السبت 13 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 14 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

صفة الوضوء - الدرس السابع


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد تحدثنا في الدرس الماضي عن صفة الوضوء، وتكلمنا عن حد الوجه عند الفقهاء، وأنه ما بين منابت الشعر أي شعر الرأس من الأعلى إلى منتهى اللحيين والذقن في أسفل الوجه طولًا، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا، إذن، أي مساحة بين الأذنين يجب غسلها بما فيها هذه المساحة المجاورة للأذن التي يغفل عن غسلها كثير من الناس عند الوضوء، ويجب غسل كل ما على الوجه من الشعر بأنواعه مثل الحواجب والرموش والشارب وظاهر اللحية، وفصّلنا في اللحية الخفيفة واللحية الكثيفة، وعرفنا أن التخليل سنة، وليس بواجب، وأن شعر اللحية النازل عن حد الوجه إلى الأسفل يجب غسل ظاهره؛ لأنه داخل في تعريف الوجه؛ لأن الوجه كل ما واجهك وهي حاصلة بهذا الشعر المسترسل، وذكرنا أن لأخذ الماء للوجه ثلاث هيئات، ثبتت كلها في السنة :

 أولها : أن يأخذ الماء بكلتا يديه جميعًا؛ لأنه أمكن وأسبغ.

الثانية : أن يأخذ الماء بيده اليمنى.

الثالثة : أن يغرف بكفه اليمنى ويضع ظهرها على بطن كفه اليسرى، فإذن، يأخذ الماء بالكف اليمنى ويضع ظهر اليمنى على بطن كفه اليسرى هذا أيضًا قد ثبت في السنة في طريقة أخذ الماء لغسل الوجه كلها صحيحة، والأمكن الأولى أخذ الماء بكلتا اليدين.

وتحدثنا عن غسل اليدين إلى المرفقين وأنه من فرائض الوضوء إجماعًا لقول الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ  [المائدة: 6]، وأن كلمة اليد تشمل الكف والساعد والذراع والعضد والمنكب، إلى المنكب، لكن الآية حددت المقدار من اليد الواجب غسله فقال الله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ لو ما قال : إلى المرافق، كان لابد نغسل إلى المنكب؛ لأن هذه كلها يد في اللغة، إلى المنكب، لو ما قال : إِلَى الْمَرَافِقِ لوجب الغسل إلى المنكب، لكنه حدد المقصود، حدد المقدار الذي يجب غسله من اليد، وهو من بداية اليد من رءوس الأصابع إلى المرفق هذا الذي يجب غسله في الوضوء، ذكرنا أن عامة العلماء على أن المرفق داخل في غسل اليد، وما معنى "إِلَى" في هذه الحالة؟ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة: 6]، إما أن تكون إلى بمعنى مع فيدخل المرفق فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ  [المائدة: 6]، يعني: مع المرافق، المعنى الثاني: أن تكون "إِلَى" للغاية في هذه الحالة سيأتي سؤال وهو: إذا قلنا إلى للغاية فهل المقصود أن نغسل اليد إلى المرفق بمعنى نتوقف عند المرفق ولا نغسل المرفق أو ماذا؟ قلنا: الجواب فيه تفصيل أن "إِلَى" إذا كان ما بعدها من نوع وجنس ما قبلها دخل معها في الحكم وإلا لم يدخل، فالآن المرفق من جنس اليد، إذن  فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ  [المائدة: 6] ما بعد إلى وهو المرافق بما أنه من جنس اليد فهو داخل معها في الحكم، فالقاعدة في اللغة كما ذكر سيبويه أن ما بعد إلى إذا كان من جنس ما قبلها دخل معها في الحكم، فلو قلت لك : بعتك هذه الأرض من هذا الرصيف إلى ذاك الرصيف، إذا كان الرصيف من جنس الأرض معناها أن ما بعد إلى داخل فيها معناها، أن مساحة الرصيف داخلة في البيع، لو حطينا سيارتين وقلت لك : أنا بعتك الأرض من عند السيارة هذه إلى عند السيارة هذه، السيارة ليست من جنس الأرض، فلذلك الأرض التي واقفة عليها السيارة لا تدخل، ولو قلت لشخص : بعتك هذه الأشجار من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة، إلى هذه الشجرة داخلة في البيعة؛ لأن ما بعد إلى من جنس ما قبلها، بعتك هذه الأشجار من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة، فهي داخلة في الحكم، وداخلة في البيع.

