الخميس 10 شوّال 1445 هـ :: 18 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أحكام النجاسة - الدرس الثاني عشر


عناصر المادة
ملخص الدرس الماضي
وسائل التطهير غير الماء
ماهية النجاسات المعفو عنها
النجاسة في معدنها لا حكم لها
حكم بخار النجاسة
حكم الانتفاع بالأشياء النجسة أو المتنجسة
حكم التداوي بالنجاسة
حكم الحيوانات التي تتغذى بالنجاسات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

ملخص الدرس الماضي

00:00:17

فقد تحدثنا في الدرس الماضي عن كيفية تطهير الأشياء المتنجسة من النجاسة، وأن إزالة النجاسة تتوقف على أمرين: إزالة عينها، وإزالة صفاتها من اللون والرائحة والطعم، وأن بقاء اللون والرائحة لا يضر إذا شق ذلك، فأحيانًا غسل الدم من الثوب مثلًا يبقى معه أثر يسير مع تكرار الغسل، فهذا البقاء لا يضر؛ لأنها إزالة هذا الباقي فيه حرج، والشريعة جاءت برفع الحرج.

وكذلك قلنا : إنه لا يشترط عدد معين لغسل النجاسات، بل الواجب أن تزول عين النجاسة، وأثر النجاسة، بغض النظر عن عدد الغسلات، وبعض الناس يقول : هذه الغسالات الموجودة الآن يوضع فيها الغسيل والماء يمكن يغير مرة واحدة أو مرتين، فهل يشترط عدد معين للغسلات بحيث نضبط غسالاتنا مثلًا عليه؟

فهذا هو الجواب: أنه لا يشترط عدد معين من الغسلات على الراجح، لا ثلاث ولا سبع ولا خمس، وإنما يكون الأمر بزوال النجاسة، بغض النظر عن عدد الغسلات.

وتحدثنا عن مسألة إزالة النجاسة بغير الماء، وأن مذهب جمهور العلماء أن تطهير النجاسات لا يكون بغير الماء، ولابد من الماء، ولا يقوم شيء آخر مقامه.

وذهب أبو حنيفة -رحمه الله- أنه يصح تطهير النجاسة بغير الماء؛ لأن إزالة النجاسة ليست أمرًا تعبديًا، بمعنى إن العلة معقولة، وليست قضية غيبت عنا بحيث نقول : هذه مجرد تعبد، وما نعرف العلة، ولا نعرف المعنى، بل إن المعنى في إزالة النجاسة مفهوم، يعني يدرك بالعقل، ليست قضية تعبدية بحتة مثل القضايا الغيبية، بل إن العلة مفهومة في زوال النجاسة، هناك شيء خبيث المطلوب شرعًا أن يزول هذا المعنى المفهوم بأي وسيلة حصل تحقق المقصود الشرعي.

فإذن، يتحقق المقصود الشرعي بإزالة النجاسة حتى لو بغير الماء، واختار هذا القول أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وغيره من المعاصرين الشيخ عبد الرحمن السعدي (المصنف)، وكذلك تلميذه الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين.

وسائل التطهير غير الماء

00:03:34

وذكرنا من وسائل التطهير غير الماء:

أولًا: المسح كما في الآلات المصقولة التي لا تتشرب النجاسة كالسكين والزجاج والسيف، ونحو ذلك، فلو ما غسلت السكين بالماء لكن مسحته مسحًا أزال الدم أو أزال النجاسة عنها تمامًا ما هو الحكم؟

حصل التطهير.

ثانيًا: الجفاف، فإذا أصابت النجاسة أرضًا أو شجرًا أو حجرًا أو بلاطًا، وتركت حتى جفت بفعل الشمس أو هبوب الريح والغبار، ونحو ذلك، ما عاد يوجد للنجاسة أثر فإن هذا يعتبر تطهيرًا.

ثالثًا: الدلك، مثل دلك الخف والنعل الذي في أسفله نجاسة بالتراب قبل دخول المسجد أو قبل الصلاة، لو واحد أراد أن يصلي بنعاله على الأرض، على الرمل، على التراب، على الشاطئ، في الحديقة، فأراد أن يصلي بنعاله، والصلاة بالنعال صحيحة شرعًا، وفيها مخالفة لليهود، ولا حرج في هذا، لكن لو كان النعال هذا فيه أو في أسفله خبث، نجاسة، فالدلك يكفي في التطهير، فلو دلكه دلكًا بحيث أنه لا يرى فيه نجاسة، أو ذهب ما فيه من القذر والأذى أو النجاسة، فإن التطهير يكون قد حصل أيضًا، ودليل هذا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-  إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى فليمسحه، وليصل فيهما [رواه أبو داود 650، وصححه ابن خزيمة، وكذلك ابن حبان، صححه النووي والألباني].

رابعًا: تكرار المشي في الثوب الطويل كما عرفنا في عباءة المرأة إذا كانت تلبس ثوبًا طويلًا أو عباءة طويلة ومرت بمكان فيه نجاسة، ثم مرت على أرض طاهرة بعده بحيث كان المرور الثاني مزيلًا للأذى الأول، فما دام أن هذا قد زال ولو بتكرار المشي وسحبه على الأرض كما دل عليه حديث: يطهره ما بعده ؛ لأن هذا حصل على عهد النبي ﷺ.

وسئل ﷺ من قبل النساء وإن المرأة مطلوب للستر أن ترخي ثوبها حتى تستر قدميها.

