الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلّم على محمد بن عبد الله، خاتم النبيين وإمام المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم صلّ وسلّم وبارك عليه، وعلى آله وأزواجه وذريته الطيبين، وخلفائه وأتباعهم إلى يوم الدين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم جميعا ًورحمة الله وبركاته.
دعوة الشريعة إلى التأمل والتفكر في آيات الله
ونعيش في هذه الليلة جولة في رياض الفكر والتفكير، ذلك الفِكر والفَكر وهو إعمال النظر في الشيء، فكر فيه وأفكار وتفكر بمعنى واحد، ورجل فكِّير كثير الفكر.
التفكر: التأمل، إعمال العقل بالمعلوم للوصول إلى المجهول، هذه يد النفس التي تُنال بها المعلومات، هذا الفكر الذي يستعمل في المعاني، هذا الذي جاء الإسلام بالأمر به والحث عليه في التدبر والتعقل والتفكر والنظر في آيات الله الكونية والشرعية، قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ [العنكبوت: 20].
وفي المخلوقات التي فيها، قال: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الرعد: 3].
وفي الدواب التي فيها: أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وفي المخلوقات الأخرى الفوقية: وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وفيما أمامهم من الجمادات الصلاب العظيمة: وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وفي البساط الذي يعيشون عليه وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية: 17 - 20] .
وفي صدق محمد ﷺ وأنه ليس بمجنون، دعاهم للتفكير، ليس بمجموعة كبيرة يؤلّف بعضهم بعضاً على الشر، واحد، اثنين، قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ [سبأ: 46].
دعوات صريحة في القرآن الكريم للملاحظة، تدبُّر، تفكير، بحث، تأمُّل.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "المتفكر ينتقل من المقدمات والمبادئ التي عنده إلى المطلوب الذي يريده فإذا ظفر به وتحصّل له تذكر به وأبصر مواقع الفعل والترك وما ينبغي إيثاره وما ينبغي اجتنابه" [مفتاح دار السعادة: 1/214].
قال النبي ﷺ: لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار حديث صحيح. [رواه ابن حبان: 620، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 68].
فيجب التفكر في هذه الآية، دعوة الناس إلى التفكير، أَفَلَا يَعْقِلُونَ [يس: 68]. لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: 21]. وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 20-21].
فكروا فيما سخر الله لكم وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الجاثية: 13].
فكروا في الآثار، ما تركت الأمم الماضية، فكروا في مصيرهم، فكروا في ظلمهم الذي أبادهم جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ[الحجر: 74-75-76]. في طريق واضح بين.
كانوا يمرون عليها في طرق السفر ويرون باقي آثار الأمم البائدة التي قصم الله ظهرها، وأزال ملكها، وأبادها وأهلكها.
التفكر والتأمل فرق بين الدواب والإنسان
إن التفكير فرق عظيم بين الدواب وبين الإنسان،إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ[الأنفال: 22]. ومن عطّل عقله وفكره تشبّه بهم، من صار شهوانياً بهيمياً، لا همّ له إلا في اللذّة، لا يفكر ولا يتأمل، لا يعقل ولا يتدبر، هذا يشبه الدابة، لكن الدابة عندها إحساس بالموت كما قال العلماء، الدابة تحس بأنها ستموت، تفهم أنها ستموت، التفكير، التفكّر، مبدأ كل عمل نظري وعمل اختياري، الخواطر والأفكار؛ لأنها تؤدي للتصورات، والتصورات تدعو للإرادات، والإرادات تؤدي إلى وقوع الفعل، هذا هو الخط الذي سلكه علماء المسلمين في التدرج وفي طريقة الوصول للنتيجة في الخير أو في الشر.
إذا أردتَ أن تعرف عمل الشر من أين بدأ ؟ خاطرة، ثم فكرة، ثم تصور، وإرادة وعزيمة، وفعل.
والخير كذلك والوصول إلى النتائج بعد المقدمات كذلك بالتفكير، يتكلمون اليوم عن مهارات التفكير، وكأنه علم جديد لم تبتكره البشرية إلا الآن، كأن مهارات التفكير لم يعرفها العالم إلا الآن، كأن الفضل في مهارات التفكير هو للغربيين والشرقيين.
سبق المسلمين في مهارات التفكير والإدراك
مهارات التفكير موجودة عند المسلمين، مهارات التفكير في المعرفة، والتركيز، والإدراك، والنتائج على المقدمات، والاستنباط، والاجتهاد، والتقسيم، والسبر، واستشراف المستقبل، ,القياس، وتنوع العلوم، والربط، والتحليل، كله موجود عند المسلمين في القديم.
ونحن لا نعني بأن كل ما ابتكره أو توصل إليه الكفار من العلوم عندنا سابقاً، لا، توصلوا إلى أشياء في الإدارة والاقتصاد، والطب، والفلك،... ما كنا نعرفها نحن المسلمون، سبقونا في هذا، لكن بعض الناس يظن أن السبق كلي وأننا نحن قوم جهلة حتى جاء هؤلاء فعلمونا، والحقيقة بضد ذلك!
فقد كانوا جهلة حتى جئنا نحن وعلمناهم، فتخلف كثير من المسلمين عن الركب، فسبق الكفار إلى علوم من الدنيا، ليس من علوم الآخرة، علوم من المادة وليس من الدين.
الدين هم متخلفون إلى الآن ولا يزالون متخلفين في الدين إلى أن تقوم الساعة، حتى يدخلوا في الإسلام، التخلف عند الغربيين والشرقيين في أمور الدين باقي إلى قيام الساعة، التقدم في أمور الدنيا موجود عندهم اليوم أكثر منا، كما كان عندنا في السابق أكثر منهم.
فعندهم علوم واختراعات ليست عندنا معلومة من قبل، لهم فيها سبق، لكن المنهزمون منا الذين درسوا عندهم أو أخذوا عنهم يصورون الأمر لنا كأن هنالك فتوح جديدة وعلوم رهيبة ما كان عند علمائنا منها نصيب مع أنها لو فكرت فيها لوجدت في التحليل والسبر والتقسيم والحفظ والقراءة السريعة، موجودة.
ليست عند هؤلاء فقط بل عند علمائنا وعند المسلمين وأجدادنا من قبل، مهارات التفكير يقولون: مجموعة من القواعد الأولية والمهارات المتقدمة التي تحكم عمليات الإنسان الذهنية التي تحتوي على عمليات المعرفة والترتيب والإدراك.
وأنه كان يُظن في السابق أن مهارات التفكير موهبة فقط، ثم توصلوا إلى أنها ليست للأذكياء الموهوبين فقط، وإنما هي أمور يمكن تعلمها والازدياد منها، تستعمل في حل المشكلات، في التحليل، في القدرة على التقييم، عمليات التفكير المنظمة، الإبداع، التفكير الإبداعي، وتدريب الأذهان على المهارات، والتمرين، واكتسابها، والتطوير والتحسين المستمر في الأداء والممارسة.
لكن يا إخوان دخل عندهم من الفلسفة والشرك ووثنيات الشرقيين وإلحاديات الغربيين في هذه الأشياء ما الله به عليم.
لكن لما كان عندنا -نحن المسلمين- من أنواع التحليل والاستنتاج والاستنباط، والاجتهاد والقياس والسبر والتقسيم واستشراف المستقبل، وغير ذلك، كانت قائمة على التوحيد، على الإيمان، على الدين، على عقيدة صحيحة ليس فيها خزعبلات، ليس فيها شركيات، ليس فيها وثنيات، بخلاف ما هم عليه اليوم.
فعندهم شيئاً من الحق، وأشياء من الضلال، عندهم شيء من المفيد وأشياء من الخلط والخزعبلات لا زالت موجودة إلى الآن حتى في هذه الدورات التي يعقدونها وأخذها عنهم تجارنا ليقوموا بامتصاص أموال الناس عبرها بزعم أن فيها العلوم التي لم تكن معلومة من قبل.
أنت الآن تنظر في الجرائد، فترى في المبوبات ونحوها من الإعلانات، الإبداع بالذاكرة، طرق التفكير الإيجابي، قم بإزالة قناعك، أظهر قواك الخفية، العملاق، دورة القراءة السريعة، كيف تتخذ قراراً، الخارطة الذهنية، دورة في الذكاء العاطفي، حرر قدراتك الكامنة، تغيير القناعات.
فيها أشياء مفيدة، في القيادة مثلاً، فيها أشياء مفيدة؛ أنماط التفكير، أنواع الشخصيات، النبي ﷺ قال: إن أبا سفيان رجل يحب الفخر [دلائل النبوة للبيهقي: 5/34].
هناك في الأحاديث ذكر أنواع من الشخصيات والتعامل مع الشخصيات، وقال لهم:من دخل دار أبي سفيان فهو آمن [رواه مسلم: 1780]. والمسألة ليست حكراً، أو ما جاءت الآن إلا بهذه الدورات، لكن إنصافنا وعدلنا يقتضي أن نقول: إن فيها حقاً وباطلاً، وصواباً وخطأً، وحقيقية ووهماً، أو أوهاماً!
والمشكلة في ضعف العلم الشرعي الذي يؤدي إلى انكباب الناس نساءً ورجالاً على هذه الدورات، والأخذ بما فيها من غير تمييز بين الصحيح والسقيم والحق والباطل، وهذه مصيبتنا.... "ضعف العلم الشرعي"!
لو فيه علم شرعي لأنكروا على هذا المدرّب، لأنكروا عليه الخزعبلات، وثنيات، أنكروا عليه وهو يقول لهم: هناك حجارة تمص الألم، وحجارة تؤلم، وحجارة تمص الحسد، وحجارة تفعل حجارة وحجارة... انتهينا إلى شرك الحجارة وأنها تنفع وتضر وتؤثر...!
أين عقولكم؟ الحجارة الكريمة، الزبرجد، العقيق، المرجان، اللؤلؤ، الألماس، هذا يفعل كذا وهذا يفعل كذا، أوهام!
هذه أشياء لها علاقة بالأخلاق! هذه أحجار تغير النفوس، هذا حجر يجلب السعادة، هذا موجود في الدورات! الشرك هذا موجود، الجهل، هذه عقائد قوم عاد وثمود والأحجار تبع هُبل واللات موجودة في الدورات، موجودة، اعتقاد بالأحجار، الموضوع مهم جداً وحساس؛ لأن هناك افتتان به.
ونحن مرة أخرى لا نجحد ونقلل، نقول: هذه أشياء غير مهمة، وليس فيها أي فائدة... لا لا، فيها فوائد، كثير منها عرفها علماؤنا من قبل وعندهم منها، لازال عند الغربيين نواقص موجودة عند العلماء ليست موجودة عندهم، فلو تكلمنا عن الجرح والتعديل، وعلم المصطلح، والأسانيد، والمهارات التي كانت عند شعبة والبخاري، وعلي بن المديني، وابن القطان، وأحمد، والدارقطني... ونحو ذلك ما عندهم، ولا يصلوا أصلاً ولا حام طائر فكرهم حولها.
اكتشاف العلماء بالشذوذ والعلة، ما عندهم هذا، ما يصلون لهذا المستوى، هذا المستوى راقي جداً ما وصلوا إليه، عندهم قطوف وأشياء فهم قرروا في الجامعات الفرنسية منذ مدة تدريس أصول الفقه الإسلامي؛ لإعانة الطلاب على دراسة القوانين، واستنباط القوانين، وتفريع القوانين، وكتابة القوانين، الدورات، المحاماة، ما يتعلق بالقوانين.
مهارات المسلمين في تأسيس البحث العلمي
مهارات التفكير عند علماء المسلمين كنظرة تاريخية نعود فيها إلى السابق حتى يكون عندنا عزّة، ويكون عندنا أيضاً إنصاف، هل الآن دورات الـNLB الحفظ والقراءة السريعة هذه كلها ما عرفها إلا هؤلاء؟ ليست معروفة عند علمائنا من قبل مثلاً؟
من المآثر العلمية للمسلمين تأسيس منهجية البحث العلمي التجريبي؛ لأن الناس في السابق من اليونان والرومان كان عندهم خزعبلات، والميتافيزيقيا وعالم ما وراء المادة، فرضيات.
أشياء عند أفلاطون وأرسطو، ومنطق يوناني، وكثير منها فكرة خطرت فقننها، والمشاؤون الروائيون الذين كانوا يمشون بالكتب وراء إمامهم، فيعلمهم من الأشياء لكن ليس عندهم دليل، ولا عندهم أثارة من علم، أو وحي، فكان عندهم اعتقادات خرافية، كان عندهم خزعبلات، زبالات أذهان.
جاء المسلمون فأصّلوا لمنهج العلم البحثي التجريبي القائم على الملاحظة والمشاهدة والتحليل واكتشاف العلاقات، والتوصل للقوانين التي تحكم المادة، وما جعل الله في هذه الطبيعة من السنن الكونية.
أشياء موجودة في القرآن والسنة، وأشياء جعل القرآن والسنة للنظر فيها، ننظر في ملكوت السماوات والأرض، وما خلق الله، ويستنبطون العلاقات الموجودة في هذا الكون، وفي هذه المخلوقات التي أوجدها ربنا -عز وجل-.
القراءة باعتبارها سبيل إلى نقل المعلومات، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ[العلق: 1-2] .
القلم باعتبار الكتابة وسيلة لنقل المعلومات والتراث عبر الأجيال أيضاً والسابق واللاحق، اللاحق يستفيد من كتابة السابق، والسابق يدون للاحق ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ [القلم: 1].
وقضية الكتاب والقرطاس، ونجد أن القراءة والكتابة أمر ممدوح محمود، أمر النبي ﷺ بعض أصحابه بكتابة الوحي، وتعليم بعض أصحابه الكتابة، والاشتراط على أسرى مشركي بدر أن يعلّموا بعض المسلمين القراءة والكتابة، وتعلّم اللغات الأخرى التي حصلت، كما أمره لزيد -رضي الله عنه-، ونحو ذلك.
