الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن تعاملات النبي ﷺ مع أصناف الناس جديرة بالدراسة، والبحث، وذلك لأنها تعطي المسلم المنهج الذي يتعامل به مع من حوله، ومَن حول المسلم لا يخلو أن يكون مسلماً، أو كافرًا، والكافر إما أن يكون كافرًا مجاهراً، أو واضحًا مظهرًا لكفره، وإما أن يكون منافقًا مخفيًا للكفر مظهرًا للإسلام.
وكذلك فإن المسلمين أيضاً أصناف؛ منهم الذكور، والإناث، والصغار، والكبار ،والسادات، والعبيد، والخدم، والأصحاب، وهكذا فإن النبي ﷺ قد تعامل مع الجميع تعاملاً يؤيده الوحي.
وقد ذكرنا طرفاً من تعامل النبي ﷺ مع المنافقين.
تأييد الوحي للنبي ﷺ في معاملته مع المنافقين
ومن ذلك أيضاً أن الوحي المنزل من السماء كان يؤيد النبي ﷺ، ويكشف له من حوله، وكيف يتعامل معهم، وتأتي الإرشادات الإلهية من رب العزة تبين للنبي ﷺ المعاملة مع المنافقين، فمرة يقول له: وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا[النساء : 63]، ومرة يقول له: جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ[التوبة : 73]، وتارة يقول له: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ[المنافقون : 4]، وتارة يقول له: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ[التوبة : 43]، وهكذا من الإرشادات التي تبين له كيف يتعامل، أما الفضح والتشهير فإنه كثير في الآيات، يبين مَن هو المنافق؟ ماذا يقول المنافق؟ ماذا يفعل المنافق؟ ما هي عادة المنافق؟ ما هي طريقة المنافق؟، وهكذا سورة التوبة التي تسمى سورة الفاضحة بينت الكثير من مؤامراتهم.
قال ابن عباس : "التوبة هي الفاضحة، ما زالت تنزل، ومنهم، ومنهم حتى ظنوا أنها لن تبقي أحد منهم إلا ذُكر فيها" رواه البخاري.
الشروط الشرعية لقبول توبة المنافقين
وقد وُجِد من المنافقين مَن تاب بعد أن نزلت فيهم الآيات؛ مثل الجُلاس بن سويد، وكان الجلاس بن سويد من المنافقين المعروفين، لكن تداركه الله برحمته، فتاب.
والله بيّن كيفية التوبة من النفاق فقال: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا [البقرة : 160]، فلا بدّ من ثلاثة شروط لتوبة المنافق، التوبة، الندم، والعزم على عدم العودة، الإقلاع عن النفاق.
وكذلك البيان أن ما كان عليه باطل، أن يبين الدين والحقيقة التي يجب أن يؤمن بها ظاهرًا، وباطنًا، وكذلك الإصلاح لأنه قد أفسد كثيراً، ولا بدّ أن يحاول إصلاح ما أفسده في السابق.
وقد قال ابن عباس عن سورة التوبة: "التوبة هي الفاضحة، ما زالت تنزل، ومنهم، ومنهم حتى ظنوا أنها لن تبقي أحداً منهم إلا ذُكر فيها". [رواه البخاري: 4503].
وكان من الذين تخلفوا عن غزوة تبوك الجُلاس بن سويد كما تقدم، يثّبط الناس عن الخروج، وكان عمير بن سعيد يتيماً في حِجره، وأمه تحت الجلاس، وكان يكفله، ويحسن إليه، تزوج أمه، وكفل اليتيم، فسمعه وهو يقول، يعني هذا الولد الصغير سمع الجلاس المنافق يقول: والله لئن كان محمد صادقاً لنحن شرٌ من الحمير، فقال له عمير: "يا جُلاس، لقد كنتَ أحب الناس إليّ، يعني أنت كفلتني، وأحسنت إليّ، أنفقت عليّ، وآويتني، ربيتني، كنتَ أحب الناس إلي، وأحسنهم عندي أثراً، وأعزهم عليّ أن يُدخل عليه شيء أكرهه، والله لقد قلتَ مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك، ولئن كتمتها لأهلكن، وإحداهن أهون عليّ من الأخرى"، ولا شك أن ذكرها مع ما فيها من فضح كافله أهون من أن يكتمها، ويهلك.
