المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد.
فقد عرفنا طرفاً من معاملة النبي ﷺ مع ذوي المال والغنى، فكيف كانت معاملته ﷺ مع الفقراء والمساكين؟
عرفنا في الدرس الماضي أنه ﷺ كان يتصدق عليهم من ماله، وكان يؤثرهم على نفسه، ويأمر أصحابه بالصدقة عليهم.
كان ﷺ يواسيهم كما كانت عادته مع أهل الصفة، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها.
كان ﷺ يقسم الفقراء بين أصحابه ليطعموهم، وكان ﷺ يقاسمهم ما عنده، ويواسيهم ويصبرهم.
ولذلك فإنه ﷺ كان يتحمل ويجوع ليطعمهم.
كان من هديه ﷺ في التعامل مع الفقراء والمساكين: أنه يدنيهم ويجالسهم ويخالطهم.
فعن عثمان بن اليمان -من أتباع التابعين- قال: لما كثرت المهاجرون بالمدينة، ولم يكن لهم دار ولا مأوى، أنزلهم رسول الله ﷺ المسجد، وسماهم أصحاب الصفة، وكان يجالسهم ويأنس بهم.
وقد عدهم بعض العلماء، عدّ من أسمائهم مائة يزيدون وينقصون، بحسب السفر، وما يصيبهم من عرض الموت، وكذلك ما يكون من تغير الأحوال بهم.
مجالسة الفقراء
يجالسهم ﷺ امتثالاً لقوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[الكهف: 28].
امتثل هذه الوصية من ربه يصبر نفسه مع المؤمنين لو كانوا فقراء، وكان مع أمثال صهيب وبلال وعمار، وخباب، وسلمان، وابن مسعود، وربما كانت عليهم جباب تفوح منها رائحة العرق لفقرهم، ومع ذلك لم يأنف من الجلوس معهم.
ولما جاء كبراء قريش يقولون: إذا أردتنا أن نجلس إليك، فأقم هؤلاء الأعبد، اطرد هؤلاء من المجلس.
ولكن: وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ [هود: 29].
قالوا: خصص لنا مجلساً، نحن الأشراف، لا نريد هؤلاء الضعفاء معنا، لا يليقون بحالنا.
مر الملأ من قريش برسول الله ﷺ كما قال ابن مسعود وعنده: صهيب وعمار وبلال وخباب، وغيرهم من ضعفاء المسلمين.
فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك؟
يعني بدلاً ما تجلس معنا احنا قومك، رضيت بهؤلاء الفقراء الضعفاء.
أهؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا، نحن نكون تبعاً لهؤلاء، اطردهم عنك، فلعلك إن طردتهم أن نتبعك، فنزلت هذه الآية: وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 52]. [رواه ابن ماجه: 4128، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 3297].
وفي رواية لمسلم عن سعد قال: كنا مع النبي ﷺ ستة نفر، فقال المشركون للنبي ﷺ: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله ﷺ ما شاء أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله : وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الأنعام:52] [رواه مسلم: 2413].
مواساة الفقراء بما يزيد أجرهم
ومن معاملة النبي ﷺ لهؤلاء أنه كان يواسيهم بما يلحقهم بالمتصدقين من الأغنياء.
فجاء فقراء المهاجرين رسول الله ﷺ فقالوا: ذهب أهل الدثور -جمع دثر، الدثور: الأموال الكثيرة- بالدرجات العلى والنعيم المقيم، قال: وما ذاك؟ قالوا: يا رسول الله يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق -تفوقوا علينا- شاركونا في عبادات وتفوقوا علينا.
فقال رسول الله ﷺ: أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثلما صنعتم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة، -ذهب هؤلاء الفقراء ثم رجعوا بعد حين- قالوا: يا رسول الله، سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله. رجع التفوق مرة أخرى، فقال رسول الله ﷺ: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء [رواه البخاري: 843، ومسلم: 595].
فالإنسان إذا وصل إلى مرحلة لا قبل له بالمنافسة فحسب أن يعمل أقصى ما يستطيع، وهنيئاً لمن وفقه الله للمزيد وأنعم عليه، لا نحسده ولا نتمنى زوال النعمة عنه.
كان ﷺ يسأل الله حب الفقراء والمساكين
وكان ﷺ يسأل الله حب الفقراء والمساكين، فيقول في الدعاء: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين[رواه الترمذي: 3233] وهو حديث صحيح [صحيح الترمذي: 2580].
