الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

التاريخ الهجري وكذبة أبريل وصيام عاشوراء


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أهمية التاريخ الهجري وعدم اعتبار الميلادي
معاني الهجرة
كذبة إبريل وحرمة الكذب
الخطبة الثانية
صوم عاشوراء
جرائم اليهود في فلسطين

الخطبة الأولى

00:00:07

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

أهمية التاريخ الهجري وعدم اعتبار الميلادي

00:00:31

أيها المسلمون: إننا هذا الأسبوع استقبلنا عاماً جديداً إسلامياً هجرياً، كان ابتداء عقد سنواته من أجل مناسبة في الإسلام ألا وهي هجرة النبي ﷺ التي ابتدأ بها تكوين الأمة الإسلامية في بلد إسلامي مستقل يحكمه المسلمون، ولم يكن التاريخ السنوي معمولاً به في أول الإسلام حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب ، ففي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته كتب إليه أبو موسى الأشعري : أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الصحابة فاستشارهم، فيقال: إن بعضهم قال: أرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكها، فكره الصحابة ذلك، فقال بعضهم: أرخوا بتاريخ الروم، فكرهوا ذلك أيضاً، فقال بعضهم: أرخوا من بعثة النبي ﷺ، وقال آخرون من مهاجره، فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها، واتفقوا أن يعدوا السنوات ابتداء من الهجرة فيكون العام الذي حصلت فيه الهجرة هو العام الأول للتاريخ الإسلامي، ثم تشاوروا من أي شهر يكون ابتداء السنة؟ فقال بعضهم: من رمضان لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن، وقال بعضهم: من ربيع الأول لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي ﷺالمدينة مهاجراً، واختار عمر وعثمان وعلي أن يكون من المحرم لأنه شهر حرام يلي شهر ذي الحجة الذي يؤدي المسلمون فيه حجهم الذي به تمام أركان دينهم، والذي كانت فيه بيعة الأنصار للنبي ﷺ، والعزيمة على الهجرة، فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من الشهر المحرم الحرام، وهي بداية مناسبة بعد عودة المسلمين من أطراف الأرض إلى بلدانهم بعد أدائهم الفريضة العظيمة وهي فريضة الحج.

أيها المسلمون: إن من المؤسف حقاً أن يعدل أكثر المسلمين اليوم عن التاريخ الإسلامي الهجري إلى تاريخ النصارى الميلادي الذي لا يمت إلى دينهم بصلة، ولئن كان لبعضهم شبهة من العذر حين احتل النصارى بلادهم، وأرغموهم على التاريخ بالتاريخ الميلادي وتناسي التاريخ الإسلامي الهجري، فليس لهم عذر الآن في البقاء على تاريخ النصارى الميلادي، وقد أزال الله عنهم ذلك الكابوس في احتلال أولئك النصارى.

