الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله.
نص الحديث الثامن عشر
ونحن في حديث النبي ﷺ قال الله: كذبني ابن آدم؛ ولم يكن له ذلك، وشتمني؛ ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفؤا أحد [رواه البخاري: 4975].
وفي حديث آخر: فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا [رواه البخاري: 4482].
شرح الحديث الثامن عشر
قلنا: إن هذا الحديث العظيم قد اشتمل على ذكر باطلين يتنزه الله عنهما، والرد على كل باطل في الحديث، فالأول: التكذيب. والثاني: الشتم.
من العباد من يكذّب الله، ويقول: لن يعيدني كما بدأني، يعني لن أبعث، ينكرون البعث، ومنهم من يدعي له الولد.
أما بالنسبة لقضية التكذيب بالبعث، فهذه من أعظم ميادين المعارك بين النبي ﷺ والكفار العرب ومشركيهم، عند العرب كان متأصلا قضية إنكار البعث.
إنكار البعث يبعث عليه أمور
ومنها: أن أهل الهوى يريدون أن يعملوا ما يشاؤون بلا حساب، يعملون ما يشاؤون من الباطل والمحرمات والشهوات والرذائل بدون أن يحاسبهم أحد، يريدون ذلك، فيقولون: لا بعث حتى يعملوا ما يشاؤون، ولا يخشى شيئا، ما ورانا حساب: إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا [المؤمنون: 37].
ولذلك تراهم يعمرون دنياهم جدا، يهتمون بالصحة جدا، يهتمون بالملذات، الأكل الشرب اللبس الشهوة المركب القصر، إلخ...؛ لأن هذه كل شيء عنده، ما في آخرة بالنسبة له لا يؤمن باليوم الآخر، ثم ليطغى ويظلم ويبغي، ويسلب ويأخذ مال هذا، ويعتدي على هذا، يضرب هذا، ينتهك عرض هذا، ما في حساب، ما في آخرة، فعند أهل الدنيا هذا أسهل شيء إنكار البعث انتهينا، وما في تأنيب ضمير، ويظن نفسه هذا هو كل شيء، علما أن عقلاء الدنيا لو قيل لهم هل: تظنون أن هذا المشهد ينتهي هكذا؟ يعني الظالم يموت ظالما، والمظلوم يموت مظلوما، والمقهور يموت مقهورا، والمغلوب يموت مغلوبا، والمسلوب يموت مسلوبا، ومن سلبه وقهره ظلمه بطش به وانتهك عرضه وأخذ ماله ومات على ذلك، خلاص انتهى هذا كل شيء؟
عقلاؤهم يقولون: لا، أكيد ما انتهى كل شيء، ولا بد يكون في يوم حساب، لا بد يكون في محكمة، لا بد يكون في إعادة الحقوق إلى أصحابها، وكثير من المظلومين ماتوا مظلومين، وكثير من الظالمين ماتوا ظالمين، يعني ماتوا في طغيانهم وقوتهم، والمظلوم مات مقهورا مسجونا مغلوبا مسكينا، لا يمكن تنتهي القضية حتى العقل يقول: لا يمكن أن تنتهي هكذا، والذي قاوم نفسه، وجاهد هواه، وجاهد شهوته، وجاهد ألا يعتدي، ولا ينتهك عرضا، ولا يسلب مالا، ولا يطغى على أحد، ولا يظلم، ولا يبغي، وحبس نفسه عن هذا، وفوت ملذات وشهوات، والنفس تشتهي، والنفس تطغى، والنفس تبغي على غيرها تظلم، فالذي منع نفسه من الطغيان والظلم، وفيه مكاسب دنيوية، يأخذ مال الغير، يستولي على ممتلكات الغير، فيها شهوة الذي منع نفسه، وجاهد نفسه وتعب؛ هذا ينتهي المشهد بالنسبة له هكذا بدون منافسة؟
فالعقلاء يقولون: لا بد من وجود محكمة، ولا بد من وجود يوم يصير فيه قصاص، إعادة الحقوق إلى نصابها، إلى أهلها.