لكن المنهج التجريبي في البحث العلمي ما عرفته أوروبا إلا عن طريق المسلمين في الأندلس والشمال الأفريقي وصقلّية وجنوب إيطاليا لما كانت في يد المسلمين.
من هنا يتضح أن النهضة التي حصلت لأوروبا أصل منشأ هذه النهضة من المسلمين، والعلوم التي أخذت عن المسلمين، هم كانوا يعيشون جهلاً تاماً، يعيشون في جهل مطبق، و هذا المنهج الإسلامي عند علماء الطبيعة المسلمين وعلماء الفلك المسلمين، وعلماء الطب المسلمين، وعلماء الهندسة والرياضيات المسلمين، هذه الأشياء المأخوذة من النظر في الواقع، واكتشاف العلاقات، وملاحظة الظواهر المادية المحسوسة، وربط بين الأسباب والمسببات والنواميس الموجودة في الكون، هذا كان عندنا بينما كان الغرب يغط في ظلام عميق، ولما صارت محاولات كبتتها الكنيسة، قمعتها الكنيسة.
لما بدأ عندهم من بعض مفكريهم محاولات للربط والاستنتاج قالوا: هذا خارج عن سلطان الكنيسة، خارج على قوانين الإلهية، فأعدموهم، قتلوهم، أحرقوهم.
"وتكر تشامبرز" يقول: إنه بينما كان ينظر في أذن ابنته الصغيرة أخذ يفكر في أنه من المستحيل أن يوجد شيء معقّد ودقيق كهذه الأذن بمحض الصدفة، بل لا بد أنه جاء نتيجة إرادة ذات تدبير، غير أنه أسرع بإبعاد هذه الفكرة الخبيثة عن ذهنه حتى لا يجره ذلك إلى الإيمان بالله.
كانوا أحيانا ً يجحدون الحس المشاهد حتى لا يأتون إلى فكرة أو شيء يحاربونه؛ لأنه صار عندهم موجة إلحاد ضخمة ولا زالت طبعاً موجة الإلحاد، موجودة في الغرب، في مواقع الأنترنت مدرسة قائمة.
الإلحاد التام، إنكار وجود الله، أو الشك في وجود الله، مدرستان في الإلحاد.
في التفكير الإبداعي وهو الإتيان بشيء جديد لم يكن سابقاً معلوماً، وتواجه المبدع مسألة نظرية أو عملية، فيبدأ في إعمال فكره في إيجاد حل لها، ويبحث عن حل أفضل لو كان هناك حل موجود أصلاً، ومع زيادة الفكر والإصرار ينقدح في ذهنه الحل فيكون تفكيراً إبداعياً.
وهذا التفكير الإبداعي له صور كثيرة، وأنتَ لو رجعت إلى تاريخ المسلمين لوجدتَ أن التفكير الإبداعي كان موجوداً حتى في التأليف والأفكار الجديدة في التأليف.
مهارات علماء الحديث في جمع الحديث وتصنيفه
قال البخاري -رحمه الله-: "كنتُ عند إسحاق بن راهوية، فقال لنا بعض أصحابنا: "لو جمعتم كتاباً مختصراً لسنن النبي ﷺ، فوقع ذلك في قلبي فأخذتُ بجمع هذا الكتاب، يعني: كتاب الجامع".
[تاريخ بغداد: 2/324]
يسمع فكرة، هناك فكرة جديدة، هناك أحاديث كثيرة وأسانيد، وكانت عبارة عن أحاديث مجمّعة مسموعات مثلاً.
ربما أول ما رتبوها أولاً جمعوها جمعاً، ثم أرادوا الترتيب، ثم ترتب على مسانيد الصحابة مثلاً، أحاديث أبي بكر الصديق وحدها، ثم أحاديث عمر، ثم أحاديث عثمان، ثم أحاديث علي، ثم أبي مسعود، أبي هريرة، عائشة، عمرو بن العاص، ثم يأخذ مثلاً حديث أبي هريرة، الرواة عن أبي هريرة، المكثرون مثلاً أبو صالح عن أبي هريرة، مثلاً أحاديث أبي صالح عن أبي هريرة هذه تأتي وراء بعض هكذا، ثم الراوي الثاني عن أبي هريرة، وأحاديث وراء بعض وهكذا.
صار هناك نوع من التقسيم والترتيب لسهولة الرجوع إلى المعلومة، ثم صار يوجد ترتيب على الأبواب الفقهية، أبواب
الإيمان، أبواب العقيدة ثم أبواب الفقه مثلاً، والأخلاق والآداب والسيرة، وهكذا.
لما رتبّ البخاري كتابه الصحيح على هذه الأبواب، وصار هناك إبداع في العناوين، فقه البخاري في عناوينه، عناوين الكتب التي فصل بها في الجامع الصحيح، وكانت هذه الفكرة في اختيار الصحيح من أخبار النبي ﷺوأيامه وسننه وآثاره، ثم قضية التمييز بين المعلقات والأحاديث المتصلة، وصار هناك فهارس حديثية وأنواع أخرى للتراتيب، وهكذا نجد مثلاً في اللغة العربية.
مهارة علماء اللغة في جمع مفردات اللغة العربية
فكرة الخليل الفراهيدي في الترتيب المعجمي لما ألّف كتاب العين على حروف المعجم، هناك أفكار إبداعية، يعني مثلاً اللغة العربية تتكون من جذور -يعني كلمات- وتعود إلى جذور، يعني: "عَلِمَ" لو حاولت تغيير ترتيب هذه الثلاثة "لَمَعَ"، "عَمِلَ". هل يوجد "مَعَلَ"؟ "مَلَعَ"؟ هل يمكن أن يقود ذلك إلى اكتشاف كل كلمات اللغة العربية، هناك أشياء تركتها العرب وأهملتها ليست مستعملة، وهناك أشياء مستعملة موجودة في الأشعار، وعليها شواهد.
هذه عمليات التفكير الإبداعي في تأليف القواميس مثل قاموس الفراهيدي في العين وأشياء قادت إلى التأليف على حروف المعجم، أشياء رهيبة، ومن تبحّر في قضية القواميس العربية التي ألفها العلماء، سيجد إبداعات ليست موجودة عند الإنجليز أصلاً، مثلاً اللغة الإنجليزية ليست لغة اشتقاقية مثل اللغة العربية، ليس فيها جذور مثل اللغة العربية، اللغة العربية فيها انضباط وتسلسل، وحتى ًاكتشاف أن تغيير حرف يؤدي إلى معاني متقاربة "قَطَعَ"، "ٌقَطَمَ"، "قَطَفَ"، "قَطَرَ"، "قَطَش" يعني الدخول فيها التبحّر فيها سيقودك إلى الأسرار في اللغة.
وما عندهم مثلها؛ لأن اللغة التي عندهم عاجزة في المقارنة مع اللغة التي أنزل الله بها القرآن.
فإبداعاتنا في اللغة العربية ما في عند الإنجليز ولا الفرنسيين ولا الصينيين إبداعات في اللغة مثلما عندنا.
ووسائل تقنية التعليم عندهم أكثر الآن، يعني تقنية تعليم اللغة الإنجليزية أكثر من تقنيات تعليم اللغة العربية، لو حصل تقدم أو أخذ بأسباب القوة في تعليم اللغة العربية لانتشرت في العالم أكثر من اللغة الإنجليزية، لكن هناك استعمار وهيمنة كفرية تدعم لغات معينة واللغة العربية ما يعترف بها في الأنترنت إلا بعد كذا كذا... ولا يُعترف بها في المجامع الدولية، ولا تعتمد لغة رسمية في الطب، أو لغة رسمية، وهكذا إلا بعد مراغمات وأشياء، وبعضها ليس معترف بها أصلاً في بعض الجوانب في اللغة العربية؛ بسبب ضعفنا وعجزنا.
ابتكار الشافعي -رحمه الله- لعلم أصول الفقه
عندما تأتي مثلاً إلى العلوم وتجد كيف ابتكر الشافعي -رحمه الله- علم أصول الفقه، وجمع أبواب هذا العلم، والأصول موجود عند العلماء،: الخاص والعام، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، إلى آخره.
وهذه أشياء تضبط الفكر، تحميه من الانحراف، وأصول الفقه مهم أن يدرسها طالب العلم؛ ليحميه من الشذوذ، من الإتيان بالغرائب مثلاً، من أن يقول قولاً ما قال به أحد، أن يقول قولاً تافهاً سخيفاً مضحكاً متهافتاً.
علم أصول الفقه يحمي طالب العلم من مثل هذه المنزلقات.
الشافعي -رحمه الله- درس على يد مالك، وأحاط بفقه الحجازيين، وذهب إلى العراق، والتقى بمحمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة فقيه العراق، وأخذ عنه العراقيون الفقه، كانت الساحة بين أهل الحديث وبين أهل الرأي فجاء الشافعي بكتابه: "الرسالة" وأخرج في هذا الإبداع.
وقضية التوفيق بين المدرستين، وحدد أصول القياس، والتوفيق بين الأحاديث المختلفة.
هناك إبداع، حديثان مختلفان، هل هما صحيحان؟ فإذا كان أحدهما صحيحاً والآخر ضعيفاً حلت المشكلة، هل هما صحيحان؟ نعم، هل أحدهما متقدم على الآخر؟ هل أحدهما عام والآخر خاص؟ هل أحدهما مقيد...؟
وهكذا تأتي، ثم في النهاية الترجيح، بناء الشافعي -رحمه الله- لهذا العلم مع درايته باللغة العربية صيرته حقيقة مجدداً في هذا، والعلماء يميزون بين الجمل والنصوص الشرعية؛ هذا أمر، هذا نهي، هذا خبر، هذا صارف عن الوجوب.
إشارة النص، عبارة النص، النص له إيماء، هنا فحوى للخطاب، سبر العلّة، تنقيح العلّة، تدقيق، الفرع على الأصل، التخريج، لدراية هؤلاء العلماء الكبار بالقرآن والسنة واللغة، وأبواب أصول الفقه، خرجت الاجتهادات العظيمة في إيجاد الأحكام للمسائل الحادثة، والنوازل المستجدة.
وتناولت كتب علم أصول الفقه الأدلة الشرعية الكلية مثل: القرآن والسنة والإجماع والقياس، وتناولت دلالة النص استناداً إلى القواعد اللغوية، فكان النص الواضح والنص المُجمل الصريح، هذا نص في المسألة، هنالك محكمات ومتشابهات، وكذلك تناولت مقاصد الشريعة وطور الشاطبي -رحمه الله- نظرية المقاصد والمصالح وحفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ العرض وحفظ المال، والشريعة قامت على ماذا؟ والغاية المقصودة من علم أصول الفقه، وقضية الأدلة التفصيلية والأحكام الشرعية والعلاقة بينهما.
القواعد الأصولية تكونت بعد جهود كبيرة من علمائنا، فقه القواعد الأصولية موجود في ذهن أبي بكر وعثمان وعلي لكن ما قالوا هذه التقسيمات المعينة، فجاء بعدهم لما أخذوا العلم من التابعين وأتباع التابعين كتبوا ذلك، بدأ علم التدوين، وكتابة هذه الأصول، أصول التفسير، أصول الحديث، أصول الفقه، وهكذا.
مهارات المسلمين وإبداعهم في علم الفروق
وعلم الفروق من العلوم الإبداعية عند المسلمين؛ لأنه يجمع بين المتشابهات ويبين الفرق بينها، أشياء قريبة من بعض.
ومن أبرز العلماء القرافي -رحمه الله- في كتابه: "أنوار البروق في أنواع الفروق"، والكرابيسي في كتابه: "الفروق"، و"مجمع الفروق اللغوية" لأبي هلال العسكري، وهو من أمتع كتب اللغة وأقواها في معرفة الفرق بين اللفظين القريبين؛ جلس وقعد في المعنى، هناك تقارب، هناك فرق مثلاً؟
وهكذا لو كانت الألفاظ متقاربة لكن تغير حرف، "قطف" قطف تستعمل لأشياء معينة مثلاً، قطع لأشياء أخرى.
قواعد الفقه علم استقرائي يقوم على جمع المسائل المتشابهة على نسق واحد ثم النظر في الجامع بينها لنخرج من ذلك بقاعدة كلية تكون بمثابة الأصل في هذا الباب، فإذا وقعت مسألة مشابهة للفروع السابقة أخذت نفس الحكم، حكم القاعدة الكلية، مثلاً: "كل مسكرٍ حرام".
هذا الخمر مسكر، يدخل فيها، هذا رأسها، جاءت الآن الكحول مثلاً، ظهرت أشياء أخرى.
فهناك أشياء تفصيلية تدخل تحت القاعدة، تصنيف الأشياء إلى مجموعات متشابهة أنتج عند علماء المسلمين علم القواعد الفقهية؛ لأنهم تتبعوا المسائل الفقهية، واستطاعوا من خلالها أن يقرروا مجموعة قواعد ترجع إليها مسائل الفقه كافة، انظر مثلاً إلى السيوطي في الأشباه والنظائر وما استفاده من كتب من قبله في الأشباه والنظائر.
حكى القاضي أبو سعيد الهروي قصة لطيفة عن بعض أئمة الحنفية بهراة أبلغه أن الإمام أبا طاهر الدباس إمام الحنفية فيما وراء النهر رد جميع مذهب أبي حنيفة إلى سبع عشرة قاعدة.
وهذا يحتاج إلى جهد فكري، كل فقه أبي حنيفة واستنباطات أبي حنيفة ومسائل أبي حنيفة ردها إلى سبع عشرة قاعدة فقط.
