الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

55- ضوابط البدعة، والانحرافات في أبواب البدعة والتبديع 7


عناصر المادة
المقدمة
مظاهر الانحراف في أبواب البدعة والتبديع
أنواع الخلاف
أهمية معرفة الأقوال في المسألة
عدم التفريق بين الداعي إلى البدعة وغير الداعي
تبديع من ترك الانتساب اللفظي للسلفية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:

المقدمة

00:00:09

فقد تقدم في الدرس السابق في مظاهر الانحراف في أبواب البدعة والتبديع ذكر بعض جوانب الغلو في هذا الباب:
ومنها: امتحان الناس لمعرفة مواقفهم من فلان الذي يبدعه فلان، أو الطائفة الفلانية، ثم جعل ميزان التبديع بناء على ذلك.
ومنها: جعل البدع كلها مرتبة واحدة في الإثم، وأشد من هذا من جعل البدع كلها مكفرة، ولم يفرق بينها.
ومن الانحرافات اعتقاد أن من وقع في بدعة فهو مبتدع، ومعاملته على ذلك مع أن من قد وقع في بدعة قد يكون مجتهدًا مخطئًا، ووقع في مسألة من المسائل، ولا يصح أن يحكم عليه بأنه مبتدع.
ومنها: التناقض في التبديع، والتبديع بالهوى.
ومنها: عدم التفريق بين العادات والعبادات في الحكم، وجعل من فعل شيئًا يتعلق بالأعراف أو العادات جعله مبتدعًا، مع أن البدعة لا مدخل لها في هذا إذا كان العرف صحيحًا وكانت العادة مباحة.
ومن الانحرافات كذلك التبديع بلازم القول والمآل، وبلازم المذهب، وذكرنا أمثلة على هذا، ونكمل إن شاء الله ما تيسر في هذا الباب.

مظاهر الانحراف في أبواب البدعة والتبديع

00:02:00

تاسعًا: من مظاهر الغلو والإفراط في التبديع: التبديع بالخلاف الفقهي السائغ، والأمور والاجتهادية، ورمي المخالف في ذلك بالبدعة، ونحن نعرف بأن هناك مسائل اجتهادية: مثلاً قراءة الفاتحة للمأموم خلف الإمام في الصلاة الجهرية، هذه مسألة اجتهادية واضحة جداً، فمن العلماء من أوجب عليه القراءة، ومنهم من منعه، فكيف يجعل من اختار أحد القولين مبتدعًا؟
ومما ابتلينا في  هذا الزمان أن بعض من يبتدئ في طلب العلم يبدع من خالفه مع أن المسألة اجتهادية، ومع أن الخلاف سائغ، فبدعوا بمسائل اجتهادية الخلاف فيها سائغ مشهور بين أهل العلم قديمًا وحديثًا.
ولو قال قائل: ما هو ضابط المسائل الخلافية التي يكون فيها الخلاف سائغًا؟

أنواع الخلاف

00:03:09

فنقول: إن المسائل التي اختلف فيها العلماء نوعان:
النوع الأول: مسائل ورد في بيان حكمها نص صريح من القرآن الكريم أو السنة الصحيحة، ولا معارض له، أو نقل فيها إجماع، فشذ بعض المتأخرين وخالف الإجماع، فهذه المسائل ينكر فيها على المخالف.
ولهذا النوع من المسائل الخلافية أمثلة:
مثل إنكار صفات الله -تعالى- التي مدح بها نفسه، ووصفه بها رسوله ﷺ تحت مسمى التأويل، وهو في الحقيقة تحريف إذًا هذه مسائل خلافية، لكن الخلاف فيها غير سائغ، ولا يقبل من هذا الطرف الذي أول الصفات، وفي الحقيقة حرف الصفات.
ثانيًا: إنكار بعض الحقائق التي أخبر بها النبي ﷺ مما سيحدث يوم القيامة كالميزان، والصراط، فالمخالف في ذلك لا قيمة لمخالفته، هذا شيء عند أهل السنة ثابت، ومستقر بالأدلة الصحيحة الصريحة.
ثالثًا: من الأقوال التي لا يسوغ الخلاف فيها جعل فوائد البنكية مباحة مع أنها عين الربا الذي حرمه الله ورسوله.
رابعًا: مثال القول بجواز نكاح التحليل، فإنه قول باطل مخالف للعن النبي ﷺ عندما لعن المحلل والمحلل له.

خامسًا: القول بإباحة المعازف، فإنه قول منكر قد دل على بطلانه أدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف، وقد اتفقت كلمة الأئمة الأربعة على تحريم المعازف، فلا وجه لأن يقال بإباحتها، ولا هناك قول صحيح في ذلك، ولا يسوغ الخلاف في المسألة، والذي قال بالإباحة شاذ.
سادساً: القول بعدم استحباب رفع الأيدي في الصلاة مع تكبيرة الركوع أو الرفع منه، أو القيام للركعة الثالثة لأن هذا ثابت في الأحاديث الصحاح.
سابعًا: القول بترك صلاة الاستسقاء، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه فعلها، فإذا قال قائل بعدم مشروعيتها، وبأنه لا أصل لها، فإن قوله مردود.
ثامنًا: القول بعدم استحباب صيام ما ثبت صيامه.
على أية حال هذه المسائل ينكر فيها على المخالف، ولم يزل الصحابة ومن بعدهم من الأئمة ينكرون على من خالف دليلاً صحيحًا ولو كان مجتهدًا، وعندما يخالف في هذا من يخالف، فإننا نخطئه، ونبين له بطلان قوله، ومخالفته للأدلة والإجماع، وما اتفقت عليه الأمة، ومع ذلك لا نقول لمن خالف في مسألة من هذه المسائل أنت صاحب بدعة، قد لا يكون عنده مثلاً من الشذوذ إلا هذه المسألة، فلا نستعجل حتى في تبديع من خالف في المسائل التي لا يسوغ فيها الخلاف، ونحكم عليه بالبدعة على طول الخط، قد يكون عنده أشياء أخرى تجعله مبتدعًا صاحب بدعة، لكن ليس بمجرد المسألة الواحدة نحكم عليه بأنه مبتدع، نقول: نعم قوله خطأ وشذوذ، وخالف اتفاق الأمة، وخالف الإجماع في هذه المسألة، ونبين ذلك بوضوح.