بعض أدلة القرآن في الرد على منكري البعث
القرآن الكريم حفل بأدلة كثيرة في مواجهة منكري البعث؛ فتعالوا الآن يعني نستعرض وإياكم بعض الأدلة التي وردت في القرآن في الرد على منكري البعث.
لاحظ ترى في الآيات والسور في رد على موضوع منكري البعث من عدة جوانب، يعني مثلا: إقسام الله الأقسام العظيمة أن هناك بعث: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [التغابن: 7] "بلى" و"الواو" واو القسم و"ربي" واللام والنون للتأكيد لَتُبْعَثُنَّ شف كم مؤكد؛ بالقسم؟ واو القسم، وربي، وذكر الرب واللام والنون.
هذا طريق في الرد على منكري البعث: أن الله أقسم وأكد بالمؤكدات العظيمة.
ثانيا: الإعادة أهون من الابتداء، الابتداء من عدم، والإعادة بعد أن مات، وكان موجودا؛ فأيهما أسهل؟
الإعادة، الدليل من القرآن الله احتج على منكري البعث بحجج، الله رد عليهم ردودا، نبغى الدليل على أنه أهون: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيه [الروم: 27].
الاستدلال بالإنشاء، الاستدلال ببدء خلقه: قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يــس: 78] هذا يستبعد يكذب بالبعث، ما رد القرآن؟ الرد الإلهي: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [يــس: 79].
إذن، هذا طريق في الرد، الاحتجاج عليهم بالابتداء، بابتداء الخلق أنه أنشأك من العدم، وهو أهون عليه فإعادتك أليس الذي خلقهم أول مرة قادر على أن يعيدهم: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة: 40] فإنه قال في آخر السورة: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة: 37- 40] يعني من عمل هذه الأشياء، أليس قادرا على إحياء الموتى؟ من عمل أشياء أكثر وأعظم ألا يقدر على إعادة الموتى؟ من مني يمنى؟ ثم كان علقة فخلق فسوى، فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى، يعني خلق من العدم، وسواه في أحسن تقويم، وجعل منه الزوجين: الذكر والأنثى؛ أليس من عمل هذه الأشياء وقام بها قادر على أن يعيدهم بعد الموت؟ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة: 40].
هذه ردود إلهية مفحمة.
وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ، هذا الكافر قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يــس: 78]، فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ [البقرة: 259]، هذا عزير ، هذا مؤمن، هذا بس من باب زيادة الإيمان، يعني مثل: أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى [البقرة: 260]، قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ [البقرة: 259]، يعني هذا شيء، وهذا شيء، خلاص.
إذن، ما نجيب سيرة الكافر، نقول: إن الله ذكر آيات في القرآن قصص على الإحياء؛ مثل الرجل الذي أماته الله مائة عام، مر على قرية وهي خاوية على عروشها، الجدران متهدمة، والأسقف ساقطة، وأهل القرية ماتوا، خلاص قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ إلى أن قال: وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا [البقرة: 259]، الحمار أمامه تركب عظما على عظم، فصار هيكلا، وكساه الله لحما، صار حمارا، ورجع إلى الحياة.
فإذن، نقول في الاستدلالات: نحن الآن نتعلم وإياكم موضوع كيف الرد، وما هي الردود القرآنية؟
أن الله ذكر في القرآن أمثلة عملية، وقصص حقيقية لإحياء بعد الموت في الدنيا، ومنها قصة الذي استبعد أن هذه القرية تعود إلى الحياة فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 259].
دليل آخر مع الآية في الرد على منكري البعث؛ بقرة بني إسرائيل، ضُرب الميت ببعض البقرة فعاد إلى الحياة، جيد غيره: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة: 243].
الاستدلال بأحياء الأرض بالمطر على إحياء الموتى: إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى [فصلت: 39].
وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحـج: 5]، وفي آية أخرى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فصلت: 39] هذه آية صريحة وواضحة في موضوع الربط والاستدلال بإحياء الأرض على إحياء الموتى.
فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ بالمطر فانظر إلى آثار رحمة الله كيف ينبت الأرض بالمطر فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الروم: 50].
هذه آية أخرى بس تحت نفس العنوان.
قال إبراهيم: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ؟ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ [البقرة: 260] القصة المعروفة، فجمع الله أجزائها بعدما تفرقت وركبها، وطارت بعد أن أعاد إليها أرواحها.
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: 28]؟
الاستدلال بالخلق الأول كنتم عدما فخلقكم وأوجدكم، أو كنتم في الأجنة بلا أرواح، ثم نفخت فيكم الروح، خرجتم إلى الدنيا، متم فيبعثكم مرة أخرى، هذه فيها جزءين، فيها قضية أن الخلق ما خلقوا سدى ولا عبثا، خلقوا لغاية عظيمة وهي عبادة الله، والثانية الإنكار عليهم، وأنكم إلينا لا ترجعون: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون: 115].
فإذا الله في كتابه رد على منكري البعث: أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ق: 15] يعني هل أعجزنا ابتداء الخلق حتى يشكّوا في الإعادة؟ هل أعجزنا؟ هل أرهقنا؟ هل أتعبنا؟ هل كلفنا؟ أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ؟ ما عيينا به، ولا تعبنا، ولا لغوب، ولا مس الله شيء من لغوب، خلقهم بأيسر، يعني إن ذلك على الله يسير، قال تعالى: بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ابتداء الخلق لم يعجزنا، والإعادة أسهل منه.
وكذلك قوله : وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ [الزخرف: 87].
أنتم تعرفون أن الله خلقكم، والإعادة أهون من الخلق وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يــس: 79].
وفي آية ترد عليهم لما يأتي الواحد يقول طيب خلاص أكلته الأرض خلاص؛ ماذا قال الله؟ في قضية أكل الأرض للأموات قال الله: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ [ق: 4] ترى هذه فيها رد قوي بليغ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ .
هذه الدودة الأرض وتأكل أجساد الموتى، يتحلل، تتحلل أجساد الموتى ودودة الأرض تأكل الأجساد، كل دودة كم تأخذ؟ ونسبة تحلل الأجساد في تراب الأرض، ولما يذوب الجسد ويصير أملاحا ويرجع مرة أخرى، ويختلط بتراب الأرض ويعود كما كان ترابا، الله يعلم هذا التحلل لأجساد الموتى، كم مقداره؟ كم ينقص؟ وكم منه يعود إلى التراب؟ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ [ق: 4] ما تأكل الأرض من أجسادهم بعد الموت.
ترى فيها رد بليغ.
القيام من النوم، النوم موتة صغرى، فالاستيقاظ العودة إلى الحياة الكاملة بعد النوم، هذا أيضا فيه آية أن في ذلك لآية: وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [الروم: 23] حتى المنام هذا وكيف يعني يتوفاهم بالليل: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ [الأنعام: 60].
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [العنكبوت: 19].
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [العنكبوت: 20].
وقال: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى يعني: الخلقة الأولى ما كنتم شيئا كنتم عدما فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ [الواقعة: 62] لولا تذكرون قدرة الله على إعادتكم، وأن الذي أنشأكم أول مرة قادر على أن يعيدكم.
وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا [مريم: 66] يستبعد، ينكر، يكذب، الإنسان يعني: الكافر، أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا [مريم: 67] هذه ردود إلهية، غير لو يجي واحد يخترع رد، هذه الردود المفحمة.
