الثلاثاء 10 رمضان 1445 هـ :: 19 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

21- قصة أصحاب القرية


عناصر المادة
نص القصة
المعنى الإجمالي للقصة
الدروس والعبر المستفادة من القصة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:

نص القصة

00:00:15

فمن قصص القرآن الكريم التي قصها الله علينا ما جاء في سورة يس في أصحاب القرية الذين قال الله تعالى عنهم: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ۝ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ۝ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ۝ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ۝ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ۝ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ۝ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ۝ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ۝ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۝ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ۝ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ۝ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ۝ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ۝ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ۝ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ۝ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ۝ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [يس: 13-30].

المعنى الإجمالي للقصة

00:02:10

هذه القصة التي ضربها الله مثلاً، وقال لنا في كتابه العزيز: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا [يس: 13] يا محمد ﷺ لقومك الذين كذبوك في قصة أصحاب القرية، أن لهم شبهًا بأهل مكة في الغلو بالكفر، والإصرار على تكذيب الرسل، طبق حالهم بحالهم، وشبه هذا بهذا، وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ۝ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا [يس: 13-14]، أرسلنا إليهم رسولين، فبادروا بالتكذيب، فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ[يس: 14] قوينا أزرا الرسولين الأوليين، وشددنا أزرهما برسول ثالث اعتناء من الله بهم، وإقامة للحجة على قومهم بتوالي الرسل، فَقَالُوا [يس: 14] أي: هؤلاء المرسلون لأهل القرية إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ [يس: 14] هذه القصة قال فيها بعض العلماء: إن هؤلاء رسل من الله للقرية.
وقال بعضهم: إن هؤلاء رسل من عيسى إلى قرية أنطاكية؛ لكي ينذرهم بأس الله، وعذابه، ويحذرهم من بطشه ، وهؤلاء لما جاؤوا إلى القرية وأخبروا الناس عن حقيقتهم، وأنهم مرسلون من الله على ما هو الراجح، رسل من الله ثلاثة في قرية واحدة، استغرب القوم هذه البعثة، قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا [يس: 15]، وهذه كانت حجة كثير من المكذبين للأنبياء المرسلين إليهم، يقولون: مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ[يس:15].
هل كونهم بشر يمنع أن يؤتيهم الله علمًا وحجة؟ هل كونهم بشر يعني بأنهم لا يطاعون؟ هل كونهم بشر يعني بأنهم غير صادقين؟ هل الناس يريدون ملائكة من السماء؟ قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا [التغابن: 6]، يستعجبون ويستنكرون ذلك، قال قوم آخرون: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا [إبراهيم: 10]، قالوا أيضاً: وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ [المؤمنون: 34].
إذًا النتيجة: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا [الإسراء: 94]، فهؤلاء يقولون:  مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا [يس: 15] هذه حجتهم في تكذيب الرسالة، هذه حجتهم في دفع الحق، هذه حجتهم التي يجعلونها طريقًا وذريعة للتكذيب بالرسل، وعدم اتباع الذين أرسلهم الله ، وهنا نلحظ إصرار الرسل على هداية القوم، والتأكيد على الحقيقة، قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ [يس: 16] الله يعلم أنا رسله إليكم، ولو أننا كنا كذبة لانتقم منا أشد الانتقام، لكن ها هو أعزنا وأرسل لكم ثالثًا معنا، ونصرنا بهذا الرسول الذي بعثه أيضاً، وستعلمون لمن عقبى الدار، وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [يس: 17].


