الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

04- الأربعون في عظمة رب العالمين - شرح الحديثين 9،8


عناصر المادة
ملخص الدرس الماضي
نص الحديث الثامن
شرح الحديث الثامن
مواقيت رفع أعمال العباد
عظمة الله
نص الحديث التاسع
شرح الحديث التاسع
تنزيه الله عن الظلم
الافتقار إلى الله
سؤال الله الهداية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله في هذا الدرس من سلسلة: "الأربعون في عظمة رب العالمين".

ملخص الدرس الماضي

00:00:34

وكنا قد تحدثنا عن قوله ﷺ:  كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض  وعظمته : أنه الأول ليس قبله شيء، وأنه خلق هذه المخلوقات العظيمة، فهو العظيم خالق المخلوقات العظيمة، ومنها: العرش، والقلم، والسماوات، والأرض.

وكذلك الحديث الثاني: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء ، وعرفنا من عظمته : أنه علم المقادير قبل أن تقع، وأنه كتبها، وكتابة المقادير، يعني كتابة كل شيء يحدث في العالم إلى قيام الساعة، كتابة كل شيء، هذا شيء أمر لا يستطيع العقل أن يتخيله، شيء عظيم هائل، كم معلومة؟ كم حدث في العالم؟ كم حركة؟ كم سكنة؟ كله مكتوب، كله كتبه سبحانه علمه وكتبه، هذا يدل على عظمته.

ثالثا: حديث جبير بن مطعم: أنه سمع النبي ﷺ يقرأ في المغرب بالطور: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ  [الطور: 35] الآيات.. فقال: "كاد قلبي أن يطير" [سبق تخريجه]، وهذا يدل على عظمة الله الذي خلقهم من العدم، وأنه لا بد من القول، بذلك لا بد من القول أن هناك خالقا خلق من العدم هل: خلقوا أنفسهم؟ هل خلقوا السماوات والأرض؟ هل جاؤوا من لا شيء بدون موجد؟

والحديث الرابع: حديث أنس في الرجل العاقل من أهل البادية الذي جاء، وفيه من عظمة الله -تعالى- أن هذا الأعرابي لما قال: "فبالذي خلق السماء وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال: آلله أرسلك؟"[سبق تخريجه] فاستدل على عظمة الله بهذه المخلوقات العظيمة التي خلقها.

والحديث الخامس: حديث: الميثاق، فإن الله -تبارك وتعالى- أخذ من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة، من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه، ولا شك أن هذا يدل على عظمته تعالى، فهو على كل شيء قدير، استخرج من صلب آدم كل ذريته ونثرهم بين يديه -سبحانه-، وأشهدهم على أنفسهم، فهذا يدل على عظمته.

والحديث السادس: قال الله ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة  [سبق تخريجه]، وهذا دال على عظمته -عز وجل-؛ لأنه خالق من العدم حتى هذه الأشياء الدقيقة التي تحدى خلقه تحدى أحدا أن يخلق مثلها لا حبة ولا ذرة ولا شعيرة، فكيف بخالق الأرواح في الأجساد -سبحانه-.

السابع: حديث: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته  [رواه البخاري: 3276، ومسلم: 134].

إذن، هذا دال على عظمة الله فإنه لا أحد خلقه بل هو خلق كل شيء خلق، ولم يُخلق، بل يَخلق سبحانه هذا من عظمته، وقد تحدى الله الخلق في مسألة الخلق تحدى الثقلين، في مسألة الخلق أن يخلقوا مثله: أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ [النحل: 17]؟  هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ  [فاطر: 3]؟  أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ  [فاطر: 40]؟ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ  [لقمان: 11]؟

هذه مسألة تحدي الخلق دلالة على عظمة الله.

وكذلك الوساوس هذا الذي يأتي به الشيطان محاولة لتشكيك العبد في الله فإن عظمة الله تأبى هذه الوساوس، يعني أنت الآن إذا جاءت الوساوس هذه في نفسك ما الذي يردها؟

أن تعلم أن الله أعظم من هذا، أعظم مما يصوره الشيطان، فإذا آمنت بعظمته رددت هذه الوساوس.

نص الحديث الثامن

00:06:17

الحديث الثامن:  إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه  [رواه مسلم: 179].

