الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
من سنة النبي ﷺ، ومن حديثه ننطلق، ونأخذ النور مما وجهنا به ﷺ فيه هذه المسألة العظيمة التي هي من الأمور المهمة في حفظ مجتمع المسلمين وصيانة دينهم، وعفافهم.
معنى المجاهرة بالمعاصي
روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: كل أمتي معافىً إلى المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه[رواه البخاري6069].
كل أمتي معافىمن العافية، وأن الله يغفر الذنب، ويقبل التوبة، كل أمتي معافى إلا المجاهرين، هؤلاء لا يعافون، المجاهرون بالمعاصي لا يعافون، الأمة يعفو العفوُّ عن ذنوبها لكن الفاسق المعلن لا يعافيه الله ، وقال بعض العلماء: "إن المقصود بالحديث: كل أمتي يتركون في الغيبة إلا المجاهرون"، والعفو بمعنى الترك، والمجاهر هو الذي أظهر معصيته، وكشف ما ستر الله عليه فيحدث به.
قال الإمام النووي رحمه الله: "من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به".
هذه المجاهرة التي هي التحدث بالمعاصي، يجلس الرجل في المجلس كما أخبر النبي ﷺ ويقول: عملت البارحة، أقرب ليلة مضت، علمت البارحة كذا وكذا، يتحدث بما فعل، ويكشف ما ستر، وقد قال النبي ﷺ: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله[رواه الحاكم7615]رواه الحاكم، وهو حديث صحيح.
لماذا أيها الإخوة كل الأمة معافى إلا أهل الإجهار؟
أولاً: لأن في الجهر بالمعصية استخفاف بمن عصي وهو الله ، استخفاف بحقه، وبحق رسوله ﷺ، واستخفاف بصالحي المؤمنين، وإظهار العناد لأهل الطاعة، ولمبدأ الطاعة، معاندة الطاعة، والمعاصي تذل أهلها، وهذا يذل نفسه ويفضحها في الدنيا قبل الآخرة.
عباد الله: إن المجاهرة بالمعصية والتبجح بها، بل والمفاخرة قد صارت سمة من سمات بعض الناس في هذا الزمان، يفاخرون بالمعاصي، يتباهون بها، وينبغي على الإنسان أن يتوب ويستتر، ولكن هؤلاء يجاهرون.
حالات يجوز فيها الإخبار بالمعصية
قال النووي رحمه الله: يكره لمن ابتلي بمعصية أن يخبر غيره بها، يعني ولو شخصاً واحداً، بل يقلع عنها، ويندم، ويعزم أن لا يعود، فإن أخبر بها شيخه الذي يعلمه أو الذي يفتيه أو نحوه من صديق عاقل صاحب دين مثلاً، يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجاً منها، لقد أصيب الرجل بذنب، أو وقع في ذنب، ويريد أن يسأل واحداً يسأل شخصاً ليعلمه كيف يتوب، ما هو المخرج من المعصية؟ ما هو الطريق لتركها؟ ما هي كيفية التوبة؟ ماذا يجب عليه من جهة الأطراف الأولى إن كان هناك أطرافاً أخرى في المعصية، ففي مثل هذه الحالة ما حكم الإخبار بالمعصية؟
فإن أخبر بها شيخه أو نحوه ممن يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجاً منها، أو ما يسلم به من الوقوع في مثلها، أو يعرفه السبب الذي أوقعه فيها، فهو حسن، وإنما يحرم الإجهار حيث لا مصلحة؛ لأن المفسدة حينئذ ستكون واقعة.
فالكشف المذموم هو الذي يقع على وجه المجاهرة والاستهزاء، لا على وجه السؤال والاستفتاء، بدليل خبر من واقع امرأته في رمضان فجاء فأخبر النبي ﷺ لكي يعلمه المخرج ولم ينكر عليه النبي ﷺ في إخباره.
