الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
نص الحديث الرابع
عن أنس بن مالك قال: "نهينا أن نسأل رسول الله ﷺ عن شيء" يعني الصحابة ما كانوا يسألون عن حكم الأشياء التي لم يذكر حكمها اكتفاء بأن الأصل هو الإباحة، حتى لا يكون سؤال أحدهم سببا للتحريم، فكانوا خلاص الله ربنا ليس بنسي: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم: 64]، فلو كان الله يريد أن ينزل حكما في شيء لنزله، الصحابة كانوا مؤدبين، ما كانوا يسألوا في هذه المنطقة أو في هذه المساحة، في هذه الأشياء، هذه خلاص من فقههم أنهم يتركونها، غير قضية الوقائع والأحداث التي تقع للواحد منهم، هذا شيء آخر، ولا بد يسأل، هو يقول حصل لي كذا، حصل كذا، يسأل هو، لكن السؤال العام عن شيء خلاص تركه ربه ما نزل فيه شيء خلاص، اتركوه، الأصل الإباحة، وهذا حكم، يعني هذا لله حكم ما يعتبر أن هذا مغفول عنه، ويعني أنه ما له شيء، لا، هذا الأصل في الأشياء الإباحة، هذا حكم، ولو أراد الله أن ينقله عن الإباحة لنزل حكما نقله تحريما، أو إلى آخره، يعني تحريما أو وجوبا أو إيجابا.
عن أنس بن مالك قال: "نهينا أن نسأل رسول اللهﷺ عن شيء".
فإذن، هذا "نهينا أن نسأل عن شيء" لها جانب معين، ما هو نسأل أبدا، لا، إذا وقع لهم شيء يسألون، ولا يسألون عن الافتراضيات، هذا أصلا ليس من الأدب في طلب العلم أنه يجي واحد يخترع قضايا ما حصلت، "نهينا أن نسأل رسول الله ﷺ عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية" العاقل فيسأله ونحن نسمع "فجاء رجل من أهل البادية" يوم من الأيام جاء واحد من أهل البادية.
طبعا يعجبهم الواحد من أهل البادية العاقل؛ لأنه أسئلته وجيهة وجيدة، تكون جيدة ووجيهة، ما يجي مثلا واحد سفيه وإلا طائش فيه حماقة، لا، يعجبهم العاقل الرجل من أهل البادية يأتي ليس مثلهم مخاطبا، يعني عنده العلم والفقه، ويجب أن يسكت عن كذا، يجي واحد ما يدري من البادية ما يدري ويسأل وهو عاقل، سؤال عاقل، فيسأله ونحن نسمع، "فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك"؟
شف بعض البادية عندهم أسلوب في التحقق، فيه الأسئلة المشددة الصريحة المباشرة القوية الواضحة هو كذا، يعني طريقتهم في، يجي السؤال: "يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك؟ قال: صدق ، قال: "فمن خلق السماء" شف هنا يتبين لنا عقل الرجل أنه بدأ يسأل عن الأشياء التي يراها كل يوم في الطبيعة، وهذه الأسئلة التي تقود إلى شيء، هذه الأسئلة لها معنى ومغزى، هذه تقود إلى أشياء، قال: "فمن خلق السماء؟" قال: الله قال: "فمن خلق الأرض؟" قال: الله ، قال: "فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟" قال: الله ؛ يعني جعل فيها سبلا، الله في القرآن، قال: لما خلق الجبال أنه جعل فيها سبلا، وذكر أنه جعل فيها شيئا آخر فِجَاجًا سُبُلًا [الأنبياء: 31]، فبعضهم ذكر في الفروق: الممرات في الجبال سواء كانت مغلقة أو نافذة، يعني توصل إلى السهل مثلا في النهاية، في نهايتها توصل إلى السهول، وأحيانا تكون طريق ينتهي في وسطه، لكن في طرق لا نافذة إلى آخر الجبل، يعني في فرق بين فجاجا وسبلا ما هي مثل بعض ما في تكرار.
قال: "فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟"، يعني مثل الفجاج السبل أو جعل فيها ما جعل من المعادن، وأنزلنا الحديد تجده في الجبال في معادن في الجبال، قال: "فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: الله ، قال: "فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال: آلله أرسلك؟" هذا إقسام، قسم، قسم، بعدما قرر قال: "من الذي خلق السماء؟" كل الخبر الإجابة واحدة: الله قال: "فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك؟" قال: نعم ؛ الحديث رواه البخاري ومسلم واللفظ له وتمامه، قال: "وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟" قال: صدق ، قال: "فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟" قال: نعم، قال: "وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا؟" قال: صدق ، قال: "فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟" قال: نعم ، قال: "وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا؟" قال: صدق ، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟" قال: نعم ، قال: "وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا"، قال: صدق قال: ثم ولى".
