الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أحكام المسح على الخفين - الدرس الثالث


عناصر المادة
طلب العلم عبادة
ملخص الدرس الماضي
جواز المسح على الجوربين
حكم المسح على غير الخفين والجوربين
بعض الأخطاء المتعلقة بالمسح على الخفين
المسح على الخفين خاص بالحدث الأصغر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

طلب العلم عبادة

00:00:19

فإن طلب العلم عبادة عظيمة، وهذا العلم البحث عنه جهاد، وتحصيله كنز عظيم من كنوز الآخرة، والسعي للفقه في الكتاب والسنة خير كبير؛ لأن النبي ﷺ قال: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين [رواه البخاري: 71، ومسلم: 1037]، فالفقه في الدين فهم الكتاب والسنة، فإن الدين هو هذا الوحي الذي أنزله الله ، والله قد أنزل هذا الدين منه أركان الإيمان وتوحيده سبحانه وتعالى ومنه القصص والأمثال، ومنه فقه الحلال والحرام، ومعرفة الأحكام، وهو ما نحن بشأنه في هذا الدرس، وقد ألف العلماء كتبًا في الحلال والحرام، ومعرفة الأحكام، ومنها الكتب المطولة والمختصرة، فمن الكتب المختصرة الميسرة هذا الكتاب "منهاج السالكين" لمن أراد الفقه في الدين للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله-، والذي هو عبارة عن متن فقهي صغير، ولكن أضاف المؤلف إليه عددًا من الأدلة، وهذا حسن لربط الدارس بالكتاب والسنة.

ملخص الدرس الماضي

00:02:09

وقد بدأنا في كتاب الطهارة، وتحدثنا عن أحكام المياه، ثم بدأنا في الوضوء، وتحدثنا عن بديل الوضوء وهو التيمم، وهناك بديل لبعض أعضاء الوضوء وهو غسل القدمين فما هو البديل في غسل القدمين؟ المسح على الخفين والجوربين، وذكرنا في هذا الباب عدة مسائل، فنلخص ما تقدم من المسائل في أحكام المسح على الخفين والجوربين، ثم نواصل الحديث وننطلق بعدها إلى أحكام الطهارة الأخرى كالغسل وغيره.

سبق أن المسح على الخفين سنة نبوية في الحضر والسفر، وأن الأحاديث الواردة في ذلك بلغت مبلغ التواتر، وأن بعض العلماء ذكروا هذه المسألة في أبواب العقيدة؛ لأن بعض أهل البدعة يمنعون المسح على الجوربين، فكأن من الأحكام عند أهل السنة المميزة لهم عن أحكام أهل البدع مسائل منها هذه.

وذكرنا: أن الخف ما يلبس في الرجل من جلد رقيق، والجورب ما كان على شكل الخف من كتان أو قطن، أو غير ذلك، والفرق بين الجورب وبين الخف أن الخف يكون عادة مصنوعًا من جلد، وأما الجورب فلا يكون من الجلد، بل من الصوف والكتان والقطن، ونحو ذلك.

وذكرنا: أنه لم يصح عن النبي ﷺ شيء في المسح على الجوربين، وأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف عند عامة المحدثين.

جواز المسح على الجوربين

00:04:20

فإذن، المسح على الخفين متواتر، لكن المسح على الجوربين ما ثبت في السنة، ولكن يدل على جوازه أمران:

الأول: ورود ذلك عن الصحابة -رضوان الله عليهم-، فقد روي المسح على الجوربين عن ثلاثة عشر من أصحاب النبي ﷺ، ولم يظهر لهم مخالف في عصرهم، فمثل هذا يكون من أنواع الإجماع.

ثانيًا: القياس، فلا فرق بين الخف والجورب من حيث المعنى، يعني إذا كان الشريعة تيسر على المسلمين في المسح على الخفين المصنوعين من جلد؛ فلأن تيسر عليهم في المسح على الجوربين المصنوعين من غير الجلد داخل في هذا المعنى أيضًا، فإنه لا معنى لأن تسمح لأجل المادة المصنوعة، وتمنع لأجل المادة المصنوعة، فإذا سمحت بالمسح على الخفين المصنوعين من جلد فلأن تسمح بالمسح على الجوربين المصنوعين من القماش يدخل في المعنى أيضًا.

وعامة من أجاز المسح على الجوربين من العلماء اشترط للمسح عليهما أن يكونا سميكين، يعني هنا يظهر فرق هذا، إذا انتقلنا إلى قضية السميك والشفاف يظهر عند العلماء فرق.

أما من جهة أصل المادة المصنوعة هو جلد هو صوف هو قطن فليس هناك فرق عندهم يجوز المسح عليها كلها.

أما قضية المسح على الجورب الرقيق والشفاف أكثر العلماء يمنعه، بل نقل بعضهم الإجماع على ذلك كالكاساني من الأحناف وابن قطان، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية هذا والمباركفوري ومن المعاصرين الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- ومشايخ اللجنة الدائمة؛ لأن الجورب الشفاف ليس مثل الخف، ولا يقاس عليه، ومن المعلوم أن الجوارب التي كان يمسح عليها الصحابة -رضوان الله عليهم- كانت ثخينة؛ لأن الجوارب الشفافة لم تعرف إلا في العصور المتأخرة، ولذلك قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "إنما مسح القوم على الجوربين أنه كان عندهم بمنزلة الخف" [المغني، لابن قدامة: 1/ 182].