حتى يجمع المتشابهات ويضعها في قاعدة يمر عليها كلها، ويفكر فيها كلها، ويجمع هذه في قاعدة، وهذه في قاعدة... فردها إلى سبع عشرة قاعدة، هذا الجهد العظيم جداً في هذا التقسيم والتجميع، كم يحتاج إلى طاقة عقلية؟
وأراد أبو سعيد الهروي أن يسمع هذه القواعد.
كان أبو طاهر الدباس ضريراً يكرر تلك القواعد كل ليلة في المسجد، بعد أن يخرج الناس منه ويغلق الباب هو ليحفظ هذه القواعد ويتأمل فيها وينظر هل هناك نقص، هل هناك زيادة، هل هناك تغيير، فأراد أن يسمع منه وهو يكرر هذا فالتفّ الهروي بحصير، وخرج الناس وأغلق أبو طاهر المسجد وسرد من تلك القواعد سبعاً، فحصلت للهروي سعلة فأحسّ به أبو طاهر فعاقبه، وأخرجه من المسجد، ثم لم يكرر ذلك وخرج الهروي وتلا عليهم تلك السبع.
فلما بلغ القاضي حسيناً ذلك، رد جميع مذهب الشافعي إلى أربع قواعد.
الأولى: اليقين لا يزول بالشك.
والثانية: المشقة تجلب التيسير.
والثالثة: الضرر يُزال.
والرابع: العادة محكّمة (العُرف).
وضم بعضهم القاعدة الخامسة إليها: الأمور بمقاصدها. وهي: إنما الأعمال بالنيات [رواه البخاري: 1].
ولما ابتكر العلماء علم الجرح والتعديل، وهو من العلوم الإبداعية التي تبين تثبت في نقل الأخبار عن نبيهم وما كان هذا علم عند أصحاب عيسى، ولا عند أصحاب موسى مثله، وإنما كان عند أمة محمد ﷺ.
وانقطعت الأسانيد، أسانيد موسى وأسانيد أحاديث -عيسى ، وبقيت عندنا أسانيد أحاديث محمد ﷺ.
العلماء على مر السنين سبروها، نظروا فيها، استخرجوا منها القوانين، يصح الحديث بهذا اللفظ، ولا يصح بذاك، يصح من طريق فلان، ولا يصح من طريق فلان.
وهمة عالية، وأنواع، وأنت تجد المرسل والمعضل والمنقطع والمقطوع وتفننات حتى في ما يتعلق بأعداد الرواة، وعدد الطرق للحديث، وتقسيمات وتعريفات لتمييز الصحيح، وفي النهاية خدمة شيء واحد، وهو صحة الحديث عن النبي ﷺ، هل الحديث صحيح أم لا؟
نشأ مصطلح الحديث وقواعد هذا العلم وأصول هذا العلم من تصحيح الأخبار ونقدها نقدا ًعلمياً، حتى عُدّت هذه القواعد من أصح قواعد البحث العلمي، وحتى الآن أنتَ تستطيع أن تطبّق بعض قواعد مصطلح الحديث على أخبار وكالة رويترز، وما يأتي في الجرائد والقنوات الفضائية، من مواقع الأنترنت، ورسائل الجوال المعلومات التي تسير بين الناس. كان من ثمار هذه الجهود مفخرة عظيمة لهذه الأمة حتى قال مرجليوث أحد المستشرقين الكفرة: (ليفتخر المسلمون ما شاءوا بعلم حديثهم)، وأّلف أحد علماء التاريخ في العصر الحاضر كتاباً في أصول الرواية التاريخية وهو مصطلح التاريخ، والمؤلف نصراني أسد رستم اعتمد فيه على قواعد علم الحديث، واعترف بأنها طريقة علمية حديثة لتصحيح الأخبار والروايات.
لو قلتُ لك: كم طريق مختلفة لهذا الخبر الذي عندك؟ فقد يقول لك: بلغ عندي حد التواتر، ويصح هذا الخبر، وقد يكون كل الطرق التي عندك ترجع إلى طريق واحد.
ما أحد نقله بالرغم من توافر الهمم والدواعي على نقله، فتقول: لا، هذا خبر كأنه باطل، مشكوك في صحته، هذا خبر شاذ؛ لماذا لما ينقله أحد؟ كل الناس رأوا الحادثة، لماذا لم يأت الخبر؟ هذا صار في الشارع ما نقله إلا واحد، هذا خبر مصنوع مفبرك، وهكذا، أنت الآن قد تحكّم بعض قواعد علم المصطلح في أخبار الناس، ويكون عندك علم مصطلح الحديث حساً في تمييز الصدق من الكذب، والضعف من القوة في الأخبار وقوعا ًونفياً.
فضلاً عن فهمها وإدراكها وما وراءها والظروف المحتفة بها، والقرائن.
كان علم مصطلح الحديث علما ًدقيقاً جداً، والعلماء بذلوا فيه، شعبة كان يسافر من بلد إلى بلد إلى بلد إلى بلد حتى يتتبع هذا الحديث أين مصدره؟ وفي النهاية قد يكون وراءه واحد ضعيف، فيقول: "دمّر عليّ هذا الحديث".
قال ابن حبان في ترجمة مأمون بن أحمد السلمي: "كان دجالاً من الدجاجلة".
قلت له يوماً: متى دخلت الشام؟
قال: سنة خمسين ومائتين.
لأنه يحدّث عن أهل الشام، عنده أحاديث؛ لأن الصحابة لما صاروا في الشام ولهم تلاميذ من التابعين وصاروا في الشام وفي العراق ومصر.
هذا عنده أحاديث يرويها عن رواة شاميين، ومتى دخلتَ الشام؟ قال: سنة خمسين ومائتين.
فقلت: فإن هشام بن عمار الذي تروي عنه مات سنة خمس وأربعين ومائتين؟" [المجروحين لابن حبان: 3/45].
يعني أنت دخلت بعد موت الشيخ الذي تزعم أنك تحدث عنه بخمس سنين! يا كذاب متى سمعت؟ متى رأيته حتى تسمع عنه؟ وهو مات قبل ما تدخل الشام بخمس سنين؟
وعن عفير بن معدان قال: "قدم علينا عمر بن موسى حمصاً، فاجتمعنا إليه، فجعل يقول: حدثنا شيخكم الصالح.
فقلنا: من هو؟
قال: خالد بن معدان.
قلنا: متى سمعتَ منه؟
قال: سنة ثمانٍ ومائة في غزوة أرمينيا.
فقلنا: اتق الله يا شيخ ولا تكذب، فإن خالد مات سنة أربعة ومائة، وما غزا أرمينيا قط".
[تاريخ دمشق لابن عساكر: 45/347].
وهكذا أثبت الخطيب البغدادي للخليفة زور كتاب اليهود الذي زعموا فيه أن الجزية وضعت عنهم، وأتوا بواحد ما أسلم إلا بعد الحادثة، والثاني مات قبلها! [تاريخ بغداد: 21/42].
سعد بن معاذ مات قبل التوقيع قبلها، ومعاوية أسلم في عام الفتح وهي بعد خيبر، متى شهد الصحابيان على هذه الورقة التي فيها وضع الجزية عن اليهود! عملية النقد هذه قائمة على معرفة التواريخ وبدقة.
وكان العلماء يسعون وراء تحقيق السماع واتصال السند.
فعن الشعبي عن ربيع بن خثيم قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرار كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل.
قال الشعبي: فقلت للربيع -وهو شيخه- ممن سمعته؟
قال: من عمرو بن ميمون.
فأتيت عمرو بن ميمون فقلتُ: ممن سمعته؟
قال: من أبن أبي ليلي.
فأتيت ابن أبي ليلى، فقلتُ: ممن سمعته؟
فقال: من أبي أيوب الأنصاري يحدثه عن رسول الله ﷺ.
الحديث متفقٌ عليه. [رواه البخاري: 6404، وسلم: 2693].
لكن طلب علوم السند ووصل إلى أعلى رجل يمكن الوصول إليه، ولا شك أن اختصار العدد يؤدي إلى نقص احتمالات العلّة والوهم والتغيير في المسموع.
روى شُعبة عن قتادة عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أن النبي ﷺ، وذكر حديثاً.
قال شعبة: فقلت لقتادة: ممن سمعته؟
قال: حدثنيه أيوب السختياني.
قال شعبة: فأتيت أيوب، فسألته، فقال: "حدثنيه أبو بشر.
قال شعبة: فأتيت أبا بشر، فسألته، فقال: "أنا سمعتُ سعيد بن جبير، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ. [رواه أحمد: 5954، وأبو عوانة في مستخرجه: 8073، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 2951].
إبداع المسلمين وتفوقهم في العلوم الأخرى
العلوم التي عند المسلمين التفوق فيها ما كان مقتصراً على العلوم الشرعية، مثل أصول التفسير، وأصول الحديث وأصول الفقه، حتى أشياء مثل علوم الاجتماع.
هذا ابن خلدون لما تكلم في هذا الفن، ومن أوائل من برع فيه، في نشأة المجتمعات وتطورها، وانحلالها وخرابها، وعلل ذلك، واستقصى في بحثه جميع الظواهر دون استثناء... اقتصادية وسياسية واجتماعية.
واعتبر ابن خلدون أن كل علم له قوانينه التي لا يتخطاها وحددها بقانون السببية، وقانون التشابه، وقانون التباين.
وذكر ضرورة الاجتماع البشري لسببين، يعني لازم تنشأ مدن، لازم تنشأ مجتمعات بشرية.
أولاً: اضطرار الإنسان للتعاون مع أبناء جنسه؛ لعجز الفرد عن تأمين غذائه بمفرده.
الثاني: الحاجة للدفاع عن نفسه.
فالإنسان يحصل بالتعاون مع أبناء جنسه على صنع الآلات التي تنوب عن الجوارح المهيأة للدفاع عند الحيوان.
تفكير في قضية نشأة المجتمعات، نشأة المدن، نشأة اجتماع الناس في مكان واحد ولماذا؟
لأن هذه من أسباب القوة وقد يضادها أسباب ضعف، لا بد من معالجتها حتى لا تفكك المجتمع.
درس ابن خلدون العوامل المؤثرة في المجتمع، وفي تنوّع العمران، فأبرز العوامل الطبيعية، الإقليم، المناخ، التربة، فصّل أشياء اجتماعية، عادات، تقاليد، عصبية، دين، اقتصاد، أشياء مالية.
ميّز ابن خلدون في دراسته بين نوعين من العمران؛ البدوي والحضري وذكر خصائص العمران البدوي، وكذلك العمران الحضري، وبين أن العمران البدوي له أسبقية ويتميز بقوة العصبية وعدد خصائص العمران الحضري بكثرة الصنائع، والأعمال، والمكاسب، والانغماس في الترف والشهوات، وضعف العصبية.
وتحدث عن الدولة والرئاسة والملك، وكذلك أعمار الدول وفصّل في صفات الأجيال، والنظرية نصف الدائرية والأطوار المرتبطة بتتابع الأجيال، وإلى وقت الانهيار، ولا شك أن هذا أتى من فكر إبداعي؛ ولأنه جاء من عقليات ناضجة كتبت هذا.
حتى أن بعضهم يقول: واستفدت من ابن خلدون في زيادة ثروتي المالية؛ لأن ابن خلدون قال كلاماً معناه إذا أردت أن تستثمر مالك فاشتر في أرياف المدن؛ لأن المدينة في النهاية لا بد أن تتوسع إذا ضاقت فترتفع أسعار أراضي الأرياف.
علم المثلثات من المؤسسين الحقيقيين له المسلمون، بل هم المؤسسون الحقيقيون والذين فصلوه عن علم الفلك، جعلوا له نسقاً خاصاً، نظّموه تنظيماً شديداً، وأول من استخدم ظلال التمام، والقواطع، وجيوب التمام.
نحن نقول: ظا وظتا وجا وجتا، هذه من أين جاءت؟ من الذي اخترع؟ من الذي نظر في قياس الزوايا والمثلثات ونظموا جداول الظلال وتمامها والقواطع وتمامها ووضعوا جداول الجيوب واكتشفوا طريقة مكنتهم من حساب مساحة المثلثات الكروية.
هذا واضح جداً هذا فكر إبداعي عن المسلمين، وبعض الغربيين اضطر للاعتراف بتفوق المسلمين في هذا مثل رام لاندو في كتابه المؤثر على حضارة العرب وقال: إن حساب المثلثات في أوروبا كان مأخوذا ًمن علم حساب المثلثات عند المسلمين.
سبق المسلمين إلى علم الجبر والفرائض
أما الجبر الذي لا زال اسمع عند الغربيين "الجبرا" اعتراف أن هذا العلم أصلاً اسمه من عندنا، واخترعه محمد موسى الخوارزمي، الذي عاش ما بين سنة 780 إلى 846 بناءً على طلب الخليفة العباسي في أوروبا سمي هذا العلم "اللوغارثم" وهي كلمة مشتقة من خوارزم، مؤلف هذا العلم.
وساعد علم الجبر المسلمين في حل مشكلات حسابية تتعلق باختلاف العملات، والموازين، واختلاف العقود، ومجال البيع والشراء، وحسابات فلكية، حلوها بهذه القواعد وحساب محيط الكرة الأرضية ومساحات البلدان والمدن ومساحات الشوارع والأنهار والضياع والبيوت وحل مشكلات في الوصايا والمواريث، تقسيم التركات المعقدة.
وجاء علماء آخرون فأسهموا في تطوير علم الجبر حتى وصل إلى قمة الكمال، ولا شك أن هذا واضح الفضل فيه. والجبر و هذه المعادلات والمثلثات فيها علاقة بقضية المقذوفات وصناعة السيارات ومعادلات السرعة والسيارات والقطارات، والصواريخ الفضائية.
