الحمد لله الذي أمرنا في كتابه بالصدقة، ودعانا ليها، وحثّنا عليها، فقال: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 274].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد الذي أمرنا بالصدقة، وحثّنا عليها، فقال في خطبته: ((أما بعد، فإن الله أنزل في كتابه: يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء: 1]... إلى آخر الآية. [رواه مسلم: 1018].
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ...إلى قوله تعالى: هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر: 18 - 20].
ثم قال ﷺ: تصدقوا قبل ألا تصَدقوا، تصدق رجل من ديناره، تصدق رجل من درهمه، تصدق رجل من بره، تصدق رحل من تمره، من شعيره، لا تحقرن شيئاً من الصدقة ولو بشق تمرة [رواه مسلم: 1017].
وحديثنا هذه الليلة عن صدقة نقية من نفس تقية، ما هي آداب الصدقة؟ ما هي شروطها؟ ما هي مجالات الصدقة؟
وبعض الأحكام المتعلقة بالصدقة.
آداب الصدقة
أما آداب الصدقة فإن الله يقول في آدابها وشروطها وما يتقبل منها -سبحانه- يقول: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 274] .
وقال : الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 274]. وقال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: 245]، وقال: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد: 11].
هذه دعوة من الله، مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [الحديد: 11].
إذا علم المقرض أن المقترض مليء، غني، ووفي، ومحسن، كان ذلك أدفع له للصدقة، وأطيب لقلبه، ولسماحة نفسه.
إذا علم المقرض أن الذي اقترض منه مليء فهذا يدفعه للصدقة، إذا علم أن الذي يقترض منه يتاجر له فيها، وينمّيها له، ويثمّرها حتى تصير أضعاف ما كانت سيكون بالقرض أسمح وأسمح، فإذا علم أن المقترض مع ذلك سيزيد من فضله ويعطيه أجراً آخر غير القرض الذي اقترضه، ليس فقط يرده إليه ويضاعفه وينميه، وإما سيعطيه شيئاً إضافياً عليه، لا شك أنه سيكون في ثقة وضمان، وأنه سيندفع إليها أكثر وأكثر.
والله هنا قد أخبر مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ .
من المقترض؟ الله، وهذه منّة منه على عباده.
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ينميه ويثمره، الغني ينمي ويثمّر ثم يعطيه بالإضافة إلى ذلك أجر آخر غير أجر الصدقة فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ غير الصدقة وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد: 11].
والله قد بيّن لنا في هذه الآيات التي سبق ذكرها آداب الصدقة، فأولها: أن تكون من مال طيب لا رديء ولا خبيث.
وثانياً: أن تخرج طيبة بها نفس المتصدق، يبتغي بها مرضاة الله.
المنّ يبطل الصدقة ويذهب أجرها
وثالثاً: أن لا يمن بها ولا يؤذي.
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [البقرة: 262].
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً [البقرة: 274]. إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [الحديد: 18].
فتأمل -يا أخي المسلم- هذه الشروط الثلاثة؛ الأول يتعلق بالمال، أن يكون طيباً.
الثاني: يتعلق بالمنفق بينه وبين الله، أن يكون مبتغياً مرضاة الله، طيبة بها نفسه.
الثالث شيء يتعلق بينه وبين الآخذ، وهو أن لا يمن ولا يؤذي.
وقال الله : مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 261].
فالله بيّن صورة المضاعفة هنا فقال: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ [البقرة: 261].
سنابل من جموع القلّة، ومع ذلك مع أنها سبع لكن قال "سنابل" استعمل جموع الكثرة.
في قصة يوسف قال: وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ [يوسف: 43].
لأن المقام مقام تكثير وتضعيف، فالسبع في مائة سبعمائة، وغير السبع مائة أضعاف كثيرة فوق السبعمائة.
وقال الله هنا: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ .
ما هو المشبّه؟ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ شبّهوا بأي شيء؟ ما هو المشبّه به؟ الحبة.
إذن، شبّه المنفق بالحبة، مع أن المثل فيه منفق ونفقة وباذر وبذرة، فاختار المنفق من الشق الأول، والبذرة من الشق الثاني، فاختار من كل شقّ من المثل أهمه.
مع أنه هنا يوجد منفق ونفقة لكن الأهم هو المنفق، ينفقون أموالهم في سبيل الله، واختار هناك البذرة؛ لأنها هي المهمة، هي التي تنمو وتكثر، ولا يهم من الذي بذرها بالنسبة للمثل.
فاختصره وجاء به في غاية البلاغة، مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وغير السبع المائة- وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 261].
وقال الله كذلك: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 262].
فإذن، هذا يبين القرض الحسن، ما هو القرض الحسن، هو أن تنفق أموالك في سبيل الله، ثم لا تتبع ما أنفقت منّاً ولا أذى.
عدم الإتباع بالمن والأذى يصيّره قرضاً حسناً، والمن والأذى أنواع، فمن المنّ ما يكون بالقلب دون اللسان، يشعر الإنسان لما أعطى أنه منّ على فلان، لكن ما جهر بذلك، صحيح أن هذا لا يبطل الصدقة، لكنه لا يصيره في المكان العالي والدرجة الرفيعة.
أما النوع الثاني من أنواع المنّ فهو المن باللسان.
فيعتدي على من أحسن إليه، ويريه أنه قد صنع إليه معروفاً عظيماً، وأنه طوّقه منّة في عنقه، فيقول له: أنا أعطيتك كذا، ما تذكر كذا.
أو أن يقول له: أعطيتك لكن ما في فائدة، ما رأيت منك شيئاً.
أو أعطيتك فما شكرت.
حتى أن بعض السلف قال: "إذا أعطيتَ رجلا ًشيئاً ورأيتَ أن سلامك يثقل عليه فكفّ سلامك عنه".
لو رأيت أن السلام يثقل عليه كف سلامك عنه.
كان من كلام بعض السلف: إذا اصطنعتم صنيعة فانسوها -إذا أنت عملت معروفاً انسه- وإذا أُسديت إليكم صنيعة فلا تنسوها، "وإذا أُسدي إليك معروف فلا تنسه. [طريق الهجرتين وباب السعادتين: 365].
صفات القرض الحسن من الله تعالى
ولذلك الله أخبر من صفات القرض الحسن عدم المن لا بالقلب ولا باللسان، وأما الأذى فإنه كثير أيضاً، والمن هو أذى فأكده، المن نوع خاص من أنواع الأذى، ولا شك في أنه إذا منّ عليه فإنه يؤذيه.
قال الله: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ [البقرة: 262].
ثُمَّ تقتضي التراخي، ما قال "ولا يتبعون" يعني ليس عدم المنّ فقط عند الإعطاء، لكن لا تمن ولو بعد الصدقة بمدة طويلة، ولذلك قال: ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ فالمنّ لا يحصل ولو بعد سنين من الصدقة؛ لأن بعض الناس عندما يعطي مثلاً يعطي لله ونفسه طيبة، وقد يكون بعد موعظة، لكن بعد أسابيع، أشهر، سنين، قد يأتيه الشيطان ويلعب في قلبه فيدفعه إلى أن يذكّر الفقير أو الشخص الذي منّ عليه يقول: ما تذكر أني أعطيتك قبل سنوات كذا وكذا؟ ما تذكر أني أسديتُ لك كذا وكذا. ولذلك قال الله: ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ [البقرة: 262].
يعني على التراخي، ليس فقط عند الإعطاء، حتى بعده، وهذا من بلاغة القرآن ومن مجال التدبر فيه.
الله -عز وجل- أمرنا بالتدبر في كتابه، وهذا من مجال التدبر في القرآن.
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً [البقرة: 274].
إذن، أيضاً النفقة تكون متتابعة بالليل والنهار سراً وعلانية، فصدقة السر لها ميزات، وصدقة العلانية لها أحوال تكون أفضل كما إذا كان يشجع غيره، إذا كان يشجع غيره ويدفعه إلى الصدقة.
وإلا فإن الأصل أن تكون خفية حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
صدقة السر تطفئ غضب الرب.
ولا شك أن الذي يقول قولا ًمعروف قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى [البقرة: 263].
لأن القول المعروف صدقة، والمغفرة أن تغفر للناس ما أخطأوا عليك صدقة، هذه صدقتان.
خير من نفقة وصدقة يتبعها أذى فتكون باطلة، فإذن، حسنتان أحسن من حسنة باطلة.
فلا نريد صدقة منة مهما بلغت، ولو كان الإنسان ما عنده ما يتصدق به قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ [البقرة: 263].
حذيفة تصدق بدية أبيه على المسلمين، قال: أبي قتل غزوة أحد، قُتل فيما حصل من اختلاط الأمور في غزوة أحد.
تصدق على المسلمين بديته.
وكان بعض السلف يتصدق على من آذاه واغتابه بعرضه.
والله ختم الآية بقوله: وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [البقرة: 263].
يعني إذا كنتم ستمنون الله غني عنكم، وإذا كنتم ستؤوبون وترجعون فالله حليم لا يعاجل بالعقوبة، ويمهل عبده حتى يؤوب إليه ويرجع.
والله غني لا يحتاج إلى صدقاتكم فنفعها عائد عليكم أنتم.
وقال الله مبيناً مثلاً لم يرائي في الصدقة يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة: 264].
هذا مثله، الذي يرائي في الصدقة ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان، هذا الصخر الصلب عليه تراب، عليه طبقة من تراب فأصابه وابلٌ، أصابه مطر شديد.
ماذا سيحصل للتراب الذي على الصخر؟ الأصم الصلب؟ هل سينبت؟ لا، وإنما سيزول، والمطر يغسل هذا الصخر من التراب، فكأنه لا مكان للبذر أصلاً ولا لخروج شيء.
فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة: 264].
فإذن، هذا معنى أن المنّ والأذى يحبط الصدقة، وتأمل المثل: صفوان حجر أملس عليه تراب أصابه وابل -مطر شديد - فَتَرَكَهُ صَلْدًا [البقرة: 264]. أملس كما كان قبل أن يكون على التراب.
هذا قلب المرائي مثل الصخر لا ينبت شيء ولا ينبت خير، كما أن هذه الصخرة التي عليها التراب ما أنبتت شيئاً، ما كان عليها إلا قليل من الغبار، شبه ما علق عليه من أثر الصدقة بالغبار.
والوابل الذي أزال ذلك التراب عن الحجر هذا هو المن الذي أذهب أثر الصدقة وأزالها، بخلاف الذي ينفق ابتغاء وجه الله يقول الله في شأنه: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة: 265].
الذي ينفق ماله إخلاصاً لله، وتصديقاً بموعود الله، تثبيتا ًمن نفسه وهو صدقه في البذل والعطاء لا شك أنه في هذه الحالة كيف يكون؟ يكون حاله كمثل جنة -بستان- بربوة على مكان مرتفع.
فإن البستان إذا صار في مكان مرتفع في طريق الهواء والرياح ، تسطع عليه الشمس وقت طلوعها واستوائها وغروبها كون ثمره أنضج، وأحسن، وأطيب.
لا شك في ذلك بخلاف الثمار التي تنشأ دائماً من الظلال، ولذلك قال للزيتونة: زيتونة... أين؟ ما مثلها؟ ما نوعها؟ شرقية.
شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ [النور: 35].
يعني معتدلة في الوسط، الشمس تأتي عليها في جميع الأوقات يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ[النور: 35].
فهذا أنفس الزيتون، أنفس أشجاره ما يكون بهذه الصفة.
فهذه الجنة التي بهذا المرتفع المتعرضة للشمس إذا أصابها الوابل وهو المطر الشديد آتت أكلها ضعفين، أعطت البركة، أخرجت ثمرتها ضعفي ما يثمر غيرها.
فإن لم يصبها وابل، إذا ما أصابها وابل فطلّ، وهو دون الوابل، الرش الخفيف، هذا ينبتها، يكفي لإنباتها أيضاً، لكن إنباتا ًدون الإنبات الأول.
هذا مثل لمن قال الله عنهم، وضرب مثل للسابق بالخيرات والمقتصد.
المقتصد صاحب الطلّ، والسابق في الخيرات صاحب الوابل.
فإذن، هذا مثل المرائي ومثل الذي ينفق إخلاصاً لله .
مثل آخر في الصدقة والإنفاق في سبيل الله
ثم إن الله ضرب مثلاً آخر في سورة البقرة التي فيها هذه الأمثال العظيمة حاثّاً عباده على أن تكون صدقاتهم خالصة له ، قال: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة: 266].
هذا الشخص تعلق قلبه بهذه الجنة من كم جهة؟ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ .
بكم ناحية تعلق قلبه بهذه الجنة؟ نواحي كثيرة، أولاً: أن فيها أعناب ونخيل وهي من أنفس الثمار.
ثانياً: أن هذه الجنة أو هذا البستان تجري من تحته الأنهار، يجري من تحته الأنهار.
وثالثاً: أنه ليس فقط فيها أعناب ونخيل، وإنما فيها من كل الثمرات.
ورابعاً: أن هذه الجنة التي فيها أنفس الثمار وأنواع الثمار التي يؤخذ منها القوت والغذاء والدواء والشراب والفاكهة والحلو والحامض التي تؤكل رطبة ويابسة، يعني التمر النخيل والعنب...، هذه صفاتها.
وبالإضافة إلى كل الثمرات فإنه بالإضافة إلى ذلك فإن هذا الرجل قد كبر سنه، ولا شك أن الإنسان إذا كبر سنه لا يقدر على الكسب والتجارة ويحتاج إلى أشياء مدخولات ثابتة، كالمزارع والعقارات.
ولذلك أصابه الكبر فهو يحتاج إليها حاجة شديدة الآن، وكذلك فإن هذا الرجل إذا كبر سنه اشتد حرصه، فتعلق قلبه بها أكثر، فإن الإنسان يهرم ويشب معه حب المال والحرص.
وكذلك فإن هذا الرجل له ذرية والذي له ذرية يحب أن يحفظ أمواله حتى يبقيها للذرية والأولاد، وبالإضافة إلى ذلك فإن هؤلاء الذرية ليسوا كباراً، وإنما هم ضعفاء.
وإذا كانت الذرية ضعفاء فماذا سيكون الحال؟ سيكون حرصه على هذا المال أكثر؛ لأن الذرية ضعفاء صغار، لا يستطيعون الكسب، ضعفاء.
وكذلك فإنه هو الذي ينفق عليهم لضعفهم وعجزهم، كيف تكون مصيبة هذا الرجل إذا أصبح يوماً فرأى أن جنته قد احترقت بإعصار، ريح فيها نار فاحترقت، وصارت رماداً، كيف تكون وقع المصيبة عليه؟
هذا الرجل مثله مثل واحد عمل أعمالاً في الدنيا، لكن برياء ومن وأذى، جاء يوم القيامة وهو أحوج ما يكون إلى ثواب الأعمال؛ أمامه النار والهلاك والدمار، فرأى أنه لا شيء له البتة؛ لأنها كلها ذهبت بالرياء والمن والأذى.
فهذا مثل ضربه الله ، والله يضرب الأمثال للناس لعلهم يعقلون.
وهذا مثل قلّ من يعقله من الناس، فكل واحد تسوّل له نفسه إحباط الأعمال الصالحة بالرياء فهو يتأمل هذا المثل ويعرف عظم المصيبة التي تنزل عليه عندما يدخل في موضوع الرياء، أو يدخل الرياء في أعماله.
حث الشريعة الإسلامية على الصدقة
أما بالنسبة للصدقة، فإن الصدقة لا شك من الأشياء التي حثت عليها الشريعة والتي كان النبي ﷺ يدخلها في دعوته حتى أن هرقل لما سأل أبا سفيان عن دعوة النبي ﷺ أخبره أنه يأمر بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة.
حتى أن هرقل قال: هذه صفات نبي.
الذي يأمر بهذه الأشياء هذا نبي.
و هذه الصدقة منّة من الله، ولذلك قال الصحابة:
[البخاري: 2837، ومسلم: 1802].
فمن وفقه الله للدين الذي يوعز له في الصدقة فإنه من الله، حتى لو تصدقنا نحن، المنة لله، من الذي وفقنا إليها ومكننا منها ورزقنا ما نتصدق به؟ هو الله .
ثم إن الصدقة لها باب خاص في الجنة، ولذلك قال النبي ﷺ: ما أنفق زوجين في سبيل الله من أي شيء زوجين من أي شيء، اثنين من أي شيء- نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير.
ثم قال النبي ﷺ: ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة [رواه البخاري: 1897، ومسلم: 1027].
المكثر من الصدقة يدعى من باب الصدقة.
والزكاة هذه واجبة، والصلاة واجبة، والصيام واجب، لكن المكثر من صيام النافلة يدعى من باب الريان، والمكثر من صلاة النافلة يدعى من باب الصلاة، والمكثر من صدقة النافلة - بالإضافة للزكاة- يدعى من باب الصدقة.
والله سبحانه وتعالى أمرنا أن ننفق من الطيبات، فقال -عز وجل-:يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ[البقرة: 267].
وقد علّق البخاري -رحمه الله- على هذه الآية: "باب صدقة الكسب والتجارة" [صحيح البخاري: 2/115].
فإذن، إذا كان الكسب طيباً تكون الصدقة عظيمة، وما هو أطيب الكسب؟ ما عمله الإنسان بيده.
كل بيع مبرور كما أخبر النبي ﷺ، والزراعة، التجارة الحلال، هذه مغانم، فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً [الأنفال: 69]، ما تتنازل به المرأة للرجل، فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء: 4].
أبواب المال كثيرة، التي يحصل بها الناس على الأموال، كلما كانت أطيب أبعد عن الشبهة كان الإنفاق منها أحسن وأجود وأكثر أجراً.
وقد كان النبي ﷺ حريصاً على الصدقة، مسارعاً إليها، فقد روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: عن عقبة بن الحارث أن النبي ﷺ، قال: صلى النبي ﷺ بنا العصر، فأسرع ثم دخل البيت فلم يلبث أن خرج، فقلت أو قيل له -يعني عن سبب هذا الإسراع- فقال: "كنت خلّفت في البيت شبرا ًمن الصدقة فكرهت أن أبيته فقسمته".
كرهت أن أبيته، أراد أن يتخلص من الباقي من الذهب، هذا الباقي خلفته من الصدقة كي أتصدق، أتخلص منه في الصدقة، ولا أؤجل ذلك.
وقال النبي ﷺ حاثّاً على الإسراع فيها: تصدقوا فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها [رواه البخاري: 1411].
يقول الرجل المعطى: لو جئت بها بالأمس لقبلتها، فأما اليوم فلا حاجة لي بها.
هذا في بعض الأزمنة يسود الرخاء فلا يأخذ الناس الصدقات.
وكذلك حثّ النبي ﷺ على الصدقة قبل أن يأتي الموت فقد جاء رجل للنبي ﷺ فقال: "يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟
قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل -لا تؤجل- حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان [رواه البخاري: 1419، ومسلم: 1032].
إذا بلغت الروح الحلقوم المال صار من حق الورثة، تعينت أنصبتهم، وتعينت مقاديرهم وصار المال لهم، الآن إذا بلغت الروح الحلقوم قلت: أعطوا هذا وأعطوا هذا، وأنفقوا هنا وأنفقوا هنا؟
خير الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح -لست مريضاً ولا على فراش الموت- شحيح- يعني تخشى الفقر وتأمل الغنى -في هذه الحالة تكون حريصاً، فيك حرص، تشعر بالحرص على المال ومع ذلك تنفق في سبيل الله .
وقد كان أصحاب النبي ﷺ حريصين كل الحرص على الصدقة، حتى أن أحدهم كان إذا ما وجد مالا ًيتصدق به يذهب إلى السوق يشتغل حمالاً لكي يتصدق من الأجرة.
قال البخاري -رحمه الله- في كتاب الإجارة: "باب من آجّر نفسه ليحمل على ظهره ثم تصدق به وأُجرة الحمّال" [صحيح البخاري: 3/92].
وقال أبو مسعود الأنصاري: "كان رسول الله ﷺ إذا أمرنا بالصدقة انطلق أحدنا إلى السوق فيحامل -يعمل حمّالاً- فيصيب المدّ لكي يتصدق به"
ثم قال أبو مسعود الأنصاري : "وإن لبعضهم لمائة ألف- يعني اليوم بعد الفتوحات-.
قال: "ما تراه إلا نفسه" [رواه البخاري: 1416].
يعني أنه قصد نفسه.
يعني يذهب إلى السوق يعمل حمّالاً، يتصدّق، وفُتح عليه ما فُتح وصار له مائة ألف.
وينبغي على الإنسان المتصدّق أن يطلب وجه الله ولا يبالي بمن يتكلم عليه من الناس، فالمنافقون تكلموا على المتصدقين من المؤمنين.
ففي حديث أبي مسعود المتقدم: لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا: مرائي.
قال المنافقون: مرائي.
وجاء رجل فتصدق بصاع -شيء قليل- فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا. فنزلت: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ يعني المتطوعين- مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة: 79].
سخر الله من هؤلاء المنافقين.
مسارعة الصحابة -رضي الله عنهم- إلى الصدقات
كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يسارعون في الصدقة رجالاً ونساءً، ولما حثّهم على الصدقة جاء رجل بصرة كادت كفه أن تعجز عن حملها، وتتابع الناس بالصدقات، وعثمان جهّز لجيش العسرة، وحصلت أشياء كثيرة جداً من الصحابة مما سبقونا نحن المسارعة للإنفاق بالقليل والكثير حتى تصدق أبو بكر بماله كله، تصدق عم بنصف ماله.
المهم أنه لا يستطيع أحد منا أن يتصدق بماله كله ولا حتى بنصف ماله إلا في النادر جداً جداً من يفعل ذلك، وهذا من أسباب تفوق الصحابة علينا.
والنساء كن أيضاً إذا حثهن النبي ﷺ ووعظهن يسارعن إلى ذلك، كما جاء في خطبة العيد في صحيح الإمام البخاري: "ثم خطب، ثم أتى النساء فوعظهن وذكّرهن، وأمرهن أن يتصدقن، فجعلت المرأة تؤوي بيدها إلى حلقها تلقي في ثوب بلال" [رواه البخاري: 863].
وفي رواية: "فجعلت المرأة تلقي القُرط والخاتم وبلال يأخذ في طرف ثوبه" [رواه البخاري: 98].
فإذن، النساء والرجال كانوا يسارعون بالصدقات.
والصدقات فيها أولويات، فمثلاً: الصدقة على الأهل، هذه أولى من غيرها، إن احتاج أهلك هم أولى الناس، ابدأ بنفسك، ثم أهلك، والأقرب فالأقرب.
قال النبي ﷺ: أفضل الصدقة ما ترك غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى المعطي خير من الآخذ)) وابدأ بمن تعول انتهى الحديث.
المرأة تقول: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني إلى من تدعني.
فقالوا: يا أبا هريرة -راوي الحديث-: "سمعتَ هذا من رسول الله ﷺ؟
قال: "لا، هذا من كيس أبي هريرة" [رواه البخاري: 5355].
هذا الجزء الثاني من الحديث.
والنفقة على الأهل بعض الناس يغفلون عن أنها صدقة يؤجر عليها الإنسان، وقد قال النبي ﷺ: نفقة الرجل على أهله صدقة [رواه البخاري: 4006].
ولما أمر النبي ﷺ بالصدقة جاءت امرأة عبد الله بن مسعود إليه فقالت له : إنك رجل خفيف ذات اليد – فقير- وإن رسول الله ﷺ قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني وإلا صرفتها إلى غيركم" إذا كان يجزي عني أن أعطيك صدقتي أعطيتك إياها، إلى زوجي، وإلا صرفتها إلى غيركم.
قال: فقالت: فقال لي عبد الله: "بل ائْتِيهِ أنتِ".
استحيا أن يسأل.
قال: "فائْتِيهِ أنتِ".
قالت: "فانطلقتُ فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله ﷺ حاجتها حاجتي.
أو: حاجتي حاجتها".
وكان رسول الله ﷺ قد أُلقيت عليه المهابة، فخرج عليهم بلال، فقلنا له: ائت رسول الله ﷺ، فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانه: أتجزئ الصدقة عنهما إلى أزوجهما وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن.
قالت: فدخل بلال على رسول الله ﷺ فسأله، فقال له رسول الله ﷺ:من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب.
فقال رسول اللهﷺ: أي الزيانب؟
من نساء أي الرجال؟
قال: امرأة عبد الله بن مسعود.
حتى يعرف حال الزوج من هو، فقال له رسول الله ﷺ: لهما أجران، أجر القرابة، وأجر الصدقة [رواه البخاري: 1466، ومسلم: 1000].
فإذن، إذا تصدق الإنسان يبدأ بالفقراء، آله، فيتصدق عليهم.
وقد حدث أن ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها- أعتقت وليدة في زمان رسول الله ﷺ فذكرت ذلك للنبي ﷺ فقال لها: لو أعطيتها أخوالكِ كان أعظم لأجركِ [رواه البخاري: 2592، ومسلم: 999].
فهو أعظم للأجر.
الصدقة مما يحب الإنسان
ومما يرتبط بهذا الموضوع أيضاً وبموضوع الإنفاق أعز الأشياء على الإنسان، وأنفسها عنده وأثمنها لديه حديث أبي طلحة ، كان أبو طلحة أكثر الأنصار في المدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، جهة قبلة المسجد هذا البستان العظيم لثمار الطيبة، وكان رسول الله ﷺ يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب، فلما نزلت: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92].
قام أبو طلحة بسرعة التفاعل مع الآية، هذه من ميزات الصحابة سرعة التفاعل، تنزل الآية من هنا يكون التصدق تلقائياً.
قام أبو طلحة إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إن الله تعالى يقول في كتابه: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإن أحب أموالي إلي بيرحاء - أعز ما عندي من الأموال وأثمن ما عندي بيرحاء- وإنها صدقة لله- أنا أعلمك يا رسول الله أنها صدقة لله خرجت من عهدتي - أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت".
الواحد قد يتصدق بالشيء النفيس نعم، لكن قد يضعه في غير محله، فإذا جاء أهل العلم دلوه، أو عهد إليهم ووكلهم وقال: هذا وأنفقوا أنتم بمعرفتكم يا أهل العلم.
جاء هذا للنبي ﷺ يقول: أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله -حيث شئت-.
فأُعجب النبي ﷺ بذلك فقال: بخٍ -هذه كلمة مدح- ذلك مال رائح لكن رابح.
هذا مال رائح الذي وضعته أنت الآن في هذا الشيء؛ لأنه لا ينفذ الآن يصبح ملاقٍ لك عند الله.
قد سمعتُ ما قلتَ النبي ﷺ يقول لأبي طلحة -فيها، وأرى أن تجعلها في الأقربين .
قال: "أفعل يا رسول الله، وقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه". [رواه البخاري: 1461].
فإذن، الإنسان أين يضع الصدقة؟ يبدأ بالأقرب فالأقرب، الأقربون أولى بالمعروف، إذا كانوا فقراء تصبح صدقة وصلة، صدقة وصلة.
إذا كانوا أغنياء ذهب إلى الفقراء وإلى المحتاجين.
الصدقة بالمال كله
ومن الأحكام أيضاً أن الإنسان متى يتصدق الإنسان بجميع ماله؟ هذا حديث سعد بن أبي وقاص عند البخاري: "كان رسول الله ﷺ يعود من عام حجة الوداع والوجع قد اشتد بي، فقلت: "إني قد بلغ بي من وجعي وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟"
قال: لا .
فقلتُ: بالشطر؟
فقال: لا .
ثم قال: الثلث، والثلث كبير أو كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق تبتغي بها وجه الله إلا أُجرتَ بها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك [رواه البخاري: 1295].
في فم المرأة من الأكل تؤجر عليه، فأبو بكر تصدق بماله كله، قال أهل العلم: لا يتصدق الإنسان بماله كله إذا كان لا يصبر، إذا كان يصبر يُندب أنه تصدق بماله كله كما فعل أبو بكر، أما أن يتصدق بماله كله ثم يمد يده للناس، أو يكون ورثته في ضنك، لا يصبرون ويمدون أيديهم للناس فليس من الحكمة.
ولذلك من أحكام الصدقة في الحياة أن الإنسان لا يشرع له أن يتصدق بماله كله إلا إذا كان يصبر.
ثانياً: أنه لا يجوز للإنسان أن يوصي بماله كله في الوصية بعد مماته، وأن أكثر ما يوصي به الثلث والثلث كثير، ولذلك قال ابن عباس : "رأيت أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع".
جعلوا الوصية الربع، وإن النبي ﷺ قال: الثلث، والثلث كثير [رواه مسلم: 1629].
وكذلك من الأشياء المتعلقة بالصدقة أن الصدقة ليست دائماً أفضل إذا كانت كثيرة، بل قد يتصدق إنسان بدرهم، ويتصدق إنسان آخر بمائة ألف، ويكون للمتصدق بالدرهم أجر أكبر.
كما قال النبيﷺ:سبق درهم مائة ألف درهم.
كيف سبق درهم مائة ألف درهم؟ فسّرها ﷺ فقال: رجل له درهمان ما عنده إلا هذين الدرهمين، أخذ أحدهما فتصدق به سيكون تصدق بنصف ماله.
ورجل له مال كثير عنده ملايين فأخذ من عرضه من عرض هذا المال مائة ألف فتصدق بها [رواه النسائي في الكبرى: 2318، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 3606].
الأول تصدق بنصف ماله، هذا يمكن تصدق بواحد على مائة أو بواحد على ألف من أمواله.
إذن، صحيح الثاني أكثر بالعدد، لكن هو الأكثر بالأجر؛ ذلك لأنه تصدق بنصف ماله مع حاجته إليه.
يعني مع حاجته إليه تصدق بالنصف، ما عنده إلا درهمان.
الصدقة على الأهل والقرابات
وكذلك من الأشياء وقد ذكرنا عند أولويات الصدقة التي لخصها ﷺ: ابدأ بنفسك تصدق عليها، فإن فضل شيء لأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا في أبواب الخير. [رواه مسلم: 997].
الصدقة في وقت الكسوف والخسوف
ومن المقامات التي يستحب فيها الصدقة الكسوف، فإن النبي ﷺ لما كسفت الشمس على عهده خطب الناس، ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإن رأيتم ذلك فاعدوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا [رواه البخاري: 1044].
فإذا صار هناك كسوف أو خسوف فإن الصدقة مشروعة.
الصدقة لمداواة المرضى
كذلك مداواة المرضى بالصدقة كما جاء في حديث الحين عن النبي ﷺ أن المداواة بالصدقة مشروعة، فربما تكون السبب للشفاء.
الصدقة عند الحلف بغير الله تعالى
كذلك لو أن الإنسان قال لصاحبه: تعال أقامرك، نلعب قماراً، مقامرة، هذه من عادات الجاهلية، يُشرع أن يتصدق ويكفّر هذه الكلمة كما جاء في حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ:من حلف فقال في حلفه: "واللات والعزى" فليقل: لا إله إلا الله
لو واحد قال: بالأمانة، بحياتك، برأس أولادي، حلف بأي شيء هكذا، فما هي الكفارة؟ أن يقول لا إله إلا الله.
ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق [رواه البخاري: 4860].
الصدقة عن الأموات
كذلك فإن الصدقة عن الأموات مشروعة، فقد جاء في صحيح البخاري أن سعد بن عبادة توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: "يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟
قال: نعم .
قال: "فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها".
خرج من عهدته، صار صدقة لأمه.
وكذلك فقد جاء أيضاً عن عائشة أن رجلاً قال للنبي ﷺ: "إن أمي افتُلتت نفسها -ماتت فجأة- وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟
قال: نعم [رواه البخاري: 2756].
فإذن، الصدقة عن الأقرباء الأموات، أو عن الأموات عموماً حتى لو تصدق لصاحبه تصل، الصدقة للميت تصل، هذا استثناء من القاعدة: أنه ليس للإنسان إلا ما سعى، لكن من الاستثناءات في وصول الأجر للميت الصدقة عنه، الحج عنه، العمرة عنه، قضاء دينه، قضاء نذره، قضاء صيامه، أداء الكفارة عنه، الدعاء له، إشراكه في الأضحية، هذه أشياء كلها تصل إلى الميت.
صدقة الوقف
وكذلك مما يتعلق بالموضوع أن من أعظم أنواع الصدقة: الوقف، والوقف: حبس الأصل وتسبيل الثمرة.
تجعل الأصل محبوساً لا يباع، لا يورث، لا يوهب، لا يشترى، وكل ما ينتج منه من ثمار، أو مال، أو عائد، أو مردود يكون في سبيل الله، هذا الوقف.
وقال البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب أوقاف أصحاب النبي ﷺ، وقال النبيﷺ لعمر: تصدق بأصله لا يباع ولكن ينفق ثمره فتصدق به [رواه البخاري: 2764].
وقد جاء عنده أيضاً موصولاً -رحمه الله- في صحيحه في كتاب الشروط عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب أصاب أرضاً بخيبر فأتي النبي ﷺ يستأمره فيها.
يسألون أهل العلم ويستشيرون ما هو أحسن مجال لوضعه فيها؟
فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟
قال: إن شئتَ حبستَ أصلها وتصدقتَ بها [رواه البخاري: 2737، ومسلم: 1632].
هذا هو الدليل على مشروعية الوقف، الأصل في الوقف حديث عمر، ويتفرع عنه مسائل كثيرة جداً.
قال: "فتصدق بها عمر أنه لا يُباع ولا يوهب، ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف".
الذي يتولى الوقف يكون ناظرا ًعليه راعياً له يأكل منه بالمعروف، ويطعم غير متمول، لكن ما يأخذ منه، يعني أن يأخذ منه مدخرات له، لا، يأكل منه فقط.
وكذلك فإن الإنسان لو كان عنده مزرعة قال: هذه وقف لله تعالى، صارت الثمار في سبيل الله، يقول: في الفقراء، المساكين، أقربائي، أولادي... ونحو ذلك.
هذه العمارة إيجاراتها في سبيل الله، سواء حدد المصارف أو ما حدد المصارف، صارت وقفاً، لا يجوز له أن يرجع عنها، لا في حياته، ولا بعد مماته، لا أحد يتصرف فيها، صارت وقفاً لله تعالى.
وقد عمد أعداء الله إلى الاستيلاء على أوقاف المسلمين في كثير من البلدان، ولذلك هناك مدارس تقوم على الأوقاف، ومساجد تعمر بالأوقاف، وينفق عليها من الأوقاف، وذهبت كلها لما اعتدى عليها أعداء الله.
ولذلك الوقف يبقى وقفاً إلى قيام الساعة، إذا تعطل تماماً يُتصرف به تصرفاً يُنشأ به وقف جديد له منفعة.
ولا يجوز التصرف فيه بدون ضرورة.
كراهة الرجوع عن الصدقة
وكذلك من أحكام الصدقة: أنه لا يحل لأحد أن يرجع فيها، إذا تصدقت بصدقة لا يجوز أن ترجع فيها فقد جاء عن عمر بن الخطاب قال: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده.
يعني أعطيت واحداً فرساً في سبيل الله، صدقة خرجت مني، هذا الذي أخذه ما رعاه حق رعايته، أهمله، فربما أصابه الهزال والضعف.
فأردت أن أشتريه.
يعني أشفق على الفرس وقال: أشتريه من صاحبه وأعود أغذيه وأعتني به.
فسألت عن ذلك النبي ﷺ فقال: لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه [رواه البخاري: 1490، ومسلم: 1620].
فإذن، الإنسان ما يجوز له أن يعود في الصدقة نهائياً، أن يعود في صدقته، ما يقول: يا فلان، حصل خطأ، أعطنا المال.
يا فلان ندمنا هات الصدقة التي أعطينا إياها.
أو بالشراء، ما يجوز أن يسترجعها ولو بالشراء، لكن لو أنك أهديت إنساناً، تصدقت على فقير مثلاً بشاة حلوب، الفقير حلب لك منها وأهدى لك منها إناء من لبن، هل يجوز لك أن تشربه أم لا؟
نعم، هدية، نعم؛ لأنها قد جاءتك الآن هدية، جاءتك هدية فلا بأس بأخذها، ولذلك النبي ﷺ ما كان يأكل الصدقة، ما يجوز له ذلك.
فلما تُصدّق على بريرة صدقة، بريرة أهدت منها لبيت النبي ﷺ، فقال: هو لها صدقة ولنا هدية.
فإذن، يجوز عند ذلك الأكل منها.
جواز الصدقة من الصدقة
ومن الأحكام كذلك أن الإنسان إذا تصدّق عليه بصدقة يجوز لها أن يتصدق منها، لو واحد أعطاك هبة أو هدية أو صدقة يجوز لك أن تتصدق منها، وأن تخرج زكاة منها، وأن تخرج زكاة فطرك منها، وأن تحج منها حجة الفريضة لو أردت، والعمرة، ليس هناك مانع؛ لأنك لما قبضتها صارت ملكاً لك.
إذن، يجوز لك أن تتصرف فيها، ولو أخرجت منها شيئاً واجباً، أو حججت منها حج الفريضة.
والكفارة كذلك، الكفارة يجوز أن تعطي منها كفارة يمين، قال البخاري -رحمه الله- في كتاب الصوم: "باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتُصدّق عليه فليكفّر".
عن أبي هريرة قال: "بينما نحن جلوس عند النبي ﷺ إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت.
وفي رواية "احترقت".
قال: مالك؟
قال: وقعتُ على امرأتي وأنا صائم.
فقال رسول الله ﷺ: هل تجد رقبة تعتقها؟
قال: لا.
قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟
قال: لا.
فقال: هل تجد إطعام ستين مسكيناً؟
قال: لا.
فمكث النبي ﷺ فبينا نحن على ذلك أتي النبي ﷺ بعرق فيه تمر -والعرق المكتل مثل الزمبيل- قال: أين السائل؟
فقال: أنا.
قال: خذها فتصدق به.
أخرج كفارتك من هذه الصدقة، خذها وتصدق بها، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها -يعني حرتي المدينة الشرقية والغربية- أفقر من أهل بيتي.
فضحك النبي ﷺ حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك [رواه البخاري: 6822، ومسلم: 1112].
فهذا جاء مسكين احترق وإذا به يرجع بطعام إلى بيته، وهذا من يسر الدين وسهولته، واحد قال: أعطني مثالاً على أن الدين يسر، قل: خذ هذا المثال، هذا معنى الدين يسر.
أما اللعب بالدين والأحكام، والتساهل في الشريعة، وتمييع الأشياء، هذا ليس بيسر، هذا تضييع وتحريف.
وكذلك من الأشياء المتعلقة بالصدقة أن الإنسان لو تصدق على شخص ثم كان هذا الشخص لا يستحق الصدقة، تبين فيما بعد أنه لا يستحق فإنه يؤجر عليها، بل قد تكون سبباً في توبة هذا الشخص أو أوبته إلى الله كما جاء في حديث الرجل -هذه في بني إسرائيل-.
النبي ﷺ روى الحديث، والحديث في البخاري، قال رجل: لأتصدقنّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق ما يدري أنه سارق، ظنه فقيراً فأعطاه تبين أنه سارق.
فأصبحوا يتحدثون: تُصدّق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد على سارق، لأتصدقنّ بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يدي زانية هو ما يدري أنها زانية، فهو وضعها في يد فقيرة، فأصبح الناس عرفوا فأصبحوا يتحدثون: تُصدّق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقنّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يدي غني، فأصبحوا يتحدثون: تُصدّق على غني
عجيب! تصدّق على غني.
فقال:اللهم لك الحمد على سارق، وعلى زانية، وعلى غني
فأُتي -يعني في المنام- رأى هذا الرجل في المنام فقيل له وكان من الصالحين هذه رؤية حسنة: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن صدقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله [رواه البخاري: 1421، ومسلم: 1022],
وكذلك من الأحكام أنه يجوز للرجل أن يشتري صدقة غيره لكن لا يشتري صدقته هو كما سبق بيانه.
ومن الأحكام كذلك أنه إذا تصدق وصلت الصدقة إلى ولده، هو لا يشعر فإن ذلك لا حرج فيه وهو مأجور كما جاء عند البخاري أن معن بن يزيد قال: "بايعت رسول الله ﷺأنا وأبي وجدّي -كلنا أسلمنا- وخطب عليّ فأنكحني، وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد -وكله يتصدق - فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت.
أنا ما أردت صدقة عليك أنت ولدي، فخاصمته إلى رسول الله ﷺ، فقال: لك ما نويت يا يزيد من الصدقة، ولك ما أخذتَ يا معن [رواه البخاري: 1422].
لأنه ليست بمقصوده.
وكذلك فإن الإنسان لو انخلع من ماله كله وأدى ذلك إلى ضرر عليه فإنه له أن يرجع في ذلك، وهذا مثل ما حصل في قصة كعب بن ملك .
قال البخاري -رحمه الله-: "باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومن تصدق وهو محتاج، أو عليه دَين فالدَين أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة وهو رد عليه" [صحيح البخاري: 2/112].
تصرف الصدقة غير صحيح، ليس له أن يتلف أموال الناس.
وقال النبي ﷺ: من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله [رواه البخاري: 2387].
إلا أن يكون معروفاً بالصبر فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة كفعل أبي بكر.
وليس له أن يضيع أموال الناس بعلّة الصدقة.
واحد عليه ديون يروح يتصدق، هذه أموال الناس يجب عليه أن يؤديها، وقال لكعب بن مالك: قلت: "يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله ﷺ.
قال: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك[رواه البخاري: 2757].
فإذن، لو أنه فعل ذلك فتصدق بكل المال، ثم تبينت له الحاجة فإن له الرجوع.
والإنسان لو كان خازناً أميناً، كلما أمر بشيء أن يعطي أعطى، فإنه أحد المتصدقين كما قال النبيﷺ، هذه بشرى للأمناء، الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به كاملاً موفراً طيباً بها نفسه، فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين [رواه البخاري: 1438، ومسلم: 1023].
مع أنه ما أنفق شيئاً لكن بأمانته.
وكذلك المرأة إذا تصدقت من مال زوجها بإذنه ورضاه، إذا تصدقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها ولزوجها بما كسبا وللخازن مثل ذلك.
لو أن إنساناً تصدق وهو كافر ثم أسلم، أجر الصدقة يثبت له.
وكذلك لو أن إنساناً تصدق على بعض أولاده دون بعض فإن صدقته عليهم مردودة لما روى الإمام مسلم -رحمه الله- تعالى في صحيحه باب: من نحل بعض ولده دون سائر بنيه، عن النعمان بن بشير أنه قال: "تصدق عليّ أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحه: لا أرضى حتى تشهد رسول الله ﷺ فانطلق بي أبي إلى النبي ﷺ ليشهده على صدقته، فقال رسول الله ﷺ: أفعلت هذا بولدك كلهم؟
قال: لا.
قال: اتقوا الله اعدلوا في أولادكم .
"فرجع أبي فردّ تلك الصدقة" [رواه مسلم: 1623].
وفي رواية: أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟
قال: بلى.
قال: فلا إذن [رواه مسلم: 1623].
إذن، ماذا يؤخذ من هذا؟
لا يجوز للشخص أن يخص بعض أولاده بمال دون بعض إلا لحاجة شرعية، كأن يكون أحدهم صاحب عيال وفي حاجة وليس الآخر مثله، أو كان أحدهم مريضاً يحتاج إلى علاج والآخر ليس بمريض، وهكذا...
فضل الصدقة الجارية
وكذلك فإنه مما ينبغي أن يُعلم في هذا الموضوع أن الصدقة الجارية من الأشياء العظيمة، وقد قال النبي ﷺ في الحديث الحسن: ((أربع من عمل الأحياء تجري للأموات، رجل ترك عقباً صالحاً يدعو له -ينفعه دعاؤه- ورجل تصدّق بصدقة جارية من بعده له أجرها ما جرت بعده.
تبقى الصدقة تجري عليه ما بقيت الأجر يجري عليه ما بقيت الصدقة.
وهذا معناه أنه هو الذي يفعلها في حياته، هو الذي يفعلها في حياته، لو فعلت له بعد موته نعم، لكن ليست أكثر أجراً، أكثر أجراً أن يفعلها في حياته يهيؤها، كأن يبني له شيئاً دخل يجعله لله.
هذه صدقة جاريه يجعلها على حياته تجري عليه بعد موته طالما بقيت هذه الصدقة أو بقي أصلها.
أنواع الصدقة
ونختم موضوعنا بالحديث عن أنواع الصدقة، يظن بعض الناس أن الصدقة هي الصدقة المالية فقط، ولكن الحقيقة أن الصدقة أنواع كثيرة وكثيرة جداً، فقد قال النبي ﷺ لفقراء الصحابة لما جاءوه: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم.
قال: أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة [رواه مسلم: 1006].
قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟
قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر [رواه مسلم: 1006].
وقد وردت نصوص كثيرة في أنواع الصدقات، فمما اختصرته لكم من هذه الروايات من أنواع الصدقات:
الكلمة الطيبة، عون الرجل أخاه على الشيء، الشربة من الماء يسقيها، إماطة الأذى عن الطريق، الإنفاق على الأهل وهو يحتسبها، كل قرض صدقة، السلف يجري مجرى شطر الصدقة، المنفق على الخير في سبيل الله، ما أطعم زوجته، ما أطعم ولده، تسليمه على من لقيه، التهليلة، التكبيرة، التحميدة، التسبيحة، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، إتيان شهوته بالحلال، التبسُّم في وجه أخيه المسلم، إرشاد الرجل في أرض الضلال إذا تاه وضل في الطريق، ما أطعم خادمه، ما أطعم نفسه، إفراغه من دلوه في دلو أخيه، الضيافة فوق ثلاثة أيام، إعانة صاحب الحاجة الملهوف، الإمساك عن الشر، قول "أستغفر الله"، هداية الأعمى، إسماع الأصم والأبكم حتى يفقه، أن تصبّ من دلوك في إناء جارك، ما أعطيته امرأتك، الزرع الذي يأكل منه الطير أو الإنسان أو الدابة، ما سُرق منه فهو صدقة، وما أكله السبع فهو صدقة، إنظار المعسر بكل يوم له صدقة، تدل المستدل على حاجة قد علمتَ مكانها، تسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث، ترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف، كل ما صنعتَ في أهلك، النخاعة في المسجد تدفنها، تعدل بين اثنين، تعين الرجل على دابته فتحمل عليها، أو ترفع له عليها متاعه، كل خطة تخطوها إلى الصلاة، التصدق على المصلي لكي تكون جماعة، من يتصدّق على هذا؟ [رواه أبو داود: 574، وصححه الألباني في المشكاة: 1146].
إذا منحتَ منحة، أعطيته أياها غدت بصدقة وراحت بصدقة صبوحها وغبوقها [رواه مسلم: 1020].
ما يُحلب في الصباح وما يُحلب في المساء.
أنواع الصدقات غير المالية
هذه بعض أنواع الصدقات والمتأمل لها يجد أنها على نوعين، الصدقات غير المالية على نوعين:
الصدقة ذات النفع المتعدي للغير
الأول: ما فيه تعدية الإحسان إلى الخلق يكون صدقة عليهم، مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إقراء القرآن، تعليم العلم، إزالة الأذى عن الطريق، نفع الناس، استعمال وجاهة تكفيه، أو شفاعة حسنة لنفع مسلم، الدعاء للمسلمين، الاستغفار لهم، هذا نفع متعدّي، وقد يكون أفضل من الصدقة بالمال.
أما النوع الثاني من الصدقة غير المالية: ما نفعه قاصر على فاعله، كالتكبير والتسبيح، والتحميد، والتهليل، والاستغفار، والمشي إلى المساجد، وغير ذلك...
فإذن، كل ما كان نفعه متعدٍ أكثر كلما كان زيادة في الأجر، وكلما كان شرف فضله أكثر فهو أيضاً زيادة في الأجر، فإن الذي يمشي إلى الصلاة بكل خطوة يخطوها حسنة تكتب سيئة تمحى ودرجة ترفع.
الأسئلة
يقول السؤال: هل يجوز للوالد أن يتصدق بجميع الدية مع وجود ورثة آخرين؟
الجواب: لا، يتصدق بنصيبه هو من الدية، لكن ما يتصدق بدية الآخرين.
هل الإنفاق على الإخوان وإطعامهم من الصدقة؟
الجواب: نعم، هو ذلك إن شاء الله.
قضاء دين المديون؟
أيضاً من الصدقة.
يقول: التصدق بمال حرام في جهة محرمة؟
لا يجوز أن ينتفع من المال الحرام أبداً، فلو قال: ادفع به ضريبة، أنا البنك أعطاني ربا أدفع به ضريبة؟
نقول: لا يجوز؛ لأنك استخدمت المال الحرام هذا بشيء عاد بالنفع عليك، وهو أنك وقيت نفسك من الظلم، فهذه منفعة استفدتها من الربا، إذن، لا يجوز، ولا يقال: حرام في حرام، أو من حرام في حرام يصير حلال! هذا لا يقول به قائل.
لو تصدقت بريال هل تعتبر صدقة؟
لا شك في ذلك.
إذا كان علي صدقة، وإذا كان علي دين هل يجوز لي أن أتصدق؟
إذا كان يضر بإخراج الدين وأنت مطالب لا يجوز لك أن تتصدق.
ما حكم الصدقة على غير المسلمين بقصد ترغيبهم في الإسلام؟
هذا جيد، وهو من أبواب الخير.
بعض الناس يصرفون صدقاتهم في رمضان أو زكواتهم إلى أقاربهم وربما جعلوها عيدية في نهاية شهر رمضان، مع أن أقاربهم هؤلاء ميسورٌ حالهم وليسوا من أهل الصدقة.
إذن، هذه زكاة غير مجزئة لا يجوز له أن يعطيها لغير أهلها، ويجب عليه إعادة الإخراج إذا كان يعلم أنهم أغنياء.
إذا كنتُ أنفق من راتبي شهرياً بشيء معين والآن عندي التزامات من ديون وقسط شهري واستعداد للزواج هل أستمر على إنفاقي مع حاجتي؟
ما دام عندك حاجة فممكن أن توفر أشياء من المال لحاجتك، لكن أيضاً خذ في اعتبارك أنك إذا تصدقت فالله -سبحانه وتعالى- يعوّض ويغني، ما نقص مال من صدقة
[رواه الطبراني في الصغير: 142، وضعفه ابن الهيثمي في مجمع الزوائد: 3/105].
تقول سائلة امرأة: إذا كان ولدي يعطيني مالاً هل أتصدق منه؟ ما عندي مال إلا ما يعطيني ولدي.
الجواب: نعم، تتصدق من المال الذي أعطاها إياه ولدها.
كما قال أسماء للنبي ﷺ: يا رسول الله ما لي مال إلا ما أدخل عليّ الزبير -زوجها- فأتصدق؟
قال: تصدقي ولا توعي فيوعى عليكِ [رواه البخاري: 2590].
إذن، الشخص لو كان له مساعدة، المرأة إذا زوجها أعطاها مصروفاً تصدقت منه مأجورة، الأم إذا ولدها يعطيها نفقة فتتصدق منها فهي مأجورة.
شخص حلف إذا فاتته صلاة الفجر أن يتصدق بشيء من المال.
إذن، يجب عليه أن يتصدق ما دام مستطيعاً.
ما رأيك فيمن أوقف نفسه لله في الدعوة، هل تكون من الصدقة؟
إذا كان ذلك حاصلاً فعلاً؛ لأن المسلم ينبغي عليه أن يكون فعلاً وقفاً لله تعالى، كل مسلم ينبغي أن يكون وقفاً لله تعالى، لكن في كثير من الأحيان لا يحصل ذلك فينبغي أن نجاهد أنفسنا على هذا.
أريد بناء مسجد صدقة ووضع اسم والدي على هذا المسجد.
الأفضل أن لا تضع اسم والدك عليه حتى لا يكون ذلك مدخلاً للرياء، أو يقال: هذا فلان بنى لوالده مسجداً، هذا مسجد بناه فلان لأبيه، ونحو ذلك...
سمّه بأسماء بعض الصحابة أو أي اسم طيب من الأسماء يكون أفضل.
أيهما أحسن للميت الصدقة أم الدعاء؟
أعظم ما يصل الميت الدعاء، والصدقة لا شك في وصولها.
يقول: لي أقارب عندهم بعض الأعمال التجارية وهم موظفون، ولكن الظاهر لأن عليهم ديون متفرقة بسبب ما عندهم من التزامات مالية من بناء بيوت ونحوها، هل تحق لهم الصدقة؟
إذا ما كانت زكاة لا مانع، تعطيهم إياها لكن إذا كانت زكاة ينبغي أن تتأكد أنهم من أهل الزكاة، فإذا كان عليه دين وهو مطالب به ولا يستطيع التسديد يعطى من الزكاة.
المنشورات التي توضع في المساجد تحث الناس على الصدقة؟
لا بأس إذا كانت حقيقية صحيحة تحث الناس على الصدقة نعم؛ لأنها ليست إعلانات تجارية، لعله التبس عليه أو يظن أنها داخلة في مسألة نشدان الضالة، أو التجارة، نقول: ليست كذلك.
هل المال الذي ينفقه الرجل على أهل بيته يعتبر صدقة؟
تقدم الحديث بالنص في ذلك.
يقول: امرأة متزوجة وليس لديها أولاد وأمها ميسورة الحال لا تحتاج إلى صدقة، فهل من البر أن أتصدق على والدتي وإخوتي مع عدم احتياجهم؟
نعم؛ لأنها تكون هبة، تكون هدية، الأشياء المالية ليست فقط صدقات، ممكن تكون هدايا، الأعطيات المالية ليست فقط زكوات وصدقات، ممكن تكون هبة أو هدية، نعم، صلي أمكِ وأعطيها ولو ما كانت محتاجة، هذا من البر.
يقول: إذا ذهب صاحب الدين إلى مكان لا أعرفه.
إذا عجزتَ عن الوصول إليه تصدق بالمال نيابة عنه.
إعطاء والدتي المحتاجة من الزكاة الواجبة؟
لا يجوز؛ لأنك مكلّف بالإنفاق عليها، وعلى إخوانك الفقراء جائز.
إذا قال: اللهم هذه الصدقة عن جدي.
لا بأس، والله أعلم بنيتك، ولا يحتاج أن تتكلم.
عندي شقيق أحواله المعيشية صعبة ويحتاج إلى المساعدة ويطلبني حين حاجته فأعطيه، هل تعتبر هذه العطية صدقة؟
نعم، تعتبر صدقة ولك أجرها.
ما الفرق بين المن والسلوى، والمن والأذى.
لا المن هذا غير المنّ الآخر، منٌّ منه الله عليه، وقيل: شيء مخصوص. وقيل إنه المن العام، وهو غير المنّ الذي يمنّ به صاحب المال على من يعطيه ويؤذيه به، ذلك منة من الله على بني إسرائيل.
وقال النبي ﷺ: الكمْأة من المنّ، وماؤها شفاء للعين [رواه البخاري: 4478، ومسلم: 2049].
وواضح لماذا هي من المنّ؛ لأنها تخرج بدون هذه الكمْأة التي تخرج عند نزول المطر من الله؛ لأن الإنسان ما يتعب في زراعة، ولا حصد، ولا بذر، ولا سقيا، ولا إجارة، ولا شيء فهي من الله، منّة من الله.
أريد الحج ووالدي يرفض ووالدتي موافقة وعندي مال وليس عليّ ديون.
إذا كان حج فريضة يجب عليك أن تذهب للحج ولو كان الوالد لم يوافق مع سعيك في إرضائه.
إذا كان هناك شخص فقير وأردت أن تتصدق عليه وأنت تعلم أنه يستعمل الصدقة في المنكرات.
إذاً لا تتصدق وإنما تشتري له بها طعاماً أو تعطيه لزوجته المأمونة، أو أولاده، ولا تعطيها له.
أخذ الزكاة لآل البيت؟
لا يأخذون الزكاة، وإنما يُعطون من مصرف في بيت المال، لكن إن لم يُعطوا واحتاجوا جاز لهم أن يأخذوا كما أفتى بذلك شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-.
يقول: لو قام سائل في المسجد يشكو حاله فتأثر المصلون فتأثرت مثلهم ولكن كنت أشك في حاله ولكن لدي رغبة في الصدقة فأعطيته، ثم علمت بعد ذلك أنه رجل متسوّل، فندمت أني أعطيته؟
لك أجرك ما دام عملت بالظاهر وتصدقت عليه ما ظهر لك خلاف الظاهر، فأنت بذلك مأجور إن شاء الله.
يقول: لي أخ لا يصلي ويسمع الغناء كثيراً، ويرافق قرناء السوء، ويلبس الحرير، ونصحته ولكن لا فائدة؟
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص: 56]. فلذلك لا تذهب نفسك عليه حسرات مع مواصلتك واجتهادك في دعوته وتنويع الأسلوب أو الطلب من غيرك أن ينصحه أو ربما لا يقبل منك كأخ، لكن قد يقبل من غيرك إذا جاءه بصداقة ومودة ونحو ذلك.
إذا قال الإنسان: ما شاء الله وشئت، توكلت على الله وعليك، هل هو شرك؟ فإذا قال: ما شاء الله ثم شئت، أو توكلتُ على الله ثم عليك فهل يجوز؟
نعم، إذا قال: ما شاء الله وشئت، وتوكلتُ على الله وعليك! فهذا هو شرك، لا شك، لا يساوى الله بالمخلوق.
أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال فيحتاج إلى تفصيل، إذا قال: ما شاء الله ثم شئتَ هذا جائز، فقد جاء في الحديث، [رواه النسائي: 3773، وابن ماجة: 2117، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 495].
لكن ما يقول: توكلت على الله ثم عليك؛ لأن التوكل في العبادة لا تجوز إلا لله.
لا يتوكل على غير الله، لا بالواو ولا بـ "ثم".
يقول: لي إخوة من أبي، وأبي مقعد عن العمل وأعطيهم مصروفاً شهرياً ولكن لا يكفيهم، ثم إني قد أعطيتهم من زكاة حليّ زوجتي.
لا بأس إذا كانوا محتاجين تعطيهم من زكاة حليّ زوجتك.
يقول: من حلف بيمين ثم رأى غيرها خيراً منها هل يكفّر عن اليمين الأولى؟
نعم، يكفّر ويأتي الذي هو خير.
ماذا أعمل عندما أقوم بأعمال الحج عن والدي المتوفى؟
تكون نيتك له فقط عند الإحرام، نيتك له، ولبيك اللهم عن فلان، هذه التلبية.
ما رأيك في أخوين ملتزمين لا يكلم الواحد منهما الآخر فترة ليست بالقليلة؟
هؤلاء المغفرة عنهما محجوبة حتى يعودا، أنظرا هذين حتى يصطلحا[رواه مسلم: 2565].
يؤخّر الله رحمته عنهما حتى يعودا إليه عز وجل، يطلّع الله على أهل الأرض فيغفر لكل أحد إلا المشرك والمشاحن [رواه أحمد:6642،وابن ماجه: 1390، والطبراني في الأوسط: 6776، والبيهقي في الشعب: 6204، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1144].
المشاحن الذي بينه وبين أخيه شحناء، فإذا كان يريد أن تحجب المغفرة عنه فليستمر في العقوق والقطيعة.
رأت امرأة في المنام أن أباها قد ذهب للحج هذا العام مع العلم أنه ميّت، فهل توكّل أحد ليحج عنه؟
الجواب: لا يؤخذ من المنامات أحكام شرعية البتة وإنما إذا أرادت أن تحج عنه أو توكل من يحج عنه توكّل.
أما أنه يؤخذ من المنام فلا، لا يؤخذ منه أحكام شرعية.
هل المتصدق للميت أو الداعي له أجر؟
لا شك في ذلك، وقد يكون إذا حج عنه يبتغي إبراء ذمته والإحسان إليه يكون له مثل أجره أو أكثر.
اقتطعت مالاً ووضعته في صندوق خاص في البيت عندي للتبرعات وبعد فترة اضطررت واحتجت حاجة شديدة فأخذت من المال.
إذا كان هذا الوعاء وعاء للفقير مثل بعض الحصالات التي تكون للجمعيات الخيرية توزّع مكتوب عليها جمعية ونحو ذلك هذا وعاء الفقير لا يجوز لك أن تأخذ منه أبداً.
لكن إذا كان هذا الوعاء وعاؤك أنت تجمع على جنب حتى تعطيها للفقراء، الوعاء ليس للفقير، الوعاء لك فلا بأس أن تأخذ منه؛ لأنها ما بعد صارت للفقير ولا أعطيت لوكيل الفقير ولا وضعت في حصالة أو ماعون الفقير.
هل يجوز إعطاء زكاة الفطر لمن ادعى أنه محتاج إلى ذلك؟
الجواب: نعم، ما لم يظهر شيء آخر.
يقول: من ولد له ولد ولم يعمل له عقيقة وقد كبر الولد.
يعمل له عقيقة الآن أو يعق الولد عن نفسه، لا مانع.
لي مبلغ دين عند الناس ولم أقبضه هل أزكي عليه؟
إذا كنت قد طالبتهم به ما أعطوك إياه، إما مماطل أو فقير ما عليك زكاة، أما إذا كان لو طالبته أعطاك عليك الزكاة.
أبي يسأل الناس وهو في كلامه أنه في حاجة، هل أتصدق عليه؟
نعم، على الأقل تعفه عن سؤال الناس.
هل يجوز إعطاء الصدقة على شكل هدية؟
نعم، يمكن ذلك.
ارتديتَ المخيط قبل أن أحلق.
تعيد لبس ملابس الإحرام ثم تحلق وليس عليك شيء ما دمت ناسياً أو جاهلاً.
لي بعض القرابة ليسوا فقراء ولكن حالهم يحتاج إلى مساعدة، وعلمت أن هناك مجاعة، يحتاجون إلى كل قرش أو صدقة باعتبار حالهم الشديد ولاسيما نراهم شبه عراة؟
إذا كانت الحاجة التي في الأقارب ليست شديدة وهؤلاء حاجتهم شديدة جداً فربما يكون تقديمهم وجيه، إعطاء الأموال لهم أحسن.
الصدقة على الجدة أم الأم وأم الأب والخالة.
الجدة والجد، والولد، والحفيد، والأب، والأم، ممن تلزمك نفقتهم ، لذلك لا يجوز إعطاؤهم من الزكاة، أما الخالة الفقيرة يجوز أن تعطيهم من الزكاة.
أعطتني أمي مالاً أتصدق به فأخرجته مجزأً من فترة إلى أخرى دون علمها.
إذن، تستسمح منها وتخبرها بما فعلت.
حلف واحد على أن يأخذ شيئاً والآخر على أن لا يأخذه.
الذي يحلف بيمينه عليه الكفارة.
مكافأة طالب الجامعة هل تعتبر من الكسب؟
الجواب: نعم، فهو يتصدق منها ويؤجر على الصدقة منها.
لي أخت صغيرة ووالدنا متوفى، هل كفالتي لها كفالة يتيم؟
نعم، لا شك.
يقول: شرب دم القنفذ للعلاج.
لا يجوز، حرام، دم محرم.
ما صحة "يستحب العطاس ويكره الجشاء"؟
أما العطاس أنه مستحب نعم، قد ورد ذلك في الحديث: إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب [رواه البخاري: 6223].
أما الجشاء فقد نهى النبي ﷺ متجشئاً تجشأ أمام الناس، قال: كُفّ عنا جشاءك [رواه الترمذي: 2478، وحسنه الألباني في صحيح الدامع الصغير: 4491]. لأنه يؤذي الآخرين والجلساء لا شك.
هل تقصر صلاة المغرب؟
الجواب: لا تقصر، صلاة المغرب تبقى كما هي ثلاث ركعات، وكذلك الفجر في الحضر والسفر.
الولد الذي في بطن أمه لا تجب زكاة الفطر عنه لكن تستحب.
رجل بطرف أرضه مسجد موقوف، هل يجوز أن يستبدل أرض المسجد بأرض من مزرعته ويأخذ أرض المسجد؟
الجواب: لا يجوز ذلك، تبقى أرض المسجد الوقف هي إلا إذا تعطّلت الاستفادة منه، فهنا يُلجأ إلى القاضي في نقله إلى مكان آخر.
لو قال: تعال أقامرك وأمازح.
يتصدق، ويتوب إلى الله ؛ لأن هذا الأمر لا مزاح فيه.
الفرق بين الصدقة والزكاة.
لا شك أن أبواب الصدقة أوسع من أبواب الزكاة، فمثلاً الزكاة لا تصرف في أبواب المساجد، ولا طباعة الكتب الإسلامية، ولا بناء المستشفيات مثلاً.
لكن الصدقات ممكن أن يبني بها مسجداً ومستشفى ويطبع بها كتباً أو يشتري بها مصاحف ونحو ذلك...
فباب الصدقات أوسع من باب الزكاة.
أنا موظف ومالي من المعاش غير ثابت ولا يبقى حتى الحول.
الزكاة بعد سنة انظر ماذا تجمع عندك وأخرج عن الألف خمسة وعشرين يكون هذا مريحاً لك.
بقي القليل من الأسئلة لكن الوقت قد تأخر بنا فلعلنا نجيب عليها في المرة القادمة إن شاء، الله ويكون هذا هو ختام الدرس.
والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.