وبعضهم يقول : إذا كان يسمى جوربا يجوز المسح عليه، يعني لو واحد وضع في رجله كيس نايلون هل يمسح عليه؟

لا.

لماذا؟

لأنه لا يسمى جوربًا عرفًا ولا لغة.

حكم المسح على غير الخفين والجوربين

00:07:17

وتحدثنا عما يلبس في الرجل من غير الخفين والجوربين، الآن يمكن أن تلبس في الرجل الأحذية مثلًا، فما حكم المسح عليها غير الخفين والجوربين؟ ما حكم المسح عليها؟

فما يلبس في الرجل ما يلبس على القدم من غير الخفين والجوربين له حالان:

الحالة الأولى: أن يكون ساترًا للقدمين مع الكعبين كبعض أنواع الأحذية والجزم فإنها تكون طويلة وبعضها لها رقبة فلا تغطي الكعبين فقط، بل ما فوق الكعبين.

ما حكم المسح على هذا النوع من الأحذية المغطية للقدمين والكعبين؟

جائز، صحيح، فإذا جوزنا المسح على ما هو مصنوع من قماش أخف من الجلد فلأن نجوز ما هو مصنوع من الجلد السميك من باب أولى.

فإذن، لو واحد لبس حذاء ساترًا للقدمين على طهارة، حتى لو ما معه جوارب، ما حكم المسح عليهما؟

صحيح، مجزئ، حكمه حكم الخف.

الحالة الثانية : أن لا تكون ساترة لكامل القدمين مع الكعبين كما هو حال النعال الآن والصنادل هذه، وبعض الأحذية، فما حكم المسح عليها؟

الجواب: لا يصح؛ لأنها لا تشبه الخف في ستر كامل القدم، لكن إذا لبس تحتها جوربين ولبس فوق الجوربين هذه النعال أو هذه الصنادل فصار النعال والصنادل مع الجوربين تستر كل القدمين، ليست الصنادل بمفردها ولا هذه الأحذية التي لا تغطي كل القدم ليست وحدها تستر صار مع الجوربين تستر فما حكم المسح على المجموع؟

الجواب: يصح ذلك، والحكم يكون متعلقًا بهما معًا، ويصيران كالشيء الواحد.

وذكرنا: أن المسح على الخفين ليس لازمًا، وإنما هو رخصة من شاء فعلها ومن شاء غسل رجليه، فلو واحد قال: إذا أنا لبست الجوربين أو الخفين على طهارة لازم أمسح عليها؟

فنقول: لا يلزم، فإن شئت أن تخلع اخلع، وإن شئت أن تمسح امسح.

لكن النقاش عند العلماء حصل في مسألة هل الأفضل المسح أو الغسل؟

الآن هو قد لبس الخفين أو الجوربين على طهارة، جاء وقت الصلاة وهو محدث يريد أن يتوضأ هل الأفضل الخلع والنزع لأجل غسل القدمين؟ أو الأفضل الأخذ بالرخصة والمسح؟ لأن بعض الناس يقول: أنا أريد الأجر الأكثر، أنا حريص على الأجر الأكثر.

الجواب: أن هناك خلافًا بين أهل العلم في الأفضل، فمنهم من قال: الغسل أفضل من المسح، وهو قول جمهور أهل العلم، قالوا: لأن الغسل هو الأصل، ولأن الله ذكره في كتابه.

وقيل: بل المسح أفضل؛ لأنه أيسر، ولأنه أخذ بالرخصة، ولأن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، ولأنه فيه مخالفة لأهل البدع الذين ينكرون المسح كالخوارج والروافض.

ومن العلماء من اختار قولًا بين القولين، فما هو هذا القول؟ ما هو القول الثالث؟

الأفضل بحسب حال الإنسان، فلا يتكلف ضد حاله، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وتلميذه ابن القيم، فقالوا: إن كان لابسًا فالأفضل أن يمسح عليهما، وإن كانت القدمان مكشوفتين فالأفضل أن يغسلهما، يعني لا يتكلف ضد حاله.

أنت الآن تسأل عن الأفضل ما هو حالك الآن؟ هل القدمان مكشوفتان؟

إذن، الأفضل أن تغسل، هل القدمان مستورتان على طهارة؟ فالأفضل أن تمسح، وأن النبي ﷺ كان يغسل قدميه إذا كانتا مكشوفتين ويمسح إذا كان لابسًا للخفين.

تحدثنا عن مدة المسح على الخفين، وأن المسح عليهما رخصة مؤقتة وليست دائمة؛ لأن بعض الناس يظن أنه إذا لبس على طهارة يمسح إلى ما شاء الله، وهذا موجود عند بعض الناس، ربما لجهل ما يدري أن لهما مدة، يمسح ويستمر إلى أن يريد الغسل أو يتسخ، لكن الصحيح أن للمسح مدة، وأنه ليس مفتوحًا، وأن هذه رخصة مؤقتة وليست دائمة، فيحق لمن لبس الخفين والجوربين بالشروط الشرعية أن يمسح عليهما يومًا وليلة إن كان مقيمًا، وثلاثة أيام بلياليها إن كان مسافرًا؛ لحديث : جعل رسول الله ﷺ ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويومًا وليلة للمقيم.

