الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
شريعة الله كاملة
فإن شريعة الله كاملة؛ بين الله فيها كلما يحتاجه الإنسان، جاءت هذه الشريعة بأحكام جليلة، بأحكام دقيقة، بأحكام عظيمة، ما تركت شيئاً إلا بينته، وإن المسلم ليتعجب من هذه الدقة، وهذه الشمولية التي اتصفت بها هذه الشريعة.
ومن الأمور التي جاءت فيها الشريعة بأحكام حال الإنسان، وبدن الإنسان، وما يتعلق بأجزائه المتصلة، والتي تنفصل كالشعر، وهو نعمة من نعم الله تعالى، وقد يبتلي الله بعض الناس بالقرع، كما جاء في حديث الأبرص والأقرع والأعمى، فهذا إذا صبر فله الأجر، والشعر جمال وزينة زين الله به الرجال، وجمل به النساء، وجعل له أحكامه.
هذا الشعر الذي عبث الشيطان اليوم بعقول الكثيرين فيما يتعلق به من قصات وصيحات وتقليعات، ومخالفات لأحكام الله ورسوله، من النمص والحف، ونحو ذلك.
سنن في الشعر
وللشريعة من الشعر مواقف وأحكام، فأما بالنسبة لترجيله فإن النبي ﷺ كان يرجل شعره، وكان يدهن شعره، وكان ينظف شعره، ولا يتركه متفرقاً، وحسن المنظر محبوب، ولما أحرم النبي ﷺ بالحج، والحج أيام، ولن يقرب الشعر في الإحرام، فلبد ﷺ شعره، والتلبيد أن يلصق الشعر بعضه ببعض بمادة تمنع من تفرقه؛ وجعله منكوشاً يتخلله الغبار.
وكان ﷺ علمنا النظافة، قال العلماء: يسن أن يغسل شعره وأن يسرحه، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أرجل رأس رسول الله ﷺ وأنا حائض" رواه البخاري [رواه البخاري (295)]، والترجيل بمعنى التسريح بالمشط، ونحوه، ويستحب البدء باليمين، وقد قالت رضي الله عنها: "إن كان رسول الله ﷺ ليحب التيمن في طهوره إذا تطهر، وفي ترجله إذا ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل" رواه مسلم[رواه مسلم (268)].
أحكام حلق الشعر
والأصل في هذا الشعر أنه زينة للرأس، ولكن تطويله للرجال ليس بسنة يؤجر عليها، وكان شعر النبي ﷺ يطول، وكان يقصره أحياناً، وقد جعل ﷺ شعره ضفائر أحياناً، وليس طول الشعر سنة يتقرب بها الرجل إلى الله، وأما المرأة فكمال جمالها في طول شعرها، وقد جاءت الشريعة بحلق الشعر للذكر في مواضع، ومنها حلقه في التحلل في الحج والعمرة، فهذه قربة إلى الله، ولعل له بكل شعرة تسقط حسنة.
وكذلك المولود فقد قال ﷺ في الغلام الذكر: الغلام مرتهن بعقيقته، يذبح عنه يوم السابع، ويسمى، ويحلق رأسه[رواه الترمذي (1522)]، فهذا مستحب، ويتصدق بوزن الشعر، سواء وزنه، أو أخرج وزنه بالتقريب والاجتهاد ذهباً أو فضة، أو ما يعادله من الأوراق النقدية والمالية، وأما المولودة الأنثى فقد اختلف العلماء في حلاقة شعرها، فرأى بعضهم أنه يحلق كالذكر، وأنه من باب إماطة الأذى الوارد في حديث: أميطوا عنه الأذى[رواه البخاري (5471)]، وقال بعضهم: إن الحلق خاص بالذكر لوروده في حديث الغلام، وهو بخلاف الجارية، فالغلام الذكر، والجارية الأنثى.
ومن القربة كذلك في حلاقته ما ورد في حلق شعر الكافر إذا كان متخذاً على هيئة تميز ملة من ملل الكفر، كما هو واقع في شعر السيخ مثلاً، فهذا إذا أسلم منهم فإنه يؤمر بإلقاء شعره، وقد قال النبي ﷺم لرجل أسلم: ألق عنك شعر الكفر[رواه أبو داود (356)] يعني: احلقه، وقوله: شعر الكفر يدل على أنه علامة، وأن بعض الكفار يتخذه على هيئة معينة، كما يفعل كفرة الهند، وربما لا يتعرضون له بشيء من الجز والتقصير والحلق أبداً، فإذا كان على هيئة تميز الكافر في ملة من ملل الكفر، فإنه عند إسلامه يقال له: ألق عنك شعر الكفر، واختتن.