شرح الحديث الثامن

00:06:45

هذا الحديث العظيم دال على عظمة الله -تعالى- وقيوميته على خلقه، فمن عظمته: أنه لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، ولا يليق به أن ينام؛ لأنه حي، له الحياة الكاملة، والنوم يتنافى مع الحياة الكاملة، والنوم موتة صغرى، والله -عز وجل- لا يموت ولا ينام، والجن والإنس يموتون وينامون، والقيوم القائم بذاته لا يحتاج إلى أحد سواه، لا يقيمه أحد وهو يقيم كل أحد، به قامت السماوات والأرض، وقام الخلق، ولولاه ما قام أحد، وهو سبحانه يقوم بأمور السماوات والأرض ومن فيهن، ويدبر أمور السماوات والأرض وسكانها.

قامت به سبحانه فهو الذي أوجدها وأمدها وأعدها، وهو الذي يزودها بما فيه بقاؤها وصلاحها وقيامها فهو غني عن كل أحد ولا أحد يستغني عنه، افتقرت إليه الموجودات.

الحي له الحياة الكاملة، غير مسبوق بعدم ولا يلحقه فناء -سبحانه-، وله السمع والبصر والقدرة والعلم والحكمة -سبحانه-.

من تمام حياته وقيوميته أنه لا ينام، قال -تعالى- في كتابه العزيز: اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ  [البقرة: 255] السنة النعاس، لا ينعس ولا ينام، والنوم أخو الموت، لا تعتريه سنة مقدمات النوم، ولا النوم نفسه، وهذا نقص لا يليق بالله، ولذلك فإن ربنا منزه عنه سبحانه، والنائم يغيب عما حوله، والله لا يغيب عنه شيء: وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ  [يونس: 61]، والنوم غفلة والله لا يغفل عن شيء -سبحانه-، والنوم راحة من التعب، والله ما يمسه لغوب، اللغوب: التعب، ولا الإعياء، فله الحياة الكاملة والقيومية، يدبر أمور العالم العلوي والسفلي، ويحيي ويميت، ويرزق ويخلق، ويفني يغني يفقر، يرفع أقواما يضع آخرين، يعز ويذل، ويخفض ويرفع، ويقيل العثرات، ويفرج الكربات، وينفذ أقداره في خلقه، ويرسل ملائكته كما يريد بما يريد فكيف ينام؟

لا يمكن.

وقوله ﷺ في الحديث: يخفض القسط ويرفعه  [رواه مسلم: 179] ما معنى   يخفض القسط ويرفعه ؟

القسط هو العدل والميزان، وسمي الميزان قسطا؛ لأن القسط يقوم بالميزان، ويعرف بالميزان، وبالميزان يقع العدل.

والمراد بالميزان الشيء الموزون، فالله يخفض القسط ويرفعه، يعني يخفض الميزان ويرفعه بما يوزن فيه من أرزاق العباد النازلة، وأعمالهم الصاعدة، فيخفض الميزان تارة فيضيق رزقا لحكمة، ويرفعه تارة فيوسع لحكمة، ويوفق لطاعة، ويخذل بمعصية، عدلا منه وحكمة، قال وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ [الحجر: 21] هذا شرح العبارة كما في "المفهم" للقرطبي و"شرح النووي على صحيح مسلم" و "مرقاة المفاتيح".

والله -تعالى- يحكم في خلقه بميزان العدل فمن عمل ما يستحق الرفع رفعه، ومن عمل ما يستحق الخفض خفضه، ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة: عرشه على الماء، وبيده الأخرى الميزان، يخفض ويرفع  [رواه البخاري: 7411].

وعن النبي ﷺ في قول الله -تعالى-: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن: 29] قال:  من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويخفض آخرين [رواه ابن ماجه: 202، وحسنه الألباني].

وقال بعض الشراح: القسط هو الرزق، والمعنى يخفض الرفع بتضييقه ويرفعه بتوسيعه فيضيق ويوسع كما يشاء لحكمة وهو الحكيم -سبحانه-، والرزق هو قسط كل مخلوق، يعني لماذا سمي الرزق قسطا؟

لأنه نصيب قسط كل مخلوق، الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده، ويقدر له، يبسط عكس يقدر، يقدر يعني يضيق:  وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ  [الأنبياء: 87] يعني لن نضيق.

إذن، يقدر يعني يضيق، وليس معناه يستطيع هنا، قال الله: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  [العنكبوت: 62].

