الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
ملخص الدرس الماضي
فقد تكلمنا في الدرس السابق عن مسألة انتقال المصلي من الانفراد إلى الإمامة، وأن القول الراجح فيمن أحرم منفردًا ثم حضر من ائتم به صحة ذلك في الفرض والنفل؛ لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، وأن ابن عباس لما اقتدى بالنبي ﷺ وكانت بداية صلاة النبي ﷺ منفردًا، فلم يمنع النبي ﷺ ابن عباس من الانضمام إليه، ولما انضم ابن عباس إلى النبي ﷺ تحول ﷺ من حال الانفراد إلى الإمامة، صار إمامًا، وأن الراجح أن ما ينطبق على النفل ينطبق على الفرض إلا إذا جاء دليل بالتفريق بينهما، ما صح في هذا يصح في هذا، إلا إذا وجد دليل على التفريق.
وذكرنا أيضًا أنه يجوز له أن ينوي الائتمام بغيره بعد أن أحرم بالصلاة منفردًا، كأن يبدأ الصلاة منفردًا ثم تأتي جماعة فيقيمون الصلاة بجانبه، فينضم إليهم أثناء الصلاة، يصبح مأمومًا، وقد كان في أول صلاته منفردًا، وهذا مذهب الشافعية، ومن أحرم مأمومًا ثم نوى الانفراد جاز إذا كان لعذر، فإن كان لغير عذر لم يجز يترك الجماعة، ينفرد عن الجماعة بلا عذر لا يجوز، لكن بعذر يجوز، كما دل على ذلك قصة معاذ لما أطال فانفرد رجل من القوم، بلغ به الإعياء وأكمل وحده ثم سلم، وذكرنا أن لهذا أمثلة، كأن يكتشف إذا انضم للصلاة أن الإمام أعجمي لا يقيم الفاتحة، أو يدخل مع إمام في صلاة فيكون الإمام غير مطمئن أبدًا، سريع جدًا، فينفرد عن الإمام، ويكمل صلاته منفردًا، ولا يصلي مع إمام لا يطمئن في صلاته.
وذكرنا أن التحول من الإمامة، أن يكون إمامًا ثم يصير مأمومًا أنه لا بأس به؛ كما فعل أبو بكر مع النبي ﷺ.
تكلمنا عن حديث: إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا [متفق عليه].
وجاء في رواية: وما فاتكم فاقضوا ، وبناء على هاتين الروايتين فأتموا و فاقضوا اختلف العلماء هل ما يدركه المأموم من الصلاة مع الإمام هو أول صلاته للمأموم أو هي الجزء الثاني، وإذا سلم الإمام يأتي بالأول ويقضي البداية؟ فالجمهور قالوا: ما يدركه المأموم مع الإمام في الصلاة هو آخر صلاته، ورجحوا رواية فاقضوا ، وأنه إذا قام بعد سلام الإمام يقضي، لو فاتته الأولى والثانية، يقضي الأولى والثانية، وإذا صلى مع الإمام الثالثة في المغرب تكون التي صلاها هي الثالثة بالنسبة له، فإذا سلم الإمام يقوم ليقضي الأولى والثانية.
وذهب بعض العلماء وهم الشافعية وغيرهم إلى أن ما أدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، فإذا جاء المأموم إلى صلاة المغرب في الركعة الثالثة فهي الأولى بالنسبة له، وإذا سلم الإمام يتم، يعني الثانية ثم الثالثة.
وهذا سيترتب عليه أمور، مثل هل يجهر؟ هل يضيف إلى الفاتحة سورة؟ ونحو ذلك، حتى هيئة الصلاة، لو كان أدرك مع الإمام ركعة من المغرب سيضيف إليها الثانية ويتشهد، ثم يأتي بالثالثة ويتشهد، فهو إذا قام إلى الركعة بعد سلام الإمام، لو كان التي صلاها مع الإمام هي الأولى، فالثانية ماذا سيفعل فيها؟ يقرأ الفاتحة وسورة ثم يجلس للتشهد، ثم يأتي بالثالثة ويقرأ الفاتحة فقط.
لو عكسنا وقلنا: أدرك مع الإمام الثالثة، وعليه أن يقضي الأولى والثانية، ففي قيامه للأولى والثانية سيقرأ في كل منهما مع الفاتحة سورة.
ما هو الراجح؟
ذكرنا أن الراجح -والله أعلم- أنما يدركه مع إمامه هو أول صلاته، وأن عليه أن يتم بعد ذلك رواية فأتموا هي الأصح والأشهر، وعليها أكثر الرواة.
وذكرنا أن القضاء يطلق على الأداء أيضًا، ليس على الفائت فقط، يطلق على الأداء أيضًا، واختار مذهب الشافعية من العلماء المعاصرين الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- وابن عثيمين، وعلماء اللجنة الدائمة.
ثم تكلمنا عن حديث: إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام ، وأن أكثر علماء الحديث على تضعيفه، وحسنه بعضهم كالشيخ الألباني.
