المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحن على موعد في هذه الليلة -إن شاء الله- مع درس -نسأل الله -تعالى- أن يكون من دروس العلم والإيمان، وقال الله -تعالى- لرسوله ﷺ: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ[الأنعام:90]، يعني: بهدى الأنبياء اقتد يا محمد ﷺ، كان لرسولنا أسوة حسنة في الأنبياء من قبله، ولذلك قص الله تعالى على رسولنا ﷺ، وعلى أمته في كتابه العزيز قصصًا كثيرة من قصص الأنبياء؛ حتى يحدث بها التسرية والتسلية لرسولنا ؛ وحتى يستضيء الحاضر بتجارب الأمم الغابرة الماضية، وما حدث للأنبياء مع أقوامهم، ما حدث للأنبياء مع بعضهم.
المعنى الإجمالي للقصة
وهذه قصة عظيمة من قصص الأنبياء، قصة موسى صلى الله عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام مع نبي الله الآخر الخضر ، وفي سورة الكهف عرض لهذه القصة في آيات من كتاب الله، وسيقت هذه القصة ببيان أكمل، وتفاصيل أوفى في أحاديث رسول الله ﷺ؛ لأن السنة هي المبينة للقرآن، والمفصلة لمجمله.
وروى هذا الحديث الإمام البخاري ومسلم وغيرهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وها أنا ذا أسوق إليكم هذه القصة في البداية، حتى نكون على بصيرة فيما سنتعرض إليه من دروس وأحكام، وحكم من هذه القصة.
روى الإمام البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى أنه قال: "إنا لعند ابن عباس في بيته، إذ قال سلوني؟ قلت: أي أبا عباس جعلني الله فدائك بالكوفة رجل قاص يقال له: نوف، يزعم أنه ليس بموسى بنى إسرائيل"، وفي رواية: "أن سعيد بن جبير قال لابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن نوفًا البكالي يزعم: أن موسى صاحب بني إسرائيل ليس هو صاحب الخضر".
والخضر سمي بهذا الاسم بالخضر: فتح الخاء، وكسر الضاد؛ لأنه كما ورد في الحديث الصحيح: أنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء [رواه البخاري: 3402].
والفروة هي الأرض اليابسة، جلس الخضر مرة من المرات على أرض يابسة بيضاء ليس فيها نبات، فإذا هي تهتز تحته بقدرة الله تعالى خضراء، معجزة للخضر ، فمن هذا الحادث سمي الخضر خضرًا.
فقال ابن عباس: لما سمع هذا الخبر أن نوفًا البكالي -وهو أحد القصاص الذين كانوا يحدثون الناس بأخبار الأمم السابقة- لما سمع هذا الكلام عنه "قال: كذب عدو الله"، وقد تتساءلون عن هذه الكلمة عدو الله كيف يكون ذلك؟ وذكر العلماء تعليلاً لهذه الشدة الواردة من ابن عباس، فقالوا: أن هذه الكلمة إنما أطلقها ابن عباس، ولم يرد معناها الحقيقي، وإنما وردت مورد التغليظ والزجر على ذلك الرجل الذي أخبر بشيء خلاف الثابت عن النبي ﷺ، زعم أن موسى الذي كان مع الخضر ليس هو صاحب بني إسرائيل موسى آخر، فقال في معرض الزجر، والتغليظ، وفي حالة غضب، وفي حالة الغضب يعذر الغاضب في بعض ألفاظه التي تخرج منه.
قال ابن عباس: سمعت أبي بن كعب يقول: سمعت رسول الله ﷺ: بينما موسى في قومه يذكرهم بأيام الله، وأيام الله نعماؤه وبلاؤه.
وفي رواية: قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل.
وفي رواية: موسى رسول الله ﷺ ذكر الناس يومًا حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى يعني: موسى ، فأدركه رجل فقال: أي رسول الله: هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا.
وفي رواية: فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، قال: فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى إليه إن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: أي ربي كيف لي به؟ كيف أصل إليه؟ فقيل له: احمل حوتًا في مكتل.
وفي رواية: خذ حوتًا حتى تنفخ فيه الروح يعني: خذ معك نونًا، وفي رواية: خذ نونًا ميتًانون: يعني الحوت حيث ينفخ في الروح ، يعني: خذ معك حوتًا ميتًا فإذا بلغت في الطريق في مكان وأعيدت الروح لهذا الحوت فاعلم بأن الخضر في ذلك المكان الذي فقدت فيه الحوت، فقيل له احمل حوتًا في مكتل والمكتل هو الزنبيل فحيث تفقد الحوت فهو ثم يعني: فهو هناك الخضر، فانطلق، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون وهذا يوشع نبي من الأنبياء، هو الذي قام في بني إسرائيل بعد موت موسى، قام بها وقام بأمورهم، وكان نبيًا من أنبيائهم، وهو الذي حبست له الشمس، فقال لفتاه موسى لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت يعني: ما أكلفك بشيء إلا فقط تخبرني متى نفقد الحوت، هذا الذي نأخذه معنا الآن، فقال له يوشع: ما كلفت كبيرًا، ما شققت عليّ بأمر كبير، فانطلق هو وفتاه يمشيان حتى أتيا الصخرة، فبينما هو في ظل الصخرة، فرقد موسى وفتاه وفي أصل الصخرة عين يقال لها: عين الحياة لا يصيب من مائها شيء إلا حيا، فأصاب الحوت من ماء تلك العين، فتحرك فاضطرب الحوت في المكتل، وانسل من المكتل حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر قال: وأمسك الله عنه جريه الماء، حتى كان مثل الطاق، يعني: هذا الحوت وهو في الزنبيل أصابه شيء من ماء هذه العين التي تسمى عين الحياة، فلما أصابه هذا الماء رجعت إليه الحياة بإذن الله تعالى، فاضطرب في المكتل، ثم انقلب فدخل في البحر؛ لأنه كان على الساحل، فلما دخل في البحر اضطرب مرة أخرى، ثم سلك سبيله في البحر، فأمسك الله جريه الماء، حتى صارت على الحوت مثل الطاق، يعني: صار منفذ الحوت في البحر كأنه في حجر، يعني: محفور السرب هذا الذي دخل فيه الحوت كأنه محفور في الحجر، يعني: لما دخل الحوت ما رجع الماء مرة أخرى، وإنما بقي مثل لما ضرب موسى البحر فانفلق فصار فيه طريقًا يبسًا، أمسك الله عن الماء خاصية الرجوع مرة أخرى.
فقال: حتى إذا كان مثل الطاق فقال: فتاه لا أوقظه كان موسى نائماً فقال: لا أوقظه حتى إذا استيقظ يعني: لما استيقظ موسى، نسي أن يخبره فكان للحوت سربًا، وكان لموسى وفتاه عجباً، فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما ونسي صاحب موسى أن يخبره فلما أصبح موسى قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا[الكهف: 62].
قال ابن حجر رحمه الله: ليلتهما بالكسر مضاف إليه، ويومهما بالنصب على إرادة سير جميع.
يعني: سير جميع اليوم، لما نقول في الرواية: فانطلق بقية ليلتهما ويومهما، فلما أصبح قال بعض الحذاق: فلما أصبح هنا تدل على أن في الرواية قلبًا، وعلى أن المفروض تصير الرواية يومهما وليلتهما، لأن الإصباح لا يكون إلا من ليل. [فتح الباري لابن حجر: 1/220].