فذكر للنبي ﷺ مقالة الجلاس، فبعث النبي ﷺ إلى الجلاس، فسأله عما قال عمير، مرة أخرى نلاحظ أن النبي ﷺ كان يواجه المنافقين بما يبلغه عنهم، أنت قلتَ كذا؟
وهذا فيه فوائد؛ فإن اعترف هذا الرجل فلا شك أنه سيكون كافاً لشره، وإن أنكر فسيوضع تحت المجهر، يعرف أنه الآن تحت الاطلاع والمراقبة، فيحذر، ويخشى أن الكلمة التي بعدها تصل من طرق أخرى، وتزداد عليه التهم.
ولذلك كانت مواجهة المنافقين بما يبلغ النبي عليه الصلاة والسلام عنهم مهمة في التخفيف من شرهم، فحلف الجلاس بالله لرسول الله ﷺ أنه ما قال، وقال: لقد كذب عليّ عمير، وما قلتُ ما قال عمير، فقال عمير: "بلى، والله قلته، فتُب إلى الله تعالى، ولولا أن ينزل قرآن فيجعلني معك ما قلته" أنا خشيتُ الفضيحة خشيتُ أن يفضحني الله معك؛ لأني سكت عليك، فجاء الوحي إلى رسول الله ﷺ فسكتوا، ولا يتحرك أحد، وكذلك كانوا يفعلون، لا يتحركون إذا نزل الوحي، فرُفَع عن رسول الله ﷺ يعني ما كان يتغشاه عند نزول الوحي، فقال: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا ولَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ومَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ ومَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ ولِيٍّ ولا نَصِيرٍ [التوبة:74].
فقال الجُلاس: قد قلتُه، اعترف، وقد عرض الله عليّ التوبة فأنا أتوب، ولاشك أن هذا من المنافقين القلائل الذين أسلموا، فاعترف بذنبه، وحسُنت توبته، ولم يمتنع عن خير كان يصنع إلى عمير بن سعد.
قال عروة: "فما زال عمير في علياء بعد هذا حتى مات" يعني أن عُمير، الذي فضح هذا المنافق لا زال في علياء حتى مات، يعني أن ذلك الموقف حُفِظ له عند المسلمين، وصار بينهم في منزلة؛ لأنه كان من أسباب توبة هذا الرجل بعد فضحه، وهذه القصة قد رواها ابن جرير الطبري، وعبد الرزاق في المصنف عن عروة بن الزبير، ومعروف أن عروة إذا قال: حصل كذا في عهد النبوة فيكون الإسناد مرسلاً، قال ابن عبد البر: "وقصته مشهورة في التفاسير" يعني بالرغم من أن الإسناد مرسل، لكن قصة الجلاس، وتوبة الجلاس، ونزول الآية في الجلاس مشهورة في التفاسير.
ومن مراسيل ابن سيرين قال: "لما نزلت هذه الآية أخذ النبي ﷺ بأذن عُمير، وقال: يا غلام، وفّت أذنك، وصدقك ربك.
وهناك قصة قريبة من هذه ثابتة عن زيد بن أرقم كما تقدم.
وقد استعمل عمر بن الخطاب عُمير بن سعيد اليتيم الذي فضح المنافق لما كبر بعد ذلك على حمص أميرًا، ومات عُمير هذا بالشام، وكان عمر بن الخطاب يقول: "وددتُ لو أن لي رجلاً مثل عمير أستعين به على أعمال المسلمين". [أسد الغابة: 2/373].
كونه ضحى بالكفالة، والمكانة، والصلة، والآن إذا فضح هذا الجلاس احتمال كبير أن هذه المعونة والكفالة سوف تُقطع عنه، وربما يطرده من البيت، لكن مع ذلك آثر، وتكلم، وأدلى بشهادته، ولذلك حفظ المسلمون له هذه المكانة، وولاّه عمر أميراً على حمص بعد ذلك.
كان النبي ﷺ يصبر على أذى المنافقين؛ فعن عبد الله بن مسعود قال: "لما كان يوم حُنين آثر رسول الله ﷺ ناساً في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناساً من أشراف العرب، وآثرهم يومئذ في القسمة.
إذاً، النبي ﷺ أعطى غنائم حنين الكثيرة الضخمة من سادات القبائل، وأشراف القبائل؛ تأليفًا لهم، أناس حدثاء عهد بالإسلام، كان يخشى عليهم، فأراد أن يثبتهم أعطاهم كثيرًا، وأعطى أناس من المتهمين بعدواته، والتأليب عليه أيضاً، وأعطى أناساً من أشراف العرب؛ ترغيبًا لهم في الدخول في الإسلام.