وقيل: القسط هو العدل نفسه.

إذن، قيل القسط هو الميزان، والمقصود الموزون.

وقيل: القسط هو الرزق.

وقيل: القسط هو العدل نفسه، ويراد به الشرائع والأحكام؛ كما قال تعالى:  لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد: 25].

فإذن، أنزلنا النصفة في الأحكام، والعدل المأمور به؛ كما قال تعالى في الآية الأخرى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ  [النحل: 90]،  لِيَقُومَ النَّاسُ بالشرائع التي أنزلها الله.

إذن، تارة يرفعه بمعنى يغلبه ويظهره.

إذا كان معنى القسط الشرائع، إذا كان معنى القسط الشرائع والأحكام فما معنى يخفض القسط ويرفعه في هذه الحالة؟

نقول: يغلب دينه بوجود الأنبياء وأتباعهم العاملين به، ويخفضه تارة إذا ذهبت النبوة من الأرض ذهب أتباع الأنبياء أو قلوا جدا؛ كالمدة التي كانت قبل بعثة نبينا ﷺ مباشرة، ماذا كان الوضع في الأرض؟

 إن الله نظر إلى أهل الأرض  في ذلك الوقت قبل بعثة محمد ﷺ فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب [رواه مسلم: 2865].

فإذن، قد يشاء سبحانه أن الشرائع تنحصر بغياب النبوة، غياب أتباع الأنبياء يقلون جدا، يصير مثلا الجاهلية طاغية في الأرض، يصبح أهل الحق قلة، ويوسع فيجعلهم يغلبون وينتشرون ويفتحون البلدان ويهيمنون، هذا من شأنه -سبحانه-، ولذلك لو الواحد قال: المسلمون الآن في هزائم وفي ضعف، والكفار متسلطون ويتحكمون في العالم، والمسلمون ما لهم حول ولا قوة ولا طول؟

نقول: هذا من شأنه -سبحانه- يخفض ويرفع حتى في الشرائع، لكن لما بعث محمدا ﷺ أذن -سبحانه- ببقاء طائفة منصورة، لا تفنى ولا تنتهي، ظاهرين، وأذن -سبحانه- بأن الإسلام سيعم الأرض حتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين.

ولذلك من الأشياء التي تذهل أعداء الدين: أنه برغم من كل الضربات المتتابعة القوية، البطش الذي يفعلونه، لكن الإسلام ينتشر، هذا شيء عجيب! هذا غريب جدا! هم الآن في حيرة، ما في شيء من حرب الدين ما سووه، ما فيه؟! ما في شيء ما سووه في المسلمين في البلاد والعباد من مذابح تشريد تهجير تدمير احتلال النهب سلب غزو عقدي غزو أخلاقي في الأخلاق في كذا، تدمير الإعلام والتعليم؟

ومع ذلك العجيب مع ذلك أن إحصاءاتهم تقول: أن عدد المسلمين يزداد أكثر من أي دين آخر في العالم، وأنه ما بقي كثير ما بقي الكثير حتى يصير المسلمون في العالم أكثرية، عندهم تقديراتهم 2070، و 2070 ما بقي له خمسين سنة؟ خلاص هم يقولون عما قليل 2030 ربع 2050 الثلث 2070 فوق النصف، خلاص، فهذا مدهش، هذا محير.

وهذا يفسر أحيانا الحنق على الدين، يعني لما للدرجة؟! لماذا يعني يفعلون كل هذا؟

كل هذا المكر والتقتيل والتشريد؛ لأنه واحد حاقد يضرب يضرب يضرب، والمضروب ينتشر، ما هذا؟ ما الحل؟ ما عندهم حل.

قوله ﷺ: يخفض القسط ويرفعه  مناسب لقوله: ولا ينبغي له أن ينام  طبعا فالذي يخفض ويرفع ويقدر بميزان، والانتشار والانحسار، وكل شيء بقدر عنده كيف ينام؟

ما يمكن أن ينام وهو يقدر هذه الأشياء -سبحانه-، والله -تعالى- يخفض من يشاء، ويرفع من يشاء، ويوسع الرزق لمن يشاء، ويضيق على من يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير -سبحانه-.

وقوله ﷺ:  يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل  [رواه مسلم: 179].

