الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
ملخص الدرس الماضي
سنكمل الليلة في هذا الدرس الأخير: أحكام صلاة الوتر، وندخل في صلاة الاستسقاء، فقد تحدثنا في الدرس الماضي عن بعض أحكام صلاة الوتر، وأن غالب صلاة النبي ﷺ بالليل هي إحدى عشرة، وأنه كان يوتر منها بواحدة، وحديث عائشة -رضي الله عنها- أنه كان يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثًا.
وعرفنا أن معناه أن يصلي ركعتين ثم ركعتين ويستريح، ثم ركعتين ثم ركعتين ويستريح، ثم يوتر بثلاث.
وقد ورد عن النبي ﷺ أنه صلى في الليل ثلاث عشرة ركعة، وأن ذلك مع حساب ركعتي الفجر، على قول.
وقيل: مع حساب الركعتين الخفيفتين اللتين كان يفتتح بهما صلاته في الليل ﷺ على القول الآخر.
وكذلك فإن النبي ﷺ كان يصلي في الليل ثلاث عشرة ركعة أحيانًا، وهذا هو القول الثالث، كما في حديث ابن عباس.
وأن صلاة الليل لا حد واجبًا فيها، وتصح في أي عدد من الركعات كما تيسر صل مثنى مثني فإن خفت الفجر فأوتر بواحدة ، لكن السنة أن يصلي الإنسان إحدى عشرة ركعة طويلة حسنة متأنية يخشع فيها، ويطيل القراءة والركوع والسجود.
تكلمنا عن مسألة صلاة الوتر بين أذان الفجر والإقامة، وأن الذي عليه جمهور العلماء أنها لا تصلى بعد أذان الفجر؛ لأن وقتها يخرج بطلوع الفجر.
ورأى مالك -رحمه الله- جواز صلاتها في هذا الوقت لمن كان معذورًا، وقد وردت آثار كثيرة عن السلف تؤيد هذا القول، واختاره ابن عبد البر وشيخ الإسلام ابن تيمية، جواز الإيتار بعد أذان الفجر.
وذكرنا: أن من أخر الوتر حتى صلاة الفجر فإنه يقضيه شفعًا أثناء النهار.
وتكلمنا عن القنوت في الوتر، وأن من أهل العلم من استحبه في جميع السنة، ومنهم من اختاره فقط في النصف الثاني من رمضان.
وقيل: في جميع الشهر، ومنهم من لم يستحب القنوت لعدم ثبوته عن النبي ﷺ.
وقلنا بأن رأي شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن قنوت الوتر من جنس الدعاء السائغ في الصلاة من شاء فعله، ومن شاء تركه فإذا صلى بهم قيام رمضان، فإن قنت في جميع الشهر فقد أحسن، وإن قنت في النصف الأخير فقد أحسن، وإن لم يقنت بحال فقد أحسن، وأن الأفضل للإنسان أن لا يداوم على القنوت باستمرار.
دعاء قنوت الوتر
وأما ما يقوله في القنوت، فقد ثبت في حديث الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- أنه قال: علمني رسول الله ﷺ كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت [رواه أبو داود: 1425، وهو حديث صحيح].
وجاء في زيادة: لا منجا منك إلا إليك .
وتجوز الزيادات الأخرى على الدعاء عمومًا كما ذكر ذلك "علماء اللجنة الدائمة" في فتواهم.
ويدعو المصلي في القنوت بما ورد من الأدعية، وبغير ما ورد مما حضره في تلك الساعة من الخير في دنياه وآخرته، ذكر ذلك الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في فتاواه.
موضع قنوت الوتر
موضع القنوت في الوتر، يقنت بعد الركوع، وهو مذهب الشافعي وأحمد.
قيل: يقنت قبل الركوع، وهو مذهب مالك وأبي حنفية، استدلوا بحديث عبد الرحمن بن أبزى قال: "صليت خلف عمر بن الخطاب صلاة الصبح فسمعته يقول بعد القراءة قبل الركوع: اللهم إياك نعبد [أخرجه البيهقي: 3144، وصححه الألباني في الإرواء].
وقيل: يتخير بينهما.
قال ابن حجر: أخرج ابن ماجه من رواية حميد عن أنس أنه سئل عن القنوت، فقال: قبل الركوع وبعده وإسناده قوي [رواه ابن ماجه: 1183] يقول ابن حجر: "وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك، والظاهر أنه من الاختلاف المباح" [فتح الباري: 2/ 491].
إذًا، قبل أو بعد كلاهما صحيح، قال الإمام أحمد: "أنا أذهب إلى أنه بعد الركوع، فإن قنت قبله فلا بأس" [المغني: 2/112].
قال شيخ الإسلام: "وأما القنوت فالناس فيه طرفان ووسط، منهم من لا يرى القنوت إلا قبل الركوع، ومنهم من لا يراه إلا بعده، وأما فقهاء أهل الحديث كأحمد وغيره فيجوزون كلا الأمرين بمجيء السنة الصحيحة بهما، وإن اختاروا القنوت بعده" يعني رجحوه "لأنه أكثر وأقيس [مجموع الفتاوى: 23/ 100].
قال المباركفوري -رحمه الله-: "يجوز القنوت في الوتر قبل الركوع وبعده، والمختار عندي كونه بعد الركوع".
قال العراقي -رحمه الله-: "ويعضد كونه بعد الركوع أولى فعل الخلفاء الأربعة لذلك، والأحاديث الواردة في الصبح".
طبعًا كان النبي ﷺ يقنت في الصبح يدعو لقوم أو يدعو على قوم عند النوازل، فقاسوه على قنوت النوازل، أنه ثبت أنه بعد الركوع.
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة": الصحيح أن الأفضل أن يكون دعاء القنوت في الوتر بعد الركوع لا قبله لكثرة الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك.
هل يرفع يديه؟
صح عن عمر رفع اليدين في القنوت كما روى ذلك البيهقي -رحمه الله- وصححه.
