الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد تقدّم في الأبواب الماضية ما جاء في عمامة النبي ﷺ "وأنها كانت سوداء، وأنه كان إذا اعتمّ سدل عمامته بين كتفيه" [رواه الترمذي: 118، وصححه الألباني في مختصر الشمائل: 94].
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أن النبيﷺ خطب الناس وعليه عمامة دسماء". حديث صحيح. وهي المتلطخة بدسومة شعره من الطيب، حتى صار لونها كلون الدسم.
وجاء عند البخاري: "أنه خرج ﷺ في مرضه الذي مات فيه بملحفة قد عصب بعصابة دسماء".
وعن أنس بن مالك قال: مر أبو بكر والعباس -رضي الله عنهما- بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون، فقال ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي ﷺ منا، فدخل على النبي ﷺ فأخبره بذلك، فخرج النبي ﷺ وقد عصب على رأسه حاشية بُردٍ، فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أوصيكم بالأنصار فإنهم كَرِشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم [رواه البخاري: 3799].
وفي هذا الحديث أن صحابته الذين كانوا يجلسون معه في مرض موته خشوا أن يموت فيفقدوا مجلسه؛ فبكوا حزنًا على ذلك، فلما علم بهم خرج إليهم يوصيهم ويودعهم، وأخبرهم عن الأنصار، فقال: أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي يعني: بطانتي وخاصتي، أي: موضع سري وأمانتي، وهذا من الكلام الموجز؛ عيبة نصح مقربون منه، بطانة خاصة، موضع السر والأمانة.
وقد قضوا الذي عليهم : بايعوا بيعة العقبة الأولى والثانية، وآووه، ونصروه، وقاتلوا معه، وضموا أصحابه وآووهم، هؤلاء الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ [الحشر: 9]، ولا يجدون في أنفسهم حاجة مما أوتي المهاجرون من الخير، ولا يحسدونهم حسدًا مذمومًا، وإنما يغبطونهم الغبطة الممدوحة، هؤلاء قضوا الذي عليهم، بقي الحق الذي لهم؛ فعليكم بإكرام الأنصار.
وخرج ﷺ بهذه العمامة، خرج وقد عصب رأسه بحاشية بردٍ، فهذا مما كان يعصب به رأسه.
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "كانت له ﷺ عمامة تُسمّى السحاب، كساها عليًا، وكان يلبسها ويلبس تحتها القلنسوة، وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة، ويلبس العمامة بغير قلنسوة، وإذا اعتمّ أرخى عمامته بين كتفيه"، طرفها أرخاه بين كتفيه، قال ابن القيم -رحمه الله-: "لم تكن عمامة المصطفى كبيرة يؤذي الرأس حملها ويضعفه، ولا صغيرة تقصُر عن وقاية الرأس من حرٍ وبرد، بل وسط بين ذلك" [زاد المعاد: 1/130].
فهل لبس العمامة سنة أم لا؟
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله-: "ما فعله النبي ﷺ أنواع:
الأول: ما فعله بمقتضى الجبلّة؛ كالأكل والشرب والنوم، فلا حكم له في ذاته"، يعني: أنت ما تقول النوم سنة أو مستحب مكروه أو واجب، هذا شيء يفعله بأصل الجبلة طبيعي هو بشر أن ينام، لكن قد يكون مأمورًا به أو منهيًا عنه لسبب، فإذا كان للقيام لصلاة الفجر ولو أنه ما نام مبكرًا ما قام للصلاة فيكون مأمورًا أن ينام مبكرًا، لو كان نوم في وقت الصلاة قبل الصلاة بحيث إذا نام ضاعت الصلاة، فيكون هذا النوم منهي عنه، يجب أن يصلي أولًا ثم ينام، وهكذا قد يكون نومًا يعين على الطاعة والعبادة فيكون مستحبًا، فيقول: "ولكن قد يكون مأمورًا به أو منهيًا عنه لسبب"، الأكل إبقاء على الحياة واجب، الأكل السحور استعانة على الصيام مستحب، الأكل زيادة عن الحاجة مكروه، الأكل الذي يضر ويقتل قد ينبشم ويموت من كثرته لا يجوز.