معاني الهجرة

00:04:13

وعندما نستقبل عاماً جديداً إسلامياً هجرياً شهوره هي الشهور الهلالية التي هي عند الله في كتابه كما قال تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌسورة التوبة36الشهور التي جعلها الله تعالى مواقيت للعالم كله، قال الله يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ سورة البقرة189 فينبغي أن تكون الأهلة مواقيت الناس جميعاً بدون تخصيص، لا فرق بين عرب وعجم، وهذا نص الآية مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِهذه الأهلة وهي علامات محسوسة ظاهرة لكل أحد يعرف بها دخول الشهر وخروجه، فمتى رؤي الهلال من أول الليل دخل الشهر الجديد وخرج الشهر السابق، هذا بخلاف الشهور الإفرنجية التي هي شهور وهمية غير مبنية على مشروع ولا معقول ولا محسوس، بل هي شهور مختلفة بعضها عن بعض دون سبب واضح، فهذا ثلاثون يوماً، وهذا واحد وثلاثون، وهذا ثمانية وعشرون، لماذا؟ لا يعرف لاختلافها أي سبب حقيقي معقول ومحسوس، ومع هذا يحافظ عليها الكفرة ويثور رجال دينهم اليهود والنصارى إذا أريد تغيير أشهرهم الوهمية وعملوا اصطلاح آخر، بينما نحن أهل الدليل والبينة الأهلة مواقيتنا وهي أمور بينة واضحة ترى في السماء، وعندما نستقبل عاماً جديداً إسلامياً هجرياً فإننا لا نحدث عيداً بدخوله؛ لأن أعيادنا معروفة، وأما الدعاء بأن يكون هذا العام عام خير وبركة فلا بأس بذلك، وليست العبرة أيها الإخوة بكثرة السنين وإنما العبرة والغبطة بمن أمضاها في طاعة ربه، وهي شر لمن أمضاها في معصية الله والتمرد على طاعته، وشر الناس من طال عمره وساء عمله، فعلينا أن نستقبل أيامنا وشهورنا وأعوامنا بطاعة ربنا ومحاسبة أنفسنا وإصلاح ما فسد ومراقبة المولى جل وعلا، وأن نراقب من أجله الأهل من الزوجات والأولاد والبنين والبنات والأقارب، فإننا مسئولون عنهم كما قال الله: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُسورة التحريم6وينبغي اغتنام الأوقات بطاعة الله ، وربما قد شهدنا في الأيام الماضية وفاة عدد من الناس، لم يأت عليهم هذا العام ماتوا قبل بلوغه، فالعبرة إذن بمن ينتهز الفرصة لطاعة الله .

عباد الله: يكثر الناس من التحدث عن هجرة النبي ﷺ في بعض هذه المناسبات، ولكن لا يعدو حديثهم أن يكون في الغالب قصصاً تاريخية يملئون بها الفراغ في أيام معدودات، ثم تنسى وتترك دون أن يكون لها أثر في النفوس، يغفل هؤلاء عن المعنى الكبير للهجرة مفارقة الإنسان غيره ببدنه، أو بلسانه، أو بقلبه، مفارقة بلاد الكفر أو مفارقة الأشرار، أو مفارقة الأعمال السيئة والخصال المذمومة، الهجرة من ملة إبراهيم الذي قال: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِسورة الصافات99، فترك أرض الكفر التي كان فيها وهاجر ببعض ذريته إلى الشام حيث البلاد المقدسة والمسجد الأقصى، وبالبعض الآخر إلى بلاد الحجاز حيث البلد الحرام والبيت العتيق، كما جاء في دعائه لربه: رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِسورة إبراهيم37، وهذه الهجرة من شريعة محمد ﷺ، فلما اشتد الأذى على المسلمين أمرهم فخرجوا إلى الحبشة مرتين فراراً بدينهم وبقي حتى جعل الله له دار هجرته في المدينة فخرج إليها مع المسلمين:وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًاسورة الإسراء80، ولا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، وصار المهاجرون أفضل الصحابة حيث فروا بدينهم وتركوا أعز ما يملكون من الديار والأموال والأقارب والعشيرة، وكان هناك وعيد لمن قدر على الهجرة ولم يفعل: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًاسورة النساء97 إلا أهل الأعذار، إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ۝ فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًاسورة النساء98-99، ولذلك لا يجوز لإنسان أن يقيم بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين، فعند ذلك يكون ظالماً لنفسه، فمن لم يستطع إظهار دينه في بلد وجب عليه الخروج إلى بلد يستطيع ذلك فيها: وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةًسورة النساء100يجد مكاناً يتحصن فيه من أذى الكفار، وسعة في الرزق، يعوضه الله بهما عما ترك في بلده من المال، والهجر للمعاصي من الأنواع العظيمة للهجرة، هجر الكفر، والشرك، والنفاق، وسائر الأعمال السيئة، والخصال الذميمة، والأخلاق الوخيمة، قال الله تعالى لنبيه: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْسورة المدثر5اتركها وتبرأ منها، أي: هذه الأصنام، والرجز أي: الأصنام، فاهجر اتركها، وهؤلاء يريدون اليوم أن نتعلق بها لأنها من تراث البشرية.