الدعاء بعد السلام من الوتر
ويستحب أن يكون بعد فراغه من صلاة الوتر إذا سلم ثلاث مرات: سبحان الملك القدوس لما روى أبو داود -رحمه الله- عن أبي بن كعب قال: "كان رسول الله ﷺ إذا سلم من الوتر، قال: سبحان الملك القدوس [رواه أبو داود: 1430، وراه النسائي: 1753، وأحمد: 15355] بزيادة: ثلاث مرات"
وفي رواية أيضًا لهما عن عبد الرحمن بن أبزى قال في آخره: "ورفع صوته في الآخرة: سبحان، آخر واحدة رفع بها صوته"[رواه البيهقي في السنن الكبرى: 4862، وصححه الألباني].
وروى الترمذي عن علي بن أبي طالب أن النبي ﷺ كان يقول في وتره: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك [رواه أبو داود: 1427، والترمذي: 3566، وابن ماجه: 1179، وهو حديث صحيح].
واختلف في مكان هذا الدعاء، فقيل: في سجوده في الوتر كما جاء في "صحيح مسلم" عن عائشة.
وقيل: في التشهد، لما في رواية أبي داود كان يقول في آخر وتره، قال ابن القيم: "وهذا يحتمل أنه قبل فراغه منه وبعده. وفي إحدى الروايات عند النسائي كان يقول: "إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه"[زاد المعاد: 1/ 325].
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": "رجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن عبد الله بن عبد القاري وقد وثقه ابن حبان"
قال ابن القيم: "فلعله قالها في الصلاة وبعدها" أي دعاء هذا؟ اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك قبل السلام من الوتر أو بعدها.
تعريف صلاة الاستسقاء
ثم انتقل المصنف -رحمه الله- بعد الكلام في الوتر إلى "صلاة الاستسقاء"، والاستسقاء لغة : طلب السقيا، أي طلب إنزال الغيث على البلاد والعباد.
والمعنى الاصطلاحي للاستسقاء هو: طلب إنزال المطر من الله عند الحاجة إليه، يعني إلى المطر، قال النووي -رحمه الله-: "ومراد الفقهاء به" يعني بالاستسقاء "سؤال الله -تعالى- أن يسقي عباده عند حاجتهم" [المجموع: 5/ 64].
أنواع الاستسقاء
والاستسقاء أنواع:
أولًا: الدعاء بلا صلاة، ولا خلف صلاة، فرادى ومجتمعين في مسجد أو غيره، وهو مستحب بإجماع العلماء، كما نقله ابن عبد البر في "التمهيد"، ويدل على ذلك قوله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح: 10-12].
ثانيًا: الدعاء في خطبة الجمعة أو بعد الصلوات، ومن ذلك ما رواه البخاري عن أنس بن مالك قال: "أصابت الناس سنة" يعني قحط "على عهد النبي ﷺ فبينا النبي ﷺ يخطب في يوم جمعة قام أعرابي، فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا؟ فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة، فوا الذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته ﷺ، فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى" [رواه البخاري: 933، ومسلم: 897].
قال شيخ الإسلام: "يجوز الاستسقاء بالدعاء تبعًا للصلوات الراتبة كخطبة الجمعة، ونحوها، كما فعل النبي ﷺ" [مجموع الفتاوى: 24/ 32].
ثالثاً: الاستسقاء بصلاة ركعتين وخطبة، وسيأتي الكلام عن أحكامها بالتفصيل.
الحكمة من مشروعية الاستسقاء
وأما الحكمة من مشروعية الاستسقاء؛ فإن الإنسان إذا نزلت به كوارث وأحدقت به مصائب فإنه يستطيع رفع بعضها، وقد يعاونه بعضهم في ذلك، وأما بعضها الآخر فلا يستطيع بأي وسيلة من الوسائل.
ومن أكبر المصائب والكوارث: الجدب المسبب لهلاك الزرع والضرع، انقطاع الغيث الذي هو روح البلاد والعباد، وغذاء الإنسان والنبات والحيوان، فكيف يستطيع إنزاله؟
ولما حاولوا عمل أشياء نزلت أمطار حمضية، لما يتدخل الإنسان في بعض الأشياء يفسد ولا يصلح.
وبعضهم يدعي أنه تسبب في نزول المطر، والمطر نزل من الله، ويوافقون أصلًا غيماً موجوداً، فتمطر بالغيم بالشيء الطبيعي، فيقولون: نحن الذين فعلنا، ونحن الذين فعلنا.
طيب ممكن تورونا، سماء صحو، ما فيها غيم، فتنشئوا سحابًا ثقالًا، فتسوقوه إلى بلد تحيون به الأرض بعد موتها، إن كنتم صادقين؟
ولا يستطيع ذلك، ولا يقدر عليه إلا رب العالمين.
فشرع الشارع الحكيم سبحانه الاستسقاء، طلبًا للرحمة والإغاثة بإنزال المطر، الذي هو حياة البلاد والعباد.
حكم صلاة الاستسقاء
قال المصنف -رحمه الله-: "صلاة الاستسقاء سنة" وهذه مؤكدة وثابتة عن النبي ﷺ وخلفائه الراشدين، قال ابن عبد البر: "واختلفوا في الصلاة في الاستسقاء، فقال أبو حنيفة: ليس بالاستسقاء صلاة ولكن يخرج الإمام ويدعو. وقال مالك والشافعي وسائر فقهاء الأمصار: صلاة الاستسقاء سنة"[التمهيد: 17/ 172] يعني هذا يبين لك لماذا ليست هي معروفة في بعض البلدان أو لا تقام؟ لأنهم تبع مثلًا مذهب أبي حنيفة الذي لا يرى الصلاة لها، ما وصله الدليل ما صح عنده مثلًا.
ويدل على سنية صلاة الاستسقاء، ما روى عباد بن تميم عن عمه وهو عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري قال: "خرج النبي ﷺ يستسقي، فتوجه إلى القبلة يدعو، وحول رداءه، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة" [رواه البخاري: 1024].
"ويستوي في استحباب هذه الصلاة أهل القرى والأمصار والبوادي والمسافرون" [المجموع: 5/ 64].
إذًا، أبو حنيفة رأى خروج الإمام، لكن خروج الناس قد ثبت، ويستحب خروج الشيوخ والضعفاء والصبيان والعجزة وغير ذوات الهيئة من النساء، يعني لا متجملة ولا متزينة [المغني].
