الخميس 28 ربيع الآخر 1446 هـ :: 31 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الموقف الرهيب في اليوم العصيب


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أهوال يوم القيامة
الحشر وأنواعه
صفة الناس في المحشر
أحوال الناس في يوم المحشر
من شدائد يوم الحشر
الخطبة الثانية
مجيء الله تعالى لفصل القضاء
حال المؤمنين يوم القيامة

الخطبة الأولى

00:00:08

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآل عمران:102، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً النساء:1، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً الأحزاب:70-71.

أهوال يوم القيامة

00:01:40

 فإن المؤمن يخاف يوماً عبوساً قمطريراً، يخاف يوماً طويلاً كان شره مستطيراً، وقد أخبرنا الله عن ذلك اليوم في كتابه بتفصيلات كثيرة حتى كأن الإنسان ينظر إلى الآخرة رأي العين، ومن سره أن ينظر إلى القيامة رأي العين فليقرأ تلكم السور في جزء عم: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ التكوير:1 وإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ الانشقاق:1 ذكرنا الله بذلك اليوم لنستعد له بالعدة اللازمة، ونحسب للأمر حسابه، وكثيرٌ من الناس عن هذا اليوم غافلون.

عباد الله: إن الله إذا قبض خلقه بنفخة الصور، ومات الناس أجمعون، وصعق من في السماوات ومن في الأرض، يمكث الناس بين النفختين أربعون، ثم ينزل الله من السماء ماءً، فينبتون كما ينبت البقل، ولا يبقى من الإنسان شيء لا يبلى إلا عظم واحد، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة كما في الحديث المتفق عليه، وعجب الذنب مثل حبة الخردل، وتكون آخر العمود الفقري، فتلك النقطة يركب منها الخلق يوم القيامة.

يرسل الله سحابةً سوداء من قبل المغرب مثل الترس، فلا تزال ترتفع في السماء وتنتشر حتى تملأ السماء، ثم ينادي منادٍ: أيها الناس أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ النحل:1، قال رسول الله ﷺ:  فوالذي نفسي بيده إن الرجلين ينشران الثوب فما يطويانه، وإن الرجل ليبدر حوضه فما يسقي منه شيئاً، وإن الرجل ليحلب ناقته فما يشربه أبداً رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح [رواه الطبراني في الكبير (899)].

فهي تذهلهم إذن، حتى إن الرجل يرفع لقمته إلى فيه لا يطعمها، من هول المفاجأة التي تكون، ثم يموت الناس، ويبعثون بعد ذلك، والمطلع قال النبي ﷺ في شأنه: لا تمنوا الموت، فإن هول المطَّلع شديد[رواه أحمد (14154)]، وسنتحدث إن شاء الله في هذه الخطبة عن موضوع الحشر، نذكِّر به أنفسنا، ويتعلم من جهل، ويتذكر من غفل، ومن نسي لعله يكون بعد ذلك التوبة والعودة.

الحشر وأنواعه

00:05:02

الحشر جمع الناس يوم القيامة، والمحشر المجمع الذي يحشر إليه الناس، والحشر أربعة: حشران في الدنيا، وحشران في الآخرة، فاللذان في الدنيا أحدهما المذكور في سورة الحشر في قوله: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ الحشر:2 والثاني: الحشر المذكور في أشراط الساعة فيما رواه مسلم رحمه الله تعالى عن الساعة: إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات[رواه مسلم (2901)]، والحشر الثالث: حشر الأموات من قبورهم بعد البعث إلى الموقف قال تعالى: وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً الكهف:47، والحشر الرابع: حشر أهل الموقف إلى الجنة، أو إلى النار.