وقال لأبي ذر وصية بليغة جداً.
قال أبو ذر: "أمرني خليلي ﷺ بسبع: أمرني بحب المساكين، والدنو منهم، -هذه وصية، ما هي الوصية يا إخوان؟ حب المساكين والدنو منهم-، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت، يعني: وإن قاطعوك وإن أدبروا عنك صلهم أنت، قال: وأمرني أن لا أسأل أحداً شيئاً، وأمرني أن أقول بالحق وإن كان مراً، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن من كنز تحت العرش [رواه الإمام أحمد: 21453، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 2166].
كان ﷺ يسأل عن أحوالهم ويتفقدهم ويهتم بشؤونهم
النبي ﷺ من سيرته مع الفقراء: أنه كان يسأل عن أحوالهم، يتفقدهم، يهتم بشؤونهم.
فمرضت مسكينة فأخبر رسول الله ﷺ بمرضها، وكان ﷺم يعود المساكين ويسأل عنهم، فقال رسول الله ﷺ: إذا ماتت فآذنوني بها -أعلموني وأخبروني- فخرج بجنازتها ليلاً"، ماتت المسكينة بالليل والنبي ﷺ نائم فكرهوا إزعاجه، فجهزوها وخرجوا بها، كرهوا أن يوقظوا رسول الله ﷺ، ودفنوها، "فلما أصبح رسول الله ﷺ أخبر بالذي كان من شأنها، فقال: ألم آمركم أن تؤذنوني بها؟ فقالوا: يا رسول الله كرهنا أن نخرجك ليلاً ونوقظك. فخرج رسول الله ﷺ، يعني: إلى البقيع المقبرة، حتى صفّ بالناس على قبرها، وكبّر أربع تكبيرات". [رواه مالك في الموطأ: 533، والشافعي: 1666، والنسائي: 1907] ، وهو حديث صحيح. [صححه الألباني صحيح وضعيف سنن النسائي: 1907].
اهتم بأمر المعدمين من المساكين، ومنهم ذو البجادين لما توفي، يقول ابن مسعود : "قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله ﷺ في غزوة تبوك، فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر، فاتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمر، وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات، وإذا هم قد حفروا له، ورسول الله ﷺ في حفرته.
يعني نزل في القبر تحت، وأبو بكر وعمر يدليانه إليه، وهو يقول: أدنيا إليّ أخاكما فدلياه إليه، فلما هيأه لشقه، وضعه على شقه الأيمن في القبر كما يكون النائم في السنة على الشق الأيمن، قال: اللهم إني أمسيت راضياً عنه فارض عنه قال عبد الله بن مسعود: يا ليتني كنت صاحب الحفرة.
من هذه الدعوة قال: يا ليتني كنت صاحب الحفرة.
قال ابن هشام: "وإنما سمي ذا البجادين؛ لأنه كان ينازع إلى الإسلام فيمنعه قومه من ذلك ويضيقون عليه، حتى تركوه في بجاد ليس عليه غيره، استولوا على أمواله، وعلى كل شيء عنده، حتى صار فقيراً معدماً لا شيء عنده، إلا بجاد كساء غليظ، كساء غليظ فقط، فهرب منهم إلى رسول الله ﷺ، فلما كان قريباً منه شق بجاده باثنين، فاتزر بواحد واشتمل بالآخر، ثم أتى رسول الله ﷺ، فقيل له: ذو البجادين لذلك". [سيرة ابن هشام: 2/527].
يعني: نحن ينبغي أن نحمد الله على نعمة الإسلام إذا كان الواحد بعافية، وكان يملك أمره، وما عليه تضييق.
هذا ذو البجادين كان مضيقاً عليه، كان أسيراً عند قومه مسجوناً، استولوا على أمواله حتى هرب منهم ببجاد، ما عنده غيره.
قضاء حوائج الفقراء
كان ﷺ يقضي حاجة ذوي الحاجة من هؤلاء المحتاجين، ومر معنا أن امرأة عجوزاً استوقفته طويلاً فوقف معها لقضاء حاجتها.
وكذلك فإنهم كانوا إذا سألوه أجابهم.
فجاء في المسند عن ربيعة بن كعب، هذا رجل فقير من الصحابة من أهل الصفة، أهل الصفة لا مال ولا مأوى في المسجد هذا مكانهم.
قال: "كنت أخدم رسول الله ﷺ وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع، حتى يصلي رسول الله ﷺ العشاء الآخرة.