نبّهنا على مسألة يغفل عنها كثير من الناس في غسل اليدين وهي أنهم إذا بدءوا بغسل اليد بدءوا بالرسغ إلى المرفق ثلاث مرات، وأهملوا غسل الكف، وبعضهم يقول : غسلناه في البداية لكن هذا غير صحيح؛ لأن الله قال:  وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ  [المائدة: 6]، و تبدأ اليد من أطراف الأصابع إلى المرفق، فلابد من غسل هذا ثلاثًا، ولا يكفي الغسل الذي كان في البداية، الغسل الذي كان في البداية سنة وهذا فرض، ثانيًا : لابد من مراعاة الترتيب لأن الله فرض علينا غسل اليد بعد الوجه، غسل اليد كاملة من أول رءوس الأصابع إلى المرفق بعد الوجه، فما يصح تقول : غسلناها قبل، لأن الترتيب في الوضوء لابد منه، إذن، من توضأ وغسل من الرسغ إلى المرفق وضوءه لا يصح عند جمهور الفقهاء، والسنة أن يبدأ الغسل باليد اليمنى قبل اليسرى لحديث:  إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم  [رواه ابن ماجه: 402]. وقلنا : هذا الحديث رواه ابن ماجه وسنده جيد، وكذلك فعل النبي ﷺ يدل على غسل اليمين قبل الشمال، وذكرنا أن المتوضئ إذا كان مقطوع اليد - نسأل الله العافية - فإن كان من دون المرفق فإنه يغسل ما تبقى من يده، لأن العجز عن بعض الواجب لا يسقط فعل ما قدر عليه منه، يعني لو واحد -نسأل الله العافية- مقطوع الكف، ماذا يفعل؟ يغسل ما تبقى إلى المرفق، وإذا كان القطع من المرفق، غسل العظم الذي هو طرف العضد؛ لأن غسل العظمين المتلاقيين من الذراع والعضد واجب، فلو كان القطع من المرفق، بقي أن يغسل العظمين المتلاقيين من الذراع والعضد، فإذا زال أحدهما بالقطع بقي الآخر، لو كان القطع من فوق المرفق بحيث لم يبق من المرفق شيء فقد سقط الفرض لسقوط محله، وإذا كان له إذا خلق إصبع زائدة، وجب غسلها مع الأصلية، لأنها نابتة فيها، أشبهت الثؤلول، فلو فيه أي زوائد جلدية، لحمية خرجت للإنسان ستغسل مع اليد، ماذا إذا كان له يد صناعية؟ قلنا : إن هذه من النوازل، وفتاوى المجامع الفقهية المعاصرة على أن الأطراف الصناعية لا يشملها فرض الغسل، فلا تغسل، ولا تقوم مقام الأصل في الغسل.

مسألة : إذا كان في يده خاتم هل يجب تحريكه؟

الآن الله أمر بغسل اليد، ولابد نزيل كل ما يمنع وصول الماء إلى اليد، أو إلى أي جزء من أجزاء اليد، هناك ناس يلبسون خواتم وساعات، النساء يلبسن الأساور بطبيعة الحال، يجب غسل كل أجزاء اليد، لكن الخاتم هذا ما تحته شيء يسير وخلعه يصعب فهل له حكم خاص؟ الساعة ما يمكن يكون لها حكم خاص، لابد تزيل الساعة وتتوضأ، بعض النساء ربما يكون عندها سوار عريض لاصق بالمعصم، نقول : لابد من إزالته، أو تحريكه إلى الأسفل، إلى الأعلى، بحيث يغسل ما تحته، الآن السؤال في الخاتم هل يجب تحريكه لغسل ما تحته أم لا؟ نحن إذا جئنا للقاعدة، الأصل يجب؛ لأن ما تحته جزء من اليد التي أمر الله بغسلها، لكن هل له حكم خاص؟ مذهب جمهور العلماء أنه إذا تحقق وصول الماء إلى ما تحته استحب تحريكه، وصار ذلك بمنزلة التخليل، وإن لم يصل الماء إلى ما تحته إلا بخلعه أو تحريكه وجب ذلك، فمتى يكون التحريك مستحبًا؟ إذا تيقن وصول الماء إلى ما تحته، فالتحريك مستحب وليس بواجب، وقد يكون الخاتم فيه شيء من السعة فيتيقن وصول الماء، والماء كثير، فتيقن وصول الماء إلى ما تحته، فالتحريك مستحب عند الجمهور، لكن إذا كان لا يصل الماء إلى ما تحت الخاتم إلا بتحريكه وجب تحريكه، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، هذا كلام صاحب بدائع الصنائع من الجمهور، أما النووي الشافعي في المجموع يقول : " إذا كان في أصبعه خاتم فلم يصل الماء إلى ما تحته، وجب إيصال الماء إلى ما تحته بتحريكه أو خلعه، وإن تحقق وصول الماء استحب تحريكه" [المجموع]  قيل للإمام أحمد - رحمه الله - : من توضأ يحرّك خاتمه؟ قال: "إن كان ضيقًا فلابد أن يحركه وإن كان واسعًا يدخل فيه الماء أجزأه"، قال ابن قدامة - رحمه الله -: "وإذا شكّ في وصول الماء إلى ما تحته وجب تحريكه ليتيقن وصول الماء إليه؛ لأن الأصل عدم وصوله، فإذا شك وجب التحريك، وإذا تيقن استحبّ ولم يجب" [المغني لابن قدامة: 1/81].