وإذا أصاب هذا الثوب نجاسة؟ قال: يطهره ما بعده [رواه أبو داود: 383، وابن ماجه: 531].

خامسًا: التطهير بالبخار، كما هو معروف اليوم في المغاسل التي تنظف الثياب بالبخار، فما دام زالت النجاسة ولو بالبخار فإن التطهير يكون قد حصل.

وخلاصة ما سبق: أنه لا يشترط لإزالة النجاسة عدد، ولا طريقة محددة، أو مزيل معين، بل يجوز أن تزال بأي منظف أو طريقة، أو عدد تزول بها أوصاف النجاسة الثلاثة؛ لأن وسيلة التطهير من النجاسة كما قلنا معقولة المعنى، وليست غائبة أو تعبدية محضة بحيث أنه لابد أن يشترط صفة معينة، ولكن لو نظرت مثلًا إلى تطهير نجاسة الكلب فإن القضية تعبدية، ولأنه نص على السبع فلابد من السبع، بمعنى لو قال واحد : فيه منظفات الآن قوية جدًا بغسلة واحدة يزول أثر لعاب الكلب؟

نقول: لا، هنا يوجد نص شرعي في تحديد عدد معين  فليغسله سبعًا ، لكن هذا العدد ما ورد في النجاسات الأخرى، لو ورد في النجاسات الأخرى لقلنا به، والتزمنا به وألزمنا به، لكن ما هو موجود هذا العدد في النجاسات الأخرى، لكن في نجاسة الكلب تحديدًا ورد السبع، فسواء أدركنا العلة أو ما أدركناها، ولماذا إحداهن بالتراب؟ سواء أدركنا العلة أو ما أدركناها، فلابد من استعمال الماء والغسل به سبعًا، وأن تكون إحداهن بالتراب، وبهذا نكون قد عرفنا موضوع الأعيان المتنجسة، وكيف التطهير منها والإزالة، وخصوصًا مع وجود المنظفات والكيماويات في زمننا هذا ما حكم استعمالها في التنظيف؟ وهل تزول النجاسة بهذه المنظفات أم لا؟

ماهية النجاسات المعفو عنها

00:09:10

نأتي الآن إلى مسألة وهي: ما الذي يعفى عنه من النجاسات؟ يعني الشريعة مبنية على رفع الحرج، الشريعة فيها إزالة المشقة، وعدم إعنات العباد وعدم إحراج المتعبدين.

هل فيه أشياء من النجاسات الشريعة جاءت بالتخفيف فيها؟

ذهب جمهور العلماء: إلا أنه لا يعفى عن شيء من النجاسة إلا يسير الدم والقيح.

الجمهور عندهم المستثنى يسير الدم والقيح، يعني لو قال : فيه نقطة صغيرة من الدم أو القيح فيقال : معفو عنه.

ما هو دليل الجمهور على عدم التفريق في النجاسات الأخرى؟

قالوا: إن الأدلة لم تفرق بين كثير النجاسة وقليلها، وقد اختارت اللجنة الدائمة هذا القول فجاء في فتوى اللجنة الدائمة : النجاسة من غير الدم والقيح والصديد لا يعفى عن كثيرها ولا قليلها.

أما الدم والقيح والصديد فيعفى عن اليسير منه إذا لم يكن خارجًا من الفرج؛ لأنه إذا خرج من الفرج صار مثله مثل البول، نقطة دم تخرج من الفرج مثلها مثل نقطة بول، فلا يقال : هنا بالتخفيف أو أن هذه ممكن يتغاضى عنها فلابد من غسلها، ولابد من تطهير المكان ومعروف الحديث، أما أحدهما فكان لا يستنجي من بوله، لا، كان لا يستبرئ من بوله  لا يستبرئ.

إذن، فتوى اللجنة: أن النجاسة إذا كانت يسيرة من الدم والقيح والصديد معفو عنها ما لم تكن خارجة من السبيلين، إذا كانت خارجة من السبيلين سواء القبل أو الدبر فإنها نجاسة لا يعفى عنها، فلابد من تطهيرها.

الدم والقيح والصديد، قالت اللجنة لأن في الاحتراز من قليلها مشقة وحرج، وقد قال تعالى:  وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ  [الحـج: 78]، وقال: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185]، وهذه فتوى اللجنة برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-.

أقوال العلماء الأخرى، نحن قلنا : الجمهور، وتبع الجمهور اللجنة الدائمة، لكن غير الجمهور، ذهب الحنفية إلى العفو عن يسير جميع النجاسات، وحجتهم قضية مشقة التحرز منها، وتكلموا في مسألة رشاش البول البسيط الذي لا يدركه الطرف إذا أصاب الثوب أو البدن، هناك احتمال في حالات أن يصيب رشاش البول الثوب، لكن هو رشاش يسير بحيث لا تدركه العين ولا تراه، قال ابن المنذر: "وقد اختلفوا في البول اليسير مثل رؤوس الإبر" لاحظ التمثيل "مثل رؤوس الإبر يصيب الثوب اختلفوا فيه، فقالت طائفة : يجب غسل قليل ذلك وكثيره" هذا كلام ابن المنذر "وفي كتاب محمد بن الحسن" من هو محمد بن الحسن؟ صاحب أبي حنيفة : "فيمن ينتضح عليه مثل رؤوس الإبر، واستيقن أنه بول قال : ليس عليه غسله"، وقال ابن المنذر: "قيل لمسعر: إن أبا يوسف يقول: لا بأس بالبول إذا كان مثل عين الجراد ورؤوس الإبر فجعل يستحسنه" [الأوسط، لابن المنذر: 2/138] يعني يوافق على التخفيف.

