الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، فقد قال المصّنف - رحمه الله تعالى - في كتابه منهج السالكين: كتاب الصلاة
والصلاة في اللغة: تطلق على الدعاء، وفي الشرع يعرفها الفقهاء بأنها عبادة ذات أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، وقد فرضها الله على هذه الأمة، على رسول الله ﷺ ليلة المعراج بلا واسطة وهذا يدل على فضلها.
ومن محبة الله للصلاة أنه فرضها أول ما فرضها خمسين صلاة، ومن رحمته أنه لم يزل يخفض هذا العدد حتى صارت خمسًا في الفعل وخمسين في الأجر.
وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين كما جاء في حديث ابن عمر المرفوع إلى النبي ﷺ بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة فمنزلتها في الإسلام عظيمة وفرضيتها معلومة وهي من المعلوم من الدين بالضرورة، أي مسلم يعرف أن في الإسلام صلاة، معلوم من الدين بالضرورة ولذلك أجمع المسلمون على أن من جحد وجوبها كفر، أما من تركها تكاسلًا وتهاونًا مع إقراره بوجوبها فقد اختلف العلماء في كفره، وظاهر السنة وما دلت عليه الأدلة أنه يكفر فقد روى مسلم - رحمه الله تعالى - في صحيحه أن رسول الله ﷺ قال: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة [رواه مسلم: 82]. وكذلك حديث بريدة أن رسول الله ﷺ قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ، فإذن، من تركها فلا عهد له، فلا دين له، فلا إسلام له والحديث رواه الترمذي وهو صحيح. [رواه الترمذي: 2621، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 4143].
وعن عبد الله بن شقيق العقيلي : كان أصحاب محمد ﷺ لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. رواه الترمذي، وهو صحيح، وهذا مذهب الإمام أحمد -رحمه الله-
وقد حصل عند العلماء الذين يقولون بأن ترك الصلاة كفر خلاف في الحد الذي يكفر به تارك الصلاة من الترك، فقال بعضهم : يكفر بترك صلاة واحدة عامدًا متعمدًا حتى يخرج وقتها، وقال آخرون : إنه لا يكفر حتى يتركها بالكلية، فمن كان يصلي أحيانًا ويترك أحيانًا فلا يحكم عليه بالكفر، وأما من كان لا يركعها ولا يصلي لله صلاة فهذا كافر، ولعل هذا هو الأرجح والأقرب-والله أعلم- لقوله: فمن تركها ومن ترك صلاة واحدة يكفر في رواية عند الإمام أحمد متعمّدًا [المغني لابن قدامة: 2/330]. واختارها من المعاصرين الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - ولو قلنا بعدم كفره فيكون قد أتى كبيرة عظيمة جدًا من الكبائر وإثمًا عظيمًا شنيعًا؛ لأن هذه الصلاة حق الله تعالى، والاعتداء على حق الله بتركها فظيع وقد قال فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [ سورة مريم: 59]، ولما يسأل أهل النار عن سبب دخولهم النار مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر: 42، 43].
ثم شرع المصنّف - رحمه الله - في بيان شروط صحة الصلاة فقال: تقدم أن الطهارة من شروطها
والشرط عند أهل الأصول: "ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود" [الفروق للقرافي: 1/60].
ولو أردنا أن نترك هذه العبارة المعقدة عند البعض فنقول: إذا وجدت الطهارة وجدت الصلاة، وإذا لم توجد الطهارة فلا صلاة، وإذا وجدت طهارة توجد صلاة؟ ما يلزم ممكن واحد يتطهر ولا يصلي، فإذن، لا تصح الصلاة من غير طهارة ولا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة، فقد يتوضأ ولا يصلي، فالشرط إذا تخلف لا تصح الصلاة، وأول شروط الصلاة الطهارة قال ﷺ : لا تقبل صلاة بغير طهور رواه مسلم
ثم قال المصنّف - رحمه الله -: ومن شروطها دخول الوقت والأصل فيه حديث جبريل أنه أم النبي ﷺ في أول الوقت وآخره وقال : يا محمد الصلاة ما بين هذين الوقتين. رواه أحمد والنسائي والترمذي
فالشرط الثاني في صحة الصلاة دخول الوقت وقد أجمع المسلمون على أن الصلوات الخمس مؤقتة بمواقيت معلومة محددة لها بداية ونهاية، قال تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء: 103]، مؤقتة بوقت محدد فرضها الله ، وأشار إلى الأوقات الخمسة في ثلاثة فقال: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء: 78]، فأشار بقوله: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ زوالها عن كبد السماء إشارة إلى صلاة الظهر والعصر، وأشار بقوله : إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وهو ظلامه إلى صلاتين، المغرب والعشاء، وأشار بقوله : وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إلى صلاة الصبح، وكذلك في قوله تعالى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم: 17- 18]، فحين تمسون إشارة إلى صلاتي ماذا؟ المغرب والعشاء، وحين تصبحون؟ الفجر وعشيًا؟ العصر، وحين تظهرون؟ الظهر، لكن السنة قد تولت بيان الأوقات بغاية الدقة، فهي ذكرت في القرآن مجملة، وفي السنة مفصلة.