وعرفنا: أن وقت المسح حسابه، يعني اليوم والليلة هذه للمقيم متى تبدأ؟

تبدأ من أول مسح بعد الحدث، فلو توضأ لصلاة الفجر ولبس الخفين ثم أحدث في التاسعة صباحًا مثلًا ولم يتوضأ، ثم توضأ في الساعة الثانية عشرة متى تبدأ المدة؟ توضأ وغسل قدميه الفجر ولبس الجوربين وصلى الفجر أحدث في التاسعة صباحًا أو نام، قام من النوم على العمل أو الدراسة، حضر وقت الظهر الساعة الثانية عشر ظهرًا، توضأ ومسح، متى تبدأ الأربع وعشرين ساعة للمقيم؟

من هذا المسح أول مسح بعد الحدث، ولذلك لو واحد قال: هل يمكن أن يصلي أكثر من خمس صلوات بخفيه؟

نعم، ممكن، لأن بعض الناس قد يحتفظ بوضوئه مدة، قد يتوضأ مثلًا الظهر ويغسل قدميه ويلبس الجوربين ويصلي الظهر ثم يصلي العصر ثم يصلي المغرب ثم يصلي العشاء ما انتقض وضوؤه وينام ثاني يوم يقوم فيمسح أول مرة لصلاة الفجر الساعة الخامسة خلاص إلى الساعة الخامسة ثاني يوم وهو يمسح، وكذلك يمكن أن يبدأ المسح في آخر وقت الصلاة ويستمر وتستمر معه المدة إلى أول وقت الصلاة السادسة ويمسح.

تكلمنا عن مسألة إذا انتهت مدة المسح ماذا يفعل؟

إذا انتهت المدة وهو محدث وأراد الصلاة يلزمه نزع الخفين والجوربين والوضوء وضوءًا كاملًا بغسل الرجلين ثم يلبس ويبدأ مدة جديدة.

ولو انتهت مدة المسح وهو على طهارة وأراد أن يصلي فهل يصلي بهذه الطهارة أم لا؟

في المسألة ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الطهارة تبطل ويلزمه أن يتوضأ وضوءًا جديدًا فيه غسل القدمين.

ثانيًا: المقابل أن الطهارة لا تبطل وله أن يصلي بهذه الطهارة الآن بدون أي إجراء خلاص الطهارة باقية، فلماذا نلزمه بأي شيء آخر؟

القول الثالث: غسل القدمين فقط.

فمن العلماء إذن من قال إذا انتهت مدة المسح وهو على طهارة يلزمه غسل رجليه فقط؛ لأن المسح كان قائمًا مقام غسل الرجلين، فإذا انتهت مدة المسح فإن الحدث قد سرى إلى رجليه فيلزمه غسلهما لرفع الحدث عنهما، وهذا مذهب الحنفية والشافعية.

تبطل الطهارة ويلزمه استئناف الوضوء من جديد، هذا مذهب الحنابلة، قالوا : لأن الحدث قد سرى إلى رجليه بعد انتهاء مدة المسح، وبما أن الموالاة واجبة في الوضوء فلا ينفعه أن يغسل رجليه فقط كما قال الحنفية والشافعية، بل لابد أن يستأنف من جديد.

القول الثالث: أنه إذا انتهت مدة المسح وهو على طهارته فلا يلزمه أي شيء ويبقى على طهارته ويصلي، لكن ليس له أن يمسح مجددًا إلا بعد خلعه وغسله، هذا مذهب ابن حزم -رحمه الله- واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وعدد من العلماء المعاصرين.

وحجة هذا القول قوية، قالوا: إن الأصل بقاء الطهارة وعدم انتقاضها إلا بناقض فأين الناقض؟ انتهت مدة المسح ولا زال على طهارته السابقة فأين الناقض؟ وأنه ليس في الشريعة انتقاض الطهارة بانتهاء المدة فبناء على ذلك فإن انقضاء المدة لا يوجب بطلان الصلاة، انقضاء المدة لا يوجب بطلان الصلاة، فإن انقضاء المدة لا يوجب بطلان الطهارة فإذا انقضت المدة وهو على طهارة جاز له الصلاة بهذه الطهارة حتى يحدث ناقض آخر خروج ريح، نوم مستغرق، أي ناقض آخر.

ولعل هذا هو الراجح إن شاء الله أن من انتهت مدة مسحه وهو على طهارته أن له أن يصلي بلا إيجاب شيء عليه.