الداعي عندما يخاطب القوم ينبغي أن يقول لهم: إنه لا يريد منهم جزاء ولا شكورًا، وأنه لا يريد منهم مالاً، ولا يسألهم عليه من أجر، وأنه لا يريد فقط إلا الإصلاح، إلا النصيحة، وليس عليه هدى القوم، لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ[البقرة: 272].
وأن الله إن كان يريد أن يغويهم هو ربهم، قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ۝ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [يس: 16-17] في البداية،  فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ  [يس: 14]، الثانية: إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ [يس: 16]، فلام التوكيد أضيفت لأن الجحود لا بد أن يقابله من الداعية مزيد من الإصرار على التأكيد والتأكيد على الحقيقة، قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ۝ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ[يس: 16-17]، لكن أهل القرية قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ [يس: 18] تشاءمنا بكم، وهذا من عادة الجهال أن يتشاءموا بما كرهوه، وأنهم يجعلون النعمة نقمة، انظر إلى هذه القضية العجيبة، يجعل قدوم الرسل عليهم النعمة العظيمة، الهداية، البركة، الخير، العلم، البيان من الله يجعلونه شرًا، ويتشاءمون به، ويقولون إنا تطيرنا بكم، وهذا من الخذلان، وعدم التوفيق، نعوذ بالله من هذا المصير، والقضية متكررة عند الكفار، يعني: الواحد إذا استعرض منهج الكفار عبر القرون، وما واجهوا به أقوامهم سيجد تكررات، وتشابهات كبيرة؛ لأن الشيطان يدفع هؤلاء وهؤلاء، ويوحي إليهم زخرف القول غرورًا، والشيطان يريد أن يضلهم، فالحجج تجدها متشابهة، يعني: مثلاً الاحتجاج بالبشرية، أو تكذيب الرسول لأنه بشر تكرر عند أقوام كثيرين، التشاؤم بالمرسلين،إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ[يس: 18].
كذلك قالوا عن موسى: فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ [الأعراف: 131]، كذلك قوم صالح قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ [النمل: 47] كما في سورة النمل، وهكذا قال عن مشركي العرب: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [النساء: 78]، لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا [يس: 18] ينتهوا عن ماذا؟ عن منكر، هل الرسل تأمر بمنكر؟ ينتهوا عن ماذا عن كذب عن زور؟ ينتهوا عن إفساد في الأرض؟ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ [يس: 18]، التهديد بالرجم لماذا التهديد بأشنع القتلات؟
وهو الرمي بالحجارة، لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا [يس: 18] عن ماذا؟ عن الدعوة للتوحيد، عن الدعوة إلى التوحيد، لَنَرْجُمَنَّكُمْ [يس: 18]، إذًا هذه عندهم عقوبة الذي يدعو إلى التوحيد أنه سيرجم بالحجارة، وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ [يس: 18] فماذا ردت الرسل؟ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ [يس: 19]، سبب شؤمكم معكم، سبب الشر والبلاء الذي يصيبكم ما أنتم عليه من الشرك والمعاصي، هو الذي سيوقع بكم النقمة وعذاب الله ، وإذا كنتم تريدون الشؤم حقيقة، فالشؤم هو ما أنتم عليه من الشرك، قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ [يس: 19]، من أجل أنا ذكرناكم وأمرناكم بتوحيد الله، وإخلاص العبادة له؛ قابلتمونا بهذا الكلام، أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ [يس: 19] أئن ذكرناكم، أئن دعوناكم، أمرناكم بالتوحيد توعدتمونا بهذا الوعيد، بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ [يس: 19] أنتم متجاوزون للحد.


ولما كان الله -تعالى- ينصر رسله قيض لهم واحدًا من أهل البلد، رجل والرجال قليل، هذا الرجل جاء من أقصى المدينة، المشوار طويلة لينصر الرسل، لم يأت يمشي الهوينة، وإنما جاء يسعى، يمشي مشيًا شديدًا، وسعيًا حثيثًا، ماذا فعل الرجل؟ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى [يس: 20]، يسرع في مشيه حرصًا على نصيحة قومه لما سمع ما دعت إليه الرسل، وآمن بهم، قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ[يس: 20]، حضهم على اتباع الرسل، أمر قومه بأن يكونوا معهم، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا  [يس: 21].
هل تريدون أكثر من دعوة بالمجان، إفادة بالمجان، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا [يس: 20] من الأدلة على صدقهم أنهم ليسوا أصحاب مطامع مادية، لا يريدون من الناس أجرًا دنيويًا، لا يريدون أموالاً، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا [يس: 20].
لا يأخذ أجر على النصيحة، ولذلك ينبغي على الدعاة إلى الله أن يحتسبوا الأجر في دعوة الناس، ولا يأخذوا عليه مقابلاً، وأن يكون عملهم غايتهم وجه الله ، إنهم لا يريدون إلا الهداية للبشر، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ[يس:20] في أنفسهم، حريصون على هدايتكم أنتم، وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[يس:22] مالي لا أوحد الله سبحانه بالعبادة، وهو الذي خلقني، وأنعم عليّ، والمرجع إليه؟ ما المانع من العبادة؟ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً [يس: 22].
هذا استفهام توبيخ وإنكار وتقريع لقومه، إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ [يس: 23]، هذا الرجل يعرف التوحيد جيدًا، ويعرف بأنه لا يضر ولا ينفع إلا الله ، لا آلهة ولا غيرها، هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله لا تنفع ولا تضر، إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ۝ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [يس: 23-24].
الآن الناس يذهبون بالمريض إلى الطبيب، يقولون، نرجوك يا أيها الطبيب اشفيه، الذي يشفي هو الله، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ [الأنعام: 17]، أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ[الزمر: 38] أبداً، قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ [الزمر: 38].