أخدمه من الصباح إلى الليل- فأجلس ببابه إذا دخل بيته.
أقول: لعلها أن تحدث لرسول الله ﷺ حاجة -يصير طوارئ في الليل يكون أنا جاهز موجود مستعد- فما أزال أسمعه يقول ﷺ: سبحان الله سبحان الله سبحان الله وبحمده حتى أملّ، فأرجع، أو تغلبني عيني فأرقد، فقال لي يوماً لما يرى من خفتي له وخدمتي إياه: سلني يا ربيعة أعطك، فقلت: أنظر في أمري يا رسول الله ثم أعلمك ذلك.
القضية هذه الآن خطيرة كبيرة يعني سلني أعطك هذه يبغا لها تفكير وإعداد، قال إذن مادام صارت سلني أعطك مهلة، أعطيني مهلة- قال: ففكرت في نفسي، فعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة، وأن لي فيها رزقاً سيكفيني ويأتيني، فقلت أسأل رسول الله ﷺ لآخرتي فإنه من الله بالمنزل الذي هو به.
قال: فجئت، فقال: ما فعلت يا ربيعة؟ فقلت: نعم يا رسول الله، أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار، وفي رواية لمسلم: فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، فقال: من أمرك بهذا يا ربيعة؟ من علمك هذا يا ربيعة؟ فقلت: لا والله الذي بعثك بالحق، ما أمرني به أحد، ولكنك لما قلت سلني أعطك، وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به، نظرت في أمري، وعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لي فيها رزقاً سيأتيني، فقلت أسأل رسول الله ﷺ لآخرتي، فصمت رسول الله ﷺ طويلاً ثم قال لي: إني فاعل، فأعني على نفسك بكثرة السجود [رواه أحمد: 16628، قال الألباني في إرواء الغليل: إسناده حسن: 2/209]. وأصله في مسلم [489].
الثناء على الفقراء
كان ﷺ يثني على الفقراء، ويرفع من شأنهم، ليعوضهم مما فاتهم من الدنيا ويجبر كسرهم ﷺ.
فقال مرة: إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء إلى الجنة بأربعين خريفاً رواه مسلم [2979].
هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله؟ يسأل النبي ﷺ أصحابه ذات يوم، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء والمهاجرون الذين تسد بهم الثغور، ويتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاءً –حاجته في صدره لا يستطيع أن يقضيها ولا تقضى له-: فيقول الله لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيوهم، فتقول الملائكة: نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؟ قال: إنهم كانوا عباداً يعبدوني لا يشركون بي شيئا، وتسد بهم الثغور، ويتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء. فتأتيهم الملائكة عند ذلك، فيدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. [رواه أحمد: 6570، وابن حبان: 7421، والبزار: 2457، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:3183].
قال ﷺ: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء [رواه البخاري: 3241، ومسلم: 2737].
إذن هذا تعزيز نفسي، النبي ﷺ يواسيهم، فاتهم الدنيا الآن، فاتتهم الأموال.
الاقتراب من الفقراء
وكان ﷺ يرغب في الفقراء، يرغب أن يؤتى بالفقراء، يرغب أن يقترب منه الفقراء، يرغب أن يكونوا معه.
لماذا يريد صحبتهم لماذا؟
قال ﷺ: أبغوني الضعفاء -أين هم هاتوهم، قربوهم- أبغوني الضعفاء، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم[رواه الترمذي: 1702، وقال: حديث حسن صحيح]. [أبو داود: 2594، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 779].
أبغوني: يعني اطلبوهم لي. الضعفاء: الصعاليك الفقراء، الذين يستضعفهم الناس لرثاثة حالهم.
لماذا؟ لأنهم من أسباب النصر. لماذا؟ لأن دعوتهم مستجابة. لماذا؟ لأنهم من أسباب نزول الرزق. بسبب بركتهم ودعائهم ينصر المسلمون.
وفي رواية النسائي: إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم[رواه النسائي: 3178، وصححه الألباني صحيح الجامع: 2388].
لأن الواحد إذا سمع عبارة: إنما ينصر هذه الأمة، إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، سيقول: طيب ضعيف، إيش عنده؟ يمكن جسده ضعيف هزيل، ما يستطيع أن يغني في القتال، فلماذا يعني كيف ننصر به؟
قال: بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم؛ لأنهم لما تجردوا عن الدنيا وزخرفها صار دعاؤهم عند الله بمكان.