عباد الله:
مفاسد المجاهرة بالمعاصي، وكيفية التعامل مع المجاهرين
إن المجاهرة بالمعاصي، إن إشاعة المعاصي، إن التباهي بها، يحمل الناس الآخرين على التقليد والوقوع فيها، إن الشريعة لما شدَّدت في المجاهرة بالمعصية، كلها حكمة، والشارع يعلم أن المجاهر يدعو غيره، ويجذبه، ويزين له، ويغريه؛ ولذلك كانت المجاهرة بالمعصية أمراً خطيراً جداً، وقد ذكر العلماء إجراءات متعددة في الفتاوى والأحكام بشأن المجاهر، فنصوا على كراهية الصلاة خلف الفاسق عموماً، ما دام فسقه لا يكفر فالصلاة صحيحة لكنه لا ينال ثواب من صلى خلف الإمام التقي، وقال بعضهم بإعادة الصلاة خلف من جاهر بالمعصية.
وسئل ابن أبي زيد رحمه الله عمن يعمل المعاصي هل يكون إماماً؟ فأجاب: أما المصر المجاهر فلا، لا يمكن أن يكون إماماً، ولا يجعل إماماً، ولا يمكن من ذلك، ويطالب بتغييره، ويرفع أمره؛ لأنه منصب قيادي يؤم فيه المسلمين، كيف يؤمهم ويتقدمهم ثم يكون مجاهراً بمعصية.
وسئل عمن يعرف منه الكذب العظيم، أو القتات النمام الذي ينقل الأخبار للإفساد بين الناس، هل يجوز إمامته؟
فأجاب: لا يصلى خلف المشهور بالكذب والقتات والمعلن بالكبائر، مع صحة الصلاة، أي أنها لا تعاد، ولكن يكره الصلاة وراء هذا الرجل، أما من تكون منه الهفوة والزلة، فلا تتبع عورات المسلمين.
وقال مالك رحمه الله: من هذا الذي ليس فيه شيء.
كل إنسان يعصي، وقال مالك مردفاً: وليس المصر والمجاهر كغيره.
المصيبة في المصر والمجاهر، هذا في مسألة إمامته، وماذا عن عيادته إذا مرض، وعيادة المريض المسلم أجرها عظيم، ومن حق المسلم على المسلم، لكن العلماء قالوا: لا يعاد المجاهر بالمعصية إذا مرض؛ لأجل أن يرتدع ويتوب، ويرتدع غيره ممن يمكن أن يقع في المعصية، وإذا عاده من يدعوه إلى الله وينصحه، فهو حسن من أجل دعوته، أما إذا خلا عن هذه المصلحة، ليس هناك مصلحة شرعية فلا يعاد زجراً له ولأمثاله، وماذا عن الصلاة عليه؟ لقد ذكر أهل العلم رحمهم الله في هذه المسألة، المجاهر بالمعصية إذا مات فإنه لا يصلي عليه الإمام ولا أهل الفضل؛ زجراً له ولأمثاله، وردعاً لمن يقع في هذا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بنبغي لأهل الخير أن يهجروا المظهر للمنكر ميتاً إذا كان فيه كف لأمثاله، فيتركون تشييع جنازته، فمن جاهر بشيء فمات مصراً مات مجاهراً يترك أهل الفضل والخير الصلاة عليه، ويصلي عليه عامة الناس ما دام مسلماً لم يخرج من الإسلام.
من الذي يجب ستره ومن الذي يجب إشهار معصيته
وماذا بالنسبة للستر عليه؟ وما حكم غيبته؟ يندب الستر على المسلم عموماً؛ لأن النبي ﷺ قال: من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة[رواه االبخاري2442، ومسلم2580]. فإذا علمت عن مسلم ذنباً فاستره، وخصوصاً إذا كان ممن ينسب لأهل الدين، والطعن فيه طعن في الإسلام، والعيب عليه عيب في أهل الإسلام، لكن المجاهر بالمعصية له شأن آخر.
قال العلماء: "وأما المجاهر والمتهتك فيستحب أن لا يستر عليه، بل يظهر حاله للناس حتى يجتنبوه، وينبغي رفع أمره للقاضي حتى يقيم عليه ما يستحقه".
