الباب مفتوح والأجر مضاعف

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن ربنا تعالى كريم وهاب، واسع العطاء، متفضل ذو الفضل العظيم، وهو  شكور يشكر لعباده أعمالهم، ويعطي الكثير على العمل القليل، والنبي ﷺ علم أم المؤمنين ذلك، فخرج عليها وهي جالسة بعد صلاة الغداة لم تتحرك، فقال: ما زلت على الحال التي كنت عليها؟ قالت: نعم، قال: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزينة عرشه، ومداد كلماته^[1]، هذه الكلمات الأربع من قالهن ثلاث مرات عُدلت بتلك الجلسة كلها مع أن هذه الكلمات وقت قولها يسير، ولا تأخذ جهداً.

وتأمل يا مسلم في حديث: الحمد لله تملأ الميزان كم تستغرق منك من الوقت لتقولها، الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله، والحمد لله تملآن ما بين السماوات والأرض ^[2]، تملآن ما بين السماوات والأرض!.

الكريم يقول لك: اعمل وخذ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [سورة الإخلاص:1] عشر مرات يبنى له بيت في الجنة^[3]، تكظم غيظاً في موقف واحد تختار ما تشاء.

الله  كريم واسع العطاء، إذا سبَّح الإنسان مائة تسبيحة يكون له ألف حسنة، كما قال ﷺ؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، تريد نخلاً في الجنة؟ من قال: سبحان الله العظيم وبحمده؛ غرست له نخلة في الجنة^[4]كم يأخذ من الوقت قولها، ولكن ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب.

عباد الله، من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة؛ حطت خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر^[5]أنتم تعرفون البحر وترونه، وترون ما يعلوه من الزبد الأبيض، فوق أمواجه، كم هو كثير هذا الزبد، لو كانت الخطايا مثل زبد البحر فإنها تذهب كلها، بأي شيء؟ سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة.

كان الصحابة في يوم من الأيام يصلون وراء النبي ﷺ "فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده، فقال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف من الصلاة قال ﷺ: من المتكلم؟ فقال الرجل: أنا" لا يقصد إلا الخير "قال ﷺ: رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها يتسابقون إليها  أيهم يكتبها أول"^[6].

عباد الله: هكذا إذا قال الإمام في الأرض آمين بعد الفاتحة تقول الملائكة في السماء آمين أيضاً مع الإمام، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، سبحان الله! ماذا تحتاج هذه الموافقة؟ انتباه من المأموم، وإذا وصل الإمام إلى موضع التأمين، وانتهى من قوله: وَلاَ الضَّالِّينَ [سورة الفاتحة:7]، وجاء وقت التأمين يقول المأموم: آمين، فإذا وافق تأمين المأموم تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه؛ لأن المقابل عظيم عند الله تعالى.

كلنا نحب الكنوز، الكنز كلمة يسيل لها اللعاب، فإذا أردت كنزاً، وهو كنز مضمون لا يذهب في الأزمات المالية، ولا يتبخر بهذه الكوارث الاقتصادية؛ لأنه مضمون لا في بنك يفلس، ولا بأوراق ربما لا تساوي الحبر الذي طبع فيها، ولكنه كنز مضمون عند رب السموات والأرضين، مالك الملك، الذي له ميراث السموات والأرض، مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ [سورة النحل:96] كيف نحصل على هذا الكنز؟ ما هي الوسيلة؟ قال ﷺ لأبي موسى: "ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة؟ قلت: بلى، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله" لا حول: لا قدرة، ولا قوة، ولا استطاعة، لا حول ولا قوة إلا بالله^[7] الباء باء الاستعانة، لا حول ولا قوة إلا بالله تبرؤ العبد من حوله، وقوته، ولجوئه إلى ربه، هذه الكلمة بحد ذاتها كنز من كنوز الجنة، وكنوز الجنة لا تُسرق، لا تَفنى وتبيد، وإنما هي باقية.

أيها المسلمون: إذا تقلب رجل في الجنة بشجرة قطعها في الطريق كانت تؤذي المسلمين، وإذا كان الإنسان لو عاد أخاه المريض فإن مسافة الزيارة في الذهاب والمسافة في العودة هذه المسافة كلها من ثمر الجنة، وخرف الجنة، كأنه يسير في مخراف، والمخترف المجتنى من ثمر الجنة، اخترف يعني اجتنى، وأخذ الثمر من الشجرة، فهو يسير في هذه المخرفة، وقال في الحديث: وكان له خريف في الجنة^[8]، فليس الخريف هو الفصل المعروف، وإنما الخريف هو الثمر المجتنى.

وفي الوضوء أشياء لها مقابل عظيم: ما منكم من أحد يتوضأ، فيحسن الوضوء، ثم يقول حين يفرغ من وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية^[9]بعد إسباغ الوضوء، هذه الكلمات اليسيرة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية، إذن نحن نتاجر مع الله، والله سمى أعمالنا معه تجارة، وقال: ألا أدلكم على تجارة هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ؟ لكنها تجارة تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [سورة الصف:10].

عباد الله: هذا الأذان نسمعه، وهذه المكبرات في المسجد يصل صوتها إلى بيوتنا، وعبر الآلات الحديثة، ووسائل البث يصل الأذان المباشر إلى أجهزتنا أينما كنا، عندما يرفع المؤذن الأذان، وينتهي من ذلك، بالإضافة لترديد المعروف قال ﷺ: من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وهذه معروفة نقولها في التشهد: رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، وهذه معروفة نقولها في أذكار الصباح والمساء، النتيجة قال:غفر له ذنبه ^[10]،  أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً يغفر له ذنبه! سبحان الله العظيم!.