ما هو دليل الوجوب؟ أن فرض اليد غسلها من رؤوس الأصابع إلى المرفق، وإذا بقي جزء من الإصبع لم يغسل لم يقم بفرض الوضوء في اليد، ما حصل القيام بالفرض، القيام ناقص، وإذا كان الشارع توعد على ترك شيء من العقب لم يمسه الماء فقال : في الحديث المتفق على صحته: ويل للأعقاب من النار  فهذا مثله، إذا كان على قدر شيء يسير توعد في القدم، كذلك اليد، أما غسل الأصابع في الوضوء فهو ثابت إجماعًا، فلا يسقط غسل شيء منها إلا بمثله من نص أو إجماع، ولا يوجد نص ولا إجماع على سقوط غسل ما تحت الخاتم، وعن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أن رسول الله ﷺ كان إذا توضأ حرّك خاتمه. رواه ابن ماجه، لو ثبت هذا الحديث لكان دليلًا يدعم به الحكم، لكن الحقيقة أن إسناد هذا الحديث ضعيف كما قال النووي وابن الملقن وابن رجب وابن حجر العسقلاني وغيرهم، قال ابن المنذر-رحمه الله-: "ممن روي عنه أنه حرك خاتمه عند الوضوء علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو-ذكر اثنين من الصحابة- ومحمد بن سيرين وعمرو بن دينار وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز والحسن" وهؤلاء كلهم من التابعين.[الأوسط]  ذكرنا قول الجمهور، فما هو القول الآخر؟ أنه لا يجب تحريك الخاتم سواء كان ضيقًا أو واسعًا، من بقي؟ بقي المالكية، ذكرنا بدائع الصنائع من الحنفية، ومجموع النووي من الشافعية، وكلام الإمام أحمد وابن قدامة من الحنابلة في المغني، بقي المالكية، قال ابن المنذر-رحمه الله-: "فممن رخص فيه مالك والأوزاعي، وقال خالد بن أبي بكر : رأيت سالم بن عبد الله -يعني ابن عمر- يتوضأ وخاتمه في يده فلا يحركه"[الأوسط] ما هي حجتهم؟ قالوا : الخاتم يستدام لبسه، ويشق نزعه، ومقدار ما تحته يسير، فيعفى عنه كما يعفى في خلع العمامة، وقد شرع المسح عليها، وكما شرع في المسح على الخفين وعفي عن نزعهما إذا لبس على طهارة الشروط الشرعية، فأجاب الجمهور : أنه لا يمسح إلا ما دل الدليل على مسحه، والدليل قد جاء بالمسح على الخفين، وجاء بالمسح على العمامة، لكن ما جاء بالمسح على الخاتم، وإذا كانت القدم سقط غسلها إلى بدل وهو المسح، فقد أسقطتم في الخاتم إلى غير بدل، ففي الخاتم أسقطتم إلى غير بدل، فأين الدليل على إسقاط غسل مكان الخاتم وما تحت الخاتم؟ وأنه لم يأت دليل بمسح الخاتم، إذن، قول الجمهور وحجتهم واضحة أنه يجب التحريك.

