الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

07- التأني


عناصر المادة
منزلة خُلُق التَّأنِّي
عكس التَّأنِّي: العجلة
التَّأنِّي في اتخاذ القرارات
التَّأني في استعمال الشَّيء حتى يعرف حكمه
التَّأنِّي في الإنكار والحكم على الآخرين
التَّأنِّي في الطَّلاق
تأني الدَّاعية إلى الله مع المعرضين
التَّأنِّي وعدم الاستعجال قبل أمر الأمير أو القائد
عدم استعجال النَّصر
التَّأنِّي في انتظار إجابة الدُّعاء
التَّأني في الطَّهارة
تأني من وُضع بين يديه العشاء وأُقيمت الصَّلاة
تأنِّي الإمام واستعجاله بحسب حضور المصلِّين
الصَّبر والأناة لما يصيب المسلم من الجروح والأمراض وعدم استعجال الموت
التَّأنِّي مع العلماء والشُّيوخ وعدم الاستعجال في سماع الجواب
تأنِّي المتحمِّس بالخير حتى لا يخطئ
التَّأني في معاقبة الأهل والأولاد والخدم
متى يكون التَّعجُّل مطلوباً

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

منزلة خُلُق التَّأنِّي

00:00:16

فحديثنا في هذه اللَّيلة أيُّها الإخوة -بمشيئة الله تعالى- عن خلقٍ آخر من الأخلاق الإسلامية الحسنة: وهو خلق لا يندم من تخلَّق به، ويندم من لم يتخلَّق به؛ ألا وهو خلق التَّأنِّي، الذي قال فيه النَّبيُّ ﷺ: التَّأنِّي من الله والعجلة من الشَّيطان[رواه البيهقي20767، وحسنه الألباني في الجامع الصغير 5322]. وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع. وفي رواية: الأناة من الله والعجلة من الشَّيطان[الترمذي 2012، وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي 2012]. وقد ورد هذا الخلق أيضاً بلفظ التؤدة كما جاء في حديث النَّبيِّ ﷺ: التُّؤدة والاقتصاد والسَّمت الحسن جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النُّبوَّة[رواه عبد بن حميد 512، وصححه الألباني في الجامع الصغير 5321]. وصحَّحه كذلك الألباني في صحيح الجامع.

فالتُّؤدة إذًا كما قال المناوي في فيض القدير هي: "التَّأنِّي التُّؤدة"[فيض القدير3/ 365]. والتَّأنِّي من النُّبوَّة هذه جزءٌ من النُّبوَّة، فالتَّأنِّي: خُلقٌ ملازمٌ للنَّبيِّ، فلا يمكن أن يستقيم الحال إلَّا به، وقد مدح النَّبيُّ ﷺ رجلاً من الصَّحابة الذين قدموا عليه بأنَّ فيه هذا الخلق، فقال: يا أشج إنَّك فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة [رواه مسلم 17]. وقد جاءت القصَّة في صحيح مسلم: عن أبي جمرة قال: "كنت أُترجم بين يدي ابن عباسٍ وبين النَّاس" يعني: يبلِّغ بصوته من لا يسمع لشدَّة الزِّحام مثلاً، "فأتته امرأةٌ تسأله عن نبيذ الجرِّ، فقال: "إنَّ وفد عبد القيس أتوا رسول الله ﷺ  فقال رسول الله ﷺ: من الوفد أو من القوم؟ قالوا: ربيعة، قال: مرحباً بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى [رواه البخاري87]. رواه البخاري. وفي رواية أخرى لمسلم: أنَّه أوصاهم فقال: وأنهاكم عن أربع: عن الدُّباء والحنتم والمزفَّت والنَّقير[رواه مسلم17]. لما طلبوا منهم الوصية أمرهم ونهاهم، فمن الأشياء التي نهاهم عنها: الدُّباء والحنتم والمزفَّت والنَّقير، قالوا: يا نبيُّ الله ما علمك بالنَّقير؟ قال: بلى جذعٌ تنقرونه فتقذفون فيه من القطيعاء قال سعيد: أو قال من التَّمر ثُمَّ تصبون فيه من الماء حتى إذا سكن غليانه شربتموه، حتى إنَّ أحدهم ليضرب ابن عمه بالسَّيف قال: وفي القوم رجلٌ أصابته جراحة كذلك من جرَّاء شيءٍ سبق حصل من نفس هذا السكر وكنت أخبأها حياءً من رسول الله ﷺ، فقلت: ففيم نشرب يا رسول الله؟ قال: في أُسقية الأدم التي يلاث على أفواهها قالوا يا رسول الله: إنَّ أرضنا كثيرة الجرذان ولا تبقى بها أسقية الأدم، فقال النَّبيُّ ﷺ: وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان وإن أكلتها الجرذان، وقال النَّبيُّ الله ﷺ لأشج عبد القيس: إنَّ فيك لخصلتين يحبُّهما الله: الحلم والأناة[رواه مسلم18]. ورواه الترمذي. كذلك عن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال لأشج عبد القيس: إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله: الحلم والأناة[رواه الترمذي2011، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الترمذي 2011]. قال أبو عيسى: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ"[سنن الترمذي 2011].

فإذاً التَّأنِّي من الله ومن النُّبوَّة، والتَّأنِّي يحبُّه الله وهو خُلُقٌ فاضل وجزءٌ من النُّبوة ورزقٌ من الله، يجبل الله من يشاء عليه، فحريٌّ بكُلِّ مسلمٍ أن يتخلَّق بهذا الخلق.

عكس التَّأنِّي: العجلة

00:05:34

وعكسه العجلة التي قال النَّبيُّ ﷺ فيها: العجلة من الشَّيطان[رواه البيهقي20057، وأبو يعلى4256، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة1795]. قال ابن القيم رحمه الله: "إنَّما كانت العجلة من الشَّيطان؛ لأنَّها خفَّة وطيشٌ وحدَّةٌ في العبد تمنعه من التَّثبُّت والوقار والحلم، وتُوجب له وضع الأشياء في غير مواضعها، وتجلب عليه أنواعٌ من الشُّرور وتمنعه أنواع من الخيور، وهي قرين النَّدامة فقلَّ من استعجل إلَّا ندم، وهي متولِّدةٌ بين خلقين مذمومين: التَّفريط والاستعجال قبل الوقت، يتولَّد منهما العجلة"[الروح1/258]. ونقل المناوي أيضاً في الشَّرح: "العجلة فعل الشيء قبيل مجيء وقته"[فيض القدير6/72]. قبل استوائه ونضجه وأوانه، الصَّحيح يتعجَّل فيه الشَّخص هذا تعريف العجلة التي هي ضدُّ التَّأنِّي والتُّؤدة، وقد جبل الإنسان على العجلة وهو متعجَّل عجول بطبعه، كما قال الله تعالى: وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا [الإسراء:11]. وقال الله خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ[الأنبياء:37]. فهو في طبعه التَّعجُّل باستمرار، فكان لا بُدَّ أن يقهره بالتَّأنِّي، وأن يتخلَّق بهذا الخلق، وقد سبق: أن اكتساب الأخلاق أمرٌ ممكنٌ ويحتاج إلى صبرٍ ومجاهدةٍ، ومن الأدلَّة على أنَّ هذا الخلق مجبول يمكن أن يرزقه الله تعالى الخلق بالتَّأنِّي الرِّواية التي جاءت عند أبي دواد وفيها أمُّ ابان بنت الوازع بن زارع وهي مقبولةٌ، يعني: إذا تُوبعت عن جدِّها زارع وكان في وفد عبد القيس  قال: "لما قدمنا المدينة فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبِّل يد النَّبيِّ ﷺ" رجالهم يقبلِّون يد النَّبيِّ ﷺ ورجله، قال: "وانتظر المنذر الأشجَّ حتى أتى عيبته فلبس ثوبيه" إذاً: وفد عبد القيس لما جاءوا من الإحساء وهو موطنهم أو البحرين لما جاءوا إلى النَّبيِّ ﷺ جعلوا يتبادرون من رواحلهم متحمسين لتقبيل يد النَّبيِّ ﷺ، أمَّا الأشجُّ انتظر المنذر الأشج حتى أتى عيبته الذي هو مستودع الثِّياب فلبس ثوبيه، ثُمَّ أتى النَّبيَّ ﷺ فجاء وقد أزال عن نفسه رائحة السَّفر وثياب السَّفر، واستعدَّ للقاء فتأنَّى للأمر، فقال له النَّبيُّ ﷺ: إنَّ فيك خلتين يحبهما الله الحلم والأناة قال يا رسول الله: أنا أتخلَّق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: بل الله جبلك عليهما قال: "الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله"[رواه أبو داود5225، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف أبي داود5225]. فهو إذاً قد يكون رزقٌ من الله يُؤتيه الله من يشاء، ويوجد أناسٌ بطبعهم قد رزقوا حظَّاً وافراً من هذا الخلق وهو التَّأنِّي، ولكن حتى الذي في طبعه عجلة يمكن أن يقهرها بالتَّأنِّي وأن يتخلَّق به.