وقد يحلق الشعر كفراً بالله وشركاً، كما يفعله بعض الذين يتذللون لأصحاب القبور والأضرحة، فإنهم إذا طافوا بالقبر، وعظموا صاحب الضريح أضافوا إلى ذلك حلق الشعر عند نهاية الطواف بالقبر، وهذا شرك بالله تعالى، ويفعله بعض الصوفية تذللاً لشيوخهم فيحلقون رءوسهم خضوعاً لهم، وهذا، ولا شك مخالف لشرع الله تعالى.
وقد يكون حلق الشعر بدعة، كما لو نوى بالحلق المستمر التقرب إلى الله في غير النسك -في غير التحلل من الإحرام-، ويداوم عليه يظن أن هذا التحليق يؤجر عليه، وقد جاء هذا في وصف الخوارج، فقال النبي ﷺ: سيماهم التحليق[رواه البخاري (7562)]، فهم يحلقون دائماً تقرباً لا في الحج، ولا في العمرة، وهذه بدعة مكروهة.
وكذلك من الأحوال التي يكون فيها حلق الشعر محرماً حلقه للمرأة وخصوصاً عند المصيبة، فقد قال أبو موسى : "أنا بريء مما برأ منه رسول الله ﷺ، فإن رسول الله ﷺ برئ من الصالقة، والحالقة، والشاقة"[رواه مسلم (104)]، فأما الصالقة فهي التي ترفع صوتها عند المصيبة، وأما الحالقة فهي التي تحلق شعرها، وتقطعه عند المصيبة، وأما الشاقة فهي التي تشق ثوبها عند المصيبة، وهذا اعتراض على القضاء والقدر، ونياحة محرمة.
وأما حلق المرأة لشعرها بالكلية فلا يجوز إلا من ضرورة لمداواة في عملية جراحية، ونحوها، وأما قصه لأجل الزينة فيجوز للمتزوجة بإذن الزوج، ولغير المتزوجة بشرط عدم مشابهة الرجال في تقصيره شديداً، أو مشابهة الكافرات في قصاتهن التي تميزن بها، وقد لعن النبي ﷺ المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال.
وكان أزواج النبي ﷺ يأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة، وهو ما يجاوز الأذنين، فهذا الدليل على جواز تخفيفه في حقهن بالشروط المذكورة آنفاً.
ومن الحلق المحرم القزع، وقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن ابن عمر: "أن رسول الله ﷺ نهى عن القزع"، قال الراوي: "قلت لنافع: ما القزع؟ قال: يُحلق بعض رأس الصبي، ويترك البعض"[رواه البخاري (5920)، ومسلم (2120) بلفظه].
وهو أنواع، فمنه أن يحلق جوانب الرأس، ويترك الوسط، ويفعله بعض الكفرة، وخصوصاً أصحاب الفرق منهم والتقليعات، وكذلك أن يُحلق الوسط ويترك الجوانب، وكثيراً ما تراهم بأشكال عجيبة غريبة منكرة، رؤوسهم كأنها رؤوس الشياطين، ومنها أن يحلق المقدم، ويترك المؤخر، ومنها أن يحلق المؤخر، ويترك مقدم الرأس، وليس حلق شعر الرقبة من هذا، فإن الرقبة ليست من الرأس، وللشعر في نهاية الرأس حدود عند الرقبة، وقد رأى النبي ﷺ صبياً قد حُلق بعض شعره، وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك، وقال: احلقوه كله، أو اتركوه كله[رواه النسائي (5048)].
والحلق معروف وهو إزالة الشعر من أصله، قال النووي رحمه الله: وأجمع العلماء على كراهة القزع إذا كان في مواضع متفرقة إلا أن يكون لمداواة، قال العلماء: والحكمة في ذلك أنه تشويه للخلقة، وينبغي أن نربي أولادنا على معالي الأمور، وأن ننهاهم عن سفاسفها.