ولكن أجمع العلماء على أن المأموم يدخل مع الإمام في الحال التي هو عليها، حتى لو كان ساجدًا، أو بين السجدتين، أو في التشهد الأخير؛ لعموم قوله: ما أدركتم فصلوا .
لكن لو جاء في التشهد الأخير، وقال: سأنتظر حتى تأتي جماعة ثانية وأصلي معهم، لا حرج، هذه من مسائل الاجتهاد، لا إنكار فيها.
لكن لو واحد قال: الأقرب إلى السنة ما أدركتم فصلوا "ما" هذه نكرة في سياق الأمر تفيد العموم، ما أدركتم من صلاة الإمام، تشهد، آخر سجدة، آخر ركعة، فصلوا، صلوها معه، ما أدركتم فصلوا.
المراد بأهل الأعذار في الصلاة
ثم قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في كتابه: "منهج السالكين": "باب صلاة أهل الأعذار".
وهذا باب عظيم ويحتاجه الناس؛ لأن الإنسان خلق ضعيفًا ويعتريه ما يعتريه من المرض والكبر والآفات والأعراض والحوادث، فيحتاج أن يعرف كيف يصلي حال العذر.
وأهل الأعذار هم من له عذر يبيح له التخفيف من الصلاة في الهيئة؛ مثل أن يصلي قاعدًا بدل القيام، أو العدد مثل أن يصلي ركعتين بدل أربع.
والمراد بهم هنا أهل الأعذار: المريض والمسافر والخائف.
أنواع التخفيفات في الشريعة
وقد جاءت الشريعة بالتخفيف عن أصحاب الأعذار في العبادات.
وذكر الشيخ العز بن عبد السلام -رحمه الله- وهو من علماء أصول الفقه الكبار، أن تخفيفات الشرع على ستة أنواع:
الأول: تخفيف إسقاط، كإسقاط الجمعة، أو إسقاط الحج، والعمرة، والجهاد، عن أهل الأعذار.
الثاني: تخفيف تنقيص؛ كالقصر في الصلاة.
الثالث: تخفيف إبدال، كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم، والقيام في الصلاة بالقعود والاضطجاع أو الإيماء، وكذلك تخفيف الصيام بالإطعام.
الرابع: تخفيف تقديم، كالجمع بين الصلاتين جمع تقديم، وكذلك تقديم الزكاة على الحول، يعني اشتدت الحاجة، وما جاء وقت الزكاة، هل يجوز أن يستعجل من الأغنياء لأجل الحاجة؟
الجواب: نعم.
وكذلك زكاة الفطر في رمضان، فإنها وإن كانت قبل العيد، هذا هو وقتها الأصلي، لكن يجوز تقديمها قبله بيوم أو يومين، إذا كان الشهر تسعًا وعشرين طبعًا، وإذا كان ثلاثين يصبح التقديم ثلاثة أيام، هذا التقديم تخفيفًا على الناس للإخراج والإيصال للفقراء، وسيأتي العيد.
والخامس: هو تخفيف تأخير، كالجمع يعني جمع التأخير، وتأخير صيام رمضان ليقضيه المريض والمسافر بعد زوال العذر، وتأخير الصلاة في حق المشتغل بإطفاء حريق، أو إنقاذ غريق، ونحو ذلك من الأعذار.
السادس: تخفيف ترخيص، كأكل الميتة للمضطر إذا خاف الهلاك على نفسه من الجوع.
واستدرك العلائي -رحمه الله-سابعًا: وهو تخفيف تغيير، كتغيير نظم الصلاة في الخوف، فتقوم طائفة من الجيش مع الإمام بركعة، ثم يتأخرون ويأخذ مواقع القسم الثاني من الجيش، ويأتي القسم الثاني ويصلي مع الإمام الركعة الأولى، فإذا سلم الإمام قاموا فقضوا، ثم أخذوا المواقع ورجعت الطائفة الأولى وأتت بالركعة الثانية.
طبعًا في حال صلاة الطالب والمطلوب والصلاة حال المسايفة، يعني الالتحام في المعركة أيضًا ستكون الصلاة وهو يضرب ويهجم ويهرب ويطلب.
ضابط المرض المبيح للتخلف عن صلاة الجمعة والجماعة
ثم بدأ المصنف -رحمه الله- بالمريض لما قال: "صلاة أهل الأعذار" بدأ بالمريض، فذكر بعض التخفيفات الشرعية في حقه، فقال: "والمريض يعفى عنه حضور الجماعة"، فهذا مما خففته الشريعة عن المريض: ترك حضور صلاة الجمعة والجماعة، وهذا قول عامة أهل العلم، قال ابن المنذر: "لا أعلم خلافًا بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض"[الإشراف على مذاهب العلماء: 2/ 126].