إذًا، أعطى المؤلفة قلوبهم، أعطى أناساً لتثبيتهم، وأعطى أناساً لكف شرّهم، أعطى أناساً لجلبهم، فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عُدل فيها، وما أُريد فيها وجه الله، هذا شخص مع المسلمين مندس بينهم، بعد أن رأى القسمة بعد المعركة قال عبارة في غاية الكفر والإيذاء للنبي ﷺ، اتهام النبي عليه الصلاة والسلام أنه ليس عنده إخلاص، قسم قسمة ما أُريد بها وجه الله، يعني أراد بها ماذا؟ إذا لم يرد وجه الله بهذه القسمة، فماذا أراد بها؟ حظوظ النفس، المحاباة!، هل قسمها على الهوى؟ كلمة خطيرة جداً؛ إن هذه لقسمة ما عُدل فيها، وما أُريد بها وجه الله، اتهمه بالظلم، وضد الإخلاص، فقلتُ: "والله لأخبرنّ رسول الله ﷺ، هذه العبارات الخطيرة التي تعني شيئاً كبيرًا في قضية التفريق بين المجتمع المسلم، مؤامرات وخطط وأشياء فيها فتٌ من عضد المسلمين، التهوين من شأن النبوة، كانت تبلغ للنبي عليه الصلاة والسلام ليتعامل معها؛ لأنه لا بدّ من اتخاذ موقف لا يُسكت عليه، منكر عظيم لا يُسكت عليه، هذه ليست نميمة، هذه الآن نصرة لله ورسوله، التبليغ هنا نصرة؛ لأن هذا المنكر لا بدّ من إيقاف صاحبه عند حده، لا يمكن السكوت على أصحاب هذه المقالات، لا بدّ من رد ومعالجة، فأتيتُه، فأخبرته بما قال هذا الرجل المنافق، هذه قسمة مُا عدل فيها، وما أريد بها وجه الله.
وأيضاً، فإن النبي ﷺ عندما يبلغه هذا، فإنه سيبين للناس، لماذا قسم هكذا؟ يعني هذا تكلم ربما يوجد غيره ممن لا يتكلم، أسرّها في نفسه، إذًا، المسألة تحتاج إلى بيان، فالإبلاغ هنا مهم.
ولذلك غضب النبي ﷺ لما سمع هذا غضباً شديدًا، واحمرّ وجهه، قال الصحابي: "حتى تمنيتُ أني لم أذكره له"، مما رأى من المشقة التي بدت على النبي ﷺ، ثم قال ﷺ: فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله يعني: إذا لم أعدل فمن الذي سيعدل إذًا؟ العدل سيكون في قسمة من؟ ثم قال عليه الصلاة والسلام: يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر [رواه البخاري: 3405، ومسلم: 2494].
هذا الحديث نرى فيه حلم النبي ﷺ، وإعراضه عن الجاهل، والصفح عن الأذى، والتأسي بمن مضى من الأنبياء، والتواضع، قال: أُوذي موسى بأكثر من هذا.
والنبي ﷺ لم يؤذَ قليلاً، قال: أوذيتُ في الله وما يؤذى أحد، وأُخفت في الله وما يخاف أحد[رواه الترمذي: 2472، وابن ماجة: 151، وصححه الألباني: 123].
والمسلك الذي سلكه مع المنافقين الذين آذوه هنا، وسمع منهم في غير موطن أشدّ ما يكره، صابر استبقاهم لعلهم ينقادون تأليفًا لقلوبهم، تأليفًا لقلوب أقوامهم، تأليفاً لقلوب أولادهم؛ لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، صبر صبرًا عظيمًا ﷺ، يعني لو قام وقتل هذا الرجل الذي قال: هذه القسمة ما أريد بها وجه الله، هذا يستحق القتل بلا شك، لكن الناس البعيدين، أو العرب الذين سلطوا الأضواء على المدينة، وينظرون على هذه الشخصية التي تفوقت وانتصرت، ماذا يعمل مع الناس؟ هل يسلمون ويذهبون إليه؟ هل هو مأمون؟ فلو بلغهم أنه قتل واحداً من الذين معه بدون سبب واف، هذا رجل منافق مندس تكلم كلمة بالخطأ لم يعمل جريمة واضحة للناس، فسيقولون: محمد يقتل أصحابه، ولذلك صبر ﷺ، وتحمل لمصلحة الدعوة.
وفي هذا الحديث أن أهل الفضل قد يغضبهم ما يُقال فيهم مما ليس فيهم؛ ومع ذلك يصبرون، ويحلمون كما صنع النبي ﷺ.