ويدل على ذلك قوله ﷺ: هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم [رواه البخاري: 2896].
وعند النسائي بلفظ: إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم [رواه النسائي: 3178، وصححه الألباني].
ومعنى ذلك: أن العباد الضعفاء دعاؤهم أقرب إلى الله؛ لأنهم أشد إخلاصًا لتعلق قلوبهم بالله، وليس عندهم من زخرف الدنيا ما يصرفهم عن ربهم، وقد جعلوا همهم واحدًا فكان دعاؤهم أرجى بالإجابة.
قال المصنف -رحمه الله-: إذا اضطر الناس لفقد الماء" يعني إذا احتاجوا إليه لأنفسهم ولدوابهم.
والآن فيه مشاكل عالمية للماء وحروب يمكن أن تكون بسبب المياه وندرة المياه، ويتكلمون عن حرب المياه، وعلاقات دول تسوء بسبب وضع سد على نهر، وأشياء تتعلق بالمنابع واستراتيجيات، وأشياء ضخمة من أجل قضية المياه هذه.
وكذلك يستحب صلاة الاستسقاء إذا وجد الماء والمطر لكنه أقل من الحاجة، الناس تحتاج أكثر.
وأما إذا انقطع المطر ولم تدع إليه حاجة في ذلك الوقت لم يستسقوا لعدم الحاجة.
إذًا، المسألة الآن في صلاة الاستسقاء أنها تقام عند الحاجة، فإذا كان القحط والجدب في بلد من بلاد المسلمين فهل يشرع لغير أهل البلد الاستسقاء؟
ذهب جمهور العلماء إلى أنه يستحب لمن كان في خصب أن يستسقي لمن كان في جدب أو حاجة إلى شرب، وهذا جواب من قال: إذا أمر بصلاة الاستسقاء في البلاد لبعض مناطقها، والبعض الآخر فيه مطر، في الجنوب مطر، فهل يصلون؟
فنقول: نعم، لماذا وعندهم مطر؟ لحاجة إخوانهم، قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: فيشرع لهم إقامة صلاة الاستسقاء امتثالًا لأمر ولي الأمر، ويدعون للمحتاجين أن يغيثهم الله من فضله" يعني ولو كان عندهم مطر، "وأن يزيل شدتهم، ويرحمهم برحمته؛ لأن المسلمين شيء واحد وبناء واحد"[مجموع فتاوى ابن باز: 13/ 65].
حكم تكرار الاستسقاء
إذا استسقوا فلم يسقوا، فلهم تكرار الاستسقاء والإلحاح في الدعاء؛ لأن الله -تعالى- يحب الملحين في الدعاء ولقوله تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام: 43].
ولأن العلة الموجبة للاستسقاء هي الحاجة إلى الغيث، والحاجة إلى الغيث قائمة، قال أصبغ: "وقد فعل عندنا بمصر واستسقوا خمسة وعشرين يومًا متوالية يستسقون على سنة الاستسقاء، وحضر ذلك ابن القاسم وابن وهب" قحط والناس تضرروا فيكررونه، ولو كرروا أياماً متوالية لا حرج.
إذا تأهب الناس للاستسقاء، للخروج للصلاة فنزل المطر، قال ابن قدامة -رحمه الله-: "وإن تأهبوا للخروج فسقوا قبل خروجهم لم يخرجوا، وشكروا الله -تعالى- نعمته، وسألوه المزيد من فضله، وإن خرجوا فسقوا قبل أن يصلوا صلوا شكرًا لله تعالى وحمدوه ودعوه" [المغني: 2/ 327]
إذًا، إذا تأهبوا لصلاة الاستسقاء، أو أمروا بالاستسقاء، فنزل المطر قبل أن يخرجوا من بيوتهم لا يخرجون ويشكرون الله، وإذا خرجوا للمصلى، ونزل المطر قبل الصلاة، كانت صلاتهم شكرًا، وسألوا الله المزيد من فضله.
مكان إقامة صلاة الاستسقاء
ثم قال المصنف -رحمه الله-: "وتفعل كصلاة العيد في الصحراء" يعني أن السنة في صلاة الاستسقاء أن تكون في المصلى، لما رواه أبو داود عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "شكا الناس إلى رسول الله ﷺ قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يومًا يخرجون فيه" [رواه أبو داود: 1173، وحسنه الألباني].
وهذا الدليل على أن الصلاة ليست خاصة بالإمام، ليس فقط الإمام يخرج؛ لأنه في الحديث قال: "ووعد الناس يومًا يخرجون فيه"، قال أبو داود: "إسناده جيد، وصححه النووي في المجموع".
قال النووي: "السنة أن يصلي في الصحراء بلا خلاف؛ لأن النبي ﷺ صلاها في الصحراء، ولأنه يحضرها غالب الناس والصبيان والحيض" يعني المساجد لا يستطيعون قال: "فالصحراء أوسع لهم وأرفق بهم"[المجموع: 5/ 72].
حكم النداء لصلاة الاستسقاء
هل لها أذان؟
لا يسن لها أذان ولا إقامة من غير خلاف بين العلماء [المغني، لابن قدامة: 2/ 280].
واختار بعض العلماء ينادى لها: الصلاةُ جامعة أو الصلاةَ جامعة، كما في صلاة الكسوف.
ونقل في "حاشية الروض" عن جمهور العلماء: أنه لا ينادى لها، وأن النداء خاص بصلاة الكسوف، واختاره الشيخ ابن عثيمين من المعاصرين لعدم ثبوت ما يدل على ذلك [الشرح الممتع: 5/ 223].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن النداء في قوله: الصلاةُ جامعة أو الصلاةَ جامعة إنما كان ليجمع الناس ويعلمهم بأنه قد عرض أمر الكسوف، فأما العيد فيوم معلوم مجتمع له، وكذلك الاستسقاء قد أعدوا له يومًا وتواعدوا وتأهبوا أو أمروا، فأغنى اجتماعهم له عن النداء، ولم يبق للنداء فائدة إلا الإعلان بنفس الدخول في الصلاة، وهذا يحصل بالتكبير والمشاهدة"[شرح عمدة الفقه : 3/ 116].
