الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد:
ملخص الدرس الماضي
فقد تحدثنا في الدرس الماضي عن سجود التلاوة، وأنها سجدة يسجدها المصلي عقب تلاوة آية من آيات السجود في القرآن، وأنها سنة مؤكدة من السنن الثابتة عن النبي ﷺ، وأن هذا السجود ليس بواجب على الراجح، ولكن إذا سجد الإنسان اعتزل الشيطان يبكي يقول: ويلك أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار.
قلنا: إن سبب سجود التلاوة أمران: التلاوة أو الاستماع، فيسن السجود للتالي والمستمع باتفاق الفقهاء، ويسجد المستمع إذا سمع تلاوة آية السجدة سواء كان القارئ في صلاة أو لا، كما في "المغني" و "المجموع" يسجد المستمع إذا سمع تلاوة آية السجدة سواء كان القارئ في صلاة أو لا.
إذًا، لو كان القارئ مصليًا، والمستمع لا يصلي، فسجد القارئ يسجد المستمع، وأما إذا كان المستمع في صلاة، والقارئ خارج الصلاة، يعني عكس المسألة الأولى، فلا يجوز للمصلي المستمع أن يسجد، ولو سجد التالي، والذي لا يصلي، فلو سجد التالي وهو في غير صلاة، لا يسجد المستمع؛ لأن المصلي المفترض أنه يقرأ هو، لا أن يستمع لقراءة غيره خارج الصلاة، فالمصلي عليه أن يقبل على صلاته، لا على قراءة غيره، سواء كان يصلي فرضًا أو نفلًا؛ كما في "المغني"، و"المجموع".
وأما السامع الذي يسمع القراءة ولم يقصد الاستماع، فاختلفوا في سجوده، والراجح أنه لا يسن له السجود، والمستمع إنما يسجد إذا سجد القارئ؛ لأنه تابع له، ولذلك فلا يسجد إذا سمع آية السجدة مسجلة من شريط أو جهاز تسجيل، لكنه إذا كان يستمع لنقل مباشر لتلاوة أو صلاة وسجد التالي سجد المستمع، أما إذا كان يستمع إلى قراءة صلاة التراويح مسجلة وليست منقولة حيًا حاضرًا بثًا مباشرًا، وإنما كان يستمع لتلاوة المصلي للتراويح في شريط فإنه لا يسجد ولو سجد هذا القارئ، لماذا؟
لأنه ليس بقارئ في الحقيقة، وإنما هو إعادة لصوت القارئ، يعني هذا يشبه الصدى، التسجيل يشبه الصدى، فهو ليس بقارئ حقيقة، ولكنه تسجيل لصوت القارئ.
وقد سبق معنا في الدرس الماضي قول الأحناف: إذا سمع آية السجدة من الصدى، أنه لا يجب عليه السجود، وهذا يشبه مسألة المسجل، وإذا كرر الآية الواحدة من آيات السجود في المجلس الواحد فهل يكرر السجود؟
إن لم يسجد حتى فرغ من جميع قراءته ثم سجد كفاه عن الجميع، فلو كررها خمس مرات ولم يسجد إلا في آخر مرة، أجزأه عن الجميع.
وإن سجد عند أول مرة تلا فيها السجدة فهل يستحب أن يسجد إذا كررها ثانية وثالثة وهكذا؟
جمهور العلماء أنه يتكرر السجود، مع تكرر التلاوة.
ومذهب أبي حنيفة، أنه تكفيه السجدتان عن الجميع، سواء كانتا في البداية أو في آخر التلاوة، وهو قول بعض الشافعية، وبعض الحنابلة، كما في "بدائع الصنائع"، و"المجموع".
وقال ابن حجر الهيتمي: "ويحتمل أن يفرق بين من يكررها للحفظ فيكفيه مرة لئلا ينقطع عن قراءته وحفظه، ومن يكررها للتدبر والإيمان فيعيده" يعني يعيد سجدة التلاوة [الفتاوى الفقهية الكبرى: 1/ 198].
إذًا، لو قال: أنا أردد آية السجدة تدبرًا، فنقول: اسجد في كل مرة، فلو قال : أنا أرددها وأكررها للحفظ، فنقول: يكفيك مرة واحدة، لئلا يقطعك عن الحفظ، وخصوصًا عندما يكون الإنسان بين يدي شيخ مقرئ أو في حلقة تحفيظ فيكفي مرة واحدة.
وقال ابن قاسم -رحمه الله- في "حاشية الروض": "ويحتمل أن يقال: إن أعادها لحاجة كتكرير الحفظ، أو الاعتبار، أو لاستنباط حكم منها، أو لفهم معناها، ونحو ذلك لم يكرر السجود"[حاشية الروض المربع: 2/235].
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "إن كان الإنسان يكرر الآيات ليحفظ القرآن، فسجوده الأول يغني عن الباقي، ولا حاجة أن يعيد السجود"[مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 14/ 318].