تكلمنا في مسألة إذا مسح وهو مقيم ثم سافر هل يكمل مدة المقيم أربعة وعشرين ساعة أو يكمل مدة المسافر اثنين وسبعين ساعة؟

افرض أنه مسح في الحضر عشر ساعات ثم سافر يكمل اثنين وستين ساعة وإلا يكمل أربعة وعشرين؟ هل يكمل باعتبار ما بدأ عليه، أو يكمل باعتبار ما صار إليه؟ مثل هذه المسائل التي يتبين لك فيها لماذا تتفاوت أنظار العلماء؟ ولماذا تكون عندهم الأقوال في المسألة الواحدة؟

لأن كل منهم يذهب في فكره إلى مذهب زاوية ينظر لها من زاوية معينة ويرجحها، فإذا قلنا: إنه يمسح بناء على ما بدأ عليه، فسنقول للمقيم: لو سافر أثناء المدة حدك، أربعة وعشرين ساعة تكمل أربعة وعشرين، وإذا قلنا: العبرة بما صار إليه وبالحال الجديد التي دخل فيها، فسنقول : أكمل إلى اثنين وسبعين ساعة أكمل، فإذا مسحت عشرًا في الحضر بقي اثنين وستين ساعة.

فإذن، إذا لبس الخف وهو مقيم ثم سافر فإنه يمسح مسح مسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وإنما الخلاف وقع فيما لو ابتدأ المسح وهو مقيم، ما هو الفرق بين المسألتين؟

إذا لبس وهو مقيم لبس على طهارة وهو مقيم، لكن ما مسح، توضأ وغسل القدمين ولبس الجوربين وهو مقيم وصلى وسافر، فلا خلاف بين العلماء أنه يتم مدة مسافر؛ لأنه ما بدأ المسح في الإقامة، لكن أين وقع الخلاف؟ لو بدأ المسح في الحضر، لو ما بدأ المسح في الحضر ما في خلاف، حتى لو غسل القدمين ولبس الخفين في الحضر وسافر، لا إشكال عندهم أنه يتم مدة مسافر، لكن الخلاف حصل فيما لو بدأ المسح في الحضر بدأت المدة الأربع وعشرين ساعة هذه للمقيم بدأت مسح وسافر، فهل يكمل مدة المقيم؟

لأنه ابتدأ المسح حال كونه مقيمًا أم يكمل مدة المسافر باعتبار حالته التي آل إليها.

الجمهور يقولون: يكمل مدة مقيم فقط، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.

أما مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد أنه يكمل مدة مسافر، ورجحه من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-.

نأخذ العكس، بدأ المسح وهو مسافر ثم وصل إلى مكان الإقامة، بدأ المسح وهو مسافر ثم وصل إلى مكان الإقامة ماذا نقول؟

إذا تجاوز مسح مقيم ما عاد يمسح إذا وصل إلى مكان الإقامة.

وأما إذا لم يستوف يومًا وليلة في السفر، مسح في السفر لكن ما استوفى أربعة وعشرين ساعة فإنه يكمل ذلك إذا وصل إلى الحضر يكمل مدة مقيم فقط.

وإذا تجاوز مدة مقيم في السفر، يعني مسح في السفر يومين ووصل إلى مكان الإقامة، فنقول: انتهت المدة، الآن يجب عليك أن تخلع وتغسل لطهارتك القادمة، هذا عند جمهور أهل العلم.

وذكرنا: أن شروط المسح على الخفين أن يكون قد سبق لبسهما على طهارة، فلو لبسهما على غير طهارة لم يصح المسح عليهما بلا خلاف.

بعض الأخطاء المتعلقة بالمسح على الخفين

00:25:57

الذي يتصدى للإجابة عن أسئلة عامة الناس سيجد عندهم أخطاء فقهية أو اعتقادات فقهية خاطئة، فمن الاعتقادات الفقهية الخاطئة عند العامة في هذا الموضوع:

أولًا: أن عند بعضهم، أنه يمسح إلى ما شاء الله بدون مدة.

ثانياً : أنه يلبس على غير طهارة ويمسح، وقت ما يريد أن يمسح يلبس ويتوضأ ويمسح، فما يراعي أن اللبس على طهارة، هذا مما نجده من الأسئلة مما نجده من أسئلة بعض العامة أحيانًا يعني تكون ربما امرأة كبيرة في السن وشخص ما تعلم الفقه، لكن يعرف أن من رخص الشريعة المسح على الخفين والجوربين فبعضهم يلبس على غير طهارة ويمسح، وبعضهم المدة عنده مفتوحة.

من شروط المسح على الخفين، قلنا: أن يكون قد سبق لبسهما على طهارة فإن لبسهما على غير طهارة لم يمسح عليهما بلا خلاف.

أين وقع الخلاف بين العلماء؟

في اشتراط كمال الطهارة، بمعنى إذا توضأ فغسل رجله اليمنى ثم لبس الخف الأيمن ثم غسل رجله اليسرى ولبس الخف الأيسر فهل له المسح على الخفين؟

من قال يشترط كمال الطهارة ماذا يجيب في هذه الحالة؟ لا يجيز له المسح على اليمنى.

