الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

15- الأربعون القلبية 15، شرح حديث (قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَتَيْنِ)


عناصر المادة
نص الحديث
شرح الحديث

نص الحديث

00:00:02

الحديث الخامس عشر:
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللهﷺ يقول: لا يزال قلب الكبير شابًا في اثنتين: في حب الدنيا، وطول الأمل[رواه البخاري: 6420].
وفي رواية لمسلم: قلب الشيخ شاب على حب اثنتين: طول الحياة، وحب المال [رواه مسلم: 2458].

شرح الحديث

00:00:26

الكبير يهرم، ويتقدم به العمر، ويشيخ، ويتعب، ومع ذلك تبقى فيه خصلتان لا تهرمان ولا تشيخان ولا تضعفان: حب الدنيا، وطول الأمل، لا تنقطع بالشيخوخة يهرم ابن آدم وتشب معه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمركما جاء في رواية [البخاري: ومسلم: 2459].
لا يزال قلب الكبير شابًا في اثنتينالتعبير بالشاب إشارة إلى القوة والشره في هذا الأمر، وهو الأمل في الحياة، لا زال كأنه يقول: المستقبل أمامي! والعمر قدامي!
والنفس تريد البقاء في الدنيا للاستمتاع واللذات، ومع أن الشيخ بلي جسده، وضعفت قواه، وانحلت، ومع ذلك باق متعلق، مع أن من شأن الشيخ أن يقل حرصه على الدنيا وأمله يقل، بعدما بلي الجسد، ووهنت القوى، واشتعل الرأس شيبًا، والعظم واهٍ، وانتظار الموت قائم، ومع ذلك طول الأمل، محبة طول العمر.
طول الأمل هذا مشكلته أن الإنسان إذا استولى عليه طول الأمل خلاص سيؤجل عمل الصالحات، يقول: ما دام أنا عايش! والعمر أمامي! بعدين!التوبة بعدين! الحج بعدين! كل ما جاء خاطر عمل صالح، يؤجل؛ لأنه يرى أنه سيعيش! العمر أمامه!

فهذا الحديث فيه أن من الآفات  القلبية: طول الأمل، والحرص على المال.
والأمل فيه معنى حسن، ومعنى قبيح، فما كان من الأمل يفسح المجال للعمل، يعني النفس تُقبل على العمل بالأمل، فهو حسن، لولا الأمل ما تهنأ أحد بعيش، ولا طابت نفسه أن يشرع في أي عمل من الأعمال، فما هو المذموم من الأمل؟ وما هو المعنى القبيح؟
الاسترسال فيه والغفلة عن الاستعداد للآخرة، أنت تزرع وتتأمل أن تأكل من ثمره، أليس كذلك؟ ولولا الأمل هذا ما زرعت، أنت تتزوج وتتأمل يأتيك أولاد، ولولا هذا الرغبة في الزواج تقل، فهذا معنى حسن: "اعمل في الدنيا كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا"[الجامع لأحكام القرآن، تفسير القرطبي: 13/314].
وهذه هي المشكلة في القسم الثاني، يعني لا يجد أكثر الناس عناءً في تطبيق الشق الأول: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا" هذه فالحين فيها، لكن "اعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا" هي المشكلة فيها، فالله جعل فينا أملاً حتى يطيب العيش، وإلا ما يتهنأ، لا بدراسة، ولا بزواج، ولا بناء مسكن، ولا تجارة، ولا شيء، إذا ما في أمل، يأس خلاص!لكن "واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا" هنا المشكلة عندما يصبح الأمل مجالاً لتسويف، أو سببًا لتسويف العمل الصالح! تأجيل العمل الصالح! تأخير! بعدين! التوبة بعدين!

وتوطين النفس أن المنية قادمة قريبة مهم للاستعداد، وبعض الناس يقول: يعني أنتم تذكرونا بالموت دائمًا! وتنغصوا علينا عيشتنا! خلونا نعيش؟!
نقول: -طيب- ما معنى حديثابن عمر: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك".
هذا كان يشرح به حديث: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل [رواه البخاري: 6416].
لو الواحد قال: ترى يمكن يجيني الموت بغتة! لازم أتجهز! سيسرع بالأعمال الصالحة، وما أمكن منها، والوصية، أعمال الخير، ترتيب الأمور قبل الانصراف، قبل المغادرة، سيقل حسده وعداوته وحقده، يعني دخلوا بيت أبي ذر، قالوا: يا أباذر ما في أثاث؟ وين الأثاث؟ قال: "لنا  بيت نوجهه إليك".
مثل واحد قالوا: تعال اشتغل أربع سنوات في بلد، وبعدين ترجع لبلدك؟!فأيش أربع سنوات يعني يحط أحسن الأثاث؟! أي شيء يمشي الحال فقط، ويوفر ويرسل للبيت الذي في البلد، على أساس أنه سيعود ويسكن هناك، يعني وأحسن ثلاجة!وأحسن غسالة! وأحسن أثاث! وأحسن كنب ومكيفات! ويرسل!

قالوا لأبي ذر: بيتك ما فيه أثاث؟ قال: "لنا بيت نوجه إليه" كلما حصلنا شيء أرسلناه لذلك البيت، قالوا: لكن لا بدّ لك من شيء هنا؟ قال: "إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه" [ينظر: شعب الإيمان: 13/192] يعني في ناس فاهمين صح! وفي ناس مشكلة!
عابر السبيل سائر في قطع منازل السفر حتى ينتهي به إلى آخر مرحلة الموت.
ومن كانت هذه حاله فهمه تحصيل الزاد، وليس همه الاستكثار من المتاع؛ لأنه هو الآن مسافر، كلما حمل متاعا زيادة كلما كان وبالاً عليه في سفره، ولهذا أوصى النبي ﷺ جماعة من أًصحابه أن يكون بلاغهم من الدنيا كزاد الراكب[رواه أحمد: 23762، وقال محققو المسند: "حديث صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين إلا أنه مرسل"].
قيل لمحمد بن واسع: "كيف أصبحت؟ قال: "ما ظنك برجل يرتحل كل يوم مرحلة إلى الآخرة؟"[جامع العلوم والحكم:1/382]يعني كل يوم يقترب من الموت، كل يوم يتقرب من لقاء الله، كل يوم يقترب من  المصير إلى الآخرة والحساب والجنة والنار.
قال الحسن: "إنما أنت أيام مجموعة كلما مضى يوم مضى بعضك"[جامع العلوم والحكم: 1/382].
قصر الأمل أن يقول: إذا أصبحت يمكن ما أمسي! وإذا أمسى يقول: يمكن ما أصبح! وهكذا..

فإذًا، يشبيعني يشيب ابن آدم ويشب معه هاتانالخصلتان، ينبغي مقاومة هذا في النفس، مقاومته كلما قالت النفس: أنت تعيش والعمر أمامك طويل! قل: ما يدريك! لعلي لا أصبح! لعلي لا أمسي!
ومن هذا كان عنده تغيرت تصرفاته، تغير سلوكه، تغيرت أعماله، خلاص صار الآن كل همه الاستعداد للآخرة، العمل لأجل لقاء الله.