إذًا، ما الداعي لأن يقول: الصلاة جامعة في الاستسقاء؟
لا حاجة، وما دام ما ثبت لا نفعل.
وقت الاستسقاء
إذا كان الاستسقاء بالدعاء، فلا خلاف أنه يكون في أي وقت.
وأما إذا كان بالصلاة فالصواب أنها لا تختص بوقت، بل تجوز وتصح في كل وقت من ليل ونهار إلا أوقات الكراهة" [المجموع: 5/ 76] يعني لو قالوا : نريد أن نصلي صلاة الاستسقاء بعد الظهر، ما في مانع، بعد المغرب، ما في مانع، في أي وقت، ممكن تصلى صلاة الاستسقاء إلا أوقات الكراهة.
قال ابن قدامة -رحمه الله-: "وليس لصلاة الاستسقاء وقت معين إلى أنها لا تفعل في وقت النهي بغير خلاف؛ لأن وقتها متسع فلا حاجة إلى فعلها في وقت النهي" [المغني: 2/ 321].
والأولى فعلها في وقت صلاة العيد لما رواه أبو داود من حديث عائشة -رضي الله عنها- في صلاة الاستسقاء قالت: "فخرج رسول الله ﷺ حين بدأ حاجب الشمس" [رواه أبو داود: 1173].
إذًا، السنة أن تصلى في أول النهار، وينبغي أن لا تصلى ليلًا، لما في ذلك من المشقة على الناس، وقد يكون سببًا لامتناع أكثرهم من الحضور .
طبعًا هذا قبل الكهرباء وقبل سهر الناس، الآن لو تقول : تعالوا في الصباح، الخميس كله نوم، تعالوا : بعد العشاء الكل يأتي، لكن المقصود هو أن يفعل الأرفق بالناس، وما دام عندنا سنة ثابتة في صلاتها في أول النهار فهذا الذي ينبغي الحرص عليه.
آداب الخروج لصلاة الاستسقاء
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: "ويخرج إليها متخشعًا متذللًا متضرعًا" فالسنة الخروج لصلاة الاستسقاء متواضعًا لله -تعالى-؛ لأن هذا حال إظهار فقر، إظهار حاجة، فلا يناسبه أن يخرج متزينًا، وإنما يخرج متبذلًا، يعني في هيئة متواضعة، لا يلبس أحسن ثيابه كأنه ذاهب إلى حفلة، وإنما يخرج في حالة من التمسكن والتواضع، سواء كان في لباسه، أو في مشيته، أو في جلوسه، خاضعًا متضرعًا لله تعالى، متذللًا له، وراغبًا إليه [المغني، لابن قدامة: 2/ 319].
قال ابن عباس: "خرج رسول الله ﷺ متواضعًا متبذلًا متخشعًا مترسلًا متضرعًا، فصلى ركعتين" [رواه ابن ماجه: 1266، وأحمد: 3331، وحسنه الألباني].
خرج متبذلًا، يعني لابسًا ثياب البذلة وهي المهنة، وزنًا ومعنى، بذلة مهنة، والمراد أنه كان تاركًا ثياب الزينة، متواضعًا في الظاهر، متخشعًا في الباطن مترسلًا، يعني لا يعجل في كلامه، ولا في مشيته، متضرعًا مظهرًا للضراعة والتذلل والفاقة والفقر إلى الله -تعالى-.
طبعًا من قوة التوكل على الله كان بعضهم يغطي الأشياء التي يفسدها الماء، وهو خارج لصلاة الاستسقاء، لو عنده إسمنت مثلًا يخشى إذا نزل عليه الماء يفسده، غطاه وهو ذاهب لصلاة الاستسقاء.
صفة صلاة الاستسقاء
قال المصنف -رحمه الله-: "فيصلي ركعتين"، ولا خلاف بين القائلين بصلاة الاستسقاء أنها ركعتان [المغني، لابن قدامة: 2/ 319].
والأصح أنها تصلى ركعتين كصلاة العيد، فيأتي بعد تكبيرة الإحرام بدعاء الاستفتاح ثم يكبر سبعًا، وفي الركعة الثانية يكبر بعد تكبيرة القيام خمسًا، ويدل على ذلك ما رواه أبو داود -رحمه الله- عن ابن عباس قال: "خرج رسول الله ﷺ متبذلًا متواضعًا متضرعًا حتى أتى المصلى ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد" [رواه أبو داود: 1165، وحسنه الألباني].
وهذا هو الثابت من فعل الخلفاء الراشدين -رضوان الله عليهم- كما ثبت ذلك في مصنف عبد الرزاق وغيره وهو مذهب الشافعي وأحمد ["المغني"، و"المجموع"، و "الإنصاف"].
وهذه التكبيرات الزوائد سنة ليست بواجبة، فلو صلى بدون هذه التكبيرات تصح الصلاة كما في صلاة العيد ["المغني"، و "المجموع"].
ومن المعاصرين فتاوى اللجنة الدائمة.
اتفق العلماء على الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء، الجهر ولو كانت نهارية، لما رواه البخاري عن عباد بن تميم عن عمه قال: "خرج النبي ﷺ يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة".
يقرأ فيهما بما شاء، والأفضل أن يقرأ بما كان يقرأ في العيد لقول ابن عباس: "ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد، وكان رسول الله ﷺ يقرأ في العيدين ب سبح اسم ربك الأعلى و هل أتاك حديث الغاشية [رواه مسلم: 878].
وأحيانًا نقرأ بـ ق واقتربت الساعة [رواه مسلم: 891].
ثم يخطب خطبة واحدة، قوله: "ثم يخطب" فيه أن الخطبة تكون بعد الصلاة، وهو مذهب جمهور العلماء.
طبعًا هذا رأي المصنف، يخطب خطبة واحدة، واستدلوا بما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة قال: "خرج رسول الله ﷺ يومًا يستسقي، فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة، ثم خطبنا" [حسنه ابن حجر في "الدراية":: 1/ 226، وصححه البوصيري: وأحمد شاكر :، وضعفه الألباني ].
