الإثنين 22 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 23 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

كيف ننجو قبل الهلاك؟


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أسباب العذاب
الخطبة الثانية
الأخذ بأسباب النجاة

الخطبة الأولى

00:00:08

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أسباب العذاب

00:00:46

عباد الله:

لقد سأل صحابة رسول الله ﷺ نبيهم سؤالاً عظيماً لما قال لهم مرة: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، فكان السؤال من زينب -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي ﷺ عندما قالت: "أنهلك وفينا الصالحون"، فأجابها ﷺ بقوله: نعم، وذكر متى يكون ذلك بقوله: إذا كثر الخبث[رواه البخاري3346] والخبث في كلام العلماء الباطل، والشر، والفحش، وأولاد الحرام، وكذلك النجاسة فهذه أيضاً الخبائث كالخمر فهي أمها، والخبيث الرديء، والفاسد، والمكروه، والخبائث والخبث المعاصي عموماً، والفواحش خصوصاً كل ذلك من الأسباب، وقد ذكر النبي ﷺ للهلاك أيضاً ما ورد في حديثه: ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله [روه أحمد 3809].

ومن الأسباب أيضاً تطفيف المكيال والميزان فإن الله أهلك قوم شعيب بشركهم، وبمنكرهم هذا أيضاً وهو التطفيف، وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ سورة الشعراء183، وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: "إذا جئت أرضاً يوفون المكيال والميزان فأطل المقام فيها، وإذا جئت أرضاً ينقصون المكيال والميزان فأقلل المقام بها" أي: أنها على خطر من عذاب الله .

قال سعيد بن المسيب رحمه الله: "إذا جئت أرضاً يوفون المكيال والميزان فأطل المقام فيها، وإذا جئت أرضاً ينقصون المكيال والميزان فأقلل المقام بها" أي: أنها على خطر من عذاب الله .

وأعظم الخبث ولا شك خبث العقيدة وما تنطوي عليه القلوب من الشرك، والعقائد الباطلة، فإن هذا أعظم أسباب نزول العذاب ولا شك، وكثرة الخبث المجون والمنكرات، وكلمة كثرة تدل على الشيوع والظهور، فإنها ليست مستترة، وليست عند آحاد، بل إنها شائعة، وأعظم ذلك المجاهرة كما أخبر النبي ﷺ: كل أمتي معافى إلا المجاهرين[رواه البخاري6069] قال بلال بن سعد رحمه الله: "إن الخطيئة إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها، فإذا ظهرت ولم تغير ضرت العامة" فيكون إهلاك الجميع عند ظهور المنكر وإعلانه، وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "كان يقال إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم" وهذا عمل المنكر جهاراً يؤذن بعقوبة الله -سبحانه - لهؤلاء الذين مروا ولم يغيروا، رأوا ولم ينكروا، وكذلك كثرة الخبث عبارة تدل على إقرار المنكر، والاعتراف به، وقد قال الله: وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً سورة الأنفال25،

وقد ذكر ابن عباس في تفسيرها أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب، وعندما يصبح الكفر وتصبح الردة حرية، ويصبح العري ويصبح المجون والخنا والفحش والغناء فنوناً، وعندما تقع هذه الاختراقات لحدود الله فإن هذا ولا شك يعرض الجميع لعقاب الله، فإن الله أنزل شرعاً ليتبع، وحد حدوداً لتحترم، ولا تنتهك له حرمات وهو يغار، إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة [رواه أحمد17720]، وهذا الحديث رواه أحمد رحمه الله عن النبي ﷺ مرفوعا، وحسنه الحافظ رحمه الله، وقال ابن عبد البر: وهذا معناه إذا قدروا وكانوا في عز وامتناع عن الأذى، يعني فأقروا ولم يغيروا، وفيه تحذير وتخويف عظيم لمن سكت عن النهي، فكيف بالمداهن، والمقر، والراضي، ولو لم يشارك، فكيف بالمعاون، فكيف بمن يعمل، فكيف برأس الشر، وعدم الاستجابة والاكتراث دليل على ضعف الإيمان ووهنه، فإنهم يرون حدود الله تنتهك فلا يغارون، ويرون المعاصي تفعل فلا يغيرون، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمر ربنا سبحانه وأمر النبي ﷺ، وهذا له نصيب واضح في حديث النبي ﷺ: وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري[رواه أحمد5114]فإن الله يصيبهم بذلك، والناس أقسام في هذا فمنهم من يغير ومنهم من ينكر بالقلب لعدم القدرة على التغيير، ومنهم من يسكت، ومنهم من يداهن، ومنهم من يعاون ويشارك ويفعل، ويجب التفريق بين حالين في الصالحين إذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة، أو إذا لم يستطيعوا فكان الإنكار بالقلب وبعثهم على أعمالهم الصالحة حكم عدل، فهم إذا لم يغيروا مع القدرة يهلكون، ويكون عذابهم في الدنيا ما أصاب غيرهم وقد دخلوا فيهم ومعهم فيهلكون معهم ويبعثهم الله على أعمالهم ونياتهم، وعنده الميزان، وأما الذي لم يستطع فإن الله لا يؤاخذه، وقد سألت عائشة -رضي الله عنها- النبي ﷺ لما قال: إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله بأهل الأرض بأسهقالت: "وفيهم أهل طاعة الله " قال: نعم، ثم يصيرون إلى رحمة الله تعالى[رواه أحمد24133]رواه أحمد

