه الأمة -مثلاً- من تحريم الخمر، هذا حق لا يجوز الاختلاف فيه ولا يقبل أي اختلاف فيه، وكذلك تحريم الربا فإنه حرام مجمع عليه عند الأمة في سلفها وخلفها فلا يجوز الاختلاف فيه، ولا النقاش في حكمه.

ومن ذلك إباحة تعدد الزوجات فهو مجمع عليه عند الأمة قطعاً، ولذلك اتجهت همة المفسدين إلى الطعن في قضية القطعيات فقالوا: أنتم موسعون دائرة القطعيات مع أن القطعيات ضيقة، يريدون منا أن نخرج مسائل من القطعيات ونجعلها في دائرة الخلافيات.

لما نشبت المعركة في قضية خلق القرآن، أهل السنة مجمعون على أن القرآن من عند الله منزل غير مخلوق، فأهل السنة مجمعون على أن القرآن من عند الله منزل غير مخلوق، و لما صارت حركة الترجمة لكتب اليونان وصار الكتاب يعطى وزنه ذهباً لمترجمه، وصارت هناك إغراءات بالدخول في الفلسفات الغربية، اليونانية، وعلم الكلام، وصار الناس كلهم يقولون القرآن نعرفه، والسنة نعرفها، هل عندكم علوم جديدة؟؛ لأن الجديد الوافد له لذة، نتيجة لهذا -علم الكلام والفلسفة- نشأت فكرة القول بخلق القرآن ثم اعتنقها السلطان المأمون وبدأ حمل الناس عليها بالقوة، فقاومت الأمة، وقُتل من قُتل، وسجن من سجن، وضيق على من ضيق، ومنع عطاء بيت المال عن من منع، وثبت الله الأمة بالإمام أحمد والبويطي ومحمد بن نوح، وغيرهم من العلماء وطلبة العلم والدعاة الذين كانوا في ذلك الوقت حتى انطفأت الفتنة، لكن هل يقال: إن خلق القرآن مسألة خلافية وتقبل آراء؟ أبداً..

الحجاب بالعموم مثلاً مجمع عليه، والخلاف وقع في التفصيل، أي الوجه هل هو عورة أم لا، لكن كل مذيعة أو ممثلة أو مخرجة أو امرأة تحسر عن شعرها فهي مخالفة لما أجمعت عليه الأمة، ولا يوجد هناك قول صحيح معتبر إطلاقاً بجواز كشف شيء من الشعر، والأمة مجمعة على تغطية المرأة قدميها، فكل امرأة تخرج قدمها فهي مخالفة لما أجمعت عليه الأمة، لكن تكون عاصية، إذا اعتقدت بالحكم وخالفته، وتكون كافرة إذا جحدت الحكم، فلا يوجد هناك خلاف في قضية كشف الشعر والقدمين مثلاً، لكن انظر الآن الدعوة إلى ماذا؟ ثم هل عندنا شك بأن الله أمر المرأة بالقرار في البيت، وجاء الاستثناء "أذن لكُنَّ أن تخرجن في حوائجكن" إذاً هناك حاجة تخرج المرأة وبالشروط الشرعية، الحجاب الكامل على الراجح الواضح، حتى علماء الأمة من علماء المذاهب اتفقوا على أن الشابة يجب أن تغطي وجهها، واتفقوا على أنه في وقت الفتنة يجب أن تغطي وجهها، حتى الذين قالوا بكشف الوجه اتفقوا مع غيرهم على وجوب تغطية وجه المرأة الشابة والجميلة، وفي وقت الفتنة تجب التغطية، فصار الخلاف أو بقي الخلاف في كبيرات السن، فالخلاف صار هامشه في الحقيقة ضيق ولا يؤثر كثيراً، ما في شك أن الله أمر النساء بالقرار في البيوت، وأستر وأفضل وأحسن وأكرم وأعف، وأُذن لهن بالخروج للحاجة، تشتري شيئاً وترجع، تذهب تستفتي للقاضي وترجع، تذهب للعلاج وترجع، تصل رحمها وترجع.