وذهب بعض العلماء إلى أنه يقدم الخطبة على الصلاة كالجمعة، وهو رواية عن أحمد، وهو قول الليث بن سعد، والقول القديم لمالك، ثم تراجع عنه، واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري عن عباد بن تميم عن عمه قال: خرج النبي ﷺ يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه ثم صلى ركعتين، وقد ورد فعل ذلك عن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم [المغني: 2/ 321].
وقيل: هو مخير الخطبة قبل الصلاة أو بعد الصلاة، وهو رأي في مذهب الحنابلة، لورود الأخبار بذلك بكلا الأمرين، والدلالة على كلتا الصفتين، قال ابن قدامة: "وأيًا ما فعل من ذلك فهو جائز" [المغني: 2/ 322].
وقال الشيخ ابن عثيمين: "ثبتت السنة أن الخطبة تكون قبل الصلاة، كما جاءت السنة بأنها تكون بعد الصلاة، فعلى هذا تكون خطبة الاستسقاء قبل الصلاة وبعدها، ولكن إذا خطب قبل الصلاة لا يخطب بعدها، لأنه ما ورد في السنة أنه يجمع بين الأمرين، فإما أن يخطب قبل، أو يخطب بعد [الشرح الممتع: 5/ 216].
وعند أحمد رواية أخرى وهي: أنه لا يخطب، ولكن يدعو؛ لقول ابن عباس: أن رسول الله ﷺ خرج" ثم قال "حتى أتى المصلى فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير.
قوله: "فلم يخطب خطبتكم هذه" يعني كانت خطبته ﷺ، دعاء واستغفار وتضرع [حاشية السندي على سنن النسائي: 3/ 156].
قال الشيخ ابن عثيمين: "وكأنهم بعد عهد رسول الله ﷺ صار الخطباء يأتون بخطب طويلة مملة، أو فيها أشياء غير مناسبة، أو تستغل لأمور أخرى، فهو لم ينف الخطبة مطلقًا، وإنما نفى الخطبة التي تشبه خطب هؤلاء، وعلى هذا فلا يكون في الحديث دليل على أنه لم يخطب" [شرح بلوغ المرام، للشيخ لابن عثيمين].
صفة خطبة الاستسقاء
ما هي صفة الخطبة؟
أولًا: هل هي خطبة أو خطبتان؟
قال بعض العلماء: خطبة واحدة لما رواه النسائي عن ابن عباس قال: خرج رسول الله ﷺ متبذلًا متواضعًا متضرعًا، فجلس على المنبر، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد، وعلى هذا فإنه ما فصل بين كلامه بسكوت ولا جلوس، ولأن كل من نقل الخطبة ما ذكر أنهما اثنتان.
بماذا يفتتح الخطبة؟
ذهب بعض العلماء إلى أنه يفتتح الخطبة بالتكبير.
وقيل: يستفتحها بالاستغفار.
والأقرب أنه يستفتحها بالحمد، قال ابن القيم رحمه الله: وكان ﷺ لا يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله.
وأما قول كثير من الفقهاء: إنه يفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، وخطبة العيدين بالتكبير، فليس معهم فيه سنة عن النبي ﷺ البتة، وسنته تقتضي خلافه، يعني خلاف هذا الكلام، وهو افتتاح جميع الخطب بالحمد لله، وهو أحد الوجوه الثلاثة لأصحاب أحمد، وهو اختيار شيخنا [زاد المعاد: 1/ 179].
وكذلك اختاره الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في كتابه: "فتح الباري".
ويستقبل الإمام الناس في الخطبة مستدبرًا القبلة حتى إذا قضى خطبته توجه بوجهه إلى القبلة يدعو، ففي حديث عبد الله بن زيد قال: "فقام ﷺ فدعا الله قائمًا، ثم توجه قبل القبلة وحول رداءه [رواه البخاري: 1023].
قال ابن رجب: "وإنما استقبل القبلة في الاستسقاء للدعاء دون خطبة الجمعة؛ لأن خطبة الجمعة خطاب للحاضرين وموعظة لهم فيستقبلهم بها والدعاء تابع لذلك، وأما الاستسقاء المجرد فإنه إنما يقصد منه الدعاء، والدعاء مشروع إسراره دون إعلانه، وإخفاؤه دون إظهاره، فلذلك شرع إسراره في الاستسقاء، وتولية الظهر إلى الناس واستقبال القبلة؛ لأن الدعاء إلى القبلة أفضل".
وأيضًا قال ابن رجب: "فإن استدبار الناس في الدعاء واستقبال القبلة أجمع لقلب الداعي، حيث لا يرى أحدًا من الناس وأدعى إلى حضوره وخشوعه في الدعاء، وذلك أقرب إلى إجابته"[فتح الباري، لابن رجب: 9/ 204].
ويدعو سرًا وجهرًا، فإذا دعا سرًا، دعا الناس سرًا، فيكون أبلغ في البعد عن الرياء، وإذا دعا جهرًا أمن الناس على دعاء الإمام، وقال بعضهم: يدعو بعض دعائه سرًا، وبعض دعائه جهرًا، يعني إذا خطب وجعل فيها جهري، ولما ينتهي يحول وجهه للقبلة ويدعو دعاء سريًا، ويستقبل القبلة متضرعًا خاشعًا متذللًا تائبًا، ويدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: شكا الناس إلى رسول الله ﷺ قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يومًا يخرجون فيه، ومشروعية تحديد يوم للناس، تعيين يوم مسبق سلفًا للناس، هذا دليله، قالت عائشة: فخرج رسول الله ﷺ حين بدأ حاجب الشمس، فقعد على المنبر فكبر ﷺ وحمد الله ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم ثم قال: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله الذي لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغًا إلى حين ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب أو حول رداءه، وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده؛ لأنه صلى في المصلى، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكِنِّ ضحك ﷺ حتى بدت نواجذه، فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله ، قال أبو داود: "وهذا حديث غريب إسناده جيد"، وكذلك حسنه الألباني [رواه أبو داود: 1173].