ما هي أدلتهم غير قضية مشقة التحرز؟

قالوا : ما رواه مسلم عن أبي وائل قال: "كان أبو موسى يشدد في البول ويبول في قارورة" يعني حتى يحترز من أي ارتداد يبول في قارورة، "ويقول إن بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض" [رواه مسلم: 273].

طبعًا فيه كلام طويل في قضية الذي أصاب الثوب وإلا الجلد؛ لأن قرض الجلد هذا مؤلم جدًا، فذهب بعض شراح الأحاديث إلى أن المقصود بالقرض الثوب أن يصيبه هذا فيقرض الثوب.

على أية حال معنى "يقرض" يعني يزال منه قطعة، نحن نعرف أن الله -سبحانه وتعالى- شدد على بني إسرائيل بذنوبهم ومعاصيهم.

على أية حال: أبو موسى كان يقول في تبرير ما يفعله : "إن بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض" يعني كانوا يقولون : نحن عندنا غسل الماء، فلابد نلتزم التزامًا كاملًا.

من الذي سمع الكلام؟

حذيفة -رضي الله عنه- فقال حذيفة: "لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد، فلقد رأيتني أنا ورسول الله ﷺ نتماشى" يعني كنا نمشي سويًا "فأتى سباطة" مكان رمي القمامة "فأتى سباطة" خلف حائط فقام كما يقوم أحدكم فبال؛ لأن الجلوس في وسط القمامة صعب، فقام للعذر لعدم إمكان الجلوس، والا هو عليه الصلاة والسلام ما كان يبول إلا جالسًا، لكن بوله قائمًا في هذه الحالة لبيان الجواز، وخصوصًا في مثل الأماكن التي يصعب فيها الجلوس، قال حذيفة يروي ماذا حصل : "فقام كما يقوم أحدكم فبال فانتبذت منه" يعني ابتعدت عنه أدبًا "فأشار إلي كأنه يريد أن يستره، فجئت فقمت عند عقبه" [رواه مسلم: 273].

إذن، ولاه ظهره ليستره، وقام عند عقبه حتى فرغ، قال النووي: "مقصود حذيفة: أن هذا التشديد" يعني الذي عليه أبو موسى "خلاف السنة، فإن النبي ﷺ بال قائمًا، ولا شك أن بول الإنسان قائمًا معرضا للرشيش" ولو بنسبة يسيرة، فحذيفة أورد القصة لماذا؟ يرد على أبي موسى يقول : إذا كان أبو موسى يبول في القارورة خشية أن ما يرتد عليه ولا شيء، النبي ﷺ ما فعل هذا، لما جاء إلى مكان يصعب فيه الجلوس بال قائمًا، علمًا أن البول قائمًا إلا ما يحصل فيه شيء من التعرض لهذا الرشيش، ولم يلتفت النبي ﷺ إلى هذا الاحتمال، يعني لو كان يريد أن يتلافى الاحتمال ما بال قائمًا، قال النووي : "ولم يلتفت النبي ﷺ إلى هذا الاحتمال، ولم يتكلف البول في قارورة كما فعل أبو موسى " [شرح النووي على مسلم: 3/167].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ويعفى عن يسير النجاسة حتى بعر فأرة ونحوها في الأطعمة"[الفتاوى الكبرى: 5/ 313-314]؛ لأن مخلفات الفأرة نجسة.

هذه الفأرة تدخل في أطعمة الناس فإذا قلت: والله حتى لو في ذرة، حتى لو في أي شيء من بعر الفأرة سوف يحول الشيء إلى نجس، ممكن نرمي كيس الرز ونرمي أشياء من الأطعمة؛ لأنه قد خالطها شيء من بعر الفأرة، ولذلك يقول شيخ الإسلام : الآن هذه الفأرة تدخل في أطعمة الناس، لو قلت : حتى لو شيء بسيط ارم ما تستعمل، هذا فيه مشقة ظاهرة، ولذلك قال: ويعفى عن يسير النجاسة، حتى بعر فأرة ونحوها في الأطعمة وغيرها، وهو قول في مذهب أحمد، ولو تحققت نجاسة طين الشارع عفي عن يسيره لمشقة التحرز عنه قال: وما تطاير من غبار السرجين ونحوه ولم يمكن التحرز عنه عفي عنه"[الفتاوى الكبرى: 5/ 314].

سبق عرفنا السرجين والسماد، وعلاقته ما يؤخذ من مخلفات وأرواث الحيوانات، وكان هذا له استعمالات في تسخين الماء، وكذلك التسميد.

على أية حال،  كان يستعمل وقودًا في الحمامات العامة في تسخين المياه.