ثم قال المصنف الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله تعالى- في صفة الوضوء : "ويمسح رأسه من مقدم رأسه إلى قفاه بيديه، ثم يعيدهما إلى المحل الذي بدأ منه مرة واحدة" فهذا هو الفرض الثالث من فروض الوضوء، وهو مسح الرأس، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء لقوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ  والمسح هو إمرار الشيء على الشيء بسطًا، وهذا مما يعقد الكلمة أحيانًا، يعني أحيانًا يصير التعريف أصعب من الكلمة، فلو قلت للواحد : المسح، يعرف ما هو المسح، وإذا قلت له : وتعريف المسح إمرار الشيء على الشيء بسطًا، يقول : لا، الأول أسهل، دعنا على الكلمة؛ لأن التعريف المفترض أن يسهّل أو يبيّن الكلمة، لكن في النقاش العلمي تذكر التعريفات، لكن في مخاطبة العامة الوضع يختلف، فإذا كان التعريف يصعب على العامي فهم الكلمة، فربما لو بقيت على الكلمة الأصلية، يكون أسهل عليه، قال ابن العربي - رحمه الله -: "المسح عبارة عن إمرار اليد على الممسوح خاصة، وهو في الوضوء عبارة عن إيصال الماء إلى الآلة الممسوح عليها، والغسل عبارة عن إيصال الماء إلى المغسول، وهذا معلوم من ضرورة اللغة" [أحكام القرآن لابن العربي: 2/59]. هل يحتاج نعرف رأس الآدمي؟ ما يحتاج الرأس معروف، ولذلك لما عرفوه قالوا : هو عبارة عن الجملة التي يعلمها الناس ضرورة، والكلمة الأصلية أسهل، عندما نقول : الجملة يعني الشيء المجمل، والذي يعرفه الناس ضرورة، يعني بالضرورة لو تقول : رأس الإنسان، كل واحد يعرف ما هو رأس الإنسان، لكن الرأس هل يشمل الوجه؟ من فوائد التعريفات أنها تقودك إلى تعيين وتحديد المطلوب شرعًا، لو قلت : هذا رأس إنسان، الوجه داخل فيه أم لا؟ إذا قلت : فقطع رأسه، تتخيل الوجه باقي والرأس ذهب، إذن، الوجه داخل في الرأس عرفًا، فلذلك ابن العربي لما تكلم عن التعريف في أحكام القرآن، قال : والرأس عبارة عن الجملة التي يعلمها الناس ضرورة، ومنها الوجه، إذًا قوله :  وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ  يدخل فيها الوجه، لا؛ لأن الله ذكر فرض الوجه من قبل، فعلمنا أن قوله : وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ  خاص بما سوى الوجه؛

لأن الوجه ذكر فرضه، فبقي البقية من الرأس، فلو جاء واحد وقال : يا جماعة أليس الوجه داخلًا في الرأس؟ فلماذا لا تمسحونه؟ نقول : لأن الله ذكر فرض الوجه مستقلًا منفصلًا، ثم ذكر فرض الرأس، فعلمنا أن المقصود بالرأس هنا ما بقي من غير الوجه؛ لأن الله ذكر حكم الوجه، قال ابن العربي: "والرأس عبارة عن الجملة التي يعلمها الناس ضرورة ومنها الوجه، فلما ذكره الله - سبحانه - في الوضوء، وعين الوجه بالغسل، بقي باقيه للمسح، ولو لم يذكر الغسل أولًا فيه للزم مسح جميعه، ما عليه شعر من الرأس، وما فيه العينان والأنف والفم" [أحكام القرآن] إذن، هذا هو الجواب عمن قال أليس الوجه داخلًا في الرأس؟ نقول بلى، لكن لما ذكر فرض الوجه مستقلًا علمنا أن قوله:  وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ  خاص بما دون الوجه، وقد اتفق الفقهاء على أن استيعاب الرأس بالمسح أفضل، لكن اختلفوا هل هذا الاستيعاب واجب أم لا؟ إذن، ما هي المسألة الآن؟ ما هو المقدار الواجب مسحه من الرأس؟ المسألة ما هو المقدار الواجب مسحه من الرأس، كل الرأس، نصف الرأس، ربع الرأس، ما نبت عليه شعر من الرأس؟ ما هي المساحة التي يجب مسحها من الرأس؟ هذه المسألة في الحقيقة مسألة خلافية قوية بين العلماء، فذهب المالكية والحنابلة إلى وجوب مسح جميع الرأس، فلو قلنا : المنطقة التي خلف الأذن، من الرأس أم لا؟ من الرأس، فإذن، يجب مسحها، لما تمسح لازم تمسح المنطقة التي خلف الأذنين؛ لأن بعض الناس يمسح كذا، فماذا مسح؟ نصف ثلثين ستين في المائة، المهم ما استوعب الرأس بالمسح، ولا مسح منطقة خلف الأذنين، وإنما بلل يديه ومسح، فعلى قول المالكية والحنابلة وضوءه لا يصح؛ لأن الفرض عندهم استيعاب كل الرأس بالمسح، وكل الرأس معناها لابد أن تمر عليه كاملًا إلى حدود الرقبة من خلف، لازم تبدأ من البداية من المنحنى، وتسير بكفيك إلى حدود الرقبة، تستوعبه مسحًا، بما فيها منطقة خلف الأذنين، لأن هذه كلها من الرأس،

وذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يكفي مسح بعض الرأس، ثم اختلف القائلون بالبعض ما مقدار البعض، فعند الحنفية مقدار الناصية، وهو ربع الرأس، وعند الشافعية الواجب أقل ما يسمى مسحًا ولو شعرة أو بعضها، وعمدة من أجاز مسح بعض الرأس أمران، يعني إذا قيل للقائلين بوجوب مسح الرأس ما دليلكم؟ يقولون : قال الله : وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ  امسح رأسك كله، ويا من قال : يجزئ مسح بعض الرأس ولا يجب إلا بعض الرأس بناء على ماذا قلتم ما قلتم؟ وما دليلكم على أنه يكفي البعض؟ قالوا : أولًا : الباء في قوله تعالى: بِرُءُوسِكُمْ  للتبعيض وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ   يعني ببعض رءوسكم، فأجاب الآخرون : أن الباء ليست للتبعيض، وإنما هي للإلصاق، وأن الباء في اللغة ليست فقط للتبعيض، وإنما تأتي للإلصاق، والمعنى امسحوا الرأس كله ملصقين اليد التي تمسح بالرأس وهو الممسوح، فليست المسألة مرور من فوق، لا، ألصقوها إلصاقًا، يتأكد من المسح ولو قال : وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ  فإنه لا يدل على الماء، الذين قالوا : الباء للإلصاق، قالوا في فائدة الإلصاق : وصول الماء إلى الممسوح، ولو كان قال : امسحوا رءوسكم، لكان يكفي مسحها بلا ماء، فتقول : مسحت رأس اليتيم، ولا يلزم أن يكون بالماء، لكن امسحوا برءوسكم، إذا قلنا : الباء للإلصاق، وإلصاق الآلة الآن واليد بالرأس لإيصال الماء إلى الرأس مسحًا، قال القرطبي : وقيل : إنما دخلت أي الباء لتفيد معنى بديعًا، وهو أن الغسل لغة يقتضي مغسولًا به، والمسح لغة لا يقتضي ممسوحًا به، يعني أنت ما يمكن تغسل بلا ماء، لكن ممكن تمسح بلا ماء لغة، ما يمكن تغسل بلا ماء، وتقول : أنا غسلت في اللغة، لكن ممكن تمسح بلا ماء ويصح لغة أن يقال : مسحت، قال القرطبي - رحمه الله -: "فلو قال وامسحوا رءوسكم لأجزأ المسح باليد إمرارًا من غير شيء على الرأس، فدخلت الباء لتفيد ممسوحًا به وهو الماء، فكأنه قال : وامسحوا برءوسكم الماء" [تفسير القرطبي: 6/88] إذن، الذين قالوا ببعض الرأس قالوا : الباء للتبعيض، وعرفنا رد الآخرين عليهم، ماذا قالوا أيضًا؟ ما هي حجة الذين قالوا إنه يجوز مسح بعض الرأس؟ قالوا : عندنا دليل مرفوع، عندنا دليل من فعل النبي ﷺ، وهو حديث المغيرة بن شعبة، قالوا : إنه حدث أن النبي ﷺ مسح بناصيته وعمامته. رواه مسلم، ما هو وجه الاستدلال؟ قالوا : إنه ﷺ اقتصر على مسح الناصية، والناصية مقدم الرأس، ولم يمسح جميعه، فدلّ ذلك على جواز مسح بعضه، فرد الآخرون قالوا : إن الحديث ليس مسح بناصيته فقط، وإنما مسح بناصيته وعمامته، فالجزء المكشوف مسحه، والجزء المغطى مسح على الغطاء، فلا يصح الاستدلال بالحديث على جواز مسح بعض الرأس؛ لأنه مسحه كلها، فما كان مكشوفًا منه مسحه، وما كان مغطى بغطاء يشق خلعه وهي العمامة على هيئة عمائم العرب المحنكة، يعني ليس أي عمامة يجوز المسح عليها، العمامة التي يجوز المسح عليها العمامة التي يشق خلعها، وهي عمامة العرب المحنكة، فهي تلف على الرأس، والذؤابة تلف حول الحنك، وتصعد مرة أخرى، فإذًا هذه العمامة التي يشق خلعها، وفي السفر وفي البرد يجوز المسح عليها، فالشاهد قالوا : إنه مسح المكشوف والمغطى، مسح على العمامة التي تغطيه فاستوعب رأسه كله بالمسح، شيء مباشرة وهو المكشوف، وشيء غير مباشر وهو مسح العمامة، قال ابن القيم - رحمه الله -: "لم يصح عنه ﷺ في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتّة، ولكن إذا كان مسح بناصيته أكمل على عمامته" [زاد المعاد: 1/186].