الحفاظ على مشاعر الفقراء
النبي ﷺ أيضاً: كان يحافظ على مشاعر الفقراء حتى في نوع الطعام الذي يقدم لهم.
فعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله ﷺ أهدي إليه ضب فلم يأكله، -ما كان يحب الضب- قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله ألا أطعمه المساكين؟
فقال النبي ﷺ: لا تطعموهم مما لا تأكلون [رواه أحمد:24780، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: 2426].
إذن: أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ [البقرة: 267].
ونبه النبي ﷺ أصحاب الولائم إلى قضية، حتى في الزواجات.
قال ﷺ: شر الطعام طعام الوليمة، يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله [رواه البخاري: 5177]. يعني إذا دعيت إلى عرس لابد أن تجيب إذا لم يكن في منكر.
ولكن المؤسف، يعني الذي يؤسف له أن هذه الولائم يدعى إليها الأغنياء الذين ليس لهم حاجة للطعام، ويترك الفقراء الذين يحتاجون الطعام.
ولذلك يا صاحب الوليمة لا تنس الفقراء، لا تنس الفقراء، إذا وزعت البطاقات، كروت الدعوة، ليكن للفقراء منها نصيب، لازم كلهم يكونوا من الأغنياء، لا، ليكن للفقراء من وليمتك نصيب.
إعطاء الفقراء
وكان ﷺ يعطيهم، جاء حكيم بن حزام، سألت رسول الله ﷺ فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوةالدنيا فمن أخذه بسخاوة أخذه بكرم نفس لا شره ولا إلحاح بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى[رواه البخاري: 1472].
وكان ﷺ إذا لم يجد شيئاً بالكلام الجميل: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة:263].
ناس من الأنصار سألوا رسول الله ﷺ فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده.
ماذا قال لهم؟ قال: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاءً خير وأوسع من الصبر [رواه البخاري: 1469، ومسلم: 1053].
جاءت عصابة من أصحاب النبي ﷺ، فيهم عبد الله بن مغفل المزني هذا في غزوة- قالوا: يا رسول الله احملنا، يعني احملنا دابة دواب نجاهد عليها في سبيل الله.
قال: والله ما أجد ما أحملكم عليه، فتولوا ولهم بكاء، وعزيز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا محملا، فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله أنزل عذرهم في كتابه، فقال: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ [التوبة: 91-92] [تفسير ابن أبي حاتم: 10696].
كان ﷺ يقدم حاجة الفقراء على حاجة أهله.
عن علي ، أن النبي ﷺ قال له هو وفاطمة، لما طلبوا خادماً: لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تتلوى بطونهم من الجوع [رواه أحمد: 596]، وصححه أحمد شاكر.
فإذن كان يقدم حاجتهم على حاجة أهله.
إعانة الفقراء بالرأي
وكان يعينهم في الرأي، يفتح لهم باب صنعة، يدلهم على شيء يستكفون به.
عن أنس بن مالك أن رجلاً من الأنصار أتى النبي ﷺ يسأله، فقال: أما في بيتك شيء؟ أنت يا أيها الفقير ما عندك في بيتك شيء؟ قال: بلى، حلس، يعني: كساء غليظ مما يوضع على ظهر البعير- نلبس بعضه ونبسط بعضه، هو بساطنا وهو لباسنا.
وقعب، يعني قدح، نشرب فيه من الماء، قال: ائتني بهما فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله ﷺ بيده، وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثاً، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، -في ناس يفكر في المزاد الخيري الآن اخترعوه، من زمان المزاد الخيري- فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري.
وقال: اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فأساً فأتني به ما قال روح اشتري سلع استهلاكية بالفلوس كلها ومع السلامة خلاص تنتهي الدائرة، لا، قال الآن في حاجة ملحة طعام لأهله، قال: اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فأساً فأتني به.
ما انتهت العملية، شوف حل مشكلة الفقر هذا لابد تستنبط، لابد يؤخذ منها دروس عظيمة، هذه قصص، كيف حل مشكلة الفقير حلاً مستمراً، ما هو فقط أعطيه مرة وانتهينا.