كثرة الاستغفار في خطبة الاستسقاء
قال المصنف -رحمه الله- الشيخ السعدي: "يكثر فيها الاستغفار -يعني في الخطبة- وقراءة الآيات التي فيها الأمر به" يعني بالاستغفار، ومن ذلك قول الله -تعالى-: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [هود: 3] وقال هود لقومه: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود: 52]، وقال نوح لقومه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح: 10- 12] قال القرطبي -رحمه الله-: في هذه الآية والتي في هود دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار[تفسير القرطبي: 18/ 302].
قال ابن صبيح: شكا رجل إلى الحسن الجدوب فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر الفقر، فقال له: استغفر الله، وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدًا، فقال: استغفر الله، وشكا آخر جفاف بستانه، فقال استغفر الله، فقلنا له في ذلك، فقال : ما قلت من عندي شيئًا إن الله -تعالى- يقول اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح: 10- 12].
الإلحاح في دعاء الاستسقاء
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: "ويلح في الدعاء" والمقصود من الإلحاح في الدعاء تكراره، وقد ثبت ذلك من فعل النبي ﷺ، فروى -مسلم عن ابن مسعود قال: كان النبي ﷺ إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا" [رواه مسلم: 1794].
وقال ابن القيم -رحمه الله- في "الداء والدواء": "ومن أنفع الأدوية: الإلحاح في الدعاء" [الجواب الكافي، ص: 11].
ويستحب الدعاء بما أثر عن النبي ﷺ ومن ذلك ما جاء عن كعب بن مرة أن النبي ﷺ قال في دعائه: اللهم اسقنا غيثًا مريئًا مريعًا طبقًا عاجلًا غير رائث نافعًا غير ضار [رواه ابن ماجه: 1270]، وعند أحمد: اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مريعًا مريئًا، طبقًا غدقًا، عاجلًا غير رائث، نافعًا غير ضار وصححه الألباني [رواه أحمد: 18062]
الغيث هو المطر، المغيث المنقذ من الشدة، مريئًا محمود العاقبة، مريعًا من الريع وهو الزيادة والخصب، طبقًا أي عامًا واسعًا، غدقًا كثير الخير أو الذي قطره كبار عاجلًا، يعني في الحال، غير رائث غير بطيء ولا متأخر.
ومن دعائه أيضًا: اللهم اغثنا، اللهم اغثنا، اللهم اغثنا كما في الصحيحين من حديث أنس.
رفع اليدين في دعاء الاستسقاء
ويستحب رفع يديه إلى السماء في الدعاء عند الاستسقاء، لما جاء عن أنس قال: أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله ﷺ يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله هلكت، ما الذي هلك؟ هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس، يشتكي، فرفع رسول الله ﷺ يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم معه يدعون، قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا، فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى"[رواه البخاري: 1029].
وروى أحمد عن عمير مولى أبي اللحم أنه رأى رسول اللهﷺ يستسقي عند أحجار الزيت قريبًا من الزوراء، قائمًا يدعو يستسقي، رافعًا كفيه لا يجاوز بهما رأسه، مقبل بباطن كفيه إلى وجهه" [رواه أحمد: 21944].
ما معنى "مقبل بباطن كفيه إلى وجهه"؟
مقبل بباطن كفيه إلى وجهه، طبعًا باطن الكفين الآن إلى الوجه، هذا لا شك، لكن في حالة تكون فيها إلى السماء، وحالة تكون فيها إلى الأرض، مقبل كفيه إلى وجهه.
يجمع كفيه كالذي يسأل شيئًا، لما أنت تسأل شيئاً ماذا تفعل بالكفين؟ تلصقهما وتمدهما، لكن الآن يقول في الحديث مقبل بباطن كفيه إلى وجهه.
وروى مسلم عن أنس بن مالك: "أن النبي ﷺ استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء" [رواه مسلم: 895].
معناها الآن المسألة صارت أعلى، مقبل بباطن كفيه إلى السماء، وقد اختلف في معنى هذا الحديث، فقيل: إن المقصود أن يجعل ظاهر كفيه للسماء وبطونهما للأرض، وهكذا في كل دعاء لرفع البلاء، يعني إذا كان لرفع البلاء فهو يبالغ في رفع اليدين، قال النووي -رحمه الله-: "قال جماعة من أصحابنا وغيرهم : السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه، ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء، واحتجوا بهذا الحديث، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية: أن معنى الحديث أنه رفعهما رفعًا شديدًا حتى كأن الرائي يرى ظهورهما نحو السماء؛ لأنه إذا رفع رفعًا شديدًا صارت ظهورهما نحو السماء، واختار هذا الشيخ من المعاصرين ابن عثيمين -رحمه الله- في "الشرح الممتع".
قال ابن رجب: "وقد تأول بعض المتأخرين حديث أنس على أن النبي ﷺ لم يقصد قلب كفيه إنما حصل له من شدة رفع يديه أنحاء بطونهما إلى الأرض، وليس الأمر كما ظنه، بل هو صفة مقصودة لنفسها في رفع اليدين في الدعاء" [فتح الباري، لابن رجب: 9/ 226].
إذًا، هذا فهم هكذا، واستدل ابن رجب بالروايات الأخرى للحديث، ففي مسند أحمد بلفظ: رأيت النبي ﷺ يستسقي فبسط يديه ظاهرهما مما يلي السماء.
وعند أبي داود عن أنس: "أن النبي ﷺ كان يستسقي هكذا.. ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه"[وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 1062].
وذهب الإمام مالك -رحمه الله- إلى رفع اليدين في الاستسقاء على هذا الوجه، ففي "تهذيب المدونة": وقد رئي مالك رافعًا يديه في الاستسقاء حين عزم عليهم الإمام، وقد جعل بطونهما مما يلي الأرض، وقال: إن كان الرفع فهكذا..
إذًا، بعض العلماء فهم ذلك فعلًا، وبعضهم قال : لا المقصود المبالغة، أنت لما تبالغ في رفع اليدين، الرائي الذي ينظر إليك يرى ظهورهما إلى السماء.