ومن المعاصرين قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في الشرح الممتع : "إجزاء المسح على الناصية هنا لأنه مسح على العمامة معه فلا يدل على جواز مسح الناصية فقط".[الشرح الممتع]

بماذا استدل الذين يقولون بجواز مسح بعض الرأس فقط أيضًا؟ قالوا : إن المسح لغة لا يقتضي الاستيعاب، فمن أمر غيره بأن يمسح رأسه كان ممتثلًا بفعل ما يصدق عليه مسمى المسح، وليس في لغة العرب ما يقتضي أنه لابد في مثل هذا الفعل من مسح جميع الرأس، قالوا : وهكذا سائر الأفعال المتعدية نحو اضرب زيدًا، فلا يشترط أن تضرب كل جزء من جسده، وقالوا : إن المعنى العربي يوجد بوقوع الضرب على عضو من الأعضاء، وكذلك لو قال له : اطعن زيدًا، أو ارجم زيدًا، فلو طعن عضوًا من أعضائه يكفين ولو رجم بعضه يكفي، ولا يقول قائل من أهل اللغة أو من هو عالم بها : إنه لا يكون ضاربًا إلا بإيقاع الضرب على كل جزء من أجزاء زيد، وكذلك الطعن والرجم وسائر الأفعال، هذه الآن من حجج الذين يقولون بجواز مسح بعض الرأس، ماذا أيضًا عندكم؟ قالوا : قد ثبت عن بعض الصحابة مسح بعض الرأس، فعن نافع أن ابن عمر كان يدخل يديه في الوضوء، فيمسح بهما مسحة واحدة اليافوخ فقط، والحديث رواه عبد الرزاق في المصنف، وجاء في مصّنف ابن أبي شيبة أيضًا عن نافع عن ابن عمر أنه كان يمسح مقدم رأسه مرة واحدة، هذا القول الذي هو القول بجواز مسح أو بإجزاء مسح بعض الرأس رواية عن أحمد، صحيح المذهب وجوب مسح كل الرأس، لكن هناك رواية عن أحمد توافق قول الآخرين وهم الحنفية والشافعية، قال ابن قدامة : "قال أبو الحارث : قلت لأحمد : فإن مسح برأسه وترك بعضه، قال : يجزئه، قال أحمد : ومن يمكنه أن يأتي على الرأس كله؟ -فكأن أحمد يقول :  مسح الرأس كله صعب- " [المغني لابن قدامة: 1/93]. وقال ابن قدامة أيضًا: "وقد نقل عن سلمة بن الأكوع أنه كان يمسح مقدم رأسه، وابن عمر مسح اليافوخ "

من قال بوجوب تعميم الرأس بالمسح، وهم المالكية والحنابلة استدلوا بما يلي :

أولاً : قول الله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ  وقالوا : هذا الأصل أنه يتناول جميع الرأس، فذكر سبحانه مسح الرأس، ومسمى الرأس حقيقة يشمل الجميع، فيقتضي وجوب مسح جميع الرأس، والباء هنا للإلصاق كما عرفنا، فيقتضي إلصاق الفعل بالمفعول، وهو المسح بالمفعول وهو الرأس، والرأس اسم لكله، هذا الأصل فيجب مسحه كله.

ثانياً : فعل النبي ﷺ قالوا : إن جميع الأحاديث التي وردت فيها صفة وضوء النبي ﷺ - ومسحه رأسه، فيها مسح عموم الرأس، ولم يثبت عنه أنه اقتصر على بعض الرأس.

ثالثًا : القياس على مسح الوجه في التيمم، وقوله تعالى :  وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ  كقوله تعالى : فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ والتيمم يقتضي مسح جميع الوجه، فقوله :  وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ  كقوله: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ جميع الوجه، فكما استوعب الوجه في التيمم ،كذلك يستوعب الرأس في الوضوء، وهذا مسح وهذا مسح.

قال ابن عبد البر - رحمه الله - معلّقًا على هذه المسألة: "اختلف الفقهاء فيمن مسح بعض الرأس، فقال مالك : الفرض مسح جميع الرأس، وإن ترك شيئًا منه كان كمن ترك غسل شيء من وجهه، هذا هو المعروف من مذهب مالك، ثم قال :  فقد أمر الله بمسح الرأس في الوضوء، وقد أجمعوا أنه لا يجوز غسل بعض الوجه في الوضوء، ولا مسح بعضه في التيمم الوجه فكذلك مسح الرأس" [التمهيد: 20/125].