النوع الثاني من المسائل: مسائل لم يرد ببيان حكمها دليل صريح صحيح قاطع في المسألة من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو القياس الجلي، وقد يكون ورد في حكمهما دليل لكن مختلف في صحته، مختلف في فهمه، فالمسألة محتملة، هذا تسمى مسائل اجتهادية، يسوغ فيها الاجتهاد يسوغ فيها الخلاف، ولا ينكر من اختار أحد القولين فيها، وقد يكون حدث هذا في بعض المسائل المتعلقة بالمعتقد، لكنها في الفروع التي لا يضر الخلاف فيها، يعني: ليست من أصل المعتقد، مثال الخلاف في سماع الموتى كلام الأحياء، هل يسمع الميت كلام من زاره في القبر أم لا، الذي يتكلم في هذه المسألة بالإيجاب أو النفي لا يبدع.
وكان شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله- يقول في هذه المسألة: لا ندري لا نثبت ولا ننفي، يعني: ما ورد دليل قطعي في هذا أو هذا في قضية سماع الميت السلام عليه، سألته عن ذلك، الآن هذه ممكن واحد يقول هذه مسائل اعتقاد لأنها متعلقة بالموت، بما بعد الموت بالآخرة، بقضية غيبية، هل يسمع الميت سلام من سلم عليه؟ يقول: لا ندري لا نثبت ولا ننفي.
أما مسائل فقهية من هذا النوع كثير مثلاً: نقض الوضوء بمس الذكر، أو مس المرأة، أو أكل لحم الإبل، هذه مسائل اجتهادية الخلاف فيها قوي جداً بين الفقهاء، ولم تتفق كلمة المذاهب الأربعة على شيء واحد فيها، هل ينتقض الوضوء بمس المرأة أم لا؟
منهم من يقول: ينتقض بمس المرأة عمومًا بشهوة وبدون شهوة.
ومنهم من يقول: لا ينتقض إذا مس بشهوة.

هذه مسألة خلافية اجتهادية مس الذكر أكل لحم الإبل، الإمام أحمد رحمه الله يقول بالنقض، وعنده دليل، والأئمة الثلاثة يقولون: لا.
ومنهم من ضعف الحديث الوارد في هذا، أو لم يصله أصلاً.
مسألة القنوت في صلاة الوتر، هل هو قبل الركوع أم بعد الركوع؟
كذلك هذه المسائل وأمثالها مما لم ترد فيها نصوص صريحة ببيان حكمها، حتى يقال: إنها محسومة، وما دام الإنسان متبعًا فيها لمذهب من المذاهب، أو قول إمام معتبر من الأئمة، فإنه لا ينكر عليه، فضلاً عن أن يبدع أو يفسق، وعدم الإنكار في هذه المسألة على من اختار القول الآخر لا يعني عدم المباحثة؛ لأن طالب العلم مثلاً قد يبدو له قوة رأي معين، فهو يباحث من اختار القول الآخر، ويناقشه في ذلك، وهذه من أوجه تبين الصواب، وظهور الراجح، المناقشة والمناظرة، وهذه مناظرة عند الفقهاء معروفة في مثل هذه المسائل.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد، وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه"، انتهى [مجموع الفتاوى: 30/80].

وقال رحمه الله أيضاً: "وقولهم مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل، أما الأول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعًا قديمًا وجب إنكاره وفاقًا"-لأن هذا من النوع الأول- "وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد؛ وهم عامة السلف والفقهاء، وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضاً بحسب درجات الإنكار" -هذا من النوع الأول- "أما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع ولا للاجتهاد فيها مساغ  ينكر على من عمل بها مجتهدًا أو مقلدًا، وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد"، -يعني بعض الناس الذين أنكروا في مسائل الاجتهاد لظنهم أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد- "والصواب الذي  عليه الأئمة أن مسائل الاجتهادية ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبًا ظاهرًا، مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه، فيسوغ إذا عدم ذلك فيها الاجتهاد".
إذا عدمنا دليلاً صحيحًا لا معارض له من جنسه لماذا؟ "لتعارض الأدلة المتقاربة، أو لخفاء الأدلة فيها" [الفتاوى الكبرى لابن تيمية: 6/96].
وقال رحمه الله أيضاً: "مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر" [مجموع الفتاوى: 20/207].