وأما حساب الفرائض أصلاً هذا علم شرعي إلهي فيه قوانين إلهية، لكن يحتاج ايضاً إلى حساب ونظر وتفكير واستخراج حلول لبعض المسائل المعقدة من مسائل الفرائض، ولذلك ما يوجد عند الغربيين ولا الشرقيين العول والرد والمناسخات، وما أدراك ما المناسخات؟
وليت طلبة الرياضيات بدل ما يؤلف الواحد منهم بحثاً بأن واحد زائد واحد يساوي اثنين من 12 صفحة، يربطون لنا بين علوم الرياضيات وعلم المناسخات، يدخلون في علم المناسخات، والعديد من المبدعين المسلمين حلوا مسائل في هذا مدهشة يعني تنم عن عقلية رياضية يمكن ما يحلها إلا كمبيوتر عند الدول الأخرى، ولم تقتصر مهارات المسلمين الفكرية على الإتيان بعلوم لم يسبقوا إليها وإنما طوروا العلوم التي وصلت إليهم.
من الأشياء المهمة في التفكير الاستقراء؛ تتبع المسائل المتماثلة لاستخراج قاعدة كلية، هذه تنم عن عقلية ناضجة وسعة في الأفق وعمق في التفكير ونوع من السبر، والتغطية بأشياء كثيرة، تعمل عملية مسح حتى تستخرج الأشياء المتماثلة لتصل منها إلى قاعدة كلية، ففيها تفتيش، نظر، استخلاص، هذا الاستقراء مصدر أساسي، ومنهج علمي رفيع عند المسلمين تحدث عنه الأصوليون في مصنفاتهم، وقسموه إلى استقراء تام، وناقص، وصحيح وفاسد.
وقالوا: أركان الاستقراء أربعة، محل استقراء، وهي المقدمات الجزئية، والحكم، والمحكوم عليه في النتيجة، وعمل المستقرئ.
عن طريق الاستقراء وصلوا إلى قواعد ومبادئ كثيرة، فوجدوا مثلاً أن الغالب في أبواب النكاح وتوابعه الاحتياط والتشديد، وهم عندما يقولون لك: الأصل في الأشياء الإباحة إلا الفروج واللحوم، الأبضاع واللحوم.
جاءت هذه من عملية استقراء للنصوص المتعلقة بهذين البابين، الأبضاع والفروج -في الأنكحة-، واللحوم.
وجدوا في الاستقراء مثلاً أن الشرع في أفراد الصوم لم يلتفت إلى تخصيصه من مكان دون مكان وإذا كان كذلك فإن صوم السبعة أيام للمتمتع ليست مقيدة بمكان، وأن الرجوع في الآية لا يقصد به مكان معين.
إذا رجعتم، إذا رجعتم إلى أين؟ إذا رجعتم، نفى العلماء الوجوب عن صلاة الوتر بانتفاء الوجوب عن كل صلاة أُديت على الراحلة من غير ضرورة أو حاجة شرعية، وثبت هذا بالوصف والأداء على الراحلة في صلاة الوتر، فانتفى الوجوب، لو كانت واجبة لنزل وصلى قائماً.
ولذلك صرّح كثير من العلماء بأن ما لم يعهد في الشرع فلا يجوز إثباته في أحكامه.
وقوله تعالى:وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ[الأنفال: 46].
قال السعدي -رحمه الله-: "أنت إذا استقرأتَ الدول الإسلامية وجدت السبب الأعظم في زوال قوتها وملكها ترك الدين والتفرق الذي أطمع فيهم الأعداء، وجعل بأسهم بينهم" [تفسير السعدي: 127].
يعني: انظر في أسباب انحلالها عبر التاريخ، وإذا استقرأتَ تواريخ الأمم - يقول صاحب الاقتصاد في الاعتقاد- لم تصادف ملحمة بين المسلمين والكفار إلا انكشفت عن جماعة من أهل الضلال مالوا إلى الانقياد، ولم تصادف مجمع مناظرة ومجادلة انكشفت إلا عن زيادة إصرار وعناد".
عملية النظر أو التفكير في مكامن استخراج القاعدة، من أين؟ من النص، هذا يحتاج إلى تقريب نظر أحياناً ليالي.
قال الربيع بن سليمان: "كنا عند الشافعي يوماً إذ جاءه شيخ، فقال له: أسأل؟
قال: سل.
قال: ما هي الحجة في دين الله.
قال: كتاب الله.
قال: وماذا؟
قال: سنة رسول الله ﷺ.
قال: وماذا؟
قال: اتفاق الأمة.
قال: من أين قلتَ: اتفاق الأمة؟ وأين الدليل من كتاب الله؟
فتدبّر الشافعي -رحمه الله- ساعة، فقال الشيخ: أجّلتك ثلاثة أيام.
فتغير لون الشافعي، ثم ذهب فلم يخرج أياماً -يعني للدرس- فخرج من البيت في اليوم الثالث، فلم يكن بأسرع أن جاء الشيخ فسلّم فجلس، فقال: حاجتي؟
قال الشافعي: نعم، قال الله :وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا[النساء: 115].
فقال الشافعي -رحمه الله-: لا يصليه جهنم على خلاف سبيل المؤمنين إلا وهو فرد.
تخرج عن إجماعهم تدخل جهنم.
قال الشيخ: صدقت.
فقام وذهب.
قال الشافعي لأصحابه لما ذهب الشيخ السائل، -يعني هذه معلومة ما جاءت هكذا-، "قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات حتى وقفتُ عليه" [تفسير الإمام الشافعي: 2/670].
تميز علماء المسلمين واضح، وضعوا للأمة قواعد تأصيلية مبنية على الاستقراء، قالوا: إذا ثبتَ الأعمّ الأغلب بالاستقراء وجب إلحاق الفرد الذي من جنسه به إلا إذا جاء معارض.
قالوا: الحمل على الأعمّ الأغلب دون القليل النادر.
قالوا: الغالب الأكثر معتبر في الشريعة اعتبار العام القطعي.
قالوا: إذا دار الشيء بين الغالب والنادر فإنه يُلحق بالغالب.
قالوا: النادر لا حكم له.
ولا بد أن ندرك أن صلاح الدين وأصول صلاح الدنيا موجود في كلام الله، واستقراء القرآن أقوى معين على تكوين الصورة الصحيحة الكاملة لكل إنسان يبحث عن الصلاح.
واستقراء النصوص الشرعية يواصل عل احتمال الأحكام، وقوة استحضار العلماء لكلام الله، وكلام رسوله ﷺجعل الاستقراء عندهم في نصوص الوحيين سهلاً سريعاً متى ما دعت الحاجة.
وهؤلاء يقولون اليوم: لا تحفظ، الحفظ مضر، لا تحفظ المعلومات، لا، نريد نفهم فقط.
والاستقراء وهو عملية فهم، والسبر والاستخراج، كيف ستتم من غير حفظ؟ أنت أمامك مجلدات، حتى تقرأ آخرها تكون قد نسيتَ أولها، الحفظ، يجعل الكتب كأنها مفتوحة بين يديك، فلذلك نقول لهؤلاء الخبثاء الذين يكتبون في الجرائد يقولون: الحفظ وأنتم تحشون أدمغة أطفالنا بالمعلومات التي لا طائل تحتها!
أصلاً حتى تفكر لا بد تكون مستحضر الأشياء، حتى تستنبط تجمع، تقسم، تسبر، تستقرئ، تستخرج، لازم تكون محفوظة عندك، هنا فقط الحفظ عندك في الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي، والذكاء البشري إذا جاء معه هذه المعلومات المخزنة ستنتج نتائج رهيبة، عجيبة، مذهلة.
استقراء المسلمين في أمور مضطربة في شؤون الحياة، جاءوا بهذا المنهج مقابل المنهج النظري الفلسفي الذي كان عند أرسطو الذي كان من التوافه: أن عدد أسنان المرأة أقل من عدد أسنان الرجل!
هو تصور تصوراً قرره وخرج به ودرسه لطلابه، منطق أرسطو.
العلماء المسلمون قاموا وقالوا: نعد، ننظر، تجربة الواقع.
هذا العلم التجريبي الذي طوّر فيه المسلمون ذلك المنهج العظيم الذي خرجوا به بعدما كانت البشرية ترزح، أو كثير من الناس معجبين بأرسطو، وهو عنده عدد من الخزعبلات.
ما نقول ما عنده ولا شيء صحيح، لكن هذا فيه تخّلف!
سبق المسلمين إلى تأصيل المنهج التجريبي الاستقرائي
كان للمسلمين سبق في تأصيل المنهج التجريبي الاستقرائي الذي يُقصد به: منهج استخراج القاعدة العامة من مفردات الوقائع استناداً إلى الملاحظة والتجربة، وفرانسيس بيكون الإنجليزي الذي يُنسب إليه ذلك الذي وضعه بزعمه، أو بزعم من قال عنه ذلك في عصر النهضة الأوروبية الحديثة كتابه المشهور "الأورغانون الجديد" يعني منهج البحث التجريبي ليعارض منهج أرسطو "الأورغانون القيم" هو في الحقيقة مأخوذ ممن؟ من المسلمين، فقد سبقوا الغربيين في هذا وسبقوا بايكون بعدة قرون وميزوا بين طبيعة الظواهر العقلية الخالصة من جهة والمادية الحسية من جهة أخرى.
ويعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من أوائل العلماء الذين نقضوا منطق أرسطو.
ليس بايكون، ابن تيمية سبق في نقض منطق أرسطو الصوري النظري، وهاجمه بعنف في كتابه نقض المنطق.
شعل ابن تيمية في تحطيم المنطق بعنف ودعا إلى الاستقراء الحسي، لماذا أخذ الفرضية أو النظرية، فقط من أجل أنه قال بها أرسطو!؟ انزل للميدان، عد، انظر، ابحث، جرب.
ودعا للاستقراء الحسي الذي يصلح للبحث في الظواهر الكونية ويوصل المعارف الحقيقية.
أما الاستنباط عند المسلمين عجب عجاب؛ بات الشافعي ليلة كاملة في حديث "يا أبا عمير ما فعل النغير" صلّى فيها الفجر بوضوء العشاء، استخرج منه أربعين مسألة فقهية!
ومنها: جواز تكنية من لم يولد له، جواز لعب الصغير بالطير، جواز إنفاق المال فيما يتلهى فيه الصغير من المباحات، جواز إمساك الطير في القفص وقص جناح الطير، جواز إدخال الصيد من الحلّ إلى الحرم وإمساكه بعد إدخاله، جواز تصغير الاسم ولو كان لحيوان.
أم الشافعي من العابدات القانتات كانت معروفة بالذكاء، طلب منها القاضي مرة أن تشهد مع امرأة أخرى في قضية، فأراد القاضي أن يفرقهما لتشهد كل منهما وحدها، يعني حتى لا يصير في تعاون بين الشهود.
فقالت له أم الشافعي: ليس لك ذلك؛ لأن الله قال: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى [البقرة: 282]. يعني لا بد أن تكون الثنتين مع بعض في المجلس، فرجع القاضي إلى كلامها، قال ابن حجر: "وهذا استنباط قوي". القصة تروى عن أكثر من امرأة.
رفعت إلى عمر بن الخطاب امرأة ولدت بعد ستة أشهر، فأراد أن يرجمها، فقال علي -رضي الله عنه-: ليس لك ذلك يا أمير المؤمنين، إن لها عذراً، قال تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة: 233].
يعني كم شهر؟ 24.
وقال في آية أخرى: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف: 15].
حمله وفصاله ثلاثة شهراً، الفصال متى يكون؟ عند تمام الرضاع، فصال الولد عند تمام الرضاعة، فالحمل والفصال ثلاثون، وقال: يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، أربعة وعشرون شهراً، فإذا طرحنا أربعة وعشرين من ثلاثين، كم يبقى للحمل؟ 6، هذه أقل مدة للحمل، ليس إذا جاءت واحدة حامل بعد ما تزوجت بستة أشهر وضعت مولوداً، نقول هذه زنت قبل الزواج! لا، ما يلزم! هذه ممكن تكون حملت، والحمل اكتمل بستة أشهر للجمع بين الآيتين، من أين عرفنا المعلومة؟ بالجمع بين الآيتين. [رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله: 2/ 920، والبيهقي في السنن الصغرى: 2824].
سرعة الفهم والإدراك عند علمائنا
وأما سرعة الفهم والإدراك عند علمائنا والنقد والتمحيص العجب.
قال الشيخ صالح تاج الدين: "حضرتُ مجلس شيخ الإسلام ابن تيمية وقد سأله يهودي عن مسألة في القدر نظمها شعراً في ثمانية أبيات، فلما وقف عليها وقف لحظة يسيرة، وأنشأ يكتب جوابها، وجعل يكتب ونحن ننظر ونظن أنه يكتب نثراً، فلما فرغ تأمله من حضر من أصحابه فإذا هو نظم من بحر أبيات السؤال وقافيتها، تقرب من مائة وأربعة وثمانين بيتاً، لو شرحت نثراً لبلغت مجلدين كبيرين.
هذا جواب ابن تيمية لليهودي، اليهودي كم جلس ينظم الثمانية أبيات؟ يؤلف ويحبك فيها ويعقد الشبهات ويعقّد؟
مائة وثمانية وأربعون بيتاً وابن تيمية واقف، أملاها نفس الوزن والقافية في الرد عليه.
التمييز بين الأشياء المختلفة والمتماثلة
وإذا كان من المهارات الفكرية التي تذكر اليوم في الجمع: التمييز بين الأشياء المختلفة والأشياء المتماثلة، فإن علماءنا عندهم القياس الذي يقوم على الجمع بين المتماثلات في الحكم والتفريق بين المختلفات في الحكم وإلغاء ما يجب إلغاؤه من المعاني التي لا تأثير لها؛ لأنه في القياس قد تدخل عليك أشياء ما يصح أن تعتبر، ولا لها دخل في القضية أصلاً.