وما هو المرض الذي يبيح هذا؟
هو المرض الذي يلحق المريض منه مشقة، لو ذهب يصلي في المسجد مشقة حقيقية، مشقة كبيرة، وليست يسيرة، ويشمل هذا خشية زيادة المرض تأخر البرء، تأخر الشفاء بسبب الذهاب، تنتكس الحالة، تشتد الحالة، يطول المرض بسبب الذهاب، وقد روى ابن ماجه في سننه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي ﷺ قال: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر [رواه ابن ماجه: 793]، وصححه جماعة من العلماء؛ كابن القيم -رحمه الله- وابن حجر، والألباني، وكذلك من المحدثين ابن قدامة، صححه البيهقي والحاكم، ولكن صححوا وقفه عن ابن عباس ، أما الطائفة الأولى صححوا رفعه، قال ابن حجر -رحمه الله- في "البلوغ": إسناده على شرط مسلم، لكن رجح بعضهم وقفه، في رواية أبي داود زيادة: "قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض" ضعف هذه الزيادة الشيخ ناصر في تعليقه على "سنن أبي داود".
وعن أبي موسى الأشعري قال: من سمع النداء فارغًا صحيحًا فلم يجب فلا صلاة له رواه البزار موقوفًا.
كان بلال يؤذن ثم يأتي النبي ﷺ وهو مريض فيقول ﷺ: مروا أبا بكر فليصل بالناس [رواه البخاري: 664]، وهذا دليل واضح على سقوط الجماعة عن المريض؛ لأن النبي ﷺ لم يأت المسجد مع قربه منه، ولكن لأن حاله يتعذر فيها الإتيان.
ومن سقطت عنه الجماعة للمرض فإن أجرها لا يسقط بحمد الله؛ لأن النبي ﷺ قال: إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا [رواه البخاري: 2996].
وهذا في حق كل من منع من طاعة كان مداومًا عليها، وكان يعملها، وكانت نيته أنه لولا المانع لفعلها كما ذكر ابن حجر -رحمه الله- في "الفتح" حيث قال: "وفي هذه الأحاديث تعقب على من زعم أن الأعذار المرخصة لترك الجماعة تسقط الكراهة والإثم خاصة، من غير أن تكون محصلة للفضيلة"[فتح الباري: 6/137]، فالحديث يرد.
وقال السبكي: من كانت عادته أن يصلي جماعة فتعذر فانفرد كتب له ثواب الجماعة، ومن لم تكن له عادة لكن أراد الجماعة فتعذر فانفرد يكتب له ثواب قصده لا ثواب الجماعة، وإن كان قصده الجماعة لكنه قصد مجرد، يعني ما كان في عادة قبل، لو كان في عادة قبل كان كتب له أجر الجماعة نفسه، هذا أراد الجماعة فتعذر، ولكن لم تكن له عادة فيكتب له أجر نية حضور الجماعة، لا أجر الجماعة نفسه؛ لأن الأولى سبقها فعل الحالة الأولى من تعود، وهذه لم يسبقها فعل، وإنما كانت مجرد نية فيكتب له أجر النية. كلام السبكي نقله الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في "الفتح" [فتح الباري: لابن حجر: 6/137].
بعض أعذار التخلف عن صلاة الجماعة
ومن الأعذار التي تبيح التخلف عن الجماعة والجمعة:
أولًا: المطر الشديد الذي يشق معه الخروج للجماعة، والذي يحمل الناس على تغطية رؤوسهم، والإسراع من شدة المطر.
ثانيًا: الريح الشديدة ليلًا لما في ذلك من المشقة.
ثالثًا: البرد الشديد ليلًا أو نهارًا، وكذلك الحر الشديد، والمراد البرد أو الحر الذي يخرج عما ألفه الناس، أو ألفه أصحاب المناطق الحارة أو الباردة، لأنك الآن لو فتحت المسألة وقلت: الحر الشديد، صلوا في بيوتكم، البرد الشديد، صلوا في بيوتكم، ومعلوم كل سنة يأتي فيها حر وبرد، لكن هذا الحر غير الذي ألفه أهل المنطقة، أهل المكان، يعني هذا شيء غير معتاد، ولا يحدث مثله في العادة، والذهاب إلى المسجد يمكن يترتب عليه ضرر، طبعًا من قبل، من زمان، الناس يذهبون مشاة، يعني على دابة، ما كان فيه مكيفات، ولا سيارات توصلهم بسرعة، سيذهب مشيًا، أو على الدابة بحركة بطيئة نسبياً، لكن الآن مع وجود ما يوصل إلى المسجد، فلا ينبغي التساهل فيقال: الحر شديد، الحر شديد، كل سنة فيه حر شديد، فيجب أن يقال هنا: ما هو الفرق في هذه السنة إذا أردت أن تتخذ هذا عذرًا؟ ينبغي أن يكون الفارق هنا واضحًا، يعني فيه ضرر عليه لو ذهب، مشقة بالغة لو ذهب، هناك مطر، لو ذهب يتحمل ويجمع الصلاتين، لكن أحيانًا يصير المطر شديد جدًا جدًا، بحيث يكون الذهاب فيه مشقة واضحة، يعني قد يتعرض لانزلاقات، وأشياء خطيرة، فيقال للناس: صلوا في رحالكم، لكن المطر الذي يمكن معه الذهاب إلى المسجد بنوع مشقة، يذهب ويجمع الصلاتين.