الشاهد: الآن لما تأتي سيول، أحيانًا يختلط المطر بمياه الصرف، فتنبع وتصير الشوارع ملوثة والطين، فلو قيل للناس في هذه الأزمة: لابد تتلافوا كل نقطة يمكن فيها من مياه الصرف، ويمكن فيها من المجاري، هذا يعسر في الحقيقة، فهذه مشقة لا تأتي الشريعة بها، تلافي ذلك لمشقة بالغة، قال الكاساني: "ولأن القليل من النجاسة مما لا يمكن الاحتراز منه" [بدائع الصنائع: 1/79] لاحظ القيد "لا يمكن الاحتراز منه"؛ لأن الذي يمكن الاحتراز لماذا يأتي به الإنسان لنفسه؟ المسلم لا يعرض نفسه للنجاسة لا قليل ولا كثير، لكن يقول: "القليل من النجاسة مما لا يمكن الاحتراز منه" قال: "فإن الذباب يقعن على النجاسة" وهذا جواب بعض الموسوسين، بعض الموسوسين إذا جاء ذبابة يقول: أين كانت واقفة قبل يمكن جاءت من الحمام؟

إذن، أكيد نجاسة والآن وقفت على الثوب، إذن، صار نجساً، إذن، يجب، فيرتبون ترتيبات كثيرة بالوسوسة، فيقول الكاساني: "فإن الذباب يقعن على النجاسة، ثم يقعن على ثياب المصلي ولابد وأن يكون على أجنحتهن وأرجلهن نجاسة قليلة فلو لم يجعل عفوًا لوقع الناس في الحرج" [بدائع الصنائع: 1/ 79-80]

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في "الشرح الممتع": والصحيح ما ذهب إليه أبو حنيفة، وشيخ الإسلام من أن يسير النجاسة التي يعفى عنها لمشقة التحرز منه يسير سلس البول لمن ابتلي به" يقول الشيخ "يسير سلس البول لمن ابتلي به، وتحفظ تحفظًا كثيرًا قدر استطاعته"[الشرح الممتع: 1/447].

إذن، الشيخ يضرب مثالاً بالإنسان المبتلى بسلس البول مع أنه يتحفظ ويضع، ولكن قد يتسرب شيء فمثل هذا يعفى عنه.

ونلاحظ أيضًا في الكلام السابق أن الاحتمالات لا يرتب على وقوعها أعمال واجبة، بمعنى لو قال : فيه احتمال يكون ارتد رشاش البول علي، هو لو نظر ما رأى شيئاً؛ لأن البقعة لو كانت بقعة واضحة من البول كان رآها، لو كانت قطرة بول كان رآها، فلو قال : يوجد احتمال أنه ارتد علي رشاش.

طيب أنت الآن تراه؟

يقول: لا، ما أراه.

نقول: خلاص ما يجب عليك شيء.

لا توجب الشريعة هنا على الناس الغسل لاحتمال أن يكون قد أصابهم لاحتمال.

فهذه إذن، قضية احتمال أن يكون أصابه لا يعمل ما فيها شيء، ما في عمل معين يتخذه الآن أو يلزم به.

إذن، احتمال الإصابة هذا لا يجب به شيء.

النجاسة في معدنها لا حكم لها

00:24:22

ثانيًا: من الأحكام في النجاسة: النجاسة في معدنها لا حكم لها، ما معنى ذلك؟ ما معنى معدنها؟ يعني في مكانها الأصلي، يعني البول في المثانة، الغائط في القولون، الدم في الشرايين، هل هذه لها حكم؟

لا، ما لها حكم.

البول في المثانة، كل إنسان لا يخلو، لو قلنا : كل واحد في بدنه نجاسة، صحيح، لكن هل معناه أنك ما تصلي وأنت في بدنك نجاسة في الداخل؟ يعني أنت ما تصلي أبدًا، ولذلك النجاسة لا حكم لها إلا إذا خرجت، فالدم لا يحكم بنجاسته إلا بعد خروجه من الجسد وسيلانه، وأما وهو في داخل الجسد فلا يحكم بنجاسته.

وكذلك البول والغائط داخل جسم الإنسان لا يقال عنه: نجس.

قال النووي: "النجاسة المستقرة في الباطن لا حكم لها" [المجموع: 2/ 572].

ولو صلى حاملًا بيضة مذرة صار محها دمًا جاز؛ لأنه في معدنه، والشيء ما دام في معدنه لا يعطى له حكم النجاسة، بخلاف ما لو حمل قارورة مضمومة فيها بول فلا تجوز صلاته؛ لأنه في غير معدنه.

فلو قيل: ما حكم أن يصلي وهو حامل نجاسة قد انفصلت عن موضعها الأصلي؟

فالجواب: لا يجوز، لكن إذا كان لا يمكن التحرز منه كما أن بعض الناس -نسأل الله العافية- عندهم مرض ابتلاء أو بلاء في الجسد يصيبه، فيركب له أنبوب يخرج عبره البول ويتجمع في كيس من البلاستيك مثلًا، فهذا لو أزال الكيس قبل الصلاة ووضع كيسًا جديدًا سيخرج إليه البول، فشيء لا يمكن التحرز منه، فسيصلي على حسب حاله، لكن هذا ما عنده خيار آخر، هذا شيء لا يمكن التحرز منه.

لكن أن يحمل الإنسان نجاسة قد انفصلت عن موضعها الأصلي وخرجت من معدنها ويصلي، لا يفعل ذلك، فلو واحد قال: أنا في جيبي عينة تحليل بول فيها بول أصلي؟

نقول: لا تصل حاملًا للنجاسة.

هذا الحكم عند كثير من الفقهاء.

وبعضهم عندهم نزاع في قضية النجاسة المحمولة المنفصلة، يعني في قارورة، يعني ليست مماسة للجلد، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في "الشرح الممتع": "إن النجاسة في معدنها لا حكم لها، فلا تنجس إلا بالانفصال، وما في بطن الإنسان لم ينفصل بعد فلا حكم له".