وقال ابن قدامة: لا ينبغي لأحد أن ينكر على غيره العمل بمذهبه، فإنه لا إنكار على المجتهدات" [الآداب الشرعية: 1/186].
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: المسائل الخلافية لا إنكار فيها، وتنقسم المسائل الخلافية إلى قسمين" -يقصد الشيخ  المسائل الاجتهادية وليس المسائل التي شذ فيها من خالف وخالف الإجماع-
"مسائل اجتهادية يسوغ فيها الخلاف" بمعنى أن الخلاف ثابت حقًا، وله حظ من النظر، فهذا لا إنكار فيه على المجتهد،  أما عامة الناس فإنهم يلزمون بما عليه علماء بلدهم، لئلا ينفلت العامة، لأننا لو قلنا للعامي: أي قول يمر عليك لك أن تأخذ به لم تكن الأمة أمة واحدة، ولهذا قال شيخنا عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-: "العوام على مذاهب علمائهم".
القسم الثاني من قسمي الخلاف: "لا مساغ له ولا محل للاجتهاد فيه، فينكر على المخالف فيه لأنه لا عذر له" انتهى [لقاء الباب المفتوح: 49/192-193].
إذًا يعني لو واحد خالف في قضية نكاح التحليل، وقال: يجوز التحليل للمطلقة ثلاثًا، شخص يتزوجها بقصد أنه يطلقها لزوجها لتحل للأول ماله وجه، وكذلك من قال: بإباحة نكاح المتعة مثلاً.

ومن نماذج مسائل الاجتهاد التي حدث بسببها اختلافات، ومنازعات، وشحناء، وأدت إلى التبديع والهجران، من هذا اعتبار أن الزيادة عن إحدى عشرة ركعة في صلاة التراويح بدعة، وهذا غير صحيح أنت لك أن تقول: يا طالب العلم أنا اقتنعت بالأدلة أن السنة إحدى عشر ركعة، لكن لا يجوز، ولا يصح لك أن تقول: الذي يصلي ثلاثة عشرة ركعة مبتدع، والذي يصلي ثلاثة وعشرين مبتدع، والذي يصلي أكثر سبعة وثلاثين مبتدع، والمسألة: صلاة الليل مثنى مثنى، فإن خشيت الفجر فأوتر بواحدة [البخاري: 990، ومسلم: 749]، وإذا كان النبي ﷺ صلى أحد عشر ركعة، أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، وأربعًا، وثلاث، هذا لا يعني أن الزيادة على الإحدى عشرة ركعة بدعة ولمن زاد، له مجال في قوله واختياره، فقد قال: صلاة الليل مثنى مثنى فإن خشيت الفجر فأوتر بواحدة، وهناك أدلة على الثلاثة عشر، وهناك من فعل عمر، الروايات التي تنسب إلى أمير المؤمنين ثلاثة وعشرين، وفي أشياء في عمل أهل المدينة، فإذًا ما في مجال للتبديع، تقول: والله يترجح أن السنة إحدى عشرة ركعة لكن ليس معناه أن أكثر من ذلك بدعة، هذه ليست مثل الصلاة المفروضة التي لا يجوز الزيادة فيها على عدد ركعاتها، هذه صلاة الليل مفتوحة، ونشاط الإنسان.
وهذه المسألة غلا فيها شخصان:
الأول: أنكر على من زاد إحدى عشرة ركعة وبدع فعله.
والثاني: أنكر على من اقتصر على إحدى عشرة ركعة، وقال: خالفت الإجماع فلا هذا يصح قوله، ولا هذا يصح قوله.

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "فبعض الناس يغلو من حيث التزام السنة في العدد، فيقول: لا تجوز الزيادة على العدد الذي جاءت به السنة في قيام الليل، وينكر أشد النكير على من زاد على ذلك، ويقول: إنه آثم عاصي، وهذا لا شك أنه خطأ، وكيف يكون آثمًا وعاصيًا، وقد سئل النبي ﷺ عن صلاة الليل فقال: مثنى مثنى متفق عليه[البخاري: 990، ومسلم: 749]، ولم يحدد بعدد، ومن المعلوم أن الذي سأله عن صلاة الليل لا يعلم العدد؛ لأن من لا يعلم الكيفية فجهله بالعدد من باب أولى، وهو ليس ممن خدم رسول الله ﷺ حتى نقول: إنه يعلم ما يحدث داخل بيته ، فإذا كان النبي ﷺ بين له كيفية الصلاة دون أن يحدد له بعدد علم أن الأمر في هذا واسع، وأن للإنسان أن يصلي مائة ركعة ويوتر بواحدة" [الشرح الممتع: 4/53].
وأما قوله ﷺ: صلوا كما رأيتموني أصلي [البخاري:6008]، فهذا ليس على عمومه حتى عند هؤلاء، ولهذا لا يوجبون على الإنسان أن يوتر مرة بخمس، ومرة بسبع، مع أن النبي ﷺ فعل ذلك، فهل نقول: إن معنى قوله: صلوا كما رأيتموني أصلي إيجاب أن توتر أحيانًا بخمس سردًا، أو سبعًا سردًا، أو تسع سردًا؟ كلا؛ وإنما المراد صلوا كما رأيتموني أصلي، في الكيفية أما في العدد في المستحبات والنوافل هذه  فلا، إلا ما ثبت النص بتحديده كالفرائض مثلاً، وكذلك مثلاً صلاة العيدين ركعتان، لا يجوز أن نعمل ثلاث.
قال الشيخ: "وعلى كل ينبغي للإنسان ألا يشدد على الناس في أمر واسع، حتى إنا رأينا من الإخوة الذين يشددون في هذا من يبدعون الأئمة الذين يزيدون على إحدى عشرة، ويخرجون من المسجد، قبل تمام صلاة الإمام، -يعني: لو كان الإمام يصلي ثلاثا وعشرين فيخرج هؤلاء بعد إحدى عشرة- فيفوتهم الأجر الذي قال فيه الرسول ﷺ: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة [رواه الترمذي: 806، وصححه الألباني صحيح الجامع: 1615].