كيف تميز بين الأشياء التي لها دخل والأشياء التي ليس لها دخل؟
ومن الجدير بالذكر أن منهج الاستقراء والقياس هذا متبع في العلوم والعارف المادية والإنسانية اليوم كلها، والقياس الأصولي لا يكون إلا بعد معرفة علّة الحكم الشرعي، وسلك الأصوليون مسالك شتى في استخراج العلل من النصوص، ومن هذه الطرق: السبر والتقسيم.
ويكون هذا المسلك حيث لم يأتِ نص صريح في العلة، ومعرفة العلة ضرورية في عملية القياس؛ لأن العلة هي الجامع الذي يربط المقيس بالمقيس عليه، وتقوم هذه الطريقة على خطوتين تسبق إحداهما الأخرى:
الأولى: التقسيم وهو عملية حصر للأوصاف الواردة في النص؛ لأن هذه الأوصاف سيكون أحدها هو العلة.
الثاني: السبر، وهو عملية اختبار، فالسبر هو الاختبار لكل الأوصاف التي تم جمعها، فتستبعد الأوصاف التي لا تصلح لأن تكون علّة يُعلل بها الحكم، ونستبقي الوصف الذي يصلح لكونه عله للحكم وبهذا تتم العملية.
هذه العملية تحتاج إلى عمق وذكاء، وقد وضع العلماء للعلّة مع خفائها وصعوبة التعبير عنها شروطاً تصلح لأن تضبطها، وتكون مناسبة في تحديدها.
فيتم إنزال الشروط على كل وصف من الأوصاف التي جمُعت في عملية التقسيم وبالتالي يمكن أن نعطي هذا الحكم لمسألة أخرى في عملية القياس إذا توفرت في هذه المسألة العلّة التي اخترناها في عملية السبر.
مثال: أن يقول المجتهد: تحريم الربا في البُر ثبت لعلّة.
ما هي العلة؟ الربا في البُر، البُر ما هي صفاته؟ ما هو البُر؟
هو كان فيما سبق يُكال أو يوزن أو يُعد أو كيف؟ يُكال.
هل العلّة هي أنه طعام، أو العلة أنه مكيل، يعني هل أي طعام يجري فيه الربا؟ أي شيء مكيل يجري فيه الربا؟ أو أي طعام مكيل يجري فيه الربا؟ أو لأنه قوت؟ ولا لأنه يدخر؟
والقوت هو الذي يُستغنى به عن غيره، قد تعيش عليه، يعني التمر قوت، الزبيب قوت، لكن العنب لا؛ لأنه قوت أو لأنه يدخر؟ لأن هناك أشياء ما تدخر قبل عصر الفريزرات، ما كانت تدخر.
فالآن ما هي العلة في البُر؟ حتى نقيس عليه نقول والله صاع بر بصاعين بر ربا، طيب ما رأيك تفاحه بتفاحتين؟ بيضة ببيضتين؟ صاع تمر بصاعين؟ رغيف برغيفين؟ ماهي العلة؟ حتى نقول هذا ربا وهذا ليس ربا؟
هذه العملية -معرفة العلّة- علّة الربا ما هي؟ في المطعومات؟ لكونه مطعوماً؟ لكونه قوتاً؟ لكونه مدخراً؟ لكونه موزوناً أو مكيلاً؟ ما هي العلّة؟ وتبدأ عملية التقسيم، ثم لا بد أن نأتي بكل الاحتمالات المتعلقة بالبُر، كل ما يمكن أن يكون سبباً ندخله في الموضوع، ثم استبعد، استبعد، استبعد حتى تصل إلى العلة التي أي طعام أو أي شيء بعد ذلك تريد أن تعرف يجري فيه الربا كيلو بكيلوين، صاع بصاعين، ما يجوز ولا يجوز؟
تبدأ عملية السبر، وتختبر ويسقط ما لا يكون صحيحاً ولا يصلح أن يكون علة.
وهذه الأشياء ممكن تستعمل الآن في الطب، يقول لك: احتمال أنت عندك دوخة، هذه بعض الشرايين التي تغذي الدماغ فيها مشكلة، قد يكون عندك أدوية معينة، قد يكون عندك... ويأتون لك بأسباب كثيرة ممكن يكون نوع من الصرع مثلاً، ممكن شيء وراثي، ممكن... ممكن... ويتم بعد ذلك لأجل معرفة الدواء التشخيص في استبعاد الاحتمالات البعيدة لتصل إلى العلة وتصف الدواء عليها.
قضية أخذ النافع من الحضارات الأخرى وترك الضار وجدناه عند علمائنا.
وكذلك وجدنا قضية مثلاً تنقيح المناط والتهذيب والتمييز له وتخليص العلة مما يختلط بها من أوصاف لا يثبت تأثيرها في الحكم، يعني: حديث الرجل الذي أتى النبي ﷺ وأخبر أنه واقع امرأته وهو صائم، فأمره بالكفارة، هذا الحديث يدل على علية الحكم، لكن لم يدل على وصف معين، أنه هو العلة، فالنص اشتمل على العلة لكن تحتاج إلى تبيين وتخليص، هل لأن المجامع أعرابي؟ أو أن الواقعة حصلت في المدينة؟ أو أن الجماع حصل في رمضان من تلك السنة بعينها؟ الوقاع عمداً في نهار رمضان هو علة الحكم.
وهذا الذي يرتبط به وجوب الكفارة، لما رد ابن عباس على الخوارج من هذا الباب أيضاً، قالوا: إن الحكم لله كيف حكّم الرجال؟ قال: الله قال: فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِي [النساء: 35].
وحكم في قتل الصيد، قالوا: كيف محا نفسه أن يكون أمير المؤمنين؟
قال: النبي ﷺ لما قال كفار قريش في وثيقة صلح الحديبية: امسح رسول الله، ما نعترف أن محمداً رسول الله، لو نعرف أنك رسول الله ما حاربناك ولا منعناك، قال: امحُ يا علي [رواه أحمد: 3187، وقال محققه الأرنؤوط: إسناده حسن]. هل مسحها يعني أنه ليست بحق؟
قال: "وأما قولكم: أن علياً دخل في القتال ولم يسب، ما أخذ النساء، والقتال بعضه صار بين المسلمين ولم يغنم، قال: "أفتسبون أمّكم وتستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟" [جامع بيان العلم وفضله: 2/963].
قضية الحفظ واسترجاع المعلومات عند المسلمين، شهدت القصص بغزارة المحفوظات وقوة الاستنباط وجودة القريحة، قال السخاوي: "قد كان العرب مخصوصين بالحفظ مطبوعين عليه، بحيث كان بعضهم يحفظ أشعار بعضٍ في سَمْعَةٍ واحدة"، كما جاء أن ابن عباس -رضي الله عنه- حفظ قصيدة عمر بن أبي ربيعة
في سمعة واحدة!
وعن ابن شهاب أنه كان يقول: "إني لأمر بالبقيع فأسد أذنيّ مخافة أن يدخل فيها شيء من الخنا، فو الله ما دخل أذني شيء قط فنسيته". يعني أن يكون مثلاً صوت مغنٍ، صوت أغنية فتدخل، يعني إذا دخلتهما استقرت، فكان يغلق أذنيه، قال أبو زرعة لولد الإمام أحمد: "كان أبوك يحفظ ألف ألف حديث".
فقال له عبد الله: وما يدريك؟
قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب.
قال السيوطي: "انتهى الحفظ لابن جرير الطبري، فريد في علم التفسير، وكان يحفظ كتباً حمل ثمانين بعيراً.
وحفظ ابن الأنباري في كل جمعة ألف كراس، وحفظ ثلاثمائة ألف بيت من الشعر استشهاداً للنحو فقط.
وأبو زُرعة كان يحفظ ألف ألف حديث.
قال الخلّال: "سمعتُ عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: قال لي أبي: "خذ أي كتاب شئتَ من كتب وكيع من المصنّف، فإن شئتَ تسألني عن الكلام حتى أخبرك الإسناد، وإن شئتَ عن الإسناد حتى أخبركَ الكلام". يعني المتن.
[تاريخ بغداد: 3/279]
لما دخل البخاري إلى بغداد واطلع أصحاب الحديث أعدوا له كميناً وحيلة وعمدوا إلى مائة حديث، وقلبوا أسانيدها ومتونها، وركبوا إسناد هذا على متن هذا، وإسناد هذا على متن هذا.
ولما جلس البخاري والناس احتشدوا لرؤية البخاري لما دخل بغداد وجاء واحد يقول: أسألك عن حديث.
أعطاه له الحديث المغلوط، قال: لا أعرافه، والثاني والثالث والرابع... أكمل عشرة، ثم كمل الثاني العشرة التي عنده، وكمل الثالث العشرة التي عنده، ولما اكتملت المائة وانتهوا، قال البخاري للأول: أما حديثك الأول فهو كذا كذا، والثاني كذا، والثالث كذا، والرابع كذا، قلت: كذا والصحيح كذا، وقلت: كذا والصحيح كذا، وقلت: كذا والصحيح كذا.
فحفظ الخطأ من أول مرة، وأخبره بالصواب.
أحاديث مقلوبة، هذه حيلة ماهرة فيها تركيب سند حديث على متن حديث آخر، والبخاري حفظ ذلك فأقرّ له الناس بالحفظ وأذعنوا له و استسلموا" [تاريخ بغداد: 2/21].
لما أحرقت كتب ابن حزم، قال:
يسير معي حيث استقلت ركائبي *** وينزل إن أنزل، ويدفن في قبري
[نفح الطيب: 2/82].
قال ابن عبد الهادي بن قدامة: "بلغني أن بعض مشايخ حلب قدم دمشق، وقال: سمعت عندكم لصبي يقال له "أحمد بن عبد الحليم بن تيمية" وأنه كثير الحفظ، فجئت قاصداً لعلي أراه.
فقال له خياط: هذا طريق كتّابه - ابن تيمية كان في الكتّاب صغير - وهو إلى الآن ما جاء، فاقعد عندنا الساعة يمر ذاهباً إلى الكتّاب، فلما مر قيل: ها هو الذي معه اللوح الكبير، فناداه الشيخ وأخذ منه اللوح.
امسح ما فيه، فمسح!
كتب فيه متون أحد عشر حديثاً أو ثلاثة عشر حديثاً.
قال: كم تحتاج حتى تحفظه؟
فلم يزد على أن نظر فيه مرة بعد كتابته، ثم دفعه إليه، وقال: اسمعه عليّ، فقرأه عرضاً كأحسن ما يكون.
وهكذا عدة أسانيد انتخبها، كان يحفظ من أول مرة، فقال الشيخ: "إن عاش هذا الصبي ليكونن له شأن عظيم، فإن هذا لم يُر مثله" [العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية: 20].
وفعلاً كان كما قال.
ابن القيم يؤلّف زاد المعاد في التفاصيل الدقيقة والمسائل، في رحلته إلى الحج ليس عنده أي مرجع؟
المسلمون في قضية الحفظ، لما الآن يجي يقول لك: NLB بالقرآن ، نحفظ كذا ب NLB ، ونحفظ...، وهذه البراعة التي كانت عند المسلمين في الحفظ كيف جاءت؟ حفظ المنظومات؟ ألفية بن مالك؟ انظر الشناقطة، عشرون مرة بعد كل صلاة، لازم يكرر المطلوب عنده هذا اليوم، لا بد أن يحفظه.
عشرون مرة بعد كل صلاة، كرر، مائة مرة، وهكذا.
فذهب أحد المشايخ إلى شنقيط فوجد فيها كناساً يتمتم عند الباب، يكنس الرمل، كنّاس، عامل بلدية، فقال: أنت ماذا تغني؟
قال: أنا ما أغني.
قال: وماذا؟
قال: أنا أردد الألفية.
تحفظ الألفية؟
قال: نعم. اختبره، سرد عليه، قال له أحفظ.
أكثر من ألف بيت! عالم، سيحفظ ما لا يحفظه دكتور في الجامعة.
متن الرحبية، ملحة الإعراب، المنظومة البيقونية، ألفية العراقي.
يعني لما جعلوها في هذه المنظومات والمتون سهل حفظها وبالتالي شرحها بعد ذلك ومعرفة معانيها والتدرج في الحفظ، فكان عندهم قواعد يربون عليها الطلاب كما قال ابن الجوزي، والخطيب البغدادي، "ويحفظ قدر ما يمكن فإن القليل يثبت والكثير لا يحصل".
هناك تدرج، قال ابن الجوزي: "ومن الغلط تحميل القلب حفظ الكثير، أو الحفظ من فنون شتى، فإن القلب جارحة من الجوارح، وكما أن من الناس من يحمل المائة رطل، ومنهم من يعجز عن عشرين رطلاً، فكذلك القلوب، فليأخذ الإنسان على قدر قوته ودونها، فإن استنفذها في وقت ضاعت منه أوقات" [صيد الخاطر: 191].
والسر في الحفظ مهما كان هو التكرار.
قال أبو بكر الأنباري: "كنت أعيد كل أسبوع عشرة آلاف ورقة" [صيد الخاطر: 191].
قال أبو إسحاق الشيرازي: "كنت أعيد كل قياس ألف مرة، فإذا فرغتُ أخذت قياساً آخر، وكنتُ أعيد كل درس ألف مرة، فإن كان في المسألة بيت يُستشهد به حفظتُ القصيدة التي فيها البيت"[طبقات الفقهاء: 2].