إذًا هذا الرجل يعرف التوحيد، ويعرف توحيد الربوبية، وأنه لا يضر ولا ينفع إلا الله ، وأنه إذا عبد مع الله آلهة أخرى إنه لفي ضلال مبين، فجمع في كلامه بين النصيحة، ونصرة الرسل، والشهادة بالحق، والاهتداء، والإخبار بأن العبادة لله وحده، وذكر الأدلة عليها، وأن خلافها باطل، والتذكير بيوم القيامة، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: 245]، يا أيها القوم مرجعكم إلى الله، ثم أعلن الحق جليًا واضحًا لا يخاف، إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ [يس: 25] فاسمعوها واضحة مدوية، آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ الذي كفرتم به، وكفرت بآلهتكم التي آمنتم بها، فَاسْمَعُونِ اسمعوا كلامي، اسمعوا قولي، إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ، إذا كان الخطاب للناس عرفنا المعنى، وإذا كان الخطاب للرسل إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ الذي أرسلكم يا أيها الرسل فاسمعوني لتشهدوا لي عند الله.
قال ابن كثير: إنه أظهر في المعنى كون الخطاب للرسل. [تفسير ابن كثير: 6/571].
لما جهر بهذا وصرح قام إليه قومه فقتلوه، الله ما قال لنا في القصة: أنهم قاموا إليه فقتلوه، لكن قال: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ[يس: 26] وسيق القصة يدل على أن قومه لم يمهلوه فقتلوه مباشرة، فلما قتل وجبت له الجنة لأنه مات شهيدًا، وقال القرطبي: والظاهر في الآية أنه لما قتل قيل له: ادْخُلِ الْجَنَّةَ فهو خبر أنه استحق دخول الجنة. [تفسير القرطبي: 15/19]، كما قال قتادة: وذلك أن الدخول الفعلي يكون في الآخرة، لكن الآن أخبر بأنه يستحق الجنة، بشر عند الموت لما قتلوه، إنما الشهيد روحه تدخل الجنة في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، يوم القيامة سترجع الروح إلى الجسد، ويبعث، ويجازى، ويدخل الجنة جسدًا وروحًا، لكن الآن الشهداء بعضهم أراوحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، الأرواح وصلت، والظاهر من الآية أنه لما قتل قيل له: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران: 169]، هذا الرجل لما رأى الثواب، والحريص على مصلحة قومه، بعدما مات الداعية حريص على مصلحة القوم بعدما مات، ليس فقط قبل الموت، قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ۝ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ[يس: 26-27]، يا ليت قومي يعلمون بالجزاء والثواب الذي نلته، يا ليت قومي يعلمون بما عند الله لمن اتبع رسله، يا ليت قومي يعلمون بالجزاء العظيم، والنعيم المقيم حتى يهتدوا مثل ما اهتديت، يا ليت قومي يعلمون الداعية الذي يريد الخير للآخرين، ولو وصل إليه هو، فهذا ليس فقط  مراده أنه هو فقط يهتدي، لكن يريد أيضاً أن الخير يصل إلى الآخرين، مع أنهم قتلوه، لكن قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ[يس:26] يعني: حريص على هدايتهم مع أنهم قتلوه طبعًا هو لما مات من الذي سيوصل إلينا الخبر؟ ماذا قال الرجل بعد الموت؟ هل في كلام بعد؟ هل هناك كلام بعد الموت؟ في ناس يتكلموا بعد الموت، في كلام في عالم البرزخ.
جابر بن عبد الله أبوه عبد الله أبو جابر كلم الله كفاحًا قال: يا عبدي تمن عليّ؟ [رواه الترمذي: 3010، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 1361].


