الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد، فقد شرعنا في الدرس السابق في الكلام عن سجود السهو وقلنا : إنه سجدتان يسجدهما المصلي في آخر صلاته، لجبر الخلل الحاصل فيها، وأن سجود السهو واجب لما يبطل عمده الصلاة، كما لو ترك واجبًا كالتشهُّد الأول عند من يقول بوجوبه، لو تركه عمدًا تبطل الصلاة، إذًا لو تركه سهوًا يجب سجود السهو، وكذلك لو زاد ركعة أو ركوعًا أو سجودًا عمدًا يبطل الصلاة، وسهوًا يوجب سجود السهو.
وذكرنا أن السجود للسهو يختص بما تركه المصلي سهوًا ونسيانًا، أما إذا ترك المصلي شيئًا من صلاته متعمدًا فلا يسجد للسهو، وأن أسباب سجود السهو ثلاثة: الزيادة في الصلاة، والنقص منها، والشك فيها، والشك قد يكون بزيادة، وقد يكون بنقصان.
سجود السهو لأجل الزيادة في أركان الصلاة
قال المصنّف - رحمه الله تعالى -: "وهو مشروع إذا زاد الإنسان في صلاة ركوعًا أو قيامًا أو قعودًا أو سجودًا"
ذكر المصنف - رحمه الله - السبب الأول من أسباب سجود السهو؛ وهو الزيادة في الصلاة، كما لو زاد المصلي في صلاته قيامًا أو قعودًا أو ركوعًا أو سجودًا، أو زاد ركعة كاملة فأكثر، كأن يصلي الظهر خمسًا، أو المغرب أربعًا، أو يقوم في موضع جلوس، أو يجلس للتشهد في غير موضع القعود على وجه السهو، فما حكم هذه الزيادة؟
الجواب : لها أحوال:
الحالة الأولى : أن يعلم المصلي بهذه الزيادة في أثنائها، كما لو قام إلى خامسة وتذكر أثناءها أنها خامسة، فيجب عليه الرجوع عنها فورًا فيجلس للتشهد، يعني هذا الواجب عليه أصلًا، وهو أن يجلس للتشهُّد، لماذا يقوم الخامسة؟ قام نسيانًا فلما تذكر في الخامسة أن هذه زيادة يقطعها فورًا، ويرجع إلى الركن الذي يجب أن يأتيه وهو التشهد، ويسلّم ثم يسجد للسهو بعد السلام.
وقد يتوهم بعض الناس في هذه المسألة أن حكمها حكم من قام بدون التشهُّد الأول نسيانًا، فيظن أنه إذا قام إلى الزائدة وشرع في القراءة حرُم عليه الرجوع، كما يحرم على من بدأ في الثالثة أن يعود للتشهد الأول إذا نسيه، يظن أن هذه مثل هذه، والجواب ليس مثلها، فإنه إذا نسي التشهُّد الأول، وقام إلى الثالثة، وبدأ فيها، ما يجوز يرجع للتشهد الأول؛ لأنه بدأ في ركن، فكيف يترك الركن ويرجع إلى واجب؟ ما يجوز، لكن من قام إلى خامسة، هذه الخامسة كلها أصلًا لاغية، كلها خطأ، قيامه أصلًا خطأ، ولذلك يجب عليه أن يعود، ولا يقول : قمت، وقفت، لابد أن أكمل، لا ليس هذا موضع الإكمال، موضع الإكمال لو قام للثالثة بدون تشهد أول، بدأ في الثالثة، يجب أن يستمر، ولا يجوز له الرجوع، فالزائدة لا يمكن الاستمرار فيها أبدًا، متى ذكر وجب أن يرجع ليمنع هذه الزيادة؛ لأنه لو استمر في الزيادة مع علمه بها، وزاد في الصلاة شيئًا عامدًا بطلت صلاته، ولا يجوز ذلك.
مثال آخر : سجد سجدة ثالثة نسيانًا، وتذكر أثناء السجود أن هذه ثالثة، ماذا يجب عليه؟ أن يرفع فورًا من هذه السجدة، ويكمل صلاته، ويسجد للسهو بعد السلام؛ لأنها زيادة كما سيأتي.
ومثله لو ركع ركوعين، وتذكر في أثناء الركوع الثاني أنه ركوع زائد باطل خطأ، يجب عليه ماذا؟ ستأتينا مسألة إلى أين يعود، فيجب عليه أن يقطع هذا الركوع الزائد، وأن يتابع صلاته، ويسجد للسهو، متى يسجد للسهو؟ بعد السلام؛ لأنه زاد الركوع هذا.
الحالة الثانية: إذا تذكر أنه زاد في صلاته بعد فراغه من الزيادة، الحالة الأولى: تذكر أنها زيادة في أثناء الزيادة، الآن تذكر أنها زيادة بعد الفراغ من الزيادة، فيكمل صلاته، ويسجد للسهو بعد السلام، ومثال ذلك: شخص صلى الظهر خمس ركعات، ولم يذكر الزيادة إلا وهو في التشهد، فيكمل التشهد، ويسجد للسهو بعد السلام، وكذلك لو تذكر بعد رفعه من السجود أن هذه السجدة كانت ثالثة، سجد ثالثة، وما تذكر أنها ثالثة إلا بعد ما رفع منها، ماذا يفعل؟ يكمل صلاته، ويسجد للسهو بعد التسليم.
الحالة الثالثة: أن يتذكر الزيادة بعد فراغه من الصلاة، كما لو صلى الظهر خمسًا ولم يعلم إلا بعد أن سلّم من الصلاة، كأن نبهه الجماعة قالوا: صليت خمسًا -سبحان الله- عندهم سلبية، ما يتكلمون وقت الكلام والحاجة للتنبيه والتسبيح ولا كلمة ولا إشارة أبدًا، تستغرب لماذا أنتم صم بكم والآن الآن موضع التنبيه؟ لماذا ما سبحتم؟ بعد ما سلّم من الصلاة، قالوا: صلينا خمس، ما عرف هذه الزيادة إلا بعد السلام، فماذا يفعل؟ إن كان الزمن قريبًا سجد للسهو ثم سلّم، أما إن تذكر بعد زمن طويل، أو نُبّه بعد ما تفرق الناس وخرجوا من المسجد تذكر، أو نبهه أحد إلى أنها خامسة، وقد تكلم من تكلم، وذهب من ذهب، وطال الفصل فلا شيء عليه، وصلاته صحيحة.
ومن الأدلة على أن الزيادة في الصلاة توجب السجود للسهو ما رواه البخاري - رحمه الله تعالى - ومسلم كذلك عن عبد الله بن مسعود قال: صلّى بنا النبي ﷺ الظهر خمسًا فقيل - يعني بعد الصلاة : أزيد في الصلاة؟ لماذا ما نبهوه؟ لأنه وحي ربما نزل عليه شيء أثناء الصلاة أنها صارت خمس، فالصحابة تأدبًا ما نبهوه، لكن بعد الصلاة سألوا قالوا: أزيد في الصلاة؟ فيه وحي؟ فيه علم من الله؟ فيه حكم جديد؟ أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صلّيت خمسًا، فثنى رجليه، واستقبل القبلة، وسجد سجدتين ثم سلّم" [رواه البخاري: 401، ومسلم: 572].
ومن الزيادة في الصلاة: أن يسلّم المصلي في صلاته قبل تمامها، كما لو صلى ركعتين من الظهر وسلّم، ثم نبهوه فقام وأتم صلاته، فالسلام الأول زيادة في الصلاة، فيعتبر السجود له في السهو بعد السلام، وفي هذه الحالة كم مرة يكون قد سلّم في صلاته؟ ثلاث مرات، التسليمتين الأولى الخطأ، ثم التسليمة الصحيحة بعد نهاية الصلاة، تسليمتين ثم السجود للسهو؛ لأن سجود السهو بعد السلام، ثم التسليمتين بعد سجود السهو.
