لا تتعدد الجمعة في البلد الواحد من غير حاجة، هذا ذكروه من ضمن الشروط.
فذهب جمهور العلماء إلى منع تعدد صلاة الجمعة في البلدة الواحدة سواء كانت كبيرة أو صغيرة إلا لحاجة، لماذا؟ كما ذكروا وبين ذلك الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- بقوله: "لأن النبي ﷺ لم يكن يقيم في مدينته النبوية مدة حياتهﷺ سوى جمعة واحدة، وهكذا في عهد خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أجمعين، وهكذا في سائر الأمصار الإسلامية في صدر الإسلام، وما ذلك إلا لأن الجماعة مرغب فيها من جهة الشرع المطهر، لما في اجتماع المسلمين في مكان واحد حال إقامة الجمعة والعيد من التعاون على البر والتقوى، وإقامة شعائر الإسلام، وزيادة الفضل والأجر، وإغاظة أعداء الإسلام من المنافقين وغيرهم باتحاد الكلمة وعدم الفرقة.
اليهود حسدونا على الجمعة للاجتماع، فنحن نذهب ونفرّق المسلمين؟ فالواجب هو اجتماع أهل المدينة أو القرية على جمعة واحدة، كما يجتمعون على صلاة العيد، على صلاة عيد واحدة، حيث أمكن ذلك، أما إن دعت الحاجة الشديدة إلى إقامة جمعتين أو أكثر في البلدة أو الحارة الكبيرة فلا بأس بذلك في أصح قولي العلماء، وذلك مثل أن تكون البلد متباعدة الأطراف، ويشق على أهلها أن يجتمعوا في مسجد واحد، فلا بأس أن يقيموا الجمعة في مسجدين أو أكثر على حسب الحاجة، وهكذا لو كانت الحارة واسعة لا يمكن اجتماع أهلها في مسجد واحد فلا بأس أن يُقام فيها جمعتان كالقرية، ولهذا لما بنيت بغداد -يقول الشيخ عبد العزيز في فتواه الطويلة- وكانت واسعة الأرجاء أقيم فيها جمعتان، إحداهما في الجانب الشرقي، والثانية في الجانب الغربي؛ لأنه يشق على الناس أن يعبروا النهر جميعًا لأجل صلاة الجمعة، وذلك في وسط القرن الثاني بحضرة العلماء المشهورين، ولم ينكروا ذلك لدعاء الحاجة إليه.
ولما قيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب حين خلافته: إن في الكوفة ضعفة، يشق عليهم الخروج إلى الصحراء لحضور صلاة العيد: أمر من يقيم لهم صلاة العيد في البلد، وصلى بجمهور الناس في الصحراء، فإذا جاز ذلك في العيد للحاجة؛ فالجمعة مثله، بجامع المشقة والحاجة والرفق بالمسلمين، وقد نصّ الكثير من العلماء على جواز تعدد الجمعة عند الحاجة" انتهى كلام الشيخ.
قال ابن قدامة: "وجملته أن البلد متى كان كبيرًا يشق على أهله الاجتماع في مسجد واحد ويتعذر ذلك لتباعد أقطاره أو ضيق مسجده عن أهله، كبغداد وأصبهان ونحوهما من الأمصار الكبار، جازت إقامة الجماعة فيما يحتاج إليه من جوامعها" [المغني: 2/248].