قلنا: إن عدد آيات سجود التلاوة في القرآن خمسة عشر سجدة، اتفق الفقهاء على سجود التلاوة في عشرة مواضع منها، وهي في سورة الأعراف، والرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، والحج، والنمل، والسجدة، والفرقان، وفصلت، واختلفوا في سجود التلاوة في خمسة مواضع من القرآن، وهي السجدة الثانية في الحج، وسجدة سورة ص، وسجدات المفصل النجم والانشقاق والعلق، والأصح إثبات سجود التلاوة في هذه المواضع الخمسة ليكون المجموع خمسة عشر.
وسجود التلاوة يكون في الصلاة، فإن كان منفردًا سجد لقراءة نفسه، وإن كان مأمومًا فهو تابع للإمام، فإذا قرأ الإمام آية سجدة وسجد، فإن المأموم يتابعه ويسجد، وإن لم يسجد الإمام لم يسجد المأموم.
وقلنا : لا تكره قراءة آية السجدة في الصلاة السرية على الراجح؛ لأن الكراهة تحتاج إلى دليل شرعي، ولا دليل يدل على ذلك، ولكن إذا قرأ آية سجدة في صلاة سرية فلا يسجد، يعني ممكن الإمام يقرأ آية فيها سجدة في صلاة سرية، لكن لا يسجد حتى لا يشوش على المصلين، وإذا لم يسجد فلا يعد فعله مكروهًا؛ لأنه ما ترك السجدة أصلًا إلا لمصلحة الناس، لكن إذا أراد الإمام أن يسجد في صلاة سرية فليرفع صوته قليلًا عند آية السجدة حتى يعرف الناس أنه يريد السجود، فإن قال: أنا أريد أن أقرأ آية سجدة في صلاة سرية، وأريد أن أسجد، فنقول: إذًا، اجهر شيئًا ما لتسمعهم أنك قرأت آية فيها سجدة، حتى إذا سجدت لا يحدث تشويش كما في "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين:
شروط سجود التلاوة
قال المصنف -رحمه الله-: "سجدة واحدة"، فاتفق على أن سجود التلاوة سجدة واحدة.
ويشترط في هذه السجدة، ويستحب لها، ما يشترط ويستحب لسجدة الصلاة عند جمهور العلماء؛ من كشف الجبهة، والسجود على الجبهة، والأنف، واليدين، والركبتين، والقدمين، ومجافاة المرفقين من الجنبين، والبطن عن الفخذين، ورفع الساجد أسافله عن أعاليه، وتوجيه أصابعه إلى القبلة، وغير ذلك.
إذًا، الشروط والمستحبات في سجود التلاوة مثل الشروط والمستحبات في سجود الصلاة.
هل يشترط في سجود التلاوة والشكر، ما يشترط في الصلاة من الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة؟
هذه المسائل خلافية، ومنشأ الخلاف عند العلماء في هذه المسألة هو، هل سجدة التلاوة تعتبر صلاة أم لا تعتبر؟
فمن رآها صلاة اشترط فيها كل ما يشترط في الصلاة من الطهارة واستقبال القبلة وستر العورة وغير ذلك من شروط الصلاة ومن لم يرها صلاة، يعني سجدة التلاوة لم يشترط فيه شيئًا من ذلك.
ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف: أن حكم سجود التلاوة والشكر حكم الصلاة، وقد حكى ابن عبد البر على ذلك "الإجماع" كما في "الاستذكار".
وقال ابن قدامة -رحمه الله-: "يشترط للسجود ما يشترط لصلاة النافلة من الطهارتين من الحدث والنجس، وستر العورة واستقبال القبلة والنية، ولا نعلم فيه خلافًا إلا ما روي عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في الحائض تسمع السجدة تومئ برأسها. وعن الشعبي فيمن سمع السجدة على غير وضوء يسجد حيث كان وجهه"[المغني: 1/444].
وقال الحافظ العراقي -رحمه الله-: أما سجود التلاوة والشكر فإن أدخلناهما في مسمى الصلاة فقد تناولهما لفظ الحديث" يعني لا صلاة بغير طهور يعني لابد من طهارة لهما، وإن لم ندخلهما في مسمى الصلاة فقد جعل العلماء حكمهما كحكم الصلاة في اشتراط الطهارة، وإن لم ندخلهما في مسمى الصلاة.
فإذًا، إذا لم ندخلهما في مسمى الصلاة، هل يشترط لهما ما يشترط للصلاة؟
الجواب: لا، إذا أدخلناهما في مسمى الصلاة يشترط لهما ما يشترط للصلاة، ويدل أيضًا على هذا ما جاء عن عبد الله بن عمر : "لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر" [سنن البيهقي الكبرى: 2/461، رقم: 3775، وصححه الحافظ في [الفتح: 2/ 554].
وذهب بعض العلماء إلى أن هذا السجود ليس بصلاة هذا القول الثاني.
