الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
نص الحديث الثاني عشر
عن عبد الله بن مسعود قال: "جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ﷺ فقال: يا محمد إنا نجد" يعني عندنا في الكتب "إنا نجد في كتابنا" وكتاب الأحبار: التوراة، اليهود كتابهم التوراة "إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأراضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي ﷺ حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر" يعني الآن الحبر هذا جاء بخبر عجيب يقوله للنبي ﷺ، ترى وجدنا عندنا في كتابنا كذا كذا كذا، "فضحك النبي ﷺ تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله ﷺ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر: 67] [رواه البخاري: 4811، ومسلم: 2786].
شرح الحديث الثاني عشر
الحبر العالم عند اليهود.
وقوله: "إنا نجد" قلنا في التوراة، كما في كتاب "القول المفيد على كتاب التوحيد".
وهذا الحديث يدل على عظمة الله، وعظيم قدرته وعظم مخلوقاته.
وقد تعرف الله إلى عباده بصفاته، وعجائب مخلوقاته بما يدل على كماله، يعني لو واحد قال الآن: نحن ماذا نستفيد من إخبارنا بهذه التفصيلات؟
فنقول: نستفيد أشياء كثيرة جدا، أي شيء يدلك على الله ويعرفك بربك وبعظمته وقوته وقدرته وكماله أليس يزيدك به إيمانا؟ أليس يعظمه في نفسك؟ أليس تكون أطوع له من قبل أن تعرف؟ أليس هذا العلم يزيدك إيمانا؛ فتكون أكثر استجابة لله -تعالى-؟
هذه فوائد دراسة هذا الكلام.
وقد دل الحديث على إثبات الصفات له على ما يليق بجلاله وعظمته إثباتا بلا تمثيل، وكما قلنا في اليدين سنقول في الأصابع تماما نثبتها بلا تحريف ولا تكييف، ولا تكييف يعني: ما نخبر بكيفية من عندنا، في كيفية يعلمها نثبت الصفة، لكن لا نشبهه بخلقه، لا نمثله بمثاله، نقول هو مثل كذا، بشيء لم يخبر به عن نفسه، لا نحرف في المعنى لا نصرفه عن ظاهره، دل الحديث على إثبات الصفات له على ما يليق بجلاله وعظمته إثباتا بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل، وهذا هو الذي دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة، وعليه سلف الأمة وأئمتها من تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم على الإسلام والإيمان.
وإذا تأملنا ما في هذه الأحاديث الصحيحة من تعظيم النبي ﷺ ربه بذكر صفات كماله على ما يليق بعظمته وجلاله، وتصديق من جاء بحق ولو كان من أعدائنا، يعني لو جاء واحد بخبر صحيح الشيطان قال لأبي هريرة علمه أن قراءة آية الكرسي تبعد عنه الشيطان، هل هذا الكلام من الشيطان صحيح وإلا لا؟
صحيح، هل كون المخبر به هو الشيطان يقودنا إلى رده يدفعنا إلى نفيه؟ لا، حتى لو قاله الشيطان ما دام الحق قيلا من أي مصدر كان فلا بد أن نسلم به، ونثبت، فالنبي ﷺ لما جاءه بالخبر واحد من اليهود حبر من أحبارهم النبي ﷺ أقر بذلك، ما نفاه ولا رده، لأنه جاءه من يهودي، ونعرف أن قلة من اليهود جدا أسلموا من أحبارهم كعبد الله بن سلام أبي يوسف، ولم يقل النبي ﷺ في شيء منها إنه غير مراد، أو شبهه بشيء من المخلوقين، بل إن النبي ﷺ أقر بالحق، وبلغ الحق، وتلقى الصحابة عن النبي ﷺ ما وصف به ربه من صفات الكمال ونعوت الجلال، فآمنوا بذلك، ونقلوه إلى التابعين وتلاميذهم، ونقله هؤلاء إلى من بعدهم، وعلماء الأمة بلغوه ما كتموه ولا جحدوه، وتلقى ذلك أهل العلم، كما قال تعالى: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا [آل عمران: 7].
وكذلك التابعون لهم بإحسان، وتابعوهم والأئمة المحدثون والفقهاء كلهم وصفوا الله بما وصف به نفسه، ما في أحد قال -من هؤلاء المحققين هؤلاء العلماء وعلماء السلف- إن ظاهرها غير مراد، وأن هذا يلزم منه التشبيه، ولا بد أن ننفيها تنزيها لله، ما حصل أبدا، بل صنفوا في رد هذا الكلام المصنفات الكبار المعروفة الموجودة بين أيدي أهل السنة، هذا كلام الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب حفيد الإمام -رحمه الله- في كتابه "تيسير العزيز الحميد".
فإذن، نثبت لله الأصابع على الوجه الذي يليق به سبحانه، والأصبع حقيقي كاليد يليق بالله .
وهذا الحديث: إن الله يضع السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع إلخ...، يدل على قدرته، وعلى أنه يتصرف يعني وضع السماوات على إصبع واحد من الأصابع يدل على القدرة الكاملة، التحكم الملك التصرف كل السماوات على أصبع، وكل الأرضين على أصبع، والماء والشجر وسائر الخلق على إصبع؛ يدل على تصرفه الكامل في خلقه، وعلى سهولة ذلك لا يتعبه ولا يعجزه كل شيء على الله هين، هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ [مريم: 9]، سبحانه.