التَّأنِّي في اتخاذ القرارات

00:09:40

والتَّأنِّي له مجالاتٌ كثيرةٌ قد حثَّت الشَّريعة على التَّأنِّي فيها وعدم التَّعجُّل، ومن هذه المجالات:
أولاً: التَّأنِّي في اتخاذ القرارات: فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها زوج النَّبيِّ ﷺ ما أخبرته أنَّ رسول الله ﷺ جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه، فبدأ بي رسول الله ﷺ، فقال: إنِّي ذاكرٌ لك أمراً فلا عليك ألَّا تستعجلي حتى تستأمري أبويكأي: تأنِّي واستشيري، وقد علم أن أبويها لم يكونا يأمران بفراقه، قالت: "ثُمَّ قال: إنَّ الله قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إلى قوله: عظيماً وذكر الآية التي فيها تخييرُ الزَّوجات بين زينة الحياة الدُّنيا وبين أن يخترن الله ورسوله، وإذا صبرن على ما عند النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام من الفقر والشِّدَّة فإنَّ الله أعدَّ لهنَّ أجراً عظيماً، فاخترن كُلُّهنَّ رسول الله ﷺ[رواه البخاري 2336، ومسلم1475]. فالشَّاهد منه: قوله: فلا عليك ألا تستعجلي حتى تستأمري أبويك.

التَّأني في استعمال الشَّيء حتى يعرف حكمه

00:11:08

ثانياً: التَّأني في استعمال الشَّيء حتى يعرف حكمه، فإنَّ الإنسان قد تمرُّ به  أشياءٌ فهل يأكل من هذا أو لا يأكل، وهل يستعمل هذا أو لا يستعمله؛ فلا يستعجل ولا يستعمله ولا يأكله حتى يسأل ويعرف الجواب، وهكذا فعل الصَّحابة رضوان الله عليهم كما جاء في رواية التِّرمذي لحديث أبي سعيد الخدري قال: بعثنا رسول الله ﷺ في سريةٍ فنزلنا بقوم فسألناهم القرى، يعني: الضِّيافة، فلم يقرونا، رفضوا أن يضيفوهم وكانوا كفرة وبخلاء، فلُدِغ سيُّدهم فأتونا فقالوا هل فيكم من يرقي من العقرب؟ قلت يعني أبو سعيد: نعم أنا، ولكن لا أرقيه حتى تعطونا غنماً، قال فأنا أعطيكم ثلاثين شاة فقبلنا، فقرأت عليه الحمد لله -يعني الفاتحة- سبع مرات فبرأ وقبضنا الغنم، قال فعرض في  أنفسنا منها شيءٌ فقلنا لا تعجلوا، قال بعضهم لبعض لا تعجلوا حتى تأتوا رسول اللهﷺ، فلمَّا قدمنا عليه ذكرت له الذي صنعت، قال: وما علمت أنَّها رقية من الذي أخبرك أن سورة الفاتحة رقية؟ تعجَّب من علم أبي سعيد اقبضوا الغنم واضربوا لي معكم بسهم قال أبو عيسى: "هذا حديثٌ حسنٌ"[رواه الترمذي 2063، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الترمذي 2063]. والحديث أصلاً في الصَّحيح وهذه رواية فيها: "فقلنا لا تعجلوا حتى  تأتوا رسول الله ﷺ" فإذاً التَّأنِّي مهمٌّ قبل الإقدام على الشَّيء ومطلوب لمعرفة حكمه، هل هو حلالٌ أم حرامٌ.

التَّأنِّي في الإنكار والحكم على الآخرين

00:13:07

ثالثاً: التَّأنِّي في الإنكار على الآخرين: فإنَّ بعض النَّاس رُبَّما يستعجل في الإنكار على الشَّيء، ثُمَّ يتبيَّن له أنَّه حقٌّ فيكون استعجاله غير صحيح، وهذا مما يوقعه في الحرج وقد حصل لعمر بن الخطاب أن استعجل مرَّةً ثم تبيَّن له أنَّ الحقَّ بخلاف ما أنكره، فجاء في الحديث الصَّحيح الذي رواه البخاري رحمه الله تعالى عن عمر أنَّه قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها، وكان رسول الله ﷺ أقرأنيها، فعمر يصلِّي وراء هشام فقرأ سورة الفرقان بغير القراءة التي تعلَّمها عمر من النَّبيِّ ﷺ،  يقول عمر: وكدت أن أعجل عليه يعني فأقطع الصَّلاة ثُمَّ أمهلته حتى  انصرف، ثُمَّ لببته بردائه فجئت به رسول الله ﷺ فقال: إني سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها، قال لي: أرسله ثُمَّ قال له: اقرأ، فقرأها قال: هكذا أنزلت ثم قال لي: اقرأ فقرأت فقال: هكذا أنزلت إنَّ القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرأ منه ما تيَّسر [رواه البخاري 2287]. فتأمَّل كيف أنَّ التَّأنِّي يُسبب منع  الإنسان من الوقوع في الحرج ويسلِّمه ويجعل موقفه سليماً  من أن يكون قد خطَّأ شخصاً ليس بمخطئ.
رابعاً: التَّأنِّي في الحكم على الآخرين وهذه مسألةٌ مهمَّة؛ لأنَّ كثيراً من النَّاس يستعجلون فيحكمون على شخصٍ بالكفر أو بالرِّدة أو بالبدعة وقد يكون الحكم جائراً، فلا يكون الشَّخص مرتدَّاً ولا مبتدعاً ولا كافراً، وقد يستعجل بالحكم على شخصٍ بالخيانة أو يقول فلانٌ كذَّابٌ، ثُمَّ يتبيَّن له أنَّ فلاناً صادقٌ بسبب العجلة التي تؤدِّي إلى الجور في الحكم وعدم العدل، فالعجلة منشأ هذا الظُّلم ويمكن أن نأخذ هذا من قصَّة حاطب لما دافع عن نفسه في القصَّة المشهورة لما أرسل النَّبيُّ ﷺ عليَّاً والزُّبير والمقداد إلى روضة خاخ ليأتوا بالكتاب الذي كتبه حاطبٌ وأرسله مع ضعينة لأهل مكة، قال: فانطلقنا  تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى روضة -اسم المكان- فإذا نحن بالضَّعينة: المرأة التي أرسلها حاطب، فقلنا أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتابٍ فقلنا لتُخرجنَّ الكتاب أو لنُلقن الثِّياب، تصل المسألة إلى التَّفتيش، فالقضية خطيرةٌ إذا وصل الخبر إلى أهل مكة كلَّف ذلك المسلمين أرواحاً، فأخرجته من عقاصها وكانت قد عقدت شعرها عليه، فأتينا به رسول الله ﷺ فإذا فيه من حاطب بن بلتعة إلى أناسٍ من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله ﷺ، فالنَّبيُّ ﷺ استدعى حاطباً وكان عليه الصَّلاة والسَّلام متأنيَّاً، فما قال اقتلوه أو قال هذا خائنٌ، فالنَّبيُّ ﷺ أولاً يريد أن يسمع عذر حاطب وهذا تأنِّي في الحكم على الشَّخص أولاً نسمع ماذا لديه الجرم، لكن هذا الشَّخص الذي أجرم رُبَّما يكون له عذرٌ على الأقل يخفف الحكم عليه معرفة الدّواعي التي أدَّت إلى وقوعه في هذا الأمر، فقال رسول الله ﷺ: يا حاطب ما هذا قال: يا رسول الله لا تعجل عليَّ إنِّي كنت امرؤاً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النَّسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً، أصنع لهم شيئاً يعتبرونه معروفاً يحمون بها قرابتي وما فعلت كفراً ولا ارتداداً ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله ﷺ: لقد صدقكم قال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال:إنَّه قد شهد بدراً وما يدريك لعلَّ الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم[رواه البخاري 2845]. رواه البخاري. فهذه فائدةٌ في عدم الاستعجال بالحكم على الأشخاص وأنَّ التَّأني ينجِّي الإنسان من ظلم أخيه المسلم، خامساً: كلمّا كان الأمر أشدُّ كان التَّأني فيه أوجب خصوصاً عندما تكون مسألة قد تؤدِّي إلى قتل النَّفس أو إزهاقها، كأن يدخل الإنسان في مسألةٍ فيها حتفه، فقد جاء في قصة الذين أمَّر عليهم النَّبيُّ ﷺ أميراً، فغضب عليهم فقال: اجمعوا حطباً فجمعوا حطباً، فقال: أوقدوه فأوقدوه، قال: أنا أميركم لي عليكم الطَّاعة ادخلوا هذه النَّار، فهمَّ بعضهم بالدُّخول من اعتقادهم بقضية طاعة الأمير أنَّه لا بُدَّ، وبعضهم تردَّد فقال شابٌّ منهم: لا تعجلوا حتى تأتوا رسول الله ﷺ وتسألوه، إن قال أن نقع في النَّار وقعنا وإن قال لا، فلا نكون قد خسرنا أنفسنا، فذهبوا إلى النَّبيِّ ﷺ وسألوه، قال:لو دخلوا فيها ما خرجوا منها[رواه أحمد، وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين 622]. والقصَّة لها رواياتٌ وبعضها فيها زيادات ضعيفة، فإذا كانت المسألة فيها إزهاق الرُّوح وإلقاء النَّفس فلا بُدَّ من التَّأنِّي، وقد يسأل بعض النَّاس مثلاً: هل يجوز الإقدام على العمليات الانتحارية أو لا؟ فهذه مسألة فيها إزهاق روح وتلف النَّفس، فلا يستعجل ويقول النِّكاية في العدو، بل يسأل أولاً هل يجوز أو لا يجوز، يتأكد إذا كان يجوز ضحينا والجهاد في سبيل الله والتَّضحية بالنَّفس في سبيل الله أغلا وأعلا أنواع التَّضحية.