فقال المصنف رحمه الله: والأصل فيه حديث جبريل أنه أم النبي ﷺ في أول الوقت وآخره وقال : يا محمد الصلاة ما بين هذين الوقتين. رواه أحمد والنسائي والترمذي
وقصته ما رواه نافع عن جبير بن مطعم قال : أخبرني ابن عباس أن النبي ﷺ قال : أمني جبريل عند البيت مرتين، فإذن، الناس ما يرون جبريل، والنبي ﷺ يراه وقد أمه، صلى به إمامًا، والنبي ﷺ مأموم، وجبريل هو الإمام، فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم، وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلّى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إلي جبريل فقال : يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين. قال الإمام البخاري - رحمه الله - أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي ﷺ وهو حديث جبريل، حديث جابر هو حديث جبريل، إذن، النبي ﷺ صلى مأمومًا وأمه جبريل لكي يعلمه عمليًا ما هو أول وقت كل صلاة وما هو آخر وقت كل صلاة.
فبالنسبة للصلاة الأولى وهي صلاة الظهر، صلى في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ما هو الفيء؟ ظل الشمس بعد الزوال، لما صار الظل بعد الزوال مثل الشراك، ما معنى مثل؟ يعني قدر، ما هو الشراك؟ أحد سيور النعل التي تكون على وجهها تلقاه مثل الخيط من الجلد، هذا السير، وفي رواية أبي داود : حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك.
قال ابن الأثير - رحمه الله -: "قدره هنا ليس على معنى التحديد ولكن زوال الشمس لا يبين إلا بأقل ما يرى من الظل، وكان حينئذ بمكة هذا القدر، والظل يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وإنما يتبين ذلك في مثل مكة، يعني يتبين الظل بعد الزوال مباشرة مثل الشراك في مثل مكة من البلاد التي يقل فيها الظل، فإذا كان طول النهار واستوت الشمس فوق الكعبة لم ير بشيء من جوانبها ظل فكل بلد يكون أقرب إلى خط الاستواء ومعدل النهار يكون الظل فيه أقصر وكلما بعد عنهما إلى جهة الشمال يكون الظل أطول"، انتهى كلام ابن الأثير رحمه الله. [النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/468]. يعني إذا غرسنا عصا عمودية في الأرض والشمس تأتي من المشرق إلى المغرب في الصباح تشرق إلى أن تغيب إذا غرسنا عصا أو عمود في الأرض فأشرقت الشمس أين سيكون ظل العمود في الغرب أو في جهة الشرق؟ في جهة الغرب، أول ما تشرق سيكون ظل العمود طويلًا فيتناقص أم قصيرًا فيتطاول طويلًا فيتناقص فما هو أنقص شيء يصل إليه الظل؟ عندما تكون الشمس عمودية في وسط السماء فيكون أنقص ما يكون، فإذا اتجهت ومالت وذهبت إلى جهة الغرب ماذا يحصل للظل؟ يبدأ في الطول من الجهة الأخرى وهي الشرق، إذن الظل أنقص ما يكون هذا إذا صارت الشمس في وسط السماء تمامًا، وهذا وقت النهي ما يصلى في هذا الوقت، فإذا زالت عن وسط السماء جهة المغرب وبدأ الظل يطول من الشرق عرفنا أن وقت الظهر قد دخل، متى يكون ظل العمود والشمس فوقه تمامًا؟ متى يكون مثل قدر الشراك؟ يعني شيء بسيط جدًا في البلاد الاستوائية في وسط الأرض، بينما لو زرعت العمود في بلد من البلاد الشمالية، لو صارت الشمس فوقه تمامًا في وسط السماء فسيكون الظل هذا أطول من ظل العمود المغروس في بلد في وسط الأرض عند خط الاستواء، فلما قال : حين كان الفيء مثل الشراك، يعني قدر الشراك، يعني شيء بسيط جدًا، هذا يكون في مثل البلاد التي هي كمكة في الموقع، بينما لو كان في مكان في الشمال مثلًا لرأيت أن الشمس إذا صارت في وسط السماء فإن ظل الزوال سيكون أطول، فبعد ذلك ماذا سيحدث له؟ ينتقل إلى المشرق، ويبدأ في الطول، فلو واحد قال : أنا في بلدي غرست عموداً، انتظرت يصير الظل صفراً، ما في ظل، ما حصل شيء، يبقى شيء بسيط ثم يتحول، يكون الظل في جهة المغرب فيتحول لجهة المشرق، فنقول : هذا الظل البسيط نتيجة لميل محور الأرض هناك ميل في محور الأرض ولذلك ما يجي صفر، لكن كل ما اقتربت من خط الاستواء يصير الظل يكاد يتلاشى.
