هل من السنة في الخطبة الاعتماد على قوس أو عصا ونحو ذلك؟
أن يمسك بيده شيئًا، بهذا قال جمهور الفقهاء، بخلاف الحنفية.
قال شعيب بن زريق الطائفي: "جلست إلى رجل له صحبة من رسول الله ﷺ يقال له: الحكم بن حزن الكلفي، فأنشأ يحدّثنا قال: وفدت إلى رسول الله ﷺ سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله، زرناك فادعُ الله لنا بخير، فأمر بنا أو أمر لنا بشيء من التمر، والشأن إذ ذاك دون" يعني الحال ضعيفة والأكل قليل، قال: "فأقمنا بها أيامًا شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله ﷺ فقام متوكئًا على عصًا أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال: أيها الناس، إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كل ما أمرتكم به، ولكن سددوا وأبشروا [رواه أبو داود: 1096، وقال النووي في المجموع: حديث حسن رواه أبو داود وغيره بأسانيد حسنة، المجموع: 4/526، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير: "وإسناده حسن" التلخيص الحبير: 2/159، وحسّنه الألباني في الإرواء: 616]
والحديث فيه مشروعية الاعتماد على قوس أو عصا حال الخطبة، والحكمة في ذلك الاشتغال عن العبث" [عون المعبود: 3/313].
وقال بعضهم: إنه يمكن تحقيق المقصود، يعني أن يد الخطيب ما تلعب وتعبث بإمساك رمانة المنبر، أو عمود المنبر، أو عضادة المنبر، أنه يكفي، يعني يحصل به المقصود، فإذا مسك خشبة سُلَّم المنبر قد يكون له خشبة أمامه فأمسك بها أن هذا يغني، وقال بعضهم: إن الإمساك بعصا أو نحو ذلك أثبت للخطيب يعني في الإلقاء والجرأة والقوة، وقد ورد في اتخاذ العصا والقوس أحاديث أخرى؛ لكنها لا تخلو من ضعف.
قال الإمام مالك: "مما يستحب للأئمة أصحاب المنابر أن يخطبوا يوم الجمعة ومعهم العصي يتوكئون عليها في قيامهم، وهو الذي رأينا وسمعنا"، وهذا أعون له، وأمكن لروعه، وأهدأ لجوارحه، كما قال بعض أهل العلم.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ المفتي -رحمه الله-: "وذلك لكونه أرفق للخطيب، وأثبت له، ولا سيما إذا كان يطول وقوفه، أو مقصود مهم، فكونه معتمدًا على قوس أو عصا هو السنة، وخُص القوس والعصا؛ لأنهما يستصحبان عادة زمن النبي ﷺ كما تستصحب العصا عندنا"، الحين تستصحب الظاهر السبحة، يعني كل زمان في مستصحبات، فمن زمان كان واحد إذا خرج عادي معه عصا، يعني عادي يتوكأ عليها، يقلب بها نعالاً، يحمل بها شيئًا، المهم العصا لها استخدامات كثيرة، حتى أوصلها بعضهم إلى نحو مائة استخدام، مثل جعلها سترة، ومثل أن يؤدّب بها، مثل أن يخبط بها ورق الشجر فيكون علفًا للماشية، مثل أن ينصبها وينصب عليها ثوبه فتكون ظلاً للمسافر إذا أراد أن ينام وأشياء كثيرة.
على أية حال أنها كانت من المستصحبات، وأظن في بعض الأماكن إذا كان ناس من الباشاوات لازم يحملوا عصا أنيقة، تكملة، من زمان كان يضعها بعض الناس هنا تحت إبطه، الدنيا تغيرت والناس، والآن أكثر الناس ترى معهم مسابح ليست للتسبيح، لا، للعبث، هم أرادوا في الخطبة أن يمسك بالعصا حتى لا يعبث.
وبمثل ما تقدم قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في شرحه على بلوغ المرام في قضية سنية الاعتماد على القوس أو العصا، وذكر ابن القيم -رحمه الله-: "أنه لا يُحفظ عن النبي ﷺ بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بعصا ولا قوس ولا غيره" [زاد المعاد: 1/415].
فكأنه يقول: إنه لما كان يخطب بدون منبر كان يمسك بالعصا، فلما حضر المنبر ما رقاه بالقوس والعصا، وذكر بعض الفقهاء أن العصا للحاجة، وأما إذا لم يكن هناك حاجة، فلا حاجة إلى حمل العصا. كما ذكره الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع. [الشرح الممتع: 5/63].
وبعض أهل العلم قال: لا، ما في ما يدل على هذا التفريق، فقال ابن القيم: "وكان إذا قام يخطب أخذ عصًا فتوكأ عليها وهو على المنبر، وكان الخلفاء الثلاثة بعده يفعلون ذلك، وكان أحيانًا يتوكأ على قوس".
إذن، ابن القيم يقول: إنه لا يصعد المنبر على عصا، لكن ممكن تكون العصا أصلاً فوق المنبر، فإذا قام عليه أخذها واتكأ عليها، قال: "وكان الخلفاء الثلاثة بعده يفعلون ذلك، وكان أحيانًا يتوكأ على قوس"، ففيه أن اتخاذ القوس والعصا بعد المنبر أيضًا، يعني من قال أن هذه ما لها علاقة بالمنبر، وبعضهم قال: لا، هذه من أجل قبل المنبر، قال: واستمرار الخلفاء الراشدين من بعده على هذا العمل يدل على استمرار هذه السُّنة.
والاعتماد على السيف ليس من السنة، قال ابن القيم -رحمه الله-: "ولم يُحفظ عنه أنه توكأ على سيف، وكثير من الجهلة يظن أنه كان يمسك السيف على المنبر إشارة إلى أن الدين إنما قام بالسيف، وهذا جهل قبيح من وجهين:
أحدهما: أن المحفوظ أنه ﷺ توكأ على العصا وعلى القوس.
الثاني: أن الدين إنما قام بالوحي بالقرآن هذا، وأما السيف فلمحق أهل الضلال والشرك، ومدينة النبي ﷺ التي كان يخطب فيها إنما فُتحت بالقرآن، ولم تُفتح بالسيف" [زاد المعاد: 1/183].
وهذا ما اختاره الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله-، فإنه قال بعد الكلام على سنية الاعتماد على القوس والعصا؛ وأما السيف فليس بمشروع، وهم عللوا ذلك بأنه إشارة إلى أن الدين فُتح به، يعني بالسيف، وهذا غير صحيح، إنما فُتح بالقرآن، وإنما السيف منفذ فقط.