ومن أنواع الهجرة هجر العصاة من الكفار والمشركين والمنافقين والفساق، وقد قال تعالى: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًاسورة المزمل10كان ذلك في أول الأمر قبل أن يؤمر بالجهاد، وأما هجرة القلوب إلى الله تعالى فرأس الهجرة بإخلاص العبادة له في السر والعلانية، واتباع أمره سبحانه، وأن يحب المسلم ما يحب ربه ، وأن يكره ويهجر ما يكرهه ربه ، فالهجرة إلى الكتاب والسنة فراراً من الشركيات والبدع والخرافات، هجر أماكن الكفر، وهجر الأشخاص الضالين، وهجر رفقة السوء، وهجر الأعمال والأقوال الباطلة، وهجر المذاهب والأقوال والآراء المخالفة للكتاب والسنة، المخالفة للدليل الشرعي ولو كانت في مذهب من المذاهب، أو في قول إنسان كبير من الكبراء، فإن المقصود أيها المسلمون أن نترك هذا للكتاب والسنة، وأن نهجره طاعة لله ، فواعجباً من الذين يتحدثون في القنوات عن الهجرة وهم مقيمون على الفسق والمعاصي، واعجباً ممن يذهبون إلى بلاد الكفر ويسكنون بين أظهرهم ويقلدونهم فيما هم فيه ويتأثرون بهم، مع أن الله سبحانه قد أمر عباده بترك الكفار والذهاب من أماكنهم.

كذبة إبريل وحرمة الكذب

00:13:49

عباد الله: ويتوافق في أول هذا العام الهجري عامنا هذا مع بدعة سيئة مخزية، وأمر محرم مذموم، ولكن الناس يتسلون به تقليداً للكفرة، الذين يجب هجر عاداتهم وتقاليدهم، ألا وأن هذه القضية كذبة إبريل نيسان، ومعلوم أن الكذب من مساوئ الأخلاق، وبالتحذير منه جاءت الشرائع، وعليه اتفقت الفطر، وبه يقول أصحاب المروءة والعقول السليمة، الصدق أحد أركان بقاء العالم وهو أصل المحمودات وركن النبوات، ونتيجة التقوى، ولولاه لبطلت أحكام الشرائع، والاتصاف بالكذب انسلاخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق؛ لأنه هو الذي يتكلم ويعرب عما في نفسه، لقد دل الكتاب والسنة والإجماع على تحريم الكذب، وأنه لم يأت في الشرع جوازه إلا في أمور معينة وحالات ضيقة لا يترتب عليها أكل حقوق ولا سفك دماء ولا طعن في الأعراض ولا ترويع للناس، بل في مواضع فيها إنقاذ للنفس، أو إصلاح بين اثنين، أو مودة بين زوجين، ولم يأت في الشريعة يوم أو لحظة يجوز أن يكذب فيها المرء ويخبر بها بما يشاء من الأقوال المكذوبة، فصارت هذه البدعة الجديدة كذبة نيسان إبريل في اليوم الأول من الشهر الرابع الشمسي الذي تحدثنا قبل قليل عن بطلان التقويم به، وأنه لا دليل عليه في ابتداء الشهر ولا في انتهائه، والشمس تدور باستمرار، ودورانها بعضه من بعض، ولا يرتب عليه تقويم.

الكذب محرم يا عباد الله، وقد قال : إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَسورة النحل105، والنبي ﷺ ليس بمفتر ولا كذاب، وقد نفى الله عنه هذه المسألة، ووصفه بأنه صادق، وأنه أمين، وهكذا وصفه الناس، وآية المنافق ثلاث ومنهم إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وقد حرم الإسلام الكذب في مواضع كثيرة، وأهمها وأشدها وأعظمها إثماً تحريم الكذب على الله ورسوله وهو أشنع الكذب، وصاحبه معرض للوعيد الشديد، ومن ذلك الإفتاء بغير علم: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَسورة النحل116، والكذب على النبي ﷺ مصير صاحبه النار يتبوأ فيها مقعده، ويرجع ويستقر، فالمباءة هي المستقر ومرجع الشخص.