قال: "وقد يكون له صفة مطلوبة كالأكل باليمين أو منهي عنه كالأكل بالشمال.
النوع الثاني من أفعاله ﷺ: ما فعله بحسب العادة" إذن، الأول: ما فعله بحسب الجبلة والطبيعة البشرية، الثاني: ما فعله بحسب العادة، يعني: مثل جريه على عادة بلده أو على عادة الناس معه في اللباس، يلبس مثل الناس يعني، لا يخالف زي الناس المتعارف عليه، هذه العادة.
قال: "كصفة اللباس فمباح في حد ذاته"، فماذا يقال عن العمامة مثلًا؟ مباحة، ماذا لبس؟ قميصًا، ما حكم القميص؟ مباح، لبس إزار ورداء، ما حكمه؟ مباح، فعله بحسب العادة؛ لأنه يلبس مما يلبسه أهل بلده قومه عشيرته.
قال: "وقد يكون مأمورًا به أو منهيًا عنه لسبب؛ لأن النبي ﷺ لبس العمامة لما كان العرب يلبسونها، وكذلك لبس الإزار والرداء، فالسنة إذن: أن يلبس الإنسان ما يلبسه أهل بلده"، هذه هي السنة، فلو كان الإنسان في السودان، ما رأيكم بلبس العمامة، هذا شيء عادي جدًا هكذا يلبسون، لكن لو كان في القاهرة مثلًا، هل من عادتهم لبس العمائم؟ لا، إذن، هو يلبس ما يلبسه أهل بلده، لو واحد مثلًا في هذه البلد، فراح مثلًا يلبس، واحد من أهل البلد، واحد ساكن مثلًا في هذه المدينة - مثلًا مدينة الخبر -، من أهل البلد هذه، طلع علينا بلباس "أندنوسي" لابس هذه الطاقية التي يلبسونها على الشكل الذي يلبسونه خارج علينا أو لابس مثلًا لباس "شيشاني"، قبعة صوف من النوع الذي يلبس في البلاد الثلجية، ماذا يكون؟ لباس شهرة، يرفع الناس إليه أبصارهم يستغربون، ما هذه حفلة تنكرية أو هذا مجنون! ما القضية.
ولذلك يلبس الإنسان ملابس أهل بلده في بلده، يلبس الملابس المتعارف عليها من المتعارف عليها، قال الشيخ:"فالسنة أن يلبس الإنسان ما يلبسه الناس في بلده؛ لأن هذا فعل النبي ﷺ، فالعرب كانوا يلبسون القمص والأزر والأردية والعمائم فجرى على عادات العرب"، وهذا يجب أن يقيد بشيء ما هو؟ أن لا ينحرف أهل البلد في لباسهم؛ لأنه بالذات في هذا الزمن تتغير العادات بسرعة، ملابس البلد ممكن تتغير بسرعة وقد يعتادون لبسًا محرمًا، فإذا اعتاد أهل البلد أن يلبسوا حريرًا هل يلبسه؛ لأن هذا عادة البلد؟ لا، وقد يعتادون الإسبال، فهل يسبل كما يسبلون؟ لا، فإذن، يجب أن يلبس، هو يلبس ولكن يجب أن لا يلبس شيئًا محرمًا ولو اعتاده الناس في بلده.
"الثالث: من أفعاله ما فعله على وجه الخصوصية، فيكون مختصًا به كالوصال في الصوم، والنكاح بالهبة"، لو جاءت امرأة ووهبت نفسها للنبي ﷺ فإن له أن ينكحها خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب: 50] لكن اليوم لو جاءتك امرأة قالت: أنا وهبتك نفسي، ما تستطيع إلا أن تردها إلى وليها، تقول: ارجعي إلى وليك، فإذن، ما يجوز لك أن تتزوجها بهذا، وزواج الهبة هذا الذي يسمونه زواج الهبة في بعض البلدان يفعله الفجار والفساق، وبعضهم يقولون: في غلاء مهور وأبوها لا يريد أن يزوجها، وهناك عوائق، وأحسن من الفاحشة، أنا وإياها زملاء في الجامعة؛ زوجتك نفسي قبلت، وقالب كيك وانتهينا، فهذا حرام؛ لأن المرأة لا تزوج نفسها، المرأة لا تزوج نفسها، قالﷺ: لا نكاح إلا بولي، أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل [رواه الترمذي: 1102، وصححه الألباني في المشكاة: 3131].
