الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

هل يشترط عدد معين لصحة صلاة الجمعة؟


قال النووي -رحمه الله-: "أجمع العلماء على أن الجمعة لا تصح من منفرد، وأن الجماعة شرط لصحتها" [المجموع: 4/508].

وقال الكاساني: "ودليل شرطيتها أن هذه الصلاة تسمى جمعة"، يعني فيها اجتماع، فيها جمع، فلابد من لزوم معنى الجمعة فيها اعتبارًا للمعنى الذي أخذ اللفظ منه، قال: "ولهذا لم يؤدَّ رسول الله ﷺ الجمعة إلا جماعة، وعليه إجماع العلماء". [بدائع الصنائع: 1/266].

فهم قد اتفقوا على أنه لابد من عدد في صلاة الجمعة، واختلفوا في قدره.

وقد ذكر الحافظ في الفتح -رحمه الله- في هذه المسألة خمسة عشر قولاً، وفيها أقوال عجيبة، حتى ذكروا فيها عدد أهل بدر، وذكروا فيها أشياء بعيدة عن الموضوع.

ومن أقرب الأقوال: ثلاثة، واثنين، وأربعين؛ أما من قال: لا تصح الجمعة إلا بأربعين رجلًا بالغين عقلاء أحرار مستوطنين، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، وقال ابن قدامة: "أما الأربعون فالمشهور في المذهب أنه شرط لوجوب الجمعة وصحتها، وهو مذهب مالك والشافعي، فإن أقرب ما يُحتج به لهذا القول حديث كعب بن مالك أن أسعد بن زرارة كان أول من جمع بهم في نقيع الخضمات، قيل له: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون" والحديث رواه أبو داود وصححه النووي، وحسّنه ابن حجر، لكن لا ينص على أن الأربعين شرط إقامة الجمعة، قيل: كم كنتم؟ قالوا: أربعين" يعني لو كانوا ثلاثين ما كان أقاموها؟! إذن، ليس هذا الحديث نصًا في شرط الأربعين أنه يشترط الأربعين، فقصارى ما فيه أنها أقيمت بأربعين؛ لكن ليس دليلاً صريحًا على أن الأقل من أربعين لا تقام فيهم.

وقد جاء عن النبي ﷺ مرفوعًا، جاء الحديث مرفوعًا بالأربعين لكنه ضعيف لا يثبت عن النبي ﷺ، وقد روي حديث مرفوع عن النبيﷺ باشتراط الأربعين لها ولكنه حديث ضعيف لا يثبت.

وقيل: إن الجمعة تنعقد بثلاثة رجال سوى الإمام، يعني الإمام الرابع لقوله تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9] فَاسْعَوْا هذا الخطاب للمصلين، فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ فقالوا: هذا جمع  فَاسْعَوْا وأقل الجمع ثلاثة، إذن، ثلاثة معهم إمام فطلب الحضور إلى الذكر بلفظ الجمع وأقل الجمع ثلاثة، والإمام هو الذي يسعى لخطبته: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9]، ذكر الله هو الخطيب الذي يخطب ويذكر الله ويذكرّهم، هذا مذهب الحنفية.

وقيل: الجمعة تنعقد باثنين؛ خطيب ومستمع، والاثنين جماعة، فيحصل الاجتماع والجمعة تنعقد والجماعة تنعقد باثنين بالاتفاق والجمعة كسائر الصلوات، إذن، هي مثلها عند هؤلاء، وأن من ادعى خروجها عن بقية الصلوات وأن جماعتها لابد فيه من ثلاثة فعليه الدليل، هذا مذهب الظاهرية [المحلى بالآثار: 3/251]، واختاره الشوكاني. [نيل الأوطار: 3/ 275].

وقيل: الجمعة تنعقد بثلاثة؛ وهذا -والله أعلم- أقوى الأقوال، خطيب ومستمعان، لقول النبي ﷺ: ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان  لاحظ هذا نص قوي في الموضوع، ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية  [رواه أبو داود: 547، وابن خزيمة: 1486، وابن حبان: 2101، وحسنه الألباني في المشكاة: 1067].

وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وكذلك من المعاصرين الشيخ ابن باز وابن عثيمين.

قال شيخ الإسلام: "وتنعقد الجمعة بثلاثة، واحد يخطب واثنان يستمعان، وهي إحدى الروايات عن أحمد" [الفتاوى الكبرى لابن تيمية: 5/355].

وقال الشيخ عبد العزيز في فتاويه: "في هذه المسألة خلاف كثير بين أهل العلم، وأصحُّ ما قيل في ذلك: ثلاثة، الإمام واثنان معه، فإذا وجد في قرية ثلاثة رجال فأكثر مكلّفون أحرار مستوطنون أقاموا الجمعة ولم يصلوا ظهرًا؛ لأن الأدلة الدالة على شرعية صلاة الجمعة وفرضيتها تعمهم" انتهى

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "لم يثبت دليل شرعي على اشتراط عدد معين في صحتها، فيكفي لصحتها إقامتها بثلاثة فأكثر، ولا يجوز لمن وجبت عليه أن يصلي مكانها ظهرًا من أجل نقص العدد عن أربعين على الصحيح من أقوال أهل العلم" هذا بالنسبة للعدد الراجح فيه، والله أعلم ثلاثة.