معرفة المنافقين من خلال صفاتهم وسماتهم المبينة
وكان هدي النبي ﷺ يقوم على كشف صفات المنافقين، وأعمال المنافقين، وتعريف بعض أصحابه بهؤلاء، وعرفنا أن أسماء بعض المنافقين كانت تخفى على النبي ﷺ، ولكن خفاء أسمائهم لا يعني خفاء صفاتهم وعلاماتهم، بل هم معروفون؛ إما بعلاماتهم، وإما بأعيانهم، قال تعالى: وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ[محمد : 30].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: " ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم فعرفت أعيناهم، ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين"، لماذا؟ قال ابن كثير رحمه الله "ستراً منه تعالى على خلقه".[تفسير ابن كثير: 7/321].
حتى المنافقين، لم يكشف الله كل أسماءهم، لعل بعضهم أن يتوب، وفي هذا درس في الستر على عباد الله، وتعليماً لعباده بإجراء الأمور على ظاهرها، وأن الأصل التعامل مع الناس على ظاهر حالهم.
لماذا لم يكشف الله كل أسماء المنافقين؟ ليبين تعالى أن السرائر هو الذي يعلمها، ويتفرّد بعلمه.
وقوله: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد: 30]، يعني فيما يبدو من كلامهم، ويدل على مقاصدهم، وهذا الفحوى، وفحوى الكلام هو لحن القول.
والصحابة رضوان الله عليهم، وإن لم يعلموا بعض المنافقين إلا أنهم كانوا يعرفونهم أيضاً بصفاتهم، ومن ذلك قول عبد الله بن مسعود وهو يتحدث عن صلاة الجماعة "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق" [رواه مسلم: 1520].
وقال كعب وهو يحكي قصة تخلّفه عن غزوة تبوك: "فطفقتُ إذا خرجتُ للناس بعد خروج رسول الله ﷺ يحزنني أني لا أرى لي أُسوة إلا رجلاً مغموصًا عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء" رواه البخاري ومسلم. مغموصًا يعني مطعونًا عليه في دينه، متهم بالنفاق، وظاهر هذا أن الصحابة كانوا يعرفون المنافقين بصفاتهم؛ لأن كعب يقول وهو يطوف في المدينة بعد أن خرج الجيش إلى تبوك: "يحزنني أني لا أري لي أسوة إلا رجلاً مغموصًا عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله". [رواه مسلم: 7192].
ومن الحكمة أن تُربط الأشياء بالعلامات، والصفات، وليس بأسماء معينين؛ لأن النفاق ظاهرة متكررة، ولو بينت أسماء هؤلاء كلهم فما الذي يدل العصور أصحاب العصور الأخرى والأجيال القادمة على المنافقين؟
لكن الآيات تولّت بيان الصفات والعلامات؛ لأنها تتكرر، ومن تأمّل، وطابق بين صفات المنافقين الموجودة في التوبة، والمنافقين في سورة النور، وسورة البقرة، وسورة النساء، وسورة الأحزاب، وغيرها من السور، سيجد أن صفات هؤلاء موجودة في كثيرة من الكتّاب، والصحفيين، والممثلين الذين يتكلمون الآن على الملأ أن علامات النفاق موجودة فيهم، وما ذكره الله موجود في كتاباتهم، وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ[محمد : 30]، وكلامهم الذي يقولونه في تمثيليات، أو في تصريحات مهمة، أو في مقالات أو أشياء يكتبونها.
فإذاً، بيان العلامات هذه ولتعرفنهم في لحن القول، ونماذج من كلماتهم التي قالوها، وما هي مقاصدهم، ويخادعون الله والذين آمنوا، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم، بينما في الظاهر يقولون للمؤمنين: إنا معكم، هؤلاء الذين يدعون الإصلاح، وهم مفسدون، علامات كثيرة جداً، هذه متكررة في كل عصر ومصر.
وكان النبي ﷺ يذكر صفات هؤلاء ليحذر الصحابة والناس منهم
فقال ﷺ: ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً [رواه البخاري: 657].
قال ابن رجب رحمه الله: "وإنما ثقلت هاتان الصلاتان على المنافقين أكثر من غيرهما من الصلوات؛ لأن المنافقين كما وصفهم الله في القرآن: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء : 142]، والمرائي إنما ينشط للعمل إذا رآه الناس، فإذا لم يشاهدوه ثقل عليه العمل".
وكان النبي ﷺ يصلي هاتين الصلاتين في الظلام، فإنه كان يغلّس بالفجر غالباً، يعني يبكر، ويؤخر العشاء الآخرة، ولم يكن في مسجده حينئذ مصباح.