وفي رواية:  ويرفع إليه عمل النهار بالليل، وعمل الليل بالنهار  [رواه مسلم: 179] فالمعنى يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار الذي بعده، وعمل النهار قبل عمل الليل الذي بعده، هذا المعنى، معنى الرواية الثانية   يرفع إليه عمل النهار  في أول الليل الذي بعدهن  ويرفع إليه عمل الليل في أول النهار  الذي بعده، فإن الملائكة يصعدون بأعمال الليل بعد انقضائه، متى يصعدون بأعمال الليل إلى الله؟

لما يطلع الفجر يعني في أول النهار.

ومتى يرفعون أعمال النهار؟

إذا غربت الشمس وانتهى النهار، يعني يصعدون بها بعد المغرب، يعني في أول الليل؛ كما جاء في حديث النبي ﷺ:  يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون [رواه البخاري: 555، ومسلم: 632].

طبعا رفع الأعمال إلى الله فيها إشارة إلى علو الله على خلقه؛ لأن الرفع إلى فوق؛ كما قال تعالى:  إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: 10].

لماذا؟

لأن الرحمن على العرش استوى فوق سماواته على عرشه، وقال: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ [الملك: 16]، وقال: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى  [الأعلى: 1].

مواقيت رفع أعمال العباد

00:22:23

وقد دلت النصوص على أن رفع الأعمال إلى الله على ثلاثة أنواع: الرفع اليومي، والرفع الأسبوعي، والرفع السنوي.

أما الرفع اليومي كل يوم مرتين ترفع الأعمال بالليل وبالنهار كما دلت عليه حديث الملائكة التي تصعد بالأعمال.

النوع الثاني: العرض الأسبوعي يومي الاثنين والخميس مرتين كما جاء في حديث تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين، يعني في كل أسبوع، وسمي الأسبوع جمعة بأعظم يوم فيه، فيقال: جمعة وجمعتان وثلاث جمع، والمقصود أسبوع وأسبوعان وثلاث أسابيع، قالت: تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين: يوم الاثنين ويوم الخميس؛ فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا  يعني يتراجعا ويصطلحا [رواه مسلم: 36].

كان إبراهيم النخعي -رحمه الله- من السلف يبكي إلى زوجته، وتبكي إليه يوم الخميس، فيقول: "اليوم تعرض أعمالنا على الله ".

النوع الثالث: العرض السنوي ترفع أعمال العام كله جملة واحدة في شهر شعبان؛ كما دل عليه حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم [رواه النسائي: 2357، وهو حديث حسن].

طيب رفع عمل الإنسان كله متى يكون؟

إذا مات تطوى صحيفته ترفع إلى الله.

ويستحب للمسلم الازدياد من الطاعات في أوقات الرفع والعرض، أوقات رفع الأعمال إلى الله وعرض الأعمال على الله، ولذلك كان من هديه ﷺ: صيام الاثنين والخميس، والإكثار من الصيام في شعبان، والتزود من الأعمال الصالحة في الليل والنهار.

وقد خصت الشريعة صلاتي الفجر والعصر بمكانة عظيمة، أن أعظم الصلوات الفجر والعصر، هذا المعنى فيها وقت صعود الأعمال إلى الله.

عظمة الله

00:26:12

جملة في الحديث دالة على عظمة الله قوله: حجابه النور  النور نوعان بالنسبة لله -تعالى-: نور هو صفته، ونور هو خلقه، نور الصفة غير مخلوق، نور ذاتي، النور الذي خلقه منه الحجاب الذي احتجب به عن خلقه، هذا النور الحجاب هذا مخلوق، ونور السماوات والأرض والأنوار الأخرى نور الهداية، النور الذي يقذفه في قلب عبده المؤمن.

إذن، في نور هو صفته سبحانه، هذا غير مخلوق من صفاته، وفي نور خلقه، وهو أنواع كثيرة، النور الذي خلقه أنواع كثيرة، قال تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  [النــور: 35] يعني ينور السماوات والأرض ومن فيهن، وبنوره يهتدي أهل السماوات والأرض، وبنوره أنار العرش والكرسي، والشمس والقمر، والنور الذي استنارت به الجنة والنور، هذا أشار إليه ابن القيم -رحمه الله- في "النونية" فقال:

نور السماوات العلى من نوره والأرض كيف النجوم والقمران
من نور وجه الرب جل جلاله وكذا حكاه الحافظ الطبراني
فبه استنار العرش والكرسي مع سبع الطباق وسائر الأكوان
وكتابه نور كذلك شرعه نور كذا المبعوث بالفرقان

يعني محمد ﷺ نور أيضًا.