قال: "فأتاه به، فشد فيه رسول الله ﷺ عوداً بيده -جعل في القدوم مقبضاً من الخشب ليمكن الإمساك به واستعماله في القطع؛ لأنه جاب له حديدة- ثم قال له: اذهب فاحتطب وبع، اذهب واحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوماً يعني اشتغل خمسة عشر يوم ورا بعض، ما قال: لا أرينك، يعني ما تحضر درس ولا تصلي معنا، لا، لكن معناها استمر في الاكتساب هذه المدة، "فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم"، عشرة، شوف هذه فائدة الخمسة عشر يوم أنها تكون بداية يعني، بالنسبة لهم ثروة ثروة، قال: "فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً، وببعضها طعاماً، فقال رسول الله ﷺ: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة الحديث. [رواه أبو داود: 1643، وضعفه الألباني ضعيف الترغيب والترهيب: 501].
هذا يشبهه حديث: لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه [رواه البخاري: 1471].
النبي ﷺ لماذا رعى الغنم؟ كان نموذجاً للفقراء.
كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة [رواه البخاري: 2262] حتى وهو صغير، وكان زكريا نجاراً، وكان داود يأكل من عمل يده، والعلماء مضوا على هذا.
ومن أسماء العلماء: البزار، وفي البزاز، والجصاص، والخواص، والزجاج، والحذاء.. وهكذا.. أصحاب صنعة.
كان عليه الصلاة والسلام يبين لأصحابه من هو المسكين الحقيقي
قال: ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس [رواه البخاري: 1479، ومسلم: 1039].
فجمع مع المسكنة عفة وصبراً على الحاجة، وإباءً للسؤال، هذا المسكين الحقيقي.
هؤلاء الذين يسألون عند إشارات المرور، وعند أبواب المساجد لن يموتوا من الجوع، .. إذا ما أعطاه هذا سيعطيه هذا.
وبعضهم أشد غنى من بعض من يعطيهم، بعض السائلين الشحاذين هؤلاء ثروته أكثر من بعض الذين يعطونه.
يقول واحد: اكتشفنا أن هذا اللي كل رمضان يجي، ويقول الجمعية أرسلوا معي مندوباً إلى بيتي، أنه قد أعد بيتاً سيئاً كريهاً، الذي ينظر فيه يشفق عليه ويعطيه، ووراء كم شارع عنده أربع عماير، أيوه في ناس عندهم احتراف، عندهم احتراف عجيب وألاعيب سبحان الله العظيم.
خلاص هذا أراق ماء وجهه حتى ما عاد بقي فيه ماء يريقه، استمر يستمر في السؤال وخداع عباد الله.
قالت جدة عبد الرحمن بن بجيد، واسمها حواء بنت يزيد بن السكن، ممن بايع رسول الله ﷺ: يا رسول الله إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئاً أعطيه. فقال لها رسول الله ﷺ: إن لم تجدي شيئاً تعطينه إياه إلا ظلفاً محرقاً فادفعيه إليه في يده [رواه أبو داود: 1669، وصححه الألباني صحيح أبي داود: 1466].
طبعاً الظلف للدواب من البقر والغنم كالحافر للفرس، مثل حافر الفرس الظلف للشاة والبقر، لو ما وجدتي إلا هذا أعطيه إياه، ما معناه؟ رواه الترمذي، وهو حديث صحيح. يعني: لا تردي السائل ولو بأدنى شيء، ولو بأدنى شيء، يعني لا تخرجه محروقاً، لو ما رأيت إلا الظلف المحرق أعطه إياه.
وعن عمرو بن معاذ الأنصاري: أن سائلاً وقف على بابهم، فقالت له جدته حواء: أطعموه تمراً، قالوا: ليس عندنا، قالت: فاسقوه سويقاً، قالوا: العجب لك نستطيع أن نطعمه ما ليس عندنا، قالت: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: لا تردوا السائل ولو بظلف محرق [رواه أحمد: 27491، وصححه الألباني صحيح الجامع الصغير: 3502].
السعي فى تزويج الفقراء
النبي ﷺ كان يسعى في تزويج الفقراء.
الفقراء لا يجدون من يزوجهم، لكنه ﷺ كان يسعى في ذلك، هذا من تعامله مع الفقراء، يسعى في زواجهم.
عن أبي برزة الأسلمي قال: كانت الأنصار إذا كان لأحدهم أيم لم يزوجها حتى يعلم: هل للنبي ﷺ فيها حاجة أم لا؟ -شوف من أدب الصحابة، من أدب الأنصار، يشاورون في بناتهم النبي ﷺ فقال رسول الله ﷺ يوماً لرجل منهم: زوجني ابنتك، قال: "نعما وكرامة يا رسول الله، ونعم عيني، قال: إني لست أريدها لنفسي، قال: فلمن يا رسول الله؟ قال: لجليبيب -هذا المسكين، هذا العبد الأسود المسكين- قال: يا رسول الله أشاور أمها، فأتى أمها، فقال: رسول الله ﷺ يخطب ابنتك، قالت: نعما، ونعمت عيني، قال: إنه ليس يخطبها لنفسه، إنما يخطبها لجليبيب، قالت: أجليبيب ابنه؟ أجليبيب ابنه؟ لا لعمر الله لا نزوجه، فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول الله ﷺ ليخبره بما قالت أمها، قالت الجارية البنت نطقت من خدرها: من خطبني إليكم؟ فأخبرتها أمها، قالت: أتردون على رسول الله ﷺ أمره؟ ادفعوني، فإنه لن يضيعني، فانطلق أبوها إلى رسول الله ﷺ فأخبره، فقال: شأنك بها، –يا رسول الله خلاص وكلناك- فزوجها جليبيباً –خلاص الولي وكل النبي ﷺ، ما هو ولي تبع الصوفية، ولي البنت، الولي وكل النبي ﷺ فخرج رسول الله ﷺ في غزوة له، فلما أفاء الله عليه، قال لأصحابه: هل تفقدون من أحد؟ بعد المعركة: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نفقد فلاناً وفلاناً، قال: انظروا هل تفقدون من أحد؟ قالوا: لا، قال: لكني أفقد جليبيباً، اطلبوه في القتلى، فطلبوه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه، فقالوا: يا رسول الله هاهو ذا إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه، فأتاه النبي ﷺ فقال: قتل سبعة وقتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه مرتين أو ثلاثاً، ثم وضعه رسول الله ﷺ على ساعديه، وحفر له، ما له سرير إلا ساعدا رسول الله ﷺ، ثم وضعه في قبره. [رواه مسلم: 2472].
ولم يذكر أنه غسله، شهيد.
وحدث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثابتاً قال: "هل تعلم ما دعا لها رسول الله ﷺ؟ قال لزوجة جليبيب: اللهم صب عليها الخير صبا، ولا تجعل عيشها كداً كدا[رواه أحمد: 19799].
قال ثابت: فما كان في الأنصار أيم أنفق منها، هل يعني أنها كثيرة النفقة، من الإنفاق لأن عندها مال كثير، أو أنها أنفق يعني ما وقفت بعد العدة؟ تنافس عليها الخطاب، مشت بسرعة، رواه أحمد، وهو حديث صحيح.
والنبي ﷺ زوج الذي لا يجد الصداق من الواهبة نفسها.
لما قالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك، فسكت، فقال الرجل: زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة، قال: هل عندك من شيء تصدقها؟قال: ما عندي إزاري، إن أعطيتها إياه، قال ﷺ: جلست لا إزار لك، فالتمس شيئا قال: ما أجد شيئاً، قال: التمس ولو خاتماً من حديد، فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال رسول الله ﷺ: هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا لسور سماها، قال: قد زوجتكها بما معك من القرآن [رواه البخاري: 5029، ومسلم: 1425].
الثناء على أفكار الفقراء الإبداعية
كان النبي ﷺ يثني على الأفكار الإبداعية كما يسمونها الآن.
في حل المشكلات للمجموعات الفقيرة.
قال ﷺ: إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزويعني فني طعامهم، أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم [رواه البخاري: 2486، ومسلم: 2500].
هذا المواساة، اجمع ما عند الجميع، واقسمهم واقسمه بينهم بالسوية. يشبه فكرة الاشتراكات والأشياء التعاونية.
وهكذا كان ﷺ يحث على ترك الذنوب حتى لا تجلب الفقر؛ لأن العبد قد يحرم من الرزق بالذنب يصيبه.
النبي ﷺ يخشى على الأمة من الدنيا
والنبي ﷺ بين لنا أنه ما يخشى على أصحابه الفقر، لكن يخشى أن يتنافسوا على الدنيا.
قال ﷺ: أبشروا وأملوا ما يسركم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم [رواه البخاري: 4015، ومسلم: 2961].
وقال أيضاً في رواية لما خرج على أصحابه وهم يذكرون الفقر، ويتخوفون منه، قال: آلفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده لتصبّن عليكم الدنيا صباً، حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه، وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء [رواه ابن ماجة: 5، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 688]. هيه: ضمير الدنيا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.