وحرمت الشريعة الكذب في البيع والشراء كما قال النبي ﷺ: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال: المنفق سلعته بالحلف الكاذب[رواه مسلم106]، وقال ﷺ في البائع والمشتري: وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما[رواه البخاري2079 ومسلم1532]، وحرمت الشريعة الكذب في الرؤى والأحلام، وأن يدعي الإنسان أنه رأى رؤية وهو لم يرها، وقد قال النبي ﷺ في وعيد من يفعل ذلك: من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل[رواه البخاري7042]فهو يكلف بما لا يطيق يوم القيامة، ولا يمكن العقد بين شعيرتين أبداً، ولما كان من المستحيل أن يري عينيه ما يريد، فكذلك يكلف بهذا المحال يوم القيامة، ويحرم على الإنسان أن يتحدث بكل ما يسمع؛ لأن النبي ﷺ قال: كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع[رواه مسلم5].

يعني: دون ترو ولا تثبت، وقد توعد الكذاب بعقوبات دنيوية مهلكة: فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَسورة التوبة77، والكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وهكذا لا يزال الكذاب يكذب الكذبة الواحدة تلو الأخرى حتى يكتب عند الله كذاباً.

وترد شهادة الكذاب عند القاضي، وفي الفتيا، والرواية، وفي رؤية الهلال، وغيرها فيسقط في الدنيا وفي الآخرة، وسواد الوجه له في الدار الآخرة: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌسورة الزمر60هذه أشد آية في الذين يفتون بغير علم؛ لأنهم يكذبون على الله، فتسود وجوههم يوم القيامة، وأما في القبر فإن الكذاب يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه، وهكذا من اليمين والشمال يحدث له طيلة مكثه في القبر، هذا الذي يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق.

ويظن بعض الناس بمناسبة كذبة إبريل أن الكذب للمزاح من باب الترفيه، وهذا أمر محرم ولا شك، وقد قال النبي ﷺ: إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً[رواه الترمذي1990]، وكذلك فإنه ﷺ نهى أن يروع المسلم أخاه، وقال: لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً[رواه أبو داود5003]فلا يجوز الكذب لترويع المسلم، بل حتى عند الصبيان لا يجوز الكذب، ولما مدت امرأة يدها إلى ولدها وقالت: تعال أعطيك، فقال رسول الله ﷺ: وما أردت أن تعطيه؟ قالت: أعطيه تمراً، فقال ﷺ: أما إنك لو لم تعطيه شيئاً كتبت عليك كذبة[رواه أبو داود4991]رواه أبو داود وهو حديث حسن.

والكذب لإضحاك الناس مهدد صاحبه بالويل، وتكفي هذه الكلمة: ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له ويل له[رواه الترمذي2315]، يطبع المؤمن على الخلال كلها غير الخيانة والكذب كما قال أصحاب النبي ﷺ.

يكذب المسلم للإصلاح بين متخاصمين، ويكذب لأجل رتق ما بينه وبين زوجته من الشقاق والخلاف، ويثني عليها بأشياء ولو لم تكن فيها، كأجمل شكل، وأحسن أكلة، ونحو ذلك، من أجل أن يتألف قلبها، فهذا جائز في الشريعة، وفي الحرب وهي الخدعة، يجوز الكذب لأجل أنها للجهاد وفي سبيل الله.