والخلاصة متى يبدأ وقت صلاة الظهر؟ إذا بدأ تحول الظل من المغرب إلى المشرق، وبدأ تحول الشمس من المشرق إلى المغرب، هذا هو، فنعلم دخول وقت الظهر بهذا.
من الأحاديث التي جاءت في بيان المواقيت أيضًا حديث أبي موسى عن رسول الله ﷺ أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئًا قال : فأقام الفجر حين انشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا، يعني في أول الوقت لا تزال الظلمة فيها، يعني في قوة في الظلمة، وإن كان طلع الفجر لكن فيه ظلمة بحيث أن الناس لا يعرف بعضهم ، لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا من الظلمة، لكن الفجر طلع، في أول طلوعه، أول ما صار البياض المنتشر في جهة المشرق، أول ما طلع الفجر مستطيلاً في الأفق صلى، لكن ما زال هناك شيء من الإظلام يمنع من تعرف الناس، أو لا يكاد يعرف الناس بعضهم بعضًا، طبعًا ما كان في كهرباء، ولذلك فأول وقت الفجر لا يزال فيه شيء من الظلمة، ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، يعني في أول وقت الظهر كذلك والقائل يقول : قد انتصف النهار وهو كان أعلم منهم، يعني أنه تعدى المنتصف، لكن لأنه صلى في أول الزوال أول ما زالت الشمس، القائل العادي ماذا يقول؟ إنها لا زالت في منتصف النهار، لكن النبي ﷺ أعلم منهم؛ لأنها كانت قد بدأت فعلًا بالزوال، ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، لكن في أول وقت العصر، لما صار ظل كل شيء مثله، ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس، أول ما اختفى حاجب الشمس، قرص الشمس اختفى صلى المغرب، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، أول ما غابت الحمرة في جهة الغروب، تبقى حمرة بعد الغروب، هذا الشفق الأحمر أول ما غاب صلى العشاء، ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها، طبعًا طيلة هذا الوقت والسائل الآن يأخذ جواب سؤاله، والآن جواب السؤال هذا يطول، لأنه أراد أن يجيبه عمليًا، فلما سأله ما أجابه بالكلام أجاب بالأفعال، فالآن السائل يترقب جواب سؤاله لكن عمليًا، أول يوم هذا راح نصف الجواب، ثاني يوم تكملة الجواب أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها والقائل يقول : قد طلعت الشمس أو كادت، إذن، متى صلى؟ قبيل طلوع الشمس بحيث لما سلم من صلاة الفجر يقول القائل : قد طلعت الشمس أو كادت، فإذن، صلى في آخر الوقت، ثم أخر الظهر حتى كان قريبًا من وقت العصر بالأمس، يعني في آخر وقت الظهر، لأن بعده أول وقت العصر، ثم أخر العصر حتى انصرف منها، والقائل يقول : قد احمرّت الشمس، يعني ضعفت، يعني زالت قوتها، اصفرت أو احمرت، يعني زال وهجها وقوتها، وهذا الذي يسمونه انتهاء وقت الاختيار وابتداء وقت الاضطرار في صلاة العصر، فإلى متى أخرها؟ إلى أن صلى وانصرف والناس يقولون : الشمس احمرت، خلاص ضعفت، فالآن بدأ وقت الاضطرار، وانتهى وقت الاختيار، ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، يعني قبل ما يغيب الشفق الأحمر بقليل صلاها، فهذا آخر وقت المغرب، لأنه إذا غاب الشفق تمامًا دخل وقت العشاء، ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول، فالليل إذا قسمته إلى ثلاثة أجزاء فالجزء الأول الثلث الأول صلى في نهايته صلاة العشاء، ثم أصبح يعني بدأنا باليوم الثالث فدعا السائل فقال: الوقت بين هذين [رواه مسلم: 614]، وفيه: أن البيان العملي أبلغ من البيان القولي في مثل هذه الحالات والجواب يمكن أن يستمر وقتًا حتى ينتهي فينبغي على المستفتي والسائل أن ينتظر ولا يستعجل وحديث بريدة عن النبي ﷺ أن رجلًا سأله عن وقت الصلاة فقال له : صل معنا هذين يعني اليومين ثم ذكر نحو حديث أبي موسى المتقدم رواه مسلم.