إذًا، القول الأول عليه أكثر العلماء أن سجود التلاوة وسجود الشكر مثل الصلاة في الشروط في المستحبات والواجبات وهكذا..
القول الثاني: هذا السجود ليس بصلاة، فلا يشترط لهما ما يشترط للصلاة، لا من جهة الطهارة ولا ستر العورة ولا استقبال القبلة، وعليه فيشرع سجود التلاوة للمحدث والحائض والجنب، ولا يشترط له ستر العورة ولا استقبال القبلة، من قال بهذا القول؟
هذا قول الشعبي والبخاري حيث قال في صحيحه: "باب سجود المسلمين مع المشركين، والمشرك نجس ليس له وضوء، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسجد على غير وضوء".
من الذي قال به أيضًا؟ ابن حزم -رحمه الله-، واختاره شيح الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني والصنعاني، ومن المتأخرين المعاصرين علماء اللجنة الدائمة، والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين أيضًا، قالوا: إن سجود التلاوة ليس صلاة ولا يشترط له ما يشترط للصلاة.
ما هي أدلة هذا الفريق؟
استدلوا بما رواه البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس، قالوا : يبعد في العادة أن يكون جميع من حضر من المسلمين كانوا عند قراءة الآية على وضوء؛ لأنهم لم يتأهبوا لذلك، ويؤيدها أن لفظ الحديث: وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس فسوى ابن عباس في نسبة السجود بين الجميع، وفيهم من لا يصح منه الوضوء أصلًا كالكافر لو توضأ لا يصح وضوءه؛ لأنه كافر، فيلزم أن يصح سجود ممن كان بوضوء وممن لم يكن بوضوء والله أعلم.
ولكن قد يجاب عن هذا بأن يقال : إن السجود في ذلك الوقت، يعني لما سجد النبي ﷺ في مكة بسورة النجم كان قبل أن يفرض الوضوء أصلًا؛ لأن فرض الوضوء لم يكن إلا مع فرض الصلاة، والصلاة لم تفرض إلا متأخرة قبل الهجرة بسنة أو ثلاث سنوات، وما دام الاحتمال قائمًا فالاستدلال فيه نظر.
الرد من الجهة الأخرى، قال ابن القيم -رحمه الله-: "فإن قيل : فلعل الوضوء تأخرت مشروعيته عن ذلك، قيل: الطهارة شرعت للصلاة من حين المبعث، ولم يصل قط إلا بطهارة أتاه جبريل فعلمه الطهارة والصلاة" [تهذيب السنن: 1/ 68].
واستدلوا أيضًا بأن النبي ﷺ كان يقرأ القرآن فإذا مر بالسجدة سجد، وسجد معه أصحابه، ولم يثبت عنه ﷺ أنه أمرهم بالطهارة في ذلك، ومعلوم أن المجالس تضم من هو جنب، ومن هو غير جنب، ولو كانت الطهارة شرطًا للسجود من الحدث الأكبر، أو من الحدثين لبينه ﷺ؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ذكر نحو هذا ابن القيم -رحمه الله- في "تهذيب السنن"، وذكره الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في فتاواه، واستدلوا أيضًا بما روي عن ابن عمر: أنه كان يسجد على غير وضوء، رواه ابن أبي شيبة عنه في المصنف، لكن السند فيه عن عبيد بن الحسن عن رجل عن سعيد بن جبير، قال: "كان عبد الله بن عمر ينزل عن راحلته فيهريق الماء" يعني يقضي حاجته ثم يركب، يعني راحلته، فيقرأ السجدة فيسجد وما يتوضأ، قال ابن حجر: "لم يوافق ابن عمر أحد على جواز السجود بلا وضوء إلا الشعبي"[أخرجه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح" [فتح الباري، لابن حجر: 2/ 553]، وأخرجه أيضًا بسند حسن عن أبي عبد الرحمن السلمي: أنه كان يقرأ السجدة ثم يسلم وهو على غير وضوء.
وأجيب عن أثر ابن عمر أن فيه جهالة كما ذكر العراقي؛ لأن هذا الرجل لم يسم في السند، ولذلك فلا تصح نسبة هذا القول إلى ابن عمر، خصوصًا وأنه قد صح عن ابن عمر نفسه- أنه قال: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر، ولكن أثر ابن عمر في سجوده على غير وضوء قد أخرجه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم، وسكت عنه الحافظ في "الفتح"، ولذلك حاول بعض العلماء أن يجمع بينهما، ويقول: لعل كلا الأثرين عن ابن عمر صحيح بالطهارة، أو بغير الطهارة، فالذي بطهارة يعني الطهارة الكبرى، والثاني الذي بغير طهارة لعله وقع منه في حال الضرورة، أو يحمل الذي بطهارة على الاستحباب، والذي بغير طهارة على الجواز، ونحو ذلك، يعني حاولوا التوفيق بين الأثرين عن ابن عمر لو كان كلاهما صحيحًا.