يهتمون بالحفظ في الصغر؛ لأنه كالنقش في الحجر، يهتمون بمعرفة أنسب الأوقات للحفظ، وأفضلها إعادة الأسحار، وأنصاف النهار، والغدوات خير من العشيات، وأوقات الجوع خير من أوقات الشبع". ابن الجوزي.
البعض الآن يكتبون عن قضية قبل شروق الشمس، والمقارنة بين الأوقات وحتى الأغذية التي تقوي الحفظ، لهم اهتمام، هل هو ثبت؟ هل هي تجربة؟ هل هي ملاحظة صحيحة؟
نُقل عن الزهري أنه كان يوصي بأكل الزبيب، ونُقل عن بعضهم أنه كان يتعاطى اللبان وينقعه من الليل، فإذا أصبح أخذ منه شربةً على الريق، قالوا: هو جيد للنسيان". زاد المعاد.
الاهتمام بالأمور القلبية في الحفظ، قضية هجر المعاصي، وإخراج المعاصي من القلوب، والتعاهد، وعدم ترك الاستذكار؛ لأن صاحب الإبل المعقلة إذا أهملها هربت، الآن يقولون: القراءة التصويرية، مسح الصفحة بالاستخدام الكلي للدماغ، استخدام القدرات العقلية بقوى فعالية، تصل السرعة خمسة وعشرين ألف كلمة في الدقيقة حتى تأخذ الصفحة في وجهين في ثانية واحدة.
تستطيع تقرأ مائتين وخمسين صفحة في أقل من خمس دقائق.
بعض هذا الكلام هراء، وبعضهم ممكن يكون صحيحاً، والناس مواهب،نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ[الزخرف: 32].
هناك ناس عنده إلقاء نظرة عامة، هو مثل السكنر، يمسح ويخزّن، وبعضهم يحتاج أن يرى النقاط الرئيسية ويربط بين الأشياء، استخدام العين بالطريقة الجيدة، تحريك الذهن بالأسئلة، اكتشاف بعض الأجزاء التي تثير الاهتمام من النص، ألقِ نظرة سريعة على منتصف كل عمود أو صفحة، التوقف عند كل كلمة توقفت عندها العين عنوة؛ لصعوبتها، أو أنها لأهميتها، ثم كتابة ما فهم من الكلمات التي توقفت عندها العين في شكل خارطة تسمى خارطة التشجير.
ما في مانع، التقنية يستفاد منها، لا مانع، وحالة الاسترخاء التام والراحة، راحة البد، لا بأس.
قال الشافعي: "لو كُلّفت بصلة ما تعلمت مسألة".
يعني لو انشغل ذهني أن أدبّر بصلة ما كان تعلمت هذا العلم، فرّغوا أذهانهم لهذا.
الناس في القراءة يختلفون، لكن أنت ممكن تدرب نفسك على سرعة القراءة، تمارين للإسراع بالقراءة، لكن المهم الفهم أكثر من سرعة القراءة.
البخاري كان ينظر في الكتاب مرة واحدة فيحفظه من نظرة واحدة، هذه مواهب.
والحافظات العجيبة في التاريخ الإسلامي متعددة والحمد لله تدل على عظمة هذه الأمة، قوة الأمة، هذا الكتاب العزيز حفظه الذي ينمّي موهبة الحفظ، وكذلك السنة، وبركة القرآن التي تزيد في الحفظ وتؤسس.
محمد بن شرف الدين أبو المكارم الواعظ الملقب بزين العرب، يقول عنه ابن الحنبلي: "كان له قوة حافظة لا نظير لها، بحيث حكى لنا شيخنا الشهاب الأنطاكي أنه سأله عن حالته في الحفظ، فذكر له أنه إذا مر على الكراسة التي تكون في خمسة وعشرين سطراً مرة واحدة فإنه يحفظها ويحفظ مضمونها".
وجاء في تراجم بعضهم أنه كان يستحضر شرح البهجة للقاضي زكريا من مرة واحدة.
وقال بعضهم: "ما سمعت شيئاً إلا حفظته، وما حفظت شيئاً فنسيته" [بغية الطلب في تاريخ حلب: 2/870].
وابن الزهري مشهور بهذا.
وقال قتادة: "ما قلت لمحدث قول أعد عليّ" [تهذيب التهذيب: 8/354].
الآن نتيجة المطابع والكتب ومواقع الأنترنت والصحف والمجلات صار كماً هائلاً ، فدعت الحاجة إلى قضية القراءة السريعة حتى تستخرج بسرعة، تخرج بزبدة مفيدة، أين المفيد؟
والمسألة تحتاج إلى همة، علماؤنا كان عندهم همم عالية مثلما ذكر القاسمي في كتابه "قواعد التحديث" فصلاً بعنوان "ذكر أرباب الهمة الجليلة في قراءتهم كتب الحديث في أيام قليلة".
وذُكر في ترجمة المجد الفيروز أبادي صاحب القاموس أنه قرأ صحيح مسلم في ثلاثة أيام في دمشق، وأنشد:
على ناصر الدين الإمام ابن جهبر *** بحضرة حفّاظ مشاهير أعلام
وتم بتوفيق الإله بفضله *** قراءة ضبط في ثلاثة أيام.
هذا قرأ على شيخ صحيح مسلم في ثلاثة أيام، ضبط كل الكلمات، فسبحان من يهب ما يشاء لمن يشاء.
أبو الفضل العراقي قرأ صحيح مسلم في ستة مجالس متوالية، وقرأ في آخر مجلس ثلُث الكتاب بحضرة الحافظ زين الدين ابن رجب، ومعه نسخة يعارض بها.
وقال الذهبي: "سمع الخطيب على إسماعيل بن أحمد الحيري النيسابوري، سمّع عليه الخطيب صحيح البخاري بسماعه في ثلاثة مجالس، اثنان منها في ليلتين, كان يبتدئ بالقراءة وقت المغرب، ويختم عند صلاة الفجر، والثالث من ضحوة النهار إلى طلوع الفجر". هذا العجب العجاب. [فتح المغيث بشرح ألفية الحديث: 2/205].
قال السخاوي عن ابن حجر: "قرأ صحيح البخاري في أربعين ساعة رملية، وقرأ صحيح مسلم في أربعة مجالس سوى مجلس الختم في يومين وشيء، وقرأ سنن ماجه في أربعة مجالس، وقرأ كتاب النسائي الكبير في عشرة، كل مجلس أربع ساعات.
وقرأ صحيح البخاري في عشرة مجالس، كل مجلس أربع ساعات، وأسرع ما وقع له أنه قرأ في رحلته الشامية معجم الطبراني في مجلس واحد بين صلاتي الظهر والعصر" [فتح المغيث بشرح ألفية الحديث: 2/205].
وهذا كتاب مجلّد يشتمل على نحو ألف حديث وخمسمائة حديث، وهناك بركة، وهناك توفيق من الله، وهناك إعانة، لا حول ولا قوة إلا بالله، فالأخبار في هذا كثيرة، كثيرة في سرعة قراءتهم، وجودة حفظهم، وقوة فهمهم، رحمهم الله تعالى.
مهارات المسلمين في الترتيب والتصنيف
وانظر إلى مهاراتهم في الترتيب والتصنيف التي تدل على الإبداع العقلي، لما قسم الفقهاء الفقه إلى خمسة أقسام، 1:العبادات، 2: المعاملات،3: المناكحات ، 4:الجنايات ، 5: القضاء في الخصومات.
وفي العبادات تجدها في هذه الأبواب المعروفة، وحتى ترتيب العبادات، الطهارة قبل الصلاة، ليس لأن الطهارة أفضل أو أهم، لا، لكن لأن هذا لا بد أن يوجد قبل هذا، ثم الصيام، ثم الحج، ثم الجهاد، وإذا غنم تزوج، رزق، فأعقبوا الجهاد بالنكاح، وهكذا، فإذا أشر وبطر اعتدى وجنى فصار كتاب الجنايات والقضاء في آخر شيء.
وانظر في تقسيماتهم في المعاملات والأنكحة والجنايات كل على حدة، وتجد أن فكرهم كان فكراً موسوعيا ًشاملاً ولذلك كان الواحد في الفقه، وفي الحديث، وفي التفسير، وفي العقيدة، وفي الطب موسوعات، "ما من علم في عالم إلا وقد نظرتُ فيه - كما يقول محمد بن عبد الباقي الأنصاري - وحصلّت منه بعضه، أو كله".
علوم، مشروع ثقافي متكامل، وليس الآن يعمل أحدهم رسالة دكتوراه في قضية تخصصية معينة أو يحقق مخطوطة ثم يُسأل في شيء آخر لا توجد معلومة.
الآن الانبهار الذي نجده عندما نطالع قصص علمائنا، حتى يقول علاء الدين البسطامي عن ابن تيمية : "هل رأيتَ قُبّة الصخرة؟ كان كقُبّة الصخرة ملئ كتباً لها لسان ينطق".
ومسألة استقراء المستقبل، أو استشراف المستقبل هي منضبطة عند المسلمين بأن الغيب لا يعلمه إلا الله،وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ[الأنعام: 59].
وقضية نفي الكهانة والتنجيم والأساطير والخرافات لكن عندهم مسألة الاستدلال بأشياء موجودة على ما يتوقع حدوثه بعدها، ليس رجماً بالغيب، ولكن الله جعل للنتائج مقدمات، إذا وجدت المقدمات فالنتائج متوقعه.
ياسين الزركشي، يرى محيي الدين النووي طفلاً عمره عشر سنين بنوى والصبيان يكرهونه على اللعب معهم وهو يهرب منهم ويبكي ويقرأ القرآن، قال: هذا وقع في قلبي! سيكون عالماً.
قال له واحد: أمنجّم أنت؟
قال: لا، ولكن مما رأيت منه.
ابن تيمية كان يقسم أن جند التتار سيهزمون، هو عنده مقدمات، طغوا، وبغوا، وظلموا، واتحد المسلمون ورجعوا إلى الله وجاءت العساكر الشامية والمصرية والتقت، وصار في مبايعة على الجهاد والموت في سبيل الله، فاستوفى المسلمون شروط النصر، واستوفى التتار شروط الهزيمة، وهكذا كان يرى.
يرى أشياء ليس تنجيماً ولا رجماً بالغيب.
مهارات التفكير التي تقوم على الملاحظات العقلية
ومهارات التفكير التي تقوم على الملاحظات وغيرها من أنواع المهارات العقلية، وجدنا أن علماءنا قد سبقوا إليها واخذوا منها بنصيب وافر وحظ عظيم بحمد الله.
لكن إذا جئنا إلى مهارات التفكير اليوم، والدورات الموجودة اليوم في هذه المهارات فماذا سنرى؟
نختم هذه المحاضرة بهذه النقاط المهمة التالية، وأرجو أن تنظروا معي وتتعمقوا في هذا الكلام؛ لأن هنالك ابتلاء ابتلينا به يجب أن نفهم ما هو الموقف الشرعي منه؟
دورات وأموال، وشركات تبتعث موظفين، جامعات، طلاب، وناس دخلوا في أشياء، وابتعاث لدراسة هذه الدورات في الخارج والداخل ونساء ورجال وصناعة الآن.
الدورات الإنسانية ومهارات التفكير، ما هو الصواب وما هو الخطأ؟ ما هو الحق وما هو الباطل؟ ما هي الضوابط؟ كيف ننظر إليها شرعاً؟
يجب أن نحذر أولاً من الإغراق المادي والتفسير المادي لجميع القضايا، لدرجة أنهم قالوا: إذا واحد مات خرجت روحه، نزنه قبل الموت، وبعد الموت، ونطلع وزن الروح!
الذي عنده المادة فقط يضل ضلالا ًمبيناً.
2- عندهم في المنهج الغربي اسأل عن أي شيء بلا حدود ولا قيود ولا ضوابط.
لما تأتي للمنهج الإسلامي تجد إنه لا، في ذات الله ما تسأل، كيفية الصفات ما تسأل.
مثلاً ما تسأل كيف ذات الله، ما هو لون العرش، كيف...؟
إذا ما عندك معلومة من الكتاب والسنة في علم الغيب ما يحق لك أن تسأل عما لم يأتِ النص بجوابه.
هناك أمور في القدر ما تستطيع أن تقتحمها، الغرب ما عنده ضوابط أبداً، اسأل في أي شيء.
3- اشتغل الفكر الغربي بالنافع والضار، اشتغل بكل شيء دون تنقيح.
4- كثير من المعارف الغربية قائمة على فلسفات وأصول منحرفة، فلا بد أن ندرك ما هي الفلسفة والأصل المنحرف التي قامت عليه حتى نستطيع أن نتبين بطلانها في حال البطلان.
مثل علم المنطق الذي لا يحتاجه الذكي ولا ينتفع به البليد، بينما استدلالات ذوي الفطر السليمة سهلة موصلة للحقائق.
ذكروا من اللطائف أن أحد الأشاعرة مر ذات مرة في طريق فالتف الناس حوله، فلما رأت هذا المنظر امرأة عجوز قالت: من هذا الذي يلتفُّ الناس حوله؟
فقالوا: هذا يحفظ ألف دليل على وجود الله.
قالت العجوز: والله لو لم يكن في قلبه ألف شك ما احتاج لألف دليل.
ما الحاجة؟ فطرة الله موجودة، وليست القضية الآن مناقشة ملحد حتى تأتي له بالأدلة، هذا مع مسلمين.
ولو قيل لإنسان: هات مائة دليل على أن الشمس موجودة؟ هل ترون بالله أن هذا سؤال صحيح؟ قدامك! كيف مائة دليل على الشمس؟
الغرب ليس عنده ضوابط، ممكن أي شيء، مكن ينفقون ملايين على حماية نسل فئران من الانقراض من سلالة معينة!