من دقائق المسائل: ما سألت عنه شيخنا عبد الرحمن بن ناصر البراك -نفع الله به- في تفطير صاحب غسيل الكلى، فقال: إن خروج الدم بحد ذاته أعظم من الحجامة، الحجامة يخرج بعض الدم، غسيل الكلى يخرج الدم الكثير جدًا، فهذه واحدة قال: ثم دخوله مرة أخرى بعد التنقية هو كحقن الدم، وحقن الدم يفطر؛ لأنه مغذي، يعني لو واحد احتاج إلى نقل دم لحادث أو شيء، فحقن الدم هذا مفطر، بالإضافة إلى أن غسيل الكلى فيه إضافة أملاح وفيتامينات ومقويات إلى الدم عند تنقيته، لكن هناك نوع من الغسيل البروتوني لا يتم فيه إضافة مغذيات، لكن يبقى عندنا موضوع الخروج والدخول.

هذا إلى الآن لا علاقة له الموضوع هذا في الصيام، قال الشيخ: لكن لو أنهم اخترعوا جهازًا يقوم بالتنقية، ويثبت داخل الجسم، لو فرضنا أنهم اخترعوا جهازًا يكون داخل الجسم للتنقية، فالدم يخرج ويدخل عبر الجهاز هذا، فعند ذلك لا نقول بالتفطير.

أريد أن أستفيد من كلمة الشيخ هذه في بحثنا هنا، نحن قلنا : الدم لا يكون له حكم، أو النجاسة ليس لها حكم إلا إذا خرجت من معدنها، فالدم إذا خرج من الشريان، يعني خرج من الجلد، خرج من الجسم، صار له حكم أنه نجس ويغسل، وإلى آخره، لكن ما دام داخل الجسم فلا حكم له، يعني لا يقال : هو نجس، فكذلك الدم الخارج من الجسم حتى في غسيل الكلى إذا خرج هو الآن نجس، يعني هو الآن لو قطرت قطرة من الدم هذا على الثوب بعد الخروج، فهي نجسة عند الجمهور الذين يقولون أنه داخل في الدم المسفوح، لكن إذا كان داخل الجسم الدم يدخل الجهاز ويخرج، والجهاز داخل الجسم، فعند ذلك لا حكم بالنجاسة هنا ولا بالتفطير.

حكم بخار النجاسة

00:31:03

هل بخار النجاسة طاهر أم نجس؟

اختلف الفقهاء في طهارة الدخان المتصاعد من النجاسة، فذهب الحنفية على المفتى به لديهم، والمالكية في المعتمد في مذهبهم إلى أن دخان النجاسة ليس بنجس.

وذهب الشافعية في الأصح عندهم، والحنابلة في مذهبهم، وأبو يوسف من الحنفية إلى أن دخان النجاسة كأصلها، فما دام الأصل نجس فالدخان والبخار نجس.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: الدخان والبخار المستحيل عن النجاسة طاهر".

ما معنى المستحيل؟

المتحول..

إذن، قوله: "الدخان والبخار المستحيل عن النجاسة طاهر" يعني المتحول عن النجاسة قال: "لأنه أجزاء هوائية ونارية ومائية، وليس فيه شيء من وصف الخبث" [مجموع الفتاوى: 21/ 71].

وقال أيضًا في موضع آخر: وبخار الماء النجس الذي يجتمع في السقف طاهر" [مجموع الفتاوى: 21/611]، فلو فيه ماء نجس يغلى يخرج منه بخار يتصاعد يتكثف في السقف ثم قد يقطر من السقف مثلًا، فهذا عنده طاهر.

إذن، وافق شيخ الإسلام الحنفية والمالكية فيما ذهبوا إليه، قالوا : تحول عملية التبخير والتكثيف غيرته لم يعد كالأصل.

وهناك من العلماء من الفقهاء من قال حكمه كأصله.

حكم الانتفاع بالأشياء النجسة أو المتنجسة

00:33:29

رابعًا: هل يجوز الانتفاع بالأشياء النجسة أو المتنجسة؟

مثال: ما حكم إيقاد النار بالنجاسات بعظام الميتة بروث الحيوانات غير مأكولة اللحم؟ ما حكم طلي السفن بشحم الميتة؟ ما حكم استعمال شحم الميتة؟ ما حكم استعماله في الصناعات؟ ما حكم دهن السيور والقضبان المعدنية وتزييت المحركات ونحوها بشحم الميتة النجس؟ ما حكم إطعام العسل المتنجس للنحل؟ ما حكم صناعة الصابون من زيت متنجس؟

على أية حال: هذه المسألة أمثلتها في كتب الفقهاء المتقدمين، على حسب الاستعمالات الموجودة لديهم، الآن قد تكون هناك استعمالات أخرى كثيرة، فما حكم استعمال النجاسات في انتفاعات غير قضية أننا نحن نأكل أو نشرب؟ أو نتداوى، أو نتضمخ ونتمسح؟ نحن ما نتكلم عن استعمالنا نحن الشخصي الجسدي، لكن استعمالات في الآلات، استعمالات في تسخين المياه مثلًا ما حكم هذا؟

هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمن أهل العلم من قال: لا يجوز الانتفاع بالنجاسة بأي وجه من وجوه الانتفاع.

ومنهم من قال: يجوز الانتفاع بالنجاسات مطلقًا.

ومنهم من أباح استعمال النجاسات في أشياء، ومنعها في أشياء.