الآن السؤال: لو تعددت الجمع من غير حاجة؟ واحد من الأغنياء بنى مسجدًا كبيرًا وبقربه جامع، واستخدم نفوذه وعلاقاته في استخراج تصريح للجمعة في هذا الجامع الذي بناه، مع عدم الحاجة إلى صلاة الجمعة فيه، فهذا قد يُستخرج بالواسطة ويدبر طريقة ويقول توجد حاجة، ويأتي بعض المتكاسلين يشهدون يقولون في حاجة والجامع الآخر قريب، فما حكم صلاة الجمعة في هذا الجامع؟
مذهب الشافعية والحنابلة أن المتأخرة باطلة، ويلزمهم أن يصلوا ظهرًا، واختار الشيخ السعدي صحة الصلاة ولو تعددت الجمعة لغير حاجة، وأن التبعية تكون على ولاة الأمر في البلد لا على المسلمين، أنا مصلي غير مذنب الذي أعطاه الترخيص هو الذي يأثم، ويتحمل المسئولية، في غالب البلدان إدارة الأوقاف هي المسئولة عن إعطاء التراخيص إدارة المساجد والأوقاف، فإدارة المساجد إذا تساهلت خالفت مقصود الشرع من جمع أهل البلد والحي الواحد في مسجد واحد في جامع واحد، الاجتماع هذا مقصود للشرع اجتماع أهل البلد
وإذا قلنا لا يكفيهم جامع واحد يفتح جامع ثانٍ حسب الحاجة، وإن قيل الآن الوضع يحتاج كل حي إلى جامع، فيفتح في كل حي جامع، لكن بعد ذلك لو صار في كل حارة جامع ضاعت، وفي كل شارع جامع ضاع مقصد الشرع، وتضييع مقصد الشرع حرام، وهذا الاجتماع له معنى كبير في الدين، اجتماع الناس لصلاة الجمعة وله هيبة وله إرهاب للمنافقين، واليهود، وأعداء الإسلام، وله عظمة في نفوس المسلمين، الجمع الكثير، فإذا صرنا نريد أن نفرق أهل الحي على صفين وثلاثة، صفين وثلاثة ضيعنا مقصد الشرع من وراء هذا الاجتماع.
فإذن، يجب على القائمين على إعطاء التصاريح للجمعة أن يتقوا الله، وإلا أثموا، وكذلك اللجان القائمة على فحص المسافات، يقال: ستخرج لجنة لتحديد الحاجة، فإذا كان بعضهم من أجل قرابة أو علاقة أو مصلحة سيرخص بإقامة جمعة في مسجد لا حاجة لإقامة الجمعة فيه، فإنهم آثمون، والمصلون فيه على بعض أقوال أهل العلم لا تصح صلاتهم وعلى بعض القول الآخر تصح، ويأثم الذي رخّص لصلاة الجمعة في المسجد بلا حاجة.
قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "وأما مسألة تعدد الجمعة في البلد لغير حاجة فهذا أمر متعلق بولاة الأمر فعلى ولاة الأمر أن يقتصروا على ما تحصل به الكفاية، وإن أخلوا فالتبعة عليهم، وأما المصلون فإن صلاتهم صحيحة في أي جمعة كانت، سواء كان التعدد لعذر أو لغير عذر، وسواء وقعتا معًا أو جهل ذلك، أو صُلَّي مع الجماعة المتأخرة، ومن قال إنه يعيد في مثل ذلك فقد قال قولًا لا دليل عليه" هذا كلامه رحمه الله.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "إذا أُقيمت الجمعة في أماكن متعددة بدون حاجة فلا شك أن هذا خلاف السنة، وخلاف ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه الراشدون، وهو حرام عند أكثر أهل العلم، ولكن مع هذا لا نقول إن العبادة لا تصح -ما ذنب هؤلاء الناس؟ فتح لهم المسجد فصلوا فيه- لأن المسئولية يقول الشيخ هنا ليست على العامة، وإنما المسئولية على ولاة الأمور الذين أذنوا بتعدد الجمعة بدون حاجة"، فأحيانًا لجنة تخرب، وأحيانًا عضو في اللجنة يخرب، فلا بد من تقوى الله.
وبعض الناس عندهم تكاسل عجيب، ما يريد يذهب من حي إلى حي لأداء الجمعة، مع تقارب الأحياء، وبعضهم يقع عنده تعصب يقول: لا حينا .. لماذا هذا الحي؟ نحن نريد لماذا؟ ارفعوا طالبوا فيثير الناس، لأجل ماذا؟ ثم تجد إن هذا الجامع كامل أو هذا الجامع كامل، أو متى نفتح جامعًا آخر إذا امتلأ الأول، امتلأ فاض خلاص الناس يصلون في الحر الشديد، ما في مكان، خلاص دعت الحاجة امتلأ، افتح جامعًا آخر، أما تقسيم أهل الجامع على جامعين، والجامع الأول يسعهم، فقد عرفنا أنه حرام، ولا يجوز.
-
محمد
بارك الله فيك شيخنا المبارك