رأي شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في هذه المسألة، والمسألة كما نرى فيها حجج للفريقين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "أمر بمسح الرأس كما أمر بمسح الوجه في آية التيمم، فإذا أوجب استيعاب الوجه بالتراب فاستيعاب الرأس بالماء أولى" [شرح عمدة الفقه لابن تيمية: 1/201]، مسح الوجه بالتراب أشق أو مسح الرأس بالماء أشق؟ مسح الوجه بالتراب أشق، فإذا قلتم بوجوب استيعاب الوجه مسحًا في التيمم، فالأولى أن تقولوا بأن مسح جميع الرأس في الوضوء استيعابًا كذلك، وهل هناك قول ثالث في المسألة؟ من باب البحث العلمي نقول : نعم هناك رواية ثالثة عن أحمد في التفريق بين الرجل والمرأة في مسح الرأس ما هو هذا التفريق؟

قال ابن قدامة: "إلا أن الظاهر عن أحمد - رحمه الله - في حق الرجل وجوب الاستيعاب، وأن المرأة يجزئها مسح مقدم رأسها، قال الخلال : العمل في مذهب أحمد أبي عبد الله أنها إن مسحت مقدم رأسها أجزأها، وقال مهنا-من تلاميذ أحمد-: قال أحمد: أرجو أن تكون المرأة في مسح الرأس أسهل، قلت له: ولم؟ قال: "كانت عائشة تمسح مقدم رأسها" [المغني لابن قدامة: 1/93]. فأحمد ثبت عنده أن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها فقال : إن مسح الرأس للمرأة أسهل من مسحه للرجل، يسهل فيه أكثر؛ لأثر عائشة، والحاصل أن مسح الرأس في الحقيقة الخلاف فيه قوي، والخلاف فيه معتبر، ولكل من الرأيين أدلته ومنزعه، ولكن القول بوجوب استيعاب الرأس في المسح في الوضوء هو الأقرب لظاهر السنة، يعني فعلًا ما ثبت في الأحاديث أن النبي ﷺ مسح بعض رأسه، بل الأحاديث التي جاءت مسح رأسه، مسح رأسه، مسح رأسه، فإذن، ظاهر السنة استيعاب الرأس بالمسح، وعليها مذاهب كما قلنا المالكية والحنابلة، من علمائنا المعاصرين الشيخان عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين - رحمهما الله - فإن قولهما وجوب استيعاب الرأس بالمسح، وابن عبد البر - رحمه الله – يقول: "الفرائض لا تؤدى إلا بيقين، واليقين ما أجمعوا عليه من مسح جميع الرأس" [التمهيد: 20/126].

فإذن، ينبغي على الإنسان أن يحرص على مسح رأسه كله، وبناء عليه الآن إذا توضأت ستكون أكثر عناية من ذي قبل؛ لأن أكثر الناس انظر إليهم في المواضئ كذا، هذا ما مسح، فضلًا عن خلف الأذنين، وخلف الأذنين هذه لا يتفطن لها إلا من؟ لكن حتى جانبي الرأس من هنا أكثر الناس ما يمسحه، فتراهم في المسح يبلل يديه اليافوخ، إذن، ينبغي الحرص على مسح الرأس كله، وهذا حتى من جهة النظافة أحسن، لكن ما هو حد الرأس؟ حد الرأس من منحنى الجبهة إلى منابت الشعر في الخلف هذا طولًا، وعرضًا من الأذن إلى الأذن، فعلى هذا يكون البياض الذي بين الرأس والأذن مما يمسح، ولا شك أن الرقبة لا تدخل في الرأس، فنحن لا نتكلم عن الرقبة الآن، كلامنا كله عن الرأس، قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: "والبياض فوق الأذنين منه - يعني من الرأس - فيجب مسحه على الصحيح من المذهب" [مطالب أولي النهى: 1/118]. وكذلك البياض الذي خلف الأذن وعظم القفا من الرأس يجب مسحهما ومن تركهما عامدًا أعاد أبدًا" [المسائل الفقهية لابن قداح المالكي: 122].