لأن ستر مثل هذا الرجل أو المرأة يطمعه في مزيد من الأذى والمعصية، وإذا كانت غيبة المسلمين حراماً، فإن هذا الرجل قد أباح للناس أن يتكلموا في شأنه بمجاهرته، فأجاز العلماء غيبة المجاهر بفسقه أو بدعته، كالمجاهر بشرب الخمر وغيره، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا كان الرجل معلناً بفسقه فليس له غيبة. لكن النووي رحمه الله أشار إلى أن غيبته فيما جاهر فيه فقط، ويهتك فيما جاهر فيه، ويحذر من شأنه، يحذر الناس منه.
وأما هجره، فإذا كان يرتدع به فيجب الهجر، والهجر بالمقاطعة، وعدم الكلام، وعدم الزيارة، وعدم السلام عليه، قال الإمام أحمد رحمه الله: ليس لمن يسكر ويقارف شيئاً من الفواحش حرمة ولا صلة إذا كان معلناً مكاشفاً. إن قضية الإجهار حساسة جداً في الشريعة.
أيها الإخوة: وماذا عن وليمته ودعوته للعرس والنكاح؟ إن إجابة الوليمة واجبة بنص حديث النبي ﷺ: ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله[رواه مسلم1432]. هذا في العموم، أما المجاهر فلا تجاب دعوته للعرس والنكاح، ولا تلبى ولا تؤتى وليمته ما دام مجاهراً.
أيها المسلمون: إن الله حيي ستير، يحب الحياء والستر[رواه أبو داود4012]. إنه يحب الستر، فيجب على من ابتلي بمعصية أن يستتر، ويجب عدم فضحه، فإذا جاهر لقد هتك الستر الذي ستره به الستير، وهو الله ، وأحل للناس عرضه.
وقد أجمع العلماء على أن من اطلع على عيب أو ذنب لمؤمن ممن لم يعرف بالشر والأذى، ولم يشتهر بالفساد، ولم يكن داعياً إليه، وإنما يفعله متخوفاً متخفياً أنه لا يجوز فضحه، ولا كشفه للعامة ولا للخاصة، ولا يرفع أمره الى القاضي، لماذا؟ لأن النبي ﷺ حث على ستر عورة المسلم، وحذر من تتبع زلاته، من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته[رواه ابن ماجه2546]. رواه ابن ماجه، وصحح في صحيح الجامع.
ولأن كشف هذه العورات والعيوب، والتحدث بما وقع من هذا المؤمن أو المسلم قد يؤدي إلى غيبة محرمة وإشاعة للفاحشة، وترويج لها، المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير كما قال الفضيل رحمه الله.
أما من عرف بالأذى والفساد والمجاهرة بالفسق وعدم المبالاة بما يرتكب ولا يكترث بما يقال عنه، فيندب كشف حاله للناس، وإشاعة أمره بينهم؛ ليحذروا منه، ويرفع أمره إلى القاضي، ما لم يخش مفسدة أكبر؛ لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء، ومزيد من الفساد، وانتهاك الحرمات، والجسارة على المعصية.
هذا في المعاصي التي وقعت في الماضي، أما من رأى إنساناً يرتكب معصية فيجب عليه أن ينكر عليه، ولا يقول: أستره؛ لأن النبي ﷺ قال: من رأى منكم منكراً فليغره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان[رواه مسلم49]. واستثنى العلماء في مسألة الجرح الرواة؛ لأجل سنة النبي ﷺ، والشهود يجرح الشهود عند القاضي إذا كانوا من المجروحين؛ لحفظ الحقوق، وكذلك من أراد أن يتولى صدقات أو أوقاف أو أموال أيتام ونحو ذلك لا يحل الستر عليهم عندئذٍ، وإنما يخبر بأمرهم القاضي؛ لأن المسألة تتعلق بها حقوق لمسلمين أو لعامة المسلمين.