وكذلك الإيمان في قلب الفتى نور على نور مع القرآن

 وكذلك الإيمان في قلب عبده المؤمن،  مَثَلُ نُورِهِ ‌كَمِشْكَاةٍ ‌فِيهَا ‌مِصْبَاحٌ.. الآية.

وحجابه نور فلو كشف الحجاب لأحرقت سبحاته الأكوان
وإذا أتى للفصل يشرق نوره في الأرض يوم قيامة الأبدان

وإذا أتى للفصل، يعني يوم القيامة إذا جاء الله لفصل القضاء، ماذا قال الله في كتابه بشأن النور في ذلك المقام عند مجيء الله؟

 وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ  [الزمر: 69].

وكذاك دار الرب جنات العلى نور تلألأ ليس ذا بطلان

 [الكافية الشافية، ص: 212].

الله -عز وجل- احتجب عن خلقه بالنور، والنور هذا له شعاع عظيم فلا تخترقه العيون.

فإذن، حجابه النور، هذا الحجاب الذي هو النور -كما قلنا- المخلوق، وهو الذي رآه النبي ﷺ ليلة المعراج، لما قال:  رأيت نورا ، فأي نور الذي رآه؟ قالوا: نور الحجاب.

قال: رأيت نورا  [رواه مسلم: 292].

أما نور وجهه وذاته -سبحانه- فهو من أوصافه، وهذا غير مخلوق، هذا من صفات الله كعلمه وحكمته ونوره -سبحانه-، قال: لو كشفه  يعني الحجاب هذا الذي احتجب به عن خلقه حجاب النور  لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه [رواه أحمد: 19632، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"] السبحات الجلال والبهاء، والله بصره محيط بكل المخلوقات، لا يفوته شيء فلا يحتجب عنه شيء من مخلوقاته، وهو محتجب عن مخلوقاته، فلا يحجبه، لا يحجب المخلوقات، لا يمكن أن تحتجب عن الله، لكن الله -عز وجل- احتجب عن مخلوقاته بحجاب النور، وبصره محيط بجميع المخلوقات لا يفوته شيء.

وقوله: ما انتهى إليه بصره من خلقه  يعني كل الخلق ما في شيء ما ينتهي إليه بصر الله، ما في شيء يخفى على الله، ما في شيء لا يدركه بصر ربنا، بصر ربنا يدرك كل شيء.

فإذن، بصره محيط بجميع مخلوقاته، لا يفوته شيء منهم، ولا يستره ساتر ولا يحول دونه حائل.

فالمراد ما انتهى إليه بصره من خلقه، يعني كل المخلوقات، لو كشف الله الحجاب هذا المانع من رؤيته -تعالى-، فتجلى لخلقه لأحرقهم جميعا، لأحرق نور وجهه كل الخلق، ولذلك لما تجلى للجبل شيء يسير من الرب -عز وجل- ساخ الجبل في الأرض وتدكدك، وَخَرَّ موسَى صَعِقًا  [الأعراف: 143]، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا، قاعا صفصفا.

إذن، من رحمته حجاب النور، هذا لولا حجاب النور كنا احترقنا، ومن يقوى؟ ما يمكن، قال ابن القيم -رحمه-: فإذا كانت سبحات وجهه الأعلى لا يقوم لها شيء من خلقه، ولو كشف حجاب النور عن تلك السبحات لاحترق العالم العلوي والسفلي، فما الظن بجلال ذلك الوجه الكريم وعظمته وكبريائه وكماله وجلاله؟" [الصواعق المرسلة: 3/ 1083] لما يقوي أبصار المؤمنين في الجنة حتى يروه فأي شيء سيرون لا يخطر بالبال؟

الآن لو كشف الحجاب لأحرقت سبحات وجهه العالم العلوي والسفلي فما بالك بالمؤمنين عندما ينظرون إلى جلال وبهاء وجمال وجه في الجنة؟

نسأل الله أن يجعلنا من أهل ذلك.

إذن، هذا هو حديث عظيم في عظمة الله، الحديث هذا من الأحاديث العظيمة في عظمة الله.