الذين قالوا : سجود التلاوة ليس بصلاة، قالوا ما في تسليم، والصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم، قال ابن القيم: فإن أئمة الحديث والفقه ليس فيهم أحد قط نقل عن النبي ﷺ، ولا عن أحد من أصحابه أنه سلم منه، وقد أنكر أحمد السلام منه، وكذلك المنصوص عن الشافعي أنه لا يسلم فيه، وقالوا : السجود وحده ليس صلاة ولا في حكم الصلاة، ولكنه جزء من الصلاة، من جنس ذكر الله وقراءة القرآن والدعاء، يعني الصلاة فيها تسبيح، فهل يشترط للتسبيح وحده الطهارة؟ الصلاة فيها دعاء فهل يشترط للدعاء وحده الطهارة؟
وكذلك الصلاة فيها سجود، ولكن السجود وحده لا يشترط له الطهارة، قالوا: ولكنه جزء من الصلاة من جنس ذكر الله وقراءة القرآن والدعاء، ولهذا شرع في الصلاة وخارجها فكما لا يشترط الوضوء لهذه الأمور، وإن كانت من أجزاء الصلاة، فكذا لا يشترط السجود، وكونه جزءًا من أجزائها لا يوجب أن لا يفعل إلا بوضوء. هذا ذكره ابن القيم في حاشيته.
فالمسألة كما هو ظاهر ليس فيها نص صريح، ومن أجاز السجود بغير طهارة له حجته، ولكن قول الجمهور يعني جماهير السلف والخلف أحوط، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن سجدة التلاوة: "ليست صلاة، فلا تشترط لها شروط الصلاة، بل تجوز على غير طهارة كما كان ابن عمر يسجد على غير طهارة، لكن هي بشروط الصلاة أفضل، ولا ينبغي أن يخل بذلك إلا بعذر" [مجموع الفتاوى: 23/ 165].
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "ولا شك أن الأحوط الأخذ بالقول الأول، وأن لا يسجد الإنسان إلا على وضوء، وأن تكون المرأة والرجل أيضًا ساترًا ما يجب ستره في الصلاة"[مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 14/ 310]، وقال: "والذي يظهر لي أنه لا يسجد إلا متطهرًا مستقبل القبلة؛ لأن ذلك أحوط وأبلغ في تعظيم الله ، ولم يرد عن النبي ﷺ شيء بين في أنه سجد إلى غير القبلة أو سجد على غير وضوء، بل الظاهر من حال الرسول ﷺ أنه لا يقرأ القرآن إلا متوضئًا؛ لأنه لما سلم عليه الرجل لم يرد عليه السلام حتى تطهر بالتيمم، وقال: أحببت أن لا أذكر الله إلا على طهر " [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 14/317]، فإذا كان في رد السلام تيمم، يعني في سجود التلاوة يكون على طهارة، فهذه المسألة من قال : إنها ليست بصلاة، ولا يشترط لها الطهارة، له حجة، لكن الأحوط والأفضل يحرص الإنسان أن يكون على طهارة، وأن تكون المرأة مرتدية لثياب الصلاة التي لا تصح إلا بها، يعني تستر ما يجب ستره في الصلاة، وتستقبل القبلة.
وهكذا طالب العلم ينبغي له أن يتهيب في بعض المسائل، وإن كان ربما يترجح لديه مثلًا عدم اشتراط الطهارة، لكن لما يرى قول جماهير السلف والخلف، والحرص النبوي على أن يكون الذكر على طهارة، فإنه لا يخالف هذا، يعني ليس إذا رجحنا في مسألة أن نعمل بها، هذه تترك مثلًا للعذر، إنسان ما عنده حل آخر، لكن لا يتقصد لو رجحنا الجواز، أن يفعل الجائز، ويترك المستحب، هذه مهمة؛ لأن بعض طلبة العلم يفهم أنه إذا رجح شيئًا يعمل به.
وهو في هذه الحالة أنت لا شك تخالف الأفضل، يعني وإن رجحت عدم وجوب الطهارة، لكن لو فعلت ذلك لا شك أنك تخالف المستحب والأفضل والأكمل والأحوط.
كيفية سجود التلاوة والتكبير له
كيفية سجود التلاوة إن كان الساجد في صلاة وقرأ آية السجدة وفرغ منها، فإنه يكبر ويسجد سجدة واحدة، ثم يرفع رأسه من السجود مكبرًا.
فإذًا، له تكبيرتان، تكبيرة للسجود، تكبيرة للرفع منه، ما هو الدليل؟
ما رواه الشيخان من حديث ابن عباس: "أن النبي ﷺ كان يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود، فسجود التلاوة داخل في الخفض والرفع، فيكبر للنزول ويكبر للرفع منه، قال النووي -رحمه الله- في إثبات التكبير في كل خفض ورفع، وهذا مجمع عليه اليوم، قال الإمام أحمد: هذا يدخل في هذا كله، أي أن الحديث عام فيشمل سجود التلاوة إذا كان في الصلاة؛ لأنه لم يستثن منه شيئًا، ومن المعلوم أن النبي ﷺ كان يسجد سجدة التلاوة في الصلاة.