ثم قال الله في سورة الإسراء في ردود متقدمة جدا على مكذبي البعث يعني: وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا الرفات: الأجساد البالية خلاص بليت؛ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا [الإسراء: 49] يستبعدون استفهام إنكاري، شف الرد، رد والله شيء يعني حتى يمكن ما يخطر بالبال قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا [الإسراء: 50] أنتم الآن تستبعدون البعث تقولون: عظاما ورفاتا بليت ونخرت، عظام نخرة: قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ * فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَة [النازعات: 12-14] في أرض المحشر زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ النفخ النفخة الثانية فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَة أرض المحشر، قال الله: قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أنتم تستبعدون البعث تقولون: لحم وعظم بلي، وصارت العظام نخرة، والجسد بلي، واللحم راح كيف يرجع؟ قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا كونوا شيئا لا يهترئ ولا يبلى، لو كانت أجسادكم من الحجارة من الصخر الذي لا يبلى، شف الجبال منذ أن خلقها الله في الأرض باقية ما صارت نخرة وبليت وذهبت، موجودة، أو من حديد، والحديد ممكن يبقى بعوامل معينة، وبعضه يصدأ ويذهب: قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ [الإسراء: 50 - 51] كالجبال، يعني شيء كبير في نفوسكم، لو كانت أجسادكم من الحجارة أو من الحديد أو من الجبال الله سيعيدكم، قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الإسراء: 50-51] لو كانت أجسادكم من مادة السماء، شفتوا الجبال، خلوا أجسادكم منها، شفتوا الصخور الحجارة خلوا أجسادكم منها، أو الحديد ستبعثون ستبعثون.
افرض أنك أنت جسدك صخرا حديدا ومت وسلب الله روحك، وجسدك ما بلي ولا اهترأ، ولا أكلته الأرض فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا [الإسراء: 51]؟ شف يعني هذه سبحان الله، هذا رد خلاص ماذا سيفعل الكافر؟ يعني خل جسدك صخرا؟ صخر ما تأكله الأرض بعد الموت ستسحب الروح وستموت، فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ؛ لأنه قادر على الإعادة، وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا * يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً [الإسراء: 51-52].
سبحان الله! والله يعني ما مررت بهذه أنا أقول كيف القرآن فيه ردود مفحمة خلاص أفلسوا، انتقلوا قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ [الإسراء: 50-51] انتقلوا إلى ماذا مَن يُعِيدُنَا ، مَتَى هُوَ خلاص صارت الأسئلة في مربع آخر، مسألة طبعا إنكار البعث والرد عليهم في هذه يطول بس نحن الآن هذا فقط، يعني شيء مما ورد في الكتاب والسنة تطمئن به نفوس المؤمنين، ويتزود به الدعاة في مواجهة المكذبين، لو جاءك واحد يناقشك على شبكة الإنترنت، لا، وما في حياة وخلاص، وهذه النهاية، وكل شيء.
الدهريون الدنيويون: وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: 24] ما في بعث، أرحام تدفع، وأرض تبلع؛ خذ أدلة وحجج.
سوء أدب بعض العباد مع رب العباد
الشطر الثاني من الحديث قال: وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفؤا أحد .
الصمد: الذي تصمد إليه المخلوقات في حاجاتها، يصمد إليه الخلائق بالذل والافتقار، وقد كمل في علمه وحكمته وحلمه وقدرته وعظمته ورحمته -سبحانه-.
هذا الصمد السيد الذي كمل في سؤدده، العظيم الذي كمل في عظمته، الصمد الذي تصمد إليه الخلائق وتحتاج إليه، الصمد الذي ليس بأجوف، الإنسان له جوف في فراغات، جوا البطن ذا جوف، والله ليس بأجوف -سبحانه-، فإبليس لما خلق آدم طاف به قبل أن تنفخ فيه الروح، ولما رآه فيه هيكل ومجوف من داخل علم أنه خلق لا يتمالك، يعني المجوف يموت يذهب.
إذن، تكذيبهم إياه قالوا لن يعيدنا؟
الشتيمة: أنهم قالوا: الله تزوج مريم، وأنجب عيسى -تعالى الله عن قولهم- جعلوا له صاحبة وولدا: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدً [مريم: 88-91]، إِدًّا : أي منكرا عظيما، كادت السماوات والأرض والجبال تذهب وتنهد وتتفطر وتتشقق من هول ما قالوا؛ لأن السماوات والأرض والجبال تعرف ربها الذي خلقها، ويروعها هذا الادعاء.