نص الحديث التاسع

00:34:31

الحديث التاسع: يا عبادي  هو حديث قدسي، حديث جليل قدسي يرويه نبينا ﷺ عن ربنا يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما؛ فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته؛ فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته؛ فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا؛ فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعني فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد  يعني منكم  ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني -كل واحد يسأل كل ما لديه- فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر  يعني لو غمست إبرة في البحر وأخرجتها كم نقص البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه [رواه مسلم: 2577].

شرح الحديث التاسع

00:36:48

هذه ألفاظ الحديث، هذا واضح يعني تقع في النفس موقعا عظيما، يعني -سبحان الله- الوحي يعرف، ألفاظ الوحي تستطيع أن تميز بينها وبين كلام الناس العادي، يعني مثل هذا من يأتي بمثله؟

هذا حديث قدسي، وليس بقرآن، القرآن أعلى وأجل وأبلغ ومعجز.

الحديث هذا رواه مسلم، حديث عظيم جليل شريف القدر، دال على عظمة ربنا ، كان أبو إدريس الخولاني من كبار السلف -رحمه الله- إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه.

الحديث هذا رواته إسناده شاميون.

نحن نعرف أن الصحابة انتشروا في الأمصار ففي صحابة راحوا على الشام، وفي صحابة راحوا إلى مصر، وفي صحابة راحوا إلى العراق، وهكذا.. هذا الحديث شامي، يعني انتشر من الصحابي الذي بالشام، هناك حدث به وانتشر عنه، فرواته كلهم شاميون، ولذلك قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "ليس لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث"، أو قال هو أشرف حديث لأهل الشام، يعني أهل الشام رووا أحاديث يعني طلبة العلم الذين بالشام المحدثون، رووا تابعوهم رووا عن الصحابة، وتابعو التابعين رووا عن التابعين، وتابع تابع التابعي روى عن تابع التابعي، وهكذا.. هذا الحديث شامي، قالوا: رواته من أهل دمشق، فهو مسلسل بالدمشقيين، هذا الحديث إسناده مسلسل بالدماشقة، كما ذكر النووي -رحمه الله- في كتابه "الأذكار"، وكذلك ابن رجب في "جامع العلوم والحكم".

لكن الحديث حديث جليل، يعني فقرات الحديث فيها تصيب يعني قلب المؤمن هيبة رب العالمين.

تنزيه الله عن الظلم

00:39:43

 يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي  بدء الحديث بتحريم الظلم، والظلم محال في حقه -سبحانه-، لقد حرمه على نفسه.

الظلم وضع الأشياء في غير مواضعها، الله نفى الظلم عن نفسه في آيات كثيرة، ومنها: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [فصلت: 46]، إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا [يونس: 44]، وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا  [الكهف: 49]، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ [الزخرف: 76]، إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء: 40]، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ [غافر: 31]، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [فصلت: 46]،  وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [ق: 29].

فأخبر تعالى عن تحريم الظلم على نفسه، ونفى عن نفسه فعل الظلم، وإرادة الظلم؛ كما ذكر ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" قال ابن القيم: "قد ‌اتفق ‌أهل ‌الأرض ‌والسماوات على أن الله -تعالى- عدل لا يظلم أحدا، حتى أعداءه -لا يظلمهم، حتى لو فعلوا أفعالا خيرية، وهم على كفر وشرك، ولن يعطيهم شيئا يوم القيامة، من عدله: أنه يعطيهم في الدنيا صحة ومالا وشهرة، وأولادا، في الآخرة ليس لهم عند الله من خلاق ولا نصيب- المشركين الجاحدين لصفات كماله، فإنهم مقرون له بالعدل ومنزهون له عن الظلم، حتى إنهم ليدخلون النار وهم معترفون بعدله، -يكونون على قناعة كاملة باستحقاقهم لدخولهم النار، ما في أحد يدخل النار يوم القيامة إلا وهو مقتنع تماما باستحقاقه لدخول النار- كما قال تعالى: فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ [الملك: 11] ، وقال تعالى: يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ  [الأنعام: 130]" [مختصر الصواعق، ص: 231] يعترفون يوم القيامة اعترافا كاملا، ما في واحد يقول: لا.