أما كذبة نيسان إبريل التي قيل: إنها نشأت مع احتفالات الربيع وتعادل الليل والنهار، وقيل: إنها بدأت في فرنسا عند تغيير التاريخ وفرض التقويم الجديد، وبعضهم قال: إنها تعود إلى ما يسمى بسمكة إبريل، وأن الشمس تنتقل فيه من برج الحوت، إلى آخر تلك الخرافات، وبعضهم كالإنجليز يسمونه يوم الحمقى والمغفلين، ويقال: إن ذلك كان من تهكم الكفار بالمسلمين الذين كانوا في الأندلس، فإنهم لما أحاطوا بهم بالمؤامرات، ومكروا بهم، واتبعوا تلك الطرق والحيل الخبيثة، اعتبروا سقوط آخر حصن للمسلمين في غرناطة في أول إبريل هو خدعة إبريل، ويوم الحمقى يقصدون به المسلمين، وعلى أية حال أياً ما كان السبب في اختراع هذه القضية أو سبب تسميتها فإن المهم أن الكذب حرام.

ومن الناس من يخبر بوفاة ولد أو زوجة أو بعض المحبين فلا يتحمل المخبر به هذه الكذبة فيفلج ويشل ولا يحتمل الصدمة ويصاب بما يدمر حياته، وربما كذب بعضهم على آخر بخيانة زوجته فقال: رأيتها مع رجل، ثم يقول: كذبت إبريل، وبعضهم وبعضهم يفعلون أشياء عجيبة، والذين يريدون المزح بالكذب عليهم أن يتقوا الله، وأن يعلموا أن الكذب حرام في أول الشهور الميلادية أو غيرها، كل ذلك محرم في أي وقت، إلا ما سمحت به الشريعة.

نسأل الله أن يطهر قلوبنا من الرياء، وأعمالنا من النفاق، وألسنتنا من الكذب.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:24:30

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

صوم عاشوراء

00:24:46

عباد الله: دخلنا في هذا الشهر الحرام، وقد قال الله تعالى فيه: فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْسورة التوبة36وفي غيره من الأشهر الحرم الأربعة، وهذا شهر المحرم شهر عظيم، قال النبي ﷺ في شهره: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم [رواه مسلم1163]، والله يصطفي ما يشاء من الزمان والمكان، وفي هذا الشهر يوم عظيم هو يوم عاشوراء، ولما جاء النبي ﷺ ورأى اليهود يصومونه قال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه.[رواه البخاري2004]رواه البخاري، فلم يبق ﷺ لأهل الكتاب فضيلة إلا وانتزعها منهم، وهكذا كان صيام عاشوراء في الإسلام، ولأجل مخالفتهم، فإن النبي ﷺ شرع لنا أن نصوم يوماً قبله، وهذا هو الراجح في سبب صيام تاسوعاء؛ ولذلك قال ﷺ في آخر عمره: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع [رواه مسلم1134]فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله ﷺ، قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً؛ لأن النبي ﷺ صام العاشر ونوى صيام التاسع، وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وكلما كثر الصيام في محرم كان أفضل وأطيب، هذا اليوم الذي يكفر صيامه السنة التي مضت، كما قال: إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله[رواه الترمذي752]فتأمل كيف صار عام التوقيت الهجري مناسباً لصيام عاشوراء الذي يكفر السنة التي قبله، هذا الصيام وهذه العبادة العظيمة التي فيها هذا الأجر الكبير ينبغي للمسلم أن يحرص عليه، وإذا اشتبه أول الشهر أتموا ذي الحجة ثلاثين يوماً على القاعدة ثم صاموا بعد ذلك، وفي صوم تاسوعاء مع عاشوراء احتياط لعاشوراء، وإذا صام يوماً قبل تاسوعاء أي: ثلاثة أيام، كمثل هذا الشهر الإثنين والثلاثاء والأربعاء صار محتاطاً بتاسوعاء وعاشوراء، فإذا قال: صيام يومين فقط، نقول: تاسوعاء وعاشوراء في هذه السنة الثلاثاء والأربعاء، وإذا قال: لا أصوم إلا يوماً واحداً، فنقول: صم الأربعاء، وهو عاشوراء على إتمام ذي الحجة ثلاثين، فإذا قال: أريد أن أصوم بعده يوماً لأنه يوم الإجازة ولا أريد أن أصوم يوماً قبله، قلنا: افعل ذلك ولا حرج، فصم الأربعاء والخميس في هذه السنة.