إذا لم يذكر إلا بعد زمن طويل، فماذا يفعل؟ هل الخطأ الذي نتحدث عنه، وما حكمه هو التسليمتين الأولى الخطأ هذه أو أنه صلى ركعتين وسلّم ومشى يعني نسي أن يكمل الصلاة؟ فأما بالنسبة لنسيان سجود السهو، فكما تقدم إذا طال الفصل سقط، إذا كانت المدة يسيرة يسجد للسهو ويسلّم، أما إذا صلى ركعتين للظهر وسلّم، ومشى وانصرف الناس وراحوا، أكل من أكل، تكلم من تكلم، ومشى من مشى، انصرفوا وصارت الحركة كثيرة، والمدة طويلة، فما هو الحكم؟ إعادة الصلاة، فإذا لم يذكر إلا بعد زمن طويل أعاد الصلاة من جديد، وإن ذكر بعد زمن قليل كدقيقتين أو ثلاث فإنه يكمل صلاته، ويسجد للسهو، والمرجع في تقدير الزمن الطويل والقصير إلى العُرف والعادة، قال ابن قدامة - رحمه الله -:" والصحيح لا حد له" [المغني لابن قدامة: 2/13]. يعني لما قلنا: المدة يسيرة أو المدة طويلة لا حد له؛ لأنه لم يرد الشرع بتحديده فيرجع فيه إلى العادة والمقاربة لمثل حال النبي ﷺ في حديث ذي اليدين، هكذا في المغني، وأيضًا ذكره الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع [الشرح الممتع: 3/363]. والدقيقتان والثلاث قضية عرفية، يعني أنت تقدر، النبي ﷺ لما انصرف من صلاته، وقام ونبه ورجع، كم أخذ وقتًا؟ هذه هي المقاربة لحال النبي ﷺ فلننظر في الحديث: روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: صلّى بنا رسول الله ﷺ إحدى صلاتي العشي" العشي عند العرب متى يبدأ ومتى ينتهي؟ من الظهر إلى المغرب، العشي عند العرب ما بين زوال الشمس إلى غروبها، هذا الوقت يسمى العشي، فعندما نقول : إحدى صلاتي العشي، يعني الظهر أو العصر، وليس العشاء، العشي غير العشاء، ورد العشي في القرآن، ما هي الآية؟ بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم: 62] بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَار [غافر:55] عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا النازعات:46]، فالعِشاء غير العشي، فصلّى بنا ركعتين ثم سلّم بعد ركعتين، والصلاة أربع، والظهر أربع، والعصر أربع، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبّك بين أصابعه، ووضع خده اليمنى على ظهر كفّه اليسرى، وخرجت السرعان-هؤلاء الذين إذا سلّم الإمام خرجوا بسرعة- وخرجت السرعان" المسرعون إلى الخروج من أبواب المسجد، فقالوا: قصُرت الصلاة، بثوا النبأ : قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر؛ انظر الفرق بين تصرف السرعان وتصرف الفقهاء العلماء، "وخرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا : قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجل في يديه طول يقال له: ذو اليدين" يعني: طول عن المعتاد، يداه أطول من المعتاد فقال: "يا رسول الله أنسيتَ أم قصرت الصلاة؟" وهذا سؤال فيه فقه؛ لأن هنا احتمال فلابد من التبين فقال: لم أنس ولم تُقصر [رواه البخاري: 714، ومسلم: 573]. يعني: في ظنه أنه لم ينس وقصر، ما حصل أكيد، ليس هناك وحي نزل بشيء جديد في الموضوع، فنظر النبي ﷺ يمينًا وشمالًا، يعني في الناس فقال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا : صدق لم تصل إلا ركعتين فتقدم، ما صار خبر واحد، الإمام ما يلزمه أن يعدل عن ما يتيقنه لكلام واحد لكن، لما صار اثنان وأكثر؛ هنا يجب أن يرجع، ليس معقولاً هو الصح وكلهم خطأ، الإمام الآن لو قال : أنا ما نقصت من الصلاة، الجماعة كلهم قالوا : نقصت من الصلاة، الآن هو الصح وكلهم خطأ؟ ما يمكن، فلما تبين للنبي ﷺ أنه فعلًا نقص من الصلاة، ماذا فعل؟ فتقدم فصلى ما ترك ثم سلّم، فصلى ما ترك يعني الركعتين ثم سلّم غير السلام الأول، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، وهذا السجود زيادة السلام في أثناء الصلاة، وليس كما يتوهمه بعض الناس سجوده عن نقص، حيث سلّم قبل إتمام الصلاة؛ لأن النبي ﷺ أتى بما بقي وعنده التسليمتان الأوليان زائدتان؛ وهنا مسألة لابد من التنبه لها وهي أن من سلّم من ركعتين وقام ثم تذكر ورجع ليكمل صلاته، المسألة دقيقة، واحد سلّم من ركعتين وقام ثم تذكر أنه ما صلى إلا ركعتين والصلاة أربع مثلًا، هذا هل يبني على قيامه ويستمر أم لابد أن يقعد ثم يقوم؟ صلى ركعتين والصلاة أربع وسلّم وقام، فالناس قالوا : صليت ركعتين فقط، فالآن عندما يرجع ليكمل الصلاة يرجع قائمًا، أو يقعد ثم يكبر ويقوم، ويكمل الصلاة؟ واحد صلى ركعتين وسلّم والصلاة أربع، فنبهوه الجماعة، سيكمل، لما يرجع للإكمال يرجع يجلس ويقوم أو يرجع قائمًا على قيامه يستقبل القبلة ويكمل؟ هو الآن بقي عليه ركعتان، فهذا في هذه الحالة لابد أن يقعد ثم يقوم؛ لقوله في حديث ذي اليدين : فصلى ما ترك، وهو قد ترك القيام من القعود؛ هو سلّم وقام على أساس انتهت الصلاة، ما قام على أساس يكمل الثالثة، فهذا القيام من القعود إلى الركعة الثالثة، هذا القيام لابد منه، فهو ما أتى به لما سلّم ومشى، ما قام لثالثة، قام للانصراف، وهذا القيام من القعود للثالثة لابد منه، فلذلك يعود ويقعد، ثم يقوم للثالثة، ثم الرابعة ويكمل صلاته، لابد أن يقعد ثم يقوم، فإذا كان الإنسان قد نهض ثم تذكر أو ذكر، جلس ثم قام وأتم الصلاة ذكره الشيخ في الشرح الممتع. [الشرح الممتع: 3/362].
سجود السهو للنقص في أركان الصلاة
قال المصنّف - رحمه الله -: "أو نقص شيئًا من الأركان يأتي به ويسجد"
وهذا هو السبب الثاني لوجوب سجود السهو : النقص من الصلاة، ومن نقص من صلاته لا يخلو إما أن يترك ركنًا أو واجبًا أو سنة، وقد بين المصنّف في قوله : هذا حكم من نقص من صلاته ركنًا، وأن الواجب عليه أن يأتي بهذا الركن، ويسجد للسهو، ومعنى هذا أن المصلي إذا نقص من صلاته ركنًا، فإن كان تكبيرة الإحرام فلا صلاة له؛ سواء تركها عمدًا أم سهوًا؛ لأن صلاته لم تنعقد، فتكبيرة الإحرام ركن، هذا الركن إذا نسيه فكل ما بعده لا قيمة له، بخلاف ما لو نسي ركنًا آخر أثناء الصلاة سيختلف الحكم، فإذن نقول : إن كان الذي نسيه من الأركان تكبيرة الإحرام فالصلاة كلها غير صحيحة؛ لأنها لم تنعقد أصلًا، وذكرت لكم مرة مسألة فيها ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام في تكبيرة الإحرام، لما قال الإمام : استووا، اعتدلوا، واحد من كبار السن ظن أنها تكبيرة فكبر، سمعه ضعيف فكبر، ثم كبر الإمام، كمل، فسألت عنها شيخنا عبد العزيز بن باز - رحمه الله – فقال : لم تنعقد صلاة المأموم، وعليه أن يعيد صلاته. كبر للإحرام قبل إمامه، وهو ينوي الاقتداء به، فلم تنعقد صلاته، تكبيرة الإحرام باطلة، وحيث أنه ما كبر مرة ثانية بعد الإمام، فعليه أن يعيد الصلاة، أما إذا كان المنسي غير تكبيرة الإحرام، فإن تركه متعمدًا بطلت صلاته، هذا واضح، واحد ترك ركنًا عمدًا تبطل الصلاة، فإن وصل إلى موضعه من الركعة الثانية، لغت الركعة التي تركه منها، وقامت التي تليها مقامها، وإن لم يصل إلى موضعه من الركعة الثانية، وجب عليه أن يعود إلى الركن المتروك فيأتي به وبما بعده، وفي كلتا الحالين يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام.