رابعًا: الوحل الشديد الذي يتأذى به الإنسان في نفسه وثيابه، ولا يؤمن معه التلوث، طبعًا هذا إذا كان سيخوض فيه.
ترك الصلاة الجماعة بسبب الظلمة الشديدة
خامسًا: الظلمة التي لا يبصر معها طريق المسجد، وهذه حالات، الآن المدن فيها إنارات، والسيارات فيها أنوار، والعذر مذكور في حديث البخاري ومسلم عن نافع قال: "أذن ابن عمر بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر" اجتمع فيها الأشياء هذه، فقال في آخر ندائه، يعني الأذان: " ألا صلوا في الرحال"[رواه البخاري: 632، مسلم: 697].
ويمكن فيه صواعق أحيانًا، فيه صواعق قد تتتابع، فهل يقال للناس: اذهبوا للمسجد؟ الصواعق ممكن تقتل.
فإذًا، هناك أحوال فعلًا، يسقط فيها وجوب حضور الجماعة.
وربما أحيانًا الجمعة، مثلًا الآن الحروب، شوارع البلد تنهمر فيها القذائف، تسقط الجمعة، يصلوا في بيوتهم ظهرًا، نحن ما ندري الآن هذا الحصار، بحيث ما يجد شيئًا يقيم أوده ليصل إلى المسجد، قد يصير فيه جوع شديد، حصار ما يستطيع يذهب إلى المسجد لشدة الجوع، يصبح كالمريض ملقى في البيت، ولما قال ابن عمر هذا قال: "إن رسول الله ﷺ كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر أن يقول: ألا صلوا في الرحال" الجيش كان إذا نزل ربما ضربوا أخبية مثل الخيام الصغيرة، وكل واحد يكون فيه أو اثنين، مجموعة يكونون فيها، فبدل ما يجتمع الجيش كله لصلاة الجماعة في حال المطر هذا.
وطبعًا في العراء، يعني جيش نازل في أرض مكشوفة، فيقال: صلوا في رحالكم، في مثل هذه الحال غير المدن والأبنية، لكن أحيانًا حتى المدن والأبنية يكون فيها شيء غير عادي، شيء مجاوز تعدى الحد الذي يستطيعه الناس، فعند ذلك حتى في المدن تسقط الجماعة.
التخلف عن صلاة الجماعة بسبب الخوف الشديد
ويسقط وجوب الحضور أيضًا: الخوف.
الخوف على النفس، الخوف على المال، الخوف على الأهل، يعني واحد عنده مال يحتاج إلى إنقاذ، سيول داهمت مستودعات، الخوف على الأهل، قد يكون دهم اللصوص مكانًا وصار فيه رعب في الحارة في الحي، هناك مجرم داخل حي واحد، قد يستعمل سلاحًا، قد يطلق نارًا، فيحتاجون إلى حماية.
إذًا، هذا عذر، الخوف تسقط به الجمعة والجماعة، وكذلك الخوف على النفس، وضربنا مثالًا بقضية القصف العشوائي، وما يكون في الحروب.
التخلف عن صلاة الجماعة بسبب حضور الطعام
سابعًا: حضور طعام تشتاق نفسه وتنازعه إليه.
وكما قلنا سابقًا: فصل بعضهم بين الشخص إذا كان الطعام الذي وضع نفسه لا تتوق إليه، يعني ما هو جائع، ولا هو الطعام اللذيذ الذي يشتهيه، بل قد يوضع بين يديه طعام لا يشتهيه فيحضر الجماعة، لكن إذا حضر بين يديه طعام يشتهيه، وقد يكون فيه جوع، فيقدم العشاء على العشاء، والغداء على العصر مثلًا.
طبعًا الغداء الآن بعد الظهر من زمان، الغداء من الغداة، وكان عندهم وجبتان، واحدة في الصباح، وواحدة قبل المغرب.
التخلف عن صلاة الجماعة بسبب مدافعة أحد الأخبثين
ثامنًا: مدافعة أحد الأخبثين؛ لأن القيام إلى الصلاة مع مدافعة أحد الأخبثين، يعني البول أو الغائط يبعده عن الخشوع فيها، ويكون مشغولًا عنها.
ومن الناس من يكون مبتلى بسلس البول، ونحو ذلك، ويحتاج أن يتفقد نفسه، وقد يحتاج أن يذهب إلى دورة المياه والخلاء كل مدد متقاربة، يعني مثل مرضى السكري، قد يحتاج هذا، فالناس أحوالهم تختلف، وأمراضهم تختلف، أحوالهم الصحية تختلف.