ومن أهم أسباب الخلاف في هذه المسألة فهم حديث جابر، عندنا نص، لكن القضية كيف يفهم؟ عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله ﷺ يقول عام الفتح وهو بمكة: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام  فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ تستعمل في المصابيح أو تستعمل في هذه المشكاة  فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ  [النــور: 35]، لكن هذه ما هو زيت زيتون طاهر، هذه من شحوم الميتة تستعمل في الإضاءة، قال ﷺ جوابًا على السؤال:  لا، هو حرام ، ثم قال رسول الله ﷺ عند ذلك  قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها  يعني شحوم الميتة  جملوه  يعني أذابوه ثم باعوه، فأكلوا ثمنه [رواه البخاري: 2236، ومسلم: 1581].

لما سئل النبي ﷺ عن شحوم الميتة النجسة والانتفاع بها في طلي السفن والاستصباح جعلها مثل زيت المصابيح، مثل الوقود للمصابيح، قال:  لا، هو حرام ، فكيف اختلف العلماء في فهم الحديث؟

كيف اختلفوا ؟ الذين قالوا بالجواز كيف فهموا الحديث؟ والذين قالوا بالتحريم كيف فهموا الحديث؟

قالوا : إنه يعود إلى البيع، يعني التحريم هو في البيع، وليس في الانتفاع.

الذين أجازوا الانتفاع بالنجاسات، قالوا: إن الضمير في قوله ﷺ:  هو حرام  راجع للبيع، لا للاستعمال، فبيع الميتة محرم ولو اشتمل على منافع، ما يجوز بيع الميتة ولا أجزاء الميتة، لا شحم ولا عظم ولا لحم، فقالوا: إن النبي ﷺ حرم البيع مع أنه سئل عن الاستعمال، فكونه سكت عن الانتفاع يدل على الإباحة، كونه سكت عن الانتفاع بها في طلي السفن والاستصباح بها في الإنارة، كونه سكت عن هذا وحرم بيعها فقط، فهذا يدل على جواز الانتفاع.

والذين يمنعون الانتفاع بالنجاسات ماذا قالوا؟

قالوا: إن الضمير في قوله: هو حرام  يرجع على الأفعال المذكورة في السؤال وهي الطلي والدهن والاستصباح.

وطبعًا يقاس عليها كل الانتفاعات الأخرى، أي وجه آخر من وجوه الانتفاع يقاس عليها، ولعل الأقرب في هذه المسألة -والله تعالى أعلم- جواز الانتفاع ما لم يلابس ويخالط النجاسة، يعني الشخص الذي يستعمل هذا إذا ما خالط ولابس النجاسة، فيجوز الانتفاع، قال الإمام النووي -رحمه الله-: وأما قوله ﷺ  لا، هو حرام  فمعناه لا تبيعوها فإن بيعها حرام، والضمير في هو يعود إلى البيع لا إلى الانتفاع. هذا هو الصحيح عند الشافعي وأصحابه أنه يجوز الانتفاع بشحم الميتة في طلي السفن، والاستصباح بها، وغير ذلك مما ليس بأكل، ولا في بدن الآدمي" يعني ما يتمسح به أو يعالج نفسه به، "وبهذا قال أيضًا عطاء بن أبي رباح، ومحمد بن جرير الطبري" [شرح النووي على مسلم: 11/6].