نعيد : توضأ، بعد مسح الرأس والأذنين غسل الرجل اليمنى ولبس الجورب الأيمن، ثم غسل الرجل اليسرى ولبس الجورب الأيسر، الذين يقولون باشتراط كمال الطهارة للبسهما لن يجيزوا له المسح على الجورب الأيمن؛ لأن الجورب الأيمن هو الذي لبس في هذه الحالة على غير كمال الطهارة، لكن الجورب الأيسر لبس بشكل صحيح عندهم بعد تمام الطهارة، فإذا أراد أن يصحح الوضع في هذه الحالة، واحد ونبهه مثلًا بعد انتهاء الوضوء واللبس، فكل ما عليه في هذه الحالة أن يخلع الجورب الأيمن ثم يعيد لبسه مرة أخرى، لماذا؟

ليكون ملبوسًا على طهارة كاملة.

بعضهم يقول : هذا شيء شكلي؟

نقول: لا، ما هو شكلي عند هؤلاء، ما هو شكلي؛ لأن الشرط عندهم أن تلبسهما على طهارة كاملة، يعني ما تلبس الجوارب إلا بعد انتهاء الطهارة كاملة، فأنت لبست الجورب الأيسر بشكل صحيح على طهارة كاملة بعد ما انتهى الوضوء، لكن الأيمن لبسته قبل انتهاء الطهارة الكاملة؛ لأن الرجل اليسرى لم تغسل بعد فانزعه ثم البسه حتى تكون قد لبسته على طهارة كاملة وتنتهي القضية، هذا فيمن يشترط ماذا؟

اللبس على طهارة كاملة.

وذكرنا: أن مذهب جمهور العلماء أن الطهارة المشترطة لجواز المسح على الخفين هي طهارة الماء، بمعنى أن يجب أن يكون قد توضأ واغتسل قبل أن يلبسهما.

أما إذا تطهر بالتيمم، وهذه مسألة حصلت في هذا الشتاء أن بعضهم في البر، أو في مكان لا يوجد فيه ماء، تيمم ثم لبس الجوربين بعد التيمم وصلى، ولما وجد الماء بعد ذلك قال : أريد المسح، لماذا؟

قال: أنا لبست الجوربين على طهارة، أليس التيمم طهارة؟ أنا لبست على طهارة، فالذين يوجبون من العلماء الطهارة المائية للبس الجوربين أو الخفين، يقولون : لا بد أن يكون على طهارة مائية فلا يجيزون له المسح؛ لأنه لبس على طهارة تراب، طهارة ترابية، وليس على طهارة مائية، فيقولون: ما يجوز لك أن تمسح، لابد أن تكون الطهارة التي لبست عليها الجوربين طهارة مائية، أما إذا تطهر بالتيمم لعدم وجود الماء عند تيممه أو لعدم القدرة على استعمال الماء ثم أراد أن يتوضأ ويمسح الخفين فلا يصح له ذلك عندهم لأن طهارة التيمم لا تتعلق بالرجل إنما هي في الوجه والكفين فقط، يعني فهموا من حديث: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين  حديث المغيرة أن النبي ﷺ قال له: "فأهويت لأنزع خفيه" فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين  يعني مغسولتين.

والتيمم ليس فيه غسل القدمين؛ لأن موضعه الوجه والكف الوجه والكفان.

هذا ملخص ما تقدم في هذا الباب وهو المسح على الخفين.

المسح على الخفين خاص بالحدث الأصغر

00:32:24

قال المصنف -رحمه الله- يكمل مسائل هذا الباب: "ولا يمسحهما إلا في الحدث الأصغر، عن أنس مرفوعًا: "إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما وليصل فيهما ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة" [رواه الحاكم: 643 وصححه].

وهذه من المسائل المتفق عليها بين العلماء أن المسح على الخفين لا يكون إلا في الحدث الأصغر، أما الجنب والحائض والنفساء فيلزمهم خلع الخف والجورب عند الاغتسال ولا يجزئهم المسح عليه.

إذن، لما نتكلم الآن على قضية المسح فنحن في مجال الحدث الأصغر، واحد يريد أن يرفع الحدث الأصغر فيمسح بالشروط، لكن لو واحد عليه غسل جنابة هل له أن يمسح على الجوربين؟

لا، يعني لو واحد لبس الجوربين على طهارة، ثم أصابته جنابة هل له أن يغتسل ويمسح على الجوربين؟ يعني لو فرضنا مثلًا ربط الجوربين بأكياس نايلون أو رفع قدميه عند الغسل رفعهما مثلًا اغتسل جالسًا ورفع قدميه أو إذا كان لابس الخف خف من جلد، يعني مربوط بإحكام هل له أن يغسل جسده ويمسح على خفيه؟

لا، لا يجوز المسح على الجوربين والخفين في الحدث الأكبر إنما هو في الحدث الأصغر فقط، قال الإمام النووي -رحمه الله-: "لا يجزئ المسح على الخف في غسل الجنابة نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب وغيرهم ولا أعلم فيه خلافاً لأحد من العلماء، وكذا لا يجزئ مسح الخف في غسل الحيض والنفاس والولادة ولا في الأغسال المسنونة كغسل الجمعة والعيد وأغسال الحج وغيرها" [المجموع: 1/481].