التخلف عن صلاة الجماعة بسبب أكل ذي رائحة كريهة
تاسعًا: أكل ذي رائحة كريهة؛ كمن اشتهى بصلًا أو ثومًا أو كراثًا أو فجلًا فأكله، فتعذر زوال الرائحة.
طبعًا بشرط أن لا يقصد بأكلها، التخلف عن الجماعة، وإنما حضرت وأكل وبقيت الرائحة معه؛ لأنه لا يقال له: إذا حضرت لا تأكل، باقي نصف ساعة على الصلاة، حرام عليك تأكل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف: 32] يشتهي أكلها، لكن إذا بقيت الرائحة يقال له: لا تقرب المسجد لئلا يؤذي المصلين، فهو لما أكل كان مشتهيًا، ولم يقصد بأكله التخلف عن الجماعة.
تخلف الأعمى الذي لا يجد من يقوده عن صلاة الجماعة
عاشرًا: العمى الذي لا يجد معه صاحبه من يقوده إلى المسجد، ولا يهتدي للطريق بنفسه.
وبعض العميان ربما يتخذ -من حرصه على الصلاة- وسائل عجيبة كما وجد حبل ممدود من مسجد إلى أحد البيوت، فلما سألوا عنه، قالوا: هذا رجل ضرير يخرج من بيته فيمسك بالحبل ويمشي إلى أن يصل إلى المسجد، مربوط من البيت للمسجد، والعكس، وهو راجع من حرصه على الصلاة.
التخلف عن صلاة الجماعة بسبب فوات الرحلة
الحادي عشر: إرادة السفر، فمن تأهب لسفر مباح مع رفقة ثم أقيمت الجماعة، وكان يخشى إن حضر الجماعة أن تفوته القافلة، الآن فيه مواعيد، إقلاع طائرة، حافلة، قطار، فأحيانًا يؤذن، لكن لو انتظر حتى تقام الصلاة وصلى تفوته الطائرة، تفوته الحافلة، فيباح له في هذه الحالة أن يمضي بعد الأذان ويسافر ويصلي في المطار، في محطة القطار، في محطة الحافلات، في الطائرة، على الشروط المتقدمة المذكورة.
التخلف عن صلاة الجماعة بسبب غلبة النعاس والنوم
الثاني عشر: غلبة النعاس والنوم، فمن كان يعلم من نفسه إذا انتظر إقامة الصلاة أنه سينام وتفوته الصلاة كلها فإنه يصلي ولو كان في بيته، ويتخلف عن الجماعة، لكن هذا ينبغي أيضًا أن يفتش الإنسان فيه عن نفسه، يعني فيها تحايل، فيها تلاعب، فيها تساهل؛ لأن النفس أمارة بالسوء، فإذا فتحت الباب كل واحد يرجع من العمل متعبًا أخاف أنام صلى ونام، لكن لو عرف من حاله والتجربة والخبرة بنفسه وبدون تساهل ولا تلاعب أنه لو انتظر الإقامة نام، أو أراد أن يذهب للصلاة أنه سينعس وينام، وربما تفوته الصلاة، يفوت الوقت، فهذا عذر، هذا قد يأتي أحيانًا مع السهر الطويل، قد يكون في عمل فيه سهر طويل ، فمن علم أنه سينام ويضيع الصلاة عن وقتها فإنه يصلي قبل أن ينام.
طبعًا يصلي في الوقت، ما هو واحد خايف تروح الظهر يصلي في الصباح؛ لأن بعضهم قد يرجع من العمل الساعة العاشرة صباحًا سهران طول الليل، يقول: خايف يضيع الظهر، نصلي الآن؟
نقول: لا يقبل الله صلاة قبل وقتها.
في "الإنصاف" يقول: "ومما يعذر به في ترك الجمعة والجماعة: خوف الضرر في معيشة يحتاجها، أو مال استؤجر على حفظه، وكنطارة بستان"[الإنصاف: 4/ 467] يعني الحارس ينظر، الناظور الذي ينظر.
الحراسة قد تكون عذرًا له في ترك الجماعة؛ لأنه لو ذهب للجماعة يمكن يسرق المكان.
التخلف عن صلاة الجماعة بسبب تمريض مريض
قال: "ويعذر أيضًا في تركها لتمريض قريبه"[الإنصاف: 4/ 468].
وفي فتاوى "اللجنة الدائمة": "تمريضه لشخص لو تركه ليصلي جماعة هلك أو أصابه جرح، وأمثال ذلك"[فتاوى اللجنة الدائمة: 1 (8/ 39].
أحيانًا بعض العمليات الإشرافية على المرضى، يعني التنفس والأجهزة وأشياء معينة، تقتضي البقاء على رأس المريض، يعني لو غاب عنه دقائق ممكن يهلك، وبعض الحالات لا يأتي، ويعمل عملية دورية إشرافية معينة يعملها ويمشي، يرجع بعد ساعة ساعتين، فهذه الأحوال المسلم عليه أن يتفقد نفسه فيها.