قال ابن القيم -رحمه الله-: "قوله: لا، هو حرام  هل هو عائد إلى البيع، أو عائد إلى الأفعال التي سألوا عنها؟ فقال شيخنا" يعني ابن تيمية "هو راجع إلى البيع، فإنه ﷺ لما أخبرهم أن الله حرم بيع الميتة، قالوا: إن في شحومها من المنافع كذا وكذا يعنون، فهل ذلك مسوغ لبيعها، قال:  لا، هو حرام  يعني البيع، وقال غيره من أصحاب أحمد-يعني غير شيخ الإسلام-: التحريم عائد إلى الأفعال المسؤول عنها، وقال:  هو حرام  ولم يقل : هي، لأنه أراد المذكور جميعه الانتفاع، يعني لا هو حرام عود الضمير إلى أقرب مذكور، ويرجحه من جهة المعنى أن إباحة هذه الأشياء ذريعة إلى اقتناء الشحوم وبيعها ويرجحه أيضًا، هذا الآن كلام ابن القيم أن في بعض ألفاظ الحديث، فقال:  لا، هي حرام ، وهذا الضمير، إما أن يرجع إلى الشحوم، وإما إلى هذه الأفعال والانتفاعات، وعلى التقديرين فهو حجة على تحريم الأفعال التي سألوا عنها، هذه الآن مرجحات ابن القيم، ذكر مرجحات لقضية تحريم الانتفاع بأي وجه، قال: ومن رجح الأول، يعني تحريم البيع فقط دون الانتفاع، يقول : ثبت عن النبي ﷺ أنه قال:  إنما حرم من الميتة أكلها  فقالوا: هذا الحديث نفسر به حديث لا، هو حرام ، وبالتالي الجمع بينهما يعطينا نتيجة بأن الحرام هو البيع  إنما حرم من الميتة أكلها  قال: وهذا صريح في أنه لا يحرم الانتفاع بها في غير الأكل كالوقيد، يعني إيقاد النار وسد البثوق، ونحوها، قالوا: والخبيث إنما تحرم ملابسته باطنًا وظاهرًا كالأكل واللبس، وأما الانتفاع به من غير ملابسة فلأي شيء يحرم، يعني إذا كان أنا لن آكل ولا أشرب ولا أمس ولا أدهن ولا أتعالج به لا باطنًا ولا ظاهرًا، آلات تحملها وآلات تضعها، فما المانع الآن بالآلات الحديثة؟ يمكن الاكتفاء وتلافي مس الإنسان لهذه الأشياء، هناك الآن مصانع، آلات مصانع تأخذ كل شيء، العنصر البشري لا يدخل في الموضوع، يعني التقنية الحديثة أو الصناعة الحديثة يمكن أن تجنبنا أي مخالطة أو ملابسة، وبالتالي فإذا أخذت الأشياء واستعملت أو صنعت وجعل منها أشياء ما يلابسها الإنسان ولا يخالطها فما المانع؟ يعني لو جعلت وقودًا في السفن تجعل في مكان يصير محروقات، محروقات تحرك السفينة مثلًا دون أن يمسها الإنسان، قالوا -أي المبيحون للانتفاع-: والخبيث إنما تحرم ملابسته باطنًا وظاهرًا كالأكل واللبس، وأما الانتفاع به من غير ملابسة فلأي شيء يحرم؟ قالوا: ومن تأمل سياق حديث جابر علم أن السؤال إنما كان منهم عن البيع، وأنهم طلبوا منه أن يرخص لهم في بيع الشحوم لما فيها من المنافع فأبى عليهم، وقال: هو حرام  فإنهم لو سألوه عن حكم هذه الأفعال لقالوا : أرأيت شحوم الميتة هل يجوز أن يستصبح بها الناس وتدهن بها الجلود؟ ولم يقولوا : فإنه يفعل بها كذا وكذا، فإن هذا إخبار منهم لا سؤال، وهم لم يخبروه بذلك عقيب تحريم هذه الأفعال عليهم ليكون قوله:  لا، هو حرام  صريحًا في تحريمها، وإنما أخبروه به عقيب تحريم بيع الميتة فكأنهم طلبوا منه أن يرخص لهم في بيع الشحوم لهذه المنافع التي ذكروها، فلم يفعل، ونهاية الأمر يقول ابن القيم : أن الحديث يحتمل الأمرين فلا يحرم ما لم يعلم أن الله ورسوله حرمه، يقول : أن كلا الأمرين محتمل فكيف نجزم بالتحريم إذا كان الأصل في الأشياء الإباحة والتحريم محتمل؟ وليس التحريم يقينياً، فإذا كان غير يقيني، فما هو الأصل؟ الإباحة، قالوا: وقد ثبت عنه أنه نهاهم عن الاستسقاء من آبار ثمود، وأباح لهم أن يطعموا ما عجنوا منه من تلك الآبار للبهائم، قالوا: ومعلوم أن إيقاد النجاسة أو الاستصباح بها انتفاع خال عن هذه المفسدة وعن ملابستها ظاهرًا وباطنًا، فهو نفع محض لا مفسدة فيه، وما كان كهكذا فالشريعة لا تحرمه، فإن الشريعة إنما تحرم المفاسد الخالصة أو الراجحة وطرقها وأسبابها الموصلة إليها" [زاد المعاد: 5/ 666].

ثم قال: وهذا هو الصواب، وأن بيع ذلك حرام، وإن جاز الانتفاع به، والمقصود أنه لا يلزم من تحريم بيع الميتة تحريم الانتفاع بها في غير ما حرم الله ورسوله منها كالوقيد، قال: وإطعام الصقور والبزاة، وغير ذلك، يعني الآن لو أنت تريد تطعم الصقر هل يجوز أن تطعمه ميتة؟

افرض انفصلت قطعة عن حيوان، وهذا القطعة محرم عليك أكلها؛ لأن ما انفصل عن حي فهو ميت، فهل يجوز أن تطعمها للصقر والباز الذي تصيد به؟

على كلام ابن القيم -رحمه الله- نعم، وقد نص مالك على جواز الاستصباح بالزيت النجس في غير المساجد، مالك، قال: المساجد لا، غير المساجد يجوز، وعلى جواز عمل الصابون منه، وينبغي أن يعلم أن باب الانتفاع أوسع من باب البيع، فليس كل ما حرم بيعه حرم الانتفاع به، بل لا تلازم بينهما، فلا يؤخذ تحريم الانتفاع من تحريم البيع [زاد المعاد: 5/ 668].

مثال على شيء يجوز استعماله، ولا يجوز بيعه : كلب الغنم، كلب الصيد، كلب الحراسة.

مثال آخر : القط، نهى عن ثمن السنور أو بيع السنور، عند بعض العلماء أنه يحرم بيع القط لهذا الحديث.

وبعضهم يتكلم في الحديث وأباح ذلك، فعلى قول من يحرم البيع بيع السنور وهو القط، فهذا شيء يحرم بيعه، لكن لا يحرم الانتفاع به.

بالمناسبة الدم يجوز استعماله اضطرارًا، إذا كان قضية حياة أو موت يحقن بالدم، لكن ما يجوز بيع الدم، ولذلك لا يجوز أخذ مقابل على التبرع بالدم؛ لأن هذا صار شراء وبيع، والحديث صريح في النهي عن ثمن الدم، صح الحديث في النهي عن ثمن الدم والخنزير والأصنام وثمن الكلب، فهذه أشياء لا يجوز بيعها، ولو قال: ما حكم أن أجعل من الآلات الموسيقية حطبًا؟

نقول: لا مانع.