أما الحشر الذي يكون في آخر الدنيا قبل قيام الساعة، فإن الناس يطردون إلى المحشر -وهو بأرض الشام- بنارٍ يخرجها الله من نحو حضرموت، من عدن أبين -كما جاء في الحديث الصحيح-، ثم تنتشر في الأرض، فتحشر الناس إلى مكان الحشر -وهو الشام-، يحشرون بطرائق، كما قال النبي ﷺ: يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين راهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، ويحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا[رواه البخاري (6522)، ومسلم (2861)]يحشرون إلى بيت المقدس في أرض الشام كما جاء ذلك في الحديث الصحيح: تخرج نار من قبل حضرموت تحشر الناس، قلنا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: عليكم بـالشام [رواه أحمد (5704)]، وقوله في الحديث: راغبين راهبين يعني ينطلقون هرباً من الفتن إلى أرض الشام في آخر الدنيا -كما قال النبي ﷺ، ومنهم من يبقى في مكانه، ثم بعد ذلك إذا جاءت الفتن والبلايا، والزلازل العظام، وكثرت الصواعق، فعند ذلك يذهبون على الإبل والدواب اثنان على بعير، وثلاثة وأربعة يعتقبون، يركب بعضهم ويمشي الآخر، ويبقى أناسٌ لا يلقون ظهراً كما شرح ابن مسعود فيما صح عنه: أن الله يرسل آفةً، فيفنى الظهر، فتقل الدواب حتى يمشون مشياً، والنار تحيط بهم، ومن تخلف أكلته، حتى يحشرون إلى الشام التي سيكون فيها الموت لجميع أهل الأرض قبل أن يبعثوا مرة أخرى، فهذا الحشر يكون في آخر الدنيا قبل قيام الساعة مباشرةً، بنارٍ تخرج تحيط بالناس، فتحشرهم جميعاً إلى بيت المقدس في الشام ، وبعد ذلك نفخة الصعق التي يموت فيها الناس أجمعون، ثم يبعثون مرةً أخرى، فينشرون كما قال النبي ﷺ لما سألته ميمونة بنت سعد : "يا نبي الله، أفتنا في بيت المقدس، قال: أرض المحشر والمنشر[رواه ابن ماجه (1407)]حديث صحيح.

المنشر بعث الناس من الموت إلى الحياة مرة أخرى -إحياؤهم-، والمحشر جمعهم في ذلك المكان، قال النبي ﷺ بعد أن نحا بيده نحو الشام: إنكم محشورون رجالاً وركباناً، وتجرون على وجوهكم[رواه أحمد (19527)].

أما أرض المحشر التي يحشرون إليها بعد قيامهم من القبور، فقد وصفها النبي ﷺ بقوله في الحديث الصحيح: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد[رواه البخاري (6521)، ومسلم (2790)]،  عفراء: ليست نقية البياض، وإنما بياض يضرب إلى حمرة، كقرصة النقي أي: كقرص الخبز النقي الخالي من الغش والنخالة، مستوية ليس فيها معلم لأحد: لا علامة من سكنى، أو بناء، أو أثر، أو جبل، أو صخرة بارزة، وإنما هي مستوية لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا طـه:107، لا يستطيعون الاختباء خلف أي شيء في تلك الأرض: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ إبراهيم:48، فالله ؛ يبدل الأرض؛ يبدل معالمها، ويغير صفاتها؛ فتكون مستوية: لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاًطه:107 يحشر الناس إليها، وقال النبي ﷺ: تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم لعظمة الرحمن ، فلا يكون لرجلٍ من بني آدم فيه إلا موضع قدميه[رواه أبو نعيم (3/145)]، قال البوصيري: إسناده صحيح.