وكذلك من الأحاديث التي وردت في مواقيت الصلاة حديث عبد الله بن عمرو وقد ذكره المصنّف فقال: وعن عبد الله بن عمرو ما - أن النبي ﷺ قال: وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس [رواه مسلم: 612].
ففي هذا الحديث بيان مواقيت الصلوات الخمس على التفصيل، وقت صلاة الظهر، وعادة يبدأ الفقهاء به تأسيًا بحديث جبريل، ولم يبدءوا بوقت صلاة الفجر مع أنه أول النهار؛ لأن حديث جبريل لما علّمه بدأ بالظهر فاقتداء بجبريل لما شرح الفقهاء المواقيت بدءوا بوقت الظهر لهذا السبب، وقد أجمع أهل العلم على أنه أول وقت الظهر إذا زالت الشمس، نقله ابن المنذر وابن عبد البر والنووي كما في المغني والمجموع.
أما بداية وقت الظهر فهو من زوال الشمس، والمقصود زوالها عن ماذا؟ إذا زالت : اختفت، يعني: إذا مالت عن وسط السماء، زالت وتحركت عن وسط السماء إلى جهة المغرب واتجه إلى غروبها، إذا طلعت الشمس من مغربها، هذا أول أشراط الساعة الكبرى، من التغيرات التي تحدث في العالم العلوي؛ لأن هنالك تغيرات تحدث في العالم العلوي، وهناك تغيرات تحدث في العالم السفلي في الأرض، ولا يمنع أن يكون هناك تداخل، بحيث يتأخر بعض التغيرات الأرضية إلى ما بعد بداية التغيرات العالم العلوي، لكن الذي يظهر من النصوص أنه يوجد بعد طلوع الشمس من مغربها صلاة ولا تزال، لكن يختم على كل واحد مؤمن كافر، المؤمن لا يزال يصلي، والكافر لا يصلي، وبعد هذا أيام إلى قيام الساعة فليس هذا هو نهاية كل شيء، لكنه في النهاية، فتطلع الشمس كل يوم من المشرق، وتغرب في جهة المغرب، وإنما سُمّي الشرق مشرقًا، والغرب مغربًا، لأجل الشمس تشرق من هذا وتغرب في هذا، فإذن، عرفنا متى يكون بداية وقت الظهر، وإذا أردت أن تطبق هذا الأمر عمليًا فضع شيئًا شاخصًا عمودًا في مكان مكشوف متعامدًا على الأرض، فإذا طلعت الشمس من المشرق سيكون ظل هذا الشاخص نحو المغرب، وكلما ارتفعت الشمس إلى وسط السماء نقص الظل، إذا واحد قال : أنا ما عندي ساعة، ولا عندي أي شيء أعرف به الوقت إلا الشمس، أريد أن أعرف هل وقت صلاة الضحى ما زال باقيًا أم لا؟ فكيف أعرف؟ ما عنده أبدًا إلا الشمس، ويريد أن يعرف هل لا زال وقت الضحى قائمًا أم انتهى؟ فكيف يعرف؟ إذا استمر الظل يتناقص فهذا يعني أن وقت صلاة الضحى لا زال قائمًا، قبيل الزوال بربع ساعة تقريبًا ينتهى وقت صلاة الضحى، يبدأ الظل تقريبًا في الثبات إلى أن يبدأ بالزيادة من الجهة الأخرى فيدخل وقت صلاة الظهر، لو واحد قال : أنا لن أغرس عمودًا، ولن أدخل في هذه القضية، أريدها بالساعة، متى نصف النهار؟ فنقول : اقسم ما بين طلوع الشمس إلى غروبها نصفين، أنت عندك وقت الشروق وعندك وقت الغروب، اقسمه نصفين فهذا هو وقت الزوال، بعده ستبدأ الشمس بالزوال ويدخل وقت الظهر، فإذا قدرنا أن الشمس تخرج في الساعة السادسة صباحًا وتغيب الشمس في الساعة السادسة مساء، فكم الآن وسط النهار بالضبط؟ الساعة الثانية عشرة، فإذن تقسم الوقت بين طلوع الشمس إلى غروبها، هذا الوسط هو نصف النهار، بعد الساعة الثانية عشر سيدخل وقت الظهر، وإذا كانت الشمس تشرق الساعة السابعة وتغرب الساعة السابعة مساء، تشرق سبعة صباحًا، تغرب سبعة مساء، متى وسط النهار؟ وسط النهار الساعة الواحدة، أما نهاية وقت الظهر فهو إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، يعني في طوله بعد الظل الذي زالت عليه الشمس؛ لأننا قلنا : لابد أن يبقى شيء بسيط من الظل، فهذا يختلف طوله الشيء البسيط بحسب موقع الإنسان في أي بلد، وهذا الذي يسمونه ظل الزوال لابد أن يبقى شيء ولو بسيط يسير فأنت لو كنت في البلاد الشمالية سيكون هذا الشيء أطول الظل هذا أطول، فلنفرض مثلًا أن طول ظل الزوال خمس سنتمترات؟ أنت الآن العصا التي عندك متر، الآن فوق الأرض متر متى ينتهي وقت صلاة الظهر لما يصير طول ظل العصا كم؟ متر وخمسة نحن قلنا : الآن فيه ظل يبقى لو كانت الشمس فوق العصا مباشرة؛ لأن هناك ميلان في محور الأرض، هذا الظل يبقى خمسة سنتمترات، هذه باقية حتى لو راحت من المغرب إلى المشرق، الظل تحول من الشرق إلى الغرب، من الغرب إلى الشرق، التحول هذا؛ لأن الشمس لما تشرق يكون الظل في الغرب، فإذا صارت إلى المغرب يتحول الظل إلى الشرق الخمسة سنتمترات، هذه باقية، فلما تقول : أنا أريد أن أعرف نهاية وقت الظهر، وحسب الحديث : حتى يصير ظل كل شيء مثله والعصا متر فأنت تقيس الظل على الأرض إذا صار متراً لابد أن تضيف إليها الخمسة سنتمترات، فعند ذلك تعرف أن الوقت قد انتهى إذا صار طول الظل على الأرض، طول الظل متر زائد خمسة سنتمترات، وهو ظل الزوال، فيكون وقت الظهر قد انتهى، وعندما ينتهي الآن قلنا الشمس تخرج من المشرق فيكون الظل في المغرب كل ما تحركت الشمس إلى الوسط ماذا يحدث للظل؟ يتناقص، إذا توقف الظل عن التناقص، يعني ذلك أن الشمس الآن صارت في وسط السماء، وسيبقى مدة يسيرة، لا يزيد ولا ينقص، وهذا تقريبًا وقت النهي، ثم سيبدأ الظل بالتحول من جهة المغرب إلى جهة المشرق، يبدأ هذا الظل البسيط الذي قلنا : إنه لا يتناقص الآن بالتحول من جهة المغرب إلى جهة المشرق؛ لأن الشمس تميل الآن إلى الغرب بدأ بالزيادة فماذا يبدأ هنا؟ وقت صلاة الظهر، فإذا صار هذا الظل الذي تحول البسيط زائد طول الشاخص على الأرض انتهى وقت صلاة الظهر، أما وقت العصر فإذا صار ظل كل شيء مثله بالإضافة إلى ظل الزوال ماذا سيحدث؟ يدخل وقت العصر، إذن، خروج وقت الظهر هو دخول وقت العصر، فليس هناك فرق بين الوقتين فهذا متصل بهذا، هل هناك قدر مشترك بينهما؟ لا، خروج هذا دخول هذا ويدل على هذا حديث جبريل، ثم صلّى العصر حين كان كل شيء مثل ظله، وفي حديث عبد الله بن عمر: وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، فآخر وقت الظهر هو أول وقت العصر من غير فاصل بينهما، وأما آخر وقت العصر فهو غروب الشمس، ويدل على ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال: ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر [رواه البخاري: 579، ومسلم: 608]. وأما نهاية وقت العصر فله وقتان وقت اختيار وهو الوقت الذي يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة إليه يعني اختيارًا بدون سبب، ممكن يؤخر بدون سبب، وهو من أول وقت العصر إلى اصفرار الشمس، لقول رسول الله ﷺ: وقت العصر ما لم تصفر الشمس أي ما لم تكن صفراء، ومعنى تصفر يعني تضعف، يقل وهجها ينكسر حرها، هذا وقت الاختيار إلى الاصفرار، يعني يجب أن تصلي قبل الاصفرار، أما وقت الاضطرار فهو من اصفرار الشمس إلى أن تغرب لقول النبي ﷺ ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر رواه البخاري ومسلم. هذا مذهب المالكية ورواية عن أحمد - رحمه الله - وهي أصحُّ عنه، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن المعاصرين اختار ذلك الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -، فمن أخّر الصلاة ثم أدرك منها ركعة قبل غروب الشمس فهو مدرك لها ومؤد لها سواء أخرها لعذر أو لغير عذر، إلا أنه إنما يباح تأخيرها لعذر وضرورة، كحائض تطهر، أو كافر يسلم، أو صبي يبلغ، أو مغمى عليه يفيق، أو نائم يستيقظ، فأما من تمكنه الصلاة قبل هذا الوقت فلا يجوز له تأخيرها البتة، فإن أخرها؛ السؤال الذي أسألكموه: رجل بلا عذر أخر الصلاة إلى قبيل الغروب فالسؤال هو هل صلاته أداء أم قضاء؟ وماذا عليه؟ واحد ما عنده عذر أبدًا تشاغل بأشياء، يلهو، قبل المغرب بعشر دقائق اصفرت الشمس وكادت أن تغرب، قام وصلى قبل الغروب فهل صلاته تقع أداء أو تقع قضاء؟ وماذا عليه؟ نعم تقع أداء لقوله: ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر فهي أداء، وعليه أن يتوب؛ لأنه ارتكب إثمًا بهذا التأخير من غير عذر، شخص كان نائمًا ثم استيقظ قبيل المغرب، فصلى قبيل المغرب، قبل أن تغرب الشمس، كان نائمًا لم يفرِّط، أخذه نوم فنام،كان متعبًا قبل العصر ونام، ما استيقظ إلا قبيل الغروب، وصلى قبل أن تغرب الشمس فصلاته أداء وليس عليه إثم لأنه كان معذورًا، امرأة طهرت قبل المغرب بنصف ساعة فاغتسلت ثم صلّت فوقعت صلاتها قبيل الغروب هل عليها إثم؟ لا، لأنه لم يكن يمكنها الصلاة قبل ذلك، هذا بالنسبة لصلاة العصر، لما نقول وقت اختيار، ووقت اضطرار، فلابد أن نعرف معنى الضرورة، معنى وقت الضرورة هو الوقت الذي يجوز أداء الصلاة فيه لأصحاب الأعذار فقط، كالمجنون، والمغمى عليه، والصبي الذي لم يبلغ فبلغ، والكافر إذا أسلم، والحائض إذا طهرت، والنائم إذا استيقظ، والناسي إذا تذكر، ومثله كذلك لو اشتغل الإنسان عن العصر بشغل لابد منه، مثلًا طبيب في الطوارئ جاءت عملية اضطرارية لا يستطيع الآن أن يصلي، لكن تنتهي العملية في وقت الاضطرار فانتهى من العملية وصلى قبل المغرب فصلاته صحيحة في هذه الحالة، وهو قد احتاج إلى هذا التأخير لأجل العملية، لكن لو كانت العملية لا تنتهي إلا بعد المغرب فماذا نقول للطبيب؟ صلّ على حالك وأنت تجري العملية، فإذا أمكنك التوقف للصلاة، توقف وصلّ، وإذا استطعتَ أن تنيب شخصًا يأخذ مكانك في العملية وتصلي وترجع افعل؛ لأن العمليات المعقدة والطويلة عادة يكون فيها أكثر من طبيب فيصلي ويرجع وإن قال : لا يمكن، قد يكون أحيانًا يحدث في مكان ما طوارئ تحتاج إلى إسعافات متوالية، ويحتاجون كل العدد، ويشتغلون على مدار الساعة، وهذه أرواح، يعني لا بد أن يبادر فيصلي على حاله وجوبًا قبل المغرب، ما يجوز أن ينتظر إلى أن تغرب الشمس، ويقول : أنا كنت مشغولاً بالإسعافات، يصلي على حسب حاله، كذلك صلاة الطالب والمطلوب الذي يفر من العدو، والذي يلحق عدوًا، ماذا بالنسبة لوقت المغرب؟ أوله إذا غربت الشمس وتكامل غروبها، فما معنى غربت؟ هل بدأت بالاختفاء؟ أو اختفت تمامًا اختفت تمامًا؟ فإذا اختفى نصف القرص اختفى نصف قرص الشمس فهل بدأ وقت المغرب؟ لا، فإذا اختفى القرص تمامًا وغاب حاجب الشمس الباقي، الحاجب الباقي نزل، غاب في الأفق نزل، بدأ وقت المغرب، وهذا قد أجمع العلماء عليه كما نقل ابن المنذر - رحمه الله - إجماعهم وقال النووي: "والاعتبار سقوط قرصها بكماله ولا نظر بعد تكامل الغروب إلى بقاء شعاعها بل يدخل وقتها مع بقائه" [المجموع شرح المهذب: 3/29].
