الثلاثاء 10 رمضان 1445 هـ :: 19 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

لا تتبع النظرة النظرة


عناصر المادة
مقدمة
مسؤولية الحفاظ على الجوارح
حث الشريعة الإسلامية على غض البصر
أحكام وضوابط تقي المسلم النظر الحرام
الحكمة والغرض من غض البصر
كلام العلماء والفقهاء من مسألة النظر إلى الحرام
مواقف سلفنا الصالح مع شعيرة غض البصر
أقسام النظر إلى العورات
النظر الحرام سهم مسموم يفتك بالبدن
الناظر إلى الحرام مزدرى بين الناس
شبهة حول عورة الوجه والرد عليها
أمور يحصل بها غض البصر عن الحرام
إتيان الأهل للرجل المحصن
فوائد غض البصر
امتثال أمر الله
غض البصر يكسب القلب نوراً
غض البصر يورث الفراسة الصادقة والعلم
غض البصر يورث القلب ثباتا ُوشجاعة
غض البصر يسد مدخل الشيطان إلى القلب
العلاقة بين القلب والعين في النظر إلى الحرام
حاجتنا إلى غض البصر في زمن كثرة الفتن
التشكيك في حكم النظر إلى الحرام
الضرورة الشرعية تقدر بقدرها

الحمد لله رب العاملين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أخواني، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقدمة

00:00:16

 أحييكم في هذه الليلة وأسأل الله أن يجعل ممشاكم وخطاكم وحضوركم في هذا المجلس في كفة حسناتكم يوم القيامة، وأسأل الله أن ينفعني وإياكم بما سنسمع جميعاً في هذه الليلة.
نحن مسؤولون أمام الله مسؤولية كبيرة، والله -سبحانه وتعالى- حمّلنا أمانات لا تحملها الجبال، وجعل علينا مسؤوليتنا ليبلغنا أينا أحسن عملاً.

مسؤولية الحفاظ على الجوارح

00:01:02

 ومن هذه المسؤوليات: مسؤوليات الجوارح  إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36]. فنحن إذن مسؤولون عن أسماعنا، مسؤولون عن أبصارنا، مسؤولون عن أيدينا، مسؤولون عن أرجلنا، مسؤولون عن تفكيرنا وعن خواطرنا، مسؤولون عن قلوبنا وما يدخل في هذه القلوب وما يخرج منها.
وهذه المسؤولية هي التي تجعل عيشة الإنسان المسلم في هذه الدنيا تختلف منطلقاً، وهدفاً، عن عمل الكافر المنافق الذي لا هدف له في هذه الحياة ولا يحس بأي مسؤولية.
والله تهددنا بأننا إذا لم نخلص العمل له ولم نطعه في هذه الجوارح بتهديد عظيم فقال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ [الأنعام: 46]. هذا في الدنيا، وفي الآخرة أعد لهم عذابا ًأليماً.
مسؤولية البصر سنتكلم عنها في هذه الليلة، وهي مسؤولية واسعة جداً، متشعبة.
رسولنا ﷺ كان يراعي بصره أشد الملاحظة، كان يلاحظه أشد الملاحظة، وكان يراعيه جداً عليه الصلاة والسلام، فلما عرج به إلى السماء امتدحه الله وقال-: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم: 17].
وغص البصر من مسؤوليات المسلم.
وهذه المسألة نحتاج إليها في هذه الأيام كثيراً، فقد فسد الزمان ولا حول ولا قوة إلا بالله، وانتشرت المعاصي والموبقات، وانتشر التبرج والسفور والتهتك، وتعرّت كثير من العورات التي أمر الله بسترها حتى كان ذلك ذريعة للكثيرين للوقوع في الفواحش ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأنت اليوم لا تمشي في شارع ولا تدخل دكاناً، أو سوقاً أو مطاراً وطائرة أو فندقاً أو منتزها ًأو تذهب إلى ساحل البحر أو تدخل بيتاً فيه اختلاط إلا وتجد هذا المحتوى بين ناظريك.
وهذا ما يلقي ظلالاً من الشدة، وامتحاناً عظيماً، وابتلاءً كبيراً يبتلي الله به المسلم في هذا الزمن، إذ أن الأمور لم تكن هكذا في الماضي، لم تكن شوارع المسلمين في الماضي مثل الآن، لم تكن أسواق المسلمين في الماضي مثل الآن، لم يكنّ نساء المسلمين الماضي مثل الآن، ولا نظر الرجال كان في الماضي مثل الآن.
كثير من الأشياء فسدت وتغيرت.
ومن هنا كان لا بد من وقفة صارمة جادة، ومعرفة لحكم الأمر في الشرع، وما جاء به الله ورسوله ﷺحتى نعرف كيف نتجنب مزالق الشيطان.

حث الشريعة الإسلامية على غض البصر

00:04:44

 والأصل في غض البصر -أيها الإخوة- قول الله في سورة النور: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور: 30، 31].
أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم إليهم، فلا ينظروا إلا لما أباح الله لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحرمات، فإن اتفق أن وقع البصر من غير قصد فليصرف المسلم بصره بسرعة.
وكذلك أمر الله المؤمنات مع أنهن داخلات أصلاً في الخطاب الأول، إذ أن كل خطاب للمسلمين والمؤمنين يدخل فيه المسلمات والمؤمنات.
ولكن الله أيضاً استثناهن هنا وخصهن بالذكر فقال: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور: 31].
أي عمّا حرم عليهن النظر إليه من غير الأزواج من العورات ونحوها.
بعض العلماء يرى أن المرأة لا يحل لها أن تنظر إلى الرجل، كما أن الرجل لا يحل له أن ينظر إلى المرأة، واستدلوا بحديث:  أفعمياوان أنتما؟ [رواه الترمذي: 2778، وقال: هذا حديث حسن صحيح]. وقوّاه بعض أهل العلم، فقالوا: لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجانب بشهوة ولا بغير شهوة" [مرقاة المفاتيح: 5/2055].
وذهب آخرون من العلماء إلى جواز نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي من غير شهوة، كما ثبت في الصحيح: "أنه ﷺ أذِن لعائشة -رضي الله عنها- بالنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بالحراب في المسجد" [رواه البخاري: 454، ومسلم: 892]. وهو نوع من التدريب والابتعاد للجهاد، وليس لعب، ولهو، وعبث في المسجد، كلا!
فأرادت عائشة أن تنظر فسترها رسول الله ﷺ حتى نظرت وشبعت من النظر، فقال أهل العلم: إن هذا محمول على عدم الفتنة أثناء النظر، لكن لو حصلت أدنى فتنة عند المرأة وهي تنظر إلى رجل، فإنها يجب عليها أن تغض الطرف فوراً.
والواقع يشهد بأن افتتان الرجال بالنساء من ناحية النظر أشد من افتتان النساء بالرجال من ناحية النظر، وإلا فإذا وقع الحرام فالجميع سواء.


قد يقول قائل: لماذا قال الله  قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور: 30]. وهل " مِنْ " هنا للتبعيض؟ ولو كانت للتبعيض فكيف يكون المعنى؟ لماذا لم يقل: قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم بالكلية؟
فنقول: لو قلنا كما قال بعض أهل التفسير إن " مِنْ " هنا للتبعيض فهذا يعني أن هناك أشياء يجوز للرجل أن ينظر إليها، وأشياء لا يجوز للرجل أن ينظر إليها.
فمثلاً: الرجل ينظر إلى زوجته، ويحل له أن ينظر إلى عورتها، وكذلك يحل للأب أن ينظر إلى ما يحل لله النظر إليه من ابنته، أو أخته، أو عمته، أو خالته، ونحو ذلك.
فإذن، ليست القضية أن يغض الرجل بصره عن كل امرأة، كلا، بل إنه يجوز له أن ينظر إلى زوجته وإلى محارمه فيما جاء الشرع بالنظر إليه من المحارم كالوجه، والشعر، والذراعين، والقدمين، ونحو ذلك.
وفي بعض الحلالات الضرورية قد يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة الأجنبية، مثل نظر الخاطب إلى المخطوبة، ونظر الشاهد، والقاضي، والطبيب الرجل إلى المرأة التي لم تجد طبيبة تداويها.
ولذلك تعلم الآن لماذا قال الله: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور: 30].
وغص البصر من جانب الرجال أدب النفس، ومحاولة لاستعلاء على الرغبة، رغبة الاطلاع على المحاسن والمفاتن في الوجوه والأجسام، كما أن فيه إغلاقاً للنافذة الأولى من نوافذ الفتنة والغواية، ومحاولة للحيلولة دون وصول السهم المسموم، وتأمل قول الله: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور: 30].
لماذا قدم حفظ البصر على حفظ الفرج؟ لأن البصر هو الطريق إلى الحرام في الفرج، وهل سمعتم برجل مبصر زنا قبل أن ينظر إلى المزني بها؟ فالنظر هو الطريق إلى الزنا، النظر المحرم، ولذلك جعله الله أولاً:قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ[النور: 30].
حرّم أول الفتنة ومنتهاها ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ هذا من التزكية التي يزكون بها أنفسهم، أطهر لمشاعرهم، وأضمن لعدم تلوثها بالانفعالات الشهوانية في غير موضعها المشروع النظيف، وهو أطول للجماعة وأصون لحرماتها، والله هو الذي يأخذها بهذه الوقاية، وهو العليم بتركين النفس وتكوينها الفطري، الخبير بحركات النفوس.
ولذلك ختم الله هذه الآية خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور: 30]. لاحظ كيف ختمت الآية بخاتمة تناسب الأمر الذي تضمنته تلك الآية إن الله خبير يعم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
يعلم العين تلتفت إلى أين، وماذا تريد العين بالتفاتتها، وما هي النية في هذا الناظر، ما هي نيته؟
خبير بالنفوس وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور: 31]. فلا يرسلن بنظراتهن الجائعة المتلصصة، أو الهاتفة المثيرة؛ لكي تستثير الفتنة من صدور الرجال.
لأن نظرات المرأة لها معنى عند الرجال، أليس كذلك؟ بل إن بعض نظرات النساء قد تكون أشد إغراءً من منظرها، ولذلك المرأة أيضاً تغض من بصرها؛ لكي لا تفتن الرجال بحركة عينيها.
 وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور: 31].
قال أهل العلم في قوله تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر: 19].
خائنة الأعين: ذكر أهل العلم فقالوا: هي اختلاس النظر -لاحظ العبارة - إلى من يحرم نظره من غير إرادة أن يفطن إليه أحد" هذه خائنة الأعين.
كما ورد عن ابن عباس قال عن خائنة الأعين: "الرجل يكون في القوم -واحد يكون وسط الناس- فتمر به المرأة فيريهم -الرجل هذا- يري بقية الرجال أنه يغص بصره عنها، فيطرق إلى الأرض مثلاً، فإن رأى منهم غفلة نظر إليها". [تفسير القرطبي: 15/303]. هذه خائنة الأعين، وهذه يفعلها بعض من في قلوبهم شيء من النفاق، فإن خاف أن يفطنوا إليه غض بصره أيضاً، ولكن الله قد اطلع من قلبه أنه يود أن ينظر إلى عورتها.
وهذا معنى قول الله: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ .
وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله ﷺ في حكم هذه القضية، فقد قال جرير بن عبد الله البجلي : "سألتُ رسول الله ﷺ عن نظر الفجأة.
ويمكن أن تُقرأ أيضاً "الفجاءة" والمعنى واضح، وهو أن يقع بصره على الأجنبية بغتة، الصحابي يريد أن يعرف الحكم، قد يقول الواحد بنفسه: لماذا يسأل؟ واضح ما دام أنه لا يقصد ما عليه شيء!
ولكن الصحابة كانوا حريصون أن يعرفوا الحكم حتى في الأشياء التي لا قصد لهم بها.
فقال الصحابي: "فأمرني أن أصرف بصري".
لما سأله عن نظر الفجأة، قال: "فأمرني أن أصرف بصري" [رواه مسلم: 2159].
يعني لا أنظر مرة ثانية، رواه مسلم في صحيحه.
وعن ابن بُريدة عن أبيه، قال: قال رسول الله ﷺ: لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة [رواه أحمد: 22974، وأبو داود: 2149، والترمذي: 2777، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 7953].  
قال ابن أبي حازم، قيس ابن أبي حازم -رحمه الله-: "كان يُقال النظرة الأولى لا يملكها صاحبها، ولكن الذي يدس النظر دسّاً" [الزهد لهناد بن السري: 2/649].
بعض الناس عندهم تفسير عجيب للنظرة الأولى، يقول: النظرة الأولى هي التي تنظر بشرط ألا ترمش! فإذا رمشت  ذهبت عليه، يقول: النظرة الأولى أنك إذا نظرت أول نظرة تنظر، تنظر، تنظر، لكن ما ترمش، إذا رمشت، سكرت العين، ما يجوز، وهذا كلام خطأ، هؤلاء أناس متلاعبون بالدين يريدون أن يطلقوا العنان لشهواتهم ونظراتهم، وما الفرق بين من ترف عينه أو ترمش دائماً ؛ لأن فيها شيئاً، وبين إنسان حادّ البصر يقوى على الثبات على وضعية بدون أن ترمش عينية؟
نقول: هذا حلال وهذا حرام لنفتري على الله الكذب؟


النظرة الاولى هي النظرة الخاطفة، أول ما تلحظ، هذه النظرة الأولى، وبعد ذلك يجب أن تغص بصرك مباشرة.
وعن ابن عباس قال: "ما رأيت شيئاً أشبه باللمم من قول أبي هريرة عن النبي ﷺ: إن الله  كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، وزنا العين النظر، زنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه  متفقٌ عليه. [رواه البخاري: 6243، ومسلم: 6612].
زنا العين: النظر إلى المحرمات، وزنا الأذن: السماع إلى المحرمات، وزنا اليد: البطش المحرم؛ لأن هناك بطش حلال مثل الجهاد في سبيل الله، وزنا الرجل: المشي إلى الحرام، والفرج يصدق ذلك -في النهاية- أو يكذبه.
وقد حرص رسول الله ﷺ إلى كشف هذه المسألة، والتنصيص عليها للذين يجلسون في الطرقات لكثرة ما يحدث للجالسين في الطرقات من التعرض لهذه المسألة.
وكثير من الناس الآن يتسكعون وهم ينظرون في الطرقات، ويجلسون على الأرصفة، وبعضهم قد يجلس على شرفة البيت ويطل كأنه جالس في الشارع، أو بعضهم يوقف سيارته في الطريق وينظر، هؤلاء الناس عليهم أن يتمعنّوا جيداً في الحديث الصحيح الوارد عن رسول الله ﷺ قال: إياكم والجلوس على الطرقات .
أو: في الطرقات .
قالوا: "يا رسول الله، ما لنا بدّ".
يعني بيوتنا ليست واسعة حتى نجتمع فيها مثلاً، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها.
قال: فإذا أتيتم إلى المجالس فأعطوا الطريق حقها .
قالوا: وما حقّ الطريق؟
قال: غض البصر  أول شيء غض البصر وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر .
حديث صحيح. [رواه البخاري: 2465]


لماذا؟ لأن الإنسان الجالس لا يخلو أمره من أن تمرّ امرأة أمامه.
الجالس في الطريق، فكيف في زماننا هذا بالذي يجلس في الطريق خصيصاً؛ لكي ينظر إلى النساء المارات؟ خصوصاً الذين يجلسون مثلاً أمام مدارس البنات -مثلاً- ماذا يريدون بجلوسهم؟ النظر إلى المحرمات، ويتسكعون في تلك المحلات، ويغضبون رب البريات بهذه النظرات.
وقال ﷺ:اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة، اصدقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم حديث صحيح. [رواه أحمد: 22756، والحاكم في المستدرك: 8066، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 1018].  
و كان الرسول ﷺ أول واحد يطبق حديث:من رأى منكم منكراً فليغيره بيده[رواه مسلم: 49]. وقد رأى ﷺمنكرا ًفغيره بيده، عن عبد الله بن عباس قال: "كان الفضل بن عباس رديف رسول اللهﷺ يجلس وراءه على الدابة -فجاءته امرأة من خثعم- للرسول ﷺ تستفتيه، فجعل الفضل -وكان شاباً- ينظر إلى المرأة، وتنظر إليه، فجعل رسول الله ﷺ يصرف وجه الفضل إلى الشقّ الآخر بيده الكريمة ﷺ يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، يصرفها بيده حتى لا ينظر، فسألتُه السؤال. هذه رواية البخاري ومسلم. [رواه البخاري: 1513، ومسلم: 1334].
وفي رواية أحمد: قال العباس: "يا رسول الله، رأيتك تصرف وجه ابن أخيك؟".
قال ﷺ: إني رأيت غلاماً شاباً وجارية شابة فخشيتُ عليهما الشيطان [رواه احمد: 564، وقال محققه الأرنؤوط: إسناده حسن].
إذن، يُشرع لك أن تبعد وجه إنسان ينظر إلى المرأة الأجنبية بيدك، لكن برفق، ولا يلزم أن تضربه على وجهه وتصفعه لكي تدير وجهه، وإنما تأمر بالمعروف برفق.

أحكام وضوابط تقي المسلم النظر الحرام

00:22:15

 وجاء في الشريعة أحكام من أجل قضية البصر، من أجل عدم النظر إلى المحرمات، أشياء تحمي قضية النظر إلى المحرمات، هذه من طريقة الشريعة، فمنها مثلاً:
ما ورد في صحيح البخاري: "اطلع رجل من جحر في حجر النبي ﷺ حجرات النبي ﷺ أبيات الزوجات- ومع النبي ﷺ مدرى يحك به رأسه.
شيء له حدّ، يعني حافة حادة أو بوز مبوّز.
فقال النبي ﷺ بعد أن اكتشفه:لو أعلم أنك تنظر لطعنتُ به في عينك.[رواه البخاري: 6241].
أنت تنظر من الشقّ، لو كنت أعلم لطعنتُ به في عينك -من الداخل طعنتك به وأنت في الخارج- إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر .
البيوت من أوّل ما كان لها أبواب، كان لها ستور، وقد يكون الستر هذا مكشوفاً، أو منزاحاً، أو غير موجود، ولذلك جعل الاستئذان من أجل البصر، الواحد يقول: السلام عليكم، أدخل؟ قبل أن يدخل حتى لا يدخل.
ما كان في أبواب مقفلة، يجي الواحد يطرق فيفتح له أو لا يفتح، كانت الأبواب مشرعة، أو الستور موجودة هكذا، فالواحد لو لم يستأذن ودخل مباشرة -يعني مثل الخيام- قد يرى حراماً، ولذلك يقول ﷺ: إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر [رواه البخاري: 6241].
حتى لا ترى حراماً جُعل الاستئذان.
وروى أبو داوود بسند قويّ من حديث ابن عباس: "كان الناس ليس لبيوتهم ستور، فأمرهم الله بالاستئذان، ثم جاء الله بالخير -يعني الناس عمّروا صار عندهم بيوت وأبواب -فلم أرّ أحداً يعمل بذلك".
قال ابن عبد البرّ: "أظنهم اكتفوا بقرع الأبواب"؛ لأن قرع الأبواب عبارة عن استئذان. [فتح الباري لابن حجر: 11/25].
وله من حديث عبد الله بن بسر: "كان رسول الله ﷺ إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه". قد الآن تجد باب بيت مفتوحاً، وأنت تريد أن تدخل، الرسول ﷺ ما كان يأتي الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن، أو الأيسر، حسب اتجاه الماشي، "وذلك أن الدور لم يكن عليها ستور". حديث صحيح. [رواه أبو داود: 5186، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 4638]. 
لو قال قائل: لا داعي لهذا الحديث الآن.


نقول: بلى، إنما جُعل الاستئذان لأجل البصر، لا زالت الحاجة موجودة ، فكما ذكرت قبل قليل، قد يكون الباب مفتوحاً، غير مغلق، والآن بعض الناس لا يخافون الله؛ خصوصاً في بعض العمارات.
الذين يسكنون في الأدوار، في العمارات، بعض الناس يتساهلون في فتح الأبواب، وتجد أن الجارة تفتح بابها لتتكلم مع جارتها، أليس كذلك؟ بلى.
الذي يصعد في هذه العمارة ويأتي إلى بيت معين، إذا جاء من تلقاء وجهه والباب مفتوح فقد يرى عورات بالداخل، امرأة متكشفة، زوجة الرجل، بنته، ونحو ذلك.
ولذلك إذا جاء واحد إلى باب مفتوح لا بد أن يستأذن قبل أن يدخل، ما يأتي من أمام الباب، ويقول: أأدخل؟
لا. كذلك مثلاً في الحج، الحج أكثر الحجاج يعيشون في الحج في الخيام، إذا جئت تريد أن تدخل فلا بد أن تستأذن، لا تدخل مباشرة، ليس هناك جرس ولا شيء، السلام عليكم، أأدخل؟
لو كان باب الخيمة مفتوحاً، نفس الشيء، بعض الناس قد ينصبون خيامهم في الربيع، يذهب إلى منطقة فيها ربيع، فينصبون خياماً للنساء، وخياماً للرجل، واحد يريد زوجته، بعض الرجال لا يخافون الله، يأتي إلى الباب يُدخل رأسه، فلانة موجودة؟ ويرى كل النساء! هذا حاصل؟
نحن الآن من فضل الله علينا نعيش في مدن وبيوت، لكن أليس هناك أناس من المساكين يعيشون في مخيمات في العراء؟ فالحاجة إلى هذا الحكم قائمة والحمد لله على هذا التشريف.
قال ابن حجر -رحمه الله- في الفتح تعليقاً على هذا الحديث: "ويؤخذ منه أنه يُشرع الاستئذان على كل أحد، حتى المحارم، لألا تكون منكشفة العورة" [فتح الباري لابن حجر: 11/25].
لو أنت الآن في البيت،  تريد أن تدخل حجرة أختك، أو حجرة أمك، لو فتحتَ الباب مباشرة ودخلت قد تكون هذه الأم أو هذه الأخت في وضع لا يجوز لك أن تنظر إليه، أليس كذلك؟ بداخل البيت، فماذا ينبغي أن تفعل؟ تطرق الباب أولاً، وتقول: أأدخل؟ السلام عليكم، أأدخل؟
 إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر   إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر [رواه البخاري: 6241]


تستأذن حتى لا ترى المحرم.
هذا كلام تابع لابن حجر: "وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن نافع: "كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخل عليه إلا بإذن".
سبحان الله على هذا الأدب من الأب.
ومن طريق علقمة: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: أستأذن على أمي؟
فقال: "ما على كل أحيانها تريد أن تراها".
ومن طريق مسلم بن النَذِير، أو نُذَير، سأل رجل حذيفة: أستأذن على أمي؟
فقال: إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره.
ومن طريق ابن طلحة: "دخلتُ مع أبي على أمي، فدخل واتبعتُه، فدفع في صدري -يعني يمنعه من الدخول- وقال: تدخل بغير إذن؟ يعني أنا أبوك زوجها، أنا أدخل متى ما أشاء، لكن أنت قد تكون في وضع لا يُسمح لك بأن تنظر إليها، ومن طريق عطاء: "سألت ابن عباس أستأذن على أختي؟
قال: "نعم، أتحب أن تراها عريانة؟"
قال ابن حجر -رحمه الله-: "وأسانيد هذه الآثار كلها صحيحة" [فتح الباري لابن حجر: 11/25].
فهذا البصر له خير وله شر، له خير وله شرٌ.
ولذلك -كان ﷺ يعلّمنا، علمنا دعاءً مهماً، فقد روى النسائي في صحيحه، وأبو داوود في سننه عن شكل بن حميد قال: "أتيتُ النبي ﷺ فقلت: "يا نبي الله، علّمني تعوذاً أتعوذ به، فأخذ بيدي، ثم قال: قل أعوذ بك  يعني يا الله  من شر سمعي، وشر بصري، وشر لساني، وشر قلبي، وشر منيي 
المني إذا وضع في رحم حلال كان طيباً، وإذا وضعت هذه النطفة في رحم حرام محرم كان خبيثا ًوشراً.
ولذلك علّم ﷺ، هذا الرجل أن يستعيذ بالله من شر هذه الأشياء، يقول: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، وشر بصري، وشر قلبي، وشر لساني، وشر منيي  وهذا حديث صحيح في صحيح النسائي. [رواه النسائي في السنن الكبرى: 7827، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي: 5455]. 

الحكمة والغرض من غض البصر

00:31:11

 ما هو الغرض من غض البصر؟ ما هو الغرض من هذا الحكم؟
يقول سيد -رحمه الله تعالى-: "إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة، ولا تستدار فيه دفعات اللحم والدم في كل حين، ولقد شاع في وقت من الأوقات أن النظرة المباحة والحديث الطليق والاختلاط الميسور والدعابة المرحة ين الجنسين، والاطلاع على مواضع الفتنة المخبوءة، شاع أن كل هذا تنفيس وترويح، وإطلاق للرغبات الحبيسة، ووقاء من الكبت، ومن العقد النفسية، وتخفيف من حدة الضغط الجنسي، وما وراءه من اندفاع غير مأمون، شاع هذا على أثر انتشار بعض النظريات المادية، القائمة على تجريد الإنسان من خصائصه التي تفرّقه من الحيوان، والرجوع به إلى القاعدة الحيوانية الغارقة في الطين، وبخاصة نظرية فرويد، ولكن هذا لم يكن سوى فروض النظرية".
يقول سيّد -رحمه الله-: "رأيت بعيني في أشد البلاد إباحية وتفلتاً من جميع القيود الاجتماعية، والاخلاقية، والدينية، والإنسانية، ما يكذبها وينقضها من الأساس -هذه النظرية اللعينة- "شاهدت في البلاد التي ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدي والاختلاط الجنسي بكل صوره وأشكاله أن هذا كله لم ينته بتهريب الدوافع الجنسية وترويضها".
هم قالوا: أفلت الأمور ما يكون هناك عقد وكبت والناس يستريحوا، إنما انتهى إلى سعار مجنون لا يرتوي، ولا يهدأ إلا ريثما يعود إلى الظمأ والاندفاع، "وشاهدت الامراض النفسية، والعُقد التي كان مفهوماً أنها لا تنشأ إلا من الحرمان- رآها في جو الانفلات-  وإلا من التلهف على الجنس الآخر المحجوب، شاهدتها بوفرة، ومع الشذوذ الجنسي بكل أنواعه، ثمرة مباشرة للاختلاط الكامل، الذي لا يقيده قيد ولا يقف عند حده، وللصداقات بين الجنسين تلك التي يُباح معها كل شيء، وللحركات المثيرة، والنظرات الجاهرة، واللفتات الموقرة مما يدل بوضوح على ضرورة إعادة النظر في تلك النظريات التي كذّبها الواقع المشهود". في ظلال القرآن
وهذه النظريات التي أثبتت فشلها في الواقع لا زالت تُدرّس لأبناء المسلمين في جامعات البلاد الإسلامية.

كلام العلماء والفقهاء من مسألة النظر إلى الحرام

00:34:08

 ما هو موقف علمائنا من مسألة النظر إلى المحرمات؟
لقد كان لهم موقف صارم، وأعلنوا بوضوح حكم الله في المسألة، فتجد النووي -رحمه لله- من أبسط الكتب "رياض الصالحين" يقول: "باب تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن بغير حاجة شرعية" [رياض الصالحين: 459].
وبهذا العنوان يتبين لكم الآخر وهو: "أن النظر ليس مقصورا ًعلى المرأة الأجنبية، النظر المحرم، بل قد يكون حراماً إذا نظر إلى كل صورة فاتنة تفتن ولو كان ذكراً" لأن الأمرد قد يفتن في بعض الأحيان أكثر مما تفتن المرأة، كما ذكر أهل العلم في كتبهم، وقيّد النووي -رحمه الله- النظر بقوله: "بغير حاجة شرعية".


فقد يحتاج الرجل إلى النظر إلى المرأة الأجنبية أن ينظر إليها رجل أجنبي، مثل إذا عدمت طبيبة متخصصة في مرض من الأمراض واحتاجت المرأة، ماذا تفعل؟ لا بد يكشف عليها طبيب رجل، فتنتقي طبيباً مسلماً ثقة مأموناً، فاهماً في تخصصه، متقن له، يكشف ما أباح الله الكشف عند الضرورة، للضرورة.
بعض النساء تذهب إلى الطبيب تفتح له كل شيء، أحياناً يكون المفروض أن تكشف مثلاً شيئاً في الصدر، فتكشف من أسفل الثياب، أو تكشف شعرها، ما هي الحاجة إلى كشف الشعر والقضية في الصدر؟
قد يقول قائل: طبيعي تكشف شعرها.
نقول: لا! أين أنت، الضرورة تقدّر بقدرها، إذا كانت المشكلة في الرجل، أو في الساق، أو في الصدر، لماذا تكشف الشعر؟
ولذلك يجب على النساء الخوف من الله عند الذهاب إلى الطبيب الرجل، وكذلك على الطبيب أن يخاف الله وهو يكشف، لا يكشف أكثر مما يحتاج، بعض الأطباء لا يخافون الله، يقول: لا، اكشفي، خذ كل شيء، لماذا؟ أنت تحتاج أن تنظر إلى ماذا؟ ما معنى أشيل كل شيء؟
وهكذا في بعض الكشوفات الطبية، يصر الطبيب أن ينظر إلى الموظف   الذي يريد التوظف، ينظر إليه عاريا ًمن كل شيء، وأن يسير أمامه، هذا موجود، حاصل.
أين خوف الله؟ أين تقوى الله في هذه المسائل؟ ناهيك عما يحدث في هذه المستشفيات والعيادات من المنكرات التي لا يرضى الله بها أبداً، وأكثر الناس غافلون أو متغافلون يرون المنكر لا يغيروه ولا ينكروه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

مواقف سلفنا الصالح مع شعيرة غض البصر

00:37:23

 وموقف سلفنا الصالح من قضية النظر إلى المحرمات، غض البصر، كان موقفاً جميلاً، مشهوداً له، مكتوبا ًومسطراً في كتبهم، جاء الربيع بن خثيم إلى علقمة فوجد الباب مغلقاً، فجلس في المسجد، فمرت نسوة فغمّض عينيه.
إسناده صحيح في كتاب الزهد للربيع.
ما هو الواجب؟ غض البصر أم تغميض العينين؟
غض البصر، لكن هذا الرجل من السلف أغمض عينيه زيادة في الاحتياط.
وفي بعض الأحيان عندما تدخل بعض المجالس توضع في وسط بؤرة من بؤر الفساد لا يمكن أن تتجنب النظر إلى الأشياء المحرمة إلا بأن تغلق البصر كلياً، أليس كذلك؟
الناس الذين يذهبون إلى بلاد الكفار يتقون الله، هو يذهب ويعلم بأنه سيرى في الشوارع والأسواق أشياء لا يمكن أن يتجنبها ومع ذلك يذهب ويدخل بغير حاجة ولغير ضرورة شرعية.
وعن سفيان قال: كان الربيع بن خثيم يغض بصره، فمرّ به نسوة، فأطرق -في الأرض- حتى ظنّ النسوة أنه أعمى فتعوّذن بالله من العمى، حتى قالت بعضهن: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به من العمى وفضلني عليك.
تعوذوا بالله من العمى، يظنوه أعمى، وخرج حسّان -رحمه الله- إلى العيد، فقيل له لمّا رجع: يا أبا عبد الله ما رأينا عيداً أكثر نساءً منه.
قال: "ما تلقتني امرأة حتى رجعتُ" [حلية الأولياء: 3/115].
قال: "ما رأيت" معناها: أنه كان يغض البصر، وهذا ما تلاحظه من تعليق رجلين مختلفين، أحدهما يقول: كان السوق اليوم كله -أعوذ بالله- نساء ومنكرات، والآخر يقول: ما رأيت الذي رأيت!
معناه من باب الدلائل، بعض الدلائل لهذا القول، قد يُستنتج منه: واحد جالس وينظر بعينه، يقول: كان السوق اليوم كله منكرات ونساء، وذلك الذي غض بصره لم يرى إلا شيئاً يسيراً.
وقال سفيان: "ينبغي للإنسان يوم العيد أن يبدأ فيغض بصره". [الزهد لوكيع: 801]. يهتم بذلك.
وعن وكيع قال: "خرجنا مع سفيان الثوري في يوم عيد، فقال: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا غض أبصارنا".


آثار صحيحه في كتاب الزهد لوكيع. [ذات المصدر].
حاسة البصر هذه قد نفعل بها شيئاً واجباً، قد نفعل بها شيئا ًمستحباً، قد نفعل بها شيئاً مباحاً، قد نفعل بها شيئاً مكروهاً، قد نفعل بها شيئاً محرماً، هذه آلة من الآلات يمكن أن تستخدم في الخير والشر، فالحرام مثلاً، النظر إلى الأجنبيات بشهوة هذا مطلقا ًحرام، لا يجوز، وبغير شهوة أيضاً حرام لا يجوز إلا لحاجة مثل: نظر الخاطب، والشاهد، والحاكم، والطبيب، وذي المحرم.
وهناك نظر مستحب مثل:  النظر في كتب العلم والدين التي يزداد الرجل بها إيمانا ًوعلماً، والنظر إلى الخطيب يوم الجمعة وهو يخطب.
ونظر مكروه، السلف كانوا يكرهون فضول النظر، مثل: قيل أن رجلاً زار أحد السلف، فبعد الزيارة قال: لو أنك جلبت رجلاً ينظف السقف من بيوت العنكبوت.
فقال صاحب البيت: كانوا يكرهون فضول النظر.
وهذا من فضول النظر، هذا مثال، الرجل يطالع في السقف ويتأمل في بيوت العنكبوت، قد يكون فيها إحراج لصاحب البيت، هذا من فضول النظر الذي ينبغي الإغضاء عنه.
والنظر المباح مثل النظر مثلا ًفي الأشجار، في السماء، في الشمس، في الأنهار، وقد يتحول إلى مستحب إذا قصد به التفكر في آيات الله ونعمه.

أقسام النظر إلى العورات

00:42:41

 ومن النظر المحرم: النظر إلى العورات، وهي قسمان: عورات من وراء الثياب، وعورات من وراء الأبواب.
والنظر الواجب مثل: النظر في المصحف، الذي يتعلم سورة الفاتحة ليقرأ بها في الصلاة مثلاً، أو نظر طالب العلم في المسألة التي يجب عليه أن يتعلمها.
واحد الآن تعرض إلى مسألة، فهو ينظر في كتب العلم الآن؛ لأنه يحتاج، لا بد يعرف الجواب، فهذا نظره في كتاب العلم يصبح واجباً.
من النظر المحرم: التعدي في نظر الطبيب والخاطب، ذكرنا التعدي في نظر الطبيب قبل قليل، الخاطب يتعدى في النظر مثل واحد متلاعب، هو لا يريد أن يتزوج لكن يأتي ويقول: أنا أريد أن أتزوج من عندكم. وهو لعّاب، حتى ينظر إلى النساء، هذا حرام.
أو مثلاً خاطب ينظر إلى ما لا يحل له النظر إليه من مخطوبته؛ خصوصاً إذا لم تكن تعلم، كما هو رأي بعض أهل العلم، أنه يجوز له أن يختبئ لينظر إليها مثلاً، فهذا قد يتعدى وينظر إلى ما لا يحل النظر إليه حتى بصفته خاطب.
أو مثلاً واحد نظر، خمس دقائق تكفي ليحدد هل يتزوج ولا لا، فهنا جلس ينظر نصف ساعة، ساعة، جالس، هذا تعدي في النظر، فلذلك لا يجوز.

النظر الحرام سهم مسموم يفتك بالبدن

00:44:22

 والنظر مثل السم، النظر إلى المحرمات مثل السم يسري إلى القلب، فيعمل في داخل الجسم قبل أن يرى عمله في الظاهر. وضرب ابن الجوزي -رحمه الله- مثلا ًجميلاً، قال: "النظر إذا ما رددته مباشرة وأطلقته فمن الصعب جداً أن تمحو أثره"، قال: "كمثل رجل دخل على فرسه إلى درب ضيق جداً بحيث لا يمكنه أن يستدير ليعود، فإن انتبه في أول الأمر ولم تدخل بالكلية، فإنه من السهل عليه أن يرجعها خطوة إلى الوراء وينفذ وتنتهي المشكلة، أليس كذلك؟
لكن لو دخل وأوغل في الدخول، كيف سيخرجها؟ لا يمكن تستدير الفرس، فقال ابن الجوزي -رحمه الله-: "فإن قبل وردها خطوة إلى ورائها سهُل الأمر، وإن توانى حتى ولجت، ثم قام يجذبها بذنبها حتى طال تعبه وربما لا يتهيأ له ذلك"[ذم الهوى: 94]. هذا مثل الإنسان الذي يرد البصر من أول نظرة، ومثل الذي يتمادى وينظر، وهكذا.
وكذلك إذا أثرت النظرة في القلب لا سبيل إلى إخراجها بسهولة أبداً، والناظر يتلذذ في البداية ويتلذذ، وتستفحل القضية في قلبه، وهكذا، والنظر أصل عامة البلايا والمصائب، فالنظرة تولّد خطرة، ثم تولد الخطرة الفكرة، ثم تولد الفكرة الشهوة، وتولد الشهوة إرادة، فتقوى فتصبح عزيمة، فيقوى فيصبح فعلاً يفعله الإنسان من المحرمات".


النظر يحرم التمادي فيه، وسينقلب إلى محرم أكبر منه، ولذلك قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده.
الآن الواحد ليس سهلاً أنه إذا نظر إلى صورة جميلة أن يغض بصره، لكن غُض الآن أحسن من أن تتورط فيما بعد، وقد انطبعت الصورة في قلبك وانحفرت فيه فلا سبيل إلى إخراجها أبداً.

يا رامياً بسهام اللحظ مجتهداً *** انت القتيل بما ترمي فلا تصب

يا باعث الطرف يرتاد الشفاء له...
[الداء والدواء: 1/353].
بعض الناس يقول: هذا ترى النظر شفاء، ولذلك اخترعوا أحاديث: ثلاثٌ يجلون البصر، الماء، والخضرة، والشكل الحسن. حديث موضوع.
لماذا؟ النظر إلى الصور الجميلة يشفي البصر، ولذلك انظر حتى يقوى البصر!.
أو يقول: أنا الآن إنسان أكبت شهوتي، أنا متعذب، أنا كذا، فلأطلق البصر لعلي أرتاح.
بعض الناس هذه فكرتهم، يقول: أطلق البصر ترتاح.
يقول الشاعر:

يا باعث الطرف يرتاد الشفاء له *** احبس رسولك لا يأتيك بالعطب
يا ناظرا ًما أقلعت لحظاته *** حتى تشحّط بينهن قتيلاً.

[الداء والدواء: 1/353]


ومن آفات النظر أنه يورث الحسرات، فيرى العبد ما ليس قادراً عليه ولا صابراً عنه وهذا من أعظم العذاب.
وانتبهوا معي لهذه المسألة، واحد الآن ينظر إلى امرأة، مثل النظر إلى زوج وزوجته، مثلاً الزوجة كانت سافرة والعياذ بالله. أو أنه اطلع من السطح إلى امرأة جاره -والعياذ بالله- الآن هذا الرجل لا قادر على أن يقضي حاجته من هذه المرأة إن كانت عفيفة، ولا هو يصبر عن هذا فيمنع نفسه من النظر، هذا المتمادي.
فهذا عذاب، هذا عذاب يورث الحسرات، فيرى هذا الشخص شيئاً ليس قادراً عليه ولا صابراً عنه، ولا يستطيع أن يصبر عنه، وسيجلس يفكر في المسألة طيلة الوقت، وهذا من أعظم العذاب.

وكنت متى أرسلت طرفك رائداً *** لقلبك يوماً أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه *** ولا عن بعضه أنت صابرُ

[الداء والدواء: 1/353]
وبعض الناس يتهاونون في النظر، يقول: نظرة، ماذا ستفعل النظرة؟ ولكن

كل الحوادث مبدؤها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر

[الداء والدواء: 1/350].
أحياناً حريق كبير، يقول: وبعد التحقيق، أسفر التحقيق عن أن السبب كان عقب سيجارة قد رميت في هذا المكان.

كم نظرة بلغت من قلب صاحبها *** كمبلغ السهم بين القوس والوتر

[الداء والدواء: 1/350].

والعبد ما دام ذا طرف يقلبه *** في أعين العين – الجميلات

مثلاً - موقوف على الخطر

يسرّ مقلته -يسر القلب، سرور في النظر -ما ضر مهجته *** لا مرحبا ًبسرور عاد بالضرر.

وبعض الناس قد يعاقبهم الله في الدنيا على هذا النظر، وبعض الناس تبقى مسجلة يُحاسب بها يوم القيامة.

الناظر إلى الحرام مزدرى بين الناس

00:50:43

 والناظر يظهر بمنظر يُزدرى عليه بين الناس وهو ينظر، وهذه قصة تبيّن لكم:
جاء رجل إلى أحد الصالحين وفي جبهته جرح يسيل منه الدم، فقال له: مالك؟ ماذا حصل؟
قال: مرّت بي امرأة، فنظرتُ إليها، فلم أزل أتبعها بصري فاستقبلني جدار فضربني، فصنع بي ما ترى.
فقال: إن الله إذا أراد بعبد خيراً عجّل له عقوبته في الدنيا" [الزهد لهناد بن السري: 1/250].
ولكن بعض الناس قد ينظر وينظر لا يعترضه جدار ولا سيارة ولا حافلة، ويظن أن الله غافل عنه، ولكن الله لا تأخذه سنة ولا نوم، لا ينعس ولا ينام .
والإسلام دين يمنع المنكر من جميع الجهات، وهذا من دقائق شريعة الإسلام، ومن عظمة شريعة الإسلام أنها إذا حرّمت شيئاً حرّمت الأسباب التي تؤدي إليه.
فمثلاً لما أمرت بغض البصر أمرت بستر العورة.
انظر التكامل في الشريعة، أين تجد هذا، في أي قانون؟ لكن هذه الشريعة، فقال ﷺ:
 لا ينظر رجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد  [رواه مسلم: 338]. لا يضطجعان متجردين تحت ثوب واحد أو غطاء واحد.
وقال -عليه الصلاة والسلام-: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك [رواه أبو داود: 4017، وحسنه الألباني في المشكاة: 3117]. 
حتى في الفضاء لو ما عندك أحد، الله أحق أن يستحى منه.
وقال ﷺ:المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان [رواه الترمذي: 1173، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 6690]. 
 معنى استشرفها الشيطان: يعني زينها في أعين الناظرين، وجعل أبصار الناس ترتفع إليها، ليغويها ويغوي بها.


وحتى المرأة الصغيرة، هذا الزمن الآن فيه فساد عجيب، ولذلك لا يتهاون الناس في ستر نسائهم، ولا بناتهم، حتى لو كانت البنات صغيرات، قال الزهري -رحمه الله- في النظر إلى التي لم تحض من النساء: "لا يصلح النظر إلى شيء منهن مما يُشتهى النظر إليه وإن كانت صغيرة".
الآن يمكن تأتي بنت مثلا ًعمرها 11 سنة ما بلغت، أو عشر سنوات مثلاً، بعض الفسّاق لا يتورع عن التلذذ ببنت عشر أو إحدى عشرة، ولذلك يجب على الأمهات أن يسترن بناتهن حتى لو كنّ صغيرات فإنه -كما قال شيخنا- لكل ساقطة لاقطة.
سألت مرة الشيخ عبد العزيز، قلت: هل يجوز للقواعد من النساء وضع الطيب كما يجوز لهن وضع الخمار؟
قال: لا، لكل ساقطة لاقطة.
وقد تجد واحد يتلذذ ببنت خمسين، وواحد يتلذذ ببنت عشر، ولذلك الستر للنساء جميعاً.

شبهة حول عورة الوجه والرد عليها

00:54:51

 هنا في هذا الموضع تطرأ علينا شبهة أو اعتراض من الناس الذين يقولون إن كشف وجه المرأة ليس فيه حرج
ما هو اعتراضكم؟
يقولون: كشف وجه المرأة ليس فيه شيئاً.
لماذا؟
قالوا: لأنه إذا كان تغطية الوجه حرام فما المعنى بغض البصر.
يعني إذا كان لازم نستر جميع النساء حتى الوجه، أجل نغص بصرنا عن ماذا؟ ولم جاء الأمر بغض البصر؟
نقول: هذا اعتراض متهافت لا يقوم.
فمثلاً: إذا كان المرأة مثلاً متسترة، أليس من المحتمل أن تنكشف لك عورة رجل أو لا؟ أفلا يجب عليك غض البصر، أليس من المحتمل أن هذه المرأة التي غطت وجهها وسارت في الطريق قد هبّت الريح الشديدة عليها فكشفت جزءاً من ثيابها، أفلا يكون غض البصر هنا ضروري؟ لو أنها ركبت في السيارة أو نزلت من السيارة فانزاح جزء من الثياب عن جسدها، أليس غض البصر ضروري؟ ثم ألا يعلم الله، ألم يسبق في علم الله أنه سيكون من البشر نساء فاسقات لا يسترن عوراتهن فيحتاج الرجال إلى غض البصر؟
فإذن، ليس هذا باعتراض، لو جاء واحد قال: ما فائدة غض البصر إذا سترنا النساء؟
تقول: لا، هناك حالات كثيرة يجب عليك فيها غض البصر، يا أخي قد تمر من أمام بيت مفتوح، أو فُتح باب فجأة وفي الداخل امرأة من أتقى النساء، لكن انكشفت، أفلا يجب عليك غض البصر؛ خصوصاً عن الجارات؟.
إذن، غض البصر له فائدة كبيرة حتى لو كان الشرع أمر بستر الوجه، وقد أمر به كما ورد في الآيات والأحاديث، وليس هذا مجال التفصيل.

أمور يحصل بها غض البصر عن الحرام

00:57:12

 بالإضافة إلى ستر العورات، الآن كيف نحل مشكلة غض البصر؟
أول شيء نستر العورات.
ثانياً: نتجنب الوجود في الأماكن التي فيها نساء، ولا نذهب إلى أماكن الفتنة ونقول: ما استطعنا نغض البصر، أنت الذي سعيت برجليك.
ثالثاً: يقول ﷺفي حديث البخاري:يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر [رواه البخاري: 1905]. الزواج أغض للبصر، صحيح بعض المتزوجين يحصل منهم نظر إلى النساء الأجنبيات، لكن عموماً المتزوج ينظر أكثر ولا الأعزب؟ الأعزب، ولذلك غض البصر من أسباب الإعانة عليه الزواج.

إتيان الأهل للرجل المحصن

00:58:18

 وكذلك من العلاجات: روى الإمام أحمد عن أزهر بن سعيد الحرازي قال: "سمعت أبا كبشة الأنماري قال: كان رسول الله ﷺ جالسا ًفي أصحابه، فدخل ثم خرج، وقد اغتسل، فقلنا: يا رسول الله، قد كان شيء؟ عجيب أنت دخلت فجأة واغتسلت ورجعت، ماذا حصل؟ قال: أجل، مرت بي فلانة 
مرت بالرسول ﷺ امرأة، فوقع في قلبي شهوة النساء، فأتيت بعض أزواجي، فكذلك فافعلوا، فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال  وصححه الشيخ ناصر الدين في الصحيحة. [رواه أحمد: 18027، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 441]. وقال: "وللحديث شاهد من حديث أبي الزبير عن جابر أن رسول الله ﷺ رأى امرأة فأعجبته، فأتى زينب وهي تمعس منيئة -يعني تدبغ جلداً أديماً- فقضى حاجته من زوجته، وقال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأتي أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه، فإن الذي معها مثل الذي معها [رواه مسلم: 1403].
قضاء الوطر من الزوجة، نفس الشيء قضاء الوطر من أي امرأة، تلك لذة الجماع موجودة في الجميع.
ولذلك من هديه ﷺ في معالجة قضية البصر للمتزوج أنه إذا امرأة أعجبته ولو من النظرة الأولى يعني، فإنه يستحب له أن يأتي أهله.
بعض الناس قد يفتنون من المرأة المتحجبة حجابا ًكاملاً، أليس كذلك؟ أليس قد ينظر الرجل إلى امرأة متحجبة حجابا ًكاملاً فيقوم في نفسه شيء من الشهوة للنساء؟
فلو حصل ذلك فعليه أن يأتي زوجته، فيذهب ما في نفسه.

 

نذكر هنا مسائل نختم بها كلامنا:
 بعض الناس يقولون: يا أخي أنا أذهب أحياناً للمستشفى أريد أن أسأل الممرضة عن رقم الحجرة، كيف تريدني أن أتكلم معها دون أن أنظر إليها؟ قد تمر المضيفة مثلاً فتسألك تريد عصيراً أو... كيف أقول لها وآخذ منها دون أن أنظر إليها؟
الآن المشكلة انعكست، صرتَ تذهب في بعض المحلات وامرأة تنظر فيك عشرة على عشرة وأنت مطرق في الأرض.
يعني -سبحان الله- هناك ضابط يضبط لنا المسألة، كل نظرة يهواها القلب فهي حرام لا خير فيها.
أحياناً الواحد يحتاج يتكلم، أن ينظر نظرة أولى ليكلم، ليعرف أين هي التي يتكلم معها مثلاً، أو يأخذ مثلاً شيئاً ممدوداً إليه، عندما يأخذ شيئا ًممدوداً إليه لا بد أن يقع بصره على شيء، هنا يقف الإنسان ويفتش قلبه، هل هذه النظرة فيها شيء؟هل هذه النظرة فيها شهوة؟ هل هذه النظرة فيها هوى القلب؟
إذا كان الأمر كذلك لا يجوز أن ينظر، ولكن أن ينظر للاضطرار ليأخذ شيئاً أو يتكلم دون شهوة ودون هوى، فهذا ضرورة، هذا من الحاجة، نحن لا نعتب على الذين قد يضطرون أحياناً للنظر للمخاطبة مثلاً، مخاطبة ممرضة أين الغرفة أو يأخذ شيئاً، نظرة بغير شهوة ولا هوى لكن نعتب على الذين يتساهلون في ذلك؛ وخصوصاً في بعض القطاعات مثل قطاعات المستشفيات، أو بعض الشركات والهيئات، أو المطارات ونحوها.
تجد المسألة فيها عصيان واضح لله رب العالمين، وتجد القضية ليست نظرة ولا نظرات، وإنما متابعة، وسير وراء المرأة.
نعاتب أولئك الذين ينظرون لغير سبب شرعي، ويتساهلون في ذلك، وأنت ترى أحياناً في المستشفيات الطبيب يتكلم مع الممرضة أو الطبيبة ويمازحها ويضاحكها ويتجاذب معها بالحديث!
أين الحاجة؟ أين الضرورة في هذا؟


وتجد واحداً من الزائرين يتجاذب الحديث مع ممرضة من الممرضات دون حاجة إلى ذلك، وإنما لكي يلتذ بهذه المحادثة، أين هو من الله؟
قد لا نعتب على إنسان وقف أمام مخرج النساء لكي ينظر للمرأة التي جاء بها ليأخذها حتى لا تخرج وتضيع أو تذهب في سيارة غيره كما يقع احياناً من تشابه سيارات.
هذا النظر عارض للهيئة العامة، هذا ينظر للهيئة العامة، للشكل العام، حتى يعرف هذه زوجته، لكن ليس هو نظر التفرّس والتمعّن ومراقبة كل داخلة وخارجة، هناك فرق يا جماعة، أحياناً قد تأتي حالات يحتاج الإنسان أن ينظر إلى الهيئة العامة، نظر سريع، نظر الشكل العام ليعرف، هذه زوجته يناديها أو لا؟
لكن واحد ينظر يتفرس ويتمعن في كل داخلة وخارجة، هذا هو محلّ الذم هنا.
ومن النكبات التي تحدث أو الأشياء العجيبة السيئة عندما يقال: نرجو توجيه النظر إلى ملّاحات الكابينة.
توجيه النظر، الآن الله يقول:قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ[النور: 30].  لا تتبع النظرة النظرة  وهذا يقول: نرجو توجيه النظر لملاحات الكابينة؟ أحياناً الناس يعرفون أنه ستسقط قناع الأكسجين وأن هذ مخارج الطوارئ، وأن هذا الكرت هو الذي تنظر إليه في حالة لا سمح الله، وأنه لكن مع ذلك تجد "نرجو توجيه النظر" وينظر.
يجب أن يتوقف الإنسان عند هذه المهاترات وهذه السوءات والسيئات التي تحدث.
ينظر بعين وقحة، ويتمعّن، ويضغط على الزر، وتأتي، ويكلمها، ويتناقش معها، وهكذا...
أريد أن أختم الكلام هنا، أتوقف حتى لا أملكم بزيادة، والموضوع له بقية، وهذه بقيته، وسوف نكمل إن شاء الله هذا الموضوع في خطبة الجمعة القادمة.
وصلى الله على النبي الأميّ محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

فوائد غض البصر

01:06:44

 والذي يحتاج أن يعالج هذه المسألة، يحتاج إلى النظر في عواقب غض البصر، لعله يكون محمساً له على غض بصره، فاعلموا -رحمني الله وإياكم- أن من أطلق لحظاته دامت حسراته، وأن غض البصر فيه فوائد متعددة، فمنها:

امتثال أمر الله

01:07:15

 امتثال الأمر الذي أمر الله به، والذي غاية سعادة الإنسان، بالإضافة إلى الأجر المترتب على غض البصر؛ لأنه امتثال لأمر الله.
وثانياً: أن غض البصر يمنع وصول السهم المسموم إلى القلب لأنه سيفسده.
وثالثاً: أنه يورث القلب أنسا ًبالله، وانجماعا ًعليه.
كما أن إطلاق البصر يورث القلب تشتتا ًوبعداً عن الله عز وجل، إذ كيف ينجمع القلب على الله وتتوحد وجهة القيد إلى الله، وصاحب هذا القيد يطلق بصره في الحرام يمينا ًوشمالاً.
ورابعاً: أن غض البصر يقوي القلب ويفرحه؛ لأنه لا يشعر بالألم كما يشعر العاصي الذي يطلق البصر

يسر مقلته ما ضر مهجته *** لا مرحباً بسرور عاد بالضررِ

[الجواب الكافي: 153].
وأن الذي يطلق بصره فإن قلبه سيتعب، لأنه في كثير من الأحيان لا يستطيع أن يغضه بعد أن وصل النظر كثيراً، ولا يستطيع الوصول إلى صاحب الصورة؛ لأنه قد يكون أبيا ًممتنعاً عن المحرمات، وقد لا تسمح له الظروف أن ينال مبتغاه من ذلك الرجل أياً كان صاحب صورة فاتنة، فإنه لا يستطيع أن يصل إليه، وبذلك ينغض قلبه ويتشتت.

غض البصر يكسب القلب نوراً

01:09:14

 وغض البصر يكسب القلب نوراً، كما أن إطلاقه يكسب القلب ظلمة، ولهذا ذكر -سبحانه وتعالى- آية النور عقيب الأمر بغض البصر، فلما قال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور: 30]. ثم قال: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ  [النور: 31].
قال أيضاً بعد ذلك: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ  أي مثل نور الله في قلب عبده المؤمن كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ [النور: 35].

غض البصر يورث الفراسة الصادقة والعلم

01:10:15

 وسادساً: أن غض البصر يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها صاحبها -صاحب الفراسة- الحق من الباطل، والمحقّ من المبطل، يميزها بنور قذفه الله في قلبه، لا ينال ذلك هذه الميزة إلا من عمّر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام مراقبة الله، وغض بصره عن المحرمات، وكف نفسه عن الشهوات، واعتاد أكل الحلال.
ويفتح الله لمن يغض البصر باب العلم، والإيمان، والمعرفة، وضد هذا ما وصف الله به اللوطية -قوم لوط- حيث قال في كتابه العزيز: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر: 72].

غض البصر يورث القلب ثباتا ُوشجاعة

01:11:16

 وسابعها: أنه يورث القلب ثباتاً وشجاعة، ويجمع الله لصاحبه الغاض لبصره بين سلطان البصيرة والحجة، وسلطان القدرة والقوة، فلا يكاد أحدمن العصاة يغلبه أبداً.

غض البصر يسد مدخل الشيطان إلى القلب

01:11:34

 وثامنها: أن غاضّ البصر يسد على الشيطان مدخله إلى القلب، فإن الشيطان يدخل إلى القلب مع النظرة المحرمة، فيمثل لصاحب المنكر الذي ينظر إلى المحرمات، يمثل له الشيطان صورة المنظور إليه في قلبه ويزينها له، ويجعل هذه الصورة صنماً يعكف عليه قلب هذا العاصي، ثم يعده ويمنيه -الشيطان- يقول له: ستصل إلى هذا، ستصل إلى تلك المرأة مثلاً بالحرام، ويوقد على القلب نار الشهوة، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن الشيطان ليتوصل إليها إلا من تلك النظرة، فيصير القلب في اللهب، فمن ذلك اللهب تلك الأنفاس التي يجد فيها وهج النار، وتلك الزفرات والحرقات التي تجدون كثيراً من أصحاب الغناء عندما يغنون تنطق مع نبراتهم أنفاس الزفرات والحرقات، والآهات من التي أتت من النظرات المحرمة.
فإن القلب إذا أحاطت به نيران من كل جانب، فيكون وسطها كالشاة في وسط التنور - الفرن - ولهذا كان عقوبة أصحاب الشهوات الذي فُتنوا بالصور المحرمة أن يجعل الله لهم في البرزخ تنوراً من نار تودع فيه أرواحهم قبل حشر أجسامهم كما عصوا الله .
وتاسع هذه الفوائد: أن غض البصر يفرّغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها، وإطلاق البصر لا يسمح للقلب أن يفكر في مصلحة ولا في طاعة، فتنفرط أمور الذي لا يغض بصره، ويقع في إشباع هواه، ويغفل عن ربه والله قال في شأن مثل هؤلاء: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: 28]
انفرط عقد أمره فلا يكاد يصل إلى إصلاحه أبداً.

العلاقة بين القلب والعين في النظر إلى الحرام

01:14:21

 وأخيراً فإن بين العين والقلب منفذاً وطريقاً يوجب انفعال أحدهما ولا يصلح لواحد منهما -العين أو القلب- إلا بصلاح الآخر، فإذا فسد القلب فسد النظر، وإذا فسد النظر فسد القلب، وإذا فسد القلب صار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ، تنظر العين فتأتي بزبالة فتلقيها في القلب، وتنظر جهة أخرى فتأتي بنجاسة فتلقيها في القلب، وتنظر جهة ثالثة فتأتي بوسخة تلقيها في القلب، فيصبح قلب الناظر إلى المحرمات مستودعاً للقمامة والزبالة والنجاسات والأوساخ، فكيف يصلح بذلك؟

حاجتنا إلى غض البصر في زمن كثرة الفتن

01:15:27

 في هذا الزمان الذي ابتعد الناس فيه عن شرع الله نحتاج إلى موضوع غض البصر جداً، فإنك الآن على سبيل المثال إذا أردت أن تسافر لا تدخل مطاراً من المطارات إلا وتجد النساء العصاة أو الكافرات قد عرضن أجسادهن أمام الغادين والرائحين، فتنظر إليهن في الصفوف، وفي صالات الانتظار، والسفر، والوداع، ومبنى المطار عموماً، وإذا ركبتَ الطائرة فإنك تجد المتبرجات أيضاً من المضيفات وغيرهن مما يلقي في القلب سهاماً من إبليس.
وإذا دخلتَ فندقا ًمن الفنادق فإن بصرك لا يزال يقع على كثير من الصور المحرمة، وإذا ذهبتَ إلى سوق من الأسواق ودخلت بعض الدكاكين أو المحلات الكبيرة التي تبيع المواد الغذائية ونحوها، فإن بصرك لا يزال يقع في ردهات ذلك المكان على كثير من الصور المحرمة، ولو دخلتَ مستشفى حتى للعلاج فإن الأمر لن يخلو من وقوع بصرك على كثير من المتبرجات من الممرضات والمريضات والمراجعات ونحوهن.
ولو دخلت منتزهاً من المنتزهات فإن عينك ستقع على كثير من الصور المحرمة كذلك حتى أماكن الفُسح والفُرجة وخصوصاً شواطئ البحار وسواحلها، فإنك ترى فيها من مناظر العُري ما تعُج به الملائكة إلى ربها عجيجاً، تشتكي إلى الله ظلم العباد لأنفسهم، ويحصل من الفتنة بذلك النظر أشياء عظيمة من الفساد لا يعلمها إلا الله، وتجد المتسكعين يمرون بسياراتهم ببطء على تلك الشواطئ ليشبعوا أعينهم من النظرات المحرمة، أين هم من الله رب العالمين؟
والذين يسكنون العمارات والمجمعات السكنية لا يخلو الأمر أن يجد على السلالم، أو في المصاعد، أو عند الأبواب مناظر محرمة، والذين يعملون في بعض الشركات والهيئات، لا يخلو أمرهم من وقوع أطفالهم أمامهم جهارا ًنهاراً على كثير من الفاتنات اللاتي عصين الله، وأُتي بهن معصية لله.


وعندما تمر أمام مدارس البنات مثلاً لو قُدّر لك أنك ستأخذ ابنة أو أختا ًلك من تلك المدرسة فإنك ستشاهد من مناظر تبرج الطالبات بل المدرسات أيضاً ما يجعل قلبك مريضاً، وأنت تقف لتنتظر تلك الأخت أو تلك البنت.
ويقف المتسكعون أيضاً على زوايا الشوارع والأرصفة، ويمرون بسيارتهم يدورون حول تلك المدارس؛ لينظروا تلك النظرات المحرمة، وفي كثير من البيوت المختلطة يجلس الرجال أمام النساء ويرى الرجل زوجة عمه، وزوجة خاله، وبنت عمه، وبنت خاله، بل وبنت الجيران في كثير من الأحيان.
وتجلس المرأة كذلك تنظر إلى الرجال وهم يتجولون أمامها، وكثير من السهرات والحفلات المختلطة التي تقع في تلك البيوت والمجمعات شاهد عيان على مدى بعد النا عن شريعة الله.
ويؤدي ذلك إلى كثير من انفصام العُرى في العلاقات الزوجية، فإن المرأة تنظر إلى زوج صاحبتها فترى فيه جمالاً لا يوجد في زوجها فتتحسر وتتمنى أن يكون هذا الرجل هو صاحبها.
وينظر الرجل إلى زوجة صاحبه، فيرى فيها جمالاً وميزات لا توجد في زوجته فيتمنى أن تلك المرأة هي صاحبته ويعتلج في نفسه من الحسرات ما الله به عليم.
وفي النهاية تقع الكوارث والمحرمات والمصائب مما يؤدي إلى انفصام عرى الحياة الزوجية.
والذين يجلسون في الطرقات يرون أيضاً من النساء الغاديات الرائحات ما يوقعهم في المحرمات والنظرات التي حرمها رب العالمين، وإذا فتحت مجلة أو جريدة أو كتاباً فإنك لا تكاد تقلب فيه وفيها إلا وتجد في تلك المجلات والجرائد صورا ًفاتنة عارية.
وعندما تفتح أيضاً أشياء من الوسائل المرئية فإنك تجد من الزينات في ذلك أضعافا ًمضاعفة.
وفي البيوت توجد كثير من الخادمات الفاتنات يتزيّن في البيت، وفي البيت شباب وأزواج يُفتنون بتلك المناظر، وحتى في الحمامات العامة، والمراحيض، ودورات المياه، حتى في بعض المساجد تجد بعض من لا يخاف الله يرفع ثوبه فيكشف عن عورته وهو داخل أو خارج، بعض أولئك السذّج يظن أن رفع ثوبه ينجيه من النجاسة التي قد تعلق بالثوب، ولكنه يغفل أنه قد أودع نجاسة في القلب، ونجاسة ثوبه كانت أهون من كشف عورته، على أن هؤلاء يستطيعون أن يتجنبوا ذلك إذا ما التزموا الطول الحقيقي كما ورد في السنة لثوب الرجل.


ولا يستطيع كثير منهم أن يغض بصره وهو يشاهد بعض الجلسات المنكرة لبعض الرجال أو النساء وهم يجلسون بغير ساتر تحت الثياب، فربما رفع بعضهم رجله فلا يغض الآخر الذي يجلس أمامه بصره، وهكذا.
بل حتى في الحج والعمرة فإنك لا تزال ترى في الطواف أو السعي أو عند رمي الجمرات كثيراً صمن الصور الفاتنة لأن الحجاج كثير منهم لا يخاف الله، وتأتي المرأة من أقاصي البلاد متبرجة إلى بيت الله الحرام، وتزاحم الرجال فترى أمامك امرأة، وعن يمينك أخرى، وعن يسارك ثالثة، وهكذا.
فينبغي لك والحالة هذه أن تغض البصر، وأن تراعي حرمة ذلك المكان، ولو جلسنا نعدد المجالات التي يحتاج فيها الإنسان لغض البصر لوجدناها كثيرة جداً، ولكن قد يُعذر الإنسان بالنظرة الأولى، وقد يُعذر سائق السيارة وهو يسوق تفاديا ًللصدام أن ينظر، ولكن أين كثيراً من هؤلاء الذين لا يخافون الله ممن يتابعون النظرات المحرمة ويحملقون.
وترى أحدهم يضطر به السير وراء امرأة لكي ينظر إليها، أين هؤلاء من رب العالمين؟ وماذا سيكون موقفهم يوم القيامة.
ولكننا في الجانب الآخر -والحمد لله- نرى أناسا ًنوّر الله بصائرهم، يجاهدون في الله جهاده جهاداً مستميتاً لغض البصر؛ لأن الأمر صعب جداً ولا شك، ولسنا نقول أن غض البصر أمر سهل أبداً، ولكننا نقول: إنه يسير على من يسره الله تعالى عليه، وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت: 69].


ولقد رأيت مرة في صغري منظراً لا أنساه من شاب تقيّ في سلّم إحدى العمارات، عندما كانت امرأة تنزل، والسلم ضيق، فماذا فعل الرجل؟ عاد القهقرى ليجعل تلك المرأة تنزل، ويضع بصره في ركن السلم -في الحائط- فصارت عينه محصورة بين زاويتي الحائط حتى مرت المرأة من خلفه، وهكذا تكون تقوى الله باعثا ًحقيقياً للأمانة، فإن الله يعلم خائنة الأعين وقد تنظر ولا يعلم أحد أنك تنظر.
يحدثني أحدهم فيقول: أمام بيتنا أحد البيوت نوافذه زجاجية من النوع العاكس فهم يروننا ونحن لا نراهم، ونحن لا نعلم هل هم يطّلعون إلينا أم لا حتى نحذر منهم، ونحن وصل إلينا الخبر أنهم ينظرون من خلال تلك النوافذ التي لا يرى منها الخارج، ولكن يرى من وراءها من الداخل يرى الصور، وهكذا تأتي الاختراعات لتواكب وتعزز المحرمات ولا حول ولا قوة إلا بالله.

التشكيك في حكم النظر إلى الحرام

01:26:51

 وبعض الناس يتشككون في حكم النظر إلى الصور المعروضة في المجلات أو الجرائد، في الوسائل المرئية أو المقروءة عموماً ويظن أولئك أن الصورة هذه لا حرج في النظر إليها، وأن الحرام هو النظر إلى النساء في الشوارع، إلى الصور الحية المتمثلة، الماثلة للأعيان.
وإلى هؤلاء وغيرهم من المتلاعبين نسوق هذه الفتاوي لعلمائنا التي تكشف الأمر وتجليه على حقيقته.

 

سئل الشيخ أبو عبد الله عبد العزيز حفظه الله هذا السؤال:
ما حكم النظر إلى صور النساء في الصحف والمجلات وغيرها؟
فأجاب: ليس للمسلم النظر إل وجوه النساء ولا إلى شيء من عوراتهن، لا في المجلات ولا في غيرها؛ لما في ذلك من أسباب الفتنة، بل يجب عليه غض بصره عن ذلك عملا ًبعموم الأدلة الشرعية المانعة من ذلك، وخوفاً من الفتنة كما يغض بصره عنهن في الطرقات وفي غيرها، وبالله التوفيق.
وسئل سؤالا ًآخر: ما حكم النظر من قبل الرجال في وجوه وأجسام النساء الممثلات أو المغنيات المعروضة على الشاشات، أو في السينما، أو في الفيديو، أو الصورة على الورق؟
فأجاب -حفظه الله-: يحرم النظر إليهن لما يسبب ذلك من الفتنة بها، والآية الكريمة من سورة النور وهي قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور: 30].
تعم النساء المصورات وغيرهن، سواء كنّ في الأوراق، أو في الشاشات، أو في غير ذلك.

الضرورة الشرعية تقدر بقدرها

01:28:45

 بعض الأحيان تحصل ضرورة، قد تضطر المرأة أن تذهب إلى طبيب رجل؛ لأنه ليس هناك طبيبة مسلمة أو طبيبة امرأة أياً كانت فهي تقدم على الرجل حتى لو كان مسلماً، لأنه ليس هنالك طبيبة تفي بالحاجة تعالج هذه المرأة.
فيضطر الرجل مثلاً أن يأخذ زوجته إلى طبيب، وعند ذلك هنا يكون تقوى الله قائما ًوشاهداً، إن كان في القلب إسلام وإيمان شاهد فيما يحدث في تلك الحالة.
فإذا كان النظر في حدود الضرورة ليس متعدياً واتقى الطبيبُ الله، ونظر بغير شهوة، ولم يكشف أكثر مما تدعو الحاجة إلى كشفه، وحضر المحرم بجانب تلك المرأة، فإن الحال في هذه المسألة ضرورة تدعو الحاجة إليها، والله رحيم بعباده، ولكن المشكلة في التعدي، المشكلة أن تظهر المرأة عند الطبيب ما لا تدعو الحاجة إليه في الكشف عنه.
المشكلة أن الطبيب الذي لا يخاف الله يتوسع في النظر سواءً في مساحة المكان المصاب، أو في عدد النظرات التي يلقيها إلى المكان المصاب.
وبعض النساء يتساهلن أيضاً فلا تستر جسدها في سرير المستشفى وهي تعلم أن أطباء رجال سيمرون للمعاينة والسؤال عن حالها ومعرفة آخر تطورات المرض.


بل إن بعض النساء إذا ذهبن بأطفالهن إلى الطبيب والطفل هو المريض ترى المرأة تكشف أمام الطبيب.
ونحن لا نستطيع أن نقعّد قواعد لجميع الحالات، ولكننا نقول قاعدة واحدة: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16].
وأن بعض الناس يقول: هي تكون أمامي يومياً في عملي، أو الشارع، أو في المكتب، أو في السوق، ونحو ذلك، ماذا أفعل؟ أقول له: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ  [التغابن: 16]. وأنت تعلم نفسك، والله رقيب عليك.
يعبر عنها هذا الحديث العظيم: ولا يزال عبدي يتقرب بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به  [رواه البخاري: 6502].
فإذا كان الله بصره الذي يبصر به فكيف سينظر إلى حرام؟