طرح الأسئلة هذه بقوة وأخذ الإجابات ومضى، قال: "والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن"، فقال النبي ﷺ: لئن صدق ليدخلن الجنة [رواه البخاري: 63، مسلم: 12].
شرح الحديث الرابع
من هو هذا الرجل؟ ضمام بن ثعلبة .
شف الرجل واضح وحفظ من رسول رسول الله ﷺ كل العلم، المعلومات التي جاءهم بها، وجاء الآن يتحقق.
وهذا الرجل ضمام له أسئلة، يقول عمر : "ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة".
الأسئلة المنهي عنها في الشريعة
نهى الله -تعالى- الصحابة عن كثرة سؤال النبي ﷺ أو السؤال عن أشياء قبل أن تحدث، وعما لا ضرورة إليه، ولا فائدة لهم من السؤال فيه، والتنقيب عنه؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [المائدة: 101].
أما ما يحتاجونه، ما وقع لهم قضايا خاصة بهم، فإنه لا بد أن يسألوا؛ كما قال تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [الأنبياء: 7]، وهذا هو الجمع بين الآيتين؟
لما يأتينا نصان فيهما أمران في الظاهر، يعني كبداية متعارضان ماذا نفعل؟
كلاهما نزل من جهة واحدة من عند الله، ما يمكن يكون في تعارض.
على طول مباشرة نقول: السؤال المنهي عنه غير السؤال المأمور به، على طول هذه طريقة أهل العلم والفقه.
طيب المنهي عنه مثل ماذا؟
طيب أشياء قبل أن تحدث، فرضيات لا ضرورة إليها، لا فائدة منها، أشياء سكت الله عنها، فلماذا يسأل؟ خلاص الله سكت عنها، يعني مباحة، لماذا تسأل، تبغي تشديد مثل بني إسرائيل: اذبحوا بقرة، أي بقرة، بين لنا ما هي؟ ما لونها؟، هذه أسئلة التعنت.
المهم السؤال المنهي عنه غير السؤال المأمور به، كان الصحابة يعجبهم أن يأتي رجل من أهل البادية مما لم يبلغه النهي عن السؤال، ويكون عاقلا فيسأل وهم يسمعون؛ لأن العاقل أعرف بكيفية السؤال وآدابه، والمهم منه، ويحسن المراجعة، فينتفعون بالجواب، كما ذكر النووي في شرحه على مسلم، وكما في تفسير ابن كثير -رحمه الله-.
الربط بين توحيد الربوبية والألوهية
وقد اكتفى هذا الرجل العاقل بأسئلة سهلة في جوابها يكون في جوابها إثبات لوجود الله ووحدانيته، واستحقاقه للعبادة، وهذا الربط المهم الذي لا يربطه كثير من الكفار، أيش الربط بين الخالق وعبادته؟
يعني لاحظ "من خلق السماء؟ الله، من خلق الأرض؟ الله، من خلق الجبال؟ الله، بعدين طيب جاء رسولك يقول: إن علينا خمس صلوات لله، وصيام شهر لله، الذي خلقه وزكاة وحج لله، هذا الربط بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، هذا الربط بين الإقرار بوجوده، وأنه خلق وأنه رب رازق محيي مميت، وهكذا.. وبين أن نعبده وحده لا شريك له: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزمر: 3].
طيب الخطوة التي بعدها؟ لماذا تعبدون معه غيره؟ لماذا تعبدون من دونه؟ هذا الذي سقط فيه مشركو العرب.
إذن، توحيد الربوبية عند العاقل لا بد أن يقود إلى توحيد العبادة، لا بد الذي خلق كل هذه ما له حق علينا، الذي خلقنا ما له حق علينا، قال العلماء: في هذا الحديث وهذا من حسن سؤال هذا الرجل، وملاحة سياقته وترتيبه، فإنه سأل أولا عن صانع المخلوقات من هو، ثم أقسم عليه بها أن يصدقه في كونه رسولا للخالق، ثم لما وقف على رسالته وعلمها أقسم عليها بحق مرسله، وهذا ترتيب يفتقر إلى عقل رصين، يعني ما يمكن يطلع الترتيب هذا إلا من واحد عاقل، وعقله رصين. "شرح النووي على صحيح مسلم".