قال أحدهم في قناة من القنوات وموقع لهذه القناة بالنص: يفتون بأنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه، معناه أن الزواج يتحول إلى سجن مؤبد تنتقل فيه الزوجة من حفلة العقد إلى حفلة القبر!

طيب خروج المرأة من بيتها بإذن زوجها مجمع عليه أم لا؟ الآن الحكم يتعرض إلى نقد ونقض في الفضائيات والمواقع التابعة للمنافقين، ويقال: إن هذا الحكم مشكلة، هو الحجاب مشكلة، والقرار في البيت مشكلة، وصارت الأحكام الشرعية مشكلة.

ماذا يجب علينا تجاه الحق

00:20:11

وبالتالي أيها الإخوة هنا يجب علينا واجبات كثيرة جداً:

أولاً: معرفة الحق بأدلته، وثانياً: التمسك به، ثالثاً: الجهر به والصدع والدعوة إليه، والمنافحة عنه، ولا بد أن نخوض المعارك مع المنافقين في هذا، والقضية ليست اختيارات، القضية مصيرية، والمسألة دين الأمة، والقضية تتعلق بجوانب كثيرة، تتعلق بالعقيدة والتوحيد من جهة، تتعلق بقضية السنة النبوية من جهة، تتعلق بقضية منهج التلقي من جهة، تتعلق بالطريقة الصحيحة في فهم النصوص من جهة، تتعلق بالعفة والأخلاق الفاضلة من جهة.

الآن أهل التوحيد في الأمة يخوضون معارك، هناك معارك حقيقة مع أهل النفاق، أهل النفاق الذين يريديون حرف الأمة، وصرف الأمة، وإفساد دين الأمة، إفساد التوحيد، إفساد السنة النبوية، إفساد حجية السنة النبوية، إفساد مدلولات الآيات والأحاديث، الطعن والتشكيك فيها، الطعن والتشكيك في إجماع المسلمين، الطعن في الثوابت.

ومما يجب الرجوع إلى الحق عند ظهوره، فالحق في مسألة قد يخفى مدة، لكن الله يظهره، من حكمة الله أن يظهر الحق ولو بعد حين، فيوسف تعرض لإغراء شديد، تجملت ودعته وغلقت الأبواب وغاب الرقيب، ثم ركضت وراءه، واستبقا البابهو يريد الفرار، وهي تريد الرذيلة، ألفيا سيدها لدى الباب، يا للصدفة المحزنة لتلك المرأة والمفاجئة ولكن كيد النساء مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا 25 سورة يوسف،ثم تدله على العقوبة التي تريدها إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ثم استعانت بكيد النسوة، ودخل يوسف السجن مظلوماً، وأشيع في المجتمع أنه راود صاحبة المنزل، كم سنة بقي الأمر على هذا؟

عبد مظلوم أخذ وجعل في السجن مرمياً بضع سنين، لم يسأل عنه أحد، سُمعَتُه كيف هي؟ وما الذي روِّج بين الناس؟ لكن الله ، ما كان ليذر الأمر على ما هو عليه ولا بد أن يميز الخبيث من الطيب، ويظهر براءة يوسف ، ولذلك أرى الله الملك رؤيا ليعجز من حوله عن تعبيرها، ويتذكر ساقي الملك القضية ويرجع بذهنه إلى الوراء، ويذهب إلى يوسف في السجن وتكون عملية التعبير التي يدهش لها الملك، ويقربه، وأول طلب طلبه يوسف إثبات براءته وليس الخروج من السجن، قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ50 سورة يوسف، قبل أن أخرج فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ 50 سورة يوسف، فصار التحقيق من الملك: مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ 51 سورة يوسف، فظهر وبان، فأظهر الله الحق، بعد أن كان مخفياً سبع سنين، وصاحب الحق كان مضيَّع في السجن مرمي، الناس في البلد كان عندهم فكرة غير الحق لكن ظهر الحق.