مثال ذلك: شخص نسي السجدة الثانية من الركعة الأولى، وبعد ما قام تذكر أنه ما سجد السجدة الثانية من الركعة الأولى؛ فسواء تذكر في القيام أو في الركوع أو في الرفع منه، ماذا يفعل؟ ينزل مباشرة ليسجد السجدة الثانية إذن، هو تذكر الركن المنسي قبل موضعه في الركعة الثانية، فينزل ويذهب إليه مباشرة ويكملها، فإذا ما تذكر الركن المنسي في الركعة الأولى إلا بعد ما وصل إلى موضعه في الركعة الثانية، لما قام للركعة الثانية بالخطأ بدون السجود الثاني في الركعة الأولى، وصلى هذه الركعة الثانية، وصل إلى السجدة الثانية فيها، قال : أنا ما سجدت السجود الثاني في الركعة الأولى، ماذا يحصل هنا؟ تعتبر الركعة الأولى لاغية، وتقوم الثانية مقام الأولى، ويسجد الآن السجود الثاني فيها، ويقوم لإكمال صلاته بالركعة الثانية، والأولى تعتبر لاغية.
مثال آخر : شخص نسي السجدة الثانية، والجلوس الذي قبلها في الركعة الأولى، فبعد السجود الأول قام على طول وتذكر وهو راكع في الركعة الثانية، ماذا يفعل؟ يجلس مباشرة، ويسجد السجدة الثانية للركعة الأولى، ويقوم يأتي بالثانية الحقيقية، هذه الأفعال بالنسبة له فيها زيادة؛ لأنه الآن عندما نسي من الأولى شيئًا، ثم شرع في الثانية، ثم تذكر ونزل يكمل الأولى، وقام للثانية الحقيقية في النهاية، صار عندنا زيادة، فسجود السهو يكون بعد السلام.
مثال ثالث : ترك الركوع من الركعة الأولى، وتذكر وهو يقرأ الفاتحة في الركعة الثانية، أنه في الركعة الأولى ما ركع فيها، يقطع الفاتحة ويركع ركوع الركعة الأولى، ويتم الركعة الأولى، ويقوم للثانية، ويتم صلاته، ثم يسجد للسهو بعد السلام، تذكر أثناء ركوعه الركعة الثانية أنه ما ركع في الركعة الأولى، لكن كيف يأتي بالركوع الأول الذي نسيه؟ يجعل ركوع هذه الركعة الثانية هو ركوع الأولى، ويكمل الأولى ثم يأتي بالثانية ويكمل الصلاة، ويسجد للسهو بعد السلام، وإنما قلنا بعدم الرجوع إذا وصل إلى مكانه من الركعة الثانية؛ لأن رجوعه ليس له فائدة؛ لأنه إذا رجع فسيرجع إلى نفس المحل وهو هذا، في هذه الحالة، لما واحد نسي مثلًا ركوع الركعة الأولى، وتذكره في ركوع الركعة الثانية، ماذا سيفعل؟ سيعتبر هذا الركوع تبع الركعة الأولى ويكمل الركعة، فستكون ركعته ملفقة من الركعة الأولى والثانية، لكن هذا للتوضيح، لكن هي ركعة الآن صارت كاملة، وفيه أشياء ملغية، المجموع الركعة كاملة، وفيه أشياء ملغية، الأركان لا تسقط بالسهو، ولا يجبرها سجود السهو، فلابد من الإتيان بها، فمن ترك ركنًا يلزمه أن يرجع إليه، ويأتي به وبجميع الأركان التي فعلها بعده، لانضباط صفة الصلاة وترتيبها؛ ويدل على ذلك حديث ذي اليدين السابق لما صلى النبي ﷺ الظهر ركعتين فإنه لم يكتف بسجود السهو، بل رجع إلى الصلاة، وأتى بما تركه منها، ثم سجد للسهو، والسجود للسهو هنا يكون بعد السلام من الصلاة؛ لأنه زاد فيها، والسجود للزيادة يكون بعد التسليم.
وإذا تذكر أنه نسي ركنًا من الصلاة بعد أن سلّم من الصلاة، فإن كان تذكره بعد زمن يسير، وكان الركن المتروك من الركعة الأخيرة، رجع إليه وأتى بما بعده، ثم سجد للسهو بعد التسليم، وإن كان المنسي من ركعة غير الأخيرة، واحد بعد الصلاة قالوا له : في الركعة الثالثة أنت نسيتَ السجدة الثانية ما سجدتها، الجماعة كانوا مضربين على التنبيه، فبعد السلام أخبروه، ماذا يفعل؟ قلنا: إذا كان هذا المتروك من الركعة الأخيرة رجع إليه وأتى بما بعده، وسجد للسهو بعد السلام، وإن كان من ركعة غير الأخيرة رجع إلى الصلاة وأتى بركعة كاملة، ثم يسجد للسهو بعد التسليم، مثال ذلك : من ترك الركوع من الركعة الأخيرة فيلزمه الإتيان بالركوع وما بعده، ثم يسجد للسهو بعد السلام، وأما إذا كان الركوع الذي تركه من الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة من صلاة الظهر، فماذا يفعل؟ يأتي بركعة كاملة، ويسجد للسهو بعد التسليم، فإن لم يتذكر أنه نقص من صلاته إلا بعد زمن طويل، أعاد الصلاة عند جمهور العلماء، وهذا اختيار الشيخ ابن باز - رحمه الله - من المعاصرين واللجنة الدائمة والشيخ ابن عثيمين، وذهب بعض العلماء إلى أنه يأتي بما تركه ولو بعد زمن طويل، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وله رأي خالف فيه جمهور أهل العلم أنه متى ما تذكر يأتيه، والجمهور يفرّقون بين المدة الطويلة والمدة اليسيرة، فيقولون: إذا تذكر بعد مدة يسيرة يكمل ما تذكر، أما بعد مدة طويلة يعيد الصلاة كلها.