وقد يجلسون إذا صلوا عشر ركعات فتنقطع الصفوف بجلوسهم، وربما يتحدثون أحيانًا فيشوشون على المصلين.
عجيب! ناس يصلي إحدى عشرة ركعة في الحرم ثم يجلس يقول: كل هؤلاء مبتدعة.
قال الشيخ: ونحن لا نشك بأنهم يريدون الخير، وأنهم مجتهدون لكن ليس كل مجتهد يكون مصيبًا".
والطرف الثاني: عكس هؤلاء أنكروا على من اقتصر إحدى عشرة ركعة إنكارًا عظيمًا، وقالوا: خرجت عن الإجماع،  وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا[النساء: 115]، فكل من قبلك لا يعرفون إلا ثلاثًا وعشرين ركعة، ثم يشددون في النكير على من اقتصر على إحدى عشرة، قال: وهذا أيضاً خطأ. [الشرح الممتع: 4/73-74].
والعجيب أن يجرؤ إنسان على تبديع أئمة المذاهب، والعلماء في عصور كثير متتابعة، ومنهم الأئمة الأربعة، وعلماء مذاهب الأئمة الأربعة الذين قال بعضهم بالزيادة على إحدى عشرة، ووردت الزيادة عن كثير من السلف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "قد ثبت أن أبي بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة في قيام رمضان، ويوتر بثلاث، فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة، لأنه أقامه بين المهاجرين والأنصار، ولم ينكرهم منكر.
واستحب آخرون تسعة وثلاثين ركعة، بني على أنه عمل أهل المدينة القديم.

وقال طائفة: قد ثبت في الصحيح عن عائشة أن النبي ﷺ لم يكن يزيد في رمضان ولا في غيره على ثلاث عشرة ركعة" [البخاري: 1147].
واضطرب قوم في هذا الأصل لما ظنوه من معارضة الحديث الصحيح، لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين.
والصواب أن ذلك جميعه حسن"، يعني إن صلى  ثلاثًا وعشرين، أو إحدى عشرة، أو تسعة وثلاثين، أقل أكثر.
قال: "كما قد نص على ذلك الإمام أحمد وأنه لا يتوقت في قيام رمضان عدد، فإن النبي ﷺ لم يوقت فيه عددًا، وحنيذ فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره" [الفتاوى الكبرى: 2/250].
فيوجد بناء على ذلك ما يشبه الإجماع على جواز الزيادة في صلاة التراويح على إحدى عشرة، وعمل الخلفاء الراشدين، والعلماء، والأئمة في قرون كثيرة يدل على ذلك، ولكن المشكلة أن بعض الناس يعتقد أن المنهج السلفي لا تزيد عن إحدى عشرة، ولو زد فأنت مبتدع، وأن الزيادة بدعة ضلالة، إذًا المسائل الاجتهادية لا يصح تبديع من يأخذ فيها بأحد الأقوال السائغة، وتبديع المخالف فيها خصوصًا من بعض الشباب المتحمسين أو الذين يأخذون قول عالم معين، أو محدث من المحدثين يتورطون في التبديع، ولو أنه وسع مجال النظر، اطلع مثلاً على قول العلماء الآخرين في المذاهب الأربعة أو غيرها ستسع دائرة النظر لديه، يعرف مدام هناك علماء معتبرين أخذوا بأقوال أخرى، ولهم أدلة، أنا لماذا أفاصل الناس على قول واحد، وأبدع بناء عليه.

أهمية معرفة الأقوال في المسألة

00:25:11

أهمية معرفة الأقوال في المسألة مهم لطالب العلم لأسباب:
منها: الحماية من الوقوع في انحراف كهذا، وليس كل عالم أو محدث، قال: إن هذه بدعة ضلالة، يعني: أنها بدعة ضلالة، فقد يخطئ، ولذلك العلماء يبين بعضهم لبعض، مثلاً كان الشيخ مثلاً محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في بعض مسائله اجتهد، وقال: إن وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع بدعة ضلالة، فكتب إليه الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- كتابًا ذكر له فيه ترجيح وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع، فضلا عن أن يقال إن من فعله يكون فعل بدعة ضلالة، وبين الشيخ أن هذه مسائل خلافية اجتهادية لا يسوغ التبديع فيها، فالشيخ ناصر -رحمه الله- اجتهد، لكن كل مجتهد يخطئ.  
فلو قال قائل: كلام الشيخ ناصر لا أخرج عنه في أي مسألة من المسائل، والتزم قولاً واحدًا، وأحامي، وأفاصل بناء عليه.
نقول: لا انظر ماذا قال العلماء الآخرون، انظر ما هي الأقوال في المسألة، انظر ما هي أدلة الآخرين، انظر في أصول منهج السلف، هل هذه من مسائل التبديع، وضع اليدين بعد الرفع من الركوع على الصدر، أو إسبال اليدين، إسدال اليدين هل هذه من مسائل التبديع، هذه مسائل الخلاف السائغ، من العلماء من اختار هذا، ومنهم من اختار هذا، ولا إنكار، لا يجوز الإنكار، هذه مسائل الاجتهاد، فإذًا بعض الشباب في بداية طلبه للعلم يحدث عندهم تحمس، فيبدع من قال بأن أكل لحم الجزور لا ينقض الوضوء، لا تبدعه هذا قول الأئمة الثلاثة لعلمائهم، نظر في صحة حديث أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم [أحمد: 20925، وصححه الألباني الإرواء: 118]، وإن كان ممكن نقول في البحث: أن الراجح الوضوء، وأن هذا الحديث رواه أحمد والترمذي ما دام أنه قد ثبت في الحديث أو حسن نأخذ به، ونوجب الوضوء من أكل لحم الإبل، لكن ما نبدع من قال بالقول الآخر.