والنبي ﷺ أول من تنشق عنه الأرض، يخرج من قبره، ثم يخرج الناس على إثره بعد ذلك، قال ﷺ: أنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي[رواه البخاري (3532)، ومسلم (2354)] يعني على أثري، يحشر الناس بعد قيامه ﷺ، يُحشرون وراءه، ويحشر المؤمنون، قال الله يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً مريم:85، ومعنى وفداً: كوفد الملوك الذين يقدمون على الملوك لإكرامهم، الوافد من يأتي إلى الملك في أمر له شأن ينتظر الكرامة والنعمة والضيافة: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً مريم:85، ويحشر بعض الصالحين من بطون الطير والسباع، كما قال النبي ﷺ لما مرَّ على حمزة بعد وقعة أحد، وقد جُدع، أي: قطع أنفه، ومثِّل به، قطعت بعض أعضائه، فقال ﷺ: لولا أن تجد صفية في نفسها، لتركته حتى تأكله العافيةرواه الترمذي (1016)]، وهي السباع والطير التي تقع على الجيف؛ حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع، ثم كفنه في نمرة ﷺ، وفي هذا دليلٌ على أن الله تعالى يحشر المحترقين، والذين تحولوا إلى رماد، والذين أكلتهم الحيتان والسمك في قاع البحر، والذين أكلتهم الطيور والسباع وتخطفتهم، فالله تعالى يحشرهم جميعاً، ولما أوصى بعضهم أولاده بأن يحرقوه، ويذروا رماده في البحر في يوم عاصف، قال الله تعالى: قم، فقام بين يديه، جمعه الله .

صفة الناس في المحشر

00:13:06

يحشر الناس أجمعون يوم القيامة، قال ﷺ: تحشرون حفاةً عراةً غرلاً، قالت عائشة رضي الله عنها: "يا رسول الله، الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟!" عفة عائشة المفقودة في كثير من بنات جنسها في هذا الزمان، "الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟!" حياء عائشة المفقود في كثير من بناب هذا الزمان، "الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟!" فقال:  الأمر أشد من أن يهمهم ذاك [رواه البخاري (6527)] حفاةً: لا شيء في أقدامهم من خفٍ، أو نعل، عراةً: متجردين من الثياب، غرلاً: غير مختونين، والأغرل من بقيت غرلته وهي القلفة -وهي الجلدة التي تقطع في الختان-، يحشرون كما خُلقوا، لا شيء معهم، لا يفقد منهم شيء، حتى الغرلة تكون معهم، يحشرون عراةً حفاةً مشاةً كما جاء في حديث آخر، قالت عائشة: "الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟!" فأخبرها النبي ﷺ أنهم مشغولون، ليس لديهم أي اهتمام لهذا النظر.

والمتكبرون يحشرون كأمثال الذر في صور الرجال كما قال النبي ﷺ: يغشاهم الذل من كل مكان [رواه الترمذي (2492)] كما تكبروا في الدنيا يجعلهم الله على صور الرجال، لكن المقاس والحجم حجم النمل، حجم الذر، يطؤهم الناس بأقدامهم.

ويحشر الكفار: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ۝ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً ۝ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى طه:124-126 يحشرون عميانَ، وقال الله في آية أخرى: الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً الفرقان:34، وعن أنس أن رجلاً قال: "يا نبي الله، كيف يحشر الكافر على وجهه؟" الوجه يكون بمثابة القدمين فيمشي على وجهه، وجهه إلى الأسفل، ورجلاه إلى الأعلى، وجهه ملتصق بالأرض، يمشى على وجهه، قال ﷺ: أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟ [رواه البخاري (6523)]، قال قتادة: "بلى وعزة ربنا"، والكافر الذي لم يسجد لله في الدنيا يعاقب بأن يسحب على وجهه في القيامة إظهاراً لهوانه، فهنيئاً لترَّاك الصلاة! الذي لا يركعها، الذي لا يسجد لله رب العالمين، الكافر يحشر على وجهه، ويمشي على وجهه، وجهه يعفر بالتراب، ويلاقي ما يلاقي، يحشرون يوم القيامة عمياً وبكماً وصماً، والشياطين تحشر: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً مريم:68، جاثين على الركب، وقال الله في شأن الكفرة والفسقة والفجرة: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ۝ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ الصافات:22-23، ما معنى أزواجهم؟ يعني أشباههم ونظراءهم، ومن هو على شاكلتهم، فيُحشر اليهود معاً، والنصارى معاً، ومن أحب اليهود والنصارى حُشر معهم، ويُحشر الزناة مع الزناة، والمرتشون مع المرتشين، والمرابون مع المرابين: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ الصافات:22كل طائفة على حدة يحشرون معهم، ومن أحب قوماً حشر معهم، احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ الصافات:22، من هو على شاكلتهم، المقتدون بهم في أفعالهم، القرناء يحشرون معاً، وما يقع على هذا يقع على الآخر، ويناله نصيبه منه، ولا يبقى شيءٌ إلا ويحشر حتى الوحوش، قال الله تعالى: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ التكوير:5 أي: جمعت، وقال الله: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ الأنعام:38، فيحشر كل شيء حتى الذباب كما قال ابن عباس .