الاستدلال بالصنعة على الصانع
هذه الطريقة التي سلكها هذا الصحابي ماذا نسميها في المناظرة أو التدبر، الاستدلال؟ بماذا؟ على ماذا؟ أول حديث الرجل هذا أسئلته الأولى هي طريقة علمية فما هي؟
هي في البداية الاستدلال بالمخلوقات على الخالق، هذه مهمة ترى في النقاشات اليوم التي تحدث عبر الشبكات، الاستدلال بالمخلوقات على الخالق، ثم معرفة الواجب نحو هذا الخالق، هذه الطريقة، طريقة تفكر وتدبر وتأمل.
وهذه أيضا تنفع في تزويد المراهق الشاب أول ما يبلغ الشباب، الأولاد أول ما يبلغون يصير عنده نزعة انتباه، تصير عنده نوع من الانفتاحات، يعني أنا وجدت في عائلة مسلمة لكن أيش الإسلام مين الخالق؟ يعني أيش الدليل؟
تبدأ تتفتح عنده أشياء، هذه طريقة مهمة، هنا يبدأ الولد إذا بدأ يطرح أسئلة من النوع الذي من أين جئنا؟ من خلقنا؟ ويش الدليل على أن الرسول؟ أن القرآن؟ طيب الإسلام مين؟ من قال؟ كيف؟
فيقال: خلاص، يقول: ابدأ الاستدلال بالمخلوقات على الخالق، ثم ما هو حق هذا الخالق، ثم كيف نعرف هذا الحق وتفصيلاته أيضا؟
هذه نافعة في الوساوس، لما يجي الشيطان يلقي للواحد وساوس: من خلق؟ من قال؟ كيف نعرف؟ ماذا يؤكد لنا؟
هذه طريقة مهمة في تركيز الحق في النفس وترسيخ الإيمان، هذه الأدلة اليقينية في القرآن كثيرة، ما هي قليلة: قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [يونس: 101]، أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ [الأعراف: 185]، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ [آل عمران: 190]، وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات: 20-21].
الاستدلال بالصنعة على الصانع، وبعجائب المخلوقات على الخالق، وأن النظر في هذا الشيء البديع التناسق الانتظام مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ [الحجر: 19] كذا موزون، كذا كل شيء موزون في الكون، يعني لو زاد الأكسجين، لو نقص كذا، شف ماذا سيحدث من المصائب، فهذه الأشياء التي في الكون هذا التناسق الإبداع، التوازن الانتظام في المسارات والأفلاك، الترتيب يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر: 5]، هذا مجال عظيم للتدبر والانقياد إلى وجود الله وقدرته وحكمته سبحانه وتعالى، وماذا يجب نحوه بعد ذلك.
الآيات الموافقة لما ذكره ضمام بن ثعلبة
من الآيات التي في القرآن الموافقة لما ذكره ضمام من الأسئلة ما هي؟
آيات في جزء عم في سورة من سور جزء عم فيها موافقة: أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية: 17- 20].
طبعا هذه مرتبة يعني البدوي أول ما يقف في الصحراء على بعيره، أول ما يرى بعيره إذا استوى على بعيره السماء، ثم الجبال، ثم الأرض.
مثل الترتيب في سورة عم شف مرتبة هذه الأمور: أول شيء السماوات سبعا شدادا فوق، سبعا شدادا تحتها، وجعلنا سراجا وهاجا، اللي هو الشمس تحتها، وأنزلنا من المعصرات السحاب ماء ثجاجا، اللي تحتها لنخرج به حبا ونباتا، مرتبة مثل ترتيب النحل: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ [النحل: 68].
تحت على الأرض من المناحل التي يتخذها الناس.
إذن، هذه الأسئلة التي طرحها ضمام موجود مثلها في القرآن، وهذا استدلال وما يراه الراكب على بعيره السماء فوقه، والجبال أمامه، وأرض تحته، وتدل على العليم الخبير سبحانه وتعالى، ولذلك جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال يقول: هل يقدر أحد أن يخلق مثل الإبل أو يرفع مثل السماء أو ينصب مثل الجبال أو يسطح مثل الأرض غيري؟
يعني هذا تفسير الآيات من سورة الغاشية.