يقول ابن رجب في فتح الباري: "كانت صلاة الفجر والعشاء في مسجد النبي ﷺ في ظلمة، الفجر في أول الوقت"، أي أن النور لم ينتشر بعد، والعشاء يؤخرها في شدة الظلمة، فالمنافقون يتسترون بالظلمة؛ لأنهم لن ينكشفوا إذا لم يحضروا، يتسترون بالظلمة، ويظنون أن ذلك يخفى على النبي ﷺ" [فتح الباري لابن رجب: 4/49] .
الآن جاءت الكهرباء، وصارت المساجد في صلاتي الفجر والعشاء فيها كهرباء، فصارت أثقل الصلوات الظهر والعصر في رمضان، وفي غير رمضان، لا زالت الفجر هي أثقل الصلوات.
ومن صفاتهم تأخير الصلاة إلى آخر وقتها: ففي صحيح مسلم، عن أنس بن مالك قال: "سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعاً، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً [رواه مسلم: 1443].
يعني بين قرني الشيطان يحاذيها، يعني الشيطان يحاذي الشمس بقرنيه عند غروبها، وكذا عند طلوعها، فلماذا يحاذي الشيطان الشمس بقرنيه عند طلوعها وعند غروبها؟ له قرنان يحاذي بهما الشمس عند طلوعها وعند غروبها؛ لأن أولياءه الذين فتنهم وأضلهم يسجدون للشمس، ويعبدونها، فهو يحاذيها، ويضلهم، وينظرون إليهم، وهم يسجدون للشمس التي فتنهم بعبادتها، ومراده أن يكون الساجدين لها في صورة الساجدين له، ويخيل لنفسه ولأعوانه أنهم إنما يسجدون له.
وقد بين النبي ﷺ لأصحابه بعض الصفات السيئة التي تكون فيهم، فقال عليه الصلاة والسلام: أية المنافق ثلاث، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان [رواه البخاري: 33، ومسلم: 220].
وفي البخاري واللفظ له ومسلم، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ قال: أربعٌ من كن فيه كان منافقًا أو كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر [رواه البخاري: 34].
يعني ليته إذا خاصم بين حجته فقط، فنّد حجة خصمه، عاقب بمثل ما عُوقب به، لا، إذا خاصم طغى، وبغى، وأجحف، وظلم، إذا خاصم فجر في الخصومة أيمان كاذبة، اعتداء، ظلم، ضرب كل شيء، اتهامات باطلة، افتراءات؛ إذا خاصم سبّ وشتم، ألفاظ مقذعة، إذا خاصم وغضب أطلق أشياء عجب إذا خاصم فجر.
وسورة التوبة مليئة بالصفات التي تفضح هؤلاء المنافقين، وتكشف حقائقهم للمؤمنين، ومن ذلك أن المنافقين لا ينالون فقهاً، ولا سمتاً حسناً كما قال تعالى: ولكن المنافقين لا يفقهون، وقال ﷺ: خصلتان لا تجتمعان في منافق حسن سمتٍ، ولا فقه في الدين رواه الترمذي، وصححه الألباني.
حسن السمت يعني حسن السيرة والطريقة، تحرّي طرق الخير، التزيي بزي الصالحين، التنزّه عن المعايب الظاهرة والباطنة، هذا حسن السمت، وهذا من النبوة، وقوله: ولا فقه في الدين، حقيقة الفقه في الدين: ما وقع في القلب، وظهر على اللسان فأفاد العمل، وأورث الخشية لله، والتقوى أما الشهادات ما هي بالضرورة تدل على فقه في الدين ولو واحد عنده ماجستير، أو دكتوراه في الدين والشريعة، والدراسات الإسلامية، وكان بعض العلماء الذين درسوا على مشايخهم أرسخ قدماً، و أعلمهم، ليست هناك مقارنة بينه وبين خريجي الكليات الشرعية، عندما ينظر إلى ما يشيع في قضية بعض الكليات التي تعطي شهادات مزورة، يعني فيها كذب، وفيها غش، وفيها واحد يكتب بحث لواحد، فيسمي هذه الشهادات الجامعية شهادات زور يقول: هذه شهادة زور، و قال بعضهم من هؤلاء العلماء الكبار: أنا خريج جامعٍ، ولستُ خريج جامعة، وليس الذكر كالأنثى، جامع غير جامعة لكن هناك من تخرج من كليات الشرعية بطبيعة الحال يريد وجه الله، وإعلاء شأن الدين، وابتغاء طلب العلم الشرعي، والفقه، وحصل خيرًا كثيرًا، يعمل بما علم، ويدعو إليه في ما يخلو هذا كثير، والحمد لله لكن في الجانب الآخر يوجد من المتخرجين من الكليات الشرعية من لا يساوي الحبر الذي طُبعت به شهادته.