قال ﷺ: يحشر الخلائق كلهم يوم القيامة، البهائم والدواب والطير، وكل شيء، فيبلغ من عدل الله أن يأخذ للجمَّاء من القرناء التي لها قرون ونطحت أخرى ليس لها قرون، يقتص الله للتي ليس لها قرون، للمنطوحة من الناطحة، وهذا من كمال عدل الله، ثم يقول لهذه الدواب والطيور والوحوش:  كوني تراباً، فذلك يقول الكافر: يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًاالنبأ:40 [رواه الحاكم (3231)].

ثم يبقى الذين قد كلفوا ليكون الحساب عليهم، يكون الحساب في ذلك الموقف العظيم، وأما حشر التجار، فقد جاء فيه حديثٌ خاصٌ عن البراء بن عازب قال: "أتانا رسول الله ﷺ إلى البقيع، فقال: يا معشر التجار ، حتى إذا اشرأبوا -رفعوا رءوسهم- قال رسول الله ﷺ: إن التجار يحشرون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى وبر وصدق" [رواه الدارمي (2538)]،  إلا من اتقى في بيعه وشرائه، ولم يبع المحرمات، ولم يبع بطريقة محرمة، ولا غشَّ في تجارته، وبرَّ في يمينه؛ لأنهم كثيراً ما يحلفون على الكذب وهم يعلمون، وصدق، تاجر: تاء: التقوى، والألف: أمانة، والجيم: جرأة يحتاج إليها التجار، والراء: رحمة، لكنهم في كثير من الأحيان بعيدون عن ذلك إلا من رحم الله، وفي هذا الحديث دليلٌ واضحٌ على حشر التجار الفجار، فإن الكثير يستغلون بجشعهم حال الناس، وكثيرٌ منهم يحتكر، وهم من أكبر أسباب رفع الأسعار في البلاد، ولذلك يحشرون فجاراً إلا من رحم الله، فإنهم يكرمون مع الآمنين المؤمنين.

أحوال الناس في يوم المحشر

00:20:54

أما أحوال الناس في يوم المحشر، فإنهم يخرجون من القبور في أول ذلك اليوم كما قال الله تعالى: وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ الانفطار:4، قلبت فأخرج ما فيها، وقال الله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يس:51 أي: يسرعون، وقال الله: كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ المعارج:43  يعني: كأنه وضع لهم شيء أو علامة كلهم يسرعون إليها: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ القمر:7،مُهْطِعِينَ القمر:8 مهطعين أي: مسرعين، في ذل، رؤوسهم مرفوعة لا تنظر يميناً ولا شمالاً: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءإبراهيم:43 لا تعقل من الخوف: ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ق:42 اليوم الذي يخرج فيه الناس من قبورهم: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ القارعة:4 في الكثرة والانتشار، والضعف والتخبط، وموجان بعضهم في بعض، والذلة والاضطراب، والتطاير كتطاير الفراش إلى النار، قال الإشبيلي رحمه الله: "فتفكر في بهتك وحيرتك، وانكسارك وذُلِّك، وافتقارك وقلتك يوم لا تجد إلا عملك الذي عملت، وسعيك الذي سعيت"، يخرجون من القبور يتبعون الداعي، والداعي: ملكٌ موكلٌ من الله: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً طه:108، ملك يدعوهم إلى الحضور للحساب، يسمعون صوته، فيتبعونه لا عِوَجَ لَهُ طه:108 أي: لا يحيدون عنه، ولا يميلون لا يميناً، ولا شمالاً وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ طه:108 أي: خفضت وسكنت وسكتت هيبةً لله تعالى، وإجلالاً وخوفاً فَلا تَسْمَعُطه:108 أي: في ذلك اليوم صوتاً عالياً، بل لا تسمع إِلَّا هَمْسًاطـه:108 أي: صوتاً خفياً، أو صوت الأقدام إلى المحشر، كل هذا كائن، وكل دنيانا ذاهبة، ونحن سنصير إلى ذلك اليوم، قال الإشبيلي رحمه الله: وتخيل قيام الناس وثورانهم من قبورهم دفعةً واحدةً، وانبعاثهم مرةٍ واحدةٍ، وأنت بينهم وفي جملتهم منكسفاً وجهك، متغيراً لونك، متعثرة قدمك، قد ملئ قلبك فزعاً، وقصم ظهرك ذلك المستمع، وأنت حيران عطشان سكران: وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ الحج:2، شاخص البصر نحو النداء، مستمعاً لذلك الدعاء، ولو وجدت مطاراً لطرت، ومفراً لفررت، وهكذا يحشرون إلى ربهم، ويقومون من القبور عراةً، وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم الخليل ، ويتم الوقوف في ذلك الموقف، وفي أرض المحشر ليس للإنسان إلا موطئ قدميه فقط، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَالمطففين:6 ليس أحدٌ جالساً، ولا مضجعاً، كل الناس واقفون في ذلك اليوم، كم طوله؟ خمسون ألف سنة، كما قال الله: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ۝ لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ۝ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ۝ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ۝ فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ۝ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً ۝ وَنَرَاهُ قَرِيباً ۝ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ۝ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ المعارج:1-9، فالسموات تطوى، وتذوب بعد ذلك ذوباناً تقطر منه، وتتغير ألوانها إلى الحمرة والزرقة والصفرة وَرْدَةً كَالدِّهَانِالرحمن:37 متغيرة الألوان، وتذوب وتقطر، وتكون السماء كالمهل: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ الأنبياء:104، خمسون ألف سنة كما دل على ذلك حديث النبي ﷺ في عذاب مانع الزكاة، الذي يمنع زكاة الإبل، تعضه وتطؤه إبله، وبقره وغنمه تنطحه، وتعود كلما انتهت في دورات متوالية، وكذلك الذي يمنع زكاة المال والذهب والفضة، فتصفح صفائح من نار، وكنزه يطوقه ثعبان أقرع عظيم شديد السم، له قرنان، يلدغه في شفتي شدقيه، يطوقه يقول: أنا كنزك: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ المعارج:4، ثم يرى بعد ذلك سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار.

من شدائد يوم الحشر

00:26:41

قال الإشبيلي رحمه الله: ثم تفكر في ذلك الازدحام والانضمام، والاتساق والالتصاق، واجتماع الإنس والجن، ومن يجمع من سائر أصناف الحيوان، وانضغاطهم، وتدافعهم، واختلاطهم، لا فرار ولا انتصار، ولا ملاذ ولا هروب، وقربت الشمس، وكانت قدر ميلٍ، وزيد في حرها، وضوعف في وهجها، ولا ظل إلا ظل العرش، وقد انضاف إلى حر الشمس حر الأنفاس لتزاحم الناس، واحتراق القلوب بما غشيها من الكروب، واشتد الفرق، وعظم القلق، وسال من الأجسام، وانبعث من كل موضع من الجسد، وكان الناس في العرق على قدر أعمالهم، فليتفكر الإنسان إذا سال عرقه، وجرى من قرنه إلى قدمه بحسب عمله، واعلم رحمك الله أنه لو سال عرقك في الدنيا طول عمرك في طاعة ربك، ورضا سيدك على ألا تعرق في ذلك اليوم، لكان ذلك يسيراً"، وهذا العرق قد جاءت فيه أحاديث عن النبي ﷺ، قال ﷺ: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ المطففين:6 ، قال: يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه [رواه البخاري (6531)، ومسلم (2862)]، العرق ذو الرائحة الكريهة الذي يحدث نتيجة الحر، ودنو الشمس، وتزاحم الناس وانضمام بعضهم إلى بعض، ينزل من هذا الإنسان، وتشربه الأرض حتى يغوص فيها سبعين ذراعاً، قال ﷺ: يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً، وهذا عمق العرق تحت؛ أما فوق، فقال ﷺ: ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم[رواه البخاري (6532)]، وهذا في حق الكفرة الفجرة، وكذلك قال ابن مسعود وأرضاه: "إن الرجل ليفيض عرقاً حتى تسيخ في الأرض قامته، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه، وما مسه الحساب، قالوا: ممَ ذاك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال: مما يرى الناس مما سيلقونه" قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.

وهكذا تدنو الشمس من العباد، ثم إن جهنم يؤتى بها أيضاً؛ ليزداد الحر حراً، يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمامٍ سبعون ألف ملك يجرونها، أربعة آلاف وتسعمائة مليون ملك يجرون جهنم، ويزداد الحر حراً، ومن الذي ينجو؟ لا ينجو إلا من عصم الله، فهل أعددنا لذلك اليوم من عدة؟ وهل تبنا وقمنا بما يلزم من التوبة؟ وهل تركنا المعاصي وعدنا إلى الله رجاء النجاة في ذلك اليوم؟.

اللهم اجعلنا في يوم الفزع من الآمنين، واغفر لنا أجمعين، وأظللنا في ظل عرشك يا كريم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:30:26

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، هو الحي لا يموت، والجن والأنس يموتون، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يشاء، لا إله إلا هو الحي القيوم، هو ديان يوم الدين .

وأشهد أن محمداً رسول الله المبعوث رحمة للعالمين، السراج المنير، والبشير النذير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

مجيء الله تعالى لفصل القضاء

00:31:05

عباد الله: ومن أكثر الأمور فزعاً في ذلك اليوم عندما يجيء الرب بنفسه : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ البقرة:210، فيأتي الله لفصل القضاء بين الأولين والآخرين، وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً الفجر:22، فتأتي الملائكة صفوفاً مع الرب ، يأتي لفصل القضاء بين الخلق بعد أن توسل النبي ﷺ وشفع؛ لأن الناس في العرق، في الحر قياماً قيامٌ ، في كرب شديد يفزعون إلى الأنبياء واحداً إثر واحد، والأنبياء لا يقولون إلا: اللهم سلم سلم، ويردونها حتى تنتهي إلى النبي ﷺ، فيشفع ويسجد، ثم يقبل منه، ثم يأتي الله لفصل القضاء بين العباد، صحح ابن حجر عن ابن عباس أنه قال: "إذا كان يوم القيامة، مدت الأرض مد الأديم، وجمع الخلائق في صعيد واحد جنهم وإنسهم، فإذا كان كذلك قبضت هذه السماء عن أهلها –هذه السماء الدنيا كُشفت وقبضت عن أهلها-، فينثرون على وجه الأرض" من فيها من الملائكة، "فلأهل السماء وحدهم أكثر من جميع أهل الأرض، وجنهم وإنسهم بالضعف، فإذا مروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض، وقالوا: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم، ويقولون: سبحان ربنا! ليس هو فينا، وهو آتٍ" سيأتي، "ثم يقاض أهل السماء الثانية، فلأهل السماء الثانية وحدهم أكثر من أهل السماء الدنيا" من الملائكة "ومن جميع أهل الأرض بالضعف، فإذا نُثروا على وجه الأرض، فزع إليهم أهل الأرض، وقالوا: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم ويقولون: سبحان ربنا! ليس فينا، وهو آتٍ، ثم يقاض أهل السماوات كلها، فنثروا على وجه الأرض، يفزع إليهم أهل الأرض يقولون مثل ذلك، ويجيبونهم بمثل ذلك، ثم يقاض أهل السماء السابعة، فلأهل السماء السابعة أكثر أهلاً من السماوات الست، ومن جميع أهل الأرض بالضعف، فيجيء الله فيهم، والأمم جثى صفوفاً، فينادى: سيعلمون اليوم من أصحاب الكرم، ليقم الحمَّادون على كل حال -أصحاب الحمد لله على كل حال-، فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادى ثانية: سيعلمون اليوم من أصحاب الكرم، ليقم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع -أصحاب قيام الليل-، فيقومون، فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادى الثالثة: ليقم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، فيقومون، فيسرحون إلى الجنة، فإذا أُخذ من هؤلاء الثلاثة، خرج عنقٌ من النار، فأشرف على الخلائق، له عينان تبصران، ولسان فصيح، فيقول: إني وكلت بثلاثة: إني وكلت بكل جبار عنيد -الطغاة البغاة- لكل جبار عنيد -الذين كانوا يعذبون الناس في الدنيا، يتكبرون ويتجبرون على الخلق- إني وكلت بكل جبار عنيد، فيلقطون من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيحبس بهم في جهنم، ثم يخرج ثانية، فيقول: إني وكلت بمن آذى الله ورسوله، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيحبس بهم في جهنم، ثم يخرج ثالثة، فيقول: إني وُكِّلت بأصحاب التصاوير -الذين يعملون التماثيل والصور ذوات الأرواح- إني وكلت بأصحاب التصاوير، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيحبس بهم في جهنم، فإذا أخذ من هؤلاء الثلاثة، نشرت الصحف، ووضعت الموازين، ودعي الخلائق للحساب".