فئران...! أي شيء صراصير، جرذان، عناكب، أي حاجة!
قضية:أعوذ بك من علم لا ينفع[رواه مسلم: 2722]. غير موجودة عندهم.
قال ﷺ: واحرص على ما ينفعك[رواه مسلم: 2664].
قال ﷺ: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه [رواه مسلم: 1599].
كم علوم في الغرب والشرق ما لها نفع، سفسطة، جدل عقيم.
دورات مهارات التفكير القائمة اليوم وطريقة التعامل معها تنقسم إلى أنواع:
النوع الأول: دورات نافعة من حيث الجملة، ويُحتاج إليها، مثل دورات الإلقاء، الجرأة والتخلص من الخوف والجبن عند مواجهة الناس، دورات حل الخلافات الزوجية، دورات حل النزاعات المالية، دورات تربية الأطفال على معاني الفضائل والخير، دورات مفيدة، لكن ليس بشرط أن يكون المحتوى صحيحاً، لكن في الجملة حتى نميز أصلاً بين الدورات المفيدة والدورات غير المفيدة لا بأس من الدخول فيها بشروط.
أولاً: السلامة العامة في الملقي، والاطمئنان لعقيدته وأنه لا يدس شيئاً,
ثانياً: أن يكون عند الداخل فيها قدرة على تمييز الصحيح من الخطأ والحق من الباطل بخلفية شرعية.
ثالثاً: وجود حاجة لها وليس سيرا ًوراء الأسلوب الدعائي الإغرائي المهول الذي فيه استنزاف أموال الناس وتفريغ جيوبهم.
رابعاً: النظرة النقدية لما يعرض، وعرض ما يُشك فيه على الكتاب والسنة، وأي عبارة تشك فيها في دورة ارجع فيها لأهل العلم الشرعي لتسألهم هل هذا صحيح أم لا؟
أما أن يكون المتدرّب بين يدي المدرّب كالميت بين يدي الغاسل فهذا مرفوض ولا يمكن.
وبعضهم يقول لك: تجرد عن كل عقيدة، واترك أي موروث في نفسك، وفكّر معي من الصفر.
كيف هذا الكلام؟ كيف يمكن تتصور مسلم يتجرد عن عقيدته ويفكر معك من الصفر؟
وهل يجوز هذا؟ أنا أتخلى عن عقيدتي وأفكر معك من الصفر؟
خمسة: عدم الاغترار بالأسماء المبهرجة والتدقيق في المعاني.
وذلك حذراً من الاقتناع بالمحرمات أو أشياء مذمومة؛ كالخداع والكذب تحت مسمى الذكاء الاجتماعي، أو الغرور والعُجب والاستغناء عن الافتقار إلى الله، والاستغناء عن الدعاء تحت مسمى الثقة بالنفس.
وبعض الدورات عن موضوع الثقة بالنفس تنشئ عند المتدربين غروراً وكبراً وعجباً وشعوراً بالاستغناء عن الدعاء وعدم الافتقار إلى الله.
ولذلك عندما سئل بعض العلماء: ما حكم أن يقول: تجب الثقة بالنفس؟
فقال: لا تجب ولا تجوز، لأن الثقة لا تكون إلا بالله.
وفرق بين هذا وبين إن الواحد يجبن عند الإلقاء، وأنه لا يقول رأيه وهو صحيح، يعتقد صحته، ولا يدافع عن الحق لأنه جبان، فرق بين هذا، وبين قضية إني أعتمد وأتوكل على نفسي؛ لأن التوكل هو تفريغ القلب من كل شيء في الاعتماد إلا على الله، لأن التوكل هو اعتماد كلي وتفويض تام، ولا يجوز أن يكون إلا على الله، فلا يجوز أن تقول في التوكل: توكلت على الله ثم فلان.
النوع الثاني: دورات ضارة.
وهذه الدورات لا يجوز الاشتراك فيها لأنها محرمة أو ضارة لأسباب منها:
أ- إما لتعليمها أشياء لا تجوز شرعاً، كدورات تعليم السحر، ولو باسم مغلّف، أو تعليم الكهانة والعرافة، وادعاء علم الغيب.
وأحياناً هناك أشياء هراء، يأتيك الآن " الجرافولوجي " NLB انتهى، نظرية الطاقة، ذهبت، الانجذاب، الخط والتواقيع، وهكذا.
هناك بعض الأشياء باطلة، والله العظيم باطلة، مثل هذه نظرية الانجذاب التي ألّف فيها هذا الأمريكي كتابه، الآن هذه حديثة؛ إذا أنت فكرت دائماً وتشبعت بأنه سيأتيك الشيء الفلاني فستنجذب إليك كل العوامل المؤدية إلى حصوله وسيحصل.
هناك عندنا شاب في ريعان الشباب مسكين محطّم، ترك التفوق في الدراسة لنظرية الانجذاب!
يقول: أنا سأقتنع وأقنع نفسي وأؤمن وأعتقد أنه ستأتيني مائة مليون دولار، وإذا اقتنعت وأيقنت وآمنت إنه سيأتيني مائة مليون دولار على حسب نظرية الانجذاب فإن كل الذرات التي في الكون ستهيئ كل العوامل التي سوف تأتي إليّ بالمائة مليون، وهو منتظر سنوات المائة مليون ما جاء له ولا دولار واحد.
ترى بعض الأشياء الموجودة دجل وشعوذة، شعوذة كما قلت لكم في موضوع الأحجار، تأثير الأحجار الكريمة على النفس شيء يضع أخلاقاً ويزرع أخلاقاً، وبذهب أخلاقاً... أشياء ما أنزل الله بها من سلطان أشبه بالجاهلية الأولى.
ب- وجود معاني عقدية باطلة كالدورات التي فيها اعتقاد النفع والضر بالأحجار والتي يسمونها "كريمة" لاحظ حجارة كريمة وحجارة خسيسة، هناك عندهم كذا.
حجارة كريمة، حجارة قبلية! فيها نسب عريق.
مجال خسيس هذا ما له أصل.
ج- غلبت وكثرت الأخطاء والمفاسد في الدورة على جوانبها الإيجابية، في هذه الحالة لا يجوز حضورها.
أمثلة على الدورات غير النافعة
دورات التدريب على الريكي، وهي تمارين وتدريبات تفتح منافذ الاتصال بالطاقة الكونية "كي" وتدفقها في الجسم، مما يزيد قوة الجسم وحيويته ويعطيه قوة إبراء ومعالجة ذاتية كي تعطي صاحبها بعد ذلك القدرة على اللمسة العلاجية.
الكفر يُدرس في دورات الآن، وأنت ممكن يصير عندك من الطاقة الكونية ما يتحول إلى لمسة شفاء! مريض؟ ذهب السرطان!
دورات التدريب على "التشيكونغ"، وهي تمارين وتدريبات للمحافظة على طاقة "تشي" في الجسم، والمحافظة عليها قوية ومتوازنة وسلسة في مساراتها مما يزيد مناعة الجسم ومقاومته للأمراض.
يا أخي الله ما جعل داءً إلا وأنزل له دواءً علمه من علمه وجهله ومن جهله، والدواء فيما خلقه الله في الكون، قد يكون في نبات، ممكن يكون في مشتق حيواني، في رقية، تركيب، خلط عناصر.
لما تقول لي الطاقة كونية تعمل عندك مقاومة للأمراض، تعمل عندك مثل التطعيمات وتعمل عندك شفاء...
3- دورات التأمل الارتقائي، تمارين رياضية روحية مأخوذة من أصول الديانات البوذية والهندوسية، هدفها الارتقاء والسمو والوصول للاسترخاء ثم النيرفانا، تعتمد على إتقان التنفس العميق؛ لأن في الدورات هذه لازم يقول لك: خذ نفساً عميقاً، استرخِ، بعد ذلك يقول الواحد: أخذت شريط الاسترخاء، والله العظيم استفدت!! الواحد إذا كان عنده نتيجة أشياء نفسية، هو يحتاج الاسترخاء، يعني لو قلت له: يا أخي روح نَم، ترى الله جعل النوم سكوناً، جعل النوم راحة للعباد، جعل النوم راحة للأجساد، الفكرة معقولة!
لو قلت له: يا أخي اذكر الله، استعن بذكر الله، وهذه الأذكار هي تنفيس للشدة اللي عندك.
لو قلت له: يا أخي القرآن، اقرأ على نفسك القرآن (وننزل من القرآن ما هو شفاء) يشفيك حتى من الاكتئاب، ومن هذه العقد النفسية، ومن الشد العصبي والذهني والإرهاق وضغط العمل ، والشحن الموجود أيام الاختبارات، لكان حقاً، حقاً!
لكن النيرفانا، إتقان التنفس العميق مع تركيز النظر في بعض الأشكال الهندسية والرموز والنجوم، وهي رموز "الشاكرات"، وتخيل الاتحاد بها مع ترديد ترانيم في أشرطة تُسمع بتدبر وهدوء.
ومن كلمات هذه الترانيم عند المدربين غير المسلمين أن يعطوا نفس الدورة استعانة بطواغيت عندهم.
مثلما يسمعوا بعض المرددين لما في الشريط، هو يعطيك شريط تردد "فاذر أوف ذا إيرث وي أول ثانكيو فور... أول ثانكيو فور قيف أس!".
من هو أبو الأرض؟ هكذا "يا أبا الأرض نشكرك جميعاً على ما وهبته لنا" ويردد هذا الكلام "يا أبا الأرض نشكرك جميعاً على ما وهبته لنا".
يا أبا الأرض من هو؟ هو بوذا، واحد آخر...، أما الله -عز وجل- لا يوجد في أسمائه التي نعرفها أبو الأرض.
4- دورات البرمجة اللغوية العصبية المتقدمة، وهي مزيج من ممارسات متنوعة لتنمية مهارات الاتصال والقدرة على المحاكاة للتميز وتفعيل الطاقات وتعتمد التدريب على الاسترخاء والقدرة على التعامل مع اللاوعي.
وفي بعض المستويات المتقدمة تعتمد فلسفة الطاقة وجهازها الأثيري المزعوم ويتدرب فيها على تمارين التنفس والتأمل لتفعيل النفع به.
عندما تدخل قضية الطاقة فاعرف أنك ذهبت في الدجل والشعوذة والشرك وأنواع الضلال المبين.
انظر الإن إل بي هو المدخل للضلال، لماذا؟ أنت قد تبدأ في الإن إل بي بدايات ما يظهر لك فيها شيء، مهارات اتصال، ومهارات تفكير، ومهارات...، لكن بعد لك في الدورات المتقدمة ستدخل في نظرية الطاقة، وفي الكون طاقة وإنه هذه الطاقة، نح الأجساد تأخذ هذه الطاقة ونعتقد أن الطاقة ستفعل وتفعل حتى يصيروا المخلوق خالقاً، يعطوه بعض صفات الخالق.
وبالإضافة إلى ما في هذه الدورات من خطورة في تشكل البوابة كما قلنا للدخول في سلسلة تقنيات "أن يو إيج" والوثنية الجديدة.
فبعد تمام تفعيل الطاقات الكامنة، يُندب إلى التدرب على تمارين استمداد الطاقة الكونية.
ربما هو يقول لك في البداية: أغمض عينيك، وما في شيء حرام، خذ نفساً عميقاً؟ ما في شيء حرام، استرخِ؟ ما في شيء حرام... أين يأتي الحرام؟.
فكّر في كذا، ابدأ الآن فكّر في كذا، في طاقة كونية وفي القوى السفلية، وفي الهونا والشامانيا والتارو...
هذه الدورات المتقدمة والتي لا يُفصح عنها في الشرق، بعض الأحيان في أول ما تعطى الدورات في البلاد العربية، لكن لو واحد يدخل في هذا ويتقدم ويريد يأخذ الدورة التي بعدها والتي بعدها، ودخل في شهادة وفي شهادات عالمية... نفسه تتشوف للأشياء المتقدمة وهنالك يكون الضلال المبين.
خامساً: دورات الماكروبيوتك ، وهي دورات للتثقيف والتدريب الصحي تقدم نظاماً حياتياً كاملاً يعتمد على فلسفة التناغم مع الطاقة الكونية من خلال التوازن بين قوتي الين واليانغ للوصول إلى السمو الروحي.
هذه اليان واليانغ موجودة دعاياتها ولوحاتها في بعض شوارع المسلمين، مع أنها وثنية، كفر.
وتشمل تثقيفاً صحيا ًعن الغذاء والحمية، وهذه حق! تثقيف صحي عن الغذاء والحمية حق، لكن يُخلط بالباطل.
خصائص ميتافيزيقية للأطعمة، خصائص ما وراء المادة، يعني: الغيب.
مبناه على فكرة اليان واليانغ ووجود التناغم بينهما ويدعو لتجنب المنتجات الحيوانية قدر الإمكان -وهذا قد يكون حق في الكوليسترول والأشياء- من اللحوم والألبان ويركز على الحبوب والشعير ويعتني فيها بالميزو وهو الشعير المخمّر، لاحظ جاءت عملية الأشياء المخمرة مع الأشياء النباتية، خلط.
دورات المشي على النار، هذه أحياناً توضع في الإن إل بي وغيرها باسم تمارين لتقوية الإرادة وتفعيل الطاقات واستخدام الإيحاء للتأثير على النفس، تستطيع... تستطيع... تستطيع، لن تحترق... لن تحترق... لن تحترق، امش، اعزم، قوة، ما صار شيء! رأيت كيف...
يأتي لك بجمر رديء التوصيل للحرارة، هناك جمر خاص يُصنّع خصيصاً في توصيل الحرارة ليس مثل الجمر العادي، يوضع على أرض مبلولة، -لازم مبلولة وعشبية- العشب مع الماء مع الجمر عندما ينزل أسفل والجمر من نوعية خاصة.