فالأغسال المسنونة، لو واحد قال : هل يعتبر لي أجر غسل الجمعة؟ إذا كنت لابس الخفين واغتسلت ومسحت عليهما؟

فنقول: لا يعتبر لك أجر غسل الجمعة ولو الأغسال المسنونة، لا تعتبر بمسح، ولابد من غسل كامل للبدن بما فيه القدمين، قال ابن قدامة -رحمه الله- في مسألة الحدث الأصغر وعلاقته بالمسح: "فإن جواز المسح مختص به، ولا يجزئ المسح في جنابة، ولا غسل واجب ولا مستحب، لا نعلم في هذا خلافًا...؛ لأن وجوب الغسل يندر فلا يشق إيجاب غسل القدم بخلاف الطهارة الصغرى" [المغني: 1/ 175].

فما هي العلة التي ذكرها -رحمه الله-؟

قال: إنه ليس هناك مشقة كالطهارة الصغرى؛ لأن الطهارة الصغرى، يعني الحدث الأصغر يتكرر كثيرًا، لكن الحدث الأكبر أقل بكثير من الحدث الأصغر.

وبناء عليه فهو إذا أراد أن يغسل الجسم كله لن يشق عليه هذا مثل مشقة إزالة الحدث الأصغر، ويدل على هذا حديث صفوان بن عسال قال: "كان رسول الله ﷺ يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم" [رواه الترمذي: 96، وقال: "هذا حديث حسن صحيح"].

قال الخطابي -رحمه الله- معلقًا على الحديث استدركه بلكن لأن الحديث ماذا فيه؟ كان رسول الله ﷺ يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم [رواه الترمذي: 96] قال الخطابي: "استدركه ب "لكن" ليعلم أن الرخصة إنما جاءت في هذا النوع من الأحداث دون الجنابة" فما هي أنواع الأحداث التي يمسح فيها؟ الأحداث الصغرى مثل نوم، غائط، بول، ريح طبعًا وهكذا، قال: "فإن المسافر الماسح على خفه إذا أجنب كان عليه نزع الخف وغسل الرجل مع سائر البدن" [معالم السنن: 1/ 62].

ولحديث أنس أيضًا الذي ذكره المصنف -رحمه الله- أن رسول الله ﷺ قال:  إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليصل فيهما وليمسح عليهما ثم لا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة  [رواه الدار قطني: 781، والحاكم في المستدرك: 643، وصححه، وقال ابن عبد الهادي -رحمه الله- في "التنقيح": "إسناده قوي"، ومن المعاصرين صححه الألباني أيضًا].

بهذا يكون المصنف -رحمه الله- قد ذكر شرطين للمسح على الخفين:

أولًا: أن يلبسهما على طهارة.

ثانيًا: أن لا يمسح عليهما إلا في الحدث الأصغر.

هل هناك شروط أخرى للمسح على الخفين والجوربين؟

نعم، هنالك شروط أخرى لم يذكرها المصنف -رحمه الله-؛ لأن قصده الاختصار، ومن قصده الاختصار يذكر أهم المسائل وعيون المسائل، ولا يستقصي يذكر كل المسائل؛ لأن هذا موضعه في المطولات، فهذا عذر المصنف -رحمه الله-، فمن الشروط:

ثالثاً : أن يكون الخف طاهرًا، فلا يجوز المسح على خف مصنوع من نجس ولا جورب نجس، قال النووي -رحمه الله-: "لا يصح المسح على خف من جلد كلب أو خنزير أو جلد ميتة لم يدبغ، وهذا لا خلاف فيه" [المجموع: 1/510].

إذن، نقول : الآن خصوصًا في عصرنا الذي كثرت فيه المصنوعات، وتنوعت المصنوعات الجلدية، والشركات الأجنبية لا تبالي من أي مادة صنعت؛ لأنه لا دين لهم، أو دينهم باطل، وهمهم الربح، ويبحثون عن الأرخص، ولا يبالون هو جلد خنزير، هو جلد كلب، هو جلد ما أكل لحمه، أو ما لم يؤكل، وفيه أشياء مصنوعة من جلد الثعابين وجلود الثعالب أليس كذلك؟ أشياء كثيرة فهنا لا بد من تمييز المادة المصنوعة من جهة طهارتها، فالنووي -رحمه الله- ضرب مثلًا قال: إذا كان الممسوح عليه مصنوع من جلد كلب، أو خنزير، أو جلد ميتة لم تدبغ؛ لأنها إذا دبغت فدباغتها طهارة أو جلد ميتة لم تدبغ لا يجوز المسح عليها قال: بلا خلاف.

هنالك خف مصنوع من مادة نجسة، وهنالك خف تنجس، يعني جاء عليه بول، وطئ بالجوربين على بول طفل أكل الطعام، ثم حضر وقت الصلاة يمسح، يقول: أنا لبسته على طهارة ما تجاوزت المدة وفي الحدث الأصغر، نقول : لكن الممسوح عليه متنجس.