اللهم ارزقنا فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، خلق فسوى، وقدر فهدى، لا إله إلا هو يفعل ما يشاء، ويحكم ما يشاء، له الحكم وإليه ترجعون، له مقاليد السموات والأرض، يكور الليل على النهار، ويكور النهار على الليل، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، كل يوم هو في شأن، ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير والنذير والسراج المنير.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك إمام المتقين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وقائد الغر المحجلين، صل وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه، وذريته الطيبين، وآله وخلفائه الميامين، وأزواجه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله: إن عملية الاحتساب، وهي أن تعمل وترجو رجاء الأجر عند الله أن يقوم في قلبك وقت العمل الرجاء، هذا الاحتساب أثره عظيم؛ لأن بعض الناس يعملون عادة وتغيب العبادة، وبعض الناس يعملون سهواً وغفلة، ولا يرجون، وبعض الناس يعملون مكرهين، وبعض الناس يعملون خشية الفضيحة، وبعض الناس يعملون تحت الضغط والإلحاح، كما يفعل بعض الأولاد في البيوت، وذلك بملاحقتهم في قضية الصلاة، لكن -يا عبد الله- ما أحلى العمل إذا كان هذا العمل في ابتغاء الأجر من الله والاحتساب: إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة، لا ينهزه يعني لا يخرجه إلا الصلاة؛ لم يخط خطوة إلا رفع بها درجة، أو حطت عنه بها خطيئة هذه أجر الخطوات، لكن ماذا تفعل الملائكة لهذا الإنسان، وبماذا تكرمه؟ قال: والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه ماذا تقول؟ بماذا تدعو؟ اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ما لم يحدث فيه، ما لم يؤذ فيه، ولا زال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه^[11]هذا فضل الانتظار والمرابطة.

من منا لم يستيقظ يوماً من الليل فجأة، قلق أرق استيقظ فجأة؟ قال ﷺ: من تعارَّ من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته^[12] هذا من تعارَّ من الليل فقال هذه الكلمات.

نجلس في المجلس نخبط عشواء، ونتكلم في الطالع والنازل، لكن هنالك كلمات تقال في آخر المجلس تمسح، منظفات: من جلس في مجلس فكثر فيها لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، غفر له ما كان في مجلسه ذلك^[13].

عمل العمرة أجره عظيم لكن قد يقول الآن الحرم لا زال فيه زحمة، كيف أنا أؤدي عمرة، وأنا في بلدي، وأنا في مكاني: من صلى الغداة يعني الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة^[14].

ومن فطر صائماً؛ كان له مثل أجره^[15]، ومن اتبع جنازة حتى يصلى عليها له قيراط مثل الجبل في الأجر، فإذا تبعها حتى تدفن فله قيراط آخر، فإذا انصرف بعد الدفن كتب له قيراطان من الأجر مثل الجبل العظيم، كل واحد.

وصلاة في مسجد النبي ﷺ خير من ألف صلاة فيما سواه، وفي المسجد الحرام خير من مائة ألف صلاة، والصلاة في مسجد قباء تعدل عمرة.

عباد الله: الفرص كثيرة، ومهما تغيرت الأحوال اقتصادية تبقى الفرص هنا كثيرة، أما في الدنيا الفرص تقل وتكثر، لكن هنا فرص عظيمة، والأجر مضمون من الله ، لا تحتقر شيئاً: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [سورة الزلزلة:7]، تصدقت عائشة بحبة عنب، فتعجب السائل، قالت: "إن في حبة العنب مثاقيل ذر كثير".

اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تغفر لنا أجمعين، وأن تتوب علينا يا أرحم الراحمين، وأن توفقنا لما تحب وترضى.

عباد الله: هذا عامنا الهجري قد انقضى، ويدخل عام جديد، والمهم محاسبة النفس للارتقاء إلى مزيد من الأعمال الصالحة، والاستغفار من الذنوب التوبة، وأما ختم العام بعبادة خاصة كصيام آخر يوم في العام، أو عمل عبادة خاصة آخر لحظة في العام، فهذه بدعة ليس لها دليل من الكتاب والسنة، وكذلك لم يرد في التهنئة بالعام الجديد شيء، وإذا هنأك أحد فهنئه لعموم قوله تعالى: وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [سورة النساء:86]، والدعاء طيب، لكن الاحتفال هذه بدعة لا تجوز، ومشابهة للنصارى، فنحن لا نحتفل برأس السنة الهجرية القمرية كما يحتفل أولئك القوم برأس سنتهم، لكننا نسأل الله أن تكون سنة خير، وأن يكون عام بركة.

اللهم اجعله عاماً مباركاً على الإسلام والمسلمين يا رب العالمين، واجعله عام نصر للإسلام والمسلمين في الأرض، إنك على كل شيء قدير.

اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم إنا نسألك لإخواننا في الشام واليمن ومصر، وسائر الأرض أن تكون معهم، وأن تجمع على الحق شملهم، وأن تنصرهم على عدو الإسلام وعدوك يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد، اللهم إنا نسألك أن تُعتق رقابنا من النار، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات، آمنا في الأوطان والدور، وأرشد الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