ومن حلق شعر الرأس على هيئات معينة ما فيه تشبه بالكفار كفرق البنكس والهبيين، ونحوهم، وقد قال النبي ﷺ: من تشبه بقوم فهو منهم[رواه أبو داود (4031)]، ومن المؤسف أن نرى شبابنا في صالونات الحلاقة على هذه الكراسي قد اضطجعوا ينتظرون قصة من القصات، وأسماؤها واضحة، وكلها مستوردة، وأسماؤها أجنبية.
الشعر في الطهارة والصلاة
عباد الله: من الأحكام التي تتعلق بالشعر: أن الأصل فيه الطهارة، وشعر الإنسان طاهر حياً وميتاً، وسواء كان الشعر متصلاً به، أو منفصلاً عنه، وقد قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَسورة الإسراء:70.
ومن أحكامه: أنه يُمسح شعر الرأس في الوضوء، والسنة مسحه من أوله إلى آخره، وأن يعود أيضاً، وقد قال تعالى: وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْسورة المائدة:6.
وأما في الغُسل عندما يغتسل، فإنه يجب تعميم الرأس كله بالغسل، باطنه وظاهره، للذكر والأنثى، سواء كان مسترسلاً، أو مربوطاً، وقد جاء في حديث عائشة في صفة غسل رسول الله ﷺ: "ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات" رواه مسلم [رواه مسلم (316)]، وهذا يدل على وجوب إيصال الماء إلى أصول الشعر في فروة الرأس، ولو كان كثيفاً، وهذا الحكم لا فرق فيه بين المرأة والرجل، ولو كان شعر المرأة مجدلاً فلا يجب عليها نقض المظفور منه للمشقة، ودليل ذلك حديث أم سلمة قالت: قلت: "يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي، فأنقضه لغسل الجنابة؟" وفي رواية: "والحيضة؟ قال: لا؛ إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات" رواه مسلم [رواه مسلم (330)]، [ورواية: "الحيضة" عند الطبراني في الأوسط (966)].
ومن الأمور المكروهة كفت الشعر في الصلاة، فيكره للرجل أن يعقص شعر رأسه، أي: أن يربطه، وإنما يتركه يسقط ويسجد معه، وقد قيل: إن عقصه من فعل المتكبرين؛ فلذلك نهي عنه، ويدل على هذا النهي ما رواه مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه، فقام فجعل يحله، والرجل يصلي، فلما انصرف" أي الرجل من صلاته "أقبل إلى ابن عباس، فقال: مالك ورأسي؟! فقال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف" [رواه مسلم (492)].
أحكام متنوعة للشعر
وأما صبغ الشعر فإنه يجوز بكل لون ليس فيه مشابهة للكفار والفساق إلا الأسود، ولا فرق في صبغ الشعر بين الشيخ والشاب، ولا حرج في صبغ الشعر قبل وجود الشيب، وأما السواد الخالص فإنه يجتنب للجميع؛ لقوله ﷺ: غيروا هذا الشيب، واجتنبوا السوادرواه مسلم [رواه مسلم (2102)]، فقوله: واجتنبوا السواد يدل على المنع من ذلك، ويؤيده حديث النبي ﷺ: يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة[رواه أبو داود (4212)]، ولا شك أن الصبغ في السواد فيه نوع تدليس وخداع، وإظهار الإنسان على غير حقيقته، وكأنه يريد أن يجحد هذه المرحلة العمرية التي بلَّغه الله إياها، والرضا بما وصل إليه الإنسان من العمر والقناعة بذلك تشع السعادة في النفس، وهنيئاً لمن شاب في الإسلام، فإن شيبه سيكون نوراً له يوم القيامة، وهذا النهي عن الصبغ بالسواد يعم الرجال والنساء، أما إذا خُلط الأسود مع لون آخر لا يجعله أسود خالصاً فلا حرج في ذلك.