قال: "كالوصال في الصوم، والنكاح بالهبة، ولا يحكم بالخصوصية إلا بدليل؛ لأن الأصل التأسي.
والرابع: ما فعله تعبدًا فواجب عليه حتى يحصل البلاغ لوجوب التبليغ عليه، ثم يكون مندوبًا في حقه وحقنا على أصح الأقوال"، قال: "وهذا النوع يشتبه كثيرًا بالأول - الأفعال الجبلية – والثاني -أي: العادات؛ فكيف نكتشفه؟- فينظر فيه إلى ما تظهر ملاءمته للنفس فهو جبلي، وما يلائم عادات الناس فهو عادي، وما يظهر فيه قصد التعبد فهو تعبدي"، فإذن، إذا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- شيئًا ننظر هل فعله جبلة، يعني مثلًا دخل الخلاء، هل دخول الخلاء أن يتكلم سنة أو واجب أو مستحب أو...، هذا بفعل الجبلّة البشر الإنسان يحتاج إلى دخول الخلاء انتهينا، كان يأكل الدباء، ويحب الدباء، القرع، هل أكل الدباء سنة ويؤجر الإنسان عليها؟ لا، هذا بالعادة، هذا نفسه تميل إليه جبلّة، يميل إليه شخصيًا، فلا يقال أكل الدباء أفضل من أكل الكوسة وأكثر أجرًا، وإذا لبس العمامة كذلك يقال هذه لبسها لأنها من عادات أهل بلده، ولو كنت في مكان لا يلبسون العمائم يلبسون طاقية وفوقها مثلًا غطاء للرأس، فتلبس هذا، على ما يلبسه على عادة الناس في بلدهم.
ثم قال الترمذي -رحمه الله-: "باب ما جاء في صفة إزار رسول الله ﷺ".
عن أبي بردة عن أبيه؛ أبي موسى الأشعري ، قال: "أخرجت إلينا عائشة -رضي الله عنها- كساء ملبدًا وإزارًا غليظًا، فقالت: قُبض رسول الله ﷺفي هذين". وهذا حديث صحيح؛ وقد رواه البخاري ومسلم. [رواه البخاري: 3108، ومسلم: 2080].
وقول الراوي: "كِساء" بكسر الكاف؛ ما يستر أعلى البدن، والإزار ما يستر أسفل البدن.
قال النووي -رحمه الله-: "قال العلماء: الملبَّد هو المرقّع، لبّدتُ القميص ألبدِّه ولبدّته ألبدِّه، وهو الذي ثخن وسطه حتى صار كاللبدة" [شرح النووي على مسلم: 14/57].
وقالت: "قبض رسول الله ﷺ في هذين" يعني: في هذين الثوبين، يعني أرادت أنه لبس ثياب خشونة ورثاثة، ومع أنه كان بعد الفتح، وكان بإمكانه أن يلبس أحسن ثياب، ولكنه ما صرف وقته وماله في هذا، وإنما كان قُدوة في الزهد في الدنيا، مع كمال سلطانه واستيلائه على جزيرة العرب، وجهاده خارجها، وقهره لأعدائه؛ ولكن ما اكترث بزخرف الدنيا ولا بمتاعها الفاني، وكان معرضًا عن الاشتغال بملاذها، ولكنه أخذ منها بنصيب، فيجب على الأمة أن تقتدي به وكان يقول: اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا .
وعن الأشعث بن سليم قال: "سمعت عمتي تحدّث عن عمها قال: "بينا أنا أمشي بالمدينة إذا إنسان خلفي يقول: ارفع إزارك؛ فإنه أتقى وأنقى، فإنه أتقى وأبقى فإذا هو رسول الله ﷺ، فقلت: يا رسول الله إنما هو بردة ملحاء، قال: أما لك فيّ أسوة؟ فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه". حديث صحيح.
