ثم قال المصنّف -رحمه الله تعالى-: "والأفضل أن يكون آخر صلاته".
ما هو هذا الذي يكون آخر صلاته؟ الوتر.
كما قال النبي ﷺ: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا [رواه البخاري: 998، ومسلم: 751]
وقال: من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة؛ وذلك أفضل [رواه مسلم: 755].
إذن، ما هو الوقت المستحب للإيتار؟
أن يكون في آخر صلاة الليل؛ لما رواه مسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: الوتر ركعة من آخر الليل [رواه مسلم: 752]، وهذ هو هدي النبي ﷺ عن عبد الله بن عمر قال: "كان رسول الله ﷺ يصلي الليل مثنى مثنى، ثم يوتر بركعة من آخر الليل، ثم يقوم كأن الأذان والإقامة في أذنيه" رواه أحمد وقال محققو المسند: إسناده صحيح. [رواه أحمد: 4860، وقال محققه أحمد شاكر: إسناده صحيح].
وعن عائشة قالت: "من كل الليل قد أوتر رسول الله ﷺ، من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر" [رواه مسلم: 745].
والسحر: قبيل الفجر؛ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات: 18]، ثم يقومون لصلاة الفجر، فإن خاف أن لا يقوم من آخر الليل استحب أن يوتر أوله؛ لأن النبي ﷺ أوصى أبا هريرة وأبا ذر وأبا الدرداء بالوتر قبل النوم. [المغني لابن قدامة: 2/120].
وعن أبي هريرة قال: "أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر" [رواه البخاري: 1178]، وورد مثله عن أبي ذر، وأبي الدرداء.
قال النووي: "وأما حديث أبي الدرداء وأبي هريرة -رضي الله عنهما- فمحمولان على من لا يثق بقيامه آخر الليل"، وهذا التأويل متعين ليجمع بينه وبين غيره من الأحاديث، وقال ﷺ: من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة؛ وذلك أفضل [رواه مسلم: 755].
قال النووي: "فيستحب لمن له تهجد تأخير الوتر، ويستحب أيضًا لمن لم يكن له تهجد ووثق باستيقاظه أواخر الليل إما بنفسه أو بإيقاظ غيره أن يؤخر الوتر ليفعله آخر الليل، لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي ﷺ يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت" [المجموع: 4/ 14].
والسنة أن تكون آخر صلاة المرء في الليل وترًا؛ لما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي ﷺ قال: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا [رواه البخاري: 998، ومسلم: 751].
وعنه أن النبي ﷺ قال: بادروا الصبح بالوتر [رواه مسلم: 750].
يعني: أسرعوا بأداء الوتر قبل الصبح.
قال النووي: "هذا دليل على أن السنة جعل الوتر آخر صلاة الليل، وعلى أن وقته يخرج بطلوع الفجر؛ وهو المشهور من مذهبنا، وبه قال جمهور العلماء" [شرح النووي على مسلم: 6/31].