ثم قال المصنّف - رحمه الله -: "أو ترك واجبًا من واجبات الصلاة سهوًا"، فقد سبق معنا أن واجبات الصلاة في مذهب الإمام أحمد : التشهّد الأول والجلوس له، تكبيرات الانتقال، وقول سمع الله لمن حمده للإمام والمنفرد، وقول ربنا ولك الحمد، وقول سبحان ربي العظيم في الركوع، وقول سبحان ربي الأعلى في السجود، وقول رب اغفر لي في الجلسة بين السجدتين، فإذا ترك المصلي واجبًا من واجبات الصلاة متعمدًا بطلت صلاته، وإن كان ناسيًا وذكّره قبل أن يفارق محله من الصلاة أتى به ولا شيء عليه، هذا الفرق بين الركن والواجب، الركن ما ينفع السهو فيه، ما يغني عن الإتيان به، ولا يعذر بالسهو، فلابد أن يأتي بالركن، أما الواجب فإذا تركه عمدًا بطلت صلاته، وإذا تركه سهوًا جبره بسجود السهو، ولكن هناك تفصيل إذا نسيه قبل أن يفارق محله من الصلاة أو بعد مفارقة محله، فإن نسي الواجب وذكره قبل أن يفارق محله من الصلاة أتى به ولا شيء عليه، وإن ذكره بعد مفارقة محله قبل أن يصل إلى الركن الذي يليه رجع فأتى به ثم يكمل صلاته ويسجد للسهو بعد التسليم، وإن ذكره بعد وصوله إلى الركن الذي يليه سقط الواجب فلا يرجع إليه، فيستمر في صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلّم، وهذه الحالة خاصة بالتشهُّد الأول، وفي انطباقها على باقي واجبات الصلاة خلاف سيأتي ذكره، وحاصل حالات ترك التشهد الأول ثلاث: أن يتذكر أنه نسي التشهد الأول قبل أن ينهض، واحد بعد الركعة الثانية لما أراد النهوض بعد الركعة الثانية تذكر أنه ما قال التشهُّد الأول، فماذا يفعل؟ ما يرجع أصلًا، هو ما قام حتى يرجع، هو أراد أن يقوم ثم تذكر أنه ما ذكر التشهد الأول، ماذا يفعل؟ يبقى جالسًا ويأتي بالتشهد الأول، فيه سجود سهو؟ لا، ؛لأنه ما في زيادة ولا نقصان، الرجل لحق واستدرك الأمر، وأتى بالتشهد الأول، وإذا نهض ثم تذكر هنا، نحتاج أن نعرف ما هو حد النهوض؟ فقال بعضهم : أن تفارق فخذاه ساقيه؛ لأنه في الجلوس الساقان تلاصقان الفخذين، والفخذان والساقان متلاصقتان، هذا في الجلوس، فإذا انفصلت الفخذان عن الساقين حصل النهوض قبل الانفصال، لا زال يعتبر جالسًا، وبعضهم ضبطه بمفارقة الركبتين للأرض، فقالوا : إذا ارتفعت الركبتان عن الأرض، وانفصلتا عن الأرض، وفارقتا الأرض يعتبر نهض، وإذا كانت الركبتان لا زالتا على الأرض، مماستان للأرض، فلا يزال جالسًا، فإنه لا يزال لم ينهض، والمعنى متقارب، يعني الفرق يسير جدًا، لكن العلماء ضبطوا هذا بهذا، بعضهم قال هذا، وبعضهم قال هذا، وبعضهم ذكر قضية العقبين والأليتين، إذا فارقت الأليتان العقبين.
دعونا في قضية مفارقة الفخذين للساقين، أو مفارقة الركبتين للأرض، قبل هذه المفارقة ماذا يفعل؟ يبقى محله ويأتي بالتشهد، وإذا فارقت الركبتان الأرض ماذا يفعل؟ ينهض، يستتم قائمًا ولا يرجع، ذكرنا الحالة الأولى: إن تذكر قبل أن ينهض، فالحالة الثانية: أن يتذكر بعد أن ينهض، لكن إذا عرفنا النهوض بمفارقة الفخذين للساقين، أو مفارقة الركبتين للأرض فهل يلزم من هذه المفارقة أن يكون قد استتمّ قائمًا؟ لا، فممكن تفارق الركبتين الأرض، لكن ما استتم قائمًا، ويمكن أن تفارق الفخذان الساقين، ولكنه لم يستتمّ قائمًا، فلا زال ظهره محنيًا، ولم يستتم قائمًا، فإذا تذكر بعد أن ينهض، وقبل أن يستتمّ قائمًا، فإنه يرجع فيجلس ويتشهّد ويكمل صلاته، ولكن هنا هل يسجد للسهو؟ مذهب الإمام أحمد أنه يسجد، لأن هناك زيادة قد حصلت، صحيح أنها يسيرة، لكن حصلت زيادة، فإذن هذا الذي تذكر بعد أن نهض، وقبل أن يستتم قائمًا، ماذا يفعل؟ يرجع ويكمل صلاته، وفي مذهب الإمام أحمد يسجد للسهو، الزيادة ما هي؟ النهوض الذي حصل.
الحالة الثالثة: أن يتذكر بعد أن يستتم قائمًا، فبعد ما استقام تذكر أنه ما تشهد فما هو الحكم؟ يسقط عنه التشهد ولا يرجع إليه ويكمل صلاته، ويسجد للسهو، متى؟ قبل أن يسلّم؛ لأن الذي حصل عنده الآن لهذه العملية نقص، لكن معذور فيه بالنسيان، وحيث إن التشهد الأول واجب وليس بركن، فإنه يجبره سجود السهو، والدليل على هذا: روى البخاري عن عبد الله بن بحينة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين لم يجلس، يعني قام للثالثة مباشرة بدون تشهُّد أول، فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلّم ثم سلم، إذن، هذا الدليل على أن من نقص التشهُّد الأول وقام واستتم قائمًا فلا يعود ويكمل صلاته ويسجد للسهو قبل التسليم، هذه الأحاديث الواردة في التشهُّد الأول، وهو واجب من واجبات الصلاة، لو واحد قام واستتم ثم رجع فما حكم صلاته؟ يحرم عليه الرجوع، وإذا ما شرع يكره له الرجوع، سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عمن صلى بجماعة رباعية فسها عن التشهُّد وقام، فسبح بعضهم فلم يقعد وكمل صلاته وسجد فقال جماعة : كان ينبغي إقعاده، وقال آخرون: لو قعد بطلت صلاته فأيهما على الصواب؟ فأجاب - رحمه الله - أما الإمام الذي فاته التشهُّد الأول حتى قام فسبّح به، يعني من خلفه، فلم يرجع، وسجد للسهو قبل السلام، فقد أحسن فيما فعل، هكذا صحّ عن النبي ﷺ ومن قال : كان ينبغي له أن يقعد أخطأ، هذا القائل أخطأ، بل الذي فعله يعني الإمام هو الأحسن، ومن قال : لو رجع بطلت صلاته، فهذا فيه قولان للعلماء أحدهما: لو رجع بطلت صلاته، وهو مذهب الشافعي وأحمد في رواية، والثاني: إذا رجع قبل القراءة لم تبطل صلاته، وهي الرواية المشهورة عن أحمد والله أعلم، قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - : "يحرم الرجوع إذا استتم قائمًا، سواء شرع في القراءة أم لم يشرع؛ لأنه انفصل عن محل التشهد تمامًا" [الشرح الممتع: 3/377]. قال في الإنصاف: "وإن نسي التشهُّد الأول ونهض، لزمه الرجوع ما لم ينتصب" هذه ذكرناها الحالة الثانية؛ فإن استتمّ قائمًا لم يرجع، وإن رجع هنا هل تبطل الصلاة أو لا؟ صاحب الإنصاف لما أتى بالمتن؛ وفيه: "إن رجع جاز" قال: "اعلم أنه إذا ترك التشهد الأول ناسيًا وقام إلى الثالثة لم يخل من ثلاثة أحوال : أحدها : أن يذكر قبل أن يعتدل قائمًا، فهنا يلزمه الرجوع للتشهد، كما جزم به المصنف هنا، ولا أعلم فيه خلافًا، ويلزم المأموم متابعته -يرجع معه- ولو بعد قيامهم وشروعهم في القراءة" [الإنصاف: 2/144]، لاحظ هذه النقطة : الإمام نهض لكن ما استتمّ قائمًا، تذكر وهو ينهض، بعد ما نهض لكن ما استتمّ قائمًا تذكر، ماذا يفعل الإمام؟ يرجع، المأموم سريع، نهض واستتمّ قائمًا، وبدأ في الفاتحة؛ لأن الركعة الثالثة سرية، فالمأموم هذا سريع، نهض واستتم قائمًا، وشرع في الفاتحة، ولنفرض أن الإمام قال : الله أكبر ونهض، لكن ما استتم قائمًا فرجع، المأموم بنى على أن الإمام قام، وهو في طرف الصف، أو في الصف الثاني أو الثالث أو الرابع، ما رأى الإمام ماذا فعل، والركعة الثالثة سرية، فالآن المأموم ربما يظن أن الإمام استتمّ وهو الآن في الفاتحة، والمأموم استتمّ وبدأ بالفاتحة، فإذا به يكتشف لما بدأ الناس ينزلون كالعادة، من وراء الإمام ينزلون الصف الأول، الصف الثاني، يرى الصف الذي أمامه نزل كله، فيبدأ هو ينزل، الآن هذا المأموم الذي استتمّ قائمًا وشرع في الفاتحة هل يرجع أو لا؟ يرجع على حسب كلام صاحب الإنصاف، هنا يرجع ولو شرع في الفاتحة، قال: "ولا أعلم فيه خلافًا ويلزم المأموم متابعته ولو بعد قيامهم وشروعهم في القراءة"[الإنصاف: 2/144].