الأشعث بن سُليم يحدِّث عن عمته: رُهْم بنت الأسود، عن عمها: عبيد بن خالد المحاربي الصحابي، أنه كان يمشي بالمدينة فسمع إنسانًا خلفه يقول: ارفع إزارك ، يا من أسبله حتى وصل إلى الأرض ارفع إزارك، فإنه أتقى يعني: لله، يعني: رفع الإزار تقوى، وأبقى ، وفي بعض النسخ: أنقى ، أبقى: يبقي عليه، وأنقى: أنظف؛ لأنه إذا جر الإزار فإنه يتلطخ بالنجاسات ويتلوث.
وعند الطبراني من حديث الشريد بن سويد ، قال: "أبصر رسول الله ﷺ رجلًا يجر إزاره، فقال: ارفع إزارك، واتق الله . وصححه الألباني. [رواه النسائي في الكبرى: 9602، وصححه الألباني في مختصر الشمائل: 97].
إذن، من التقوى أن الإنسان لا يسبل، وجر الإزار منهي عنه، ومتوّعد عليه بالعقاب، وإذا كان تيهًا وخيلاء فهو أشنع وأبشع.
وفي هذا أن رفع الثوب يقيه من الاهتراء، فهو أبقى للثوب؛ لأن الإنسان لو سحب الثوب على الأرض غير المساعدة المجانية للبلدية، فإن القماش يهترئ، فإذا قلبت طرف ثوب المسبل تراه متآكلًا، فلذلك رفعه عن الأرض أبقى، يعني يبقي عليه، يبقي على الثوب، والنبي ﷺ زجر الصحابي عن الإسبال وأرشده إلى ما يحفظ له ثوبه، ويكون أتقى لربه، فأمره بشيء فيه طهارة القلب، وطهارة القالب.
الصحابي قال: "إنما هو بُردة ملحاء"، الملحاء بياض خالطه سواد، هذا اللون الأملح، فكأن الأعرابي يقول: يا رسول الله، أو كأن الصحابي يقول: يا رسول الله هذه لباس الأعراب، يعني: ليس لباسًا فاخرًا، فكأن الصحابي فهم أن المحافظة على هذا ليست بتلك الأهمية؛ لأن الثوب هذا ثوب أصلًا من ثياب الأعراب ومبتذل ولا يؤبه له، فلماذا أراعي إبقاءها؟ قال: أما لك في أسوة؟ ، ألست قدوة لك، ألا تتابعني، ألا تحرص على التأسي بي، انظر إلي؛ فلما نظر الصحابي للنبي -ﷺ رأى إزاره إلى منتصف ساقيه، فهذا أبقى وأتقى وأبعد عن الكبر والخيلاء، والتأسي بالنبي ﷺ.
وقد وقع نحو هذا الموقف لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "دخلت على رسول الله ﷺ وعلي إزار يتقعقع -يعني: يتحرك ويضطرب- فقال: من هذا؟ قلت: عبد الله، قال: إن كنتَ عبدًا لله فارفع إزارك إلى أنصاف الساقين فرفعت إزاري إلى نصف الساقين، ولم تزل أزرته حتى مات". [رواه الطبراني في الكبير: 13331، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 1436].
هذه الأحاديث فيها مشروعية الإنكار على من أسبل إزاره، وأن تقصير الثياب والتحرُّز عن الإسبال من تقوى رب العالمين، وأن صلاح الظاهر دليل على صلاح الباطن، وتقصير الثياب صحيح أنه عمل ظاهري لكن يدل على تقوى الله في القلب، والحرص على نشر الطاعة والسُّنة، والنهي عن المعصية والبدعة، وأن الإنسان لا يحقر أي شيء من المعروف، ويحافظ على السُّنة حتى لو كانت بهذه الدقة، وأن الإسبال منهي عنه، وأنه إذا كان خُيلاء يكون أشد وأسوأ، وأن النبي ﷺ ما قبِل اعتذاره لما قال هذا قماش بسيط لو اهترأ ليست مشكلة، لا، النبي ﷺ ما قبل اعتذاره على هذا، وفيه أن الداعية يجمع بين القول والعمل؛ لأنه لما أمره ونهاه قال: أما لك فيّ أسوة؟ فكان هو ﷺ قبل ما يتكلم مطبق الحكم وهو يعلم الناس الخير ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، والإسبال إسراف وإضاعة للمال؛ لأن هذا يهترئ ثوبه ويحتاج أنه يفصِّل ثوبًا آخر، وهكذا، وفيه ذم تضييع المال.