وهذا يبين أن الجمادات تشعر بعظمة الله، وحتى بالشرك الذي يحدث، الله أخبرنا عن ذلك قال: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ من هذا القول وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا [مريم: 89- 94].
قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ [يونس: 68] ما يحتاج ولد، لما يحتاج ولد؟ لما يكون له ولد؟ لما هل هو مثلكم؟ هل هو مثلكم؟ أنتم تنجبون الأولاد تحتاجون إليه غدا ولدك يحملك وينفق عليك ويعينك، وإذا كبرت وصرت عاجزا وصرت مسنا محتاجا يقوم بك، واستمرارا لك من بعدك؛ لأنك ستنتهي وتموت، وهذا ذريتك وخلفك أنت تحتاج للولد، الله لا يحتاج إلى ولد قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا [يونس: 68] عندكم دليل؟ أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [يونس: 68]؟
والله شف الآيات كيف توبخ النصارى توبيخا بليغا -سبحانه-: وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ [البقرة: 116-117].
فالذي له ملك هذا كله ويتصرف كيف يشاء ويخلق بالكلمة: كُن فَيَكُونُ يحتاج إلى ولد يا أيها النصارى؟ يا أيها المشركون، يا أيها الكفرة.
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة: 17]، مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ ماذا؟ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ [المائدة: 75]، لما يعني يأكلان الطعام، يعني أنهم بشر ويعني بعد الطعام ماذا فيه؟ فيه إخراج وفضلات، هذا ابن الله؟! يأكل الطعام ويخرج فضلات؟
شف الرد أصلا -سبحان الله العظيم- على هذه الديانة، هذه النصرانية، هذه يعني ما ألأمهم، وما أشتمهم لله، وما أشد إيذاءهم لربهم، ما في، سبحان الله إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [المائدة: 17].
شف هذا رد يعني رد آخر، المسيح عند الله ماذا كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [آل عمران: 59] مخلوق، يعني عيسى مخلوق، مخلوق كمثل آدم، ثم تقولون: ابنك، الابن، سبحان الله، يعني كلما تنظر في نوع من كفر البشرية إلا وتجده قبيحا سخيفا، لا عقل ولا نقل ولا دليل ولا برهان.
الواحد إذا تأمل في أقوال أهل الكفر والباطل أنه يحمد ربه أنه جعله مسلما، والله العظيم: الحمد لله، الحمد لله نحن مسلمون، نقول: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 1-4] ما نقول المسيح هو الله، المسيح ابن الله، المسيح ثالث ثلاثة، مريم زوجته وعيسى ولده -تعالى الله عن قولهم- يجعلون الله كالبشر، يعني يتزوج وشهوة ووطئ وحمل وولد، يعني ما هذه الفكرة السخيفة -سبحان الله العظيم- حقيرة، يشتمون الله شتما، وبعدين يزعمون أنهم يعظمون الله، بالله عليكم هذا دين هذا؟ هذا دين يفشل، والله الواحد يمشي كذا في الأرض، ويعتقد أن لله ولد وصاحبة، يعني غاية في السخف، أعوذ بالله تشوف واحد يعني يدين بهذا الدين، تقول ما التخلف هذا؟ وأين العقلية؟ ما هذا الاعتقاد السخيف؟
سبحان الله! ما هو بحاجة لا لزوجة ولا لصاحبة ولا ولد، وقام كفرة مشركو الجن من العرب فقالوا: تزوج من سروات الجن، وأنجب الملائكة، الملائكة بنات الله، تراهم الكفار يأخذون من بعض ينسخوا من بعض، هذه بعض اعتقادات العرب، تجعلون لله البنات، وتصطفون أنتم تلك.
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى [النجم: 21]، قِسْمَةٌ ضِيزَى [النجم: 22].
الله حليم صبور سبحانه يشتمونه ويرزقهم ويعافيهم، له ولد، الملائكة بناته، عيسى ابنه، وهو يرزقهم ويعافيهم، شف الحديث والله هذا الحديث يعني حديث عظيم، يعني كيف يعني لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، لا أحد أصبر، لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله.