في "المغني" و"المجموع": إذا قام من سجدة التلاوة استحب له أن يقرأ شيئًا من القرآن ثم يركع، فإن انتصب قائمًا ثم ركع بلا قراءة جاز، قالوا : إذا كان في الصلاة، وسجد سجدة تلاوة يستحب له إذا رفع منها أن يقرأ شيئًا من القرآن قبل أن يركع، فإذا ما قرأ وقام من سجود التلاوة وركع هل يجوز؟
نعم، لكن عند العامة هذا يستغرب ما ألفوه، والإمام يراعي حال المأمومين، قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: "أما إذا كان سجود التلاوة في الصلاة، فإنه يجب فيه التكبير عند الخفض والرفع؛ لأن النبي ﷺ كان يفعل ذلك في الصلاة في كل خفض ورفع".
إذًا، التكبير عند الشيخ في سجود التلاوة في الصلاة واجب.
حكم رفع اليدين عند التكبير لسجود التلاوة
هل يستحب له رفع اليدين عند هذا التكبير؟
قيل: يرفع، وهو مذهب الحنابلة.
والأصح أنه لا يرفع يديه عند التكبير للسجود، ولا عند الرفع منه، وهو قول جمهور الفقهاء، قال ابن قدامة -رحمه الله-: "وقياس المذهب أن لا يرفع" [المغني: 1/ 445]، وذلك أن مواضع رفع اليدين في الصلاة كما تقدم كم؟
أربعة محددة، ليس هذا منها.
وفي حديث ابن عمر أن رسول الله ﷺ كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، والثاني متى؟ إذا كبر للركوع، والثالث متى؟ إذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، وكان لا يفعل ذلك في السجود، والرابع : إذا قام للثالثة من التشهد الأول.
حكم جلسة الاستراحة لسجود التلاوة في الصلاة
إذا سجد للتلاوة كبر وسجد للتلاوة، ورفع من سجدة التلاوة، هل يجلس جلسة الاستراحة كما لو قام من الركعة الأولى للثانية أو من الثالثة للرابعة؟ هذه الجلسة الخفيفة التي وردت في السنة واستحبها بعض الفقهاء.
وقال آخرون: ليست من السنة، وإنما فعلها عند الكبر لما أسن ﷺ، لكن لو قلنا : هذه جلسة الاستراحة سنة في الصلاة، هل بعد سجود التلاوة فيه جلسة استراحة أو يقوم مباشرة؟
الجواب: يقوم مباشرة، قال النووي -رحمه الله-: "وإذا رفع رأسه من السجود قام ولا يجلس للاستراحة بلا خلاف" [المجموع: 4/ 63].
هل يسجد الإمام سجود التلاوة إذا كانت السجدة في آخر السورة؟
وإن قرأ السجدة في الصلاة في آخر السورة، سورة العلق، سورة النجم، أين موضع سجود التلاوة؟ في آخر السورة، إذا أراد أن يسجد للتلاوة سجد، وإذا قام رفعنا، ماذا يفعل؟ لكن لو قال : سجود التلاوة مستحب، أنا لا أريد أن أسجد للتلاوة، أنا انتهيت من السورة، وأريد أن أركع، فهل يجب عليه أن يسجد للتلاوة أم يجوز له أن يركع؟
الجواب: يجوز له أن يركع بما أننا قلنا: إن الراجح في سجود التلاوة أنه مستحب.
إذًا، يجوز له إذا قرأ سورة العلق أو النجم مثلًا أن يركع، في "المغني" قال: "فإن شاء ركع، وإن شاء سجد" [المغني: 1/ 448]، ثم قام فركع، وإن سجد فليقرأ إذا قام سورة ثم ليركع، يعني هذا أحسن، ومن فقه الإمامة أن الإمام إذا قرأ آيات السجدة وكانت في آخر قراءته كما في سورة العلق، وكان لا يرغب في السجود، هب أن السجود شاق عليه، عنده إصابة مثلًا، فقال: أنا الآن بالكاد أسجد السجدات التي في الصلاة، هذا النزول يشق علي، أنا لا أريد أن أسجد؟
فنقول: لا بأس أن لا تسجد، لكن إذا كنت إمامًا وأنهيت السورة في آخرها سجدة، اقرأ بعدها سورة ثانية ثم اركع، لأنك إذا أنهيت سورة وفي آخرها سجدة وكبرت، وأنت تريد الركوع، الناس ماذا سيظنون؟
أنك تريد السجود، فيحدث التشويش، ولذلك لو كان السجود شاق عليك، ولا تريد أن تسجد للتلاوة فافتتح سورة ثانية بعدها ثم اركع، حتى لا تحدث تشويشًا على الناس، ولكن الأفضل أن يسجد للتلاوة ويفعل ما يتوقعه المأمومون، ليس من الذكاء أن الإمام يخالف توقعات المأمومين، يعني ما هي المسألة الآن حرب خدعة أو مكيدة، لا.