أيها الإخوة: إن المبادرة إلى قضاء رمضان مطلوبة؛ ولذلك فليبادر من عليه قضاء قبل أن يصوم عاشوراء، وأما التوسعة فيه  على العيال فإنه لا أصل لذلك في السنة، وهي بدعة من البدع، قابل بها بعض الجهلة أهل البدعة فوقعوا في بدعة أخرى، فإنه من المعلوم أن طائفة جاهلة، ظالمة، منافقة، غاوية، تجعله يوم نياحة، ومعلوم حكم النياحة في الإسلام، وأنها حرام، فإذا جعل الدين نياحة فهذه مهزلة، قابلهم بعض الجهلة فجعلوه يوم فرح، ووسعوا فيه على العيال، وأظهروا فيه الزينة واللباس الجديد ونحو ذلك، وكل ذلك بدعة منكرة، هو يوم عظيم يصومه المسلمون ويخالفون فيه أهل الكتاب استحباباً بصيام يوم قبله، يحتسبون على الله أن يكفر السنة التي مضت، هذه كل القضية.

جرائم اليهود في فلسطين

00:29:39

عباد الله: ومع إطلال عامنا هذا يبادر اليهود إلى إحلال المصائب العظيمة بالمسلمين فيفتحون نيرانهم على العزل وعلى المدنيين، ويرمونهم بالطائرات وبمدافع الدبابات والأسلحة المختلفة والقنابل، وتنفجر القذائف الحديثة التي تنطلق منها المسامير الحادة جداً بطول ثلاثة سنتيمتر تقريباً وعرض اثنين إلى ثلاثة مليمترات بتلك الرؤوس المدببة الحادة لأول مرة تستخدم لكي تصيب المسلمين فتهتك أجسادهم وشرايينهم فينزفوا حتى الموت، ويعتدي يهود على إخواننا في أرض فلسطين، ويستهدف قناصتهم القلوب كما ماتت سعاد الشيخ في ثلاث وأربعين عاماً برصاصة في الرأس، ومحمود خالد خمسة عشر عاماً برصاصة في القلب، وهكذا تموت عجوز فلسطينية اختناقاً في شمال الضفة بإطلاق غاز مسيل للدموع مخلوط بأشياء أخرى ينفجر في بيتها ليقول الطبيب في القرية: عندما وصلت إلى منزل الضحية التي كانت تعاني مشاكل في القلب وجدتها قد فارقت الحياة بسبب الاختناق وآثار الغاز بادية في منزلها بشكل واضح، ويقتل طفل لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره بانفجار جسم مشبوه موضوع في قفاز مما يستخدمه الملاكمون كان ملقى على الأرض قرب مسجد النور في شرق مدينة رفح ويمزق الجسم المشبوه الذي هو عبوة ناسفة متطورة شديدة الانفجار جسد الطفل إلى أشلاء، تطاير بعضها إلى مسافة تزيد عن عشرين متراً، بعيداً عن مكان الانفجار فيما التصقت أجزاء أخرى من جسده ودمائه بجدران المنازل المجاورة للمسجد، وتنقل أشلاء الطفل والجرحى الثلاثة الذين جرحوا معه إلى المستشفى ليقول مديروه: إنه لم ير في حياته أبشع من هذا المنظر، إن هذه الجريمة وغيرها من الجرائم التي تعبر عن مكر اليهود عندما يضعون في متناول الأطفال هذه الأشكال التي تجذبهم لكي يتمزقوا أشلاء، ويريدون الانتقام من أطفال يلقون عليهم الحجارة يومياً من محيط المسجد.

وهكذا أيها المسلمون تتوالى تلك الجرائم في بلاد فلسطين مؤججة الحماس في نفوس المسلمين للجهاد في سبيل الله، وللتضحية من أجل بيوت الله ، خلافاً لما يقوله ذلك الدعي الغبي: إن المسجد الأقصى مسجد عادي، وإن الصلاة في أي مكان أخرى ممكنة، هؤلاء الذين يريدون تضييع القضية وتمييعها، وإزالة تلك الهيبة لذلك المسجد من النفوس سيبوؤن بالخسران حتماً.