يجب على المسلم الستر على نفسه إذا وقع في معصية
وينبغي على الإنسان المسلم إذا وقعت منه هفوة أو زلة أن يستر على نفسه، ويتوب بينه وبين الله ، ولا يستحب له رفع أمره إلى القاضي، ولا يَكشِفُ شأنه لأحد كائناً ما كان، إلا من مثل الأمثلة التي تقدمت في الاستفتاء والاستنصاح. الستر لأجل أن لا تشيع الفاحشة، ولأجل أن لا يعم ذكرها في المجتمع، ولأجل أن تكبت أخبارها؛ لأن نشر أخبارها يجذب إليها، ولذلك فإن من الآثمين إثماً عظيماً الذين ينشرون أخبار الخنا والفجور والخلاعة والمجون والحفلات المختلطة والغناء، ونحو ذلك على الملأ؛ لأنهم يريدون إشاعة الفاحشة في المجتمع المسلم، اجتنبوا هذه القاذورات، فمن ألم فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله، فإن من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله[رواه الحاكم7615]. حديث صحيح، رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وغيره.
أيها المسلمون: إن النبي ﷺ لما جاءه الرجل يقول: أصبت حداً فأقمه عليه، والمعصية حصلت خفية، إن النبي ﷺ أعرض عنه، فيه إرشاد إلى عدم استحباب طلب إقامة الحد، وأن من وقع في شيء تكفيه التوبة فيما بينه وبين الله .
اللهم إنا نسألك أن تتوب علينا وأن ترحمنا، وأن تغفر لنا، وأن تسترنا بسترك الجميل في الدنيا والآخرة، وأن تصفح عنا الصفح الجزيل، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وافسحوا لإخوانكم يفسح الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً رسول الله البشير النذير، والسراج المنير، والنبي الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى أزواجه وذريته الطيبين الطاهرين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله:
مما يجب حفظه: ما يحصل بين الزوجين
إن مما ينبغي حفظه ما يحصل بين الزوجين وتفاصيل ما يقع حال الجماع وقبله من مقدماته إلى غير ذلك من الأسرار البيتية، قال النبي ﷺ: إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها[رواه مسلم1437]. وقال ﷺ وقد أقبل على صف الرجال بعد الصلاة: هل منكم إذا أتى على أهله أرخى بابه وأرخى ستره، ثم يخرج فيحدث فيقول: فعلت بأهلي كذا، وفعلت بأهلي كذا؟ فسكتوا، فأقبل على النساء فقال: هل منكن من تحدث؟فقالت فتاة منهن: والله إنهم ليحدثون وإنهن ليحدثن، فقال: هل تدرون ما مثل من فعل ذلك؟ إن مثل من فعل ذلك مثل شيطان وشيطانة لقي أحدهما صاحبه بالسكة – أي في وسط الطريق – فقضى حاجته منها والناس ينظرون[رواه أحمد10977]. الحديث الأول أخرجه مسلم، والثاني أخرجه أحمد وهو حديث حسن.
عباد الله: إن الله يحب الستر ويكره الكلام بالكلام الفاحش، وإن مما يقع بين الرجل وامرأته مع أنه بالحلال، لكن لأنه خنا فإنه لا يتحدث به، لا يتحدث بأي شيء يثير الشهوات، حتى مجرد ذكر الوقاع أنه قد حصل دون تفصيل، إذا لم يكن له حاجة، كرهه العلماء، وعدوه من خوارم المروءة، حتى مجرد أن يخبر أنه قد حصل بينه وبين أهله شيء لغير مصلحة شرعية إنه مكروه؛ لأنه من خوارم المروءة.
عباد الله: إن الطبيب وغيره ممن يطلع على بعض أسرار الناس لا يحل له أن يفشي ذلك إلا إذا كانت هناك مضرة على المسلمين، فإنه يبلغ بها حتى لا تقع المضرة على المسلمين.
وقال العلماء: إن الإنسان إذا اطلع على شيء فيه ضرر على أحد بلغه بالحذر العام، ولا يتكلم عن الشخص إذا كان ذلك كافياً، فيقول له: انتبه واحذر وهناك من يريد إيقاع الشر بك، ونحو ذلك، فإذا لم يكن كف الشر ممكناً إلا بالإبلاغ عن هذا الشخص وجب الإبلاغ عنه، ويجب الإبلاغ عن كل من يحدث شيئاً فيه ضرر على المسلمين، كالذين يعملون أوكار الفجور والدعارة، وتوزيع المخدرات ونحو ذلك، يجب الإبلاغ عن هؤلاء وعدم الستر عليهم؛ لأن في ذلك مصلحة المجتمع المسلم.