كذلك بعضهم يبدع من قال بالتخيير في سجود السهو قبل السلام وبعد السلام، من العلماء من قال: قبل السلام، ومنهم من قال: بعد السلام، ومنهم من قال: بالتخيير قبل وبعده، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، ومنهم من قال: حالات قبل، وحالات بعد، كما يتبين بجمع الأدلة مثلاً والنظر فيها، لكن ما هي من مسائل التبديع، هذه أيًا كان القول من هذه الأقوال، كل قد قال به علماء ثقات، فلا يجوز التبديع فيها، أو كذلك التبديع فيمن جهر بالبسملة في الصلاة الجهرية، هذه مسألة خلافية بين المذاهب الأربعة، لا يجوز أن تبدع من جهر بالبسملة، ممكن تقول الراجح الإسرار بالبسملة، والأدلة كذا، وإلى آخره، والرد على من قال بالجهر كذا، لكن لا يجوز أن تبدع من خالفك فيها، كذلك حكم غسل الجمعة ما هي من مسائل التبديع، مسألة اجتهادية، تحريك الأصبع في التشهد هل هو رفع أو رفع وتحريك؟ أو لا رفع ولا تحريك، ليست من مسائل التبديع، وبعضهم يوصلها إلى درجة التبديع، يقول: من لم يحرك هذا مبتدع، وبعضهم يبدع من حرك، ويقول: ثلاث حركات متوالية تبطل الصلاة، بعض متعصبة المذاهب.
إذًا لا يجوز اتهام المخالف بمثل هذه المسائل بالبدعة، أو معاندة السنة، ونحو ذلك من الاتهامات الباطلة الجائرة.
والخلاف في المسائل الاجتهادية وسع الصحابة والتابعين والعلماء المجتهدين، فيسعنا ما وسعهم، وقد قال النبي ﷺ: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر [رواه البخاري: 7352، ومسلم: 1716].

ومن الطبيعي أن يختلف أهل العلم، وقد فاوت الله بينهم في العقول والأفكار، ونتائج التفكير، والاجتهادات.

عدم التفريق بين الداعي إلى البدعة وغير الداعي

00:30:35

عاشرًا: من الانحرافات عدم التفريق بين الداعي إلى البدعة وغير الداعي، وعدم التفريق بين من يظهرها ويجاهر بها، وبين من يسر، وهذا كله من الظلم والجور، ومن ثبت أنه مبتدع يدعو إلى تلك البدعة يعامل معاملة مختلفة.
قال شيخ الإسلام: من أظهر بدعته وجب الإنكار عليه، بخلاف من أخفاها...، وإذا عرف أن هذا هو من باب العقوبات الشرعية علم أنه يختلف باختلاف الأحوال من قلة البدعة وكثرتها، وظهور السنة وخفائها، وأن المشروع قد يكون هو التأليف تارة والهجران أخرى، كما كان النبي ﷺ يتألف أقوامًا من المشركين ممن هو حديث عهد بالإسلام...، وكان يهجر بعض المؤمنين ممن قوي دينهم، كما هجر الثلاثة الذين خلفوا، لأن المقصود دعوة الخلق إلى طاعة الله بأقوم طريق، فيستعمل الرغبة حيث تكون أًصلح، والرهبة حيث تكون أصلح" [منهاج السنة لابن تيمية: 1/63-65].
ومسألة الهجر وعدمه مبني على المصلحة سواء في حق العاصي أو المبتدع، وقد قال شيخ الإسلام: "رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين للبدع الداعين إليها، والمظهرين للكبائر، فأما من كان مستترًا بمعصية أو مسرًا لبدعة غير مكفرة، فإن هذا لا يهجر، وإنما يهجر الداعي إلى البدعة، إذ الهجر نوع من العقوبة، وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولاً أو عملاً، وأما من أظهر لنا خيرًا فإن نقبل علانية، لو هجرنا المسر ما شجعناه على الإسرار، لكن عندما نفرق بينه وبين المجاهر، فهو يسر، وهذه مصلحة ألا يهجر، ومفسدة أن يكثر المجاهرون.

قال شيخ الإسلام: وأما من أظهر لنا خيرًا، فإن نقبل علانية ونكل سريرته إلى الله -تعالى-، فإن غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبي ﷺ يقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله لما جاءوا إليه عام تبوك يحلفون ويعتذرون، ولهذا كان الإمام أحمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمة، كمالك وغيره لا يقبلون رواية الداعي إلى بدعته، ولا يجالسونه، بخلاف الساكت، وقد أخرج أصحاب الصحيح عن جماعات ممن رمي ببدعة من الساكتين، ولم يخرجوا عن الدعاة إلى البدع" مجموع الفتاوى [24/175].
يضاف إلى ذلك أن الهجر حسب المصلحة، مثلاً قد يكون أهل الحق في مكان ضعفاء وقلة، فإذا هجروا فمن المهجور حقيقة؟ هم. هم حاصروا أنفسهم، هم أقلية، الهجر يكون مؤثرًا إذا كان الأكثرية هي التي تهجر، أما إذا كانت أقلية تدعو وتنصح ثم تهجر وهم أقلية، المهجور وبالعكس ينبسط ويسر، بينما لو كانوا أكثرية يجد في نفسه مقاطعة، تغير له الناس تنكروا له، قال الله عن الثلاثة في الحالة النفسية التي وصلوا إليها بسبب الهجر: حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ[التوبة: 118].