فما حكم المسح حينئذ؟

هنا يظهر الفرق بين ما إذا كان الخف مصنوعاً من نجس أو تنجس، فإنه إذا كان مصنوعًا من نجس فلا يصح المسح عليه، لكن إذا كان مصنوعًا من طاهر وتنجس ومسح عليه، فهل إذا غسل النجاسة بعد المسح تنتهي المشكلة أم لا؟ واحد وهو يتوضأ، بعد ما غسل اليد اليمنى إلى المرفق، أصابتها نجاسة وأكمل، وبعد ما أكمل غسل النجاسة، هل يصح وضوؤه؟

اختلف العلماء.

قال المرداوي -رحمه الله- في "الإنصاف": "وأما إذا كان الخف متنجسًا فالأفضل أن يزيل النجاسة ثم يمسح عليه فإن مسح عليه مع وجود النجاسة صحت طهارته، ولكن لا يصلي حتى يزيل النجاسة عن الخف"  كما هو مذهب الحنفية والحنابلة.

إذن، إذا مسح على خف متنجس يصح المسح ولكن لا تصح الصلاة، فكل ما يجب عليه الآن أن يغسل النجاسة لتصح صلاته، فهو إذن، صحح المسح مع وجود نجاسة لكن قال: الأفضل أن يزيله قبل المسح، وجوز غسل النجاسة بعد المسح.

مثل نجاسة الثوب، واحد توضأ وثوبه نجس فوضوؤه صحيح، لكن ما يجوز له أن يصلي حتى يغسل النجاسة التي على ثوبه ولو بعد الوضوء، يعني لو واحد توضأ وطرف ثوبه نجس تصح طهارته، يصح وضوؤه، لكن هل يصح أن يصلي؟

لا، فلابد أن يغسل النجاسة عن الثوب قبل أن يصلي ولو غسلها بعد الوضوء.

الشاهد: عدم اشتراط طهارة الثوب لصحة الوضوء، ولو كان الثوب نجسًا لكن ما تصح الصلاة.

رابعًا: أن يكون الخف ساترًا للقدم مع الكعبين، فلا يجوز المسح على خف غير ساتر للكعبين مع القدم، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة قياسًا على الوضوء، ولأن ما ظهر فرضه الغسل، وما ستر فرضه المسح، ولا يمكن أن يجمع بين البدل والمبدل منه في عضو واحد، فإما أن يكون فرض العضو الذي هو القدم في هذه الحالة فرض العضو الغسل أو فرضه المسح، فإذا كان مستورًا سترًا كاملًا فرضه المسح وإذا كان مكشوفًا كشفًا كاملًا فرضه الغسل، وإذا كان بعضه مكشوف وبعضه مستور فلا يصح الجمع بين البدل والمبدل منه في عضو واحد، فلا يصح أن يقول: أغسل المكشوف وأمسح المستور، وبناء عليه من كان يلبس أنكل يعني جوربًا طبيًا مفتوحًا من جهة الأصابع، والعقب من الخلف مفتوح زاوية، هذا لا يجوز له الجمع بين الغسل والمسح، اللهم إلا إذا كانت جبيرة لا يمكن فكها، يتضرر بفكها، فهذا الذي يغسل ما ظهر من العضو ويمسح الباقي اضطرارًا، لكن اختيارًا؟ يعني واحد لبس مشد، وإلا النوع هذا من أنواع الجوارب التي يظهر منها بعض القدم والجزء الآخر مستور، وهو يستطيع أن يخلعه فلا يجوز له المسح والغسل، ويقول: أغسل المكشوف، وأمسح المستور، لا يجوز له ذلك، إما أن تمسح إذا كانتا مكشوفتين، وإما أن تمسح إذا كانتا مستورتين، وإما أن تغسل إذا كانتا مكشوفتين، قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "وإذا وارى الخف من جميع جوانبه موضع الوضوء، وهو أن يواري الكعبين فلا يريان منه، كان لمن له المسح على الخفين أن يمسح هذين؛ لأنهما خفان، وإن كان الكعبان أو ما يحاذيهما من مقدم الساق أو مؤخرها يرى من الخف لقصره أو لشق فيه أو يرى منه شيء ما كان لم يكن لمن لبسه أن يمسح عليه" [الأم، للشافعي: 1/ 49].

هذا معناه أن الشافعي -رحمه الله- لا يجيز المسح على الخف المخروق أو الجورب الشفاف الذي يرى منه لون البشرة.

ولا يجيز المسح على ما ظهر منه الأصابع أو العقب أو الكعب كما هو واضح من كلامه -رحمه الله-، قال ابن قدامة: "إنما يجوز المسح على الخف ونحوه إذا كان ساترًا لمحل الفرض فإن ظهر من محل الفرض شيء لم يجز المسح" [المغني: 1/ 182].

خامسًا من الشروط: إمكان متابعة المشي عليه المشي المعتاد عرفًا.

 طبعًا فيه شروط متفق عليها وشروط مختلف فيها حتى ننبه فقط إلى أن بعض الشروط ليس متفقًا عليها، لكن يذكرها بعض العلماء لأنها عندهم مشترطة فيشترط لجواز المسح على الخف والجورب أن يكون مما يمكن متابعة المشي عليه عند المذاهب الأربعة، قال النووي: "أن يكون قويًا بحيث يمكن متابعة المشي عليه بقدر ما يحتاج إليه المسافر في حوائجه عند الحط والترحال" [روضة الطالبين: 1/ 126].