طبعا في البداية في محاولات، في النهاية اعترافات، في البداية الكفار يوم القيامة يحاولون يجادلون بعدين خلاص يستسلمون: بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [الصافات: 26]، فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ  [الملك: 11]،  قَالُوا بَلَى [الملك: 9]، يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا [الأنبياء: 97]،  وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ [الأعراف: 37].

والله خلق السماوات والأرض بالحق وبالعدل، قال: وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [الرحمن: 7-9].

إذن، خلق السماوات والأرض بالعدل، وأراد أن يقوم العدل، وإن الله يأمر بالعدل والإحسان،  وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً [الأنعام: 115] صدقا في أخباره، وعدلا في أحكامه، والله يقضي بالحق، ويوم القيامة يفصل بينهم بالعدل:  وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47].

لما حرم تعالى الظلم على نفسه حرمه بين عباده، قال: وجعلته بينكم محرما فلا تظَالموا أو تظّالموا  يعني لا تتظالموا، يعني لا يظلم بعضكم بعضا، وهذا توكيد لقوله: وجعلته بينكم محرما  وزيادة تغليظ في تحريمه؛ كما ذكر النووي في "شرح مسلم"، فحرام على كل عبد أن يظلم غيره.

والظلم نوعان: ظلم العبد لنفسه، وظلم العبد لغيره، ظلم العبد لنفسه بما يوردها من الذنوب والمعاصي وعلى رأسها الشرك: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13]، يجعل المخلوق مكان الخالق، أي ظلم أعظم من هذا؟ ما قلنا إن الظلم وضع الأشياء في غير مواضعها، فكيف يكون الشرك ظلما؟

لأن المشرك يضع المخلوق مكان الخالق، ويعطي المخلوق حق الخالق، أو شيئا من حق الخالق، فهذا وجه كون الشرك ظلما، من الناحية اللغوية الظلم وضع الشيء في غير موضعه.

والظلم الثاني: ظلم العبد لغيره، وهذا المذكور في هذا الحديث، وفي الحديث الآخر: الظلم ظلمات يوم القيامة [رواه البخاري: 2447، ومسلم: 2579]، وحديث: من كانت له مظلمة لأخيه [رواه البخاري: 2449] المقصود به ظلم الغير.

الافتقار إلى الله

00:46:11

ثم قال: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم  أمرنا أن نطلب منه أمرين دينين، وأمرين دنيويين.

فما هو الدينيان؟

طلب الهداية، والثاني: طلب المغفرة.

والأمران الدنيويان: طلب الطعام، وطلب الكسوة.

إذن، فيها تعليم العباد وأمر العباد بسؤال الله اللجوء إلى الله، سؤال الله الحاجات الدينية والدنيوية  فاستهدوني  فاستغفروني ، وكذلك: فاستطعموني   فاستكسوني ، هذه يعني التي تفلت النظر، يا ابن آدم اسأل ربك حاجاتك الدينية والدنيوية، اسأل ربك، ألح على الله، اطلب، الجأ إليه، أنزل حاجتك به إذا سألت فاسأل الله [رواه أحمد: 2763، وقال محققو المسند: "حديث صحيح"] هذا توحيد.

وقد جاء في لفظ آخر: يا بني آدم كلكم كان ضالا إلا من هديت، وكلكم كان عاريا إلا من كسوت، وكلكم كان جائعا إلا من أطعمت، وكلكم كان ظمآنا إلا من سقيت، فاستهدوني أهدكم، واستكسوني أكسكم، واستطعموني أطعمكم، واستسقوني أسقكم [رواه أحمد: 21420، وصححه محققو المسند].

إذن، الخلق مفتقرون إلى الله، إذن العباد لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، إذن الطعام والكسوة يحتاجونه، السقاية يحتاجونها، وكذلك يحتاجون المغفرة، ويحتاجون الهداية: وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ [الإسراء: 97]، مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا [فاطر: 2]،  فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ [العنكبوت: 17]،  رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ  [الأعراف: 23].

ماذا فعل إبراهيم ؟

انظر إلى تطبيق إبراهيم للحديث: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين ِ* وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِين * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء: 77-82] فخزائن الأشياء عنده: وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ [الحجر: 21].

فهو يهدي ويضل، ويغفر ويعذب، ويرحم ويعطي ويمنع، يخفض ويرفع، يوسع في الرزق ويضيق، يطعم ويحرم، ولذلك لا بد من اللجوء إليه، الأمور عنده وهي بيده.