فالشاهد أن بعض الغلاة في موضوع البدعة لا يفرقون في الهجر بحسب قوة البدعة وأهلها، وبحسب ضعف أهل  الحق وقوتهم، لا يرون فروقًا، ونحن نقول: إذا كانت الغلبة والظهور لأهل السنة، كان الهجر مؤثرًا مفيدًا، وإذا كانت القوة والكثرة للمبتدعة فأي فائدة في الهجر؟ وأي مصلحة؟ فلا يكون الهجر مشروعًا أصلاً بل يسلك مسلك التأليف، مثل مرحلة الاستضعاف المكية.
قال شيخ الإسلام: "وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم، وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعًا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي ﷺ يتألف أقوامًا، ويهجر آخرين، كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرًا من أكثر من المؤلفة قلوبهم، لما كانوا أولئك سادة مطاعين في عشائرهم فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم، وهؤلاء كانوا مؤمنين والمؤمنون سواهم كثير فكان في هجرهم عز الدين، وتطهير من ذنوبهم، وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة، والمهادنة تارة، وأخذ الجزية تارة،  كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح، وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل"، يعني: يأتي عن الإمام أحمد في هجر المبتدع رواية تارة يقول: يجب هجره، وتارة يقول: لا يهجر، أو أحيانًا لا يجوز هجره، فبعض الناس في بداية طلبة للعلم يقول: أقوال الإمام أحمد تتناقض مرة يقول: يهجر، ومرة يقول: لا يهجر، فأما العارف بالأمر فإنه يقول: رحم الله أحمد كان فقيهًا يراعي الحال، جاءه سؤال تارة من مكان كذا فأفتاهم بالهجر، وتارة ممن كان كذا فأفتاهم بعدم الهجر لا لتناقضه واضطرابه، ولكن لاختلاف حال السائل والوضع في بلده ومجتمعه.

يقول شيخ الإسلام: "وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل، ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع، كما كثر القدر في البصرة، والتنجيم بخراسان، والتشيع بالكوفة، وبين ما ليس كذلك، ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم، وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه" انتهى من كلام شيخ الإسلام [مجموع الفتاوى: 28/206-207].
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في معاملة أهل البدع: "تجب نصيحتهم فإن أصروا على البدع وجب هجرهم، فإن كان عدم الهجر أصلح فلا مانع من ترك الهجر؛ لأن المقصود من الهجر إشعارهم بعدم الرضا عن بدعتهم، فإذا كان الهجر يزيدهم تمسكًا بباطلهم، ونفرة عن الحق كان تركه أصلح كما ترك النبي ﷺ هجر عبد الله بن أبي سلول لما كان ترك هجرة أصلح للمسلمين" انتهى [فتاوى نور على الدرب لابن باز: 3/37].

تبديع من ترك الانتساب اللفظي للسلفية

00:39:23

الحادي عشر من مظاهر الغلو في التبديع: تبديع من ترك الانتساب اللفظي للسلفية: وإن كان هو سلفيًا، فنقول:
أولا: ما هو اسمنا؟ ماذا نطلق على أنفسنا؟ ماذا نسمي أنفسنا؟ الإسلام المسلمون، قال تعالى: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ [الحج: 78] بعض الناس يقول: لازم تسمي نفسك سلفي، وتقول: فلان بن فلان السلفي، وأنا من السلفيين، وإذا ما قلت هذا أنت مبتدع، الله سمانا المسلمين، لو اكتفيت بالاسم الذي سمانا الله به أنا مع منهج السلف، وأنا معتقد بمنهج السلف ما عندي شك، لكن لا يجب علي أن أتسمى بالسلفي، دعونا الآن من قضية هل يجوز أن يقول واحد عن نفسه: سلفي، هذه مسألة أخرى سنأتي عليها.
السؤال هل يجب أن يقول كل واحد عن نفسه أنه سلفي إذا ما قال فهو مبتدع آثم؟
لا، لأن الله اكتفى منا بأن سمانا المسلمين قد تدعو الحاجة أحيانًا إلى بيان صفة إضافية؛ لأن هناك خلط، وبعض الناس يقول: أنت سلفي حنفي، وإلا مسلم حنفي، وإلا مسلم سلفي، وإلا مسلم، كذا يبدؤوا بالاختراعات، وبعدين تجي قضية الفرق، الأشعري الصوفي، فطلع عندنا مسلم صوفي، ومسلم أشعري، ومسلم سلف، ومسلم. يعني: لما صارت التقسيمات. وبعض التقسيمات بأسباب من الانحراف، صار أحيانًا تدعو الحاجة إلى بيان صفة إضافية، ولكن لا يوجب الاتصاف بهذه الصفة بحيث يكون ملزمة، فمن كان منتهجًا منهج السلف علمًا وعملاً واعتقادًا، مدافعاً عنه محبًا له، ولم يسم نفسه إلا مسلمًا، فلا إنكار عليه، قال تعالى: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ[الحج: 78].

قال ابن عباس تفسير الآية الله هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ[الحج: 78]، يعني: هو الذي سمانا المسلمين، وكذلك قال مجاهد وعطاء وقتادة وغيرهم" تفسير ابن كثير [5/456].
فمن قال: أنا مسلم ولم يزد على ذلك فلا حرج عليه، وقد أصاب وأحسن.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: لا شك أن الواجب على جميع المسلمين أن يكون مذهبهم مذهب السلف، لا الانتماء إلى حزب معين يسمى السلفيين، والواجب أن تكون الأمة الإسلامية مذهبها مذهب السلف الصالح، لا التحزب إلى من يسمى السلفيين، فهناك طريقة السلف، وهناك حزب يسمى السلفيين، والمطلوب اتباع السلف" [كتب ورسائل ابن العثيمين: 34/8].
لو ظهر ناس واجتهدوا وسموا أنفسهم حزب السلفيين هل يجب الانضمام إليه والذي لا ينضم إليه آثم ضال مبتدع إلى آخره؟
لا، اجتهدوا لسبب ما، عندهم مصلحة معينة سموا الحزب السلفي، لكن هل يجب الانتساب إليه؟ لا يجب.
المهم أن يكون الناس على مذهب السلف، وعلى منهج السلف، والذين قاموا بإنشاء الحزب وانتسبوا إليه لمصلحة معينة خلاص هم على مصلحتهم التي رأوها، أنا ما يجب عليّ شرعًا الانضمام إلى الحزب هذا وإلا أنا مبتدع ضال وفي النار.