إذاً أيها الإخوة، نتيجة شراسة المعركة قد يخفى الحق على بعض الناس مدة من الزمن، ولكن الله يظهره.

الله أكبر يا تاريخ مقبلة أيا منا مانحات للدنا الفرجا
سفينة الحق يا تاريخ قادمة لا ترهبوا الموج والطوفان والثبجا
والليل مهما عتا وأسودَّ جانبه فلن يقر أمام الصبح إن ولجا

إذا ولج الصبح، وانبلج الفجر، ذهب الظلام وانقضى الليل، وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا 81 سورة الإسراء، هكذا قال ﷺ عندما طعن الأصنام حول الكعبة؛ ظهر الحق، حصحص الحق، وفنَّد الله الباطل، إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا 81 سورة الإسراء، فزهوق الباطل لا يتم إلا بمعركة، زهوق الباطل لا يتم إلا بحملة أهل الحق، زهوق الباطل لا يتم إلا بالبيان، زهوق الباطل لا يتم إلا بجهود، زهوق الباطل لا بد فيه من مدافعة، وأما الاستسلام والنوم، وتمشية الأمور، والرضا بالدون، فهذا لا يمكن فيه ظهور الحق.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:26:04

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله أكبر أكبره تكبيراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله للعالمين بشيراً ونذيراً، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة وبين الحق ودعا إليه، وجاهد من أجله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ناصروه على الحق، وقاتلوا معه، وجاهدوا في سبيل الله، ونقلوا إلى الأمة الحق وبينوه، رضوان الله عليهم، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله: أعداؤنا يحاولون الحيلولة بين الأمة وبين الحق بكل ما أوتوا من قوة، ونحن يجب علينا أن نعرف الحق، وأن نتمسك به، وأن ننقاد له، ويجب أن نعرف مواطن المعارك مع هؤلاء المنافقين وأعداء الدين الصرحاء والمتظاهرين، فنقوم لله بالحجة، فلا يمكن إلا أن نعتقد بأن الإسلام هو الدين الوحيد الصحيح في العالم، وأن كل الأديان الباطلة غير الإسلام في النار، وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ 85 سورة آل عمران.

نعتقد أن التوحيد حق الله على العبيد، ولا يجوز أن يشرك مسلم بالله شيئاً، ولا يجوز أن يصرف شيئاً من العبادة لنبي أو ولي، لحي أو ميت، وصاحب قبر، كما يفعل اليوم في العالم الإسلامي الطغام من الناس.

السنة طريقها واحد، السلف طريقهم واحد، وأما الخلف وأما من زاغ عن طريق السلف، وأما أهل البدع والمذاهب فإن النبي -عليه الصلاة السلام- قد بين لنا أن الأمة تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، فاثنتان وسبعون فرقة كلها في النار يا عبد الله، يا مسلم هناك اثنين وسبعين فرقة من هؤلاء الذين يدعون الإسلام كلهم في النار إلا واحدة هي الفرقة الناجية من النار، وهي الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، وإذا ما ظهرت بالسيف تظهر بالبيان، إذا ما ظهرت بالسنان تظهر بالبيان، تظهر بالحجة، ولو كانوا مستضعفين بالقوة المادية، هذا طريق أهل السنة على ما أنا عليه وأصحابي أخرجه الترمذي (2641) وحسنه الألباني.

ولذلك بعض أهل البدع لما أرادوا الانحراف عرفوا أنه لا يمكن أن يُتقبل إلا بالطعن في الصحابة فطعنوا في الصحابة؛ لأنهم سيأتون بكلام من غير طريق الصحابة فلا بد من إسقاط الصحابة أولاً، فمن المسائل المجمع عليها التي لا يمكن أن نقبل فيها خلافاً قضية عدالة الصحابة، وأن الصحابة كلهم عدول، وأن الله اختارهم لحمل هذه الرسالة ونصرة هذا النبي الكريم ﷺ ولا يمكن أن يكْذِب هؤلاء الصحابة على الله ورسوله، ومن ارتد ومات على الردة فليس بصحابي أصلاً، بل حاربه الصحابة، فما بالك بمن يزعم أن الذي حارب المرتدين -وهو أبو بكر الصديق- هو نفسه مرتد؟! فلذلك سعوا في إسقاط رموز الإسلام، وهذا طعن في الدين. عباد الله:

الله أراد أن يحدث هذا الاختلاف لحكمة؛ فالحق عند الله عظيم وأهله مكافؤون بسلعة الله الغالية، وهذا لا يكون لكل أحد وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۝ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ 118-119 سورة هود، خلقهم ليظهر الحق بالمدافعة، خلقهم ليكون هناك فريقان، فريق في الجنة وفريق في السعير، هذه حكمة إلهية عظيمة للغاية.

الحق في المسائل الفقهية

00:30:36

وإذا قال قائل: مسائل العقيدة والأصول عرفناها، فهل المسائل الفقهية الحق فيها واحد أيضاً أو يتعدد؟ فالجواب بلا ريب أن الحق فيها واحد، قال ابن قدامة -رحمه الله-: "الحق واحد في قول واحد من المجتهدين ومن عداه مخطئ سواء كان في فروع الدين أو أصوله" بمعنى لو طرحنا مثلاً مسألة لمس المرأة هل ينقض الوضوء أم لا؟ فعند العلماء يوجد أقوال، علماء أهل السنة أنفسهم يوجد عندهم أقوال، منهم من قال: لمس المرأة ينقض الوضوء مطلقاً، لمس بشهوة، لمس بدون شهوة، لمس بحائل، لمس بدون حائل، ينقض الوضوء، ومنهم من قال: لمسها بدون حائل يعني مباشرة -البشرة على البشرة- هو الذي ينقض، ولم يفصلوا بشهوة أو بغير شهوة، ومنهم من قال: لا ينتقض الوضوء إلا باللمس بشهوة، ومنهم من قال: لا ينتقض وضوء اللامس بشهوة حتى يخرج منه شيء كمني أو مذي، فإذا خرج منه شيء انتقض الوضوء، ما خرج شيء ما انتقض الوضوء.

هذه مسألة خلافية مبنية أصلاً على فهم آيات، لاَمَسْتُمُ النِّسَاء 43 سورة النساء، وفي قراءة: لمستم، لامستم جامعتم، لامستم يعني لمس البشرة البشرة، أو ماذا؟

ثم إن النساء فيهن الأجنبية وفيهن الزوجة، وفيهن المحرم، ولو تكلمنا فقط على موضوع الزوجة مثلاً لنضيق المسألة ففيها هذه الأقوال السابق ذكرها، فالحق عند الله في هذه المسالة ما هو؟ هل كلها صحيحة عند الله؟ لو كانت عند الله كلها صحيحة ما احتاجت القضية إلى تحري واجتهاد وبحث، فأي قول يؤخذ به فلا إشكال، لكن نص العلماء على أن الحق عند الله واحد حتى في المسائل الخلافية، ولكن صارت خلافية لأسباب منها:

أن واحداً بلغه الدليل وآخر لم يبلغه الدليل، وواحد صحَّ عنده الحديث، والآخر لم يصح عنده الحديث، واحد فهم الحديث بشكل معين والآخر فهم الحديث بالتوجه الفلاني، وواحد جمع بين نصين فأنتج معنى، واحد أخذ نصاً واحداً والآخر لم يعتبر عنده مثلاً أو لم يصح، أو ليس هو في الموضوع بل هو متعلق بموضوع آخر، وهذا هو الاجتهاد، وهذا التفاوت في عقليات العلماء، وهنا يظهر العمق، وهنا يظهر الفقه، وهنا تعرف عظمة هذا الدين، الذي فتح الباب للعلماء للاجتهاد؛ فالأعداء يقولون: إذا كان كل شيء عندكم واضح فمعناه أنه لا يوجد عندكم الثراء الفكري، نقول: تعال نريك الثراء الفكري، انظر في كتب الفقه التي عندنا تبيّن الثراء الفكري.