يعني لو سأل سائل فقال: نحن نراقب الشمس إذا غربت في البحر، المكان مستوي في البحر، غابت الشمس، سيبقى بعد غياب الشمس نور، وهج، شيء من الوهج، احمرار فهل لهذا عبرة وإلا لا عبرة به؟ لا عبرة به، لا عبرة ببقاء هذا بعد غياب القرص؛ لأن الشمس هي تنزل لكن يبقى لها ضوء حتى لو نزلت، فإذن، لا عبرة بهذا النور الباقي في جهة الغروب ما دام القرص اختفى ويبدأ وقت المغرب، حتى لو باقي شيء من هذا النور أو الضوء باقي فقد دخل وقت المغرب وأفطر الصائم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وحينئذ يفطر الصائم ويزول وقت النهي ولا أثر لما يبقى في الأفق من الحمرة الشديدة في شيء من الأحكام" [مجموع الفتاوى: 25/215]. لاحظ قوله: "ولا أثر لما يبقى في الأُفُق من الحمْرة الشديدة في شيء من الأحكام"، الآن عندنا مسألة: جبل، الذي تحت الجبل يرون الشمس غابت، والذي فوق الجبل لا زال يراها ما غابت يعني بينهما شيء يسير، فالذي تحت قال للذي فوق : غربت أفطر، الآن العبرة بالشمس في الأفق، يعني كلاهما بالنسبة له ينظر إلى مكان مستوي، يعني الشمس ليست وراء جبل وما نزلت بعد وغابت، لا، الشمس بالنسبة لهما، لكن هذا تحت وهذا فوق، فالذي فوق يتأخر قليلاً عن الذي في الأسفل، رغم أنهما في مكان واحد فماذا نقول في هذه الحالة؟ العبرة بالذي تحت أو الذي فوق أو كل على حاله؟ وأفرض أنه الآن في مسجد تحت أو مسجد فوق متى يؤذن؟ الآن افرض أنت في تايوان وفي ناطحة سحاب، والبشر الآن يطلع مائة دور، هونج كونج مائة دور، ولنفترض ما أمامك شيء، الذي في الدور الأرضي رأى الشمس غابت، الذي في الدور رقم مائة ما زال يراها من الذي يفطر؟ ومن الذي ما يفطر؟ ومن الذي يصلي المغرب؟ هذه تحدث في أماكن مثل تهامة والجبال، تقع هذه القضية، هو الفارق يسير لكن واحد إذا يرى حتى لو قبل دقيقة، ويرى يقول :كيف أفطر وأنا أراها؟ كيف أصلي المغرب وأبدأ بالصلاة وأنا أرى الشمس؟ فالعبرة إما بالأسفل؟ وإلا بكل واحد في مكانه؟ ما هو آخر وقت المغرب؟ آخر وقت المغرب مغيب الشفق الأحمر، إذا غاب خرج وقت المغرب لقوله ﷺ: ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق [رواه مسلم: 612]. والشفق شفقان أحمر وهو الأول، وأبيض وهو الثاني، والعبرة بمغيب الشفق الأحمر، فإذا غابت الحمرة من السماء خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء، وهذا قول الجمهور، يعني أكثر العلماء وهو القول القديم للشافعي، والقول الجديد للشافعي ومشهور مذهب مالك أن المغرب ليس له إلا وقت واحد وهو إذا غربت الشمس ومضى قدر طهارة وستر عورة وأذان وإقامة وخمس ركعات، ما هي الخمس؟ صلوا قبل المغرب اثنتين، التي بين الأذان والإقامة، والثلاث الفرض وثنتين السنة، ومضى قدر طهارة، وستر العورة، وأذان، وإقامة، وخمس ركعات، فإن أخر الدخول عن هذا الوقت أثم، لما جاء في حديث جبريل أنه ﷺ صلى المغرب في المرة الأخيرة كما صلاها في المرة الأولى، يعني ما هي حجتهم هؤلاء الذي ضيقوا وقت المغرب جدًا؟ قالوا: فقط وقت طهارة، وستر العورة، وتؤذن وتقيم وخمس ركعات، خلص الوقت، تؤخر بعد كذا تأثم لماذا؟ قالوا لأن حديث جبريل لما علمه بدء الوقت وآخر الوقت في المغرب ما غير في المغرب، يعني في الفجر صلى والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا في أول الوقت، ثاني يوم صلى قبيل طلوع الشمس في أول وفي آخر، فيه وقت بينهما، في المغرب ما غير، فقالوا : هذه حجتنا، قالوا : لو كان هناك آخر لبين، لكن الراجح والله تعالى أعلم هو القول الأول أن المغرب يمتد وقته إلى مغيب الشفق لقوله ﷺ في حديث عمر : ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق وفي حديث أبي موسى كذلك نحوه وفي حديث بريدة كذلك نحوه واختاره النووي - رحمه الله تعالى -.