صلاة المريض جالسا
ثم ذكر المصنف -رحمه الله- الأمر الثاني الذي خففته الشريعة عن المريض في الصلاة، فقال: "وإذا كان القيام يزيد في مرضه صلى جالسًا".
ومعرفة كيفية الصلاة بالنسبة للمريض من الأمور المهمة، خصوصًا مع تساهل وجهل كثير من المرضى بأحكام الصلاة، فإنهم يتركون الصلاة في المستشفيات ظنًا منهم أنها تسقط عنهم، ويقول: أقضيها فيما بعد.
ومن واجب أولياء المرضى، والأطباء، وإدارة المستشفيات، والممرضين، تنبيه المرضى، وتذكيرهم بالصلاة، وبدخول أوقاتها، وكذلك إعانتهم على الطهارة، ومساعدتهم في ذلك، هذا من الواجب، واجب المسلم نحو المسلم، هذه الصلاة عمود الدين.
والقاعدة العامة في صلاة المريض: أنه يجب عليه الإتيان بما يستطيعه من أركان الصلاة وواجباتها، ويسقط عنه ما لا يستطيعه، وقد دل على ذلك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة؛ كقول الله -تعالى-: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16].
وكذلك قوله : لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286]، وقول النبي ﷺ: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم [رواه البخاري: 7288، ومسلم: 1337].
وقد ذكر المصنف -رحمه الله-: أن المريض إذا لم يستطع الصلاة قائمًا فإنه يصلي قاعدًا، وقد أجمع أهل العلم على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلى قاعدًا ولا إعادة عليه، وهذا الاجماع ذكره صاحب "المغني"، و"المجموع"؛ لما رواه البخاري عن عمران بن حصين قال: "كانت بي بواسير، فسألت النبي ﷺ عن الصلاة، فقال: صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب [رواه البخاري: 1117].
وإن أمكنه القيام لكنه يخشى أن يزيد مرضه، أو أن يتباطأ برؤه، أو أن القيام يشق عليه مشقة شديدة، فله أن يصلي قاعدًا؛ لقوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78]، وتكليف القيام في هذه الحال حرج، كذا قال صاحب "الإنصاف": "ولأن النبي ﷺ لما جحش" صلى قاعدًا "جحش شقه الأيمن" [مختصر الإنصاف، ص: 172] ما معنى ذلك؟ الرواية في البخاري عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ ركب فرسًا فصرع عنه، سقط عنه فجحش شقه الأيمن، بسبب السقطة جحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعودًا.
والظاهر من هذا الحديث أن النبي ﷺ لم يعجز عن القيام بالكلية، لكن حصلت له مشقة شديدة إذا قام، فسقط ذلك عنه كما ذكر صاحب "المغني".
وقال بعض الشافعية: ضابط العجز أن يلحقه بالقيام مشقة تذهب خشوعه، لو قال واحد: التعذر معروف، يعني لو أوقفناه وتركناه يسقط، ما يستطيع، رجلاه لا تحملاه.
لو أدنى من ذلك قليلًا؟ يعني يمكن أن يقف لكن بمشقة شديدة جدًا، ولو وقف بهذه المشقة الشديدة جدًا، الألم يذهب خشوعه، ويجعله لا يدري ماذا يقول الإمام، فمن وصل لهذه الحالة بحيث لو قام يأخذه ألم شديد يجعله يذهل عما يقول الإمام، فإنه يجوز له أن يصلي قاعدًا؛ لأن المشقة درجات، يعني منهم من يستطيع القيام بنوع مشقة وعقله حاضر ويفهم ماذا يقول الإمام، لكن فيه نوع تألم، فيقال له: صل قائمًا، لكن لو واحد كان قيامه يضره، أو يؤلمه ألماً شديدًا، لا يستطيع يركز في الصلاة من الألم، هذا يقال له: صل جالسًا، هذه القضية يجب أن تشرح، خصوصًا اليوم مع انتشار الكراسي في المساجد، وهذه ظاهرة الآن موجودة، تدخل المساجد تجد فيها أعدادًا من الكراسي لم تكن موجودة من قبل، فتقول: هل زادت الأمراض على الناس يا ترى؟ أو صار المرضى يحضرون من بيوتهم لصلاة الجماعة؟ أو أن بعض الناس تراخوا وصاروا يحبون مع الكسل والدعة يصلي لأدنى مشقة على كرسي؟
فهذه يكون الإنسان فيها رقيب نفسه، يكون رقيب نفسه، كل واحد أدرى بنفسه، لكن المهم شرح هذا الضابط، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "الضابط للمشقة ما زال به الخشوع، والخشوع هو حضور القلب والطمأنينة، فإذا كان إذا قام قلق قلقًا عظيمًا ولم يطمئن، وتجده يتمنى إلى آخر الفاتحة ليركع من شدة تحمله، فهذا قد شق عليه القيام فيصلي قاعدًا"[الشرح الممتع: 4/ 326].