الإمام مطالب بأن يمنع التشويش ويقلل منه إلى أقل ما يمكن، لكن لو صار مثلًا شيء غير مقصود، علمهم كما ذكر الشيخ الألباني -رحمه الله- مرة أنه صلى فجر يوم الجمعة بقوم فقرأ الشيخ من سورة مريم، قرأ مطلع سورة مريم، يعني قصة عيسى وركع فسجدوا؛ لأنهم متعودين أن يوم الجمعة صلاة الفجر فيها سورة السجدة، فقال لهم بعد الصلاة: يا أيها الناس لا تفرقون بين الم و كهيعص يعني سورة السجدة فيها الم في أولها، أنا أقرأ سورة مريم كهيعص فإذا حصل شيء بغير قصد بين.
سجود التلاوة خارج الصلاة
إذا كان الساجد في خارج الصلاة، فذهب جمهور الفقهاء: أنه إذا سجد للتلاوة في غير الصلاة فإنه ينوي ويكبر ويرفع يديه في هذه التكبيرة ثم يسجد سجدة واحدة، ويرفع رأسه من السجدة مكبرًا، ثم يسلم من غير تشهد. هذا في "المغني" و"المجموع".
ما دليلهم؟
روى أبو داود عن ابن عمر قال: "كان رسول الله ﷺ يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه" قال عبد الرزاق: وكان الثوري يعجبه هذا الحديث، قال أبو داود: يعجبه لأنه كبر"[رواه أبو داود: 1413]، وضعف هذا الحديث النووي وابن كثير وابن حجر والألباني.
وقيل: يسجد من غير تكبير ولا تسليم، يعني ينزل للسجود بدون تكبير، وإذا رفع لا تسليم، قالوا: لأنه لم يثبت في السنة ما يدل على التكبير والتسليم، قاله بعض الشافعية، واختاره من المتأخرين الشيخ الألباني.
قال الإمام أحمد: أما التسليم فلا أدري ما هو؟ يعني الآن هذا سجود التلاوة خارج الصلاة، واحد جالس في المسجد، في البيت، يقرأ القرآن، فمر بسجدة تلاوة، ماذا يفعل يكبر أو لا؟ يسلم أو ما يسلم؟
الإمام أحمد أنكر التسليم، أما التسليم فلا أدري ما هو؟ يعني لا أعرف له دليلًا.
فإذًا، فيه قول يكبر ويرفع يكبر ثم يسلم، وفيه قول يسجد بغير تكبير ويرفع ولا يسلم.
القول الثالث: يكبر عند السجود فقط، لحديث ابن عمر، ولا يكبر عند الرفع ولا يسلم، فما فيه إلا تكبيرة واحدة عند السجود، هذا إذا كنت خارج الصلاة، اختار هذا القول ابن القيم -رحمه الله-، ومن المعاصرين علماء اللجنة الدائمة، والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين، قال الشيخ ابن عثيمين: "السنة تدل على أنه ليس فيه تكبير عند الرفع ولا سلام إلا إذا كان في صلاة"[الشرح الممتع: 4/ 100].
قال ابن القيم: "ولم يذكر عنه أنه كان يكبر للرفع من هذا السجود، ولا نقل فيه عنه تشهد ولا سلام البتة، وأنكر أحمد والشافعي السلام فيه، ثم قال: وهذا هو الصواب الذي لا ينبغي غيره" [زاد المعاد: 1/ 352].
فلعل هذا هو الأرجح -والله أعلم- ما دام جاء في حديث أبي داود التكبير، اثبتناه في السجود، ما دام ما ثبت تكبير في الرفع، ولا ثبت تشهد، ولا ثبت تسليم.
إذًا، ماذا نفعل؟
نكبر ونسجد ونرفع، من غير تكبير ولا تسليم.
دعاء سجود التلاوة
ماذا يقول في سجوده؟
يقول في سجوده ما يقول في سجود الصلاة، قال أحمد: أما أنا فأقول سبحان ربي الأعلى [المغني: 1/ 445].
وورد في السنة أدعية أخرى تقال في سجود التلاوة؛ منها ما رواه الترمذي عن عائشة قالت: "كان رسول الله ﷺ يقول في سجود القرآن بالليل: سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته" [رواه الترمذي: 580، وقال أبو عيسى: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني.
إذًا، من أذكار سجود التلاوة: سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته.