زد على ذلك أن الله يحب من الناس أن يسألوه، الله يحب المسألة؛ لأن فيها توحيد؛ لماذا؟

أولا: أنت تسأله معناها أنت تعتقد أنه يقدر على أن يجيبك، ويقدر على أن يعطيك سؤلك مهما كان.

ثانيا: أن اللجوء إلى الله هذا فيه افتقار، فيه إظهار حاجة، فيه إظهار المذلة، الله يحب هذا، جاء في الحديث: ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع [رواه الترمذي: 3604، وضعفه بعضهم].

لكن المقصود يسأل الله كل شيء حتى شسع النعل.

 كان بعض السلف يسأل الله كل حوائجه حتى ملح عجينه، وعلف شاته.

اسأل الله كل شيء، ما تقول لا ما يليق بالله أن أسأله وجبة طعام، لا كيف اسأل، لا تنظر إلى الشيء الذي تسأله أنت هي وجبة طعام، انظر إلى ذات السؤال: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ  [القصص: 24].

سؤال الله الهداية

00:51:52

قضية الهداية من الله  فاستهدوني أهدكم .

اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا

ونحن نحتاج إلى الهداية أعظم من حاجتنا إلى الطعام والشراب.

والهداية للصراط المستقيم نسألها يوميا مرات كثيرة.

و اهدنا لأحسن الأخلاق ، و  اللهم إني أسألك الهدى والتقى .

الهدى تشمل العلم النافع، الصراط المستقيم طريق الحق.

اهدنا للأخلاق الفاضلة.

أما الطعام بجميع أنواعه كل شيء غذاء فاكهة دواء كل مطعوم.

اللباس: كلكم عار إلا من كسوته ، وهذه الكسوة زينة  أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا [الأعراف: 26]. استكسوني اسألوني الكسوة، الكساء الجميل الظاهر، والكساء الباطن الأجمل:  وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ  [الأعراف: 26].

 يا عبادي إنكم تخطؤون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم  والاستغفار طلب المغفرة من الله.

لاحظ أنه قال: إنكم تخطؤون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم  معناها مهما بلغت ذنوبكم بالليل وبالنهار ومتواصلة لا تيأسوا من طلب المغفرة  أغفر لكم  حتى لو ملأتم الليل والنهار ذنوبا: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ  [التوبة: 104]،  وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى  [طـه: 82]، والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله لغفر لكم  [رواه أحمد: 13493، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره"].

تأمل كيف قال  الذنوب وأنا أغفر الذنوب جميعا  الألف واللام تفيد الاستغراق، ولاحظ  جميعا  يعني إذا سألت الله بصدق المغفرة ما هو يقتصر المغفرة ربعها ونصفها وثلثها جميعا،  وأنا أغفر الذنوب جميعا حط أملك فيها، والله يستر على المذنبين والعصاة.

ختم الأحاديث بهذه العبارات العظيمة الدالة على عظمته، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني  مهما فعلتم، لن تبلغوا ضره، ولن تستطيعوا أن تضروه بشيء، إِنَّهُمْ ‌لَنْ ‌يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا  [آل عمران: 176]،  وَمَنْ ‌يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا  [آل عمران: 144]، وَقَالَ ‌مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ  [إبراهيم: 8]، كما أنكم لن تنفعوني بشيء  لَنْ يَنَالَ اللَّهَ ‌لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ  [الحـج: 37]، ولو كان كلكم على أتقى قلب رجل لن تنفعوه بشيء، ولو كلكم على أفجر قلب رجل كل العالم لن تضروه بشيء، ففي النهاية فلو كلكم سألتم الله بكل مسألة يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض  فإنه لم يغض ما في يده ما نقص شيء من خزائنه -سبحانه- أبدا، لما ضرب المثل بهذه الإبرة إذا دخلت البحر ما راح تخرج؟ شيء يسير جدا جدا، هذا مثل للتقريب، ولو أنهم كلهم وقفوا في صعيد وسألوه ما ينقص عنده ولا شيء.

نسأل الله سبحانه وتعالى، أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وأن يتوب علينا، وأن يجعلنا ممن يحمده يوم يلقاه، إنه سميع مجيب.

وصلى الله على نبينا محمد.