تحويل الرداء في الاستسقاء
وأما بالنسبة لتحويل الرداء في الاستسقاء، فيستحب تحويل الرداء للإمام والمأموم لفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك، ولماذا؟ ما هو المعنى؟
التفاؤل بقلب الحال وتغيره، ليحول الحال من الجدب إلى الخصب، كما حول هو الرداء، حول الرداء تفاؤلًا بتغير الحال، ويبدأ بتحويل الرداء عند البدء بالدعاء والتضرع إلى الله -تعالى- إذا استقبل القبلة.
الآن هو واجه الناس وخطب ثم استدار إلى القبلة ليدعو، هنا يحول الرداء، ففي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن زيد المازني قال: خرج رسول الله ﷺ إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة.
المأموم متى يحول؟
قالوا : إذا حول الإمام رداءه.
وأما ما يفعله بعض الناس من تحويل الرداء منذ قدومه لصلاة الاستسقاء فخلاف السنة؛ لأن ظاهر الأحاديث الواردة عن النبي ﷺ في صلاة الاستسقاء أن الرداء يكون على حالته المعتادة، وإنما يقلب في أثناء الخطبة حين يحول الإمام رداءه، أما أن يحول الرداء أو العباءة عن حالها قبل ذلك، فالأظهر أن ذلك غير مشروع ومخالف للسنة [مجموع فتاوى ابن باز: 13/ 84].
وفي "حاشية الروض": "ويتركوا ثيابهم مقلوبة إلى أن ينزعوه مع ثيابهم"[حاشية الروض المربع: 2/556] يعني إلى متى تترك مقلوبة؟ حتى يرجع ويضع ثيابه.
وجمهور الفقهاء أن قلب الرداء خاص بالرجال دون النساء، فإذا حضرت النساء المصلى فليس هناك قلب.
المرأة تتكشف ولا تقلب شيئًا، وقال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: إذا كانت المرأة تتكشف عند تحويلها الرداء في الاستسقاء، والرجال ينظرون إليها" لو كانت في مكان مفتوح مكشوف "فإنها لا تفعل؛ لأن قلب الرداء غاية ما فيه أنه سنة، والتكشف أمام الرجال محرم" قال الشيخ: فتنة، وأما إذا كانت لا تتكشف" يعني داخل مصلى منعزل محجوبة عن الرجال بحاجز، قال الشيخ: "وأما إذا كانت لا تتكشف فالظاهر لي أن حكمها حكم الرجل؛ لأن هذا هو الأصل أن يتساوى الرجال والنساء في الأحكام إلا ما دل الدليل في الاختلاف بينهما"[مجموع فتاوى ابن باز: 13/ 84].
كيفية قلب الرداء؟
يستحب للمستسقين قلب أرديتهم، فيجعلون ما على اليمين على اليسار، وما على اليسار على اليمين، ويدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عبد الله بن زيد قال: خرج رسول الله ﷺ يومًا يستسقي فحول إلى الناس ظهره يدعو الله " [رواه أبو داود: 1162].
واستقبل القبلة وحول رداءه، فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن.
وهذا مذهب الحنابلة والمالكية.
ما هو الشيء الذي يقلب ويحول؟
الآن نلبس طاقية، ونلبس غترة وشماغ، واحد يلبس مشلح، واحد يلبس ثوب، واحد يلبس بدلة، يلبس جاكيت، معطف، عمامة، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "أما بالنسبة لما يقلب، فالذي ورد هو قلب الرداء... وأما قلب الغترة والشماغ فلا أظن هذا مشروعًا؛ لأنه لم يرد أن العمامة تقلب والغترة والشماغ بمنزلة العمامة، لكن هل يقلب الكوت؟" يعني الجاكيت، يعني المعطف إذا كان عليه، قال: "في نفسي من هذا شيء، والظاهر أنه لا يقلبها، ولا يلزمه أن يلبس شيئًا أيضًا من أجل أن يقلبه"[مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (16/ 351] يعني يخرج على طبيعته، يعني واحد لابس ثوب يقلب أيش الآن؟ ممكن واحد يقول: الجاكيت حلوه، جعلوه يلبس على وجهين، يلبس كذا، ويلبس كذا.. أيش فائدة الثوب السوداني؟ أنه يدخل فيه من أي جهة سواء كان هكذا وإلا هكذا، ما في تكلف ولا يحتاج يدور ولا يبحث.
يقول الشيخ الذي ورد قلبه هو الرداء، فقال في فتاواه أيضًا: "ولكن المشلح للرجل قد يكون مشبهًا للرداء"[مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 16/ 358].
إذًا، عنده المشلح هذا ممكن قلبه على اعتبار أنه يشبه الرداء، قد نأتي ببعض فتاوى أيضًا المعاصرين حول هذه المسألة تحديدًا -إن شاء الله- في الدرس القادم.
عدم استبطاء إجابة الدعاء
قال المصنف -رحمه الله-: "ولا يستبطئ الإجابة".
عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي [رواه البخاري: 6340].
ففي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء وهو: أنه يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة، لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار، حتى قال بعض السلف: لأنا أشد خشية أن أحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة، أنا أخاف على نفسي من أن أحرم الدعاء أكثر مما أخاف على نفسي من أن أحرم الإجابة، النقطة المهمة في الموضوع هذا والدقيقة والعميقة، وتحتاج فعلًا إلى تفكير وتبصر أن الدعاء هل المقصود منه فقط هو الإجابة؟ يعني أنت لما تدعو هل المقصود فقط أنك تبحث عن الإجابة لما تطلب ؟
الجواب :كلا.
الدعاء نفسه بغض النظر عن الإجابة، يعني كونك تلجأ إلى الله، وتطلب من الله، وتلح على الله، هذا هو روح الدعاء، هذا الأصل، يعني الدعاء هو تعبيرك أنت عن حاجتك لربك، عن افتقارك إليه، أجابك أو ما أجابك، لكن السر هذا في الدعاء الإقبال واللجوء هو روح العبادة، ولذلك لما قال: "الدعاء هو العبادة"؛ لأن هذا اللجوء يعبر عن افتقارك، وحاجتك إلى ربك، وهذا الذي كان يخشى الواحد أن يحرمه على نفسه أن يحرم الدعاء، فبعض الناس في الدعاء ما يفكر في اللجوء، ويفكر فقط بالإجابة، وأنت الآن تعبر عن عبوديتك لله بهذا اللجوء.