قال الهيثمي: رجال إسناده رجال الصحيح. فهذا يدل على أن غير المنكرين لا ينجون كما قال الله: أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ سورة الأعراف165 فإذن الذي ينهى ينجو، والذي لا ينهى مع القدرة يشمله العذاب، ثم يبعث كل إنسان على ما مات عليه، وهذا العذاب أنواع فمنه الخسف، خسف الأرض وذهاب ظاهرها أسفل وما عليها من الناس والبيوت والزراعة ونحوها فتذهب النفوس والأموال، وكذلك المسخ، وتغيير الصورة إلى أقبح كما فعل الله ببني إسرائيل من أصحاب السبت فإنه مسخ القوم قردة وخنازير، وكذلك القذف رجم بحجارة من السماء، وقد قال الله: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَسورة النحل45، وقد قال ﷺ: يكون في آخر الأمة خسف ومسخ وقذف يكون في آخر الأمة وهذا آخر الأمة ولا شك يكون في آخر الأمة خسف ومسخ وقذف، قالت عائشة: "قلت يا رسول الله: "أنهلك وفينا الصالحون" قال: نعم إذا ظهر الخبث[رواه الترمذي2185]رواه الترمذي وهو حديث صحيح وقد جاء الوعيد لأهل المعازف، والغناء، وشراب الخمور بهذا كما رواه البخاري في صحيحه معلقاً مجزوماً به. [رواه البخاري5590]،

وأن بعض الناس يتركون هؤلاء على لهو وغناء وقينات يعني راقصات وخمر، ثم يرجعون فلا يجدون، ومن العقوبات الإلهية كذلك الزلازل قال الله تعالى: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ۝ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ سورة الملك17 وكذلك من العقوبات فساد الزروع والثمار والهواء والبيئة وهو ما يعرف اليوم بالتلوث، قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ سورة الروم41 هذا التلوث ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس فلماذا فسدت زروعهم فسدت ثمارهم، فسد هواؤهم، فسد جوهم، فسدت صحتهم، ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ومن جراء هذا الفساد في البر والبحر أمراض السرطانات المتنوعة التي تحدث جراء ذلك، ظهر الفساد في البر والبحر هذا التلوث والتغير السيء إنما هو بما كسبت أيديهم، وهذا عقوبة من الله، ولذلك قال في الآية: لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ولو أذاقهم كل الذي عملوا ما ترك على ظهرها من دابة، وكذلك من العقوبات الجماعية ما ذكره النبي ﷺ بقوله: يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطواعين والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا فهذه طواعين جديدة، وأوجاع لم يكن للبشرية بها عهد سابق بالإضافة إلى ما كان لها به عهد سابق قال: ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين  أي القحط: وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم فهذا التسليط للكفار على المسلمين المشاهد اليوم إنما هو من جراء نقض عهد الله وعهد رسوله وقد قال الله: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَاسورة النحل91 قال: وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم[رواه ابن ماجه4019]

وهذا ما يكون من الاقتتال بين بعضهم البعض، وقد ذكر الله هذا النوع من العذاب في قوله: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ سورة الأنعام65 فهذه عقوبات للخروج عن المنهج الإلهي، وترك الأحكام الربانية، والتفريط في الواجبات، وغشيان المحرمات، فعندما تنتشر وتظهر ويجاهر بها تأتي هذه العقوبات، وترى في الأرض كثيراً منها، ولكن من المتعظ، والأمر كما قال الله: وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًاسورة الإسراء60 ويصيب بعض الناس أشياء فترى الآخرين في غفلة، وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ سورة يس45 أنتم ترونهم أمامكم ووراءكم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم من عذاب الله اتقوه نزل وحصل لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَسورة يس46.

اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضى، ونسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، والنظر إلى وجهك الكريم في جناتك جنات النعيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:16:17

الحمد لله أشهد ألا إله إلا الله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وذريته وأزواجه وصحابته وخلفائه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك الأمين.

الأخذ بأسباب النجاة

00:16:47

عباد الله:

إن من سنن الله وقوانينه في العالم إهلاك القرى التي تخرج عن أمره وهذه سنة ماضية فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًاسورة فاطر43، إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ سورة يونس44فهو سبحانه لا يهلك قرية ولا يعذب أحداً إلا بعد الإعذار والإنذار ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ سورة الأنعام131 فلا يهلكهم دون تنبيه ولا تذكير ولا إقامة حجة، ولذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب ليس بظلام للعبيد، وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ ۝ ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَسورة الشعراء 208-209، وقال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً سورة الإسراء15فإذا عصوا الرسل وخرجوا عن منهج الله أتاهم الله بالعقوبة وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ سورة الأعراف4 إما في مبيت نوم الليل، أو القيلولة نوم النهار، وهذا معنى قائلون من القيلولة فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ سورة الأعراف5 وهذا الإهلاك للقرى سببه الكفر بالله، والتكذيب بآياته وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ سورة الأعراف96 

وهكذا فإنه يضرب الأمثال القرى التي تجحد نعمة الله وتترك شكرها وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ سورة النحل112 فهؤلاء لم ينسبوا النعمة إلى المنعم ولم يشكروه عليها باستعمالها في طاعته، بل استعملوها في معصيته، وحصل فيهم الأشر والبطر، ولذلك قال ربنا: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ سورة القصص58 كانت هنالك أمم وممالك بلدان وعواصم إرم ذات العماد أين هي، وكذلك حاضرة قوم ثمود أين هي، وأين حاضرة قوم لوط، وقوم شعيب، وغيرهم من الأمم أهلك الله من اليونان والرومان وغيرهم من الفينيقيين، والآشوريين، والبابليين، والفارعنة، وأقوام باليمن كسبأ، ونحو ذلك في العالم بسبب ظلمهم منهم من سلط عليه الطوفان والسيل، أغرق قوم نوح وفرعون، وكذلك سبأ بالماء، وبظلمهم وبغيهم، وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ سورة القصص59ويملي الله لهذه القرى، والمقصود بالقرى المدن على مختلف أحجامها واتساعها كلها في لغة العرب قرى، وأم القرى مكة لتنذر أم القرى ومن حولها وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ سورة الحج48 فيؤخر منها ما يؤخر فتبقى سنوات طويلة، ولكن في النهاية يأتيها ما يأتيها، وقد حصل في الحربين العالميتين من إهلاك عواصم وقرى ومدن كثيرة في الأرض بسبب ما حصل منهم من الكفر والفجور وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ سورة الحج48، وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا سورة الكهف59هذه سنة حتمية نازلة سبق قضاء الله تعالى بها ما من قرية كما ذكر الله وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِأو إذا لم يحصل الإهلاك العام الشامل أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا سورة الإسراء58لا ينجي إلا طاعة الله، نينوى قرية قوم يونس نذر العذاب بدأت وانعقدت فخرجوا خلف نبيهم يجأرون إلى الله إلا قوم يونس لما آمنوا كشف الله عنهم ذلك لأنه لم يحصل النزول الحقيقي المباشر، وانعقدت النذر للعذاب ولم ينزل فلو نزل لا يرفع أبدا وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا سورة الإسراء16، ولذلك فإنه يجب على المسلمين وهم يرون ماذا يحل بالعالم من فساد، وخراب، وما يحل من حروب، واضطرابات، وفوضى أن يرجعوا إلى الله ، وأن يأمروا بالمعروف، وأن ينهوا عن المنكر، وإن الله شديد العقاب قذفاً وخسفاً ومسخاً وإغراقاً، وصيحة، وما هي من الظالمين ببعيد، وطاعوناً، وأوبئة يرسلها وفساداً في التربة والبيئة وتسليطاً، وكذلك فتنة تكون بينهم فيقتل بعضهم بعضاً، لقد أبقى الله أطلالاً من آثار المدن السابقة يراها من بعدهم ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد، فتشاهد آثاراً للفراعنة وآثاراً لأقوام بادوا الأحقاف مدائن صالح آثار باليمن، وأخرى بالشام، وتركيا، والعراق، وغيرها في أنحاء الأرض فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ سورة الحج45 بناء بلا سكان آثار، وأطلال، وآبار لا يستقي منها أحد لم يحلم أهل ذلك البناء على شدته بأن ينزل بهم البأس فنزل، وكأن الله تعالى يعظ كفار العرب ومشركيهم وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًاسورة الفرقان40وكانت الآيات تقرعهم وتقول: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ ۝ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ سورة الصافات137-138أبقى الله السفينة مدة من الزمن وأبقى جثت فرعون مدة من الزمن وليس لأحد عند الله عهد أن ينجيه من عذاب إذا كان من الخارجين عن شرعه ولذلك قال لكفار العرب: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أي الذين أهلكناهم أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ سورة القمر43، وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ سورة يوسف110، وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ۝ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ ۝ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ۝ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ۝ فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ سورة الأنبياء10-15، وقد يأتي العذاب فجأة، أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ ۝ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ۝ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ سورة الأعراف97-99