الحالة الثانية: "ذكره" يعني ذكر الإمام التشهُّد الأول بعد أن استتمّ قائمًا وقبل شروعه في القراءة، فجزم المصنف أنه لا يرجع، وإن رجع جاز، فظاهره أن الرجوع مكروه، يعني على الأقل نوفق بين الكلام الماضي، والكلام هذا، على الأقل نقول : المقصود بالجواز هنا كراهية، يعني يكره له الرجوع إذا استتم قائمًا، وقال بعض العلماء كما تقدم : يحرم عليه الرجوع إذا استتم قائمًا، وهو إحدى الروايات يعني الكراهية وهو الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: "والأشهر يكره الرجوع وصححه في النظم، قال الشارح: "الأولى أن لا يرجع"، الحالة الثالثة: "ذكر التشهُّد بعد أن استتمّ قائمًا" شرع في القراءة الحالة الثالثة: أن يذكر التشهُّد بعد أن استتمّ قائمًا وبعد أن شرع في القراءة فهذا لا يرجع قولًا واحدًا كما قطع به المصنّف بقوله: "وإن شرع في القراءة لم يجز له الرجوع"
لا يجوز له الرجوع؛ لأنه لما شرع في الفاتحة فقد شرع في ركن، فكيف يقطع الركن ويرجع إلى واجب؟
فإذن، الخلاصة التي نخرج بها أنه إذا استتم قائمًا لا يرجع سواء قلنا الرجوع مكروه أو محرم؟ ما هي النتيجة؟ لا يرجع، فإن شرع في الفاتحة، ورجع بطلت صلاته؛ لأنه انقطع ركن ونزل، انتهينا الآن من موضوع التشهُّد الأول، فهل يقاس عليه باقي الواجبات؛ كترك التسبيح في الركوع أو السجود؟ واحد نسي التسبيح في الركوع، ورفع من الركوع، ممكن يرجع ويقول : سبحان ربي العظيم؟ فالسؤال هو هل تقاس باقي الواجبات على التشهد الأول؟ واحد نسي أن يقول : الله أكبر في الانتقال من السجدة الأولى إلى الجلوس، جلس، ممكن يرجع مرة ثانية ويرفع يقول : الله أكبر؟ واحد نسي أن يكبر الانتقال من الجلوس إلى السجدة الثانية وسجد، صار تحت، فهل يجوز أن يرجع ليكبر؟
فالآن إذن صارت مسألتنا هي: هل تقاس بقية الواجبات على التشهُّد في قضية الرجوع أو عدم الرجوع؟ المسألة واضحة فما هو الجواب؟ مذهب الإمام أحمد أن سائر الواجبات كلها حكمها حكم التشهُّد الأول، فإذا نسي تسبيح الركوع وتذكر قبل تمام اعتداله، رجع إلى الركوع، يعني واحد الآن تحت في الركوع نسي سبحان ربي العظيم، ثم بدأ يرفع فتذكر أنه ما قال سبحان ربي العظيم فيرجع ويقول : سبحان ربي العظيم، اعتدل بعد الركوع، وبعد ما اعتدل تذكر أنه ما قال : سبحان ربي العظيم، فهل يعود؟ لا يعود، وإن تذكر بعد تمام الاعتدال لم يرجع، ويسجد للسهو قبل التسليم، ومثل ذلك يقال في ترك قول : سبحان ربي الأعلى بالسجود، وقد اختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في الشرح الممتع [الشرح الممتع: 3/378]. قال الشيخ: "ويجب أن يعلم أن ما ذكرناه في التشهد الأول يجري على من ترك واجبًا آخر مثل التسبيح في الركوع، فلو نسي أن يقول : سبحان ربي العظيم، ونهض من الركوع، فذكر قبل أن يستتمّ قائمًا، فإنه يلزمه الرجوع، وإن استتمّ قائمًا حرم عليه الرجوع، ولكن عليه أن يسجد للسهو؛ لأنه ترك واجبًا"[الشرح الممتع: 3/378]، ويكون سجود السهو قبل السلام، لأن المتروك نقص، ولو ترك قول : سبحان ربي الأعلى في السجود حتى قام فماذا يفعل؟ يرجع أو لا يرجع؟ لا يرجع، وعليه أن يسجد للسهو، ولو ترك رب اغفر لي، حتى سجد الثانية، فماذا يفعل؟ لا يرجع، وعليه سجود السهو، وعلى هذا فقس، فكل من ترك واجبًا، يقول الشيخ ابن عثيمين : حتى فارق محله إلى الركن الذي يليه، لاحظ فكل من ترك واجبًا حتى فارق محله إلى الركن الذي يليه فإنه لا يرجع، ولكن عليه السجود لهذا النقص، ويكون السجود قبل السلام، ابن قدامة - رحمه الله - في هذه المسألة للفائدة خالف المذهب فرأى أن من ترك شيئًا من واجبات الصلاة غير التشهد الأول فإنه يمضي في صلاته ولا يرجع له، ولو كان قبل وصوله إلى الركن الذي بعده، فلا تستغرب إذن إذا رأيت في المغني قال ابن قدامة: "فأما إن نسي شيئًا من الأذكار الواجبة كتسبيح الركوع والسجود، وقول رب اغفر لي بين السجدتين، وقول ربنا ولك الحمد، فإنه لا يرجع إليه بعد الخروج من محلّه؛ لأن محل الذكر ركن قد وقع مجزئًا صحيحًا، فلو رجع إليه لكان زيادة في الصلاة وتكرارًا لركن ثم يأتي بالذكر في ركوع أو سجود زائد غير مشروع بخلاف التشهد، ولكنه يمضي ويسجد للسهو لتركه قياسًا على ترك التشهُّد" [المغني لابن قدامة: 2/22]. وبالتالي لا يتوقع أن أحدًا من هؤلاء جمهور العلماء الذين يقولون أن كل هذه سنن يقول لك : ارجع ولو ما انتقلت، ولو ما وصلت للركن الذي بعده، فإذن، في النتيجة يوافقهم إنه يمضي، ابن قدامة يقول : عليه سجود السهو، الجمهور سيقولون : يستحب ولا يجب، ما يجب عليه سجود السهو؛ لأنه ترك سنة، وهنا ننتقل إلى الحالة الثالثة؛ لما قلنا في الركن ماذا يفعل وفي الواجب ماذا يفعل، الآن إذا ترك سنة ماذا يفعل؟ إذا ترك سنة من سنن الصلاة، كما لو ترك الجهر في الصلاة الجهرية، إمام في صلاة المغرب كبّر وقرأ سرًا وركع، ترك الآن سنة وهي الجهر بالقراءة، أو جهر في الصلاة السرية، خالف السنة سهوًا بالخطأ، كبّر، جهر في صلاة الظهر، وبعضهم يتذكر ينزل صوته تدريجيًا، أسرّ، انتقل للسنة المباشرة، أنت تذكرت أنها صلاة سرية، اقطع الصوت الجهري وانتقل للقراءة السرية، أو نسي رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام، ترك سنة، أو نسي الافتراش في موضع الافتراش، أو التورُّك في موضع التورُّك، أو نسي دعاء الاستفتاح، سنن الصلاة كثيرة، فهل يجب عليه سجود السهو؟ الجواب: لا يجب؛ لأنه لو ترك هذه السنة عمدًا لم تبطل صلاته، فإذا تركه سهوًا فلا يجب عليه سجود السهو، لكن هل يستحب له أن يسجد للسهو لترك سنة أم لا؟ الصواب أنه يستحب لعموم قول النبي ﷺ: فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين [رواه البخاري: 1222].
إذن، لو ترك سنة يستحب له سجود السهو ولا يجب.
ثم قال المصنّف - رحمه الله - بعد ما بين حكم الزيادة وحكم النقص.
الشك في الزيادة أو النصان
ثالثًا: قال : أو شك في زيادة أو نقصان، هذا هو السبب الثالث لسجود السهو، الشك في الزيادة أو النقصان، ما هو تعريف الشك؟ التردد بين أمرين أيهما الذي وقع، فلو شك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا؟ هل سجد السجدة الثانية أو ما سجد الثانية؟ ونحو ذلك، ولا يخرج الشك في الصلاة من حالين: الأول أن يترجح عنده أحد الأمرين، الثاني: أن لا يترجح عنده أحد الأمرين، فأنا ممكن أشك لكن أستطيع أن أقول : ستين في المائة إني صليت أربع، سبعين في المائة إني صليت ثلاث، ثمانين في المائة إني سجدت السجدة الثانية، ممكن في بعض الأحيان الواحد يرجح، وفي بعض الأحيان لا يدري ولا يستطيع الترجيح فيقول : خمسين في المائة خمسين في المائة، أنا شككت، ولا أستطيع الترجيح، أنا شككت، ولا ترجيح لدي، الحالتان مستويتان عندي، ما عندي ترجيح، فلكل مقام حكم، ومقال الأول أن يترجح عنده أحد الأمرين فيعمل بما ترجح عنده سواء كان ترجح عندك الأقل أو ترجح عندك الأكثر، فيتم عليه ص،لاته ويسجد للسهو بعد التسليم، مثال : شخص يصلي الظهر فحصل عنده شك في هذه الركعة التي هو فيها هل هي الثانية أو الثالثة؟ ثم بدأ يتأمل كم مضى لي في الصلاة؟ فترجح عنده أنها الثالثة، فماذا يفعل؟ يأتي بعدها بالرابعة، ويتم صلاته، ويسجد للسهو بعد التسليم، كما سيأتي في الدليل، وإن ترجح عنده أنها الثانية ماذا يفعل؟ يجلس للتشهد بعدها، ويأتي بالثالثة، وهكذا، ويكمل صلاته، ويسجد بعد التسليم، والدليل: روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود أن النبي ﷺ قال: إذا شكّ أحدكم في صلاته فليتحرّ الصواب فليتم عليه ثم ليسلّم ثم يسجد سجدتين [رواه البخاري: 401، ومسلم: 572].
لاحظ قوله: فليتحرّ الصواب فليتمّ عليه
الحالة الثانية: أن لا يترجح عنده أحد الأمرين فيعمل باليقين، إذا قال : أنا ما أستطيع أرجِّح خمسين في المائة خمسين في المائة، فنقول: ابنِ على اليقين، وما هو اليقين الأقل فإذا شككت خمسين في المائة خمسين في المائة أنها الثانية أو الثالثة؟ فتبني على أنها الثانية، إذا شككت هل سجدتَ السجدة الثانية أو ما سجدتَ السجدة الثانية في الركعة وما استطعت الترجيح، فماذا تفعل؟ تبني على أنها الأولى، وتسجد للثانية، هذا البناء على الأقل، والبناء على اليقين؛ لأن الأولى مؤكد يقين، الثانية هي التي شككنا وما استطعنا نرجح، مثال ذلك : شخص يصلي العصر، فشك في الركعة هل هي الثانية أو الثالثة ولم يترجح عنده شيء، فيجعلها الثانية، ويتشهّد التشهُّد الأول، ويأتي بعده بركعتين، ويسجد للسهو قبل، عندنا شك وما عندنا ترجيح فنبني على الأقل، السجود بعد السلام جاء في حالة الترجيح، أما في حالة عدم الترجيح وبنينا على الأقل وعلى اليقين وكملنا الصلاة، فسجود السهو حسب الدليل قبل التسليم، إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثًا أم أربعًا؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلّم، فإن كان صلى خمسًا-يعني في الحقيقة كانت خمساً- شفعن له صلاته-سجدتا السهو تنفعه شفعن له صلاته- وإن كان صلى إتمامًا لأربع فعلًا، بناؤه على اليقين كان هو الصحيح كان ثلاثاً، فالآن جاء بالرابعة، هنا أتى بالرابعة، وسجد للسهو قبل التسليم فماذا تنفعه هاتان السجدتان؟ نحن عرفنا لو أنه شك أنها ثلاثة أو أربع فبنى على اليقين وقام ثم اتضح أو أخبره شخص كان يراقبه أنه صلّى خمسًا فماذا نفعته سجدتا السهو؟ شفعنا له صلاته، واحد شك ثلاثاً أو أربعاً، وما استطاع أن يرجح فبنى على اليقين الذي هو ثلاث، وصلّى الرابعة، وسجد للسهو قبل السلام، وبعد ذلك تأكد فعلًا أنها أربع أو أخبره شخص مثلًا فماذا نفعته سجدتا السهو؟ قال ﷺ: وإن كان صلى إتمامًا لأربع كانتا ترغيمًا للشيطان [رواه مسلم: 571]. قوله: ((فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته)) أي السجدتان صارتا له كالركعة السادسة، فصارت الصلاة بهما ست ركعات، وصارت شفعًا، وقوله في الحالة الأخرى : ((كانتا ترغيمًا للشيطان)) أي إغاظة له وإذلالًا، مأخوذ من الرغام وهو التراب، ومنه قول العرب: أرغم الله أنفه، والمعنى أن الشيطان لما لبّس عليه صلاته وتعرض لإفسادها ونقصها جعل الله للمصلي طريقًا إلى جبر صلاته، وتدارك ما لبسه عليه، وإرغام الشيطان ورده خاسئًا مبعدًا عن مراده، وكملت صلاة ابن آدم، وامتثل أمر الله تعالى الذي عصى به إبليس من امتناعه من السجود.
ومن أمثلة الشك أيضًا: إذا جاء الشخص والإمام راكع فإنه يكبّر تكبيرة الإحرام وهو قائم معتدل ثم يركع، فإذا بالإمام رفع، فصار صاحبنا لا يدري هل هو ركع وأدرك الإمام راكعًا أو أن الإمام رفع قبل أن يستتم المأموم راكعًا؟ فهل أدركه أو ما أدركه؟ هل المأموم أدرك ركوع الإمام أو ما أدرك ركوع الإمام؟ فنسأل هنا سؤالًا : متى يكون المأموم مدركًا لركوع الإمام؟ ونقرر المسألة : متى يعتبر المأموم قد أدرك ركوع الإمام؟ أن يستقر ظهر المأموم راكعًا قبل أن يرفع الإمام، إذا استقر ظهر المأموم راكعًا قبل أن يرفع الإمام فيعتبر أنه أدركه، بعضهم قال : لازم يقول معه : سبحان ربي العظيم مرة واحدة، لكن الراجح أنه لا يشترط، لكن يشترط أن يكون ظهر المأموم قد استقر راكعًا قبل أن يرفع الإمام، أما إذا واحد نازل، والثاني طالع، المأموم نازل والإمام طالع، ما أدركه، المأموم نازل للركوع، والإمام طالع، ما أدركه، هو الآن قد لا يرى الإمام أصلًا، هو يكبر وركع، ما أدرك الإمام أصلًا، فإذًا عندنا شك، واحد دخل لم ير الإمام؛ الإمام مختفي أمام الصفوف، فالمأموم كبّر وركع وهو ينزل للركوع سمع تكبيرة الإمام، الآن صار في حَيرة؛ هل هو أدرك الإمام أو ما أدرك الإمام؟ إذا جاء الشخص والإمام راكع فإنه يكبّر تكبيرة الإحرام وهو قائم معتدل؛ لأن الخطأ المشهور عند كثير من الناس، وهذا خطأ يضيع الصلاة كلها ما هو؟ أن بعض الناس لم يكبّر للإحرام وهو قائم معتدل، يريد أن يلحق الإمام، والإمام راكع فتجده ماذا يفعل؟ يكبر أثناء الركوع، هذه صلاة باطلة؛ لأن من شروط تكبيرة الإحرام أن يكبر للإحرام وهو قائم فيقول: الله أكبر ثم يركع، يقول : الله أكبر قائمًا تمام القيام ثم يقول : الله أكبر للركوع، أو تكبيرة واحدة للإحرام والركوع، ولكن هذه التكبيرة الواحدة يشترط أن تكون والمأموم قائم منتصب، واقف تمامًا، يكبر للإحرام، فبعض الناس مع العجلة ومع السرعة، وخلق الإنسان عجولًا، والعجلة من الشيطان، يأتي مباشرة الله أكبر، ماذا فعلت الآن؟ تكبيرة الإحرام صارت وأنت منحني فلا تصح، وصلاتك كلها غير صحيحة، مستعجل على إدراك الإمام ،كل الصلاة ما صحت الآن، لا هذه الركعة التي أنت مستعجل على إدراكها، ولا الصلاة كلها، ولكن قلّ من يفقه هذا، اليوم أكثر الناس إذا رأوا الإمام راكعاً صلاتهم باطلة، شاهدوا ذلك في المساجد، أكثر الناس الذي يأتون المساجد والإمام راكع صلاتهم باطلة، أكثرهم بالمشاهدة، فتقول له : يا ابن آدم إدراك الركوع عندك، أهم من صحة الصلاة عندك، المهم تدرك الركوع حتى لو صلاتك باطلة، ليت شعري ماذا أدركتَ؟! ولذلك لابد أن يكبر قائمًا للإحرام الله أكبر ثم يركع، الحديث يقول : فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا [رواه البخاري: 635، ومسلم: 602]. وهذه من فوائد العلم والفقه أن الواحد يعرف ما تصح به الصلاة، فلا بد لتكبيرة الإحرام أن يكون قائمًا، الآن جاء واحد للمسجد وكبر قائمًا ثم ركع، الإمام رفع، هو لا يدري هل أدرك الإمام قبل أن يرفع أو أثناء الرفع وبعده؟ فماذا يفعل؟ إذا جاء الشخص والإمام راكع فإنه يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم معتدل ثم يركع، وحينئذ لا يخلو من ثلاث حالات : الأولى : أن يتيقن أنه أدرك الإمام في ركوعه قبل أن يرفع منه، فيكون حينئذٍ مدركًا للركعة، ويسقط عنه قراءة الفاتحة، الحالة الثانية : أن يتيقن أن الإمام رفع من الركوع قبل أن يستقر ظهره هو أي المأموم راكعًا فما هي النتيجة؟ فاتته الركعة، الحالة الثالثة : أن يشك هل أدرك الإمام في ركوعه فيكون مدركًا للركعة أو أن الإمام رفع قبله وقبل أن يدرك ففاتته الركعة؟ فماذا سيترتب على هذا؟
هذه الحالة الثالثة فيها ثلاث حالات :
1- أن يترجح لديه أنه أدرك الإمام.
2- أن يترجح لديه أنه لم يدرك الإمام.
3- أن يشك. فإذا ترجح لديه أنه أدرك الإمام عمل بهذا الترجيح، وإذا كان ترجح لديه أنه ما أدرك الإمام عمل بهذا الترجيح سيأتي بركعة بدلًا منها، وإذا شك فلم يدر هل أدرك الإمام أم لم يدرك الإمام فيبني على أنه لم يدرك الإمام، ولو ترجح لديه أنه أدرك الإمام فأكمل الصلاة، سلّم مع الإمام، افرض أنها كانت الركعة الأولى التي دخل في ركوعها وترجح لديه أنه أدرك الإمام فهل عليه سجود سهو؟ الجواب: لا، لا سجود عليه حينئذ؛ لأنه سيسلّم في الصلاة مع الإمام، ولكن إذا ترجح عنده أحد الأمرين، وعمل بما ترجح لديه وأتم صلاته، ماذا يفعل؟ يسجد للسهو، وإن لم يترجح عنده أحد الأمرين عمل باليقين، وهو أن الركعة فاتته فيتم عليه صلاته، وماذا يفعل في سجود السهو؟ يأتي به أو لا يأتي به؟ قلنا : الحالة التي لا يأتي به إذا سلّم مع الإمام، واحد دخل في الركعة الأولى، وحصل عنده شك هل أدرك الإمام أم لا؟ وترجح لديه أنه أدرك الإمام، فلما كمل الصلاة على هذا الأساس، سيسلّم مع الإمام، فلا حاجة لسجود السهو، لكن إذا ترجح لديه أنه ما أدرك الإمام، سيأتي بركعة، أو إذا ما عرف الترجيح وبنى على اليقين وعلى الأقل وأن الركعة ما أدركها فسيأتي بها، فسيكون بعد سلام الإمام عليه إكمال الصلاة، ففي هذه الحالة في نهاية صلاته هو ماذا يفعل؟ يسجد للسهو، ذكرنا قضية الترجيح بعد السلام، وقضية البناء على اليقين والأقل قبل السلام، مسألة: شك في صلاته فعمل بالترجيح، شك في صلاته وترجح لديه شيء وعمل بالترجيح، الآن يتم الصلاة وعليه سجود سهو، إذا قبل ما يتم الصلاة وصل لليقين، بطريقة ما وصل لليقين، تذكر شيئًا وأنه فعلًا الذي فعله هو الصواب، وأنه الآن ما عاد عنده أي شك، مثال : واحد ما عرف الراجح فبنى على اليقين وهو الأقل أنها ثلاث، فقام وأتى بالرابعة، هو الآن ماذا سيفعل؟ إذا أكمل سيسجد للسهو بعد السلام ؛لأنه عمل بالترجيح، نعيد : واحد شك في الصلاة فعمل بما ترجح لديه وأكمل الصلاة فسجوده بعد السلام، الآن لما ترجح لديه وأكمل الصلاة بناء على هذا، قبل أن يسلّم تذكر شيئًا، أزال الشك كله وانتقل إلى يقين، وأنه فعلًا الذي فعله هو اليقين، فهل يلزمه سجود سهو؟ انتهى الشك، كان عنده شك لكن انتهى، واكتشف أن الذي سواه الآن كله صح، ما في أي زيادة، ولا في أي نقص، هو صحيح أن فيها قولان، يعني فيها خلاف، لكن الراجح أنه لا سجود عليه؛ لأن موجب السجود قد زال، ما هو موجب السجود؟ شك، حتى لو ترجح فيه نسبة شك، فالآن هو قبل أن يسلّم تيقن، تذكر شيئًا وتيقن وراحت نسبة الشك تمامًا، فهل يسجد للسهو؟ لا، لأن موجب السجود قد زال، وقال بعضهم : يسجد للسهو ترغيمًا للشيطان، ولأنه أدى جزءًا من صلاته شاكًا، هذا حجة من يقول إن عليه سجود السهو، والشك الذي نتحدث عنه، وهذا تنبيه مهم هو الذي يقع داخل الصلاة، وأثناء الصلاة، خلال الصلاة، أما الشك الذي يطرأ بعد انتهاء الصلاة فلا عبرة به، وهو باب للوسوسة، فلا تأثير له البتة، قلو واحد صلى صلاة لا شك فيها وسلّم وهو متيقن من كل شيء، وبعد السلام بدأت الهواجس والوساوس والشكوك تنتابه، يمكن ما قرأت الفاتحة، أنت لما أنهيت صلاتك أنهيتها على ماذا؟ على يقين، اقفل الباب، ما في أمل للشيطان، لا تدع له مجالًا للدخول، فالشك الذي نتحدث عنه، والذي له سجود سهو، هو الشك أثناء الصلاة، أثناء العبادة، أما إذا ما طرأ الشك إلا بعد الانتهاء من الصلاة فلا عبرة به، اللهم إلا إذا صار يقينًا، يعني واحد تيقن أن صلاته سليمة وسلّم، بعد السلام جاء ناس ونبهوه إلى أن في صلاته نقص، الآن النبي ﷺ لما سلّم من الركعتين ماذا كان يظن؟ أو ماذا كان في نفسه؟ أنه ما نقص شيئاً، قال لهم : ما نقصت وما نسيت، لم تقصر ولم أنس، ولكن لما رأى إجماع المؤمنين على هذا، الآن تبين له شيء آخر، فهذا لابد من العمل به، فإذًا الشك الذي لا عبرة به هو الشك الذي يطرأ بعد انتهاء الصلاة، وليس له أي قرينة ولا مستند ولا دليل ولا الناس نبهوا أو رأوا، ما في أي شيء، مجرد شكوك تطرأ، اقفل الباب، وإياك أن تستجيب لهذا الشك، قال المصنف - رحمه الله – "وله أن يسجد قبل السلام أو بعده"، نلاحظ أن مذهب الشيخ - رحمه الله - ابن سعدي في هذه المسألة واسع ولما ذكر - رحمه الله - الحالة الثالثة قال بعد ذلك كله : "وله أن يسجد قبل السلام أو بعده"، وقد اختلف العلماء في موضع سجود السهو هل يكون قبل السلام أو بعده؟ فاختار المصنّف - رحمه الله - الشيخ السعدي أنه يخير، فله السجود قبل التسليم، وله السجود بعده؛ لأن الأحاديث وردت بالأمرين، وذهب بعض العلماء ومنهم الشافعية إلى أن سجود السهو يكون قبل السلام في جميع الأحوال؛ لأنه جزء من الصلاة، وذهب آخرون من العلماء وهم الحنفية إلى أن سجود السهو كله بعد السلام مطلقًا، وعند مالك يكون قبل السلام إذا كان نقص وبعد السلام إذا كان عن زيادة، والمشهور من مذهب أحمد أنه قبل السلام إلا ما جاءت السنة بالسجود فيه بعد السلام فإنه يسجد بعده، وقد سبق التفصيل بالأدلة فنقول : نتبع السنة ما ورد بالدليل، فإذا كان السهو عن نقص فالسجود قبل السلام، وإذا كان عن زيادة فالسجود بعد السلام، وإذا كان عن شك وفيه تحرٍ للصواب وفيه ترجيح وفيه غلبة ظن فسجود السهو بعد السلام ويعمل بما ترجح لديه، وإن لم يغلب على ظنه شيء وبنى على اليقين وهو الأقل فإنه يتم عليه صلاته ويسجد قبل السلام، وهذا التفصيل رواية عن أحمد، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -، فيكون سجود السهو في موضعين قبل السلام، وبعد السلام في موضعين، قبل السلام إذا كان عن نقص أو شك لم يترجح أحد الأمرين، وبعد السلام إذا كان عن زيادة أو شك ترجح فيه أحد الأمرين، وبهذا تجتمع الأدلة ونكون قد وصلنا إلى خلاصة وإلى تفصيل بحسب الأدلة، فالنبي ﷺ سجد قبل السلام جبرًا للنقص حين ترك التشهد الأول، كما في حديث عبد الله بن بحينة، وسجد بعد السلام حين زاد في الصلاة ركعة خامسة، كما في حديث عبد الله بن مسعود، وسجد بعد السلام أيضًا حين زاد سلامًا بعد الثانية في صلاة الظهر، كما في قصة ذي اليدين، وإذا قيل حديث ابن مسعود، لم يعلم النبي ﷺ بالزيادة فيه إلا بعد الانصراف، ولذلك سجد بعد التسليم، فالجواب : لكنه لم يقل من زاد في صلاته : فليسجد قبل التسليم، وهذا يدل على أن سجود السهو بعد التسليم قد وقع في موضعه، وأمر بالسجود قبل السلام عند الشك، إذا بنى المصلي على اليقين وهو الأقل، فقال في حديث أبي سعيد : إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثًا أم أربعًا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلّم [رواه مسلم: 571]. وأمر بالسجود بعد السلام إذا بنى المصلي على غلبة الظن، كما في حديث ابن مسعود : إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلّم ثم يسجد سجدتين [رواه البخاري: 1020، ومسلم: 572]. فسجود البناء على اليقين قبل السلام، وسجود البناء على غالب الظن بعد السلام، قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "فهذا القول الذي نصرناه هو الذي يستعمل فيه جميع الأحاديث، لا يترك منها حديث، مع استعمال القياس الصحيح فيما لم يرد فيه نص، وإلحاق ما ليس بمنصوص بما يشبهه من المنصوص". [مجموع الفتاوى: 23/25]
مراجعة الآن لما تقدم حتى لا نقول ضعنا واختلطت علينا الأمور:
إذا نقص في الصلاة متى يسجد؟ قبل السلام.
إذا زاد في الصلاة متى يسجد؟ بعد السلام.
إذا شك في الصلاة وترجح لديه شيء متى يسجد؟ بعد السلام.
إذا شك وما ترجح لديه وبنى على اليقين متى يسجد؟ قبل السلام.
لماذا يسجد للزيادة بعد السلام مع أن الأصل أن سجود السهو جزء من الصلاة؟ يعني إذا أتيت على النظر فستقول بدون أدلة أن سجود السهو قبل السلام ؛لأنه جزء من الصلاة وتحليلها التسليم فلماذا كان سجود السهو للزيادة بعد السلام؟ لأن سجود السهو زيادة أيضًا، فكان من الحكمة أن يؤخر سجود السهو إلى ما بعد السلام، لئلا يجتمع في الصلاة زيادتان، هكذا علله الشيخ في الشرح الممتع [الشرح الممتع: 3/342].
ويسجد للنقص قبل السلام، لأن الصلاة ناقصة بسبب ترك شيء، فكان من مقتضى الحكمة أن يسجد للسهو قبل أن يسلّم، لأن الصلاة لم تكتمل ليجبر النقص قبل أن يفارق الصلاة، طبعًا الخلاف الذي حصل بين العلماء في قضية سجود السهو قبل أو بعد، بعضهم قال : أنت مخير وبعضهم قال : الأفضل أن تفعل كذا، وإذا خالفت ما عليك شيء، والبعض قال : يجب أن تلتزم بمواضع سجود السهو، كما وردت في الأحاديث، ولا يجوز لك أن تخالف، وممن ذهب إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – وقال : فيه أوامر تقتضي الوجوب، وتابعه على هذا من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين، ممن ذهب إلى أن القضية السجود قبل أو بعد، الالتزام بها حسب الأدلة للاستحباب، علماء كثيرون من الماضين، ومن المعاصرين الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - وأن الأمر فيها واسع.
يشرع في سجود السهو تكبيرات الانتقال. سنكمل إن شاء الله بعد الحج وصلى الله وسلّم على نبينا محمد.