وقال أحمد في المسح على الجوربين: "إذا كان يمشي عليهما ويثبتان في رجليه، فلا بأس"[المغني: 1/ 181].

وقال في "عمدة الفقه": "لأن المشي فيه عادة هو مظنة الحاجة إلى لبسه" [شرح العمدة، لابن تيمية، ص: 251].

وقال أيضًا في "شرح عمدة الفقه": وأما ما لا يمكن متابعة المشي فيه إما لضيقه أو ثقله أو تكسره بالمشي أو تعذره كرقيق الخرق أو اللبود لم يجز مسحه لأنه ليس بمنصوص ولا في معنى المنصوص" [شرح العمدة، ص: 253].

أما اشتراط مسافة معينة للمشي بدون أن يتلف، فهذا لا دليل عليه، موجود عند بعض المذاهب كالأحناف يقولون : لابد أن يكون قابلًا للمشي عليه كذا مسافة حتى يجوز أن تمسح، فهذا لا دليل عليه في الكتاب والسنة، لكن المهم أن يكون ملبوسًا ساترًا مستقرًا على القدم، يسمى خفًا أو جوربًا ساترًا مستقرًا على القدم، أما اشتراط مشي مسافة معينة فلا.

وكذلك مسألة الخف أو الجورب المخرق العلماء لهم فيها كلام، فذكر بعض الفقهاء من الشروط : أن يكون سليمًا من الخروق والثقوب، وأنه لا يجوز المسح على خف به خرق مهما صغر لأنه لا يكون ساترًا لجميع القدم حينئذ، وبالتالي يكون بعضه يجب غسله، وبعضه يجب مسحه فلا، أو بعضه يغسل وبعضه يمسح فلا، فعند الشافعية والحنابلة أنه لا يصح المسح على المخرق، ومن العلماء من يرى جواز المسح على الخف الذي به خرق يسير دفعًا للحرج عن المكلفين؛ لأن الخفاف لا تخلو من الخروق في العادة، وهذا مذهب الحنفية والمالكية، ولعل هذا هو الراجح -إن شاء الله- أن الثقب اليسير لا يضر، واشتراط خفاف سليمة دائمًا فيه حرج على الناس، وخصوصًا الذين يسافرون في الخفاف هذه غزوة ذات الرقاع، لم سميت بذلك؟

فقال: هؤلاء إن النبي ﷺ رخص في المسح على الخفين ولم يشترط كونهما سليمين من الخروق أو الفتوق، ولا سيما أن خفاف الصحابة وكان كثيرًا منهم فقيرًا لم تكن سالمة من الفتوق والشقوق ولو كان هذا مؤثرًا لبينه النبي ﷺ، وهذا مذهب سفيان الثوري وإسحاق وابن المبارك وأبي ثور، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، قال سفيان الثوري -رحمه الله-: "وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة"[مصنف عبد الرزاق الصنعاني: 1/ 194].

وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فلما أطلق الرسول ﷺ الأمر بالمسح على الخفاف مع علمه بما هي عليه في العادة" وهو ينظر يعرف خفاف أصحابه وحالتهم المادية يراها ويعرف ذلك، قال: "ولم يشترط أن تكون سليمة من العيوب وجب حمل أمره على الإطلاق، ولم يجز أن يقيد كلامه إلا بدليل شرعي، وكان مقتضى لفظه: أن كل خف يلبسه الناس، ويمشون فيه؛ فلهم أن يمسحوا عليه، وإن كان مفتوقًا أو مخروقًا من غير تحديد لمقدار ذلك، فإن التحديد لابد له من دليل" [مجموع الفتاوى: 21/ 174].

أخيرًا: في باب الشروط، اشترط الحنابلة أن يكون الخف الممسوح عليه مباحًا، فلا يصح المسح على خف مغصوب أو مسروق، أو جورب مصنوع من حرير، يعني طبيعي للرجال ولا على خف يلبسه رجل محرم؛ لأن المحرم من الرجال لا يجوز له أن يلبس الجورب، قالوا: لأن المسح رخصة، والرخصة لا تستباح بالمعاصي، هذا رأي الحنابلة، قالوا : إذا كان غير مباح ما يجوز المسح عليه، ولو استوفى كل الشروط السابقة.

أما الجمهور فذهبوا إلى صحة المسح لانفكاك الجهة، قالوا : يصح المسح مع إثمه، وأن عليه إثم الغصب وإثم السرقة، ونحو ذلك، ولكن لا يبطل مسحه، لا نبطل مسحه، فالغصب له حكمه، والمسح له حكمه، هذا رأي الجمهور قالوا: الغصب له حكمه، والمسح له حكمه.

الحنابلة قالوا: لا، إذا كان سرقه وغصبه مثلًا فإنه لا يصح المسح عليه، ولا تجوز الصلاة بهذا المسح.

هذا لمعرفة أقوال العلماء في هذه المسألة.

نسأل الله أن يوفقنا للتفقه في دينه، وأن يعيننا على ذكره وشكره، وحسن عبادته.