المسألة هذه -على سبيل المثال- المجتهد يجتهد ويستخرج منها الحكم، وطالب العلم يتبع العالم بالدليل أو يرجح إذا كان صاحب ترجيح، والعامي يقلد؛ حيث يسأل عالماً يثق به ويقلده، ولا يُطلب منه أكثر من هذا، وبما أن المسألة في قضية خلافية والخلاف فيها معتبر، يعني ليست مثل قضية السحر مثلاً هل هو جائز أم غير جائز؟ فالسحر حرام بالإجماع، وكذلك ليست هذه مثل قضية الاستغاثة بصاحب قبر فيقول: يا فلان اعمل لي كذا، هذه بالإجماع حرام وشرك وانتهى أمرها ولا يقبل فيها الخلاف.

لكن هذه يقبل فيها الخلاف ويقال نتناقش ونتحاور ونتباحث ونحاول الوصول إلى الراجح، هنا الابتلاء بقضية الوصول إلى الراجح، وهنا تظهر قضية المجتهد المخطئ له أجر، والمجتهد المصيب له أجران، وبذلك تتفاوت مقادير العلماء عند الله، فهذا أصاب الحق عند الله في كذا بالمائة من المسائل، وهذا أصاب أقل، وهذا أقل، فتظهر الرتب.

معاذ بن جبل أمام العلماء يوم القيامة برتوة -رمية حجر- الأئمة الأربعة هؤلاء والفقهاء الكبار في الأمة مع النبيين والصديقين والشهداء، قالوا: الشهداء هم العلماء؛ لأنهم يشهدون لله بالوحدانية، ويشهدون له بالحق، وعلى هذه الشريعة، وبالتالي فهناك قول واحد عند الله هو الصحيح -هو الحق- لكن الآن في الدنيا هناك اختلاف فيه فسابقوا لمعرفة الراجح فيه، هذه القضية من القضايا التي لا يستطيع أحد أن يقول مثلاً: هذا الحق هنا، وكل الآخرين على باطل، لكن يقول: هذه أرجح، ولذلك قال الشافعي: "قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري في نظري خطأ يحتمل الصواب".

ماذا يفعل المنافقون؟ يسحبون هذه القضايا الاجتهادية إلى القضايا المجمع عليها، ويقولون: تلك خلافية، وهذا هو المكر، وهذه هي الزندقة، وهذه هي أصول العمل الشيطاني.

أيها الأخوة: قضية الدعوة للحق وبيان الحق في التوحيد والدين والمسائل الكبار وما أجمعت عليه الأمة قضية مهمة جداً، وهناك أشياء لا يجوز الخلاف فيها إطلاقاً، والنبي ﷺ كان يرفض خوض الصحابة في بعض المسائل كالخوض في قضايا القدر وهو سر الله في الخلق.

هل تصدقون أن الروح قد وصلت الأقوال فيها إلى ألفين وثمانمائة قول، مع أنه لا يجوز الخوض فيها أبداً، فهي سر الله في خلقه وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً 85 سورة الإسراء.

أيها الإخوة: نحن نتفاءل بقوله تعالى: وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا 81 سورة الإسراء.

وهذه الآية التي تلاها النبي ﷺ وهو يطعن الأصنام، وهو يطوف حول الكعبة، ونحن نعلم أن الحق يعادى، وقد قال ذلك الكافر لأخيه الكافر لما ظهر النبي ﷺ قال: ما موقفك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت، وهذه العداوات لا بد أن نتحملها حتى نصل إلى الجنة سالمين، ولا يسلم إلا من لقي الله بقلب سليم.

اللهم ارزقنا الحق وثبتنا عليه يا رب العالمين، نسألك الثبات حتى الممات، اللهم إنا نسألك أن تهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، واغفر لنا وارحمنا وتب علينا، اللهم إنا نسألك الأمن في الأوطان والدور، وأن تصلح الأئمة وولاة الأمور، وأن تغفر لنا أجمعين يا عزيز يا غفور، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - أخرجه الترمذي (2641) وحسنه الألباني