وليت التبديع اقتصر على من يعيش في بلاد الإسلام، ولكنه امتد إلى الذين يعيشون في أمريكا وأوروبا، وقد حصلت ممارسات خاطئة من بعض المنتسبين إلى السلفية سواء كان في المعاملة، في الغلو، في الأخلاق، وفي أشياء متعددة  الحقيقة أنها تشوه السلفية، والانتساب إلى السلف الصالح، ولذلك القضية ما هي قضية حزب والانضمام إليه، القضية قضية اعتناق منهج السلف وتبنيه قولاً وفعلاً واعتقادًا، وليست المسألة مجرد أسماء، أو إنشاء حزب، القضية قضية عمل وتطبيق، ولذلك لو كنت أنت على منهج السلف قولاً وفعلاً واعتقادًا، لا يضرك أن لا تسمي نفسك إلا مسلمًا ما يضرك، ولكن علينا نحن أن تدافع عن منهج السلف، وأن ننفي عنه الإلصاقات المشوه التي يقوم بها بعض الغلاة أو المفرطين، فقد يكون ممن يفرط وقد يكون ممن يغلو، ومع الأسف أن كلمة سلفي صارت في بعض البلدان تهمة، إما نتيجة كيد الأعداء من المبتدعة الصوفية المنحرفين أعداء الدين؛ الذين شوهوا مفهوم أو كلمة السلفي والسلفية، أو يكون بسبب جفاء وغلو وانحراف بعض المنتسبين للسلفية الذين  تسببوا في تشويه هذه الكلمة، فإما أن يكون من كيد العدو أو يكون من ممارسات خاطئة، وإلا والله أنعم بها أن يكون الإنسان على منهج السلف، أن يكون سلفي العقيدة، سلفي المنهج، سلفي الأخلاق، سلفي المعاملة، سلفي التعلم، سلفي الدعوة، سلفي المعتقد، هذه والله المفخرة العظيمة، تلقى الله وأنت على منهج سلف الأمة، وأنت على منهج محمد بن عبد الله ﷺ وأصحابه والتابعين، تلقى الله على منهج سلف الأمة، هذه والله المفخرة العظيمة، والمكسب الكبير والشرف، وإلا أن يلقى الله على منهج خلفي، على منهج مبتدع، على منهج من آراء البشر، لا والله.
يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "السلفية هي اتباع منهج النبي ﷺ وأصحابه؛ لأنهم هم الذين سلفونا، وتقدموا علينا، فاتباعهم هو السلفية"، وأما اتخاذ السلفية مجرد شاعر، بس عنوان، وتحت لا عقيدة سلف، ولا أخلاق السلف، ولا معاملة السلف، ولا تعلم على منهج السلف، خبط عشواء، تبديع تضليل، غلو وعدوان، ما هذا سلفية هي مجرد ختم، وإلا مجرد كلمة، وإلا بس اسم حزب، لا السلفية منهاج حياة، السلفية عقيدة، وعلم، وعمل، وأخلاق، ومعاملة، ورحمة للعباد، السلفية أن تهديهم بالحق، وأن تتبنى الكتاب والسنة على منهج السلف، وفهم السلف، وأن تنقل ذلك للناس، وأن تدعو العالم إليه، ما هي سلفية مجرد كذا، بعض الناس يحصر السلفية أنك ترفع اليدين، وتحرك الأصبع، واللحية، وهذه فقط السلفية، أين السلفية التي فيها التوكل على الله، أين السلفية التي فيها حسن الخلق، السلف أخلاقهم كانت عالية جداً، أين السلفية التي فيها معرفة الحق ورحمة الخلق، ودعوة الخلق إلى الحق، أين السلفية التي فيها ترك السلبية، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبليغ الحجة، وإقامة الحجة على الناس، ليست السلفية هذه مجرد هي كلمة أو عنوان أو تشويه، أو أربع فقرات يرفع يديه، يحرك الأصبع، ويطلق اللحية، ويقصر الثوب، أين السلفية في معرفة معاني أسماء الله وصفاته، أين السلفية في التعبد لله بمعاني أسمائه، أين السلفية في التوكل على الله، والحياء منه، والإخلاص له، والخوف منه، والتوكل عليه، ورجاءه، ومحبته، والصدق، أين السلفية في الصدق في المواعيد، الله قال عن عبده: إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ [مريم: 54]، أين السلفية في الأمانة والعمل، أين السلفية الحضور على وقت العمل، والانصراف بعد إتمام العمل، أين السلفية في إتقان العمل، أين السلفية في معرفة الحق، أين السلفية في التمييز بين الحق والباطل، ومفاصلة أهل الباطلة، أين السلفية في مواقف الشجاعة التي تبين الدين، والتي فيها الجهر بالحق، والشجاعة في قول الحق، أين السلفية هذه، ليست المسألة إذًا شعارات.


قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "وأما اتخاذ السلفية أنها مجرد شعار يضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا  على حق، واتخاذ السلفية كمنهج حزبي، فلا شك أن هذا خلاف السلفية....
لكن بعض من انتهج السلفية في عصرنا هذا صار يضلل كل من خالفه ولو كان الحق معه، واتخذها بعضهم منهجًا حزبيًا كمنهج الأحزاب الأخرى....
فالسلفية بمعنى أن تكون حزبًا خاصًا له ميزاته ويضلل من سواهم، السلفية ليست حكرًا عليكم كل من تبنى عقيدة السلف في الإيمان: أنه قول وعمل، وما كان مع الخوارج ولا مع المرجئة، كل من تبنى منهج السلف في القضاء والقدر لا هو مع الجبرية ولامع القدرية، كل من تبنى منهج السلف في الصحابة اتبعهم فلم يسبهم ولم يغلو فيهم ويعتقد عصمتهم أنهم أنبياء، كل من أخذ بقول السلف في اتباع الكتاب والسنة والتعلم لا هو بالذي ترك الكتاب والسنة أو أنه تأول فيها تأولات خاطئة وحرفها، فهو على منهج السلف، فهو سلفي رغمًا عن أي واحد يريد أن يطرده، أو يريد أن يخرجه من هذا المفهوم.

قال الشيخ: "وأما السلفية اتباع منهج السلف عقيدة، وقولاً، وعملاً، وائتلافًا، واختلافًا"، -حتى لما أختلف أنا اختلف على منهج السلف أخالف واحد فعلاً مبتدع، أخالف واحد باطني، ضال منحرف في القضاء والقدر، موقفه من الصحابة سلبي، واحد إنسان عنده انحرافات في أبواب العقيدة، فأنا أفاصله بناء على منهج السلف.
قال الشيخ: "وائتلافًا، واختلافًا، واتفاقًا، وتراحمًا، وتوادًا، كما قال النبي ﷺ: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر [مسلم: 2586].
فهذه هي السلفية الحق". [لقاء الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين: 3/246].
فمن قال: أنا سلفي أو متبع للسلف وكان صادقًا في ذلك وله قصد صحيح، قال نحن الآن في هذا المكان عندنا بدع كثيرة جداً، وطرق من أهل الأهواء كثيرة جداً، وترى لا بدّ أن يتميز الذين يتبعون الحق الذين على منهج السلف، لا بدّ أن يتميزوا فنرى من المصلحة إطلاق الاسم هذا؟

نقول: لا مانع ما دام في مصلحة شرعية، أطلقه لا مانع، واتصف به لا مانع ما دام فيه مصلحة، لكن تخرج من هو سلفي عن السلفية إذا ما كان معك لا، ولو واحد ما قال أنا سلفي تبدعه لا، هو يقول: أنا مسلم فقط للمصلحة أن  أقول فقط أنا مسلم هذا اجتهاده، ولا يمكن أن تنفي عنه أنه سلفي، وأنت عندك مصلحة معينة في وصف إطلاق كلمة سلفي في  مكان لأنه في بدعة، وحتى يتميز المتبعون للسنة والمتبعون لمنهج السلف الصالح لك اجتهادك، لا مانع لك ذلك، ولا ننكر عليك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "لا عيب على من أظهر مذهب السلف، وانتسب إليه، واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقًا" ، ترك كلمة سلفي ما هي سبة ما هي منقصة، هذه مفخرة.
قال شيخ الإسلام: "بل يجب قبول ذلك  منه بالاتفاق؛ فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقًا، فإن كان موافقًا له باطنًا وظاهرًا فهو بمنزلة المؤمن الذي هو على الحق باطنا وظاهرًا"[مجموع الفتاوى: 4/149].
يعني: يكون هذا صادقًا في سلفيته، والذي فقط مجرد عنوان  وتحديد السواهي دواهي، مثل: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا[الحجرات: 14].
سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله- ما تقول فيمن تسمى بالسلفي والأثري؟
الأثري يعني: يتبع الأثر، ما هو الأثر؟ الحديث السنة.

فأجاب: إذا كان صادقًا أنه أثري -يعني: فعلاً يتبع الدليل- أو سلفي -يعني فعلاً يتبع منهج سلف الأمة- لا بأس، مثلما كان السلف، يقول: فلان سلفي، فلان أثري، أن هذا للتمييز بين هذه المسلك ومسلك متعصبة أو طرقية مبتدعة.
أخيرًا: عدم التفريق بين التبديع المطلق وتبديع المعين انحراف، مثلما قلنا في التكفير، ممكن تقول: هذا القول كفر، هذا الكلام كفر؛ لكن ليس كل من قاله تقول: عنه كافر؛ لأنه يمكن ما قامت عليه الحجة، نفس الكلام في البدعة، نقول هذا القول بدعة؛ لكن لا يعني ذلك أن كل من يقول به مبتدع؛ لأنه قد ما تكون أقيمت عليه الحجة، ما بين له.
هناك فرق إذًا بين التبديع المطلق وتبديع الشخص المعين، فلا يحكم على الرجل بكونه مبتدعًا بمجرد وقوعه في البدعة، فقد يكون وقع فيها عن جهل أو خطأ، وليس عن عمد وقصد، وليس من العدل أن نصفه بالابتداع في الدين إلا بعد إقامة الحجة عليه، وعلى هذا جرى عمل سلف الأمة، فإنهم يحكمون على الفعل الذي وقع من شخص أنه بدعة،  ولا يحكمون على الفاعل المعين أنه مبتدع إلا إذا تحققت شروط التبديع وانتفت موانعه.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع" [مجموع الفتاوى:10/372].
بهذا نكون قد أنهينا الكلام عن موضوع الانحرافات عن منهج السلف في البدعة والتبديع.
نسأل الله أن يرزقنا اتباع الحق والعمل به، والثبات عليه، وصلى الله على نبينا محمد.