بماذا أجاب الجمهور عن حديث جبريل؟ قالوا : إنه إنما أراد بيان وقت الاختيار لا وقت الجواز، والثاني : قالوا : حديث جبريل لما صلى بالنبي ﷺ إمامًا أين كانا؟ بمكة، والأحاديث الأخرى التي جاء فيها أن آخر وقت المغرب مغيب الشفق أين كانت؟ في المدينة فيجب العمل بماذا؟ بالحديث الآخر، والآخر كان بيانه في المدينة، وثالثًا : قالوا : الأحاديث الأخرى أكثر من حديث جبريل أصح إسنادًا، أكثر رواة، ولذلك رجحوها، فما هو آخر وقت المغرب؟ مغيب الشفق الأحمر.
تنبيه : الموجود الآن في التقاويم المطبوعة في أوقات الصلوات أن بين المغرب والعشاء دائمًا ساعة ونصف، وفي رمضان ساعتين، فما معنى ذلك؟ نريد معنى ذلك، من يبحث لنا هذه المسألة، يعني من غياب القرص إلى مغيب الشفق الأحمر، كم المسافة الزمنية؟ ولنأخذ مكانًا معينًا في مكة مثلًا كم بين غياب القرص وغياب الشفق الأحمر؟ كم المدة؟ طبعًا هذا يختلف في الصيف والشتاء، لكن نريد تقريبيًا، فمن يستطيع أن يتصل لنا بالمرصد في مكة الذي يرصد هذا، أو أي جهة أخرى من الجهات التي ترصد غياب القرص ومغيب الشفق ويخبرنا؟ يتراوح وقت المغرب في مكة ما بين كذا وكذا لأننا نريد أن ننبه على مسألة مهمة أن بعض الناس يظن دائمًا بين المغرب والعشاء ساعة ونصف، ويمكن لو واحد انشغل بأشياء فجاء واحد وقال له : يا أخي ما صليت المغرب، قال : باقي ساعة ونصف، من بعد الأذان ساعة ونصف، فهل هو ساعة ونصف؟ ومن أين جاءت الساعة والنصف هذه؟ فمن يقوم لنا بهذا البحث في مكة؟ نحدد المكان في مكة، كم بين غياب القرص وغياب الشفق الأحمر؟ هذه مهمة.
وأخيرًا وقت العشاء الذي يبدأ من مغيب الشفق وخروج وقت المغرب، والشفق هو الحمرة، وهو قول الجمهور وتعرفه العرب في أسفارها كذلك، وهذا الموجود في فقه أئمة اللغة أن الشفق هو الحمرة، ما هو آخر وقت العشاء؟ ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه ممتد إلى طلوع الفجر، واستدلوا بحديث أبي قتادة أن النبي ﷺ قال ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى [رواه مسلم: 681].
قالوا : صلاة العشاء ما عليه تفريط إذا ما جاء وقت الصلاة الأخرى، وما هي الأخرى؟ الفجر.
قال النووي : في الحديث دليل على امتداد وقت كل صلاة من الخمس حتى يدخل وقت الأخرى، وهذا مستمر على عمومه في الصلوات إلا الصبح فإنها لا تمتد إلى الصلاة الأخرى وهي الظهر، وإنما ينتهي وقت الصبح بطلوع الشمس، وذهب الحنابلة إلى تقسيم وقت العشاء إلى وقت اختيار ووقت اضطرار، قالوا : وقت الجواز من مغيب الشفق إلى ثلث الليل أو نصف الليل، ووقت الاضطرار من ثلث الليل أو نصف الليل إلى طلوع الفجر، وذهب آخرون إلى تعيين نهاية وقت العشاء بنصف الليل، وبعد ذلك يكون قضاء، واختاره البخاري - رحمه الله - واستدلوا بحديث عبد الله بن عمرو: فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل [رواه مسلم: 612]. ولعل هذا هو الأرجح إن شاء الله أن وقت صلاة العشاء ينتهي اختيارًا في نصف الليل، واضطرارًا إلى الفجر، لكن للمعلومية الجمهور يقولون: ينتهي وقت العشاء بطلوع الفجر لحساب ثلث الليل ونصف الليل، ومزيدًا من التفصيلات في موضوع الأداء والقضاء في الدرس القادم بمشيئة الله تعالى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.