وأيضاً فإن من أحكام الشعر في الشريعة: النهي عن الوصل، وقد "لعن النبيﷺ الواصلة والمستوصلة" الواصلة الكوافيرة التي تقوم بهذا العمل والمزينة، والمستوصلة التي تطلب ذلك، رواه البخاري [رواه البخاري (5933)]، قال النووي رحمه الله: وأما الواصلة فهي التي تصل شعر المرأة بشعر آخر، وهذا الحديث صريح في تحريمه، وأن اللعن مطلق في هذا، سواء كان في شعرها علة، أو لم يكن في شعرها علة، ويدل على ذلك حديث المرأة التي استأذنت النبي ﷺ في أن تحشو رأس ابنتها بإضافات إلى شعرها؛ لأنه تمرق في حصبة أصابتها، فنهاها النبي ﷺعن ذلك، ولبس الباروكة يدخل في وصل الشعر، وكذلك ما يجعل من الأقواس على شعر مظفور -يُجعل على الرأس-، فإنه إضافة، وقد رخص بعض العلماء في المرأة إذا لم يبق في رأسها شعر لعلة كالتداوي في مرض السرطان نسأل الله العافية، فسقط الشعر كله أن تلبس الباروكة؛ لأنه ليس لزينة، وإنما لستر عيب وضرورة.
وأما زراعة الشعر للرجال، فإذا كان الشعر المزروع طبيعياً فلا حرج؛ لأنه من باب المداواة، فإذا كان شعراً ينمو؛ فلا بأس بذلك، وأما الشعر الصناعي؛ فإنه من جنس الباروكة لا يجوز وضعه، وسوف تكون عنده إشكالات كثيرة في الوضوء والغسل، فهل يخلع هذا الشعر المركب؟ وماذا سيفعل عند التحلل في الحج والعمر؟.
ومن الشعور التي حث الشرع على العناية بها شعر اللحية، فهي ميزة للرجال وجمال، وفرق واضح بينهم وبين النساء، وهيبة ووقار، وكمال ورجولة، وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِسورة الحـج:32، وهي من سنن الفطرة، وسنة محمد بن عبد الله ﷺ الذي قال: خالفوا المشركين؛ وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب[رواه البخاري (5892)]، وفي رواية: جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى؛ خالفوا المجوس[رواه مسلم (260)]، وهذا يدل على أن الفطرة السليمة في إبقائها، وهي مما ابتلى الله به إبراهيم: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّسورة البقرة:124خمس في الرأس وخمس في الجسد، ومنها اللحية، واللحية هي الشعر النابت على العارضين والخدين، وليس شعر الرقبة من اللحية، فلو أزال من شعر رقبته فلا حرج في ذلك، والنبي ﷺ قد جاء عنه أنه كان يخلل لحيته في الوضوء، وقد قال العلماء: إن اللحية إذا كانت خفيفة فلا بد من غسل البشرة تحتها ظاهراً وباطناً، وإيصال الماء إليها في الوضوء والغسل، ولا يكفي التخليل؛ لقوله: فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْسورة المائدة:6، وما دامت البشرة تظهر فلا بد من غسلها، وأما إذا كانت اللحية كثيفة تحجب البشرة تحتها؛ فإنه يجب غسل ظاهر اللحية فقط، والوجه كل ما واجهه فتغسل هذا الظاهر، ومن السنة أن تخللها بالماء ولو كانت كثيفة؛ لما جاء عن النبي ﷺ: أنه "كان إذا توضأ أخذ كفاً من ماء، فأدخلها تحت حنكه، فخلل به لحيته، وقال: هكذا أمرني ربي حديث صحيح [رواه أبو داود (145)]، وأما في الغسل فلا بد من إيصال الماء إلى أصول شعر اللحية سواء كانت خفيفة أو كثيفة.
وقد جاء الشرع بالنهي عن نتف الشيب، فقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن النبي ﷺ نهى عن نتف الشيب، وقال: إنه نور المسلم رواه الترمذي، وهو حديث حسن [رواه الترمذي (2821)]، قال العلماء: نور المسلم يعني وقاره، والمانع من الغرور بسبب انكسار النفس عن الشهوات، وهو المؤدي إلى نور الأعمال الصالحة، فيصير نوراً في قبره، ويسعى بين يديه على الصراط: نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ سورة التحريم:8، وقد جاء الشرع بالخضاب وصبغه، وليس بالنتف.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
النمص واتباع الشيطان
ومن الأمور التي تتعلق بأحكام الشعر أيضاً النهي عن النمص، وهو إزالة شعر الوجه، والحاجبين تحديداً عند بعض العلماء، فقال أهل العلم: لا تجوز إزالة شعر الحاجب؛ لأن هذا هو النمص الذي لعن النبي ﷺ من فعله، وهو من تغيير خلق الله، وهو من عمل الشيطان، ولو أمرها زوجها بذلك لا تطيعه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق[رواه أحمد (20130)]، والقضية خطيرة، وقد يقول بعض الناس: وما هي القضية إزالة شعرات؟ فنقول: فماذا تفعل بحديث النبي ﷺ أنه لعن الله النامصة والمتنمصة؟[رواه البخاري (4886)، ومسلم (2125)]، وهذا التغيير لخلق الله، واتباع سنة إبليس: وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِسورة النساء:119، ويستثنى من النماص ما لو نبت للمرأة شعر في مكان غير معهود كاللحية والشارب، فإنه لا بأس أن تزيله، وقد لعب الشيطان ببنات البشر في هذا الزمان، وجاءهن بأمور عجيبة منكرة خرقاء، ولكن متابعة الكفرة والموضات قد أدت إلى نتائج كارثية في حياة البشر.