طبعا في ملاحظة أن الإيذاء طبعا ذكر في الحديث هنا كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك هل التكذيب والشتيمة تضر الله؟
أبدا، أبدا سيأتي معنا يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وكلها باب واحد، ترى يعني تكذيبهم لله وشتمهم لله وإيذاؤهم لله لا يضره أبدا، ولا يلحق به -سبحانه- أي ضرر من وراء هذه الشتيمة أو الإيذاء أو التكذيب، شف بابها واحد يؤذيني ابن آدم يسب الدهر أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وأما إيذاؤه وشتمه يقول: إنا لله ولد، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا.
نص الحديث التاسع عشر
الحديث التاسع عشر: وقوله ﷺ: لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 190-191] الآيات كلها [رواه ابن حبان: 620، وجود إسناده العلامة الألباني -رحمه الله-].
شرح الحديث التاسع عشر
هذا الحديث له مناسبة؛ سئلت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن أعجب ما رأته من رسول الله ﷺ فقالت: لما كان ليلة من الليالي، قال: يا عائشة ذريني أتعبد لربي؟ قالت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما سرك، قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله لم تبك وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا، لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها"؛ لأن نحن نريد أن نعرف الآن ما هو سبب بكاء النبي ﷺ؟ ما هو سبب هذا البكاء العظيم بل لحيته وحجره والأرض؟ ما هذا الذي جعله يبكي كل هذا البكاء بكل هذه الدموع؟ ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها؛ ما هي؟
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ [آل عمران: 190]، وذكر التكملة قال عبد الرحمن بن سليمان راوي الحديث: سألت الأوزاعي عن أدنى ما يتعلق به المتعلق من الفكر فيهن، وما ينجيه من هذا الويل؟
الراوي لما سمع الحديث أيضا صار عنده خشية، صار عنده خوف، ويريد مخرجا، يعني طيب ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها، طيب كيف الواحد ينجو من هذا الويل؛ لأن ويل معناه فيه عذاب؛ لأنه تهديد ووعيد فما هو أدنى شيء؟ أقل شيء الواحد إذا فعله مع هذه الآية ينجو من الويل، ماذا قال الأوزاعي، أطرق هنية يفكر يعني الأوزاعي السؤال سؤال حساس ووجيه وخطير، ما أدنى شيء الواحد إذا سواه مع الآية هذه ينجو من الويل؟ ثم قال الأوزاعي: يقرأهن وهو يعقلهن، قال على الأقل يعرف التفسير، إذا تبغى تنجو من الويل؛ لأنه في تهديد فلا بد أن تقرأها، وأن تعرف معناها وتعرف تفسيرها، فهذا فيه تأكيد علينا أن نعرف تفسير هذه الآيات من آخر سورة آل عمران، أنه يا مسلم يا مسلمة ارجع إلى تفسير هذه الآيات؛ لأن في هناك تهديد لمن "ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها" طيب كيف ننجو؟ قال على الأقل أنك تعرف تفسيرها على الأقل.
وقد ثبت أن النبي ﷺ كان يقرأ هذه الآيات العشر من آخر آل عمران إذا قام من الليل في تهجده، من قوله: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ [آل عمران: 190] إلى آخر السورة [رواه البخاري: 4570، ومسلم: 763].
قال العلماء: يستحب للمستيقظ من نومه أن يتلو هذه الآيات اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه يبتدئ بعظمة ربه، ثم ذكر الله؛ ولأجل ذلك أوردنا هذا الحديث في هذه الأربعين؛ لأن الآيات هذه تدل على عظمة الله؛ لأنهم يتفكرون فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 191]، هؤلاء قالوها بعد: يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران: 191]، و رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا [آل عمران: 193]، والآن يلتمسون الثواب وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ [آل عمران: 193]، وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: 194].
