الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فرح وسرور المؤمنين برمضان
عباد الله: ما من أحد يحب أحدًا إلا ويتمنى أن يطلب منه طلبًا، ويكون أمر المحبوب سرورًا في النفس، وليس ثقلًا عليها، يكون الشوق إلى تلبية أمر المحبوب عظيمًا، فكيف إذا كان المحبوب هو الله ؟ وقد أمرنا بالصيام، وقال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ [سورة البقرة:183] فكيف تتلقاه نفوس المحبين له؟
الجواب: في غاية الفرح والسرور والشوق، والمسارعة لتلبية الأمر، والتلذذ به: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ [سورة يونس:58] وهذا سر ومنشأ فرح المؤمنين برمضان.
عظم شأن دعاء الصائم
وإذا تأملت -يا عبد الله- آيات الصيام في سورة البقرة ستجد أنها قد دخل فيها عبادات عظيمة بعد الصيام: القرآن، والدعاء، والذكر، والتكبير، والاعتكاف.
والدعاء شأنه عظيم، وصلته بالصيام كبيرة، والدعاء مع الصائم حاله عظيمة، للصائم دعوة لا ترد أثناء نهاره وعند فطره. وليل رمضان عظيم وليس فقط النهار.
شروط استجابة الدعاء الظاهرة والخفية
فتعالوا بنا نستلهم بعض المعاني ونغوص في هذه العبادة الشريفة الجليلة العظيمة الناجحة: "الدعاء".
الدعاء هناك أسرار فيه ربما تغيب عن الناس، والدعاء المثمر، الدعاء المستجاب هو الدعاء الذي يبحث عنه الناس، فكيف يكون الدعاء مستجابًا؟ هل هناك خصائص؟ هل هناك قواعد أمور في الدعاء تجعله مستجابًا؟
يقف الناس أحيانًا مع الأمور الظاهرة في الدعاء وهي مهمة؛ كالطهارة، واستقبال القبلة، ورفع اليدين، وتحري أوقات الإجابة، وأكل الحلال، ونحو ذلك، وهي في غاية الأهمية.
لكن قد يغفل عن أمور في صميم الدعاء على جانب عظيم من الأهمية.
ومن ذلك -أيها الإخوة-: أن الدعاء المستجاب فيه اعترافات، واضطرار، وانكسار، وإظهار حاجة، وإخفاء، وهذه أمور في غاية الأهمية.
فتعالوا نتعرف على بعضها، ولنأخذ سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي أول حقيقة جرى الاعتراف بها: الربوبية.
وبالمناسبة أغلب أدعية الأنبياء في القر اللهم أنت ربيآن مصدرة "رب" و"ربنا"، أكثر من "اللهم" مثلًا، لماذا؟ لأن الرب هو السيد المالك المتصرف القادر المدبر، فلما يقول: ((رب))، و((ربنا)) فهو يستحضر قدرته قبل أن يطلب منه.
لا إله إلا أنت اعترف بالألوهية بعد الربوبية، خلقتني اعترف بخلقه للعبد، وأنا عبدك فأقرّ بالعبودية.
هذه أمور مهمة -يا إخوان- التركيز عليها وفهمها؛ لأن الله يحب هذا، وما جعل هذا الدعاء: سيد الاستغفار سيدا إلا لأمر عظيم، وأنا عبدك عبدك الذليل الخاضع المحب على ذلّ، المنقاد، أنا عبدك، مُرْ أجيب، اطلبْ أنفذ، عبد، أنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت على الجادّة، على الصراط المستقيم، أبوء لك، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك إذًا في اعتراف بالذنب، أبوء لك، واعتراف بالنعمة واستعاذة من الذنب، أعوذ بك من شر ما صنعت التجئ إليك واحتمي من نتائج المعصية، ومن شؤم الذنب؛ لأن الذنوب لها آثار، أعوذ بك من شر ما صنعت ثم الإقرار بالنعمة والاعتراف، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي أعترف وأقرّ، لا أنكر، ولا أجحد، ولا أناور، ولا أداور، ولا ألتوي، أبوء بذنبي، ثم يأتي الطلب بعد كل هذ المقدمات، ما جاء الطلب مباشرة: فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت إلى من ألتجئ؟ لا غيرك، ليس هناك أحد آخر يغفر الذنوب، ويعمل هذا العمل وهو المغفرة إلا أنت يا الله، ولذلك ألتجئ إليك وأطلب، وأتوسل بالربوبية وبالألوهية، وبالإقرار بالنعمة، وبالإقرار بالذنب أن تغفر لي.
فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت هذا اعتقاد، إيمان، توحيد، لا يغفر الذنوب إلا أنت[1]، ولذلك جاء في الحديث الآخر: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب رواه مسلم: 2758] اغفروا لعبدي.
آية الدعاء في ثنايا آيات الصيام
آية الدعاء في ثنايا آيات الصيام في سورة البقرة عجيبة تخللت آيات الصيام، وفيها: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [سورة البقرة:186] أقرب إليه من حبل الوريد، وهو على سماواته، استوى على عرشه، فوق خلقه، ولكنه قريب وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [سورة الحديد:4]، مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ يتسارّون إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ [سورة المجادلة:7]، فَإِنِّي قَرِيبٌ ولا تحتاجون إلى رفع الصوت لإبلاغه، وهو قريب يسمع السر وأخفى، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فلا بد أن يدعوه فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [سورة البقرة:186]، فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي عجيبة هذه؛ لأننا في الدعاء لأننا نريد أن يستجيب هو لكن في الآية يقول في آية الدعاء: فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي، وهذه مسألة مهمة جدًا وهي أننا إذا أردنا أن يستجيب لنا فلا بد أن نستجيب له.
بعض أدعية الأنبياء في القرآن
وتعال معي إلى أربعة ذكر الله قصصهم في الدعاء في سورة الأنبياء كل واحد بعدما دعا وطلب، قال الله: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ [سورة الأنبياء:76] لنعرف ماذا فعل، وماذا قال حتى استجاب له:
أولهم: نوح ، دعا الله، كربة إيذاء قومه التي وصلت إلى درجة الإهلاك، والتهديد بالموت، القتل، ثم كربات الطوفان الذي صار موجًا كالجبال، نادى نوح ربه في هذه الضرورة العظيمة والكرب، إذًا وقت الكرب الله يستجيب؛ لأن النفس تعيش حالة صعبة جدًا، فتناشد وتنادي ربها: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [سورة الأنبياء:76].
وأيوب نادى، ماذا قال؟ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [سورة الأنبياء:83] في المرض الذي استمر ثمانية عشر عامًا؛ كما جاء في الحديث الصحيح حتى تركه كل الناس ما بقي معه إلا زوجة وواحد من أصدقائه وإخوانه الخلّص، فدعا الله: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وهذه الشكاية مهمة جدًا في الدعاء أن تشكو حالك إليه بالشكاية، نعم -يا إخواني- الشكاية، الواحد في الدنيا تعتريه ضغوط، وفقر، وديون، وأمراض، وكربات، ولا بد أن يشكو، الشكوى حاجة نفسية، لا بد أن يبث الشكوى لأحد، لا بد أن يخرج ما في نفسه، أن ينفّس.
وإذا كانت الشكوى إلى المخلوق مذمومة فلمن تكون الشكوى؟
الشكوى المحمودة إلى الله، شكوى الحال.
ولنخرج في تفريعة هنا يسيرة عظيمة في المعنى لنؤكد على أهمية الشكوى في الإجابة، ماذا قال موسى ؟ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [سورة القصص:24] محتاج، ذكر الحاجة، الافتقار إلى الله، وهذا معنى مهم في الدعاء جدًا، إظهار الافتقار، محتاج إلى خيرك يا رب، محتاج إلى رزقك، محتاج إلى أمنك، ومحتاج إلى إيوائك، فالله هيأ له المأمن، والمأوى، والمأكل، والمشرب، والمنكح، والعمل.
يعقوب قال: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ [سورة يوسف:86] اجتمع الكرب ولا بد من تنفيس، هذا المعنى، فجاءه الفرج، وجاءه القميص، ثم جاء الالتقاء مع صاحب القميص.
نرجع إلى أيوب : أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ شكاية الحال وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [سورة الأنبياء:83] أنت تنظر وتعلم، حتى ما قال: "اكشف ضري" ما يحتاج، اكتفى بشكاية الحال على الطلب، وهذا فقه عظيم في الدعاء، يعني يقول رب -لسان الحال-: أنت تعلم وأنت ترى، تعلم حالي، وتعلم ماذا أريد فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ [سورة الأنبياء:84].
ذو النون يونس ظن أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ يعني أن لن نضيق، لن نقدر نضيّق، وليس نقدر يعني نستطيع، النبي أكبر من هذا، نَّقْدِرَ ، فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ [سورة الفجر:16] يعني ضيّقه، فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ [سورة الأنبياء:87] لن نضيّق عليه ونبقيه في الغمّ، اعتقاده عظيم بأن الله يفرج فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [سورة الأنبياء:87] يعني تهليل، وتسبيح، واعتراف بالظلم، هذا كل ما قاله يونس في دعائه، لكن هذا لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، ما قالها عبد في دعاء إلا استجيب له.
لاحظوا فقه الدعاء من كلام الأنبياء؛ لأنهم أعرف الناس بالله، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ، نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ، ظلمة الليل، ظلمة البحر، ظلمة بطن الحوت، فنجاه الله من مكان لا يخطر بالبال أن ينجو منه شخص، فَنَبَذْنَاهُ [سورة الصافات:145] وأخرجه الله.
إذًا هذه أسرار، الشكاية، الافتقار، إظهار الحاجة، وأن تقول: أنت القوي ونحن الضعفاء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الحي الذي لا يموت، ونحن نفنى ونموت.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله السميع العليم أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [سورة النمل:62]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الرحمة المهداة، خير من دعا وصلى وصام، فصلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك إمام المتقين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى ذريته الطيبين وآله وأزواجه وخلفائه الميامين وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: ماذا فعل أولئك الأنبياء بعدما ذكر الله قصصهم الأربعة؟ ورابعهم زكريا .
زكريا ما كان في كربة خاصة وقتما دعا، لكن كان في نقص عام من أول عمره بلا ولد، قال: رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [سورة الأنبياء:89] فشكى إلى الله حاله: أنه بلا ولد، ويريد الولد ليس فقط لفائدة دنيوية يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ [سورة مريم:6]، وينقل بعدي إلى الناس العلم والحكمة، ويعينني على الدعوة، فشكى إلى الله حاله من عدم الولد: رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا، ولما ذكر حاله وضعفه ذكر غنى ربه: وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا [سورة مريم:40].
قال الله عن هؤلاء الأربعة بعدها، وهذا السبب المهم والسر عظيم في استجابة الدعاء: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ الآية في سورة الأنبياء بعدما ذكر قصص الأربعة إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [سورة الأنبياء:90] منقادين، ذليلين.
يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ يستجيبون قبل ما يطلب منهم أحد، هم من أنفسهم يتحركون، ويسارعون. فإذا أردنا أن يكون دعاؤنا مستجابًا فلنسارع في الخيرات ولنبادر، أذان الصلاة، داعي الصدقة، داعي الإيمان، وهكذا.. يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ بجميع أنواعها وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا يطمعون فيما عندنا من الأجر والمثوبة والجنة، يرجون رحمة الله، ويخافون رهبًا من عذابنا ونارنا وانتقامنا.
إذًا، الدعاء بين الرجاء والخوف، دعاء عظيم.
وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ منقادين، عابدين، ذليلين، مستجيبين، منقادين إلى الله.
بعض الأحوال التي يستجاب فيها الدعاء
موضوع إظهار الضعف، موضوع الانكسار في الدعاء، تأمله -يا مسلم يا عبد الله- في حال الحديث الذي يذكر فيه النبي ﷺ ثلاثة من مستجابي الدعاء: الصائم، والمريض، والمسافر، الصائم كسره جوعه وعطشه، والمريض كسره ضعفه ووهنه، والمسافر كسرته غربته.
إذًا، حال الانكسار حال مهم جدًا في استجابة الدعاء.
أما حال الاضطرار فالعجب العجاب: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [سورة النمل:62]، ولذلك إذا صرت في حال اضطرار ولو كان في مطبات جوية شديدة مخيفة انتهز الفرصة بسؤال الله الجنة والاستعاذة من النار، وكلما تستطيع؛ لأن حال الاضطرار هذه مهمة جدًا في الاستجابة.
غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ [سورة لقمان:32] جاءتهم ريحٌ عاصف وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ [سورة يونس:22] هذه حال الاضطرار، فنجّاهم.
السؤال الآن: هل نستطيع أن نكون حتى في حال الأمن نعيش نفسية المضطر؟ إذا استطعت أن تصل إلى ذلك -يا مسلم- اعرف إنك الآن قريب جدًا، ولذلك قال العلماء: إن الإنسان في حال الأمن أحوج إلى الله -ما هو أقل حاجة إلى الله- من الغريق المتعلق بلوحٍ في البحر. إذا استطعنا أن نستحضر حال الاضطرار وصلنا.
ولاحظ: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً [سورة الأعراف:55]، في آية أخرى: تَضَرُّعًا وَخِيفَةً [سورة الأعراف:205] "خُفية" و"خِيفة" على خوف تخافه، "خُفية" إسرار، و"خِيفة" خوف، حالان مهمان جدًا.
الدعاء غنم لا غرم فيه
نحن -يا عباد الله- الآن نستعرض من القرآن والسنة خفايا وأسرار ودقائق عظيمة تغيب عن كثيرين في موضوع الدعاء؛ لأن هذا الدعاء هو العبادة، من لم يسأل الله يغضب عليه[2].
والعجيب إنه الدعاء غنم، ما فيه غرم، يعني الدعاء الصحيح لا بد أن يأتي بنتيجة ولكن تتعدد، لا بد من إجابة ولكن الإجابة تتعدد، يعني تتنوع، لأنه قال: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [سورة غافر:60] فلا بد أن يستجيب.
أول استجابة: إنك الآن عندما تدعوه هذه عبادة عظيمة فيها أجر عظيم، حصل مطلوبك وإلا ما حصل مطلوبك، وإلا تأخر حصول مطلوبك في شيء مهم جدًا حصل، لا بد أن نفهمه، وهو: أجر الدعاء نفسه، هذه عبادة عظيمة، ولذلك ربما يتمنى الإنسان يوم القيامة أن بعض الأدعية تأخرت إجابتها حتى يزداد دعاء ودعاءً ودعاءً، فيزداد أجرا ًوثوابًا وحسنات.
والتأخير لحكمة، ولابد أن يعطي لأن الكريم ما يرد، يعطيك من الخير الذي سألته أكثر من الخير الذي سألته، يصرف عنك أعظم من السوء الذي سألت أن ينصرف، والحسنات، والمضاعفات على الدعاء نفسه.
أدعية إبراهيم الخليل
اللهم اجعلنا مسلمين لك، اللهم اجنبنا وذرياتنا أن نعبد الأصنام، اللهم اغفر لنا أجمعين، تقبل صيامنا، وقيامنا، ودعاءنا يا كريم.
إخواني: هذا الدعاء في ثنايا آيات الصيام مع هذه الأمور جدير وحريّ بنا أن نقبل على هذه العبادة.
والله إن دعوات الخليل مدرسة في الدعاء. وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [سورة البقرة:129]، وأدعية بعيدة النظر:
فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ [سورة إبراهيم:37]، ولم يكتفِ بالدعاء لنفسه، وإنما دعا للبلد: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ [سورة البقرة:126]، وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ [سورة إبراهيم:35]، انظر الاهتمام بالأبناء والذرية رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي [سورة إبراهيم:40]، وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ [سورة البقرة:128]، تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [سورة البقرة:127].
من أمهر الناس في الأدعية في العالم إبراهيم بعد نبينا ﷺ محمد مباشرة، ما هي أدعية الخليل؟
وأخيرًا: الناس عمومًا يذهبون إلى الماهرين بالشيء، الماهر بالشيء وينظر كيف يصنعه كي يصنع مثله.