يعني: بعد الليل، ونسي صاحب موسى أن يخبره، فلما أصبح موسى قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا[الكهف:62]، قال: ولم ينصب يعني: موسى ما أصابه التعب طول السفر حتى جاوز المكان، ما ورد في الحديث أن موسى تعب من أول، وإنما لما فقد الحوت وسار بعدما فقد الحوت جاءه النصب والتعب.
قال: ولم ينصب حتى جاوز المكان الذي أمر به، قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا [الكهف: 63].
قال موسى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا [الكهف: 64]، يعني: نحن نريد أن نفقد الحوت حتى نعرف المكان الذي نفقد فيه الحوت، فنعرف مكان الرجل الصالح الخضر فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا [الكهف: 64].
يعني: يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلاً مسجى عليه بثوب، وفي رواية: فوجدا خضرًا على طنفسة يعني: فراش صغير، خضراء على كبد البحر وكأنه أراد هنا ساحل البحر، فسلم عليه موسى ، وكان هذا الرجل الخضر جعل هذا الثوب وغطى به نفسه جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه، فسلم عليه موسى، فقال له الخضر: أنى بأرضك السلام؟ الخضر تعجبك من هذا السلام.
يعني: قال من أين السلام في هذه الأرض التي لا يعرف فيها السلام؟ استغرب الخضر واحد يسلم عليه، والخضر يعرف أن هذه الأرض التي يوجد فيها ليس فيها السلام؛ لأن هذه التحية غير معروفة.
قال ابن حجر: وفيه إشارة إلى احتمال أن يكون أهل تلك الأرض كفار، وفيه إيماء أيضاً إلى أن الخضر لا يعلم من الغيب إلا ما يعلمه الله، إذ لو كان يعلم كل الغيب لما قال: موسى بني إسرائيل؟ [فتح الباري لابن حجر: 1/220].
يعني: لما استفهم من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: فما شأنك؟ قال جئت لتعلمني مما علمت رشدًا، قال: أما يكفيك أن التوراة بيديك؟ وأن الوحي يأتيك يا موسى؟، ثم قال له الخضر: إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من الله علمنيه لا تعلمه يعني: كل واحد فينا يا موسى اختص بشيء من العلم لا يعلمه الآخر.
قال بعض أهل العلم: وهذا لا يعني أنه لم يكن هناك بينهما قدر مشترك من العلم؛ لأن هذا ضروري مثل العلم بالتوحيد هذا ضروري بالنسبة لموسى وبالنسبة للخضر، ولكن هناك علم آخر بجانب الأشياء الضرورية شيء عند الخضر وما يعرفه موسى، وشيء عند موسى لا يعرفه الخضر، قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا [الكهف: 66-69].
قال له الخضر: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا[الكهف:70]، قال: نعم، يعني: وافق موسى على الشرط، فانطلقا موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينة، فكلموهم أن يحملوهما كلم موسى والخضر كلما أصحاب السفينة أن يحملوهما إلى الجانب الآخر، فعرفوا الخضر أصحاب السفينة عرفوا الخضر فقالوا عبد الله الصالح لا نحمله بأجر فحملوها بغير نول يعني: بغير أجر فلم يفجأ موسى إذ عمد الخضر إلى قدوم فخرق السفينة فأس خرق به السفينة فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه، فخرقها ووتد فيها وتدًا، خرق السفينة وجعل مكان اللوح المقلوع جعله مكانه وتدًا، فقال له موسى قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها، لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا[الكهف: 71].
يعني: أمرًا منكرًا فظيعًا، قال له الخضر: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف: 72]، هذا أول حادثة ألم نتفق قبل قليل على ألا تسألني عن شيء، ولا تعترض علي حتى أحدث لك منه ذكرًا، فقال موسى وكانت هذه المرة نسيانًا، فقال موسى: لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا [الكهف: 73].
ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذا غلام يلعب مع الغلمان، وفي رواية: حتى إذا لقيا غلمانًا يلعبون، فانطلق إلى أحدهم بادي الرأي فقتله وفي رواية: فأخذ الخضر برأسه فأضجعه، فذبحه بالسكين، فاقتلعه بيده فقتله، وفي رواية: فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا، فأضجعه فذبحه بالسكين، فذعر عندها موسى ذعرة منكرة، فقال موسى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا [الكهف: 74]، قتلت نفسًا من غير أن تقتل بغير حق، قال: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف: 75].
قال: وهذه أشد من الأولى التي هي قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف: 62]؟ بزيادة لك، في الثانية قال: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف: 75].
ولكن القول الآخر صحيح الذي هو أن القتل أشد من خرق السفينة، تنبه موسى لخطئه، قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي [الكهف: 76].
فكانت هذه من موسى عمدًا، ما كانت نسيانًا شاف منكر فظيع، واحد يأخذ طفل ماله ذنب، ويذبحه، ويقلع رأسه، قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا[الكهف: 76]، وصلت معي للآخر، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا [الكهف: 77].
وفي رواية: حتى إذا أتيا أهل قرية لئاماً فطافا في المجالس أو في المجلس فاستطعما أهلها، فأبوا أن يضيفوهما كانوا لئام لا يعطون الضيف حقه، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ [الكهف: 75]، يعني: يكاد أن يسقط، يقول الراوي: "مائل" قال الخضر بيده هكذا، قال سعيد ابن جبير -الراوي- "بيده هكذا ورفع يده، فاستقام" جدار مائل، يريد أن ينقض، فرفع يده فاستقام، وعقد الشنقيطي رحمه الله بحثًا نفيسًا في المجاز عند هذه النقطة، جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ [الكهف: 77].
قال له موسى: قوم أتيناهم فلم يضيفونا ولم يطعمونا، لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [الكهف: 77-78]، وكانت الثالثة شرطًا شرطه موسى، إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي [الكهف: 76].
فتحقق الشرط لأنه سأله ليش ما اتخذت عليه أجرًا، فتحقق الشرط، فقال له الخضر: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا [الكهف: 78]، قال رسول الله ﷺ: رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة [رواه مسلم: 2380].
الذمامة بمعجمة في البداية هي الحياء والإشفاق من الذنب، وبالمبهمة هي قبح الخلق، يعني: قبح الخلقة، والذمامة وهي الإحياء والإشفاق من الذنب، يعني: موسى أخذته من صاحبه ذمامة يعني ما يستطيع أن يكمل معه أكثر من كذا، بلغ الحد، فيقول : يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى كان يقص علينا من أخبارهما.
وقال رسول الله ﷺ: كانت الأولى من موسى نسيانًا، ولما ركبوا السفينة جاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة ثم نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر، وهذا المثال لتقريب الأذهان ليس للمعنى الحقيقي به.
يعني: ليس أن علم موسى والخضر بالنسبة لعلم الله كقطرة في البحر، هو أقل من قطرة في البحر لا شيء لكن لتقريب الأذهان، أو مثل ما أخذ هذا العصفور من البحر، أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا [الكهف: 75]، فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها))، يعني: إذا شاهد العيب الذي فيها فيترك السفينة، فإذا جاوزها أصلحوها، فانتفعوا بها، وفي رواية: فإذا جاء الذي يسخرها وجدها منخرقة فتجاوزوها، فأصلحوها بالخشبة، وأما الغلام، فإنه طبع يوم طبع كافرًا، يعني: أساس الغلام لما طبع طبع كافرًا، لما ولد طبع الله عليه أنه كافر، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك -يعني: كبر- أرهقهما طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا[الكهف: 80-81].
وفي رواية: كان أبواه مؤمنين، وكان كافرًا، فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، يحملهما حبه على أن يطاوعاه على دينه،وَأَقْرَبَ رُحْمًا [الكهف: 81]، يعني: أرحم بهما من الأول الذي قتله الخضر، وفي رواية: أنهما أبدلا جارية يعني: كان العوض عن هذا الغلام المقتول جارية مباركة ولدت لهما، ذكر في بعض الآثار: أنه ولد منها أنبياء قادوا بني إسرائيل، هذه ألفاظ البخاري [122، 3401، 4725، 4726، 4727]، ومسلم [2380]، سقناها مع اختلافها هنا.
مسائل تتعلق بقضية الخضر
قبل أن نأتي للدروس والعبر المستفادة من هذه القصة نتعرض بشكل سريع لقضية الخضر في مسألتين:
المسألة الأولى: هل كان الخضر نبيًا أو وليًا؟
يعني: هل كان نبي أو رجل صالح؟
الراجح من أقوال أهل العلم أنه نبي، والدليل على هذا واضح في القرآن الكريم لما قال الله تعالى في القرآن الكريم: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي[الكهف: 82]، يقول الخضر لموسى : أن هذه الأشياء التي فعلتها ما فعلته عن أمري، إذاً عن أمر الله ولاسيما قتل النفس البريئة.
الأمر الثاني: أن الله قال عن الخضر: آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف: 65]، ووقعت الرحمة في آيات كثيرة بأنها النبوة، وصفت النبوة بأنها رحمة، والعلم اللدني هذا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف: 65]، من لدن الله أيضاً يشير إلى أنه نبي، وكذلك تواضع موسى لهذا الرجل كيف يتبع النبي غير نبي؟ وكيف يكون غير النبي أعلم من النبي؟ فلا بدّ أن يكون الخضر نبيًا.
الأمر الثاني: هل الخضر حي أم لا؟
هناك آثار كثيرة جداً، ووردت عن حياة الخضر أنه ما زال حيًا إلى الآن، ولكن كل هذه الآثار ضعيفة.
قال ابن كثير رحمه الله: "ومن أوضح ما ورد فيه، يعني: ما ورد فيه حديث التعزية". [تفسير ابن كثير: 4/268]، أن رجلاً أو أن صوتًا عزى الصحابة بوفاة الرسول ﷺ بعد وفاته، قال الراوي: فكنا نرى أنه الخضر" لكن هذه الرواية ضعيفة، فلا تقوم بها الحجة.
أدلة أخرى: وساق ابن حجر رحمه الله عقد فصلاً بالخضر في الإصابة في تمييز الصحابة، فصل طويل جداً ذكر فيه الروايات والآثار عن حياة الخضر، وعن موته، فليرجع إليها من شاء الاستزادة.
ولكن نسوق بعض الأدلة على أن الخضر قد مات يقينًا، قال الله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الأنبياء: 34].
يقول الله للرسول ﷺ: مَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ [الأنبياء: 34]، يا محمد الخلد، فكيف يكون للخضر الحياة إلى قيام الساعة، إن هذا يكون تخليدًا.
الأمر الثاني: أن رسول الله ﷺ قال في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهرها أحد[رواه البخاري: 116، ومسلم: 2537].
يعني: في يوم معين الرسول ﷺ قال: بعد مائة سنة من هذه الليلة لن يعيش أحد على ظهر الأرض، يعني: لن يعيش أحد من الناس الذين هم الآن أحياء، فلذلك كان ما عرف أنه بعد هذه المائة عاش أحد أكثر من هذه المائة، بعد هذه المائة يعني: كل الذين كانوا أحياء لما قال رسول الله ﷺ ما جاءت عليهم مائة سنة إلا وقد ماتوا قبل هذه المائة، أو عند المائة.
الأمر الثالث: قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ: 28]، الرسول ﷺ مرسل لجميع البشر، ومنهم الخضر، فلو كان الخضر علم بالرسول ﷺ لوجب إتيانه إليه، ولكن ما روي من وجه صحيح أنه أتى واجتمع بالرسول ﷺ إلا في وجوه ضعاف.
وقال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران: 81].
يعني: أخذ الله العهد والميثاق على الأنبياء إذا بعث الرسول ﷺ أن يسلموا له، وينصروه، وما نقل أن الخضر جاء إلى الرسول ﷺ فآمن به، وبايعه، أو نصر الرسول ﷺ، قال في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: لو أن موسى كان حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني [أحمد: 15156 ، وقواه الألباني إرواء الغليل: 6/34]، والخضر ما نقل أنه اتبع الرسول ﷺ.
هنا يرد إشكال بسيط، وهو أن عيسى كان حي لما قال الرسول ﷺ: أرأيتكم ليلتكم هذه، لكن مع ذلك ما زال حيًا بعد المائة سنة؟
فنقول الجواب: على هذه الإشكال أن الرسول ﷺ قال في الحديث: ممن هو على ظهرها يعني على ظهر الأرض، أما عيسى في السماء، إذاً هو لا يدخل في الحديث.
الإشكال الثاني: الدجال الذي هو الآن حي وموثوق يعني بالحديد بالسلاسل في جزيرة من جزائر البحر، وهو الذي لقيه الصحابي لما هاجر من اليمن فتاه في البحر، فوجدوا الدجال هذا موثق في جزيرة من جزائر البحر الأحمر، أو المحيط الهندي الذي هو إذا خرج الإنسان من اليمن من الاحتمال أن يتوه في هذا البحر، أو في هذا البحر، فما هو الجواب؟
الشنقيطي رحمه الله تعالى في كتابه العظيم أضواء البيان أجاب عن هذا بما ملخصه: أن النص الذي رواه الإمام مسلم أرأيتكم ليلتكمهذه نص عام والحديث الذي ورد عن الدجال نص خاص.
هذه القضية تفيدهم في أشياء كثيرة:
منها أنهم يزعمون التقاءهم بالخضر، وأنهم يأخذون أشياء عن الخضر، شرائع غير الشريعة الموجودة الآن، وهذا تبرير لهم لمخالفة شريعة الرسول ﷺ، يقول هذا أتانا من الخضر، أو التقينا بالخضر، فقال لنا: كذا وكذا، ويزعمون أيضاً أنه ولي وليس بنبي، لماذا؟ لأنهم يقولون: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي، يزعمون أن النبوة فوق الرسول وتحت الولي، يعني: الولي مقامه أعلى من النبي والرسول من ظلالهم، حتى يفتحوا الباب لتغيير شريعة الرسول ﷺ، وأن الأولياء يحق لهم التشريع، ويحق لهم الخروج عن شريعة الرسول ﷺ، ويحق لهم ترك العبادة إلى آخر ذلك، وكتبهم طافحة بذكر الأخبار المزعومة المنقولة عن الخضر.
الدروس والفوائد المستفادة من القصة
فنعود الآن للدروس والفوائد والعبر التي نستنبطها من قصة الخضر مع موسى:
أولاً: موقف طالب العلم من العالم.
لابدّ أن يكون موقف طالب العلم من العالم موقف أدب في الطلب، لا بدّ أن يطلب العلم منه بأدب، وأن يكون مؤدبًا، انظروا إلى موسى ﷺ كيف خاطب الخضر، قال له: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا [الكهف: 66] أسلوب استفهام، مؤدب جداً هو يخيره، يقول: يعني: إذا كنت مشغول أو لا تريد أو لم تشأ فأنا لا ألزمك بهذا، هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا [الكهف: 66]، وأنا تابع لك لا أخرج عنك هل أتبعك اتباع، وقال له كذلك: قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا [الكهف: 69].
يعني: سأكون عند حسن ظنك، كذلك يجب أن يكون موقف طلبة العلم من العلماء حسن الأدب، لا يرفع صوته فوق صوت العالم، ولا يحتج مع العالم، ولا يجهل العالم، ويسفه رأي العالم العلماء ورثة الأنبياء.
ثانيًا: التواضع في طلب العلم الشرعي.
لابدّ أن يكون هناك تواضع في طلب العلم الشرعي، ولابدّ أن يكون حرص على الاستفادة من الآخرين حتى لو كنت أعلم من هذا الآخر بشيء، فقد يكون الآخر أعلم منك بشيء آخر، فإذاً ليس من الصحيح أن تقول: والله أنا أعلم من فلان، لماذا أذهب أتلقى عنه العلم؟ كيف أسأله؟ لا قد تخفى أحيانًا مسائل على عالم وتظهر لطالب علم، وكم من صغار الطلبة في حلقات المشايخ والعلماء يفيدون الشيخ بأشياء لم يكن يعرفها من قبل، وهذا معروف فيجب التواضع في طلب العلم من الناس، حتى لو كانوا أصغر شأنًا أو أقل علمًا، وموسى أفضل من الخضر، موسى من أولي العزم من الرسل، الخضر ليس من أولي العزم، فموسى أفضل من الخضر، لكن هل دفع موسى هذه المنزلة التي أعطاه الله إياها على التكبر على الخضر، ويقول: كيف أتبع هذا لا يمكن أن أتبعه، لا بل حرص على أن يتبعه، وسأل الله كيف أستدل عليه، وكيف أذهب إليه؟
ثالثاً: أن الإنسان مهما أوتي من علم فهو جاهل.
قال الله تعالى: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85]، يعني: جاهل بالنسبة إلى علم الله مهما أوتي من علم فعلمه قليل، ولذلك يقول الخضر: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا [الكهف: 68]، فعندما يسئل الإنسان عن شيء لا يعلمه ماذا يقول؟ الله أعلم، أو يقول: لا أدري.
كذلك عدم الموقف السلبي من الشيء إلا بعد تعلمه، والوقوف على حقيقته، يعني: الناس أعداء ما جهلوا، العادة أن الواحد إذا جهل الشيء يصبح عدوًا له، ولذلك لا يحسن بالإنسان لا يجوز له أن ينكر قضية حتى يعرف يقف على حكمها، لأن بعض الناس أول ما يسمع الحكم -قد يكون حكم غريب عليه أول مرة يسمعه- يبادر فورًا إلى إنكاره، هذا لا يجوز، هذا غير صحيح، يا أخي إذا وقفت على المسألة عرفت الأدلة وسألت عنها أهل العلم وإلا تنكر مباشرة هكذا من عندك.
ولذلك أحيانًا يقف الناس من الداعية موقف العداء، قد لا يكو موقف العداء لمجرد العداء والشر في النفس، ولكن يقفون منها موقف العداء لجهلهم بها، لذلك يجب على الداعية أن يوضح دعوته للناس حتى لا يسبب العداوة منهم لدعوته، يعني: بعض الناس يعادون ليس من أجل العداوة أو فيهم شر، وإنما يعادون لأنهم يجهلون حقيقة ما تدعوه إليه، لذلك لا بدّ من توضيح دعوتك، وكثير من الناس سبب صدودهم ومعاداتهم الجهل.
هذه قصتان:
واحد من المسلمين ذهب إلى تركيا، فوجد وهو يمشي في شارع من شوارع تلك البلدة وجد أصوات وضوضاء وجلبة وتجمع ناس، فذهب فسأل ما هذا؟
قالوا: هذا مؤتمر أو اجتماع.
لماذا الاجتماع هذا؟
قالوا: عقدنا اجتماع لنسب ونبين مثالب هذا الضال الذي أضل الناس, وفتنهم عن دينهم، وأتى بالبدع.
قال: ومن هذا الرجل؟
قالوا: ابن تيمية. فأمسك هذا الرجل واحدا من هؤلاء الناس الذين مشتركين في هذا الاجتماع، فقال: له هل قرأت شيئًا لابن تيمية؟
قال: لا، ما قرأت شيئًا لابن تيمية.
قال: كيف تحكم على الرجل وأنت لم تقرأ له، وأنت لم تعرف عنه؟ ثم أعطاه نسخة من كتاب العقيدة الواسطية مترجمة باللغة التركية، وأعطاه عنوانه، ثم رجع إلى بلده، بعد فترة وصلت من ذلك الشاب رسالة، يقول فيها بعد السلام والتحية: لقد أطلعت على الكتاب، وقد عرفت الآن لماذا ابن تيمية شيخ الإسلام؟ لأنه جاهل ما يعرف ما قرأ، والناس عادة يتابعون بعضهم، يعني: واحد يطلع إشاعة فلان عدو الله، فلان مبتدع وضال، وواحد يرفع لواء السب والشتم والبدعة يتبعوه.
موقف آخر حصل في الهند: سمعة شيخ الإسلام مجدد الدعوة محمد بن عبد الوهاب في القارة الهندية كانت سمعة سيئة جداً، وبعض الحجاج الذين كانوا يأتون إلى الحجاز، وكان في الحجاز من يعادي دعوة شيخ الإسلام كانوا يرجعون معهم إلى الهند، وإلى سائر أقطار العالم الإسلامي بأفكار سيئة، ومضللة عن الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ما قابلوه، ولا سمعوا منه حتى أن بعض علمائهم في الهند كانوا على الملأ يشتمون الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ويسبونه، فذهب أحد طلبة العلم أخذ كتاب كشف الشبهات، أو كتاب آخر للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ونزع غلافه الذي عليه اسم المؤلف، وطرق باب هذا العالم، أو ما كان موجود فدخل، وجلس ووضع الكتاب على طاولته، وانصرف جاء هذا العالم الذي كان يسب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ويشتمه في المجالس، والملأ، ووجد الكتاب على الطاولة، وبدافع حب الاستطلاع وتعلم العلم فتح الكتاب، وقرأ الكتاب، فوجد كلامًا جميلاً جيداً، ثم أنه سأل من الذي أحضر الكتاب قالوا له: فلان، فلما قابله، قال: يا أخي هذا الكتاب جيد وممتاز، وأنا أتمنى أن أعرف من الذي ألف الكتاب، قال: ألفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي أنت تقول: عنه كذا وكذا، فأصبح هذا العالم من كبار أنصار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في شبه القارة الهندية.
من الدروس المستفادة تواضع العالم:
الرجل الذي يعلم الناس يجب أن يكون متواضعًا، قد يحمل العلم بعض الناس على التكبر على الآخرين بعلمه، يرى أنه أفضل منهم، وأعلا منهم، وأعلم منهم، فيتكبر عليهم، وما يعطيهم وجه حتى لو جاءه واحد يسأله، يقول له: أبعد عني أنا مشغول، فهذا مناف لأدب الشرع.
ولذلك انظروا الخضر رحمه الله لما كان هو وموسى في السفينة، وجاء طائر فنقر في البحر، ماذا قال الخضر؟ قال: يا موسى ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما نقر العصفور في هذا البحر، هذا الكلام لا يصدر إلا عن رجل متواضع، وكذلك من التواضع في طلب العلم نسبة العلم إلى الله حتى لو استنبط إنسان استنباطًا جيدًا، وهذا القول ما سبقني إليه أحد من الناس، وأنا أول من كشفته، وأول من أصدرته، ولم أر هذا الكلام لأحد في كتاب من قبل، ويرجع الفضل في هذا الاستنباط وهذا الكلام لله وحده، هو الذي وهب العقل، فأي شيء تستنبطه بعقلك أساسًا ما أتيت به من عندك، يعني: صاحب الفضل هو الله الذي أعطاك هذا العقل.
كذلك أيها الإخوة لابدّ أن نعرف أن العلم أحيانًا يكون بطريقة شديدة على النفس، ويكون على حساب مشاعر الإنسان وأحاسيسه.
يعني: أحيانًا الواحد إذا تعلم قضية قد يقف في شيء من الذلة، يعني: موقف من الذل لذلك يا إخواني أحيانًا، واحد يخطئ ويقع في مزلة، فيأتي إنسان ويصحح له هذا الكلام قد يكون التصحيح برد على الملأ، يقول له: هذا خطأ الذي ذكرت خطأ، وخصوصًا إذا كان التصحيح لمصلحة شرعية، مثل أن الخطأ هذا أمام الناس، ولابدّ من إنكاره.
الآن إذا تفرق الناس من يصلح لهم الخطأ، الإنكار هكذا أمام الناس على الملأ، قد يجعل الشخص الآخر المتكلم يجد في نفسه غضاضة، كيف يجرح شعوري أمام الناس؟ كيف يخطئني أمام الناس؟ أو يرد عليه مثلاً بكتاب، أو بمقال يرد على خطئه بمقال، وينتشر هذا المقال بين الناس، وهذا الكتاب بين الناس، الآن القضية شديدة على النفس، التصحيح صار على الملأ أمام الناس، التسفيه أمام الناس، ما هو الموقف الصحيح؟
هل الموقف الصحيح أن يصدر هذا الإنسان ردًا على ذلك الرد؟ ويدافع فيه عن نفسه بالباطل؟ وغرضه من هذا الرد إعادة الاعتبار إلى نفسه، وحتى يعني يظهر ويلمع صورته أمام الناس؟ هل هذا هو المطلوب؟
كلا الاعتراف بالحق فضيلة، لا بأس أن يقول في مقال آخر: والفضل لله ثم لفلان الذي نبهني إلى هذا الخطأ، والذي بصرني فيه، والذي وضح لي القضية، بعض العلماء تجد هذا في كتبهم يقول: وقد كنت برهة من الزمن أظن أن القضية كذا وكذا، وأن شرح الحديث الفلاني كذا وكذا حتى نبهني بعض صغار طلبة العلم إلى الموضوع، يبين، هذا تواضع، أما أن يحملنا تخطئة الآخرين الصحيحة تبيان الصحيح، يحملنا على أن نسفه آراءهم، ونجحد فضلهم، ونقول: نحن اكتشفنا هذا بأنفسنا، وأنا اكتشفت القضية من نفسي، وهو ما اكتشفها من نفسه، فهذا من المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور [رواه البخاري: 5219، ومسلم: 2129].
لابدّ أن يكون اتباع الشيخ، والعالم على حسب الشرع.
فلا حجة للصوفية، وغيرهم من الذين يلزمون أتباعهم بأن يسيروا وراءهم، وأعينهم مغمضة، لا يجوز لهم الاعتراض على شيء، هذا كلام خطير جداً، تقول: يا جماعة أنتم عليكم أن تتبعوني، وأنا قائد لكم، ما يجوز أن تعترضوا عليّ، ولا حق لكم في هذا، هذا ضلال لماذا لأننا لسنا أنبياء، ولسنا معصومين قد نخطئ، وقد نصيب.
فالقاعدة الإسلامية: "لا تكون الطاعة إلا بالمعروف" بغير المعروف ليس هناك طاعة، والذين يلزمون متبوعيهم بأن يطيعوهم، ويقولون لهم: إذا أخطأنا الإثم علينا نحن أنتم مالكم شغل، أنتم فقط اتبعونا، هذا كلام خطير، الله في عدة مواضع في القرآن ينعي على الكفار والمشركين أنهم ما عندهم أدلة على كفرهم وعلى مبادئهم: ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الأحقاف: 4]، هاتوا دليل؟ أتبعك على ماذا؟ لابد أن يكون هناك بصيرة، توضح لي الموقف فأتبعك، أما أنك تجرني خلفك بسلسلة، وتقول: أينما ذهبت تذهب ورائي، هذا غير صحيح، هذا مبدأ غير إسلامي، وغير شرعي، وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا [الأحزاب: 67]، يعني: المتبوعين يوم القيامة يتبرؤون ممن تبعوهم، والعكس، أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [الأحزاب: 67].
كذلك لابدّ أن نفهم على العكس من ذلك الوجهة الأخرى من الموضوع، أنه لا يعني هذا الكلام أنك إذا وثقت بإنسان تتعلم منه، وتتلقى منه، ويربيك بالعلم، ولا يعني أنك لا تثق فيه، ولا تسير وراءه، ولا تتبعه، كلا أنت تتبع من هو أعلم منك، لكن عندما يخالف الشرع لا يجوز لك أن تتبعه مطلقًا، تقول له: قف، وتقول لنفسك: قفي، لا تتبع إذا رأيت قضية مخالفة للشرع لا يجوز لك مطلقًا الاتباع.
كذلك محل الثقة بالشيخ إذا لم يخالف الشرع، فإذا خالف الشيخ الشرع فلا يوثق به، ولا يستجاب له.
مراعاة العدد ثلاثة في الشرع
ومن الفوائد في قصة الخضر أيضاً مراعاة العدد ثلاثة في الشرع، العدد ثلاثة ما أقصد مجرد العدد ثلاثة لا أقصد عدد المرات مراعاة العدد الثلاث مرات في الإعذار إلى الناس، وفي انتهاء الأمر، أمثلة من الشرع مثلاً: انظر إلى الطلاق يعني الطلاق الحد الأخير الذي يجب فيه الانفصال ولا رجوع بعده إلا بزوج آخر هو بعد ثلاث مرات، لماذا؟ لأن الأولى والثانية في أمل، لكن إذا وقعت الثالثة طلاق انتهى الموضوع، معناه أن الأمور ما يمكن تستقيم، إذا وصلت المسألة إلى المرة الثالثة بلغ العذر إلى منتهاه، ما تستقيم الأمور بعد المرة الثالثة، خلاص ثلاث مرات انتهى الموضوع.
وكذلك مثلاً في قتل الحية التي في البيت الرسول ﷺ نهى عن قتل الحيات، إذا رأى الإنسان حية في بيته لا يقتلها مباشرة؛ لأنها قد تكون من إخواننا من الجن، فلا يقتلها الإنسان مباشرة، وإنما يقول لها: أخرج عليك بالله ثلاثا لِتخرجي، مثلاً ثلاث مرات متوالية، أو أقسمت بالله عليك لِتخرجي من هذا المكان، أقسمت عليك بالله لِتخرجي، أو أحرج عليك بالله لتخرجي، فإن لم تخرج يقتلها أعذرها، فالعذر بالمرة الثالثة وارد في الشرع كثيرًا، وله أمثلة.
لابد أن يوضح الخطأ بعد كل مرة
النقطة الأخرى المتعلقة بقضية الإعذار: أنه لابدّ لكي يصبح الإنذار إعذارًا لابدّ أن يوضح الخطأ بعد كل مرة، يعني لا يكفي أن الإنسان إذا رأى واحد مثلاً خطأ يقول في نفسه: هذا واحد إذا أخطأ مرة ثانية، يقول في نفسه: هذا اثنين أخطأ ثالثة خلاص انتهى الموضوع، وضح له الخطأ إذا أخطأ المرة الأولى، قل: يا أخي أخطأت، الصواب كذا وكذا، وأخطأ في المرة الثانية توضح له أن هذا خطأ، مثل الخضر في المرة الأولى، قال: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف: 72]، بين له المرة الثانية، قال: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف: 75]، فإذا فعل المرة الثالثة عند ذلك يحصل الإعذار انتهى، لكن ليس إلا بعد التبيين.
أيضاً من فوائد هذه القصة فرح الإنسان بكل علم جديد، ولهفه وشوقه إلى تحصيله.
التدرج في العتاب
يعني: أنت إذا الواحد أخطأ معك وأردت أن تصلح فيه خلل أو عيب ما لا تبادر فورًا، وتنكر عليه بشدة، ارفق به، وتدرج في العتاب أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف: 72]، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ أغلظ من الأولى بقليل، وفي المرة الثالثة: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [الكهف: 78] التدرج في العتاب.
أهمية التربية بالأحداث
وذكرنا أن موسى دفع ثمن الخطأ بدرس عملي، راح وأخذ معه حوت، وأخذ معه خادم، وسافر وذهب، ووجد المشقة، وذهب مع الرجل في السفينة، وعلى الساحل، ونزل في الجانب الآخر، وراحوا إلى القرية، وهم جوعا، ثم إنه وجد هذا الحرج الشديد لما عصى الرجل ثلاث مرات، فموسى ما نال هذه التربية بسهولة جداً، إنما كانت هذه التربية له بأحداث قدرها الله، وساقها وأجراها لحكمة علمها ، ولذلك لا تجد مساواة أبداً بين رجل تربى على الكتب، وتربى على المرئية، والمسموعة بهذه التربية السهلة، لا تجد يساوي في صلابة عوده وفي جودة معدنه، وفي صفاته وأخلاقه، وثباته أمام الحق رجلا آخر عاركته الأحداث وحوادث الحياة، فكانت تربية له، لذلك كان أهل الخبرة مقدم على كلام من سواهم.
لابدّ من مراعاة النسيان، وأن النسيان عذر شرعي.
ولا نحمل إخواننا، ونحمل الناس أشياء فوق طاقتهم لمجرد أنهم نسوا، إلا إذا تبين أن هذا النسيان هذا متكرر في نفس الموضوع، وأنه ليس بنسيان إنما هو إهمال فهذا شيء آخر، لكن لقد نسي الأنبياء، وموسى نسي لما في المرة الأولى اعترض يوشع بن نون النبي الآخر، نسي أن يخبر موسى بأنه قد فقد الحوت، ما أخبره إلا بعد فترة، وأيضاً موسى نسي أن يسأل يوشع عن الحوت، وهذا معنى قول الله : نَسِيَا حُوتَهُمَا [الكهف: 61]، فيوشع نسي أن يخبر موسى بأنه فقد الحوت، وموسى نسي أن يسأل يوشع أين الحوت؟
إذا اشترط المتبوع على التابع شروطًا معينة في عملية تلقيه للعلم هنا فإنه يحق له ذلك.
ويجب على التابع أن يفي بشروطه نحو المتبوع إذا كان الشروط شرعية، مثال: الآن واحد يريد أن يتعلم يدخل مدرسة طيب المدرسة هذه لها قوانين وشروط عندما يسجل اسمه في المدرسة، وينتظم في الدراسة، ماذا يعني هذا الكلام؟
يعني: أنه قد وافق ضمنيًا على أن يعمل بهذه الشروط ما دام رضي أن يتعلم في المدرسة، ويواظب على المدرسة هذا يعني أنه لا يحق له الخروج على أنظمة وقوانين المدرسة ما دام أنها شرعية، ولذلك يجوز للشيخ أو العالم أو القدوة أن يشترط على الآخرين في اتباعهم له شروطًا شرعية، وهم ملزمين إذا ساروا معه بأن يلتزموا بهذه الشروط، مثلما التزم الخضر الشرط على موسى، قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا [الكهف: 70]، وافق موسى وسار معه على هذا الأساس، لذلك ليس محقًا عندما اعترض موسى على الأشياء هذه التي اعترض عليها.
لذلك -أيها الإخوة- تجدون الآن في حلقات المشايخ والعلماء تجد مثلا أن الشيخ ابن عثيمين أو الشيخ ابن باز أو غيرهم من المشايخ عندما يعلمون أو يلتزم معهم بعض طلبة العلم في الدراسة الشيخ إذا وجد واحد غير هؤلاء غير حافظ ما حفظ المتن اليوم يلومه على تقصيره، أو واحد يتغيب يقول له: إما أنك تلتزم، وإما تصبح مثل غيرك، تجلس في الآخر، ليس حق الدخول في مناقشات نفس هذه الجلسة، وليس لك ميزات مثل ما للآخرين، إما أن تلتزم معنا فداوم معنا كل يوم، تأتي وتحفظ الذي عليك في المتن، أو تقرأ الواجب الذي أملي عليك، وإلا مالك حقوق مثل الآخرين، أو مزايا مثل الآخرين، فهم ينكرون على هذا، فنقول هذا الشيء شرعي، هذه الاشتراطات ما دام أنها مشروعة، فالالتزام بها حق ويجب الوفاء.،
كذلك أيها الإخوة هذا الدرس ساقه ابن حجر رحمه الله يقول يجب التأني في الإنكار يجب التأني على الإنكار أو عن الإنكار في الأمور المحتملات، يعني القضية تحتمل أن تكون حق وتحتمل أن تكون باطل، يحتمل أن يكون فيها وجة صحة أو أن تكون خطأ لا تتسرع بالإنكار وتنكر انتظر حتى يتبين لك الأمر ثم بعد ذلك ... علمًا في كتاب علم خاطئ أو أداء على الناس بأي وسيلة أو نشر مقالة أو بحثًا فعند ذلك الإنكار عليه والتشهير به لا يعتبر محرمًا ما دام ضمن دائرة المصلحة الشرعية، فلابد من تحذير الناس من المبتدعين وأهل البدع والكتب التي فيها أخطاء وفيها مثلًا أحاديث ضعيفة وموضوعة كثيرة أو فيها خلل في العقيدة أو فيها مفاهيم منحرفة لابد من التبيان لهذا، قد يقول واحد يا أخي هذا المؤلف رجل فاضل ورجل عالم وله كذا وكذا سنة في ميدان العمل الإسلامي وقد أوذي في الله فصبر و ..و.. إلى، نقول يا أخي إن الصبر على الأذى في سبيل الله طيب، واحتمال المشقة طيب، والدعوة إلى الله أمر طيب، لكن هذا لا يعني أننا نسكت عن أخطاء الرجل وأننا لا نبين للناس الانحرافات وأننا نسكت وهذا العلم ينتشر وهذه الكتب تباع وهذه تنتشر بين الناس، لا،
لذلك أيها الإخوة مثل مثلًا رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد متمثلة في العلماء الأجلاء يحذرون الناس في كثير من الأحيان من بعض الكتب وتمنع بعض الكتب من السوق، لماذا؟ لأن فيها ضرر على عقول العامة، فبأي وسيلة انتشر هذا الكتاب أو انتشر مثلًا شريط أو انتشرت أفكار منحرفة يجب أن يقال فلان أخطأ ولا عيب في هذا، وهذا ابن عباس القدوة الصحابي أنكر على نوف البكالي، بل إنه يعني غلظ عليه في الإنكار، لأنه خالف شيئًا في القرآن الكريم وخالف شيئًا أخبر به الرسول ﷺ، كذلك أيها الإخوة لابد أن تكون من الدروس المستفادة من قصة الخضر، لابد أن تكون لابد أن تكون الشخصية المسلمة معروفة بين الناس، لابد أن يكون الإنسان المسلم متميز بأخلاقه وعقيدته وعلمه أمام الناس، حتى يعرف صاحب الخير فيؤتى ويسأل ويقتدى به ويتعلم منه، فهذا الخضر عليه السلام لما هو كان ماشي على ساحل البحر طلب من المساكين أصحاب السفينة أن يحملوه فقال في الرواية فعرفوه فقالوا عبد الله الرجل الصالح عرفوه يعني كان معروف بين الناس، ما كان مندسًا ولا تحت الأرض في سرداب ولا قابع في زوايا الخفاء والاحتجاب عن الناس، كان ظاهرًا أمام الناس بعلمه وعقيدته وأخلاقه فكان قدوة معروف، قالوا هذا الخضر عبد الله الصالح عرفوه يعني كان معروف، فيجب كذلك على الدعاة إلى الله أن يكونوا شامة بين الناس كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، من الفوائد كذلك أن التابع لابد أن يبين استعداده لتحمل المشاق، لما قال يوشع بن نون قال لموسى قال ما كلفت كثيرًا، يعني قال ما هذا الأمر الذي كلفتني ليس بكثير وأنا إن شاء الله سأصبر، ما قال تبغاني أراقب أربعة وعشرين ساعة الحوت وما أنام وأجلس أشوف فين راح وهذا، لا،
فلابد كذلك أيها الإخوة عدم إظهار التثاقل من التكليف، التكليف مثل موسى كلف يوشع قال له حيث فقدت الحوت أخبرني، فيوشع من فقهه في التربية وأنه الآن يتعلم وقد ذهب مع موسى في هذه الرحلة ليرى ويقتبس منه ويقتدي به قال ما كلفت كثيرًا هذا شيء بسيط إن شاء الله وسهل، كذلك مما ذكره ابن حجر رحمه الله: جواز قول العالم للناس اسألوني كما قال ابن عباس للناس اسألوني قال وهذا محل فيما إذا أمن العجب، يعني أمن من أن الناس والله لأن بعض الناس قد يقول سلوني من باب التكبر اسألوني يلا أي شيء أنا مستعد بس منتظر الأسئلة، فهذا إذا أمن من العجب ودعت إليه الضرورة مثل خشية نسيان العلم أو مثلًا أحيانًا الشيخ يكون مهاب فالناس أمامه يكونون من هيبته لا يستطيعون يعني يتحرجون من السؤال، فهو إذا رأى هذا فيهم يقول اسألوني إزالة لهذا الحرج الذي يمنعهم من السؤال، كذلك موسى عليه السلام كما ورد في الرواية يقول الرسول ﷺ ذكر الناس يومًا حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى فأدركه رجل فقال ابن حجر رحمه الله فإذًا يستحب للواعظ إذا أثرت موعظته في السامعين فخشعوا وبكوا ينبغي أن يخفف حتى لا يملوا، مو الواحد إذا شاف الناس يبكون مثلًا يستمر ويستمر يستمر، طيب الموعظة الناس يملوا وهذا البكاء قد لا يعني قد في الأخير يصبح يعني يفقد معناه وقيمته، وأيضًا تواضع موسى عليه السلام لما رآهم تأثروا مشى مباشرة ما جلس ينتظر يعني يشوف كيف الناس متأثرين وكيف جالسين جالس الآن ينتظر ويشوف هل الناس هذا كيف جالس يبكي وهذا كيف جالس يتأثر وهذا كذا، لا، لما أدى الغرض وحصل المطلوب وخشع الناس وسالت العيون ورقت القلوب مشى، أدى اللي عليه ومشى، لا ينتظر من الناس إحسانًا ولا شكورًا، كذلك دفع أشد الضررين بارتكاب أخفهما، فقلع ألواح من ألواح السفينة ضرر لكن أن يأخذ الملك هذا الظالم يأخذ السفينة غصبًا ضرر آخر أكبر، فالخضر عليه السلام قلع اللوح مع أنه ضرر درءًا للضرر الذي هو أكبر منه وهو أن يستولي هذا الغاصب على السفينة، كذلك لو أن إنسان مثلًا والي ظالم أو قاضي جائر أراد أن يستولي على مال يتيم فولي هذا اليتيم قال أنا أعطيك جزء من المال يعني قال أعطيك كذا يعني تمشي الأمور حتى لا يستولي عليها مثلًا هذا الظالم فيجوز طيب دفع جزء من المال هذا ضرر وظلم لكنه لحفظ باقي المال ضرر آخر، وما أعظم الفتوى التي أفتى بها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عندما قيل له إن التتار قد تترسوا بالمسلمين، التتار لما جاءوا يغزوا مدن المسلمين خديعة وضعوا أمامهم مسلمين، طيب المسلمين الذين في الحصون والقلاع وعلى أسوار المدينة الأخرى إذا أرادوا أن يضربوا التتار بالسهام أين ستقع السهام طيب يقتل المسلم، قتل المسلم من أكبر الكبائر، إذا امتنعوا عن رميهم وعن رشقهم وعن قتالهم ماذا سيحدث؟ سيدخل التتار ويكتسحوا المدينة، فقال ابن تيمية رحمه الله: يموت ثلث المسلمين فداء لثلثي المسلمين، يعني حتى لو وصل الأمر إلى أن يقتل الثلث لكي يحيا أو يعيش وينقذ الثلثين الآخرين فهذا جائز، تصور وكل الناس كانوا قد أحجموا عن الفتوى بهذا إلا ابن تيمية رحمه الله من الناس الذين أنار الله بصائرهم قال يموت ثلث المسلمين فداء لثلثي المسلمين، طيب كذلك أيها الإخوة إن الله يعين من يذهب في سبيله، إن الله يعين من يذهب في سبيله،
فإذا ذهب الإنسان في سبيل الله لغزو أو حج أو عمرة أو رحلة في طلب العلم الله عز وجل يعينه، فلما ذهب موسى لميقات ربه ما نقل أنه أصابه النصب والإعياء والتعب، لكن لما خرج موسى من أرضه إلى مدين فارًا بنفسه هاه يعني لقصد أن ينجو بشخصه بنفسه لقي نصبًا وجوعًا إلى آخره، فالله عز وجل يعطي البركة ويطرح البركة في طالب العلم والرجل الذي يذهب في سبيل الله فقد لا يتعب مما يتعب منه غيره وقد لا يجوع ويظمأ مما يجوع ويظمأ منه غيره، كذلك اختيار الرفقة في السفر مثلما اختار موسى عليه السلام يوشع بن نون، اختيار الرفقة الصالحة التي تعين وتذكر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الاستعانة في طلب العلم والصبر عليه بقول موسى عليه السلام: ستجدني إن شاء الله صابرًا ولا أعصي لك أمرًا، كذلك وجوب إنكار المنكر في كل زمان ومكان، صح أن موسى أخطأ في إنكار القتل، لكن قتل النفس أمر منكر، فلابد يؤخذ منه درس الإنكار إذا رأى الإنسان منكرًا، مقابلة الإساءة بالإحسان لما دخل القرية وهؤلاء اللي أبوا أن يضيفوهما ما قال هذا الجدار طيب خليه ينهد بكيفه ما دام القرية ناس ظالمين ما نفعل لهم معروف، فقابل إساءتهم بالإحسان، كذلك حسن الأدب مع الله عز وجل وأن لا يضاف إليه ما يستهجن من الألفاظ، فانظر ولو أن الأشياء كلها بتقدير الله وخلق الله من الشر والخير، الله عز وجل هو الذي خلقه وقدره، لكن مثل إبراهيم عليه السلام لما قال: الذي خلقني فهو يهدين والذي يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين، ما قال وهو الذي يمرضني ويشفين، قال وإذا مرضت، لأن المرض شر في ظاهره، كذلك هنا الخضر عليه السلام كان مؤدبًا مع ربه فقال: فأردت أن أعيبها، في خرق السفينة، لكن لما جاء على الغلام قال: فأراد ربك أو على الحائط: فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما، في قلع السفينة الشر قال فأردت أن أعيبها، هناك قال فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك، كذلك أيها الإخوة انتفاع الآباء بصلاح الأبناء، فإن هذا الرجل كان وكان أبوهما صالحًا، كان أبوهما صالحًا، صلاح الأب تعدى إلى الأبناء فقيض لهذين الولدين اليتيمين من يحفظ مالهما من الضياع والتلف واللصوص إلى آخره، وكذلك الخبر لا كالمعاينة فإن موسى مع أن الخضر اشترط عليه ذلك، لكن وفي البداية وافق وتحمس،
لكن بعدين لما جاءت الأمور على حقيقتها هاه نسي أشياء، لما موسى عليه السلام أوحى الله إليه لما ذهب لميقاته قال إنا فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري، موسى معه الألواح ما فعل شيء ذهب غضبان أسفًا، لما ذهب ورأى بعينه أن قومه عبدوا العجل ألقى الألواح وتكسرت، طيب موسى ما كان مصدق أن الله لما الله أخبره أن قومه عبدوا العجل ما كان مصدق، بلى كان مصدقًا، لكن لما رأى بعينه صار الموضوع شيء آخر، لذلك أيها الإخوة مثلًا يبلى الإنسان بأن مثلًا ابنه قد مات وهو مثلًا بعيد يحزن وكذا، لكن عندما يأتي ويرى جثة ولده أمامه تكون القضية مختلفة، لذلك يقول الرسول ﷺ في الحديث الصحيح: الخبر لا كالمعاينة، الخبر لا كالمعاينة، لما تعاين الشيء بنفسك غير لما تسمع عنه سماعًا، كذلك استخدام وسائل الإيضاح في عرض الدعوة وتوضيح الأفكار للناس وعرض المفهومات الإسلامية مثل ما استغل الخضر عليه السلام العصفور هذا الذي نقر في البحر، الآن ممكن كان يقول لموسى أن علمي وعلمك في علم الله ولا شيء، لكن استغل هذا العصفور هذه الصورة فشرح لموسى هذه القضية بهذه الصورة من الإيضاح، كذلك جودة الاعتذار لما قال يوشع بن نون: إني نسيت الحوت اعترف بالخطأ، وما أنسانيه إلا الشيطان، وموسى عليه السلام كذلك كان كان يعني كان مسلم للعزيز لما قال له خذ حوتًا، ما قال له حوت كبير واللا صغير، أبيض واللا أسود، كم وزنه وكم طوله وكم عرضه وفين مكانه ومن فين أصيده ومن أين ائت به، ما فعل مثل ما فعل بنو إسرائيل تأمل الفرق بين موسى في الحوت وبنو إسرائيل في البقرة، ومنه رفق التابع بالمتبوع لما يوشع قال لا أريد أن أوقظ موسى عليه السلام رفق به تعبان، مع أن يوشع أيضًا تاعب، لكن رفقًا بسيده أو بمتبوعه وقدوته جعله ينام ويستريح حتى يخبره فيما بعد، كذلك أيها الإخوة أخيرًا لابد أن طلب العلم ليس بالأمر السهل، لابد أن يكون فيه شدة، لابد أن يكون فيه نصب، لابد أن يكون فيه لأواء، لابد أن يكون فيه تعب، مثلما حدث لموسى عليه السلام، وكما قال بعض السلف يعني هذا ربيعة ربيعة شيخ مالك ربيعة باع خشب سقف بيته من أجل طلب العلم، وقال أبو يوسف الفقيه المعروف قال يعني لا يحصل العلم إلا من دبغ اللبن قلبه، وفي رواية: من أحرق اللبن قلبه، قال وذلك أن أبا العباس لما تولى الخلافة أتى بالعلماء من المدينة فصار اجتمع العلماء في مكان معين صار طلبة العلم عندهم همة للسؤال والبحث والذهاب إلى العلماء، قال فصار أهلنا يلطخون لنا الخبز باللبن يعني شيء مستعجل لكي يأكلوه ويذهبوا بسرعة لكي يتعلموا، قال أبو يوسف أما من كان ينتظر أن تصنع له عصيدة أو هريسة فما كان يحصل الذي حصلناه، هذا ما تيسر أيها الإخوة من بعض الفوائد والعبر، نسأل الله عز وجل أن يكون فيها الفائدة ويكون فيها الخير، وأن يجعل في هذه السير سير الأنبياء والصالحين يجعل فيها يعني دروس وعبر لنا وأن تكون مؤثرة لا أن تتلى هكذا فتنسى ولكن تكون مؤثرة.