وينبغي أن نعلم أن طهارة المسح قائمة على التخفيف عمومًا، فلذلك لا يشق الإنسان على نفسه، أو يتكلف تكلفًا فيه حرج عليه، نقول : مع هذا البيان كله، لكن ترى يا جماعة مسح الرأس، المسح عمومًا عبادة المسح قائمة على التخفيف، نعم نستوعب الرأس، نحاول استيعاب الرأس في المسح، لكن ليس المقصود الفرك وأن يصل الإنسان إلى حد الوسوسة والتعذيب والإيقاع في الحرج، إيقاع النفس في الحرج، ماهي صفة المسح؟ هل يذهب من الأمام إلى الخلف أو يمسح من الخلف إلى الأمام أو يذهب ثم يعود؟ أو ماذا؟ ما هي صفة المسح؟ ورد مسح الرأس في الوضوء على صفتين :

الصفة الأولى : أن يضع يديه بعد بلهما بالماء على مقدم الرأس ثم يمسح رأسه حتى قفاه ثم يعود بيديه إلى مقدم رأسه، وقد ذكر النووي رحمه الله في شرح مسلم اتفاق العلماء على استحباب هذه الكيفية، الاستحباب بهذه الكيفية وهذا قد ثبت في عدة أحاديث عن النبي ﷺ ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن زيد أنه وصف وضوء النبي ﷺ قال: "ثم مسح رأسه بيديه أقبل بهما وأدبر، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر" هو فسّرها قال:  بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ، انتهى [رواه البخاري: 185، ومسلم: 1205]. فهذه الرواية مفصلة واضحة؛ لأن قوله : "فأقبل بهما وأدبر" فقط ممكن واحد يفهمها أقبل يعني من وراء، وأدبر رجع إلى الخلف، لكن لما فسّر الصحابي عبارته "فأقبل بهما وأدبر" قال : "بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه" بماذا نفسر الجملة الأولى؟ قال بعضهم : أن الواو ليست للترتيب "فأدبر بهما وأقبل" وروى أبو داود عن المقدام بن معدي كرب  قال: "رأيت رسول الله ﷺ توضأ فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدّم رأسه فأمرهما حتى بلغ القفا، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه" هذا حديث رواه أبو داود وصححه الألباني. [رواه أبو داود: 122، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود: 122].

قال ابن قدامة: "والمستحب في مسح الرأس أن يبل يديه ثم يضع طرف إحدى سبابتيه على طرف الأخرى ويضعهما على مقدم رأسه، ويضع الإبهامين على الصدغين، ثم يمر يديه إلى قفاه، ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه"[المعني].  فهكذا يكون استوعب كل الرأس، لما بدأ من الصدغين، لما تضع الإبهامين على الصدغين، وتكون السبابتان متلاقيتين، وتمسح تستوعب كل الرأس، هذه الصفة تناسب من كان شعره قصيرًا، أو لا شعر له، لكن من كان شعره كثيفًا ممشطًا مرتبًا، ويقول :  أنا إذا ذهبت ورجعت انتفش شعري واختربت التمشيطة، لا بأس، هو مراعاة التمشيطة ليس حرامًا، فإن قال : عندكم حل في مراعاة التمشيطة؟ نقول : نعم، الإسلام فيه حل لكل المشكلات.

الصفة الثانية: أن يمسح جميع رأسه ولكن باتجاه الشعر بحيث لا يغير الشعر عن هيئته، وصفتها: أن يضع يديه مبلولتين على وسط رأسه فيمرهما إلى مقدم الرأس ثم يرفعهما ويعيدهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم يجرهما إلى القفا، فهذا من كان لا يريد أن ينتفش شعره ويحافظ على تسريحته وتمشيطته فيمكن أن يستعمل هذه الطريقة، وقد روي عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه سئل كيف تمسح المرأة ومن له شعر طويل كشعرها؟ فقال: إن شاء مسح كما روي عن الربيع وذكر الحديث، ثم قال : هكذا ووضع يده على وسط رأسه ثم جرها إلى مقدمه، ثم رفعها فوضعها حيث بدأ منه، ثم جرها إلى مؤخره، وهكذا الحاصل أن هذه الصفة لا حرج فيها وعمومًا، يقول ابن قدامة - رحمه الله -: "وكيف مسح بعد استيعاب قدر الواجب أجزأه" [المغني لابن قدامة: 1/94].

يعني لو واحد بدأ من الثلث، بدأ من النصف، بدأ من جنب، بدأ من أعلى، المهم أن يستوعب الرأس مسحًا، هذه المسائل متعلقة بمسح الرأس.

باقي معنا بعض المسائل اليسيرة في مسح الرأس ومن ذلك ما هي حدود الرأس؟ ماذا لو غسل رأسه بدلًا من مسحه؟ هل يمسح مرة أو ثلاثًا؟ سنأتي عليها في الدرس القادم إن شاء الله، وصلى الله على نبينا محمد.