عباد الله:
مما ابتلي به الناس من المجاهرة ببعض المعاصي
انظروا فيما حولكم من الناس كيف صارت المجاهرة بالمعاصي شيئاً عادياً، إن كل من يعلق صورة محرمة تعليقاً يظهر للناس، أو يلصق على سيارته عبارة بذيئة وهو يعلم معناها، أو يشرب شيئاً من المحرمات شفطاً وأخذاً لدخانه وسحباً، أو من السوائل التي يدخلها إلى جوفه أمام الناس فهو مجاهر بالمعصية، فلا تستغربن إذا رأيت من أهل الخير من مر بمدخن فلم يسلم عليه، ثم مر به وهو لا يدخن فسلم عليه؛ لأن ذلك من فقه معاملة من يجاهر.
كيف جاهر الناس برفع الأطباق لاستقبال موجات الشر، وبثها في بيوت المسلمين، حتى صارت كالأعلام ترفرف فوق البيوت، كيف يجاهر بعض الناس برفع أصوات الغناء عند الإشارات، وزجاج باب السيارة منخفض فينشر الفسق، كيف بمن يجلس على الشاطئ أو الرصيف وغيره فيعزف، وبعضهم يرقصون أمام الغادي والرائح، وهذه المرأة المتهتكة التي تنزل إلى السوق والشارع متبرجة متعطرة كاشفة عن الأقدام والسيقان، وعن الشعر، وعن غيره، تمشي أمام الناس، مجاهرة بالفسق والمعصية.
كيف صار حال بعض الناس في الإجهار بالفسق والمعاصي في الدعايات التي ينشرونها على الملأ، وفيها فجور أو دعوة لفجور أو حفلة غناء، أو اختلاط، أو قمار وميسر في معاملات تجارية، يجهر بها على الملأ.
لقد صارت مسألة الإجهار من المسائل العظيمة أيها الإخوة، ولذلك تجب النصيحة، ويجب القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لماذا؟ النهي عن المنكر واجب، ومحاربة المنكر لمكافحة الإجهار بالدرجة الأولى، الذي يجهر بالمعصية أمام الناس، كم وكم من الناس قد وقعوا في الإجهار، وحديث النبي ﷺ خطير خطير كل أمتي معافى إلا المجاهرين، لا معافاة لهم، نفى المعافاة عنهم، ومن نفيت عنه المعافاة فكيف ستكون حاله. نسأل الله السلامة والعافية.
اللهم إنا نسألك أن تطهر مجتمعاتنا من المنكرات، وأن تطهر بيوتنا من المعاصي والآثام، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الأتقياء، ارزقنا التقوى، وجنبا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، يا أرحم الراحمين، اللهم انصر الإسلام وأهله على الشرك والمشركين، اللهم دمر اليهود واهزم النصارى، اللهم اجعل بأسك على من عادى رسلك ودينك وعبادك المؤمنين يا رب العالمين.
أيها المسلمون: إن قلوبنا مع إخواننا المسلمين في كل مكان، في فلسطين وكشمير وغيرها وكوسوفو التي حرر بعض أهلها جزءاً منها، وانضم الآلاف إلى جيش المسلمين الذين يقاتلون الصرب بالرغم من تدمير قراهم، وما حصل من المآسي والفواجع والتشريد عليهم، وعلى أسرهم، ولا زال المسلمون في ألبانيا يواصلون إخوانهم المسلمين في كوسوفو بالإمداد والسلاح، وأعداء الله يصرون على قطع الخطوط، ولكن أواصر العقيدة تبقى هي الأقوى، ونسأل الله أن يعز دينه، وأن يذل أعداءه، اللهم يا منزل الكتاب، ويا مجري السحاب، ويا هازم الأحزاب، اللهم اهزم الصرب والنصارى واليهود، واجعل بأسهم فيما بينهم، فرق شملهم، وشتت جمعهم، وارزقنا النصر العاجل عليهم، يا رب العالمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وقوموا إلى صلاتكم، يرحمكم الله.