والنبي ﷺ قد بين لنا من صفات المنافقين التذبذب، والتبعية الإمعية، التقليد المذموم، فعن ابن عمر أن النبي ﷺ قال: مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة [رواه مسلم: 7220] ، والعائرة الحائرة التي لا تدري أيهما تتبع، ومعنى تعير: تتردد، وتذهب.
قال السندي: "العائرة أي: المترددة بين قطيعين من الغنم، وهي التي تطلب الفحل، فتردد بين قطعتين، ولا تستقر مع إحداهما، والمنافق، وإن كان مع المؤمنين بظاهره، لكنه مع المشركين بباطنه، تبعًا لهواه، وغرضه الفاسد، فصار بمنزلة الشاة العائرة بين الغنمين، هو بظاهره مع المسلمين، وبباطنه مع الكافرين. [حاشية السندي على سنن النسائي: 8/124].
تحذيره ﷺ من إيذاء المنافقين للمؤمنين
وكان ﷺ يحذر من إيذاء المنافقين للمؤمنين، فقد صعد المنبر، وقال: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه –ما وصل- لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله حديث حسن صحيح. [رواه الترمذي: 2032، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 7985].
والمنافقون يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ولذلك لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة.
وكذلك فإن من صفاتهم إيذاء عباد الله المؤمنين بالإفك والبهتان كما فعلوا بعائشة، والطعن في أي عامل يعمل عمل خيري، أو مشروع خيري هذا من صفات المنافقين، وكثير الآن في الجرائد الطعن في أهل الخير، والمشاريع الخيرية، والأعمال الخيرية من قبل المنافقين، لا يتحملوا أعمال خيرية، لابد أن يطعنوا فيها، نشاط مسجد، نشاط مدرسة، نشاط كلية، أي شيء لا بد أن يطعنوا فيه.
ومن تأمّل في هؤلاء الكتّاب الصحفيين عرف أن كثيراً منهم من المنافقين المذكورين في سورة البقرة والتوبة هم منهم مثل أيش يعني حديث النبي ﷺ، لما أمر بالصدقة، وجاء الصحابة يتصدقون، وجاء واحد بصُرّة كادت كفه تعجز عنها، وجاء آخر بشيء قليل، هذا الذي تيسر له، فماذا قال المنافقون؟ قالوا للذي جاء بنصف صاع: إن الله لغني عن صدقة هذا، صدقته ما لها قيمة، وقالوا للآخر الذي جاء بالصُرّة الكبيرة ما فعل هذا الآخر إلا رياء، فنزل قول الله تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ[التوبة : 79].
لأن المنافقين لا يريدون أعمالاً خيرية، يكرهون العمل الخيري، فيعبرون عن كرههم للعمل الخيري بلمز أصحابه؛ أن هذا مرائي، وهذا يريد كذا، وهذا يقصد كذا، وهذا وراءه أهداف مشبوهة، تجد كلام المنافقين يدور على أصحاب العمل الخيري أن وراءهم أهداف مشبوهة لماذا؟ للطعن، لا يريدون أن يقوم عمل خيري، فالحل هو الطعن عندهم في أي شخص عنده مشروع خيري، وعمل خيري، يطعنون فيه مباشرة، يلمزن المطوعين من المؤمنين في الصدقات، وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ، ويتصدقون بالقليل الذي وجدوه، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ، ماذا تفعل صدقة هذا؟ وماذا عساها أن تفعل؟، وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[التوبة : 79].
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يخبر بعض أصحابه عن منافقين بأعيانهم
ففي صحيح البخاري، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل عليّ النبي ﷺ يومًا، وقال: يا عائشة، ما أظن فلانًا وفلانًا يعرفان من ديننا شيئاً عندهم جهل تام، قال الليث الراوي: "كان رجلين من المنافقين" [رواه البخاري: 6067].
وفي صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قدِم من سفر فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة تكاد أن تدفن الراكب مما تهيل من الرمل على قوافل المسافرين، تغيّب عن الناس لشدتها، فقال رسول الله ﷺ: بُعثت هذه الريح لموت منافق[رواه مسلم: 7218].
يعني: هذه الريح ليست ظاهرة عادية، لا، هذه الريح وراءها موت منافق، يعني عقوبة له، وعلامة على موته، وأن البلاد والعباد ارتاحوا منه، فالله قد يجعل بعض الأعاصير، أو الرياح القاسية شديدة الهبوب تنبعث لموت منافق عظيم، قال: "فلما قدمنا المدينة فإذا منافق عظيم من المنافقين قد مات"[رواه مسلم: 7218]، ونظروا قيل: هو زيد بن رفاعة من اليهود، يهودي منافق الذي مات في ذلك اليوم، وكان من عظماء بني قينقاع أسلم ظاهرًا، لكن في الحقيقة باقٍ على يهوديته، منافق من أشداء المنافقين.
وفي صحيح مسلم أيضاً، عن إياس قال: "حدثني أبي، قال: عدنا مع رسول الله ﷺ رجلاً موعوكاً مريضاً، فوضعتُ يدي عليه فقلت: والله ما رأيتُ كاليوم رجلاً أشدّ حرًا، فقال نبي الله ﷺ: ألا أخبركم بأشد حرًا منه يوم القيامة، هذينك الرجلين الراكبين المقفيين [رواه مسلم: 7219].
كان هناك رجلان قد وليا أقفيتهما إلى الصحابة راكبين من بعد، فهما الآن على مرأى من الصحابة، فقال: إذا رأيتم هذا الذي أصابته الحمى للمرض، حر شديد، أشد منه حرارة يوم القيامة هذين الرجلين المقفيين اللذين وليا ظهرهما. قال النووي: "سمّاهما من أصحابه لإظهارهما الإسلام والصحبة، لا أنهما ممن نالتهما فضيلة الصحبة". [شرح النووي: 9/162].
فضحه ﷺ لشخصيات لمنافقين
ومن ذلك أيضاً أن النبي ﷺ أحيانًا كان يفضح بعض المنافقين بأشخاصهم عن أبي هريرة قال شهدنا خيبر فقال رسول الله ﷺ لرجل ممن معه يدعي الإسلام: هذا من أهل النار، واحد يدعي الإسلام، يُقال عنه: هذا من أهل النار، وهذا الرجل مشهور أن اسمه قزمان، كان منافقاً
فلما حضر القتال قاتل الرجل أشدّ القتال حتى كثرت به الجراح، أمر غريب، منافق شجاع فقيل: يا رسول الله، الذي قلت له: إنه من أهل النار، فإنه قد قاتل اليوم قتالاً شديدًا، وقد مات، فقال النبي ﷺ: إلى النار فكاد بعض الناس أن يرتاب، رأوا أمامهم شجاعة متناهية، شخص قاتل، وجرِح، ومات، كيف يكون إلى النار؟ فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت، ولكن به جراحاً شديدًا، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأُخبر النبي ﷺ بذلك فقال: الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله هذا جاء بالوحي فاتضح بعد ذلك أن الرجل انتحر، ثم أمر بلالاً فنادى بالناس: إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر [رواه البخاري: 3062، ومسلم: 319].
إذًا، بعض المنافقين يمكن أن يقاتل بشجاعة، لكن إما أن يقاتل عصبية، وإما أن يقاتل لمغانم دنيوية، وإما يقاتل ليُقال: فلان شجاع، وجرئ، وهذا بالإضافة إلى انتحاره، فإن دخوله في القتال أصلاً ليست لله، فانكشف يوم أن انتحر أن نيته ما كانت لله، ويؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
وهذه فيها موعظة بالغة يمكن أن يوجد في جيش المسلمين أناس أصحاب شجاعة، ويمكن أن يأتي واحد يؤيد المسلمين، ويكتب كتابات، ويخطب خطب، ويهتدي أناس على خطبه، وهو منافق، فإن قال قائل: كيف اهتدى أناس على خطبه، وهو منافق؟ فيُقال: إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، يعني يحصل أحيانًا أما أكثر من يؤيد الله بهم الدين فهم المؤمنون بلا شك، والله يؤيد دينه بأهل الإيمان، لكن أحياناً لحكمة قد يؤيد دينه برجل فاجر، ممكن يأتي واحد مثلاً عنده شيء من القوة والسلطان، ويعمل أعمال وأشياء فيها مصلحة للدين، لكن إذا نظرتَ إلى سيرته، في نفسه آثام، ومعاصي، ومنكرات، وكبائر، فإن قيل: كيف هذا؟ لان استفاد منه الدين أو عمل إنجازات استفاد منها الدين، أو عمل أعمالاً استفاد منها المسلمون، وهذا حاله؟ فيُقال: إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر يعني ليس أي واحد عمل إنجازات للدين أنه يكون بالضرورة مسلمًا مخلصًا مؤمنًا، لا، قد يعمل مشاريع، وأشياء، وهو فاجر.
وكان النبي ﷺ أحيانًا يصارح بعض أصحابه، ويخبرهم بصفات واضحة عن منافق معين كأنه سمّاه
ففي مسند أحمد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله ﷺ جالساً في ظل حجرته، قد كاد يقلص عنه الظل، فقال لأصحابه: يجيئكم رجل ينظر إليكم بعين شيطان، فإذا رأيتموه فلا تكلموه، فجاء رجل أزرق، وكان العرب يعنون بالأزرق أزرق العينين، وكانت العرب تتشاءم بصاحب العينين الزرقاء، وتعده لئيماً، وليس شرطاً أن يكون الشخص صاحب العيون زرقاء لئيماً.
فلما رآه النبي ﷺ فقال: علامَ تشتمني أنت وأصحابك؟ قال: كما أنت حتى آتيك بهم فذهب فجاء بهم، فجعلوا يحلفون بالله ما قالوا، وما فعلوا، وأنزل الله : يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ[المجادلة: 18]، الآية. [رواه أحمد: 2407، وحسنه محققو المسند]. قال ابن كثير: إسناده جيد، وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر رحمه الله.
إذًا، عيّن لهم الرجل، قال: ينظر إليكم بعين شيطان، فإذا رأيتموه فلا تكلموه.
والنبي ﷺ واجه الرجل، قال: علامَ تشتمني أنت وأصحابك؟ يعني من المنافقين الآخرين فذهب، وجاء بهم يحلفون على الكذب.
نهيه ﷺ عن إكرام المنافقين
وكان النبي ﷺ ينهى عن إكرام المنافقين، فقال: لا تقولوا للمنافق سيّد، فإنه إن يكن سيداً فقد أسخطتم ربكم [رواه أبو داود: 4977، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 7405]. رواه أبو داود، وهو حديث صحيح.
فالذي يقول للمنافق: السيد فلان الفلاني، والذي يكرمه بهذه الألفاظ يكون قد أغضب الله تعالى؛ لأن هذا المنافق الذي يطعن في دين الله لا يمكن أن يُعظّم، ويكرم يُسبغ عليه ألفاظ تكريم.
لم يكن يسند لأحد من المنافقين ولاية عامة إطلاقًا
والنبي ﷺ لم يكن ليسند لأحد من المنافقين ولاية عامة إطلاقًا، ولم يأتمنهم على مصالح الأمة، ولا على وظائف المسلمين، ولم يكن ليسند إليهم جباية الأموال، ولا إمارة الحرب، ولا القضاء بين الناس، ولا الإمامة في الصلاة، أيّ ولاية من الولايات، ما كان له أن يسندها إلى منافق؛ لأنهم يكفرون بالله ورسوله، ويحاربون المؤمنين، ويكيدون لهم.
ونختم موضوع التعامل مع المنافقين بقول حذيفة : "إن المنافقين اليوم شرٌ منهم على عهد رسول الله ﷺ، لماذا؟ قال حذيفة: "كانوا يومئذٍ يسرون، واليوم يجهرون". [رواه البخاري: 7112].
وفعلاً، انظر إلى تصريحاتهم في الصُحف، انظر إلى ما يقولونه تجد أن المجاهرة وصلت عندهم مبلغاً عظيماً.
قال ابن بطال رحمه الله في شرح حديث حذيفة: "إنما كانوا شراً ممن كان قبلهم لأن الماضين كانوا يسرون قولهم فلا يتعدى شرهم إلى غيرهم، وأما هؤلاء اليوم يجاهرون" [فتح الباري: 13/74].
عندهم الطعن، واللمز، والسخرية بالمؤمنين مجاهرة، كانوا من قبل كان هناك اثنين مع بعض من المنافقين مثلاً، واحد يقول: ما رأينا مثل قرائنا أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، أحد الصحابة يسمع ثم يبلغ، أو أن شخصين منافقين يتحدثان مع بعض، يقول أحدهما للآخر: إن الله لغني عن صدقة هذا، وهذا مرائي، وهذا كذا، فيكون أحد الصحابة قد سمع فيبلغ.
أما الآن فإن الذي كان يُعمل سراً صار علناً في الصحف، هذه المجاهرة التي نراها الآن تبين كيف أن حذيفة ، قال هذا الكلام، وفقه حال هؤلاء، وقدم النصيحة لنا ولأجيال الأمة حتى نحذر من هؤلاء.
نسأل الله أن يطهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.