ومنها ما جاء عن ابن عباس قال: "جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إني رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة" هذا حديث ليس فقط في الترمذي، موجود عند ابن خزيمة في قصة الرجل الذي سجد أنه رأى قارئًا يقرأ، رأى في المنام قارئًا يقرأ آية السجدة في سورة مريم، وسجد وسجدت الشجرة، في الرؤيا سجدت الشجرة، وقالت مثل ما قال الرجل.
على أية حال: نبقى على رواية الترمذي: جاء عن ابن عباس قال: "جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إني رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة، فسجدت فسجدت الشجرة لسجودي، فسمعتها وهي تقول: "اللهم اكتب لي بها عندك أجرًا، وضع عني بها وزرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود".
الآن الرجل حدث النبي ﷺ بالرؤيا، قال ابن عباس راوي الحديث: فقرأ النبي ﷺ سجدة ثم سجد، قال: فقال ابن عباس: فسمعته وهو يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة [رواه الترمذي: 579، وحسنه الألباني].
إذًا، هذا الذكر ما هو؟
اللهم اكتب لي بها عندك أجرًا، وضع عني بها وزرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود .
الآن سجود التلاوة هذا فيه أذكار متعددة، لكن هل فيها واجب ومستحب؟
قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "والواجب في ذلك قول: سبحان ربي الأعلى كالواجب في سجود الصلاة، وما زاد عن ذلك من الذكر والدعاء فهو مستحب"[مجموع فتاوى مقالات الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: ].
عندنا الذكر هذا سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته .
وورد مثله في دعاء النظر إلى المرآة، وتبارك الله أحسن الخالقين ، لكن في حديث المرآة لم يصح هذا القدر، في أذكار سجود القرآن بالليل ورد.
هل الأفضل في السجود أن يكون من قيام أو من قعود؟
السجود هل الأفضل أن يكون من قيام أو من قعود؟ يعني لو واحد كان يقرأ جالسًا فمر بموضع سجدة هل الأفضل أن يسجد من جلوس كما هو وضعه أو يقوم ويسجد؟
قال المرداوي -رحمه الله-: الأفضل أن يكون سجوده عن قيام، واختاره الشيخ تقي الدين" يعني ابن تيمية، ابن تيمية -رحمه الله- ذكر أن الأفضل أن يقوم ويسجد لقوله تعالى: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ [الإسراء: 109]، وأن الخرور لا يكون إلا من أعلى إلى أسفل، استحبه لهذا.
وقال بعض من استحب ذلك: لأنه أكمل وأعظم خشوعًا لما فيه من هبوط الرأس والأعضاء الساجدة لله من القيام، وأن البيهقي روى عن عائشة: أنها كانت تقرأ في المصحف، فإذا مرت بسجدة قامت فسجدت"[كشاف القناع: 1/ 449]..
القول الثاني: عدم الاستحباب للقيام، يعني يسجد من حيث هو، إن كان قائمًا سجد من قيام، وإن كان قاعدًا سجد من قعود، ولا يتكلف القيام إذا كان قاعدًا، نقل النووي -رحمه الله- عن الجويني قوله: ولم أر لهذا القيام ذكرًا ولا أصلًا، ثم قال النووي": ولا ثبت فيه شيء يعتمد مما يحتج به، فالاختيار تركه؛ لأنه من جملة المحدثات، يعني النووي شدد فيها، قال: ما تقوم إذا أنت جالس، تسجد وأنت جالس، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على النهي عن المحدثات.
وأما ما رواه البيهقي بإسناده عن أم سلمة الأزدية قالت: رأيت عائشة تقرأ في المصحف فإذا مرت بسجدة قامت فسجدت، فهو ضعيف. أم سلمة هذه مجهولة، والله أعلم.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: "لا نعلم دليلًا على شرعية القيام من أجل سجود التلاوة"[فتاوى اللجنة الدائمة: 1(7/ 267].
وقال الشيخ ابن عثيمين: "يسجد من حيث كانت حاله، فإن كان قائمًا سجد عن قيام، وإن كان قاعدًا سجد عن قعود؛ لأن القيام تعبد لله يحتاج إلى دليل"[الشرح الممتع: 4/ 99].
حكم سجود التلاوة في وقت النهي عن الصلاة
لو واحد قرأ آية فيها سجدة تلاوة في وقت النهي فهل يسجد أم لا؟
ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يسجد في وقت النهي بناء على أن سجود التلاوة صلاة فيأخذ حكم صلاة النافلة.
والصواب: أنه يسجد للتلاوة حتى في أوقات النهي، وذلك لأمرين:
الأول: أننا لا نقطع بأن سجود التلاوة صلاة حتى تطبق عليها أحكام أوقات النهي.
ثانيًا: أننا لو سلمنا أنها صلاة، فالصلاة التي لها سبب لا بأس من فعلها في وقت النهي على الراجح، وهذه السجدة وجد لها سبب وهو تلاوتها، قال الشيخ ابن عثيمين: وكل صلاة لها سبب فإنها تفعل ولو في وقت النهي كسجود التلاوة وتحية المسجد، وما أشبه ذلك.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: "يجوز سجود التلاوة في أوقات النهي عن الصلاة على الصحيح من قولي العلماء؛ لأنه ليس له حكم الصلاة، ولو فرضنا أن له حكم الصلاة جاز فعله في وقت النهي؛ لأنه من ذوات الأسباب"[فتاوى اللجنة الدائمة: 1 (7/ 266].