عباد الله: إن تلاعب الشيطان بالبشر في هذا الزمن قد بلغ أمراً عجيباً، وإن تغيير خلق الله الآن في عمليات التجميل وغيرها، وفي أنواع الزينات المتخذة بلغ أمراً منكراً، ودرجة خطيرة للغاية، وإنه سيؤول في النهاية إلى آلام وعذابات؛ لأن من خالف أمر الله فلا بد أن يشقى.
ولما جاءت الشريعة بالنهي عن النمص، فقد حل في عقول نساء هذا الزمان من المخالفة لهذه القضية العجب العجاب، فصار التلاعب بخلقة الله والتغيير، وإجراء مختلف أنواع الإزالة: المؤقت، والدائم، وبالليزر، وغير ذلك، ورسم الحواجب، ونحوها من أمور تغيير خلق الله ما يورث الدهشة مما يحدث وحجم الأموال المنفقة في تغيير خلق الله، وقد سبق أنه إذا تعدى الشعر موضعه الطبيعي سواء فيما إذا نبت للمرأة شعر في مكان غير معهود كاللحية والعنفقة والشارب، أو اتصل شعر الحاجب بشعر الرأس -في بعض الحالات النادرة-، فإنه يجوز إزالة هذا، وكذلك لو نزل شعر الحاجب على العين في بعض الحالات النادرة، فحجب الرؤية، وآذى البصر، فإنه يجوز إزالة المؤذي، وقد رخص بعض العلماء في إزالة الوصلة بين الحاجبين لأنها ليست من هذا الحاجب ولا من هذا الحاجب، وإذا قالت المرأة: أريد تزيين الحاجب، وترقيق الحاجب، وهذه هي الموضة، الحاجب ثخين، الحاجب الحاجب، فنقول: كفوا عن الحواجب، وقد جاءت الحواجب الاصطناعية في هذا الزمان، فليت شعري ماذا أبقوا، إذا صارت العدسات ملونة، والحواجب اصطناعية، تزال الأصلية، وترسم بدلاً منها، وصارت الرموش اصطناعية، والأظفار اصطناعية، فماذا أبقيتم في المرأة الأصلية؟ ولذلك فإن تركيب الرموش الاصطناعية من وصل الشعر، فقد تقدم أن وصل الشعر لا يجوز.
شعر يحف وشعر يزال
ومن أحكام الشعر أيضاً ما جاءت به الشريعة من حف الشوارب، ولا شك أن هذا من النظافة، وواضح أن تخفيف شعر الشارب، وقص ما طال عن الشفة العليا منه يحمي شارب الماء من أن يعلق فيما يشرب تلك الجراثيم والأوساخ التي تكون على ظاهر شاربه، فالألفاظ التي جاءت في الأحاديث في موضوع الشارب القص والإنهاك: أنهكوا الشوارب[رواه البخاري (5893)]، والحف: حفوا الشوارب[رواه أحمد (5114)]، والجز: جزوا الشوارب [رواه مسلم (260)]، ولم يرد فيها الحلق؛ ولذلك فإن الراجح في مسألة الشارب أنه لا يحلق، وإنما يخفف، وينهك، ويقص ما طال عن الشفة العليا منه، فقد روى أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى؛ خالفوا المجوس[رواه مسلم (260)]، وفي رواية: من الفطرة قص الشارب[رواه البخاري (5888)]، وهذا مؤقت بأربعين ليلة كما هو الحال في قص الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، فهذه الأربعة: قص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، وتقليم الأظفار، لا يجوز أن تؤخر عن أربعين يوماً، لما ورد في الحديث الصحيح عن أنس قال: "وقَّت لنا رسول الله ﷺ في قص الشارب"، وهذه الأربعة قال: "ألا نترك أكثر من أربعين ليلة" رواه مسلم [رواه مسلم (258)]، وقد قص النبي ﷺ شارب المغيرة بن شعبة على سواك، قال: "وكان شاربي قد وفى، فقصه لي على سواك"، أو قال: أقصه لك على سواكرواه أحمد، وأبو داود وهو حديث صحيح [رواه أحمد (17772)]، وفي رواية: "فوضع السواك تحت الشارب فقص عليه"[رواه النسائي في السنن الكبرى (678)]، وكان مالك رحمه الله يقول: يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة وهو الإطار الشفة العليا.