وإن هذه الأحداث تؤجج في نفوس المسلمين في بلاد فلسطين وغيرها من بلاد العالم الإسلامي، بل والجاليات المسلمة في العالم عموماً الرغبة الأكيدة، والحرص الشديد، والعزيمة القوية، والإرادة الجازمة للانتقام من هؤلاء اليهود في يوم من الأيام، نسأل الله أن يجعله قريباً عاجلاً.

عباد الله: إن هؤلاء يصرحون، أي: اليهود، بأن هؤلاء المسلمين الذين ينطلقون لأجل العمليات بينهم ينطلقون من الدين، فكما يقول شاؤون ناندوا الضابط الكبير في الشابات الصهيونية من خلال تجربة الماضي: تبين للأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن هناك علاقة وطيدة بين تصاعد عمليات العنف وانتشار التدين في أوساط الشباب الفلسطيني، موضحاً أن التدين يفتح الطريق أمام انضمام الشباب الفلسطيني إلى تلك الحركات التي يسميها متطرفة، وإن تشبع هؤلاء الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الثماني عشرة والثمانية والعشرين بفكرة أن من مات شهيداً في محاربة اليهود يدخل الجنة، إلى جانب اقتناعهم، هذا كلام اليهودي، بأن الحياة بعد الموت هي أفضل وأنعم بكثير من الحياة الحالية، كل ذلك يدفع الشباب إلى الانضمام لساحة العمل الجهادي ضد اليهود، يقول: إن المرء عندما يتوصل إلى قناعة جازمة بأن هناك حياة أخرى أفضل من الحياة الحالية فإنه يندفع للانتقال إليها، وهذا ما يحدث مع ظاهرة الاستشهاديين، على حد تعبيره.

ونحن نتفاءل بأن ما يحدث الآن في أرض فلسطين هو جهاد حقيقي، هذه بداياته؛ لأن القضية لم تخف وهي متوالية ومستمرة تمهيداً لإخراجهم من تلك الأرض بإذن الله ، هذا التفاؤل الذي تبعث عليه الشواهد يتطلب منا أيها المسلمون عملاً حقيقياً في إعداد جيل سيكون هو جيل الفتح المبين بإذن الله، جيل يتربى على القرآن والسنة بعيداً عن البدع والشركيات، بعيداً عن الميوعة وأنواع الانحرافات، بعيداً عن المعاصي والموبقات، هذا ما يجب أن نقيم أنفسنا وأولادنا عليه.

نسأل الله أن يمكننا من نصرة دينه، وأن يعيننا على تطهير أنفسنا لأجل تطهير بيت المقدس من دنس اليهود.

وأحوال إخواننا في مقدونيا مأساوية جداً، يقاتل الكفرة جنباً إلى جنب، ومتطوعين من بلدان الكفر، وأسلحة تصب من إخوانهم في الغي والكفر يمدونهم بها، وأهوال وفظائع ستكشف عنها الأيام القادمة.

اللهم إنا نسألك الغوث العاجل للمسلمين، اللهم إنهم جياع فأطعمهم، وإنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم منكوبون فأغثهم، اللهم انصر المجاهدين وارفع علم الدين، اللهم طهر بيت المَقدس المُقدس من اليهود الغاصبين، اللهم واجعلنا ممن نصرة بهم الدين يا أرحم الراحمين.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه مسلم106
2 - رواه البخاري2079 ومسلم1532
3 - رواه البخاري7042
4 - رواه مسلم5
5 - رواه الترمذي1990
6 - رواه أبو داود5003
7 - رواه أبو داود4991
8 - رواه الترمذي2315
9 - رواه مسلم1163
10 - رواه البخاري2004
11 - رواه مسلم1134
12 - رواه الترمذي752