آداب قبل الاستسقاء
وقد أورد الفقهاء آدابًا للاستسقاء تستحب قبله، فقالوا: يعظ الإمام الناس ويأمرهم بالخروج من المظالم والتوبة من المعاصي، وأداء الحقوق ليكونوا أقرب إلى الإجابة، فإن المعاصي سبب الجدب، والطاعة سبب البركة، قال الله -تعالى-: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف: 96] ويحثهم على ترك التشاحن والتباغض، الذي يحمل على المعصية والبهت، ويمنع نزول الخير، بدليل قوله ﷺ: إني خرجت لأخبركم بليلة القدر وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت [رواه البخاري: 49].
قال القاضي عياض: "فيه دليل على أن المخاصمة مذمومة، وأنها سبب في العقوبة المعنوية" [فتح الباري: 1/113] يعني الحرمان.
حكم الصيام قبل الخروج للاستسقاء
هل يستحب الصيام قبل الخروج للاستسقاء؟
جمهور العلماء على استحباب الصيام قبل الخروج للاستسقاء؛ لأن الصيام مظنة إجابة الدعاء، ما ترون الآن أنها أكثر ما يدعى إليها الاثنين والخميس؛ لأنه أيضًا ترفع فيه الأعمال إلى الله، ولأنه يستحب على ما قال بعض العلماء أن يصوم، ولذلك تصير الاستسقاء في هذين اليومين اثنين وخميس لقوله ﷺ: ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم [رواه الترمذي: 236، وهو حديث صحيح].
فقيل: يأمرهم الإمام بصيام ثلاثة أيام قبل الخروج، ويخرجون في اليوم الرابع وهم صيام.
وقيل: ويخرجون في آخر اليوم الثالث ["المغني"، و "المجموع"].
قال المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ –رحمه الله –: الأمر بالصيام لم يجئ فيه شيء من الأحاديث، يعني أنه الأمر بالصيام ما ثبت، ولكنه طاعة وجاء أن دعوة الصائم مجابة.
وقال الشيخ ابن عثيمين: ولكن في هذا نظر؛ لأن النبي ﷺ حين خرج إلى الاستسقاء لم يأمر أصحابه أن يصوموا، وإذا كان الأمر قد وقع في عهد النبي ﷺ ولم يأمر أصحابه بالصيام فلا وجه بالأمر به، لكن نقول : لو اختار يوم الاثنين، ولم يجعله سنة راتبة دائمًا، من أجل أن يصادف صيام بعض الناس، لو قيل بهذا لم يكن فيه بأس، لكن كوننا نجعله سنة راتبة، لا يكون الاستسقاء إلا في يوم الاثنين، أو نأمر الناس بالصوم، فهذا فيه نظر [الشرح الممتع: 5/ 209].
فأنتم الآن ترون أنه يأمر به أحيانًا الاثنين وأحيانًا الخميس.
الصدقة والتوسل بدعاء الصالحين
ذهب جمهور العلماء إلى أن الصدقة قبل الاستسقاء مستحبة لأقارب النبي ﷺ المحتاجين والصالحين من المسلمين الذين عرفوا بالتقوى والاستقامة، لماذا؟
لما روى البخاري عن أنس بن مالك: أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون" [رواه البخاري: 1010].
وعن سليم بن عامر قال: "قحطت السماء فخرج معاوية بن أبي سفيان وأهل دمشق يستسقون، فلما قعد معاوية على المنبر، قال: أين يزيد بن أسود الحرشي؟ فناداه الناس، فأقبل يتخطى الناس، فأمره معاوية، فصعد المنبر، فقعد عند رجليه، فقال معاوية: "اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود الحرشي، يا زيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه، ورفع الناس أيديهم، فما كان أوشك أن ثارت سحابة في الغرب كأنها ترس وهبت لها ريح فسقتنا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم" [رواه ابن عساكر بسند صحيح؛ كما قال الحافظ في "التلخيص"، وصحح القصة الألباني -رحمه الله-].
قال الشيخ ابن عثيمين: دعاء الصالحين أقرب إلى الإجابة من دعاء غير الصالحين، وأما التوسل بالصالحين بذواتهم، فهذا لا يجوز، إذًا التوسل بماذا بدعائهم لا بذواتهم، وهذه مسألة دقيقة بدعائهم لا بذواتهم، قال: ولذلك لأن التوسل فعل ما يكون وسيلة للشيء وذات الصالح ليست وسيلة للشيء، فلا علاقة بين الدعاء وذات الرجل الصالح نمسح عليه، قال: وكذلك لا يجوز التوسل بجاه الصالحين؛ لأن جاه الصالحين إنما ينفع صاحبه ولا ينفع غيره [الشرح الممتع: 5/ 213].
التوسل بالعمل الصالح
نعم هذا مشروع، يستحب أن يتوسل كل في نفسه بما قدم من عمل صالح، ويستدل على ذلك بحديث ابن عمر في الصحيحين عن رسول الله ﷺ في قصة أصحاب الغار، يعني لو واحد في الاستسقاء دعا الله بعمل صالح أن يسقي الناس طيب، بينه وبين ربه.
الدعاء برفع الأمطار إذا كثرت
إذا كثرت الأمطار وتضرر الناس، فالسنة أن يدعى برفعها بقول: اللهم حوالينا ولا علينا ،
ولا يشرع لذلك صلاة، يعني لو قال واحد: صار فيه فيضانات نطلع نصلي استسقاء لتحويل الماء عن البلد؟
فيقال: لا نصلي لأجل ذلك صلاة استسقاء، ونجمع الناس، ولكن ندعو اللهم حوالينا ولا علينا ؛ لأن السنة قد وردت في حديث أنس: لما كثرت الأمطار وخافوا قام الأعرابي، فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا؟ هو قبل أسبوع اشتكى أنهم ماتوا من عدم المطر، فرفع يديه، فقال: اللهم حوالينا ولا علينا فما يشير إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت" [رواه البخاري: 933].
هو يدعو يقول: اللهم حوالينا ولا علينا ما يشير لناحية بالإصبع إلا انفرجت، تحولت من فوق المدينة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.