سادسًا: من سنن الخطبة تقصير الخطبة، وهذا الموضوع فيه كلام طويل وبحث، الأدلة عمومًا على تقصير الخطبة، والناس تحتاج إلى تذكير وتعليم، بعض الناس ما يسمع شيء عن الدين إلا في خطبة الجمعة، الباقي كله شغل في شغل، فهذه فرصته الوحيدة ليتعلم.
ما هو طول الخطبة المناسب؟ وما هي السنة في الموضوع؟ وماذا يفعل الخطيب اليوم؟ وهل كون الصحابة يحضرون عند النبي ﷺ يوميًّا صباحًا ومساء، يحضرون عنده فلذلك خطبته قصيرة تكفي؟
الناس اليوم بعضهم ما يحضر أي مناسبة دينية أو وعظ أو كلام شرعي أو سماع علم أو موعظة إلا في خطبة الجمعة، هل هذا مبرر للتطويل، أو ماذا يمكن أن نقول؟
ذكر الشيخ السعدي -رحمه الله تعالى- حديث عمار للدلالة على هذه السنة، وهي تقصير الخطبة، فروى مسلم عن أبي وائل قال: خطبنا عمار فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغتَ وأوجزتَ، فلو كنت تنفست يعني لو أطلت قليلاً، قال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته؛ مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة .
ما معنى مئنة من فقهه؟ يعني: علامة ودلالة على فقهه، وإنما كان كذلك لأن الفقيه يعلم أن الصلاة مقصودة بالذات، والخطبة توطئة لها، فيصرف العناية إلى ما هو الأهم، وأيضًا فإن الصلاة عبودية العبد، والإطالة فيها مبالغة في العبودية، والخطبة المراد منها التذكير، وما قلّ وقر في النفوس، خير مما كثر وفر؛ يعني: بمجرد السلام أصلاً ما يمديهم يطلعوا إذا انتظرتم حتى يطلع من المسجد هم ينسونه قبل ذلك، يعني بعض الناس والحافظة يتفاوتون فيها، ما شاء الله بعض الناس يمكن مستعد أنه يسرد لك الخطبة مرة ثانية، وبعضهم ينسى كل خطبة.
وهذا الحديث الذي ذكرناه سابقًا حديث عمار يدل على أن السنة المؤكدة التي أمر بها النبي ﷺ هي تقصير الخطبة، وإطالة الصلاة.
قال الشوكاني: "إنما كان إقصار الخطبة علامة من فقه الرجل؛ لأن الفقيه هو المطلّع على جوامع الألفاظ، فيتمكن بذلك من التعبير باللفظ المختصر على المعاني الكثيرة"، وليست القضية هنا فقط أو المشكلة أين الذي يفك اللفظ القصير ذي المعاني الكثيرة من الجموع الغفيرة.
وقال الصنعاني في سبل السلام: "وإنما كان قصر الخطبة علامة على فقه الرجل؛ لأن الفقيه هو المطلع على حقائق المعاني وجوامع الألفاظ، فيتمكن من التعبير بالعبارة الجزلة المفيدة" [سبل السلام: 1/403].
وقد دلّت أحاديث أخرى على استحباب تقصير الخطبة، وأن هذا كان هو هدْي النبي ﷺ، ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه عن جابر بن سمُرة قال: "كنتُ أصلي مع رسول الله ﷺ فكانت صلاته قصدًا، وخطبته قصدًا" [رواه مسلم: 866].
قال النووي: "أي: بين الطول الظاهر، والتخفيف الماحق" [شرح النووي على مسلم: 6/153].
وقال السندي في حاشيته على النسائي: "قوله: "قصدًا" أي: متوسطة بين القصر والطول، وكذا الصلاة، ولا يلزم مساواتهما، إذ توسط كل شيء يعتبر في بابه" [حاشية السندي على سنن النسائي: 3/109].
فهذا يعني الوسط فيه، أو دعنا نتكلم عن موضوع الوسطية يعني هذا موضوع خارج قليلاً هامش تحت كذا.
الوسطية مصطلح خطير، صار ميدانًا للحرب على الإسلام في هذا الزمان، فيأتي أهل الضلال فيستعملونه بطريقة لتأييد باطلهم، ويدعون أن ما هم عليه من التفريط والعصيان هو الوسطية، وصارت الوسطية مفقودة وضائعة، وما ندري أين الوسطية، وممكن يأتي واحد يحد لك حد من هنا وحد من هنا يقول لك: هذا الوسط، ويأتي واحد يحد من هنا إلى هنا يقول: هذا الوسط، وهذا، وكل يفصّل بداية ونهاية على هواه ويضع الوسط.
فالوسطية وسطيتان: وسطية وسط بين الحق والباطل، وهذه ليست هي الوسطية الشرعية، والوسطية الصح الحقيقية الشرعية هي: الوسط بين الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط، والزيادة والنقص، الوسطية حق بين باطلين، وهذه عبارة مهمة جدًا جدًا، الوسطية حق بين باطلين، وليست الوسط بين الحق والباطل، فيطرح بعض الكتاب اليوم الموضوع وبعض المنافقين في المقالات الوسطية يضعها الوسط بين الحق والباطل، يعني مثلاً يأتي واحد يقول مثلاً ما تكون اللحية إلى هنا، ولا ما في لحية خلها وسط، مثلاً؛ وهذا غير صحيح، الوسطية حق بين باطلين وليست وسطًا بين الحق والباطل، وهكذا لو جاء واحد قال: قيام ليل وسنن رواتب وتحية المسجد وصلاة الضحى وركعتي الطهارة ركعتي الوضوء ما هذا؟ والذي ما يصلي أبدًا، لا كن وسط الصلوات الخمس خلاص، فإذن خلك وسط هذه، انظر الآن فيها ضياع والله العظيم المصطلح مظلوم اليوم وضائع فعلاً، الناس في أمر مريج، يأتيك واحد يقول: لا تكن مرة متشدد، يعني لا موسيقى ولا أفلام ولا مصافحة المرأة الأجنبية ولا مدري كذا، وبنفس الوقت ما نريدك تصير عاد ما في صلاة وكلها أغاني غربية واسمك تغيره، كن وسط! موسيقى هادئة، أغاني بالعربية، الصلاة، نعم كذا كن وسط!، كل واحد يعرف ويخترع وسطًا، وهذه مصيبة على أية حال.
قال النووي -رحمه الله-: "أي بين الطول الظاهر، والتخفيف الماحق" [شرح النووي على مسلم: 6/153].
وقال السندي في حاشيته على النسائي قوله: "قصدًا" أي: متوسطة بين القصر والطول، وكذا الصلاة، ولا يلزم مساواتهما، إذ توسط كل شيء يعتبر في بابه" [حاشية السندي على سنن النسائي: 3/109].