التَّأنِّي في الطَّلاق

00:21:06

خامساً: التَّأنِّي في الطَّلاق، النَّاس قد ابتلوا بكثرة الطَّلاق والاستعجال فيه، وكم تخرَّبت من أُسرٍ وتهدَّمت من بيوت وتشرَّد من أطفال بسبب التَّسرُّع وعدم التَّأنِّي في إطلاق ألفاظ الطَّلاق، وكم ندم من أزواج وتحسَّر من زوجات بسبب عدم التَّأنِّي في الطَّلاق، فإنَّ كثيراً من النَّاس يطلقون ألفاظ الطَّلاق لغضبة يغضبها، فلا يتأنَّى ويستعجل نتيجة الغضب، ثُمَّ يندم ندماً قد لا ينفعه بعد ذلك، ولما كان الطَّلاق على عهد النَّبيِّ ﷺ طلاق الثَّلاث دفعةً واحدةً بواحدة؛ فهناك ناسٌ الآن يطلِّقون بالألف ويطلِّق في كُلِّ يومٍ وفي كُلِّ مرَّة، وكلما أراد أن يجبر زوجته على شيءٍ قال: عليك الطَّلاق إن فعلت كذا، وحتى على النَّاس عليه الطَّلاق إن لم يأكل من ذبيحته ونحوه، وكُلُّ شيءٍ يريد أن يجبر به شخصاً يسارع بإطلاق الطَّلاق، ونعود إلى قضية الخلافات الزَّوجية أو المواقف التي تكون بين الرَّجل وزوجته التي تؤدِّي إلى التَّسرُّع في إطلاق ألفاظ الطَّلاق، كان الطَّلاق على عهد النَّبيِّ ﷺ الثَّلاث بواحدة، لما رأى عمر النَّاس يستعجلون بالطَّلاق كره عجلتهم وأراد أن يؤدبهم فروى مسلم رحمه الله عن ابن عباس قال: كان الطَّلاق على عهد رسول الله ﷺ  وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثَّلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: "إنَّ النَّاس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة"[رواه مسلم1472]. الشَّريعة أعطتهم فرصة ثلاث يطلِّق الطَّلقة الأولى ثُمَّ الثَّانية ثُمَّ الثَّالثة، وطلاق السُّنَّة أن يطلِّق طلقةً واحدةً تدخل المرأة في العدَّة إذا استرجعها يعيش معها، فإذا طلَّقها الثَّانية طلاق مرَّةً واحدةً لا يجوز أن يطلِّق بالثَّلاث ولا يطلِّق مرَّتين فمن البدعة وحرامٌ أن يقول أنتِ طالق بالثلاث، أو يقول: أنت طالق طالق طالق، أو أنت طالق مليون مرَّةً كما يفعل بعض النَّاس، فبعض النَّاس استعجلوا في عهدٍ صاروا يقولون: أنت طالق بالثَّلاث، فالشَّريعة أمرتهم أن يطلِّقوا مرَّةً واحدةً فقط إذا رأى المصلحة في الطَّلاق، فلما رأى عمر النَّاس استعجلوا أراد أن يؤدِّبهم، قال: أن تقول الطَّلاق بالثَّلاث فهي ثلاثٌ فأمضاه عليهم، وكُلُّ واحدٍ يقول أنت طالقٌ بالثَّلاث فتعتبر ثلاثاً فأمضاه عليهم، ومن هنا رأى جمهور العلماء أنَّ طلاق الثَّلاث يقع ثلاث وهذا قول أصحاب المذاهب الأربعة وجمهور العلماء أنَّ طلاق الثَّلاث بثلاث، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن القيم وغيرهما من أهل العلم إلى أنَّ طلاق الثَّلاث بواحدةٍ كما كان عليه الأمر في العهد الأول، لكن مسألة التَّعجل في الطَّلاق وعدم التَّأنِّي له أثرٌ واضحٌ في خراب البيوت.

تأني الدَّاعية إلى الله مع المعرضين

00:25:26

سادساً: من مواضع التَّأني: تأني الدَّاعية مع المعرضين، فإنَّ الإنسان إذا قام بدعوة أشخاص ثُمَّ تأبوا عليه وتمردُّوا وعاندوا لرُبَّما بادر إلى الدُّعاة عليهم وتعجَّل هلاكهم، والنَّبيُّ ﷺ ضرب لنا مثلاً في عدم الاستعجال بالدُّعاء على المعاندين والمعرضين لعلَّ الله أن يهديهم، ولذلك لما جاءه ملك الجبال قال: لو أمرتني أن أطبق عليهم الأخشبين -جبلي مكة- وينتهي هؤلاء، فالنَّبيُّ ﷺ طلب التَّريث لعلَّ الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله، يعني: حتى لو ما كان فيهم أمل فيمكن أن يكون الأمل في أولادهم، لذلك نوح دعا على قومه لما رأى الأجيال كلهم كفَّار، ولا يخرج جيلٌ إلا أكفر من الذي قبله إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا[نوح:27]. فلمَّا أذن الله له دعا عليهم ولما أخبره أنَّه لن يؤمن من قومك إلَّا من قد آمن، والنَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام كان يأمل أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله، فهدى الله أناساً كثيرين منهم في فتح مكة، وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال: سأل أهل مكة النَّبيَّ ﷺأن يجعل لهم الصَّفا ذهباً وأن ينحي الجبال عنهم فيزرعوا أماكن الجبال، فقيل له: "إن شئت أن تستأني بهم" وإن شئت تتريَّث وما أعطيناهم ما يريدون "وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم" قال النَّبيُّ ﷺ: لا، بل أستأني بهم وأنتظر وأتريث وأتمهل فأنزل الله هذه الآية: وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً[الإسراء:59].[رواه أحمد2333، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة3388]. وقد حصل موقفٌ على عهد النَّبيِّ ﷺ أيضاً فيه كيف كانت رحمته عليه الصَّلاة والسَّلام بالتأني بالمشركين لعلَّ الله أن يهديهم وذلك في أسارى بدر، لماذا لم يضرب النَّبيُّ ﷺ أعناقهم؟ ليس فقط أنَّه كان يريد المال لفقراء المسلمين لا، بل كان يرجي الخير بهؤلاء أيضاً، ومن الأدلَّة على ذلك ما رواه أحمد رحمه الله قال: حدثنا أبو معاوية وهو ثقةٌ أحفظ النَّاس لحديث الأعمش، حدَّثنا الأعمش عن عمرو بن مرة وهو ثقةٌ عن أبي عبيدة وهو ثقةٌ عن عبد الله وهو ابن مسعود ، قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله ﷺ: ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟ قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم واستأني بهم لعلَّ الله أن يتوب عليهم، فكان أيضاً المشارك في الرَّأي الصِّدِّيق يرى التَّأنِّي في عدم ضرب أعناقهم، وقال عمر: يا رسول الله أخرجوك وكذَّبوك قرِّبهم فاضرب أعناقهم، قال: وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله انظر وادياً كثير الحطب فأدخلهم فيه ثُمَّ أضرم عليهم ناراً، فقال العباس: قطعت رحمك، والعباس كان مع الأسارى خرج يوم بدر قال فدخل رسول الله ﷺ ولم يرد عليهم شيئاً، قال: فقال ناسٌ: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناسٌ: يأخذ بقول عمر، وقال ناسٌ: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، قال فخرج عليهم رسول اللهﷺ فقال: إنَّ الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن وإنَّ الله ليُشدِّد قلوب رجال فيه حتى تكون أشدَّ من الحجارة، وإنَّ مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[إبراهيم:36]. ومثلك يا أبا بكر أيضاً كمثل عيسى قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]. وإنَّ مثلك يا عمر كمثل نوح قال: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا[نوح:26]. وإنَّ مثلك يا عمر كمثل موسى قال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [يونس:88]. أنتم عالةٌ فلا ينفلتنَّ منهم أحدٌ إلا بفداء أو ضربة عنق فأفاد الكفَّار أسراهم، واختار النَّبيُّ ﷺ أخذ الفداء تحقيقاً لمصلحتين رآهما: الأولى: لعلَّ الله أن يهدي هؤلاء الكفَّار بدلاً من أن تضرب أعناقهم على الكفر.