وسبق ذكرنا أن هذا -كما قال بعض العلماء- خاص بمن كان إزاره على وسطه؛ لأنه لا ينشمر، يعني لو ركع لا ينشمر، لكن الثوب المعلق على الكتفين لو ركع انشمر، لو أراد أن يجلس انشمر بخلاف الإزار، الإزار المربوط على الحقو على وسط الجسد، هذا يبقى طوله نزل ارتفع، يبقى طوله، الثوب لا؛ لأنه على الكتفين معلق، ولذلك الثوب مهم أنه ما ينزل تحت الكعبين وهما العظمان الناتئان في آخر الساق، بين الساق والقدم، عظمان من يمين وشمال.
المهم أن ثوبك ما ينزل على الكعبين، لكن لا تطالب أن يكون ثوبك إلى نصف الساق ليس واجبًا أصلًا، أما الإزار إذا أردت السنة إذا كنت إذا مثلًا أن تلبس إزار في البيت، بعض الناس يلبس الإزار أو الفوطة في بيته، وقد يلبسها في الحج، وقد يلبسها في الشارع؛ الآن مثلًا في اليمن كيف يمشون في الشوارع؟ بالأزُر، إزار هذا اللباس الرسمي، خنجر وإزار، فإذن، هذا كيف وأين إلى أين يلبسه، السنة في الإزار إلى منتصف الساق.
وعن سلمة بن الأكوع قال: "كان عثمان بن عفان يأتزر إلى أنصاف ساقيه، وقال: هكذا كانت إزرة صاحبي"، يعني: النبيﷺ، ومعنى يأتزر: يلبس إزاره، وإزرة صاحبي: الهيئة التي يلبس عليها الإنسان إزاره.
وفي الحديث بيان الهيئة التي كان النبي ﷺ يلبس إزاره، وأنه كان إلى نصف ساقه الشريفة، وندب أمته إلى هذا، وفيه تأسي عثمان بن عفان بحال النبي ﷺ وأنه كان يعلمها ويفعل مثلها.
وقد جاء في مسند أحمد: عن عبد الله بن محمد بن عقيل سمعت ابن عمر يقول: "كساني رسول الله ﷺ قبطية، وكسا أسامة حلة سِيَرَاءَ، فنظر فرآني قد أسبلت، فجاء فأخذ بمنكبي وقال: يا ابن عمر كل شيء مسّ الأرض من الثياب ففي النار قال: "فرأيت ابن عمر يتزر إلى نصف الساق" [رواه أحمد: 5727، وقال محققه الأرنؤوط: صحيح لغيره].
وفي المسند عن عمرو بن الشريد يحدّث عن أبيه، أن النبي ﷺ تبع رجلًا من ثقيف حتى هرول في أثره، حتى أخذ ثوبه فقال: ارفع إزارك فكشف الرجل عن ركبتيه، فقال: يا رسول الله إني أحنف وتصطك ركبتاي، فقال رسول الله ﷺ: كل خَلْق الله حسن ، ولم يُر ذلك الرجل إلا وإزاره إلى أنصاف ساقيه حتى مات. [رواه الطبراني في الكبير: 7241، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 2682]
فهو كان يغطي دقة ساقيه ويطول الإزار، فقال: كل خَلْق الله حسن يعني: لا يجوز لأحد أن يعيب عليك هذه الخلْقة، وحتى لو جعلت إزارك إلى نصف الساق، وهكذا حافظ عليها الصحابي.
