الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الأذكار بعد الصلاة


عناصر المادة
ملخص الدرس الماضي
صور الذكر بعد الصلاة
هل الأفضل أن يجمع بين التسبيح والتحميد والتكبير في كل مرة أم يفرد؟
الأذكار بعد الصلاة المفروضة
بعض الأذكار المشروعة بعد الصلاة
ترتيب الأذكار بعد الصلاة
ضبط عدد التسبيح والتكبير والتحميد بالأصابع
حكم استعمال المسبحة
الشك في عدد التسبيح
حكم رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة
بعض الأدعية المشروعة بعد التسليم من الصلاة
الرواتب المؤكدة والتابعة للمكتوبات

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

ملخص الدرس الماضي

00:00:14

فقد تكلمنا في الدرس الماضي عن أفعال الصلاة، وأنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أركان وواجبات وسنن، وأن من ترك ركنًا من أركان الصلاة بطلت صلاته سواء تركه عمدًا أم سهوًا.

وأما الواجب فإن تركه عمدًا فتبطل صلاته، وإن تركه سهوًا ونسيانًا جبره بسجود السهو.

والسنن لا تبطل الصلاة بتركها عمدًا ولا سهوًا.

وذكرنا: أن أركان الصلاة هي: القيام في الفرض، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والاعتدال قائمًا، والسجود، والجلوس بين السجدتين، والتشهد الأخير، والجلوس له، والتسليم، والطمأنينة، وترتيب الأركان.

وواجبات الصلاة ثمانية: التشهد الأول، والجلوس له، وتكبيرات الانتقال، والتسبيح في الركوع، والتسميع سمع الله لمن حمده، والتحميد، والتسبيح في السجود، وقول رب اغفر لي بين السجدتين.

والباقي سنن، وهي نوعان:

سنن أقوال، وهي كثيرة؛ منها: الاستفتاح، والتعوذ، والبسملة، والتأمين.

وسنن أفعال؛ كرفع اليدين، ووضع اليد اليمنى على اليسرى، والافتراش، والتورك، والالتفات يمينًا وشمالًا عند السلام.

وذكرنا: أن الاطمئنان في الصلاة ركن من أركانها، فمن صلى ولم يطمئن في صلاته فصلاته باطلة، ولذلك لو دخلت مع إمام يسرع في صلاته جدًا، ولا يطمئن، وأنت ما تلحق أن تقول مرة واحدة: سبحان ربي العظيم في الركوع، ما يطمئن، فتنفرد عنه، تكمل صلاتك وحدك، ولا تبقى معه في صلاته؛ لأن صلاة هذا الإمام غير صحيحة، ولا يجوز الاقتداء به فتنفرد عنه، وتكمل صلاتك وحدك.

وذكرنا: أن حد الاطمئنان الذي هو ركن عند جمهور العلماء من الشافعية والمالكية والحنابلة، أن يمكث حتى تستقر أعضاؤه، وتسكن مهما قل الزمن.

وقيل: يمكث بقدر الذكر الواجب، يعني على الأقل يستقر في الركوع قدر: سبحان ربي العظيم، يستقر في السجود قدر سبحان ربي الأعلى مرة.

صور الذكر بعد الصلاة

00:02:30

وذكرنا: أنه يسن للمصلي بعد الفراغ من الصلاة الاستغفار ثلاثًا، وأن يسبح الله بعد الصلاة ويحمده ويكبره، وأن لهذا الذكر خمس صور صحيحة:

أولًا: أن يقول : سبحان الله ثلاثًا وثلاثين، والحمد لله ثلاثًا وثلاثين، والله أكبر ثلاثًا وثلاثين، المجموع تسعة وتسعين، هذه الكيفية الأولى، وردت في حديث: ذهب أهل الدثور بالأجور  والحديث في الصحيح.

ثانياً: أن يقول كل واحدة ثلاثًا وثلاثين، ويزيد المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، صارت مائة.

ثالثاً: أن يكون التسبيح ثلاثًا وثلاثين، والتحميد ثلاثًا وثلاثين، والتكبير أربعًا وثلاثين، صارت مائة، هذه صورة ثالثة ثبتت في السنة أيضًا.

رابعًا: أن يقول كل واحدة خمسًا وعشرين مرة: سبحان الله خمسًا وعشرين، والحمد لله خمسًا وعشرين، ولا إله إلا الله وخمسًا وعشرين، والله أكبر خمسًا وعشرين، وهذا ثبت في السنن وهو حديث صحيح، وذكره بعض العلماء في السنن المنسية، أو التي غابت عن الكثيرين.

خامساً : أن يقول: سبحان الله عشرًا، والحمد لله عشرًا، والله أكبر عشرًا، المجموع ثلاثون، وهذه تلائم المستعجل،  بدل ما يطلع بدون ذكر، نقول له: خذ هذا الذكر، يناسب حالك: سبحان الله عشر، الحمد لله عشر، والله أكبر عشر، اطلع، صاحب بسطة يبيع بعد الصلاة، فيه ناس عندهم عجلة، ويريدون الانصراف بسرعة.