ومن الشعور التي جاءت الشريعة بإزالتها شعر الإبط، وقد قال ﷺ: خمس من الفطرة: الختان والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب[رواه البخاري (5889) بلفظه، ومسلم (257)]، وكيفية الإزالة التي وردت في السنة هي النتف، وهذا يؤلم في أول الأمر، ولكن إذا بدأ به الشاب في أول أمره إذا نبت له شعر في إبطه فإنها تكون شعيرات، فإذا نتفها باستمرار صار المحل رقيقاً ضعيفاً لا يؤلم بعد ذلك، ولو أنه أزاله بمزيل آخر من معاجين، أو مساحيق، أو شفرة، ونحو ذلك بحلاقة، أو بغيرها؛ فلا بأس به.
ومن الشعور التي جاءت الشريعة بإزالتها شعر العانة، حول القبل، حول العورة، وذكر العلماء أيضاً ما كان حول الدبر مما إذا بقي تعلقت به نجاسة، وإزالة النجاسة تكون بإزالة هذا الشعر؛ فإنه يحلق أيضاً، والأصل في العانة أنها التي في القبل، والسنة فيه الحلق لما ورد في الحديث: ((الاستحداد))، وهو استعمال الحديدة في الإزالة مثل هذه الشفرة والموسى، ونحوها، وكل هذا من النظافة، ويمنع كثيراً من الأمراض، بل القمل، وأيضاً فإنه من زينة الإنسان إزالة شعر، وإبقاء آخر، وهكذا جاءت الشرعية بالأمر بإبقاء شعور، وإزالة شعور أخرى، والله عليم حكيم.
أقسام الشعر من حيث الإزالة والإبقاء
وقد قسم العلماء الشعر من حيث الإزالة والإبقاء إلى ثلاثة أقسام:
الأول: شعر جاء الأمر بإزالته، ومن ذلك شعر العانة، وقص الشارب، ونتف الإبط.
ثانياً: شعر جاء الأمر بإبقائه، كشعر الحاجبين للذكر والأنثى، وكذلك شعر اللحية للرجل.
ثالثاً: شعر مسكوت عنه، كشعر الذراعين والساقين، والصدر والظهر، فهذا يباح أخذه، ويباح إبقاؤه، يفعل الإنسان ما فيه المصلحة بالنسبة له، والحلال ما أحل الله، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت فهو مما عفا عنه، وحيث أن شعر الأنف والصدر، والساقين والساعدين مما سكتت عنه الشريعة، فالأمر فيه إلى الإنسان في إبقائه، أو في أخذه بحسب ما تدعو إليه مصلحته، وقد يكون إزالة بعض الشعر للحجامة، أو التداوي -في الرأس ونحوه- هذا جائز لما تدعو إليه الحاجة، والأولى عند ذلك أن يحلقه كله، وأن يحتجم بعد ذلك.
اللهم إنا نسألك أن تفقهنا في ديننا، وأن تلهمنا رشدنا، وأن تقينا شر أنفسنا، وأن تدلنا على الخير، وأن ترزقنا اتباع الحق، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً، أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللهم إنا نسألك أن تنصر الإسلام وأهله يا رب العالمين، وأن تُذل الشرك وأهله يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تنشر رحمتك علينا، وأن تغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم إنا نسألك أن تستر عيوبنا، وأن تقضي ديوننا، وأن تشفي مرضانا، وترحم موتانا، وتستر عيوبنا، وأن تغنينا من فضلك، وأن تغنينا عن خلقك يا أرحم الراحمين.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ سورة النحل:90، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
-
م.النميري
السلام عليكم نحبك في الله والله يجمعنا بهذا الحب في جنته