كيفية سجود التلاوة على الراحلة في السفر
إذا قرأ آية السجدة وهو على الراحلة في السفر، واحد قرأها يراجع حفظه وهو في السيارة، إذا قرأ آية السجدة وهو على الراحلة في السفر، هل يسجد؟
جاز أن يومئ بالسجود حيث كان وجهه كصلاة النافلة، يعني ما دام ثبت صلاة النافلة في السفر على الراحلة، والسجود على الراحلة معروف ما هو سجود تام فسجود التلاوة من باب أولى.
إذا قرأ آية فيها سجدة في السفر على الراحلة يومئ إيماء.
طبعًا بدون ما يسوي حادث.
قال ابن قدامة: "ولا نعلم فيه خلافًا". المرجع&
قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "فإذا كان القارئ في الطائرة أو السيارة أو الباخرة أو على دابة في السفر، فإنه يسجد إلى جهة سيره كما كان النبي ﷺ يفعل ذلك في أسفاره في صلاة النافلة"[مجموع فتاوى ابن باز: 11/ 409].
حكم قضاء سجود التلاوة
ماذا عن قضاء سجود التلاوة؟
جمهور الفقهاء قالوا: السجود يكون عقب قراءة آية السجدة، أو استماع الآية مباشرة، فإن أخر السجود ولم يطل التأخير سجد، وإن طال الفصل ففي قضائها قولان للعلماء، ولعل الأقرب أنها لا تقضى، يعني إذا طال الفصل، وقت السبب الذي هو التلاوة أو الاستماع مضى عليه وقت طويل، ذهب السبب فلا تفعل الآن مثل صلاة الكسوف والخسوف، إذا كان لا زال الكسوف والخسوف حاصلًا تصلي وإذا انتهى لا تصلي، الجنازة إذا كانت لا تزال موضوعة على الأرض تصلي، وإذا أخذوها تصلي على أيش؟ زال السبب؛ كمثل صلاة الكسوف والخسوف فإنها تسن إذا كان الكسوف أو الخسوف موجودًا فإذا زال فاتت السنة "المجموع" و "شرح منتهى الإرادات".
هل لسجود التلاوة بديل؟
ذهب بعض الفقهاء من الشافعية إلى أنه يقوم مقام سجود التلاوة قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
وقال بعض فقهاء الحنفية : يستحب للتالي أو السامع إذا لم يمكنه السجود أن يقول: "سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير" ولكن ليس هنالك دليل شرعي على هذا.
وقد سئل ابن حجر الهيتمي عن ذلك، فأجاب بقوله: إن ذلك لا أصل له، فلا يقوم مقام السجدة.
حكم اختصار آيات السجود
نحتاج المسألة لو كان واحد في السيارة يقرأ أو في الفصل مثلًا، ما في مكان مناسب للسجود، فمر بآية سجدة، فهل يوجد بديل غير السجود؟ هل فيه ذكر معين يكون بديلاً عن السجود؟ إذا كان ما في موضع مناسب يسجد فيه كيف يسجد وهو يسوق السيارة؟
أما بالنسبة لاختصاره، فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن الشعبي قال: "كانوا يكرهون اختصار السجود، وكانوا يكرهون إذا أتوا على السجدة أن يجاوزوها حتى يسجدوا".
فبعض الناس إذا مر بالآية التي فيها السجدة قفزها، وقرأ الذي بعدها، فلماذا السجود فيها غير واجب؟ فلماذا تجاوزها؟
قال ابن قدامة المقدسي: يكره اختصار السجود، وهو أن يتنزع الآيات التي فيها السجود فيقرأها ويسجد فيها.
وقيل: اختصار السجود أن يقرأ القرآن إلا آيات السجود فإنه يحذفها وكلاهما مكروه [المغني: 1/ 448].
إذًا، إنك تجمع آيات السجدة كذا وأنت جالس تقول: أنا والله أريد عبادة نفيسة، أجيب آيات السجود هذه كلها الخمسة عشر، وأقرأها وراء بعض، وأقرأ وأسجد.
فنقول: هذا تعريف اختصار السجود عند بعض العلماء.
والبعض الآخر قال: الاختصار أن يقفز آيات السجدات، ما يقرأها أصلًا.
في فتاوى "اللجنة الدائمة": وقع في المرور من أمام من يسجد سجدة التلاوة، ليس عليه في ذلك شيء. بناء على أنها ليست صلاة.
وصلنا الآن إلى سجدة الشكر، وهذا ما سيكون في الدرس القادم بمشيئة الله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.