طبعًا أشهر الكيفيات ثلاثًا وثلاثون سبحان الله، والحمد لله والله أكبر، وتمام المائة التهليل.

ذكر بعضهم كيفية سادسة مبنية على رواية، ولكنها غير ثابتة، كما قال ابن حجر وابن القيم -رحمهما الله-، وهي إحدى عشر، إحدى عشر، إحدى عشر، المجموع ثلاثة وثلاثين.

هل الأفضل أن يجمع بين التسبيح والتحميد والتكبير في كل مرة أم يفرد؟

00:04:45

هل الأفضل أن يجمع بين التسبيح والتحميد والتكبير في كل مرة، فيقولهن جميعًا ثلاثًا وثلاثين ثم يختم بالتهليل مثلًا؟ أم الأفضل أن يفرد التسبيح، عن التحميد، عن التكبير، ثلاثًا وثلاثين، في كل واحدة؟

يعني هل الأفضل أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتى يختم ثلاثة وثلاثين مرة، أو الأفضل أن يقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر؟ هل الأفضل أن يجمعهن أو أن يفردهن؟

كلا الأمرين جائز، لكن البحث في الأفضل، روى مسلم عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة في قصة فقراء المهاجرين أن النبي ﷺ قال لهم: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة  قال سمي الراوي عن أبي صالح: فحدثت بعض أهل هذا الحديث فقال: وهمت إنما قال تسبح الله ثلاثًا وثلاثين، وتحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وتكبر الله ثلاثًا وثلاثين، قال: فرجعت إلى أبي صالح، يعني إلى شيخه في السند في الرواية فقلت له ذلك، فأخذ بيدي فقال: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، حتى تبلغ من جميعهن ثلاثة وثلاثين"[رواه مسلم: 595].

قال ابن حجر -رحمه الله-: "وهذا اختيار أبي صالح الجمع، لكن الرواية الثابتة عن غيره" يعني عن غير أبي صالح "لكن الرواية الثابتة عن غيره الإفراد"[فتح الباري، لابن حجر: 2/ 329].

وذكر النووي: "أن ظاهر الأحاديث أن يسبح ثلاثًا وثلاثين مستقلة" يعني سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، "ويكبر ثلاثًا وثلاثين مستقلة، ويحمد كذلك"[شرح النووي على مسلم: 5/ 93] قال القاضي عياض: "وهو أولى من تأويل أبي صالح"[إكمال المعلم بفوائد مسلم: 2/ 547].

وسئل الإمام أحمد عن هذه المسألة، فقال: لا يضيق، يعني المسألة سهلة ما يضر أنت مخير بين الإفراد والجمع.

وقال إسحاق: "الأفضل أن يفرد كل واحد منها" كما في [فتح الباري، لابن رجب: 7/ 415].

قال الحافظ: "والذي يظهر أن كلًا من الأمرين حسن إلا أن الإفراد يتميز بأمر آخر، وهو أن الذاكر يحتاج إلى العدد"[فتح الباري، لابن حجر: 2/ 329] يعني أنت راح تعد في كل مرة ثلاثة وثلاثين، بينما لو جمعت لن تعد إلا ثلاثًا وثلاثين، يعني استعمال الأصابع في حال الإفراد سيكون أكثر، ستعد، فتقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، لكن إذا جمعت، ستقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، فاستعمال الأصابع في حال الجمع سيكون أقل، والنبي ﷺ قال:  واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات [رواه أبو داود: 1501، وأحمد: 27089].

فإذن، استعمال الأنامل في هذه الحالة "اعقدن" اعمل عقدة بالأنملة، اعمل عقدة، عقدة، عقدة.

فإذن، استعمال الأنامل في العد سيكون أكثر، وبالتالي هناك فعل أكثر، فالأجر فيه سيكون أكثر، قال: "وله على كل حركة لذلك سواء كان بأصابعه أو بغيرها ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه إلا الثلث".

ورأى بعض العلماء: أن الإفراد والجمع سواء في الفضل، افعل ما شئت.

وينبغي الاهتمام بهذا الذكر الوارد عن النبي ﷺ، فقد روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ قال: خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة، هما يسير، ومن يعمل بهما قليل: يسبح في دبر كل صلاة عشرًا، ويحمد عشرًا، ويكبر عشرًا، فذلك خمسون ومائة باللسان [رواه أبو داود: 5065، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد: 926].

كيف صارت خمسون ومائة؟ يسبح عشراً، ويحمد عشراً، ويكبر عشراً، إذن، ثلاثين كيف الحديث يقول: فذلك خمسون ومائة ؟ كيف وصلها للمائة والخمسين؟

الصلاة خمسة، في ثلاثين بمائة وخمسين، أي في اليوم والليلة، وألف وخمسمائة في الميزان  فكيف صارت ألف وخمسمائة؟

يا أخي: يقول : مائة وخمسون، بعدين صارت ألف وخمسمائة، يضاعف الله ، والحسنة بعشر أمثالها، قال: ويكبر أربعًا وثلاثين، إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثًا وثلاثين، ويسبح ثلاثًا وثلاثين  هذا ذكر قبل النوم، غير بعد الصلاة، قال: "فذلك مائة باللسان، وألف في الميزان، فلقد رأيت رسول الله ﷺ يعقدها بيده، يعمل عقدة عقدة عقدة، أي يسبح بالعقد، قالوا: يا رسول الله كيف هما يسير ومن يعمل بهما قليل؟ قال: يأتي أحدكم  يعني الشيطان في منامه فينومه قبل أن يقوله ويأتيه في صلاته فيذكره حاجة قبل أن يقولها"[رواه أبو داود: 5065، وصححه الألباني].

فإذن، كيف الذي يعمل بها قليل؟

لأن الشيطان يشغله، ينومه، فلا يقولها، مع أن أجرها عظيم.

الأذكار بعد الصلاة المفروضة

00:10:35

متى يقول هذه الأذكار؟

قوله في الحديث: خلف كل صلاة  يقتضي أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة، فلو تأخر ذلك عن الفراغ، يعني بعد الصلاة بوقت؛ لأن بعض النساء مثلًا تقول: أنا بعد السلام مباشرة ألحق الطبخ لا يحترق، وأفتح الباب، وأدخل الأولاد وأعمل، فهل يفوتني الأجر؟ إذا راح الوقت ما في استدراك؟ متى الأجر هذا؟ إلى متى بعد الصلاة؟ إلى متى بعد الصلاة بساعتين مثلًا؟ ينفع الواحد بعد السلام يروح يمشي، يسوي عمل، وبعدين قبل الصلاة التي بعدها، يقوم يسبح ثلاثًا وثلاثين؟ إلى متى الفضل هذا؟ يعني فيها آلاف في الميزان؟

قوله في الحديث: خلف كل صلاة  يقتضي أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة، فلو تأخر ذلك عن الفراغ فإن كان يسيرًا بحيث لا يعد معرضًا لا يعد تارك للعمل الآن، ومنقطعًا عنه تمامًا، بل هو شيء يسير، أو كان ناسيًا أو متشاغلًا بما ورد أيضًا بعد الصلاة مثل قراءة آية الكرسي، أذكار أخرى، فلا يضر، يعني أن الأجر يحصل له.

إذًا، إذا كان الفاصل يسيرًا فلا يضر.

حتى لو واحد شغل أو نسي أو كسل، راح سوى أشياء أخرى، فلا يعني هذا أن يترك التسبيح بالكلية، ويقول: خلاص ذهب الفضل، وما في أجر، لا، فيه، لكن ليس مثل أجر أن تقولها بعد الفراغ من الصلاة مباشرة.

وهل تقال هذه الأذكار بعد الفرائض فقط أم تقال بعد جميع الصلوات؟

الجواب: تقال بعد الفرائض فقط، وأما غيرها من الصلوات فلا تقال بعدها، ويدل على ذلك ما رواه مسلم عن كعب بن عجرة عن رسول الله ﷺ قال: معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة [رواه مسلم: 596].

بعض الأذكار المشروعة بعد الصلاة

00:12:55

ومما يسن قوله بعد السلام من الصلاة: ما رواه البخاري ومسلم عن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال: كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية أن رسول الله ﷺ كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد [رواه البخاري: 844، ومسلم: 593] يعني لا ينفع صاحب المال والسلطان والعظمة لا تنفعه عظمته، ولا ينفعه ماله، ولا سلطانه عندك يوم القيامة، لا ينفعه إلا عمله الصالح، والجد هو الغنى، ويقال : الحظ.

وعن أبي الزبير قال: كان ابن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وقال: كان رسول الله ﷺ يهلل بهن دبر كل صلاة [رواه مسلم: 594].

ويستحب للمصلي أن يقرأ بعد كل صلاة بالمعوذات؛ فعن عقبة بن عامر قال: أمرني رسول الله ﷺ أن أقرأ بالمعوذتين في دبر كل صلاة" [رواه الترمذي: 2903 وصححه الألباني].

وفي رواية لأبي داود: "أمرني رسول الله ﷺ أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة"[رواه أبو داود: 1523، وصححه الألباني]، والمعوذات: الفلق والناس، لكن أضيفت سورة الإخلاص تغليبًا لما اشتملت عليه من صفة الرب وإن لم يكن فيها التعوذ صراحة.

قال النووي -رحمه الله-: "فينبغي أن يقرأ قل هو الله أحد مع المعوذتين، وقد وردت أحاديث في فضل قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة أيضًا، فعن أبي أمامة أن رسول الله ﷺ قال: من قرأ دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت  [رواه النسائي في كتابه: "عمل اليوم والليلة": 100].

واختلف العلماء في صحة هذا الحديث، فقال النووي: وروى الطبري في معجمه أحاديث في فضل آية الكرسي دبر الصلاة المكتوبة، لكنها كلها ضعيفة"[المجموع: 3/ 486].

وقال شيخ الإسلام: "وأما قراءة آية الكرسي فقد رويت بإسناد لا يمكن أن يثبت به سنة"[مجموع الفتاوى: 22/ 516]

وبالغ ابن الجوزي -رحمه الله- فأدخله في كتابه "الموضوعات"، وانتقده العلماء في ذلك.

وأما من صححه من أهل العلم فقد صححه الزيلعي، وابن كثير، وابن عبد الهادي، وقال ابن القيم: "له طرق تدل على أن له أصلًا"، ومن المعاصرين صححه الألباني.

والعجيب أن ابن القيم نقل عن شيخه ابن تيمية قال: "وبلغني عن شيخنا أبي العباس ابن تيمية -قدس الله روحه- أنه قال: ما تركتها عقيب كل صلاة"[زاد المعاد: 1/ 294]، ومزيد من التخريج في [تخريج أحاديث الكشاف: 1/ 160].

ومما يستحب قوله بعد صلاة الفجر والمغرب خاصة من الأذكار: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات" [رواه الترمذي: 3474، وصححه الألباني].

وفي بعض الروايات: أنه يقولها وهو ثان رجليه"[رواه الترمذي: 3474] يعني قبل أن يقوم أو يتحرك ما زال على هيئته بعد التسليم، وضعف الشيخ الألباني هذه الزيادة.

ترتيب الأذكار بعد الصلاة

00:17:11

وأما ترتيب الأذكار بعد الصلاة، يعني بماذا نبدأ؟ هل نبدأ بآية الكرسي والمعوذات مثلًا فهي قرآن؟ فنبدأ قبل الأذكار، أو نبدأ ب "لا إله إلا الله، سبحان الله، والحمد لله"؟ أو بماذا؟

الحقيقة: أنه لم يرد نص معين في ترتيب هذه الأذكار إلا ما ورد تحديده بالاستغفار بعد السلام مباشرة: استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام.

وبعض العامة يقولون: وعليك السلام، وهذه زيادة شنيعة باطلة في المعنى، الله هو السلام، كيف يصير عليه السلام؟

تباركت، وبعض العامة يزيدون وتعاليت، مع أن هذه ما هي ثابتة، والأذكار توقيفية، ولازم تأتي بها، والألفاظ الواردة بدون زيادة، ولا اختراع، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، هذه وردت بتوقيت معين بعد السلام مباشرة.

وأما الأذكار الأخرى، فإذا أتى بها على أي وجه فهو صحيح، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "والترتيب بعد الاستغفار، وقول: اللهم أنت السلام، لا أعلم فيه سنة فإذا قدم شيئًا على شيء فلا حرج [الشرح الممتع: 3/222].

وإذا نظرنا في ترتيب بعض العلماء الذين ألفوا في أذكار بعد الصلاة، نجد أنهم مشوا على ترتيب معين، وهذا اجتهاد منهم، ولا شك أنك إذا كنت مخيرًا بين اجتهاد عالم واجتهادك لنفسك، فاجتهاد العالم أولى، فنجد مثلًا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- كذلك الشيخ صالح الفوزان أيضًا في "ملخصه الفقهي"، لما رتب الشيخ عبد العزيز في "رسالته" عن أذكار ما بعد الصلاة: إذا سلم من الصلاة قال: إذا سلمنا من الصلاة نستغفر الله ثلاثًا، ثم نقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم نقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، ثم نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، ثم نسبح الله ثلاثًا وثلاثين، ونحمده ثلاثًا وثلاثين، ونكبره ثلاثًا وثلاثين، ونقول تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وبعد صلاة المغرب وصلاة الفجر نأتي بالتهليلات العشر، بعد وهو على كل شيء قدير، نأتي بالتهليلات العشر في المغرب والفجر، ثم بعد أن نفرغ من هذه الأذكار على هذا الترتيب نقرأ آية الكرسي، الآن عندك قراءة سور من القرآن، تمشي على ترتيب المصحف، قالوا : نقرأ آية الكرسي، ثم سور قل هو الله أحد، والمعوذتين، فهذا ترتيب حسن، ولو قدمت وأخرت فلا يضر.

ضبط عدد التسبيح والتكبير والتحميد بالأصابع

00:20:28

ويستعين المصلي على ضبط عدد التسبيح والتكبير والتحميد بالأصابع، فعن عبد الله بن عمرو قال: "رأيت النبي ﷺ يعقد التسبيح بيده" [رواه الترمذي: 3486، وهو حديث صحيح]. 

وعن يسيرة وكانت من المهاجرات قالت: قال لنا رسول الله ﷺ" إذًا هذا حديث تعليمي للنساء:  عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات [رواه الترمذي: 3583، وحسنه الألباني]،  واعقدن  يعني اعددن عدد مرات التسبيح بالأنامل، أي بعقدها أو برؤوسها ممكن واحد يقول: برؤوسها.

وأما العقد فقد بينه لي شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله- وسألته عنه بوضع طرف أنملة الأصبع، وطرف الأصبع في باطن الكف، قال: هذه عقدة، وهذه عقدة، وهذه عقدة، وهذه عقدة.

هذا العقد، هذه الأنامل مسؤولات، الله يوم القيامة يسألها عما اكتسبت، وفي أي شيء استعملت؛ لأنه يمكن أن تستعمل في حرام، ويمكن أن تستعمل في عبادة، ولذلك رغب لنا استعمال الأصابع، رغبنا في استعمال الأصابع، في عقد وعد التسبيح والأذكار لتشهد لك يوم القيامة، قال: مستنطقات  أي متكلمات يشهدن لصاحبهن أو عليه بما اكتسب بهن.

والأفضل أن يكون العقد هذا والعد باليمنى؛ لحديث عبد الله بن عمرو قال: "رأيت رسول الله ﷺ يعقد التسبيح بيمينه"[رواه أبو داود: 1502، وصححه الألباني].

ولعموم حديث عائشة -رضي الله عنها- "كان النبي ﷺ يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله"[رواه البخاري: 168، ومسلم: 268].

بعضهم تكلم في زيادة: "بيمينه"، وأنها ليست ثابتة.

وبعضهم قال: هي ثابتة، وممن رجح ثبوتها غير الشيخ الألباني، ومن المعاصرين الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، ولكن عندنا نص عام آخر، وهو حديث عائشة: "كان النبي ﷺ يعجبه التيمن في تنعله، وترجله وطهوره، وفي شأنه كله"[رواه البخاري: 168، ومسلم: 268].

والتسبيح لا شك أنه عمل طيب يكون باليمين، على أنه لا حرج في استعمال أنامل اليدين جميعًا في العد.

وفي "فتاوى اللجنة الدائمة": تفضيل عقد التسبيح وعده باليمنى [تلخيص فتاوى اللجنة الدائمة، ص: 43].

حكم استعمال المسبحة

00:23:15

ما حكم استعمال المسبحة؟

ذهب بعضهم إلى أنها بدعة هندية، ولا يجوز استعمالها، وفي المقابل نجد من يقول : إنها أفضل من اليد، وإن هذه المسبحة عبادة، ويرتبون أجورًا على المسبحة، ويبالغون في مسبحة بمائة، ومسبحة أبو خمسمائة، ومسبحة أبو ألف، ومنهم من يجعلها في رقبته، ومنهم.. ومنهم..

فالمسبحة بالغ فيها أقوام.

وقال آخرون: هذه بدعة هندية، هذه ديانات الهنود، من زمان يستعملون المسبحة.

وتوسط آخرون، فقالوا: المسبحة جائزة، والتسبيح بالأصابع أفضل، فلماذا أباحوها؟

قالوا: لأن المسبحة، وسيلة عد فقط.

ومن قصر البدع على المقاصد دون الوسائل لا تصبح عنده المسبحة بدعة، ومن أدخل البدعة في الوسائل فسيقول عنها بدعة.

ومنهم من يقول: ما دام ثبت التسبيح في الحصى، هذه تقاس عليها.

ومنهم من يقول: ما ثبت التسبيح بالحصى أصلًا، المسألة فيها كلام طويل، سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن المسبحة فقال: "أما التسبيح بما يجعل في نظام" يعني مثل الخيط من الخرز ونحوه فمن الناس من كرهه، ومنهم من لم يكره، وإذا أحسنت فيه النية فهو حسن غير مكروه؛ لأن بعض الناس يرائي بالمسبحة رياء، المسبحة أبو ألف، وأمام الناس، وشايل المسبحة، ورايح بالمسبحة أمام الناس.

ومنهم من يعتبر المسبحة أفضل، هذه فيها فضل عظيم أكثر من اليد، يبالغ فيها، فإذا ما ارتبط بها بدعة في اعتقاد بدعي فهي مباحة [مجموع الفتاوى: 22/ 506].

وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: وإن استعملت المسبحة فلا بأس به، ولكن التسبيح بالأنامل أفضل؛ لأن النبي ﷺ الذي ثبت عنه استعمال الأصابع، ولأن الأصابع تشهد لك يوم القيامة؛ لأنها من جوارحك ومن أعضائك.

بعضهم يقول: المسبحة مية خلصها، ما نفكر بالعد؟ فنقول: التسبيح باليد هذا يجعلك حاضر الذهن.

وما الفائدة إنك تخلص المسبحة وأنت ما تدري أيش سويت؟ خرز رايح وخرز جاي، ماذا يقول؟ أين قلبه؟ هل يعقل؟

ولذلك ما هي المسألة فقط ننهي العدد، المسألة أن يكون الإنسان أيضًا حاضر القلب عند التسبيح، القلب يعمل، واللسان يعمل، أما فقط لسان يعمل كالآلة دون وعي بالقلب، فيقول : خلاص خلصت المسبحة، معناها العدد تمام، أين العقل والوعي بما تقول؟ أفلا تعقلون؟!

الشك في عدد التسبيح

00:26:02

لو أن إنسانًا شك في عدد التسبيح قال: والله أنا ضيعت، أنا ما أدري، أنا سبحت عشرين وإلا ثلاثين؟

فنقول: ابن على الأقل، احسب عشرين وأكمل؛ لأن الأصل عدم الفعل حتى يثبت. وهذا ملخص فتوى "اللجنة الدائمة".

حكم رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة

00:26:18

ما حكم رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة؟

هذه من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم، فمنهم من ذهب إلى أن الجهر بالذكر بعد الصلاة سنة.

ومنهم من كره ذلك، وقال: "إن النبي ﷺ لم يداوم عليه وإنما فعله للتعليم ثم تركه".

وسبب الخلاف: اختلافهم في فهم حديث ابن عباس.

حديث ابن عباس في البخاري ومسلم لا مرية في صحته أن ابن عباس -رضي الله عنهما- أخبر أبا معبد مولاه أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة، كان على عهد رسول الله ﷺ، كلمة "كان" هل تقتضي المداومة، أو أنه لو فعلها أحيانًا، أو للحاجة، أو ليعلم الناس، أو من المسلمين الجدد، أو من الوفود، فهذا يطلق عليه كان؟

ثم هل هذا يعارض: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ [الأعراف: 205]؟ أم لا يعارضه؟

وهل حديث:  اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا ؟ يعني عدم الجهر بالذكر؟

في الحقيقة أن للعلماء في هذه المسألة قولان: الإخفاء، وأنه أفضل وأقرب للإخلاص، وموافق للآية:  وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ .

"وكان" ما تدل على الاستمرار، لو فعل مرة ممكن يقال: كان يقول كذا، ولهذا أمثلة في اللغة وفي الروايات.

وعلى هذا القول الشافعي والجمهور، وأن الجهر حصل أحيانًا للتعليم، قال الشافعي -رحمه الله-: "واختار للإمام والمأموم أن يذكر الله بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر، إلا أن يكون إمامًا يجب أن يتعلم منه، فيجهر حتى يرى أنه قد تعلم منه، ثم يسر فإن الله يقول: وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا [الإسراء: 110].

وحمل الشافعي حديث ابن عباس هذا على أنه جهر به وقتًا يسيرًا حتى يعلمه صفة الذكر، لا أنه جهروا دائمًا، قال الشافعي: "وأحسبه إنما جهر قليلًا ليتعلم الناس منه، وذلك لأن عامة الروايات التي كتبناها مع هذا وغيرها ليس يذكر فيها بعد التسليم تهليل ولا تكبير"[كتاب الأم للشافعي: 1/ 150].

وقال النووي: "الذكر والدعاء بعد الصلاة يستحب أن يسر بهما إلا أن يكون إمامًا يريد تعليم الناس فيجهر ليتعلموا، فإذا تعلموا وكانوا عالمين أسره" [المجموع: 3/ 487].

الطائفة الأخرى من العلماء الذين قالوا: إن الجهر بالذكر مستحب، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وأهل الظاهر.

وبعض الحنابلة قالوا: السنة الجهر، ودليلنا حديث ابن عباس، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "ويستحب الجهر بالتسبيح والتحميد والتكبير عقب كل صلاة"[الفتاوى الكبرى: 5/ 336]؛ لحديث ابن عباس: "كان الجهر بالذكر عقيب المكتوبة على عهد النبي ﷺ"، وأن ظاهر الحديث الإطلاق ما هو خاص بتعليم، وعلى عهد رسول الله، يعني يفعله النبي ﷺ وغيره، وليس أنه هو كان يفعل ذلك فقط، ولو كان الجهر بالتعليم، لماذا يجهر الصحابة؟ وأن في الروايات أنه قال: "كنت أعلم انقضاء صلاة النبي ﷺ بالتكبير"؛ لأن ابن عباس كان مع الغلمان في الطريق وخارج المسجد فكان مثلًا إذا اقترب من المسجد، وانقضت الصلاة يسمع، يعرف انقضاء الصلاة بالجهر، ولولا الجهر ما هو فقط من الإمام من أهل المسجد ما عرف أن الصلاة انقضت.

وممن اختار الجهر من المعاصرين: الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، قال الشيخ ابن عثيمين: "الجهر بالذكر بعد الصلوات المكتوبة سنة دل عليها ما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي ﷺ قال: "وكنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته" عرفنا الصلاة انتهت؛ لأن قبل السلام سكون، وبعد السلام إذا ارتفعت الأصوات بالذكر عرفنا انتهت الصلاة.

وفي الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة قال: "سمعت النبي ﷺ يقول إذا قضى الصلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ...  الحديث.. وأنه لو ما جهر ما سمعه لحديثي ابن عباس والمغيرة، وأن حديث ابن عباس أنهم يعرفون انقضاء صلاة النبي ﷺ بالتكبير، وهذا لا يمكن أن يكون إلا إذا جهروا، قال الشيخ: "وأما من قال: إن الجهر بذلك بدعة، فقد أخطأ فكيف يكون الشيء المعهود في عهد النبي ﷺ بدعة؟"[مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 13/ 247].

وقال الشيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله-: "ثبت ذلك عن النبي ﷺ من فعله وتقريره، وكان الصحابة يفعلون ذلك على عهد النبي ﷺ بعد تعليمهم إياه، ويقرهم على ذلك، فعلموه بتعليم النبي ﷺ إياهم، وعملوا وأقرهم على ذلك العمل بعد العلم به، ولم ينكره عليهم".

لو كان الجهر للتعليم فقط، إذا علمهم، لماذا يجهرون هم؟ ولماذا يستمر هو بالجهر؟

وأما احتجاج منكر الجهر بقوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ [الأعراف: 205] فنقول له: إن الذي أُمر أن يذكر ربه في نفسه تضرعًا وخيفة، هو الذي كان يجهر بالذكر خلف المكتوبة، فهل هذا المحتج أعلم بمراد الله من رسوله؟ أو يعتقد أن الرسول ﷺ يعلم المراد، ولكن خالفه؟

فإذًا ما هو معنى الرد؟

معنى الرد: وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ  عام، والجهر بالذكر عقيب الصلاة خاص، الجمع بينهما تقول : الذكر عام، والجهر بالذكر بعد الصلاة خاص، الإسرار بالذكر عام، والجهر بعد الصلاة خاص، قال ابن سحمان: ثم إن الآية في الإخفاء في إخفاء الذكر، في ذكر أول النهار وآخره بالغدو والآصال، وليس في الذكر المشروع خلف الصلوات التي فيها الإخفاء.

إذن، في الغدو والآصال أخفي، وبعد التسليم أجهر.

وقد حمل ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: الجهر على الجهر البليغ، يعني الآية لا تصيح، لا تبالغ بالجهر، ما تنفي جهرًا، وسطًا ما في مبالغة، لا تنفيه.

وأما احتجاج منكر الجهر، بقول النبي ﷺ: "أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا"، فإن الذي قال: "أيها الناس اربعوا على أنفسكم" هو الذي كان يجهر بالذكر خلف الصلوات المكتوبة، فهذا له محل، وذلك له محل.

وأيضًا ثم إن السياق "اربعوا على أنفسكم" يدل على أنهم كانوا يرفعون رفعًا بليغًا يشق عليهم ويتكلفونه، يعني يصيحون، فهو ما نهاهم عن رفع الصوت، نهاهم عن الصياح، وفرق بين النهي عن المبالغة، والنهي عن أصل الشيء، فقال لهم: "اربعوا على أنفسكم" أي ارفقوا بها، ولا تجهدوها، وليس في الجهر بالذكر بعد الصلاة مشقة ولا إجهاد.

أما من قال: "إن في ذلك تشويشًا؛ لأنه احتج الذي يقولون بالإسرار بأن الجهر فيه تشويش، فيقال له: إن أردت أن يشوش على من لم يكن له عادة بذلك، فإن المؤمن إذا تبين له أن هذا هو السنة زال عنه التشويش؛ لأنه سيجهر مع الجاهرين، وخلصنا كلهم يجهرون ما في أحد، يعني لن يشتكي من التشويش إلا الذي يسر فسيشتكي من جهر الجاهرين.

أما إذا هو جهر، فكلهم جهروا، ما في أحد يؤذي أحد في هذه الحالة، قال: "فإن المصلين إن لم يكن فيهم مسبوق يقضي ما فاته، فلن يشوش عليهم رفع الصوت، كما هو الواقع؛ لأنهم مشتركون فيه، وإن كان فيهم مسبوق يقضي، فإن كان قريبًا منك بحيث تشوش عليه، فلا تجهر الجهر الذي يشوش عليه، لئلا تلتبس عليه صلاته، وإن كان بعيدًا منك فلن يحصل عليه تشويش بجهرك.

وبما ذكرنا يتبين أن السنة رفع الصوت بالذكر خلف الصلوات المكتوبة، وأنه لا معارض لذلك بنص صحيح، ولا بنظر صريح. هذا من فتاوى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-، وكذلك فتوى الشيخ عبد العزيز -رحمه الله-، وأجاب بنحو هذه الإجابات عن أدلة الذين يقولون بالإسرار.

لكن على أية حال: الأمر فيه سعة، يعني تجهر، تسر، ترى المسألة واسعة، ولا مجال للإنكار فيها، ولا للخصومات، ولا للاصطدامات، المسألة سهلة.

وإذا واحد رأى أن الجهر يسبب مفسدة ما يجهر، يعني ما هي قضية، يعني لابد من تصعيد الموقف لأجلها، وشن الحملات؛ لأن المسألة سهلة.

القضية قضية هل الجهر أفضل أو الإسرار أفضل؟  والحمد لله.

أما من أجل سنة، يكون بيننا نزاع، ويؤدي إلى خصومات محرمة، أين الفقه؟ من أجل سنة ترتكب محرمًا.

هذا لا يجوز.

بعض الأدعية المشروعة بعد التسليم من الصلاة

00:35:54

وقد استحب كثير من العلماء أن يدعو بعد التسليم من الصلاة بالأدعية الآتية، روى البخاري عن سعد: أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة، ويقول: "إن رسول الله ﷺ كان يتعوذ منهن دبر الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر [رواه البخاري: 2822].

وعن معاذ بن جبل: أن رسول الله ﷺ أخذ بيده، وقال: يا معاذ، والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ: لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك [رواه أبو داود: 1522، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 1362].

الذين قالوا: إن هذا بعد التسليم، بنوا على ماذا؟ على أن دبر الصلاة، يعني بعد الانتهاء منها، يعني بعد التسليم، ذهب شيخ الإسلام -رحمه الله- وابن القيم وغيرهما إلى أن الدبر كل شيء منه، أن دبر الإنسان قطعة من الإنسان، ودبر الصلاة قطعة من الصلاة.

فإذن، أين الدعاء عندهم؟

قبل التسليم، وأن الدبر يطلق على ما بعد التسليم أيضًا، لكن إذا اقترن بالذكر فالمراد به ما بعد التسليم؛ كما في حديث: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة [رواه مسلم: 595]، فهذه الدبر تدل على أنها بعد التسليم ثلاثًا وثلاثين مرة، وإذا اقترن بدعاء فالمراد به قبل التسليم، فإن قالوا: دبر تطلق على قبل وبعد ما كان جزءًا من الصلاة، وما كان خارجًا عن الصلاة، لكن إذا كانت كلمة "دبر" مقرونة بذكر فمعناها بعد، مقرونة بدعاء معناها قبل.

بناء على ماذا؟

قالوا: لأن هذا هو المتواتر إلينا من دعاء النبي ﷺ أن الدعاء في الصلاة، ولأن المصلي يناجي ربه، فدعاؤه إياه مع المناجاة أفضل من دونها بعد قطعها.

واختار هذا أيضًا من المعاصرين ابن باز، وابن عثيمين -رحمهما الله-، وتابعا شيخ الإسلام على ذلك أن هذه الأدعية قبل التسليمـ ولا حرج في المسألة أيضًا، يعني من فهم أن هذه الأدعية بعد التسليم، لا حرج، ما في حرج.

أين البدعة؟ وأين الحرج؟

لما الإمام يدعو دعاء جماعيًا، مثلًا بعد التسليم يرفع يديه ويدعو، والمصلون: "آمين"؛ كما في بعض البلدان.

ما الدليل؟

ما عندهم دليل.

دعاء جماعي، ما في دليل.

وكذلك لو واحد، خالف السنة في السلام، السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، اللهم... ما ورد.

ما ورد بعد السلام يرفع يديه ويدعو، ما ورد.

ورد: استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام.

خلصت من الأذكار، وأردت أن تدعو ما في مانع، ارفع يديك وادع، لكن بعد السلام من الصلاة مباشرة ترفع يديك، وتدعو، من واظب على هذا أو فعل هذا فهو بدعة، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وشدد عليه، وأكد عليه أن الدعاء، ورفع اليدين بعد التسليم من الصلاة مباشرة هذه بدعة، وإذا صار جماعيًا يصير أشد.

الرواتب المؤكدة والتابعة للمكتوبات

00:39:20

قال المصنف -رحمه الله-: "والرواتب المؤكدة والتابعة للمكتوبات عشر".

وسنأتي على السنن الرواتب بالنسبة للمكتوبات بمشيئة الله في الدرس القادم.

وصلى الله على نبينا محمد.