فكلم الله ، في كلام بعد الموت، في البرزخ عالم كامل، وحياة ولقاءات، وقدوم، وترحيب، وتعذيب، وخطابات، وحوارات بعد الموت، وأشياء كثيرة تحصل وبين الملائكة والمنعم في القبر، وبين الملائكة والمعذب في القبر، وبين الإنسان وبين عمله الصالح، وبين الإنسان وبين عمله السيئ، حوارات بين الإنسان وبين الله ، مثلما وقع بين والد جابر وبين الله ، ومثل ما حصل تمنيات، وهؤلاء الذين قتلوا في تلك المعركة العظيمة، وأرادوا من الله من أن يبلغ أصحابهم ألا بلغوا عنا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا [رواه البخاري: 3064].
وأنزل الله آيات، ثم نسخت في هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله، وطلبوا من ربهم أن يبلغ تحياتهم إلى إخوانهم من الصحابة الذين لا زالوا أحياء مع النبي ﷺ، وجاء الوحي بالأخبار، وهذا الرجل الآن بعدما مات قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ۝ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [يس: 26-27].
وطبعًا نقل إلينا بالوحي، كيف نعرف ماذا يكون في البرزخ؟ أن ينقل بالوحي، وهذا من النعم العظيمة التي جاءت في كتاب الله تعالى، وحي من عند الله فيه خبر من قبلنا، وخبر من بعدنا، وحكم ما بيننا، وأشياء مستقبلية، وأشياء حدثت في الغيب بعد الموت وصلت إلينا أخبارها، ومنها خبر هذا الرجل يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ [يس: 26]، الذين لما أراد الله لهم الهداية وأصروا على التكذيب، وعلى محاربة الرسل، ماذا كانت عاقبتهم؟ ماذا كانت النتيجة؟ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ [يس: 28].
ما يحتاج المسألة أبسط من ذلك، وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ [يس: 28]، لقد أغضبوا الرب، وعصوا رسله، وقتلوا وليه، فالله لم يهلكهم بإنزال جنود من السماء وملائكة، وإنما أرسل لهم ملكًا صاح بهم صيحة واحدة، ما يحتاج ملائكة تنزل وجنود وعدد، ما يحتاج عدد، إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً [يس: 29]، وصوتًا هائلاً عظيمًا واحدًا، فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ [يس: 29] ميتون، لا صوت، ولا حركة، ولا حس، ولا حياة، خمد مثل النار كيف تخمد النار، وهكذا أصبح هؤلاء حثثًا هامدة، صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ [يس: 29] انتهت القضية، يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ[يس: 30]، ويل لهم كم ضيعوا من أمر الله، وكم فرطوا في جنب الله، يا حسرتهم، ويا ندامتهم يوم القيامة إذا عاينوا العذاب، محرمون، مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [يس: 30]، ويكذبون، إذًا هؤلاء الذين عصوا الرسل، مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ[يس:15] سبحان الله على هذا التكذيب، وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ[يس:15] ما يعترفون بكتب سماوية، ولا يعترفون بوحي إطلاقًا، ثم يجاهرون بتكذيب الرسل، إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ[يس:15] إتهام الرسل الصادقون، اتهامهم بالكذب، وهكذا تكون هذه المسألة مجلبة لعذاب الله، تهديد الرسل، وتهديد الصالحين، لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ[يس:18]، انتهت هذه القصة بإهلاك هذه القرية الظالمة.

الدروس والعبر المستفادة من القصة

00:23:46

وفي القصة عبر كثيرة وفوائد جمة:
ومن ذلك أن إرسال الرسل إلى القرى ينبغي أن يؤخذ منه ضرورة إقامة الحجة على الناس، ضرورة إرسال الدعاة، ضرورة إرسال الرسائل الدعوية إلى كل البلدان، إذا كان الله أرسل الرسل إلى القرى، وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر: 24]. معناه يجب علينا نحن أن نرسل الرسل، ونرسل الدعاة إلى القرى، وعلى سبيل المثال فإن شبكة نسيج العنكبوت الإنترنت هذه يمكن أن ترسل فيها رسائل عظيمة كثيرة متنوعة إلى قرى كثيرة في العالم، طبعًا القرية في القرآن تعني: المدينة ومكة، أم القرى فهي التي تتوجه إليها القرى في الصلاة والعبادة، وهي أفضل أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله.
يستفاد من القصة أهمية تعزيز الداعية بدعاة آخرين، وأن إرسال أكثر من واحد ممكن يكون من أسباب الاستجابة، فعززنا بثالث تعزيز، وهذه مسألة مهمة لأن التعزيز وتقوية الداعي بإرسال داعي آخر معه يشد من أزره، ويكون أقوى للحجة، لإقامة الحجة على المدعوين، وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا [القصص: 34] وهذا الشاهد ردءًا معينًا ناصرًا مقويًا، ردءًا معينًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ۝ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ[القصص: 34-35]، وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ۝ هَارُونَ أَخِي ۝ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي [طه: 29-31] معاونًا لي أزري يعني: ظهري، أتقوى به على هؤلاء، وهكذا إرسال داعية واثنين وثلاثة إلى المناطق المختلفة يقوي الدعوة، ويرسخها، ويجعل المدعوين أكثر استقبالاً، أو استجابة لأن الكلام جاء من عدة مصادر، هذا يؤثر كلما زاد عدد الذين يقولون بالكلام، كلما كان أكثر استجابة من السامعين.
إن هذه القصة تعلمنا أن الإيمان يدفع صاحبه إلى الدعوة إلى الله، وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ [يس: 20] إذا خالط الإيمان بشاشة القلوب حرك صاحبه إلى الدعوة، حرك صاحبه إلى التبليغ، تبليغ دين الله الحرص على الدعوة، وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ من بعيد إنه لم يكن قريبًا من المكان، جاء من أقصا المدينة، ثم جاء يسعى حريصًا، يجب أن يكون عندنا حرص في الدعوة، لو أتينا من مكان بعيد لأجل الدعوة، نأتي ونحن نسعى نسرع جادين مهرولين إلى الخير.


وكذلك فإن في هذه القصة كظم الغيظ، والصبر على جهل المدعوين، هذا الرجل يقول يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ويخاطبهم باللين، ومع أنهم قاموا إليه فقتلوه، لكن ما دعا ربه بهلاكهم، بل تمنى أن يروا ما فيه من النعيم ليعرفوا ما هي عاقبة المتقين.
ثم أن في القصة التشاؤم، والتشاؤم بطبيعة الحال أمر ينافي التوحيد، ولا يجوز للمسلم أن يتشاءم، وبعض الناس يتشاءم من أشياء يربط بينها وبين الشر، ما العلاقة بين الغراب والشر؟ وما العلاقة بين البوم والشر؟ ما العلاقة بين رجل أعور والشر؟ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ [يس: 18] تشاءمنا بكم على عادة هؤلاء الجهلة، وهكذا كان العرب يتشاءمون ببعض الطيور، لا هامة [رواه البخاري: 5757].
كانوا إذا سمعوا صوت بعض الطيور يرجع الواحد من السفر، ويعدل عن الصفقة، ويترك النكاح متشاءمًا، كما قالوا: ارجع لصياح العقعق، وكذلك كانوا إذا ذهب الطير شمالاً تشاءموا، وإذا ذهبت يمينًا استبشروا، ما العلاقة؟ إذا طيرت الطائر قد يذهب يمينًا وقد يذهب شمالاً حيث يصرفه ربه، فيجعلون ما ليس بسبب سببًا، يربطون ربطًا خطأ، ما في رابط ما العلاقة بين اليوم الثالث عشر من الشهر، وبين نزول المصائب، ما معنى قولهم: آخر أربعاء من كل شهر يوم نحس مستمر، ما العلاقة بين النحس المستمر وبين الأربعاء من آخر كل شهر؟ فتبلغ القضية قمة سوءها عندما يتشاءم بالدعاة، عندما يتشاءم بالصاحين، عندما يكون وجه الداعية شؤمًا عليهم يتطيرون به.
ثم نلاحظ الرد القوي يعني: لما قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا [يس: 18] قالت الرسل: قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ [يس: 18] أنتم إذا كان في شيء سيجلب لكم الشؤم فهذا الشرك الذي أنتم عليه، طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ وأعمالكم معلقة بكم، وستأتي في رقابكم يوم القيامة.


وكذلك فإن في هذه القصة أن الإنسان إذا ذكر فإنه ينبغي عليه أن يحسن استقبال التذكير، وليس إذا ذكر أعرض أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ[يس: 19]، لأننا ذكرناكم إنما يصيب الناس من الشر -أيها الإخوة- بسبب الذنوب والمعاصي، أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ[آل عمران: 165]، ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الروم: 41] وتلوثت البيئة، وحصل التلوث في الطبيعة، وظهر الفساد في الزروع، والثمار، والآبار، والبحار، ظهر الفساد في الزروع في اللحوم، في الأسماك، هذا التلوث بسبب ماذا؟ قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم: 41].
إذًا المعاصي هي سبب تلوث البيئة والطبيعة، والأغذية، ومعاش الناسلِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41] يقولون: السرطانات من التلوث، والتلوث بسبب المعاصي، ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ[الروم:41]، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ[الشورى:30]، طيب عرفنا من القصة أن الداعي لا يأخذ أجرًا على دعوته.
يقول ابن عطية رحمه الله: هذه الآية حاكمة بنقص من يأخذ أجرة على شيء من أفعال الشرع التي هي لازمة له كالصلاة ونحوها، بخلاف ما لا يلزمه كالإمارة والقضاء". [المحرر الوجيز: 4/516].
إذًا لا يجوز للإنسان أن يأخذ شيئًا على أفعال الشرع التي يجب عليه أن يفعلها، أما التي لا يجب عليه أن يفعلها كالإمارة والقضاء فيجوز أخذ الأجرة عليها، أو الارتزاق من بيت المال عليها كما فعل الصديق لأنه لما تفرغ لخلافة المسلمين لإمارة المسلمين صار له من بيت المال رزق يجري عليه.


ثم نرى أيضاً في هذه القصة الاعتبار بمآلات الأمور، يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ۝ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي [يس: 26-27]، مآلات الأمور إلى أي شيء، تؤول الأمور إلى أي شيء تنتهي، تستقر على ماذا في النهاية هذه هي العبرة الحقيقية.
القصة فيها أهمية نصرة الحق، لما جاء هذا الرجل ينصر المرسلين، لو رأيت أنت داعية إلى الله ينصح يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، إذا مررت على مشهد في الشارع، في الطريق، في الحديقة، في الشاطئ، في أي مكان، في دكان واحد داعية ينصح، وواحد يرد عليه معرض سفيه، وصاحب منكر يلزمك أن تشد من أزر الداعية، وأن تقف معه، وأن تؤيده لازم تؤيد الدعاة، وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ۝ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ [يس: 20-21].
إذًا تأييد الداعية للحق، تأييد الناصح للحق لا بدّ أن يؤيد، ويشد عضده، ولا بد أن يؤازر وإلا يصبح ضعيفًا، وإلا يضطهد، ولذلك كان تأييد أهل الحق من علامات الإيمان.
وفي هذه القصة رأينا عظمة الله وقدرته البالغة بصيحة واحدة قضى على بلد كامل، خَامِدُونَ [يس: 29]، هكذا إذًا كانت عاقبته هؤلاء القوم الخمود، وقال بعضهم: إن اسم هذا الشخص حبيب النجار، ووردت إسرائيليات وآثار لكن إذا لم تثبت فلا نستطيع أن نثبت، ولا يهم الرجل اسمه حبيب النجار، أو اسم آخر لا يهم ما اسمه، المهم القصة، وماذا حصل لهذا الشخص عند الله ونرى في القصة كيف أن الله ينتقم لأوليائه، أن هؤلاء لما قتلوا وليه ما تركهم سبحانه انتقم لأوليائه، من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب [رواه البخاري: 6502].
وإذا آذن الله قومًا بالحرب فلا يفلحون أبداً، ثم في النهاية الذي يهلك هو الذي يندم، يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ [يس: 30].


ونرى عاقبة المستهزئين بالناصحين، وأن المستهزئ قد يظهر في أول الأمر أنه انتصر، لكن القضية لا تدوم له.
وهكذا فإن الحسرة على هؤلاء الندم ندمهم قد استمر، ولكن لا ينفع الندم، إنما هي حسرات، كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة: 167].
وضرب الأمثلة الذي أمر الله به نبيه، وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ [يس: 13]، ينبغي أخذ العبرة من هذه القصة، وكيف حصل لهؤلاء، وكان المشهور أن الرسول يأتي إلى قوم مثلاً نوح ﷺ واحد، وهود ﷺ واحد، صالح واحد، شعيب واحد، لوط ﷺ واحد، إبراهيم ﷺ واحد، محمد ﷺ واحد، لكن أحيانًا يكون اثنين موسى وهارون، سليمان وداود، يحيى وزكريا، يعني يجتمع في وقت واحد نبيان، هذه القرية أرسل إليها ثلاثة، الله يريد إقامة الحجة على الناس، وهذا من رحمته ، وأنه يريد لهم الهداية، ويرسل واحد واثنين وثلاثة، ولكن إذا أعرض العباد لا يرد أحد عنهم عذاب الله ، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.