المسألة على الخدعة واللعبة الموجودة في طريقة وضع الجمر ونوعية الجمر، وإلا سآتي لك بفحم الحجاز وأضع لك فيه هذا السم، وأرنا المشي يا أبا الهول أنت!
النبي ﷺ قال: لئن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه .
اجلس لنرى أين الإيحاء الذي معك هذا.
لئن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر [رواه مسلم: 971].
يخدعون الطلاب، يأخذون أموالاً يلعبون على عقولهم، شفت؟ تركناك تمشي على الجمر، أي جمر؟ من أي نوع؟
وبعض الخدع هذه قائمة على قوانين فيزيائية معروفة، أنت الآن لو أتيت إلى خشبة بطول شخص وجعلتها مليئة مسامير، بين كل مسمار ومسمار مسمار، وأتيت بشخص نحيل، جسمه رياضي واضطجع برفق وهدوء عليها سيتوزع ثقل ووزن الجسم على هذه المسامير المدببة المتقاربة جدا ًجداً حتى تكون شه البساط يعني جالس عليه، فما تخترق جسده، لكن هاتوا لنا -يا أصحاب الدورات- واحداً وزنه180 كيلو وضعه في الخشبة هذه التي فيها سبعة مسامير وأضجعه عليها أرني الإيحاءات التي في الإن إل بي هذه.
وهناك دورات للعلاج لخط الزمن، البايجيوميتري، الفيتشوي الفرعوني، ودورات أخرى تم أسلمت -بزعمهم - أسلمت بعض الأشياء التي فيها، لكن الأسلمة تأتي بالبدع.
مثال: لما درسوا بعض المسلمين هؤلاء الذين عندهم جهل مركب، درسوا دورات الطاقة في الخارج، لما أرادوا أن يأتوا بها إلى العالم العربي والإسلامي يعرفون أن الناس في مجملهم مسلمون، موحدون ما يقبلون الأشياء هذه الشركية، فقالوا في التلبيس عليهم التي يسمونها أسلمة بزعمهم: نضع دورة العلاج بطاقة الأسماء الحسنى، فالأسماء الحسنى لها طاقة كونية!، انظر، هذه الفرضية ليست في الكتاب ولا في السنة.
الأسماء الحسنى لها طاقة كونية، القدوس له طاقة كونية، السلام له طاقة كونية، المهيمن له طاقة كونية، كذا له طاقة كونية، وتفرعوا عنها: القدوس لعلاج كسر العظام، المهيمن لعلاج السرطان، السلام لعلاج الربو، المهين لعلاج الالتهاب السحايا، ولا يوجد هناك أي ارتباط ولا يكون العلاج هكذا، ومن زعم بأن نطق الأسماء الحسنى المجردة يشفي فهو كذاب أشر، وقائم ببدعة؛ لأن الذي يشفي هو الله عز وجل، ووسائل الشفاء هي الرقية الشرعية من الكتاب والسنة والأذكار المشروعة.
فسبحان الله مبتدأ وخبر، الحمد لله مبتدأ وخبر، الله أكبر مبتدأ وخبر، جملة مفيدة، لكن الله.. الله... الله... الله.. لا، يا لطيف.. يا لطيف... يا لطيف... ليس ذكر هذه الأسماء المتوالي بعلاج، ولا ذكر صحيح، ولا يؤجر عليه، بل هو ذكر مبتدع، ويقول الصوفية: ذكر الخاصة الله... الله... الله وذكر خاصة الخاصة هو... هو... هو... هو... هو...
فانظر كيف أُدخلت البدع في قضية دورات في العلاج بطاقة الأسماء الحسنى، ودورات العلاج بأشعة ويأتي لك بذكر معين، وهل هناك أحد قال لك إنه هذا الذكر له أشعة تعالج كذا كذا...؟ أشعة، يا أخي له بركة، له تأثير، القرآن له تأثير، لا تقول الطاقة وأشعة وأشياء... إذا ما عندك دليل لماذا تتخرص وتطلق من عندك ألفاظاً؟
هاتها واقرأ وانفث، عندك طريقة الاستعمال موجودة، القرآن والنفث، والمسح، باليد اليمنى، موجودة في السنة، اتبع ولا تبتدع، وربما تم أسماء وشعارات ما بين يوم وآخر تعتمد على فلسفات وتعاليم الديانات الصينية والهندية في القول بالجسم الأثيري وما يتبعه من أسرار الطاقة الكونية، وفكرة البي والتشي والكيه والطا والمايكرو والبرانا والمانا وضرورة توازن القوى الثنائية الين واليانغ والاسترخاء والتنفس العميق والتأمل... وهكذا أزالوا في بعض الدورات أثر وبركة القرآن والذكر لأجل هذه الخطوط والرسوم والتأمل والاعتقاد بأن الطاقة تتدفق في الجسم لتأتي بسعادة أو صحة أو شفاء أو نضارة أو سمو روحي بزعمهم أو يؤدي إلى التعامل مع الأرواح في القوى السفلية.
الدورات التي فيها حق وباطل
النوع الثالث: الدورات التي فيها حق وباطل، وهذا النوع لما غلب منهما بشرط أن يكون هناك من يبين الباطل ما هو.
ومما يُلاحظ على من يقدمون الدورات ما يلي:
أولاً: كثرة الاستدلال بأقوال العلماء الغربيين والشرقيين مع الإعراض الواضح عن أقوال أهل الإسلام.
حتى يقول أحدهم في الدورة: إننا في الواقع ورثة جامعات فرنسا وبولونيا، هنيئاً لكم بهذا الاسم، بول - أونيا...
فالوسائل المستخدمة في هذه الدورات هي وسائل غربية، والأمثلة غربية، والقصص غربية، طريقة الشرح غربية، والنظريات التي يتعلمها رواد هذه الدورات هي نظريات العلماء الغربيين في حقول التربية والاجتماع والاقتصاد وعلم النفس، تُدرّس على أنها مسلمات لأبناء المسلمين وبناتهم، وتقوم اعتقاداتهم عليها.
ألف أحدهم كتاب "تنشيط الذاكرة" مترجم على اللغة الإنجليزية، يقول محققه إنه أشهر كتاب في هذا العلم في العالم.
قدم المؤلف لهذا الكتاب بدراسة تاريخية عن الاهتمام بالحفظ، فذكر فيه اهتمام الفراعنة والإغريق واليونان والأمم الأخرى إلا الإسلام، إلا المسلمين.
مع أن المسلمين في العالم هم أكثر أمة في الحفظ، في عند النصارى دورات تحفيظ الأطفال الإنجيل؟ في عند اليهود دورات تحفيظ الأطفال؟ في عندهم حفاظ لكتبهم مثلما موجود عندنا؟ الآن، هزيمة نفسية، لكن يأتيك كلام علماء غربيين وشرقيين، وأمثلة من الحفظ من كل الأمم إلا الإسلام.
كثرة الحديث على قضية نفخ العاملين بالغرور المنهي عنه شرعاً.
2- خداع الناس بحشد سيرة ذاتية مليئة بالشهادات والدورات وعند التأمل فيها تجد أن الدورات اللي كاتبها هي دورة واحدة ممكن تؤخذ في ثلاث أيام أو أسبوع أو يوم واحد.
بعد المدربين يطلق على نفسه خبير وعمره 21 سنة، وآخر يطلق على نفسه مستشار وهو عنده دبلوم بعد الثانوية العامة، وآخر يطلق على نفسه مدرب عالمي وما درب إلى في منطقته أو جمعيات خيرية.
وآخر يقول عن نفسه "كبير المدربين" لمجرد أن حضر دورة متقدمة في برمجة لغوية عصبية.
قضية خداع الناس موجود، أكل أموال الناس موجود، الضحك على الناس موجود، النفخ في نفسه موجود، نقل الغرور إلى المتدربين موجود.
يقول واحد من هؤلاء الدجالين المدربين كيف يمكن للإنسان أن يستخدم عقله؟: تخيل أنك في حالة انشراح كبيرة وراحة ذهنية وانطلاقة روحية تشع بالرضا والاسترخاء، وتخيل أن قوة عليا من الحكمة والعناية الإلهية تحيط بك، وأن الحب الإلهي يعم، يعني عيش في الجو هذا.
وكلما تتقدم في التمارين ستشعر بهذه الحقائق، وتشعر براحة تامة، وتقدم في كل نواحي الحياة وحل المشاكل والشفاء من الأمراض والنصر.
وأين الصلاة؟ وأين الواجبات الشرعية؟ هو الآن يشعره أن الحماية الإلهية معك، والحب الإلهي معك والحكمة الإلهية معك والله راضي عليك، انتهى!
وأنت استمر، استمر استرخِ معي، استرخِ وحلق وفكر وركز وآمن وعيش في الجو هذا... خلاص.
تكتسب القوة في حل المشكلات والشفاء و.. و... هذا صحيح! هل هذه الطريقة شرعية؟
وبعضهم يأمر بأشياء مخالفة للشريعة بوضوح، بعضهم يأمر بأشياء يُعرض فيها عن الشريعة بوضوح، فيقول: عند الغضب – لاحظ هذه الدورة يعلمون فيها كيف تلافي الغضب – عند الغضب تخيل الزهور.
وأين أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟ وأين الجلوس إذا كنت قائماً؟ والاضطجاع إذا كنت جالساً؟
واحد يقول: أثبتت الدراسات أن هرمون الدوبامين الذي يفرزه الجسم عند الضحك هو الذي يحفظ أجزاء المخ ويجعله نشيطاً، وكلما زاد الجسم لإفراد هذا الهرمون كان النشاط الذهني في أفضل حالاته، ومن ثَم أكثر من الضحك، وأكثر وأكثر.
والنبي ﷺ قال: إن كثرة الضحك تميت القلب [رواه أحمد: 8095، والترمذي: 2305، وابن ماجه: 4193، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 506].
كيف يقول هذا كلما أكثرت من الضحك كان أحسن؟ وقانون الجذب الذي يقول الإنسان كالمغناطيس يجذب إليه الأشخاص والأحداث التي تتناسب مع طريقة تفكيره.
أنت ركز وفكر وستنجذب إليك الأشياء لأنك كالإريل -مش تبع الغسيل- والرغبات كالرسيفر وأنت بعقلك الباطن ورغباتك الداخلية تجتذب الأشياء والأحداث الإيجابية، وتلتقط الصور والأصوات المزيج الذي سيحقق لك منيتك وما تريد.
بنظرية الجذب، أين الدعاء؟ أين حسن الظن بالله؟ أين اللجوء إلى الله؟ أين اتخاذ الأسباب؟ تريد أن تصبح مليونيراً، أليس هنالك أسباب لكي تصبح مليونيراً؟
يعني واحد ألّف كتاب كيف تصبح مليونيراً ؟ وباع منه نسخاً كثيرة جداً وآخر خطوة في الكتاب كاتب: ومن وسائل أن تصبح مليونيراً أن تؤلف مثل هذا الكتاب وتباع كذا نسخة وتصير مليونيراً.
ماشي! سوى أسباب، ألف ونشر و... وباع وطيب... فيه أسباب، لكن قضية ركز معي في الطاقة الكونية ونظرية الانجذاب وستصبح عجيباً!
والقصص التي يستعملها بعض هؤلاء يمدحون فيها مهارات التفكير، فيها غش وتدليس وخداع تعلم الطلاب المتدربين على ذلك، مثلاً قصة زمزم وفاطمة.
كان هنالك رجل فقير ليس لديه أي عمل أو وظيفة كان في عوز وحاجة، كانت زوجته تغضب منه دائماً ماذا فعل؟ ذهب حتى التقى مع قافلة متجهة لمكة، طلب منهم أن يأخذوه معهم، وافقوا وطلبوا منه أجرة، لكن لا يملك شيئاً، قال: سأخدمكم في الطريق.
اشترطوا عليه أن يغادرهم إذا وصلت القافلة مكة، فلما وصلوا احتار ماذا يفعل، كان هناك مشرب في زمزم مزدحم، قال: لماذا لا أدخل وأملأ كأسين من زمزم، وأقوم ببيعها.
كسب ثم راح إلى واحد صاحب قهوة، وجد عنده مالاً كثيراً، قال: من أين لك هذا؟
قال: أنا متسوّل.
قال: وما رأيك أستفيد من الفكة اللي معك؟
فرفض، حتى اتفق معه أن يبيت عنده ويأكل العشاء مقابل أن يعطيه الفكة.
وهكذا ذهب إلى المدينة وخطرت له فكرة، اشترى تمراً، وذهب إلى مكان يزدحم فيه بعض أهل البدع، ويقول لهم: هذا تمر شجرة فاطمة، هذا تمر شجرة فاطمة.
فصاروا يشترون منه، فصار عندهم المال.
وهكذا... المدرب يقول للموجودين: هذه مهارات الإبداع!! شوف كيف صار، طيب الآن هذا غش وخدع وكذب، وتقول عنه مهارات تفكير؟
أعود وأقول أيها الإخوة: بعض الدورات مفيدة، فيها أشياء جيدة، وبعض المدربين عندهم علم شرعي ويعرف ينتقي ويميز.
بعض الطلاب الذين في الدورات قد يكون أيضاً عندهم من هذا، لكن كثيراً من الأشياء الأخرى فيها ضلال مبين يجب الحذر منها.
لعلنا نكون قد ألقينا ضوءاً على هذا الموضوع الذي يهم كثيرا ًمن الناس الذين يحضرون الدورات.
وأيضاً من التعزيز النفسي في قضية سبق علمائنا ونصيب علمائنا المسلمين، أو الأمة الإسلامية في هذا الجانب.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يأخذ بأيدينا بالحق ويدلنا عليه وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا إنه سميع مجيب وصلى الله على نبينا محمد.