ثانياً: أن يستفاد من المال المأخوذ لأجل الفقراء المسلمين، لكن القرآن قد نزل بالمعاتبة الشَّديدة لهذا القرار، وأنَّه كان ينبغي ضرب الأعناق حتى لا يكون في هذا القرار أيُّ شائبةٍ من الدُّنيا ولا يكون إبقاؤهم لأجل دنيا، ثُمَّ إنَّ الله رخَّص وعفا وسمح وأجاز للمسلمين أخذ الدِّية وخفَّف عن المسلمين[رواه أحمد، وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف لانقطاعه 3632].

التَّأنِّي وعدم الاستعجال قبل أمر الأمير أو القائد

00:32:26

ثامناً: من المجالات ما يكون في التَّأنِّي وعدم الاستعجال قبل أمر الأمير أو القائد، فإنَّه ينبغي على المؤتمرين بالأمير أن ينتظروا أمره ولا يتعجلَّوا، فقد يكون الاستعجال سبباً في حرمانهم من خير وكذلك يكون فيه معصية للأمير، وهذا فيه إثمٌ أيضاً، والنَّبي ﷺ حدث له موقفٌ مع بعض أصحابه من هؤلاء المستعجلين الذين لم يتأنَّوا حتى يستأمروا النَّبيَّ ﷺ في بعض الغنائم، فعاقبهم عليه الصَّلاة والسَّلام بموقفٍ تربويٍّ يبيَّن كيف يُربِّي القائد جنوده على عدم الاستعجال وعلى التَّأنِّي، فروى رافع بن خديج قال: "كنَّا مع النَّبيِّ ﷺ بذي الحليفة، فأصاب النَّاس جوعٌ فأصابوا إبلاً وغنماً، وكان النَّبيُّ ﷺ في أُخريات القوم، فعجلُّوا وذبحوا ونصبوا القدور" قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث الحديث رواه البخاري: "يعني من الجوع الذي كان بهم استعجلوا فذبحوا الذي غنموه ووضعوه في القدور" الغنائم إذا أُخذت من الكفَّار في المعركة ماذا ينبغي أن يفعل بها؟ تقسَّم، من الذي يقسِّمها؟ الإمام أو أمير الجيش، ما حكم التَّصرُّف فيها قبل القسمة؟ لا يجوز، فهؤلاء استعجلوا من شدَّة الجوع فأخذوا  بعض ما غنموا وذبحوها ووضعوها في القدور "وفي رواية: فانطلق ناسٌ من سرعان النَّاس فذبحوا ونصبوا قدورهم قبل أن يقسَّم" وعودةً إلى رواية البخاري: "فأمر النَّبيُّ ﷺ بالقدور فأُكفأت ثُمَّ قسَّم فعدل عشرة من الغنم ببعير، أمر النَّبيُّ ﷺ بالقدر فأُكفأت سكبت القدور بما فيها، قال ابن حجر رحمه الله في الشَّرح: "وقد اختلف في سبب الإراقة في مسألتين: سبب الإراقة، والثَّاني: هل أتلف اللَّحم أم لا" لماذا أمر بالإراقة والمسألة الثَّانية: هل أتلف اللحم أو لم يتلف؟ فنقل أقوالاً كثيرةً، ولكنه رحمه الله مال إلى أحد الأقوال بسبب رواية رواها أبو داود رحمه الله وحسَّن ابنُ حجر القصَّة واعتمد عليها في الجواب، القصة أو رواية أبي داود: أصاب الناس مجاعة شديدة وجهد فأصابوا غنماً فانتهبوها فإنَّ قدورنا لتغلي بها، إذ جاء رسول الله ﷺ فأكفأ قدورنا بقوسه ثُمَّ جعل يرمل اللَّحم بالتُّراب، ثُمَّ قال: إن النَّهبة ليست بأحلِّ من الميتة" فإذاً: سبب الإراقة أنَّه اعتبرها نهبة، والنَّهب مثل السَّرقة فهذا سبب الإراقة، فإذاً يعاقب هذا السَّارق بهذا، ثانياً: هل أتلف اللَّحم أم لا؟ الذي يظهر أنَّه لم يتلف اللَّحم، فالنَّبيُّ ﷺنهى عن إضاعة المال فلم يتلف اللَّحم، وإنَّما تربه بالتَّراب، ويمكن الاستفادة منه بعد ذلك بإعادة غسله مرَّةً أُخرى، فلماذا أراقها وتربها بالتُّراب؟ زجراً لهؤلاء المستعجلين الذين تصرَّفوا فيما لا حقَّ لهم فيه، قال: "هذا الذي استعجلتم به جعلناه في التُّراب، فالنَّبيُّﷺ يتصرَّف بالوحي، فإذاً التَّأنِّي قبل أمر الأمير وعدم المبادرة بدون أمر الأمير والقائد، هذا من جوانب التَّأنِّي المهمَّة[فتح الباري9/ 626].

عدم استعجال النَّصر

00:37:28

تاسعاً: عدم استعجال النَّصر والأناة في الأمر عند غلبة الكفَّار وضعف المسلمين، فإنَّ بعض النَّاس إذا تأخَّر النَّصر من الله وقوي مكر الكفَّار وكيدهم يئسوا بسبب الاستعجال؛ لأنَّهم يقولون: متى نصر الله؟ فعن خبَّاب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله ﷺ وهو متوسِّد بردةً له في ظلِّ الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا، قال: كان الرَّجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصدَّه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصدُّه ذلك عن دينه، والله ليتمنَّ هذا الأمر حتى يسير الرَّاكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلَّا الله أو الذِّئب على غنمه  ولكنكم تستعجلون[رواه البخاري 3416]. رواه البخاري. وهذا الطَّريق كان طريقاً مخوفاً قطَّاع الطَّرق واصحاب السَّلب والنَّهب ينتشرون فيه ما بين صنعاء إلى حضرموت في ذلك الوقت، فضرب لهم مثلاً فيه قال: ولكنكم تستعلجون إذاً: التَّأنِّي وعدم استعجال نصر الله تعالى هذا مهمٌّ لأجل أن يكمل الدَّاعية الطَّريق والمشوار؛ لأنَّه بدون ذلك ييأس ويقول لماذا نصبر وما هناك فائدة أن نصبر، وهذا حالُ كثيرٍ من النَّاس في هذا الزَّمان لما يرون تسلُّط الكفَّار، وأنَّ الأمور بأيدي الكفَّار وأنَّ الكفَّار يعملون ما يشاؤون ويفسدون في الأرض، والمسلمون في ذلٍّ ولا يستطيعون ردَّ كيد هؤلاء ونحو ذلك، وكُلُّما قامت محاولة أجهضت ماذا يحدث؟ يأسٌ بسبب الاستعجال؛ لأنَّه استعجل نصر الله فيئس وقريب من هذا.

التَّأنِّي في انتظار إجابة الدُّعاء

00:40:49

عاشراً: عدم استعجال إجابة الدُّعاء وانتظار الفرج والأناة حتى يأتي الفرج كما روى أبو هريرة أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي[رواه البخاري5981، ومسلم2735]. بماذا فسَّر الاستعجال؟ بأن يقول الدَّاعي: دعوت فلم يستجب لي، فلا فائدة من الدُّعاء، دعوت كثيراً وكثيراً وانتظرت لسنواتٍ وما استجيب، إذاً لا فائدة، فيستحسَّر بسبب العجلة حيث أنَّه يستعجل الإجابة فبسبب الاستعجال يترك الدُّعاء فبالتي يكون ذلك سبباً في عدم إعطائه ما سأل، إبراهيم ﷺ دعا الله تعالى أن يبعث في أرض الحجاز نبياً منهم يتلو عليهم آيات الله ويزكِّيهم ويعلِّمهم الكتاب والحكمة، فمتى أُجيبت دعوة إبراهيم ببعثة النَّبيِّ ﷺ؟ بعد آلاف السِّنين، ولذلك قال النَّبيُّ ﷺ: أنا دعوة أبي إبراهيم[رواه أحمد17190، والحاكم3566، وضعفه الألباني في الجامع الصغير4901]. أنا الدَّعوة التي دعا قبل ما يقارب من خمسة آلاف سنة، فمكثت الدَّعوة آلاف السِّنين إلى أن أُجيبت الدَّعوة فتحقَّقت الواقعة، إذاً الإنسان عليه أن يدعو ويدعو وإذا ما استجيب له في حياته فلم يذهب دعاؤه هباءً منثوراً، إمَّا أن يكون قد أُعطي من الخير مثلما سأل وهو لا يدري، أو صُرف عنه من الشِّرِّ وهو لا يدري، وفي جميع الحالات يؤجر على الدُّعاء يوم القيامة، حتى لرُبَّما أن يتمنى يوم القيامة أن لم تكن قد استجيبت له دعوة في الدُّنيا من أجل الدُّعاء الذي رآه مكتوباً في صحائف أعماله.
ويتعلَّق بهذه المسألة أيضاً في قضية عدم الاستعجال في الدُّعاء والطَّلب: المسألة الحادية عشرة: عدم الاستعجال في الطَّلب في الدُّعاء قبل الحمد والثناء فإنَّ بعض النَّاس إذا أخذ يدعو ويقول: يارب أعطني كذا، قبل أن يحمد الله ويثني عليه ويصلِّي على النَّبيِّ ﷺ، ورُبَّما يُحجب دعاؤه بسبب استعجاله، فقد روى فضالة بن عبيد أنَّه سمع النَّبيَّ ﷺ أنَّ النَّبيَّ ﷺ سمع رجلاً يدعو في صلاته لم يمجِّد الله ولم يصلِّ على النَّبيِّ ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: عجلت أيُّها المصلِّياستعجلت، ثُمَّ علَّمهم رسول الله ﷺ كيف يكون الدُّعاء، وسمع رجلاً يصلِّي فمجَّد الله وحمده وصلَّى على النَّبيِّ ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: ادع تجب وسل تعطه[الترمذي3476، والنسائي1284، وصححه الألباني في الجامع الصغير 7435]. رواه النَّسائي.

التَّأني في الطَّهارة

00:44:22

لننتقل إلى بعض الأشياء التي يظهر فيها أهمية التَّأنِّي في العبادات: المسألة الثانثة عشرة: التَّأني في الطَّهارة لما تُسبِّبه العجلة من عدم الإتقان المفضي بالصَّلاة إلى البطلان؛ لأنَّ الله لا يقبل صلاةً إلَّا بطهورٍ صحيحٍ، وقد حدثت قصةٌ على عهد النَّبيِّ ﷺ تبيِّن أن ناساً قد استعجلوا بالطَّهارة، فأتوا بها على غير وجهها، فروى عبد الله بن عمرو قال: رجعنا مع رسول الله ﷺ من مكة إلى المدينة، حتى إذا كُنَّا بماء في الطَّريق تعجَّل قومٌ عند العصر فتوضَّؤوا وهم عجال فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح، لم يمسها الماء من العجلة  فقال رسول الله ﷺ: ويلٌ للأعقاب من النَّار أسبغوا الوضوء[رواه مسلم 241]. رواه مسلم. فإذاً: فلا بُدَّ أن يتأنَّى الإنسان في الطَّهارة، ويتأنَّى في التَّنفيذ وفي العمل وفي الوضوء، حتى يصيب الماء كُلَّ عضوٍ من أعضاء الوضوء ويعمِّمه بالماء.

تأني من وُضع بين يديه العشاء وأُقيمت الصَّلاة

00:45:46

الثَّالثة عشرة: أيضاً من الأمور المتعلِّقة بالعبادات في التَّأني: تأني من وُضع بين يديه العشاء وأُقيمت الصَّلاة، فإنَّ بعض النَّاس إذا حضر أكلُه وأُقيمت الصَّلاة رُبَّما يأكل بسرعةٍ ليدرك الصَّلاة، فإذا كان الطَّعام قد وُضع بين يديه ورآه أمامه دون حيلةٍ ولا تخطيطٍ مسبق في التَّحايل للتأخَّر عن صلاة الجماعة، فماذا يفعل؟ عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ: إذا وُضع عشاء أحدكم وأُقيمت الصَّلاة فابدؤوا بالعشاء ولا يعجل حتى يفرغ منه وكان ابن عمر يُوضع له الطَّعام وتُقام الصَّلاة فلا يأتيه حتى يفرغ وإنَّه ليسمع قراءة الإمام[واه البخاري 642]. وعن ابن عمر قال: قال النَّبيُّ ﷺ: إذا كان أحدكم على الطَّعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه وإن أُقيمت الصَّلاة[رواه البخاري 642]. هذا إذا كان ليس هناك تحايلٌ ووضع العشاء ورآه فإذا ذهب للصَّلاة ونفسه متعلِّقةٌ بالطَّعام الذي تركه ولم يقض حاجته منه، ماذا يحصل بالخشوع؟ يختل، ولذلك أمرنا بأن نتأنِّى ولا نستعجل في الأكل في هذه الحالة.

تأنِّي الإمام واستعجاله بحسب حضور المصلِّين

00:47:31

الرَّابع عشر: تأنِّي الإمام واستعجاله بحسب حضور المصلِّين، متى الإمام يُقيم الصَّلاة؟ عن جابر بن عبد الله قال: "كان رسول  الله ﷺ يصلِّي الظَّهر بالهاجرة، والعصر والشَّمس نقية، والمغرب إذا وجبت، والعشاء أحياناً يؤخِّرها وأحياناً يعجِّل، فهذا الحكم لصلاة العشاء كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجَّل، وإذا رآهم أبطؤوا أخرها"[رواه البخاري 535]. فهنا التَّأنِّي والتَّعجُّل في صلاة العشاء بحسب حال النَّاس في الاجتماع.
الخامس عشر: عدم الاستعجال والتَّأنِّي عند قدوم النَّاس إلى المسجد في الصَّلاة حتى لو أُقيمت أثناء الطَّريق، وهذه مسألةٌ كثيرٌ من النَّاس يخطئون فيها، فإذا أُقيمت وهو يمشي إلى المسجد هرول وتعجَّل، فدخل الصَّف وهو يحفِّز نفسه ويلهث من الجري وفي حال الاضطراب فيدخل دون خشوعٍ، فيأتي بسكينةٍ ووقارٍ وبأناةٍ وتؤدةٍ، ويدرك ما أدرك فيصلِّيه وما فات فيتمَّه، هذه هي السُّنَّة وهذه مسألةٌ متعلِّقة بالتَّأنِّي أيضاً قد أخل بها كثيرون، ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في بعض الحالات مثلاً: إذا خشي أن تفوته صلاة الجمعة يعني الركعة الأخير من صلاة الجمعة أنَّه يجوز  له أن يجري؛ لأنَّ المصلحة التي ستفوته أكبر من مسألة التُّؤدة والأناة في هذه الحالة ستضيع عليه الجمعة بأكملها.

الصَّبر والأناة لما يصيب المسلم من الجروح والأمراض وعدم استعجال الموت

00:49:50

السَّادس عشر: الصَّبر والأناة لما يصيب المسلم من الجروح والأمراض وعدم استعجال الموت الذي يؤدِّي إلى الانتحار، وقد جاء عن سهل بن سعد السَّاعدي أنَّ رسول الله ﷺ التقى هو والمشركون وكان مع المسلمين رجلٌ يقاتل أعجبهم إلى الغاية، فقال النَّبيُّ ﷺ: أما إنَّه من أهل النَّار فذهب رجل وراء هذا الشُّجاع لينظر خبره كيف يكون من أهل النَّار؟ فجُرح الرَّجل جُرحاً شديداً فاستعجل الموت ولم يصبر على الجراح، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثُمَّ تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرَّجل إلى رسول الله ﷺ قال: أشهد أنَّك رسول الله، قال: وما ذاكقال: الرَّجل الذي ذكرت آنفاً إنَّه من أهل النَّار وأخبره بالقصَّة، فقال النَّبيُّ ﷺ: إنَّ الرَّجل ليعمل بعمل أهل الجنَّة فيما يبدو للناس وهو من من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة [رواه البخاري 2742]. رواه البخاري. وهناك بعض النَّاس في الغرب يسنُّون قوانين تُبيح أخذ إبر الإراحة بزعمهم، يعني: لإراحة من عنده مرضٌ ميؤوسٌ منه ليموت، كالسَّرطان أو أشياء ليس لها علاج؛ فأجازوا في بعض البلدان أخذ إبرة تقتل المريض ويقولون يرتاح، لكن يرتاح من ماذا؟ من ألم المرض فيقع في ألم عذاب جهنَّم، فإذاً لا بُدَّ من الصَّبر وعدم الاستعجال في هذه القضية.

التَّأنِّي مع العلماء والشُّيوخ وعدم الاستعجال في سماع الجواب

00:51:55

السَّابع عشر: من جوانب التَّأنِّي واستعمال هذا الخلق العظيم: التَّأنِّي مع العلماء والشُّيوخ وعدم الاستعجال في سماع الجواب أو استخراج الحديث، ومن الأمثلة: جاء في حديث موسى والخضر عليهما السَّلام فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قال انتحى عليها قال له موسى أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا قال حتى إذا لقيا غلماناً يلعبون قال فانطلق إلى أحدهم بادي الرَّأي فقتله فدعر عندها موسى ذعرةً منكرةً قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا فقال رسول الله ﷺ عند هذا المكان يعني بعد تعليق موسى على قضية قتل الغلام قال: رحمةُ الله علينا وعلى موسى لولا أنَّه عجَّل لرأى العجبﷺ فإذاً يتأنَّى الإنسان مع العالم ولا يستعجل، فإذا كان العالم يورد الإجابة ويورد الأشياء فلا يستعجل ويداخله بمداخلاتٍ تزعجه، ورُبَّما امتنع عن الكلام بسبب الغضب من تصرفات هذا الطَّالب الذي يستعجل ولا يتأنَّى، فرُبَّما سيأتي الجواب بعد قليل لو تأنَّى الطَّالب ولم يستعجل فسيأتي الجواب بعد قليل، أو يتأنى في الاعتراضات؛ لأنَّه قد يأتي الاعتراض وجوابه من الشَّيخ، أو يسمع بقية الكلام الذي لا يحتاج بعده إلى إيراد الاعتراض، وهذا يتضح أحياناً من أسئلة بعض المحاضرات،قد  تجد سؤالاً يأتي مثلاً ثُمَّ في بقية المحاضرة والدَّرس إجابة هذا السُّؤال فالكتابة مسألة هينة ليس هناك اعتراض ولا فيها شيءٌ من الإخلال بالأدب، لكن عندما يحدث مقاطعة في الدَّرس مثلاً  أو اعتراض نتيجة عدم التَّأنِّي واستعجال رُبَّما يحرم الطَّالب بسببه من بقية العلم، وقد فات موسى أشياءٌ لو صبر لرأى العجب، كذلك كان طُلَّاب الحديث يتأنَّون غاية الأناة مع المحدِّثين في استخراج الأحاديث، ويصبر على الشَّيخ ويلاطف الشَّيخ حتى يأخذ منه الأحاديث، فلرُبَّما غضب منه فلم يحدثه فيحرم بسبب استعجاله وتركه للأناة يحرم من العلم، وكان الصَّحابة رضوان الله عليهم ضربوا المثل والخلق العالي في هذا علماء متعلمين، عن معبد بن هلال العنزي قال: اجتمعنا ناس من أهل البصرة فذهبنا إلى أنس بن مالك وذهبنا معنا بثابت البناني -كان من أحب النَّاس إلى أنس- يسأله لنا عن حديث الشَّفاعة، فإذا هو في قصره فوافقناه يصلِّي الضُّحى، فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعدٌ على فراشه، فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيءٍ أول من حديث الشَّفاعة، فقال: يا أبا حمزة -وأبو حمزة كنية أنس - هؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاؤوك يسألونك عن حديث الشَّفاعة، فقال: حدَّثنا محمَّدٌ ﷺ قال: إذا كان يوم القيامة ماج النَّاس بعضهم في بعض، فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربِّك فيقول: لست لها ولكن عليكم بإبراهيم فإنَّه خليل الرَّحمن، فيأتون إبراهيم فيقول: لست لها ولكن عليكم بموسى فإنَّه كليم الله، فيأتون موسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنَّه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بمحمَّدٍ ﷺ فيأتوني فأقول: أنا لها، فأستأذن على ربِّي فيؤذن لي، ويُلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخرُّ له ساجداً، فيقول: يا محمَّد ارفع  رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفَّع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول انطلق فأخرج منها من كان في قلبه  مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل ثُمَّ أعود هذه المرَّة الثَّانية فأحمده بتلك المحامد ثُمَّ أخرُّ له ساجداً، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفَّع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج منها من كان في  قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان فأخرجهم فانطلق فأفعل، ثُمَّ أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخرُّ له ساجداً هذه المرَّة الثَّالثة فيقول: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفَّع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبَّة خردل من إيمان فأخرجه من النَّار، فأنطلق فأفعل فلمَّا خرجنا من عند أنس قلت لبعض أصحابنا: لو مررنا بالحسن وهو متوار في منزل أبي خليفة فحدثناه بما حدَّثنا به أنس بن مالك، فأتيناه فسلَّمنا عليه فأذن لنا، فقال له: يا أبا سعيد جئناك من عند أخيك أنس بن مالك فلم نر مثل ما حدَّثنا في الشَّفاعة، فقال: هيه، يعني: هاتوا ماذا حدَّثكم، فحدَّثناه بالحديث فانتهى إلى هذا الموضع، فقال: "هيه" يعني: أبو سعيد يقول: هاتوا لنا بقيَّة القصَّة، فقلنا: لم يزد لنا على هذا، فقال: "لقد حدَّثني وهو جميعٌ منذ عشرين سنةً فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا" يعني: عند أنس تكملة لكن لا أدري لماذا ما قالها لكم أهو نسياناً أو كره أن تتكلوا، قلنا: يا أبا سعيد فحدِّثنا،  فضحك وقال: "خُلق الإنسان عجولاً" وهذا موضع الشَّاهد، "ما ذكرته إلَّا وأنا أُريد أن أحدِّثكم، وسألتكم عن الباقي وأريد أن أخبركم: حدثني كما حدَّثكم به قال: ثُمَّ أعود الرَّابعة فأحمده بتلك المحامد ثُمَّ أخرُّ له ساجداً فيُقال: يا محمَّد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يا ربي ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي  لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله[رواه البخاري 7072]. رواه البخاري .

تأنِّي المتحمِّس بالخير حتى لا يخطئ

01:00:23

الثَّامن عشرة: تأنِّي المتحمِّس بالخير حتى لا يخطئ، فإنَّ بعض النَّاس يتحمَّسون لعمل الخير لكن لا يأتي الأمر من وجهه، فقد يخطئ وهو يريد الخير، والنَّبيُّ ﷺ حدث له حادثةٌ مع حسَّان تُبيِّن المسألة قبل ما الإنسان يقدم على العمل، فيتأنَّى حتى لو كان الحماس معه حتى لا يُؤذي، فعن عائشة أنَّ رسول اللهﷺ قال للصَّحابة عموماً: اهجوا قريشاً فإنَّه أشدُّ عليهم من رشق بالنُّبل فأرسل إلى ابن رواحة فقال: اهجهم فهجاهم فلم يرضه، فأرسل إلى كعب بن مالك ثُمَّ أرسل إلى حسَّان بن ثابت، فلمَّا دخل عليه قال حسان: "قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضَّارب بذنبه" ثُمَّ أدلع لسانه فجعل يحرِّكه يقول: أنا لها أنا أتولَّى الأمر، فقال: "والذي بعثك بالحقِّ لأفرينَّهم بلساني فري الأديم" فقال رسول الله ﷺ: لا تعجل فإنَّ أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإنَّ لي فيهم نسباً رُبَّما تهجو قريش وأنا من قريش فالهجاء يعود عليَّ فلا تعجل واسأل أبا بكر وإنَّ لي فيهم نسباً حتى يلخِّص لك نسبي فأتاه حسَّان ورجع فقال يا رسول الله: "قد لخَّص لي نسبك، والذي بعثك بالحقِّ لأسلنك منهم كما تسل الشَّعرة من العجين"[رواه مسلم 2490]. رواه مسلم. فإذاً بعض النَّاس قد يستعجلون في عملٍ خيريٍّ يحتاج إلى شيءٍ من الأناة فيؤذي، فحتى إذا كان متحمِّساً في عملٍ ينظر نظرةً سريعةً شاملةً: هل هذا قد يؤدِّي إلى أشياء عكسية أم لا؟ ثُمَّ يفعل.

التَّأني في معاقبة الأهل والأولاد والخدم

01:02:35

الثَّامن عشر: التَّأني في معاقبة الخدم والأولاد، فإنَّ بعض النَّاس إذا جاء يُعاقب استعجل وغضب وتعدَّى حدَّ الله وآذى وظلم، وهذا حديث رواه مسلم يبيِّن لنا مثالاً: عن هلال بن يساف قال: عجِل شيخٌ فلطم خادماً له، امرأةٌ تكلَّمت كلمةً عند هذا الرَّجل وهي خادم عنده، فاستعجل فلطمها على وجهها، وكان حاضراً صحابيٌ جليل اسمه السُّويد بن مقرِّن، قال لهذا الشَّيخ: عجز عليك إلَّا حُرُّ وجهها! أي: هل ما وجدت إلَّا وجهها تضربه، وضرب الوجه حرامٌ؛ لأنَّ النَّبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام نهى عن ضرب الوجه، وهذا حواس الإنسان الأساسية فيه "عجز عليك إلَّا حُرُّ وجهها! لقد رأيتني سابع سبعةٍ من بني مقرِّن ما لنا خادم إلَّا واحدةٌ لطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله ﷺ أن نعتقها"[رواه مسلم1658]. رواه مسلم. وتقدَّم معنا حديثٌ في مسألة معاقبة الأهل والأولاد: أنَّ الرَّجل الأنصاري الذي كان حديث عهد بعرس وذهب إلى معركة الخندق وكان يختلف إلى أهله يطمئن فالنَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام أمره أن يذهب بسلاحه، فأتى داره فوجد امرأته قائمةً على باب البيت، فأشار إليها بالرُّمح كان في غَيرة شديدة فأشار ليطعنها بالرُّمح فقالت: تأنَّى لا تعجل حتى تنظر ما أخرجني، فدخل البيت فإذا حيَّةٌ منكرةٌ فطعنها بالرُّمح ثُمَّ خرج بها فلدغت الأنصاري ، قال: فلا أدري أيُّهما كان أسرع موتاً الرَّجل أو الحيَّة[رواه أبو داود5259]. والحديث تقدَّم، وهذا لفظ أبي داود في كتاب الأدب من سننه، لكن عادة النَّاس الاستعجال، فالأستاذ مع الطُّلاب والزَّوج مع الزَّوجة والأب مع الأولاد يستعجلون في العقاب ولا يتأنون، ورُبَّما ضرب واحداً من الأولاد ولم يكن هو المخطئ، ورُبَّما عاقب الزَّوجة قبل أن يفهم الظُّروف والملابسات، فهذه امرأةٌ خرجت إلى الشَّارع بدون غطاء فينظر ماذا أخرجها، قد يكون حريقاً أو لصَّاً أو أفعى، فإذاً يجب على الإنسان أن يتأنَّى في مسألة العقوبة.
التَّاسع عشر: التَّأني وعدم إعجال الولد حتى يفرغ من لعبه، كما روى شدَّاد قال: خرج علينا رسول اللهﷺ في إحدى صلاتي العشاء وهو حاملٌ حسناً أو حسيناً، فتقدَّم رسول اللهﷺ فوضعه ثمن كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصَّبيُّ على ظهر رسول اللهﷺوهو ساجدٌ، فرجعت إلى سجودي فلمَّا قضى رسول الله ﷺ الصَّلاة قال النَّاس: يا رسول الله إنَّك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدةً أطلتها حتى ظنَّنا أنَّه قد حدث أمرٌ أو أنَّه يُوحى إليك، قال: كُلُّ ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته[رواه النسائي1141، وصححه الألباني في صحيح وضعيف النسائي1141]. رواه النَّسائي وهو حديثٌ صحيحٌ. حتى يقضي حاجته من الاستمتاع بارتحال النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام وجعله كالرَّاحلة، ويلعب على  ظهره حتى يفرغ الولد، وعائشة لما كنت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون لعبةً حربيةً في المسجد على الحراب، والنَّبيُّ ﷺ يسألها هل اكتفت بالنَّظر وهي تقول لا، وانتظر لها وتأنَّى حتى فرغ ما عندها وزادت قالت: "ما بي حبُّ النَّظر لكن أردت أن يعرف نساءه منزلتي عنده" يعني: يرون مقامي عنده وإدلاله لي.

متى يكون التَّعجُّل مطلوباً

01:07:53

وبالمناسبة: نحن قلنا إنَّ بعض الأخلاق ترجع إلى خلقٍ واحدٍ، فمنشأها خُلقٌ معيَّنٌ تتفرَّع منه عدَّة أخلاق، وهذا التَّأني: إلى أيِّ خُلقٍ يرجع؟ التَّأنِّي يرجع إلى الصَّبر، ولو تأمَّلنا الحلم فإنَّه يرجع إلى الصَّبر، وأشياءٌ كثيرةٌ ترجع إلى الصَّبر، ولذلك كان الصَّبر نصف الدِّين، لو قال قائلٌ: هل العجلة دائماً تكون سلبيةً؟ وهل الانتظار دائماً مطلوبٌ؟ وما معنى: خيرُ البرِّ عاجله؟ وهل من حالات العجلة فيها مطلوبة؟ فنقول: نعم، فتتمَّة للموضوع قال الله تعالى: وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى لماذا أتيت قبلهم إلى الطُّور وتركتهم؟ قال: قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى[طه:83-84]. يعني: استعجلت في طلب الخير وجئت مبادراً كي أستمع الوحي، وجئت إلى الموعد أرجو الخير، فالذي عجَّلني طلبُ الخير، فما الذي يضبط لنا الآن قضية العجلة المحمودة من العجلة المذمومة؟ والعجلة التي لا تتعارض مع التَّأنِّي الذي نتحدَّث عنه؟ يضبط لنا المسألة المهمة ضوابط: حديثٌ صحيحٌ رواه أبو داود عن النَّبيِّ ﷺ قال: التُّؤدة وهي التَّأنِّي في كُلِّ شيءٍ خيرٌ إلَّا في عمل الآخرة[رواه أبو داود4812]. قال الطيبي رحمه الله -من شُرَّاح الحديث-: الأمور الدنيوية يعني لماذا نتأنى في الأمور الدنيوية وفي الأمور الأخروية نمضي ونعجل إليها ولا نتروى ونفكر أنت تتروى وتفكر في صلاة الظهر تصلي أو لا تحج أو لا ما تتروى لكن تبني أو لا تتزوج أم لا تبيع أو لا تبيع تتروث تتأنى لماذا ما هو الفرق قال الطيبي رحمه الله: "الأمور الدَّنيوية لا يعلم أنَّها محمودة العواقب حتى يتعجَّل فيها، أو مذمومة حتى يتأخَّر عنها" فأنت لا تدري إذا تزوَّجت هذه المرأة هل هو خيرٌ؟ فلو أنَّك تعلم أنَّها خيرٌ لأسرعت، ولا تدري هل هي شرٌّ أم لا؟ لأنَّك لو تعلم أنَّها شرٌّ أبطأت، ولم تفعل، ولذلك فما هو الحلُّ أمام الشَّيء الذي لا يدرى عاقبته؟ الانتظار والتَّريث والتَّأنِّي "بخلاف الأمور الأخروية لقوله سبحانه: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ[البقرة:148]. وقوله سبحانه: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ[الحديد:21]."[فيض القدير3/ 365]. فلنأخذ مثلاً أموراً لا يصلح فيها التَّأني بل التَّعجُّل هو المطلوب، مثل: التَّعجُّل إلى الصَّلاة إذا سمع النِّداء، يعني: كأن إذا سمع النِّداء ويقول سأتَّأنَّى وأجلس في البيت! لا، فالآن تُبادر إلى الصَّلاة، وليست جرياً إلى المسجد؛ لأنَّ الجري منهيٌّ عنه، فالبخاري رحمه الله قال: باب قوله ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة الآية، الخصاصة: الفاقة، المفلحون: الفائزون بالخلود، والفلاح: البقاء حيَّ على الفلاح: عجَّل إلى المسجد إذا سمعت النَّداء ولا تتوانى وتعمل وتنشغل بأشياء جانبية، وكذلك لو شخصٌ جاءته بادرةُ صدقة فيتعجَّل ويخرج مباشرةً ولا يتوانى، فرُبَّما يبخل ويرجع عن رأيه، وكذلك من الأمثلة: إذا كسفت الشَّمس تكون المبادرة الشَّديدة إلى صلاة الخسوف، عن أبي بكرة قال: "خسفت الشَّمس ونحن عند النَّبيِّ ﷺ فقام يجرُّ ثوبه مستعجلاً حتى أتى  المسجد"يعني: من العجلة ارتخى ثوبه عليه الصَّلاة والسَّلام دون قصدٍ فأخذ يسحب إزاره، مع أنَّ العادة أنَّ النَّبيَّ ﷺ إزاره فوق الكعبين، معروفٌ هذا لكن من استعجاله وخشيةً لله وخوفاً لما خوَّف الله عباده بالكسوف والخسوف؛ لأنَّ الكسوف آيةٌ من آيات يوم القيامة فيخشى أن تقوم السَّاعة "فقام يجرُّ ثوبه مستعجلاً حتى أتى المسجد وثاب النَّاس فصلَّى ركعتين فجلى عنها"[رواه البخاري5448]. إلى آخر الحديث رواه البخاري. كذلك الاستعجال في قضاء الفوائت فإذا فاتتك صلاةٌ بادر إلى قضائها ولا تتأنَّى ولا تتريث،

ولذلك في صحيح مسلم عنوان: باب قضاء الصَّلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، مثلاً: من الأشياء التي  فيها استعجال: تجهيز الميت والإسراع بالجنازة، ومن البدع أن يؤخَّر الميت في الثَّلاجة عن تجهيزه مباشرةً، والمشي بالجنازة بخطئ وئيدةٍ كما يفعل الكفَّار بجنائزهم حيث تمشي بطيئةً جداً خطوةً خطوةً، وهذا خلاف الدِّين الإسلامي؛ لأنَّ النَّبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلام أمر بالتَّعجل بالجنازة والإسراع بها، إمَّا خيرٌ فلا نحرمه منه، فحفرة قبره في اتساعها وجنتها أفضل مما هو في الثَّلاجة، وإن كانت الجنازة شر فنمشي بسرعةٍ نعجِّله ونلقيه عن عواتقنا، فشرٌّ تضعونه عن أعناقكم، مثلاً: من السُّنَّة أيضاً في عملية الاستعجال: تعجيل الفطر وعدم تأخير الفطر؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: لا يزال النَّاس بخيرٍ ما عجلُّوا الفطر[رواه البخاري 1856]. كذلك تعجيل الصَّلاة يوم عرفة في الظَّهر والعصر؛ لأنَّه لما كتب عبد الملك إلى الحجَّاج ألا يخالف ابن عمر في الحج، قال سالم: "فجاء ابن عمر وأنا معه يوم عرفة حين زالت الشَّمس فصاح عند سرادق الحجَّاج فخرج وعليه ملحفةٌ معصفرةٌ، فقال: مالك يا أبا عبد الرحمن؟ قال الرَّواح إن كنت تريد السُنَّة، قال: هذه السَّاعة؟ قال: نعم، قال: فأنظرني حتى أفيض على رأسي ثُمَّ أخرج" ولعله أنظره؛ لأنَّ الغسل كان عليه واجباً فنزل حتى خرج الحجَّاج فسار بيني وبين أبي، فقلت: "إن كنت تريد السُّنَّة  فأقصر الخطبة وعجَّل الوقوف" وفي رواية وأكثر أصحاب مالك عليها: وعجَّل الصَّلاة فجعل ينظر إلى عبد الله" الحجَّاج يتأكَّد من الأب فلمَّا رأى ذلك  عبد الله قال: صدق" أي: صدق سالم[رواه البخاري 1577]. إن كنت تريد السُّنَّة فاقصر الخطبة وعجَّل الوقوف، فهكذا يكون في عرفة. ومن المواضع التي يتعجَّل فيها الإنسان: إذا قضى حاجته في السَّفر يعجَّل الرُّجوع إلى أهله كما جاء عن أبي هريرة عن النَّبيِّﷺ قال: السَّفر قطعةٌ من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى نهمته فليعجِّل إلى أهله[رواه البخاري1710].رواه البخاري. فإذا انتهت الحاجة في السَّفر فلا يترك أولاده وزوجته فليرجع، حيث أنَّ بعض النَّاس يقولون: نسيح، وأولادك وأهلك يحتاجون إليك عجِّل بالرُّجوع إلى أهلك، فإذاً الذي خرجنا به الآن: أنَّ التَّعجُّل في بعض الأحيان مهمٌّ وخصوصاً عندما تكون المسألة فيها فرصةٌ من الخير تخشى أن تذهب الفرصة فالإنسان يدرس القرار ويتأنَّى، ثُمَّ إذا رآها سانحةً انتهزها ولا يُضيِّع الفرصة ويقول: أتأنَّى أكثر؛ لأنَّ التَّأنِّي جزءٌ أحياناً يكون إلى حدٍّ معيِّنٍ، صحيح بعد هذا يكون  تضييعاً للفرص، ولذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه الرُّوح في مباحث الفروق قال: "والفرق بين المبادرة والعجل: أنَّ المبادرة انتهاز الفرصة في وقتها ولا يتركها حتى إذا فات طلبها، فهو لا يطلب الأمور في أدبارها ولا قبل وقتها، بل إذا حضر وقتها بادر إليها ووثب عليها وثوب الأسد على فريسته، فهو بمنزلة من يبادر إلى أخذ الثَّمرة وقت كمال نضجها وإدراكها" وحتى الثَّمرة كالرُّطب مثلاً: الذي يخرج في النَّخل إذا تُرك ماذا يحدث له؟ يفسد، وإذا قُطف وهو أخضر لا ينفع فإذا تُرك حتى إذا نضج أخذه مباشرةً فهذه هو التَّوقيف الصَّحيح، فلو استعجل وما تأنَّى حتى تنضج الثَّمرة فما انتفع ولو أنَّه توانى وتواكل وترك وتأخَّر فاتت أيضاً عليه، قال: "والعجلة: طلب أخذ الشَّيء قبل وقته، فهو لشدَّة حرصه عليه بمنزلة من يأخذ الثَّمرة قبل أوان إدراكها، فالمبادرة وسطٌ بين خُلقين مذمومين: أحدهما: التَّفريط والإضاعة، والثَّاني: الاستعجال قبل الوقت، ولهذا كانت العجلة من الشِّيطان فإنَّها خفَّةٌ وطيشٌ وحدَّةٌ في العبد تمنعه من التَّثبُّت والوقار والحلم، وتوجب له وضع الأشياء في غير مواضعها، وتجلب عليه أنواعاً من الشُّرور وتمنعه أنواعاً من الخير، وهي قرين النَّدامة، فقل: من استعجل إلَّا ندم كما أنَّ الكسل قرين الفوت والإضاعة"[الروح1/258]. فإذاً يا إخوان: التَّأنِّي مطلوبٌ وهو خُلقٌ نبويٌّ ويحبُّه الله، وهو رزقٌ من الله، ويمنع النَّدم ويبصِّر الإنسان بالحقائق، ويحمله على العدل، ويقوم في مجاهدة نفسه  عليه التَّخلق بالصَّبر، والإيمان نصف صبر ونصف شكر وفوائده كثيرة نكتفي بهذا القدر منه.