قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في فتح الباري: "لا تقام الجمعة في السجن؛ وإن كان فيه أربعون، ولا يعلم في ذلك خلاف بين العلماء، وممن قاله الحسن وابن سيرين والنخعي والثوري ومالك وأحمد وإسحاق وغيرهم، وعلى قياس هذا لو كان الأسارى في بلد المشركين مجتمعين في مكان واحد، أسرى مسلمون مجتمعون في مكان واحد في بلد العدو، فإنهم لا يصلون فيه جمعة، يعني حتى لو سمح العدو قال: لو تريدون أن تصلوا جمعة ما عندنا مانع.
قال ابن رجب: "وعلى قياس هذا لو كان الأسارى في بلد المشركين مجتمعين في مكان واحد، فإنهم لا يصلون فيه جمعة، كالمسجونين في دار الإسلام وأولى وأولى" [فتح الباري لابن رجب: 8/67].
وقال تقي الدين السبكي من الشافعية: "لا يجوز لهم إقامة الجمعة في السجن، بل يصلون ظهرًا؛ لأنه لم يبلغنا عن أحد من السلف فعل ذلك، مع أنه كان في السجون أقوام من العلماء المتورعين، والغالب أنه يجتمع معهم أربعون وأكثر موصوفون بصفات من تنعقد به الجمعة" [فتاوى السبكي: 1/169].
يعني رجال بالغون أحرار إلى آخره، فلو كان ذلك جائزًا لفعلوه.
في عهد الحجاج امتلأت السجون بالأخيار والعلماء وما أقاموها، بل ورد عن بعضهم في محنة خلق القرآن لما سُجن أنه كان يوم الجمعة يغتسل ويتطيب ويلبس أحسن ما عنده ويذهب إلى السجَّان للخروج فيرده السجان، فيقول: اللهم إنك تعلم أني أردتُ الخروج إلى صلاة الجمعة فحبسني هذا.
إذن ما كانوا يقيمونها في السجن، "والسر في عدم جوازها أن المقصود من الجمعة إقامة الشعار، ولذلك اختصت بمكان واحد من البلد إذا وسّع الناس اتفاقًا، والسجن ليس محل ظهور الشعار؛ فلا تُشرع إقامتها فيه، فأهل السجن يصلون ظهرًا" [فتاوى السبكي: 1/169]، هذا كلام السبكي.
وأيضًا من المعاصرين سُئل الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- عن إقامة صلاة الجمعة في السجن فأفتى بعدم إقامتها فيه.
وفي فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في خطاب وجهه إلى مدير إدارة الشئون الدينية بالأمن العام، جاء فيه: فأشير إلى كتابكم الذي تستفسرون فيه عن حكم صلاة السجناء جمعة وجماعة خلف إمام واحد، يتقدمهم وهم في عنابرهم، بواسطة مكبر الصوت، ونظرًا إلى أن المسألة عامة ومهمة يقول الشيخ: رأيت عرضها على مجلس هيئة كبار العلماء، لاحظ الشيخ -رحمه الله- ما أفتى مباشرة، قال: تُعرض على ما هو اللجنة الدائمة للإفتاء فقط على هيئة كبار العلماء، قال: وقد اطلع عليها المجلس، وبعد دراسة المسألة واطلاعها على أقوال أهل العلم في الموضوع أفتي بعدم الموافقة على جمع السجناء على إمام واحد في صلاة الجمعة والجماعة وهم داخل عنابر السجن، لاحظ كلامه على السجناء في العنابر أنهم ما يجمعون على إمام وهم داخل العنابر، يعني نوصل لهم الصوت وكل واحد في عنبره يقتدي بالإمام ما يصلح، وإذا كان للسجن مسجد يسمح لهم بالحضور إليه يصلون، وأما إذا ما كانوا يأتون المسجد باقون في عنابرهم فلا يصلون جماعة والإمام في الخارج وهم داخل العنابر لا، قال الشيخ أفتي بعدم الموافقة على جمع السجناء على إمام واحد في صلاة الجمعة والجماعة وهم داخل عنابر السجن يقتدون به بواسطة مكبر الصوت لعدم وجوب صلاة الجمعة عليهم حيث لا يمكنهم السعي إليها؛ لأن الله قال فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9]، وهذا داخل الزنزانة كيف سيسعى.
قال: واتفاقًا مع فتوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- بعدم وجوب إقامتها في السجن، ولأسباب أخرى،
قال الشيخ: ومن أمكنه الحضور لأداء صلاة الجمعة في مسجد السجن؛ لأن السجون عادة الكبيرة فيها مسجد جمعة يصلي فيه الضباط والأفراد وبعض العمال والخدم والمدنيين من الموظفين فيه، فمن أُذن له بالحضور فيه صلى معهم، والذي لم يحضر فيه ما يصلي في الزنازين ولا في العنابر، لا يصلون الجمعة.
قال الشيخ: "ومن أمكنه الحضور لأداء صلاة الجمعة في مسجد السجن إذا كان فيه مسجد تقام فيه صلاة الجمعة صلاها مع الجماعة، وإلا فإنها تسقط عنه، ويصليها ظهرًا، وكل مجموعة تصلي الصلوات الخمس جماعة داخل عنبرهم" يعني داخل العنبر الواحد تقام صلاة الجماعة، قال: إذا لم يمكن جمعهم في مسجد أو مكان واحد لأن بعض هؤلاء لو قيل له يلا اطلع مسجد السجن العام يهرب، فكيف يقال لازم، فاجتماعهم إذن أحيانًا في المسجد العام للسجن غير ممكن، يعني تقتضي الضرورات الأمنية عدم السماح لهم بالخروج، وإلا في هذا الجمع قد يهربون، وفيهم القاتل، ومرتكب الفواحش، والمستولي على الأموال، والمختلس... الخ، ففيها حقوق للغير فيها حق قصاص لهذا، وحق مال لهذا، وحق..، فإذا لم يمكن أن يصلوا في مسجد الجمعة في السجن، لا يصلون داخل المبنى أو داخل الزنازين والعنابر.
فتوى الشيخ عبد العزيز -رحمه الله- موجودة في المجلد الثاني عشر، في صفحة ثلاثمائة وخمسة وأربعين.