هذا إذًا، ضابط المشقة التي يجوز معها القعود في الصلاة للمصلي في حال القيام.
صفة جلوس المريض في الصلاة
وإذا صلى جالسًا كيف يجلس؟
يجوز له أن يجلس على أي صفة كان متربعًا، مفترشًا، متوركًا، ولكن قال في "المجموع": "يكره له أن يقعد مادًا رجليه، لكن لا يحرم، وإذا ما في جلسة تمكنه إلا بمد الرجلين مد الرجلين، هذه سهلة، لكن لو استطاع أن يتربع فهذا هو الأفضل، وهذا قول الجمهور.
يتربع إذا استطاع، هذا قول أبي حنيفة ومالك وأحمد؛ لحديث عائشة قالت: رأيت النبي ﷺ يصلي متربعًا"[رواه النسائي: 3661، وصححه الألباني].
هل يجوز للمريض هذا أن يصلي على الكرسي؟
الجواب: نعم.
فإن قال: هل الأفضل لي أن أصلي على كرسي أو أصلي على الأرض متربعًا؟
فنقول: الأفضل لك أن تصلي على الأرض متربعًا؛ لأن النبي ﷺ لما صلى قاعدًا فعل هذا، كان يمكن أن يصلي على كرسي، الكرسي ما هو من الاختراعات التي لم توجد إلا في هذا الزمان، موجود من قديم، فلما صلى على الأرض دل ذلك على أن الأفضل للمريض الصلاة على الأرض، لكن قد يشق على المريض أن يصلي على الأرض يصلي على الكرسي، قد يشق عليه الكرسي يصلي على السرير.
هذا التربع أين يكون؟ لأن الصلاة عندنا قيام وركوع وسجود وقعود، أربعة أحوال، فالتربع يكون في أي حال؟
الجواب: يكون التربع في حال القيام والركوع، فهو الآن إذا أراد أن يصلي في حال القيام للقراءة يكون جالسًا متربعًا، وفي حال الركوع يكون جالسًا متربعًا، في حال السجود، وفي حال الجلسة بين السجدتين، والتشهد، فنحن نعرف قضية الافتراش، والتورك، فهو يكون مفترشًا، إذا صار التشهد الأخير صار متوركًا، لكن يجوز له أن يصلي على أية حال في جلوسه، لا مانع، لكن من جهة الأفضل، وهل يضم في الصلاة كما لو كان قائمًا أو يضع يديه على فخذيه؟ إذا صلى المريض قاعدًا أين يضع يديه؟
قال بعضهم: يضع يديه على صدره.
وقال بعضهم: يضع يديه على فخذيه.
هذه إذًا، من مسائل الاجتهاد، أين يضع المصلي قاعدًا يديه؟ هل يضعهما على صدره كحاله إذا قام، أم لأنه الآن قاعد يضعهما على فخذيه؟ هذه من مسائل الاجتهاد، في "حاشية رد المحتار" ذكر القولين، قال: في حال القراءة يضع يديه على فخذيه كما في حال التشهد"[حاشية الدر المختار: 2/ 38].
والقول الثاني: يضع يمينه على يساره.
وذكر "ملا على القاري": أن القبض يكون في كل قيام حقيقي أو حكمي، كما إذا صلى قاعدًا.
وقال في "نهاية المحتاج": ويسن جعل يديه تحت صدره وفوق سرته في قيامه أو بدله"[نهاية المحتاج : 1/ 548].
إذًا، قوله: "أو بدله" بدل القيام القعود، معناها يختار صاحب "نهاية المحتاج" وضع اليدين.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: الواجب على من صلى جالسًا على الأرض أو على الكرسي أن يجعل سجوده أخفض من ركوعه" [مجموع فتاوى ابن باز: 12/ 245]، وسنأتي على هذا.
"والسنة له أن يجعل يديه على ركبتيه في حال الركوع" [مجموع فتاوى ابن باز: 12/ 245] أنت الآن تصلي جالسًا لعذر إذا وضعت يديك على صدرك حال القيام جئت للركوع وكبرت، أين تضع كفيك حال الركوع؟
قال الشيخ عبد العزيز: "حال على ركبتيه كحاله إذا صلى صحيحًا وركع أين يضعهما؟ على ركبتيه، قال الشيخ: أما في حال السجود فالواجب أن يجعلهما على الأرض إن استطاع، هو قد لا يستطيع أن يسجد بوجهه على الأرض، لكن يستطيع أن يجعل كفيه على الأرض يجعل كفيه على الأرض فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16] [مجموع فتاوى ابن باز: 12/ 246]، ما يستطيع يجعل أعضاء السجود السبعة كلها، ويستطيع أن يجعل بعضها، يجعل ما يستطيعه منها على الأرض، فما يستطيع أن يجعل كل الوجه على الأرض، يستطيع أن يجعل الكفين يجعل الكفين على الأرض، قال الشيخ: فإن لم يستطع جعلهما على ركبتيه، يعني في السجود ما استطاع أن يضع يديه على الأرض قال: يضعهما على ركبتيه.