وقد يأتي العذاب على توقع وقد انعقدت نذره، قال تعالى: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ سورة النحل47 ما معنى على تخوف توقع نزل العذاب ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا رأى غيما أو ريحا عرف في وجهه يقول : يا عائشة ما يؤمني أن يكون فيه عذاب عذب قوم بالريح وقد رآى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا[رواه البخاري4829] ولذلك لا بد من الأخذ بأسباب النجاة من رأى سنن الله وما حصل في الماضي وما يحصل في الحاضر لا بد وأن يأخذ بأسباب النجاة؛ الإيمان، ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَسورة يونس103، وقال -سبحانه: فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَاسورة يونس98، وأيضاً الاستغفار وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ سورة الأنفال33 فالاستغفار أمان والتضرع إلى الله أيضاً فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ سورة الأنعام43 جأروا ألحوا أقبلوا على الله دعاء مع خشية تضرع دعاء مع خوف تضرع، ومن أعظم الأسباب الواقية من نزول العذاب المهلك المدمر من أعظم الأسباب الإصلاح وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ سورة هود117 إصلاح الفساد تغيير المنكر الدعوة إلى الله الأمر بالمعروف النهي عن المنكر فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ سورة الأعراف165وهذا حديث السفينة إذا أرادوا أن يخرقوا فتركوهم غرقوا وغرقوا جميعا إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب[رواه أبو داود4338] فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ سورة النور63.

اللهم إنا نعوذ بك من سخطك وعقابك يا رب العالمين، اللهم هيء لنا من أمرنا رشداً، اللهم أصلحنا يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا عاملين بشرعك، قائمين بأمرك منتهين عما حرمت، اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان لبلدنا هذا، وبلاد المسلمين، اللهم اجعلها قائمة بأمرك، محكمة لشرعك، عامرة بذكرك، يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وارحم ضعفنا واجبر كسرنا اللهم أصلح أمرنا اللهم أرشدنا وتب علينا وتولى أمرنا يا أرحم الراحمين اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب اللهم ارفع البأس عن إخواننا المستضعفين، اللهم ارفع البأس عن إخواننا المستضعفين، اللهم ارفع البأس عن إخواننا المستضعفين ليس لها من دونك كاشفة، فاكشف ما نزل بهم من ضر يا أرحم الراحمين، اكشف ما نزل بهم من ضر يا رب العالمين، اكشف ما نزل بهم من ضر إنك على كل شيء قدير، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه البخاري3346 
2 - روه أحمد 3809
3 - رواه البخاري6069 
4 - رواه أحمد17720
5 - رواه أحمد5114
6 - رواه أحمد24133
7 - رواه الترمذي2185
8 - رواه البخاري5590
9 - رواه ابن ماجه4019
10 - رواه البخاري4829 
11 - رواه أبو داود4338