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ آل عمران: 190] في إيجادهما وإنشائهما من العظيم -سبحانه- على هذا الإبداع وهذا الإحكام، هذه دالة على عظمته، فالسماوات على اتساعها وارتفاعها وما فيها من الشمس والقمر والنجوم والكواكب السيارة والزينة والأرض في انخفاضها وبسطها وتذليلها، وما فيها من البحار والجبال والقفار والنبات والأشجار والثمار والدواب وأنواع المعادن، واختلاف الليل والنهار، تعاقب الليل والنهار، تفاوت الليل والنهار؛ من الظلمة إلى النور والطول والقصر، واختلاف الجو حرا وبردا ورخاء وشدة، والزمان وما فيه عزا وذلا، وهزيمة ونصرا وسعة وضيقا وصحة ومرضا؛ كل هذا فيه مجال العباد للتفكر والتدبر والتبصر لآيات واضحة، وبراهين قاطعة وساطعة على عظمته -سبحانه- الذي يتفكر فيها تشهد على عظمة الله، يطلع أن الله هو العظيم، لا إله إلا هو، لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ أصحاب العقول الصافية النقية: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ [آل عمران: 191].
عبادة القلب واللسان والجوارح
هذه الآيات فيها عبادة للقلب وللسان وللجوارح أين هذه العبادات هذه الثلاث في الآية؟ أين هي العبادات الثلاث اللسان والقلب والجوارح؟
وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران: 191] هذه عبادة قلب.
عبادة اللسان: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران: 191]، و ربنا ، و ربنا .
الجوارح: قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ [آل عمران: 191] يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ، وهذا يشمل الصلاة، وقيام الليل.
ومن اللطائف: أن الله لما ذكر الدلائل الإلهية والقدرة والحكمة وهو ما يتصل بتقرير الربوبية ذكر بعدها ما يتصل بقرير العبودية، وأصناف العبودية ثلاثة: التصديق بالقلب، الإقرار باللسان، والعمل بالجوارح، يَذْكُرُونَ اللّهَ عبودية اللسان، قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ [آل عمران: 191] عبودية الجوارح والأعضاء، وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران: 191] عبودية القلب، وما الإنسان إلا هذا المجموع، فإذا صار مستغرقا في الذكر باللسان، والشكر بأركانه وجوارحه والجنان، الفكر بالجنان كان هذا في عبودية لله دائما.
هؤلاء المتفكرون لما يستشعرون عظمته -سبحانه-: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً [آل عمران: 191] اعتراف ليس هناك عبث، ليس خلق بلا حكمة، بل لأمر عظيم جليل: مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ [الدخان: 39]، ليعبد الله.
سُبْحَانَكَ عن النقائص والعيوب، وادعاء الولد، فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [آل عمران: 191- 192] وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [آل عمران: 192] يمنعون عنهم عذاب الله.
رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ [آل عمران: 193] والأنبياء، وهذا الكتاب الذي يشهد، والمنادي هو النبي ﷺ سماه الله داعيا: وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ [الأحزاب: 46].
لما صارت الخشية بعد النظر في العظمة وشهود القلب لعظمة الرب بآياته المسطورة في القرآن، والمنثورة في الأكوان، جاءت الأدعية الدالة على التأثر: رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا [آل عمران: 193] اعف عنها، وتجاوز، وامح الآثار الذنوب والمعاصي الصغار والكبار وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا واسترها، التكفير: الستر والتغطية، وَتَوَفَّنَا اقبضنا مَعَ الأبْرَارِ في ثوابهم أعمالهم في جزائهم رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ من النعيم وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: 194] لا تفضحنا يوم يقوم الأشهاد، ويجتمع الخلائق إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ [آل عمران: 194- 195].
هذا حديث عظيم جدًا في بيان تأثر المؤمنين بعظمة الله -تعالى-، وما ينتج عن ذلك من العبادة المتنوعة بالقلب واللسان والجوارح، ومن الأدعية العظيمة الخشية أورثتهم هذه الأدعية العظيمة.
بهذا نكون قد أنهينا من الحديث التاسع عشر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد