نأتي إلى القسم الثالث: وهو الدم غير المسفوح؛ ما مثاله أعطونا مثالاً للدم غير المسفوح، الدم داخل قلب الحيوان المذبوح المتجلط، الدم المسحوب من الناس هذا مسفوح، مسحوب منه هذه الكمية؛ فسواء خرج من ثقب قطره هه ملي متر أو ثقب قطره سنتيمتر، هذا دم مسفوح، دم التبرع، والتبرع بالدم يعتبر دمًا مسفوحًا وكثير، هو يتم تعبئتها في عبوات لحفظها، الدم التبرع ما هو دم يسير، سيأتي معنى الدم اليسير القطرة والقطرتان، التبرع بالدم الدم في التبرع ليس يسيرًا كم يطلع تقريبًا يعني العبوة نص لتر نصف لتر يعني يسحبه من الشخص عادة، يعني نصف لتر ليس قطرة أو قطرتان.
والدم غير المسفوح: هو الدم الذي يبقى عادة في عروق الحيوان بعد ذبحه، يعني إذا انتفض الحيوان وخرج منه الدم الكثير المسفوح يبقى في عروق اللحم أثر الدم، ولذلك الأضاحي غالبًا إذا طبخت فإن القدور يعلوها حمرة الدم، ومهما أخذت يبقى، يعني حديث عهد بحياة
فما تبقى من الدم في عروق الذبيحة بعد ذبحها هذا من الدم غير المسفوح، يبقى شيء حتى مثلاً الرقبة، إذا أخذت ما يبقى عليها شيء من أثر الدم بعد الذبح؛ هذا يعتبر من الدم غير المسفوح؛ لأنك لو قلت بأنه دم مسفوح يلزم غسلها، ولازم نعمل تنقية للحم من كل العروق ونطلع كل قطرات الدماء وهذا حرج لا تكلف به الشريعة.
فلو واحد قال أعطينا مثال على أن الدين يسر لزيف وخطأ كثير من الأمثلة التي يقول بها المتساهلون اليوم.
لو واحد قال أعطينا مثال صحيح على يسر الشريعة فنقول: ما تبقى من الدم في عروق الذبيحة معفو عنه، ولا توجب الشريعة تصفية كل دم موجود في الذبيحة، أو غسل هذا.
وأيضًا فيأتينا دم الكبد والطحال، تتخيل الكبد هذه يعني ما يبقى شيء من الدم فيها لا، تؤخذ من الذبيحة وتؤكل فيها دم، "أحلت لنا ميتتان ودمان" سيأتي.
إذًا الدم الذي يتبقى في عروق الحيوان بعد ذبحه أو يكون مع لحمه ملتطخًا به طاهر لا لبس فيه، لتخصيص التحريم والنجاسة بالدم المسفوح في قول الله تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الأنعام: 145]، يعني: كله.
وإذا كان الدم المسفوح رجس، ما هو المفهوم؟ المنطوق: أن الدم المسفوح رجس، والمفهوم: أن الدم غير المسفوح ليس برجس، هذا المفهوم، إذن، مفهوم الآية يدل على أن الدم غير المسفوح وهو الذي يبقى في العروق حلال طاهر.
قال الطبري -رحمه الله-: "وفيه الدليل الواضح أن ما لم يكن منه مسفوحًا فحلال غير نجس" [تفسير الطبري: 12/ 193].
قال عمران بن حدير: "سألت أبا مجلز عن الدم وما يتلطخ بالمذبح من الرأس؟ وعن القدر يرى فيها الحمرة؟ يعني مثل طبخ الأضاحي، فقال: إنما نهى الله عن الدم المسفوح، قال أبو جعفر الطبري: فأما ما كان قد صار في معنى اللحم كالكبد والطحال وما كان في اللحم غير منسفح، فإن ذلك غير حرام؛ لإجماع الجميع على ذلك" [تفسير الطبري: 9/492-493].
قال القرطبي -رحمه الله: "وقالت نحوه عائشة وغيرها، وعليه إجماع العلماء، وقال عكرمة: لولا هذه الآية لتتبع المسلمون من العروق ما تتبع اليهود" يعني اليهود عندهم في ديانتهم من الآصار والأغلال التي كانت عليهم تتبع القطرات كل تتبع الدم من اللحم.
وقال إبراهيم النخعي: "لا بأس بالدم في عرق أو مخ" [تفسير القرطبي: 7/124].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فأما غير المسفوح كالذي يكون في العروق فلم يحرمه؛ بل ذكرت عائشة أنهم كانوا يضعون اللحم في القدر فيرون آثار الدم في القدر" [مجموع الفتاوى: 19/25].
وقال أيضًا: "ففرق -سبحانه- بين الدم الذي يسيل وبين غيره، ولهذا كان المسلمون يضعون اللحم في المرق وخطوط الدم في القدر بيّن، ويأكلون ذلك على عهد رسول الله ﷺ كما أخبرت بذلك عائشة، ولولا هذا لاستخرجوا الدم من العروق كما يفعل اليهود" [مجموع الفتاوى: 21/100].
وقال أيضًا: "أكل الشوي والشريح جائز سواء غُسل اللحم أم لم يغسل؛ بل غسل الذبيحة بدعة"، يقول شيخ الإسلام من غسلها يعني اعتقادًا بوجوبه، يعني لو واحد قال: والله أنا هذه الرقبة أريد أغسلها؟ أنا نفسي تعاف المنظر ما في مانع؛ لكن لو واحد قال: أنا أرى وجوب غسل لحم الذبيحة قبل طبخه، وقبل وضعه في القدر وجوبًا، نقول: أنت مبتدع؛ لأنك أوجبت على الناس أو على نفسك ما لم يوجبه الله عليك، والوجوب حكم من الأحكام الخمسة، فإذا اعتقدت بحكم دون دليل فهذه بدعة.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "بل غسل لحم الذبيحة بدعة، فما زال الصحابة -رضي الله عنهم- على عهد النبي ﷺ يأخذون اللحم فيطبخونه ويأكلونه بغير غسله، وكان يرون الدم في القدر خطوطًا، قال: وذلك أن الله إنما حرم عليهم الدم المفسوح".
ماذا يعني المسفوح؟ قال شيخ الإسلام: "المصبوب المهراق، فأما ما يبقى في العروق فلم يحرمه".
وقال أيضًا: "وقد ثبت أنهم كانوا يضعون اللحم في القدر فيبقى الدم في الماء خطوطًا، وهذا لا أعلم بين العلماء خلافًا في العفو عنه وأنه لا ينجس باتفاقهم" [مجموع الفتاوى: 21/522].
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضًا: "الدم الذي يصيب بشرة الإنسان وثيابه من الدم الذي بين اللحم ليس بنجس، لأنه ليس دمًا مسفوحًا. [مجلة البحوث الإسلامية: 66/ 108].
إذن، لو واحد أصاب بدنه أو ثوبه من دم الحيوان المسفوح عند الذبح الجزار مثلاً ذبح الدم طرش عليه، هذا دم ماذا؟ مسفوح، إذن هو نجس، لكن واحد بعد الذبح حمل جزءًا من الذبيحة، فما تبقى من دم في عروقها، جاء على ثوبه ماذا نحكم؟ بطهارته؛ لأنه دم غير مسفوح؛ لأن الله حرم في الآية الدم المسفوح، والمسفوح: المصبوب المهراق، ما وجد كيسًا حملها على كتفه أخذ الذبيحة بقيت أشياء في عروقها جاءت عليه، طاهر.