صلاة المريض على جنب
قال المصنف -رحمه الله- الشيخ السعدي: "فإن لم يطق" يعني الصلاة قاعدًا فعلى جنبه؛ لقوله ﷺ لعمران بن حصين: صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب [رواه رواه البخاري: 1117].
فإذا لم يستطع المريض الصلاة قائمًا ولا جالسًا فإنه يصلي على جنب أي مضطجعًا.
لكن كيف يصلي مضطجعًا على جنبه أم على ظهره؟
قيل: يصلي على جنبه مستقبلًا بوجهه ومقدم بدنه القبلة كالميت في اللحد، وهو مذهب جمهور العلماء كما في "المجموع" على جنبه، وهذا الوجه ومقدم البدن إلى القبلة.
وقيل: يصلي مستلقيًا على ظهره ووجهه إلى القبلة، ويجعل رجليه إلى القبلة، ويضع تحت رأسه شيئًا ليرتفع، ويصير وجهه إلى القبلة لا إلى السماء، ليكون إيماؤه إليها، وهذا مذهب الحنفية.
إذًا، الجمهور على جنبه ومقدم البدن إلى القبلة.
وقول النبي ﷺ: فإن لم تستطع فعلى جنب نص في المسألة أنه على جنب؛ لأنه ما قال: فإن لم يستطع فمستلقيًا.
فإذًا، يصلي على جنب.
الجنب الأيمن أم الأيسر؟
الجنب الأيمن، هذا الأولى، فإن لم يستطع فالجنب الأيسر، فإن لم يستطع على الجنبين صلى مستلقيًا على ظهره.
لو صلى مستلقيًا على ظهره مع إمكان الصلاة على جنبه فتصح الصلاة مع الكراهة كما قال صاحب "الإنصاف" قال: لأنه نوع استقبال.
وأما ابن قدامة -رحمه الله- اختار عدم صحة الصلاة، قال: إذا صلى على ظهره وهو يستطيع أن يصلي على جنبه فإن الصلاة لا تصح؛ لأنه خالف أمر النبي ﷺ فعلى جنب، ولأنها في الحديث مرتبة صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب ، وهذا ترك استقبال القبلة مع إمكانه.
وكذلك رجح الشيخ ابن عثيمين من المعاصرين في "الشرح الممتع": عدم صحة الصلاة على الظهر إذا كان يستطيع أن يصلي على جنبه.
الصلاة على الجنب الأيمن أولى، وإذا صلى على الأيسر فلا بأس؛ لأن النبي ﷺ لم يعين جنبًا بعينه، ولأنه يمكنه أن يستقبل القبلة بالجانب الأيمن أو بالجانب الأيسر، يعني على أي الجنبين، ولأنه لو صلى على الأيسر كان ممتثلًا للحديث: فعلى جنب ، جاء عند البيهقي عن علي بن أبي طالب عن النبي ﷺ قال: يصلي المريض قائمًا إن استطاع، فإن لم يستطع صلى قاعدًا، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ، وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع أن يصلي قاعدًا صلى على جنبه الأيمن مستقبلًا القبلة، فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيًا رجله مما يلي القبلة ، ولكن هذا الحديث ضعفه ابن الملقن والنووي وابن كثير وابن حجر والصنعاني والألباني وقال الذهبي: "منكر".
قال الشيخ ابن عثيمين: الأفضل أن يفعل ما هو أيسر له، فإن كان الأيسر أن يكون على جنبه الأيسر فهو أفضل، وإن كان بالعكس فهو أفضل؛ لأن كثيرًا من المرضى ولا سيما المرضى بذات الجنب يكون اضطجاعهم على أحد الجنبين أخف عليه من الاضطجاع على الجنب الآخر، فإن تساوى الجنبان فالجنب الأيمن أفضل؛ لحديث: "كان النبي ﷺ يعجبه التيامن في شأنه كله".
فإن عجز عن الصلاة على جنبه، صلى مستلقيًا على ظهره.
إذًا، الشيخ قال: الأيمن أو الأيسر، الأيسر، يعني الأخف.
فإذًا الأيمن أو الأيسر، يقول الشيخ: الأيسر له، يعني الأخف، فإن استويا فالأيمن أفضل فإن عجز عنهما صلى مستلقيًا على ظهره.
بقي عندنا إن عجز المريض عن الركوع والسجود ماذا يفعل؟ وإذا صار لا يستطيع إلا الإيماء فكيف يكون الإيماء؟ وما حكم الصلاة بالعينين؟ وما حكم الصلاة بالإشارة وبالسبابة؟
سنعرف ذلك بمشيئة الله في الدرس القادم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.