وعن حذيفة قال: أخذ رسول الله ﷺ بعضلتي ساقي أو ساقه، فقال هذا موضع الإزار، عضلة الساق معروف العضلة أين هي، فإن أبيت فأسفل، فإن أبيت فلا حق للإزار في الكعبين، يعني لابد ما ينزل عن الكعبين، يعني يظهر الكعبان لا يغطي الإزار الكعبين، الكعبان مكشوفان، والإزار من فوق، وهذه العضلة وهي العصبة التي معها اللحم، عضلة الساق المحل الضخم منه معروف إلى هنا، فإن أبيت انزل لكن شريطة أن لا يصل إلى الكعبين، لا حق للكعبين في وصول الإزار إليهما، قال: "فإن أبيت فلا حق للإزار في الكعبين".
فإذًا هل يجب أن يلبس إلى نصف الساق؟ ما يجب، لكن الأفضل السنة المستحب الأكمل التي فعلها ﷺ أكثر أجرًا في لبس الإزار وما شابهه إلى نصف الساق، والإزار أو أي ثوب آخر من المهم جدًا أن لا يجاوز الكعبين، فلو واحد راح يفصل ثياب، يقول للخياط لا تنزل على الكعبين، خل على إذا أراد أنزل شيء إلى حد العظمة في آخر الساق، إلى العظمتين فقط، لا حظ للكعبين من الإزار.
وقد روى أحمد عن أنس قال رسول الله ﷺ: الإزار إلى نصف الساق، فلما رأى شدة ذلك على المسلمين قال إلى الكعبين، لا خير فيما أسفل من ذلك . حديث صحيح [رواه أحمد: 12424، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1765].
قال النووي -رحمه الله-: "فالمستحب نصف الساقين، والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين، فما نزل عن الكعبين فهو ممنوع، فإن كان للخيلاء فهو ممنوع منع تحريم، وإلا فمنع تنزيه" [شرح النووي على مسلم: 14/62]؛ والصحيح أن ما نزل عن الكعبين فممنوع مطلقًا سواء للخيلاء أو لغير الخيلاء، وإذا كان للخيلاء فهو أشد.
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله-: "والصحيح أنه حرام سواء كان لخيلاء أم لغير خيلاء، بل الصحيح أنه من كبائر الذنوب، لأن كبائر الذنوب كل ذنب جعل الله عليه عقوبة خاصة به، وهذا عليه عقوبة خاصة ففيه الوعيد بالنار إذا كان لغير الخيلاء، وفيه الوعيد بالعقوبات الأربع إذا كان خيلاء"، ما هي العقوبات الأربع؟ لا ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا يكلمه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم [رواه مسلم: 106].
لو قال قائل: أبو بكر كان شق إزاره يتدلّى وقال: يا أبا بكر لستَ من يفعل ذلك [رواه البخاري: 4085].
نقول: أولًا هات رسول الله يشهد لك أنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء حتى نسلّم، أو تكون مثل أبا بكر الصديق في الإيمان حتى يعلم إنك ما فعلته خيلاء، وثالثًا: أن شق الإزار يتدلى وليس كل الإزار، "إن أحد شقي إزاري يتدلى"، دل شق منهما ودع الآخر مرفوع؟، ورابعًا: أن أبا بكر كان يتعاهده، يعني كان يحاول ما ينزل أسفل، فلا معنى للاحتجاج، يعني ما يقول واحد وبحديث الصديق وهذا حديث الصديق فيه أشياء تفسد استدلال من أراد أن يستدل به على التطويل.
وحديث: ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار ، ومن جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه واضح أنه كلا العملين محرم، تحت الكعبين وإذا كان خيلاء يصير أشد؛ لأنه قال: ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار [رواه النسائي: 5330، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 5595]، و من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه ، وقارون -لعنه الله- أصلًا خسف الله به الأرض كان لبس ثيابه مسبلًا يتبختر فيها فخسف الله به، فهذا إذن ما يتعلق بثياب النبي ﷺ، وسنتحدث في الدرس القادم بمشيئة الله عن مشية رسول الله ﷺ.