حال المؤمنين يوم القيامة

00:35:51

عباد الله: في ذلك اليوم العظيم ما حال المؤمنين؟ في خمسين ألف سنة كم سيقفون؟ قال الله وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَالنمل:89، وقال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر[رواه الحاكم (284)]على المؤمنين، والإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب، وصدقه العمل، ليست القضية بالأماني: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِالنساء:123 سلعة الله غالية حفت بالمكاره، فالمؤمنون يكون ذلك اليوم عليهم مثل ما بين الظهر والعصر، مثل وقت وجبة الغداء ينتظرون الكرامة من الله في ظل العرش، لا يصيبهم لهب الشمس، ولهم طعام، ولهم شراب، ما هو طعامهم؟ بين النبي ﷺ: أن طعامهم الثور والحوت، ثورٌ يرعى في أطراف الجنة يُنحر لهم، ويأكلون ذلك النون -وهو الحوت- في ذلك الموقف يأكلون الحوت، ويوزع عليهم زيادة كبد الحوت فقط، وزيادة الكبد ألذ شيء في الكبد، يذبح لهم بالام ونون، ثور ونون، يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفاً، زائدة الكبد فقط يأكل منها سبعون ألفاً، هذه الضيافة في ذلك اليوم كما ثبت في الحديث الصحيح، والشراب من حوض النبي ﷺ الذي يصب فيه نهر الكوثر، ميزاب من الجنة يصب في الحوض، وهو نهر الكوثر، لا ظمأ، ولا جوع، ولا حر، والوقت ما بين الظهر إلى العصر، وبقية الناس يا ويلهم.

وحديث وفد بني المنتفق حديثٌ مشهورٌ رواه عددٌ من الأئمة في كتبهم، وقال بعضهم إن في سنده ضعفاً، ولكن قواه بعض أهل العلم كـابن القيم رحمه الله، وقال الهيثمي عن أحد أسانيده: إن رجالها ثقاة، وإسناده متصل، قام النبي ﷺ خطيباً، فقال: أيها الناس، ألا قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام ألا لأسمعنكم...، ألا اسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا، فجلس الناس، وقام هذا الوافد مع صاحبه، وحدثهم النبي ﷺ بقوله: ثم تبعث الصائحة، لعمر إلهك ما تدع على ظهرها شيئاً إلا مات، والملائكة الذين مع ربك حتى هم يموتون، ثم يبعثهم الله، فأرسل ربك السماء بهضب من عند العرش تهطل، قيل: منياً كمني الرجال، فتنبت الأجساد من الأرض، فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيلٍ، ولا مدفن ميتٍ إلا شقت القبر حتى تجعله من عند رأسه، فيستوي جالساً؛ لأن الله وصف الحشر كالنبات الماء الذي ينزل فتحيا به الأرض مع أنها كانت ميتة: كَذَلِكَ النُّشُورُ فاطر:9 كما قال الله، فيقول ربك: مهيم؛ لما كان فيه، يقول: يا رب أمس اليوممتى عهدك يا بن آدم؟ يقول: أمس اليوم، العهد قريب: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ الأحقاف:35 ( ولعهده بالحياة يحسبه حديثاً بأهله، فقلت: يا رسول الله، فكيف يجمعنا بعدما تمزقنا الرياح والبلى والسباع؟ فمثل له الأرض الميتة إذا نزل عليها المطر، ثم قال: فيخرجون من الأصواء، ومن مصارعهم يعني من القبور، فتنظرون إليه، وينظر إليكم، ثم بعد ذلك قال ﷺ لما سئل: ما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه؟ قال: تعرضون عليه باديةً له صفحاتكم لا يخفى عليه منكم خافية، فيأخذ ربك بيده غرفة من ماء، فينضح بها قبيلكم، فلعمر إلهك ما يخطئ وجه أحدكم منها قطرة، فأما المسلم، فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء، وأما الكافر، فتخطمه، أو قال: مثل الحمم الأسود[رواه أحمد (15773)] هكذا يكونون في سواد، زرقة وسواد، هذا شيء مما يكون يوم الحشر، وهو شيء آتٍ آتٍ لا محالة، وكل ما حولنا من المتع والملذات سيفنى، ولا يبقى إلا العمل الصالح، فالعمل العمل، والبدار البدار.

اللهم تب علينا، وارزقنا توبةً نصوحاً، اللهم أحسن عملنا، اللهم اجعل وفاتنا على طاعتك، اللهم اجعل وفاتنا على طاعتك، فإن العبد يحشر على ما مات عليه، اللهم اجعلنا يوم الفزع من الآمنين، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأظللنا في ظل عرشك يا كريم، اللهم اجعل حسابنا يسيراً، اللهم اجعل حسابنا يسيراً، اللهم اجعل حسابنا يسيراً يا رب العالمين.

1 - رواه الطبراني في الكبير (899)
2 - رواه أحمد (14154)
3 - رواه مسلم (2901)
4 - رواه البخاري (6522)، ومسلم (2861)
5 - رواه أحمد (5704)
6 - رواه ابن ماجه (1407)
7 - رواه أحمد (19527)
8 - رواه البخاري (6521)، ومسلم (2790)
9 - رواه أبو نعيم (3/145)
10 - رواه البخاري (3532)، ومسلم (2354) 
11 - رواه الترمذي (1016)
12 - رواه البخاري (6527) 
13 - رواه الترمذي (2492) 
14 - رواه البخاري (6523)
15 - رواه الحاكم (3231)
16 - رواه الدارمي (2538)
17 - رواه البخاري (6531)، ومسلم (2862)
18 - رواه البخاري (6532)
19 - رواه الحاكم (284)
20 - رواه أحمد (15773) 
  • اشرف محمد احمد ماضي

    جزاك الله خيرا واطال الله في عمرك وجعللك ذخرا للمسلمين والله انا احبك في الله لقد اشتريت هذا الشريط من السعودية 1994 واعرته لشخص وضيعه وبحثت عنهمن ذاك الوقت الى الان والحمد لله حصلت عليه من موقعك الرائع فجزال الله خير الجزاء وجعله فى ميزان حسناتك