وسبق أن ذكرنا أن ليس هناك تلازم بين التحريم والنجاسة، فليس كل حرام نجس، فالأصنام حرام، لكنها ليست نجسة إذا كانت مصنوعة من خشب مثلًا، رخام، حجر، هي ليست نجسة، لكنها حرام لا يجوز اتخاذها، ولا يجوز بيعها.

هذه مسألة الآن المال الخبيث، ليست نجاسته عينية، مواضعنا في أشياء النجاسة العينية.

حكم التداوي بالنجاسة

00:50:20

ما حكم التداوي بالنجاسة؟

الآن في بعض الأدوية الكحول المسكر، وفي بعض الأدوية أنه مأخوذ من بول المرأة الحامل.

التداوي يدخل فيه التداوي بالدم، التداوي بالكحول المسكر، التداوي بميتة، التداوي بأشياء مأخوذة من البول، إلى آخره، ما حكم التداوي بالنجاسة؟

أما الخمر فلا يجوز التداوي بها مطلقًا، وهو المعتمد في المذاهب الأربعة؛ لحديث وائل الحضرمي أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي ﷺ عن الخمر فنهاه، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال:  إنه ليس بدواء، ولكنه داء  [رواه مسلم: 1984].

هذا يبين إذًا تحريم التداوي بالخمر، وأن الخمر داء وليست بدواء، ولذلك قال الشاعر معترفًا:

وداوني بالتي كانت هي الداء ............................

بقية النجاسات ما حكم التداوي بها؟

من العلماء من منع التداوي بجميع النجاسات؛ لعموم الأدلة التي تمنع من التداوي بالمحرمات، والنجاسة محرمة، فالتداوي بها محرم، وهذا مذهب الحنابلة كما في "كشاف القناع" وغيره.

ومنهم من أجاز التداوي بجميع النجاسات ما عدا الخمر كما في مذهب الحنفية والشافعي.

ومنهم من فرق بين ظاهر البدن وباطنه، فلا يجوز التداوي بها عن طريق الأكل والشرب، ويجوز التداوي بها عن طريق ملابسة الجسد، وهذا مذهب المالكية.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن رجل وصف له شحم الخنزير لمرض به هل يجوز ذلك أم لا؟

قال: وأما التداوي بأكل شحم الخنزير فلا يجوز، وأما التداوي بالتلطخ به ثم يغسله بعد ذلك، فهذا ينبني على جواز مباشرة النجاسة في غير الصلاة، وفيه نزاع مشهور.

طبعًا ملامسة النجاسة للحاجة جائز مثل الاستنجاء، الاستنجاء يلامس النجاسة، لكن للحاجة يلامسها للإزالة.

ما أبيح للحاجة جاز التداوي به هذا في لبس الحرير صحيح، لكن الحرير طاهر ليس بنجس.

لا يجوز التداوي بشرب الخمر هذا فيه نص، سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- عن امرأة استعملت بعض الأدوية على رأسها مما أدى إلى تساقط شعر الرأس، وهناك دواء لإنبات الشعر يحتوي على شحم خنزير فما الحكم؟

فالشيخ أجاب بما يوافق مذهب المالكية من الجواز عند الحاجة إذا ثبت نفعه؛ لأنه لا يؤكل، فقال: لأن المحرم من الخنزير إنما هو أكله إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير، فاستعماله في دهن الرأس به إذا صح أنه مفيد، ولكن عند الصلاة يجب غسله؛ لأن شحم الخنزير نجس.

النووي -رحمه الله- مع أنه شافعي، والمذهب فيه جواز الاستعمال للحاجة اشترط شرطًا، قال: "إنما يجوز التداوي بالنجاسة إذا لم يجد طاهرًا يقوم مقامها فإن وجده حرمت النجاسات بلا خلاف"[المجموع: 9/ 50].

إذن، عندنا قضية الأكل والشرب هذه محرمة، النظر في الاستعمالات الخارجية، فمنهم من منع استعمال النجاسة مطلقًا حتى الاستعمالات الخارجية، وهذا مذهب الحنابلة.

والنووي اشترط أن لا يكون هناك بديل، فيصير من باب الضرورة.

حقن الدم؟

الدم نجس من أي باب نقول به، يعني حتى لو كان واحد على مذهب الحنابلة، الذين لا يجيزون التداوي بالنجاسات مطلقًا عمومًا، ولا بالداخل ولا بالخارج، ولا باطنًا ولا ظاهرًا.

الآن هذه ستحقن فمن أي باب سيجيزه؟

من باب أكل الميتة ضرورة، يعني لو ما حقن في دم يموت، فيكون حقن الدم الآن فيه ليس من باب التداوي، وإنما من باب إنقاذ النفس المعصومة، مثل أكل الميتة، ما هو تداوي هذا مثل أكل الميتة.

حكم الحيوانات التي تتغذى بالنجاسات

00:55:44

بقيت لدينا مسائل:

ما حكم الحيوانات التي تتغذى بالنجاسات؟

الآن فيه أعلاف داخل فيها ميتات، وأشياء خنزيرية، ودم بعضه كذلك، ما حكم الأشجار والنباتات التي تسمد بالنجاسات أو تسقى بمياه المجاري؟

وسنتحدث -إن شاء الله- عن موضوع الجلالة المتغذية بالنجاسات.

وكذلك ثمار الأشجار المسمدة بالنجاسات.

والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد.