الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

34- قصة أصحاب الجنة


عناصر المادة
نص القصة
المعنى الإجمالي للقصة
الدروس والعبر المستفادة من القصة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:

نص القصة

00:00:13

فمن قصص القرآن العظيم قصة أصحاب الجنة التي قال الله فيها: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ۝ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ۝ وَلَا يَسْتَثْنُونَ ۝ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ۝ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ۝ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ ۝ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ ۝ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ۝ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ۝ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ ۝ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ۝ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ۝ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ۝ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ۝ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ۝ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ۝ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ۝ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ۝ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ۝ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ۝ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ۝ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ۝ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ۝ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ۝ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ ۝ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ [القلم: 16-41].

المعنى الإجمالي للقصة

00:01:22

هذا المثل الذي ضربه الله تعالى لكفار قريش، ولكل إنسان أعطاه الله نعمًا من المال، والولد، والصحة، والعمر، ونحو ذلك، ثم حمله هذا على الأشر، والبطر، والبخل، ومعصية الله ، ومحاربته، ولم يؤد حق الله فيما أنعم عليه، فإن عذاب الله له بالمرصاد؛ لأنك كلمة العذاب إذا حقت وقعت، فيمحق الله النعمة، ويسلبها من صاحبه إياها، هذا غير ما ينتظره يوم القيامة من العذاب الشديد، إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ [القلم: 17].
إذًا هناك ابتلاء، واختبار كل صاحب نعمة يجب أن يعلم بأنه مبتلى، ومختبر من الله بهذه النعمة، سواء كانت مال، منصب، زوجة، أولاد، صحة، عمر، بيت، استقرار، أمن، وهكذا مكانة اجتماعية، إذًا هي ابتلاء، ما أعطيتها إلا وأنت مختبر ممتحن، كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ[القلم: 17]، البستان العظيم المشتمل على ألوان الثمار والفواكه، لقد أينعت أشجارها، وزهت أثمارها، وحان وقت صرامها وقطافها، وجزموا أنها في أيديهم، وطوع أمرهم، وأنهم مستحوذون عليها، ليس هناك مانع يمنعهم -في ظنهم- منها، ولذلك أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ [القلم: 17]، حلفوا ليقطعن ثمارها في الصباح الباكر، لماذا يريدون التبكير بقطع الثمار؟
لئلا يعلم بهم الفقير والسائل؛ ولكي يستحوذوا على الثمر كله، ولا يتركوا منه شيئًا، ولم يعلموا أن الله لهم بالمرصاد، لدرجة أنهم لا يستثنون، وَلَا يَسْتَثْنُونَ [القلم: 18]، لم يقولوا: إن شاء الله فيما حلفوا عليه، بل عزموا على الفعل، وهكذا فإنهم لم يستثنوا في الحلف، ولم يستثنوا فقيرًا ولا مسكينًا من المنع، إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ۝ وَلَا يَسْتَثْنُونَ [القلم: 17-18]، لا يستثنون أحدًا من المستحقين، لو كان فيهم خير لقالوا: سنأخذ الثمار إلا ما نعطيه أصحاب الحاجات، إلا ما خصصناه للفقراء، لكن لقد استقر رأيهم على أن يقطعوا الثمار في الصباح الباكر دون أن يستثنوا شيئًا للمساكين، وهنا حلت العقوبة، أليس قد عزموا على المعصية؟ بيتوا الأمر بالليل، بيتوا الجريمة، خططوا لها، فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ [القلم: 19]، ما هو هذا الطائف؟ آفة سماوية، عذاب نزل من السماء من الله ، أتى ليلاً، وَهُمْ نَائِمُونَ [القلم: 16]، والطائف بلغة العرب لا يكون إلا ليلاً، فإذا قال: فَطَافَ عَلَيْهَايعني: بالليل، وَهُمْ نَائِمُونَمستغرقون في سباتهم، غافلون عن مكر الله بهم، فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ [القلم: 20]، كالليل الأسود في احتراقها، وكالبستان الذي قطع ثماره فلم يبق منه شيء، كَالصَّرِيمِ مصروم، فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ [القلم: 21] على حسب اتفاقهم السابق، وهم على الخطة سائرون، ونادى بعضهم بعضًا ليذهبوا إلى الجذاذ والصرام وقطع الثمار، فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ[القلم: 21]، هلموا، هيا لنذهب، أَنِ اغْدُوا [القلم: 22]، اخرجوا غدوة أول النهار، عَلَى حَرْثِكُمْ [القلم: 22]، بستانكم، إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ [القلم: 22]، تريدون جني ثماره، إن كنتم عازمين على رأيكم، وصارمين فيما أردتموه، فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ[القلم: 23]، يتناجون فيما بينهم بحيث لا يُسمعون أحدًا كلامهم، مسرين بالكلام خوفًا من أن يصل الخبر إلى أسماع الفقراء، ولكن وصلت هذه المخافتة، لقد علم الله خبرها، يعلم السر وأخفى سبحانه، كيف يخفى عليه هذه المخافتة؟ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ [القلم: 23].
يتواصون فيما بينهم بحرمان الفقراء، يتواصون فيما بينهم ويتعاهدون بألا يبذلوا منها شيئًا لله، انظروا إلى هذه الجريمة ما أبشعها، انظروا إلى هذه النية السيئة ما أعظمها وأسوأها، فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ۝ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ [القلم: 23-24].


هذه هي الخطة اليوم، ولا واحد ولا مسكين لا تمكنوا فقيرًا يدخل عليكم، سنغلق علينا ونقطف الثمار، ولن نعطي أحدًا منها شيء، البخل ومنع حق الله في الثمرة، ومنع الفقراء من نصيبهم، ولذلك أمرنا الله بقوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام: 141] لقد انطلق هؤلاء النفر، وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ [القلم: 25] جد، وقصد، وغيظ، وغضب، وقوة، وشدة، وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ [القلم: 25] على إمساك ومنع لحق الله، هذه النفوس المريضة المملؤة بالغصب والغيظ لا يمكن أن تعطي الآخرين شيِئًا، وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ [القلم: 25] في زعمهم، وفي ظنهم أنهم سيستطيعون، وأن المساكين لن ينالوا شيئًا.
وعندما وصلوا إلى المكان، ونظروا فيه ظنوا أن العنوان خطأ، فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ [القلم: 26] فلما أشرفوا عليها، وإذا هي محترقة سوداء، اعتقدوا أنها أخطؤوا الطريق، سلكوا طريقًا غير الطريق المعتاد، ليست هذه جنتنا، ولا هذا بستاننا، ليس هذا مكاننا، ليس هذا الذي نعرفه، هذا يختلف تمامًا، إذًا نحن ضللنا الطريق، إِنَّا لَضَالُّونَ لكن لما تأكدوا، ونظروا، ورجعوا، وفكروا، فإذا هي هي، هذا هو المكان، ولذلك اكتشفوا الحقيقة فقالوا: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ [القلم: 27] حرمنا الله جنتنا بعزمنا على المعصية، اكتشفوا الحقيقة الهائلة، وماذا حصل في الليل، وأدركوا أن الله انتقم منهم، وهنا سيرجع بعضهم باللوم على بعض، ويظهر الأسف والحزن، وتعلو الكآبة الوجوه لحجم الكارثة.
قَالَ أَوْسَطُهُمْ [القلم: 28] أعدلهم وأخيرهم إن كان فيهم خير، الناس يتفاوتون في الشرور كما يتفاوتون في الخير، فقال أحسنهم حالاً أوسطهم، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة: 143] يعني: خيارًا عدولاً، قَالَ أَوْسَطُهُمْ أفضلهم، أقلهم سوءًا، أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ [القلم: 28]، لولا تستثنون، والاستثناء هو قول: إن شاء الله، وقيل: إن استثناءهم في ذلك الزمان كان تسبيحًا، وقيل: معناه فهلا سبحتم الله، وشكرتموه بإعطاء الفقراء، أو هلا نزهتم الله عما لا يليق به عندما ظننتم أن قدرتكم تامة، وأنه لا يقدر عليكم، هلا سبحتموه واعتقدتم أنه يقدر عليكم بدلاً من أن تظنوا أنه لا يقدر عليكم، وأنكم ستفعلون ما تريدون بلا شك ولا ريب ولا استثناء؟ هلا جعلتم مشيئتكم تابعة لمشيئة الله بدلاً من أن يجري عليكم ما جرى؟ هلا تذكرتم الله، وتبتم إليه من خبث نيتكم؟ هل يمكن أن يكون هذا الشخص مخالف لهم في النية؟ أو أنه نهاهم فعصوه؟ أو أنه رجع كان أقلهم سوءًا؟ فالله أعلم.


قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [القلم: 29]، أقروا على أنفسهم بالظلم، وسبحوا الله، واعترفوا بذنبهم حين منعوا المساكين، بعدما نزل بجنتهم العذاب الذي لا يرفع، إن تسبيحهم هذا وإقرارهم على أنفسهم بالظلم يمكن أن ينفعهم في تخفيف الإثم، ويمكن أن يكون توبة، لكن لا يرفع عذاب الدنيا الذي نزل.
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ [القلم: 30] بعد الندامة العظيمة التي حصلت يتلاومون، كل واحد يلقي بالخطإ على الآخر، كل واحد يتهم الآخر، وهكذا يحصل بين المجرمين عندما يسقط في أيديهم، عندما يحاصرون، عندما يعثر عليهم، عندما يواجهون الموقف الصعب، كل واحد يرمي على الآخر القضية.
قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ [القلم: 31]، اعترفوا بالذنب، لقد اعتدينا، وبغينا، وطغينا، وجاوزنا الحد حتى حل بنا ما حل، عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ [القلم: 32]، رغبوا في بدلها في الدنيا، أو احتسبوا ثوابها في الآخرة، إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ، بالعفو عما فرطنا فيه، والتعويض عما فاتنا، إذًا هؤلاء القوم بعدما حلت بهم المصيبة رجعوا إلى أنفسهم، ورجعوا إلى الله، واعترفوا بالذنب، ورغبوا إلى الله بالتعويض، عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا، وربما يكون العذاب نعمة، ربما تكون المصيبة في الدنيا إذا حصلت للواحد من الناس نعمة من جهة أنها ترده إلى صوابه، وتعيده إلى طريق الحق.
قال الله تعالى: كَذَلِكَ الْعَذَابُ [القلم: 33]، هكذا عذاب الله الدنيوي لكل من خالف أمره، ومنع الحقوق، وبدل نعمة الله كفرًا، هذه عادتنا في الانتقام من العصاة والطغاة في الدنيا، ولكن الآخرة أشد، وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [القلم: 33]، هذه القصة نحن لا نعلم من الآيات أين حصلت؟ وما أسماء الأشخاص؟ وما اسم المنطقة؟ وما اسم البلد؟ هل كانت في اليمن؟ هل كانت في الحبشة؟ هل كانت في أهل الكتاب؟ هل كانت في غيرهم؟ هذا لا يهم، المهم هو أخذ العبرة والعظة والاعتبار، أما التعويل على روايات إسرائيلية، وقصص لا تعرف صحتها، فما الفائدة منها، فليفكر المسلم، ويركز على المهم في الموضوع أخذ العبرة.

الدروس والعبر المستفادة من القصة

00:15:16

من عبر القصة:
أن من فر وجوب الزكاة بالحيلة، فإن الزكاة لا تسقط عنه، ووجه ذلك من القصة أنهم لما قصدوا بقطع الثمار إسقاط حق المساكين عاقبهم الله بإتلاف الثمار، إذًا لو أن شخصًا على سبيل المثال منع حق الله، ثم تاب بعد مدة، قال: أنا ما زكيت سنوات هل تسقط عني الزكاة بالتوبة؟ هل التوبة تسقط عني الزكاة؟
نقول: كلا الزكاة حق لله تعالى في المال، وحق للمستحقين، فلا تسقط، ولو تاب الإنسان ما دام مسلم يجب عليه أن يزكي، يخرج الزكاة عما مضى، من التوبة أن يعيد الحق إلى نصابه، أن يخرج الذي كان ممنوعًا من قبل.
اتصل واحد رجل أعمال كبير من جنيف على مدير أعماله في البلد هنا، قال: حسبت الزكاة كم علينا؟ قال: حسبناها طلعت خمسة وأربعين مليون، قال: أخرج خمسة مليون فقط، فإذًا بعض الناس إذا رأوا الزكاة كثيرة هالهم الأمر، وعدلوا عن إخراجها، وربما أخرجوا فتاتًا ليعبروا به القضية، ويمشوا به الحال كما زعموا، لكن ويل لهم من عذاب يوم أليم، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر: 14]، لا يعزب عنه شيء، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ [الأنعام: 59]، فكيف سيضيع عليه هذا الرقم الذي منعه صاحبه.
أخذ بعض العلماء من هذه القصة كراهة حصاد الثمار بالليل، كراهة الجذاذ بالليل، قالوا: لأجل الفقراء حتى لا يذهب بالنصيب، والفقراء نائمون، فاحصد بالنهار حتى يمروا عليك، فيأخذوا حقهم، وجاء هذا في حديث رواه البيهقي "أن النبي ﷺ نهى عن الجذاذ بالليل". [سنن البيهقي: 7760، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 2393].
ليس لأن الجذاذ بالليل في حد ذاته محرم، لكن لما يؤدي إليه من إخفاء المحصول عن الفقراء، عدم رؤيتهم للثمار، ولذلك فإن الإنسان إذا كان عنده مزرعة، أو بستان، وأراد أن يحصد بالنهار، ولا يحصده بالليل، لماذا أوصى النبي ﷺ عماله الذين يرسلهم لجلب الزكاة أن يبقوا لأهل المزارع الربع، أو الثلث، هم الآن يذهبون لتحصيل الزكاة ويجمعونها من الزكاة لبيت المال، ثم توزع، لكن أوصاهم النبي ﷺ أن يتركوا لأهل المزارع يتركوا لهم الثلث، أو ربع ثمر الزكاة، لماذا لأن هذا صاحب المزرعة لا يخلو أن يكون له أقارب فقراء، يمر به مساكين محتاجين يسمع بعض الناس أنه سيحصد الثمر، فيأتونه، فلكي يكون له نصيب هو يوزعه من زكاته للمارين، والمحتاجين، والسائلين، والأقارب، والفقراء، فيبقى له الربع أو الثلث، فإذًا هو إذا حصد بالنهار، وأخرج النسبة، وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام: 141].


فيما سقت السماء العشر، فيما سقي بالآبار والحفر والمجهود نصف العشر، وإذا كان بعضه بماء السماء، وبعضه بالآبار المحفورة، والنفقات، والمجهود ثلاثة أرباع العشر العدل في أخذ النسبة على حسب التعب.
نلاحظ أن نسبة الزكاة تؤخذ على حسب التعب، إذا واحد حصل على كنز فجأة من أيام الجاهلية، ما كان على البال حفر ووجده كم يخرج؟ الخمس في الركاز الخمس [رواه البخاري: 1499، ومسلم: 1710]، لكن الزرع الذي يتعب عليه نصف العشر، والذهب والفضة ربع العشر، خمسة وعشرين في الألف، اثنين ونصف في المائة.
في هذه القصة تحذير كل صاحب نعمة أنه مبتلى، فعليه أن ينظر ماذا وراء الابتلاء، إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ [القلم: 17]، في هذه القصة تسلية للمؤمنين، بأن ما يرونه عند المشركين من الثروة والنعم ابتلاء، وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: 35]، ليس لأن الله يحبهم، ولا لأنه راض عنهم، وإنما يعطيهم يبلوهم، واحد ذهب إلى بلاد أوروبا ورجع، قال: أمطار، أشجار، خيرات، خضار أينما اتجهت، نحن كله صحراء قاحلة، ابتلاء، أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ۝ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ [المؤمنون: 55-56]، وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً  [الأنبياء: 35]، فإذًا الله من حكمته أنه يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، لكن لا يعطي الآخرة إلا من يحب.
وهذه القصة في سورة مكية مخاطبة لقريش، كأنه يقول لهم: إن كفرتم منعت عنكم الثمر، وعاقبتكم بذهاب الرزق، ونحن نعرف أن النبي ﷺ لما أبطؤوا عليه في الإسلام ثلاثة عشر سنة في مكة ما في نتيجة تذكر من قريش إلا هؤلاء النفر القلة الذين أسلموا، حتى قرر أن الجلوس عندهم ليس مجديًا.


فروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: إن رسول الله ﷺ دعا قريشًا إلى الإسلام فأبطؤوا عليه، فقال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم سنة" يعني: قحط، وجدب، فحصت كل شيء، استأصلت كل شيء حتى أكلوا الجلود، والميتة، والجيف، وينظر أحدهم إلى السماء فيرى الدخان من الجوع، فأتاه أبو سفيان -وكان مشركًا- فقال: يا محمد إنك تأمر بطاعة الله، وبصلة الرحم، وإنك قومك قد هلكوا فادعوا الله لهم" [رواه البخاري: 4774]، يعرفون أن دعاءه مستجاب، لكن معرضون.
القصة هذه فيه فائدة مهمة: وهي أن العزم والتصميم على المعصية يعاقب عليه الإنسان ولو ما فعله، فإذا قال قائل:  أليس من هم بالسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة؟
نقول: نعم إذا كان لم يعملها لله، من هم بسيئة فلم يعملها [رواه البخاري: 6491، ومسلم: 131]، لأنه خاف من الله وما عملها، وواحد قعد بين رجلي المرأة، ثم قام، قالت له: اتق الله، قام مشى ما فعل الفاحشة، هذا يؤجر، فإذا قال: الذي لا يعمل السيئة أليس أنه لا تكتب له سيئة؟ نعم، إذا كانت مجرد خاطرة، مجرد فكرة، شيء عابر، خطرت بباله معصية لا يأثم عليها إذا ما فعلها، لكن الحسنة إذا هم بها يؤجر عليها ولو ما فعلها، هذا التصميم والعزم إذا وصل له الواحد في المعصية يعاقب عليه، وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ [الحج: 25].
يعني: مع أنها إرادة لكن لما وصلت إلى هذه المرحلة يعاقب، ما معنى؟ إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار، القاتل عرفنا جريمته، والمقتول قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه [رواه البخاري: 31، ومسلم: 2888]، هذا إذًا متى يأثم الإنسان؟ إذا وصل إلى مرحلة العزم والتصميم.
ثم المعصية من أسباب العقاب الدنيوي، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى: 30].
وهذه القصة نأخذ منها الثبات على الحق وإن كثر المخالفون، يجب حتى لو كانوا إخوة وقالوا: نمنع الفقراء، يقول: لا يصمد الواحد أمامهم، يقولون له: أجر على مكان ربوي، نقول: لا تصمد، لا ممنوع، أنا لا أرضى أخرج منكم، اعزلوا نصيبي، ما يرضى الإنسان أن يكون مع مجموعة سيئة ورفقة على المعصية.
ونلاحظ أن الاعتراف بالذنب كان  في مصلحة هؤلاء، وأن الإنسان مسلم عليه أن يعترف بالذنب إلى الله، وليس للبشر كأصحاب الكنيسة، وإنما كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون [رواه الترمذي: 2499، وحسنه الألباني صحيح الترغيب: 3139].
نسأل الله أن يجعلنا هداة مهتدين، وأن يجعلنا من التائبين المنيبين المخلصين، وصلى الله على نبينا محمد.