السبت 13 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 14 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

وقتك عمرك فلا تضيعه


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أهمية الوقت في حياة المسلم
أقوال السلف في أهمية الوقت
حال السلف في الحفاظ على الوقت
حال شبابنا في قضاء الأوقات
السياحة في الإسلام
الخطبة الثانية
خطر السفر إلى بلاد الكفار
كيف نستغل الإجازة الصيفية؟
خطر الدعايات المروجة للسفر إلى بلاد الكفار

الخطبة الأولى

00:00:04

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن الله خلق الخلق لعبادته، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [سورة الذاريات:56]، وجعل هذا الوقت وهذا العمر وهذه الحياة مجالاً لطاعته وعبوديته، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [سورة الفرقان:62]، وعلى العبد أن يحقق عبودية الله في جميع أحواله وأوقاته، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [سورة آل عمران:191]، قال قتادة: "هذه حالاتك كلها يا ابن آدم، اذكر الله وأنت قائم، فإن لم تستطع فاذكره جالساً، فإن لم تستطع فاذكره وأنت على جنبك"، يسر من الله وتخفيف، وأوقات المؤمن كلها عامرة بطاعة الله ، قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [سورة الأنعام:162، 163]، ومن هنا كان اهتمام المسلم بوقته وحفاظه عليه أن يضيع سدىً في غير منفعة.

أهمية الوقت في حياة المسلم

00:01:56

عباد الله:

لقد تعددت وتنوعت الآيات الدالة على أهمية الوقت في حياة المسلم، فقد أقسم الله تعالى بأجزاء منه في سور عديدة: أقسم بالليل، والنهار، والفجر، والضحى، فقال: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ۝ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى [سورة الليل:1، 2]، وَالْفَجْرِ ۝ وَلَيَالٍ عَشْرٍ [سورة الفجر:1، 2]، وَالضُّحَى ۝ وَاللَّيْل [سورة الضحى:1، 2]، وأقسم بالزمن كله كما في قوله: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [سورة العصر:1، 2]، يقسم بما شاء من مخلوقاته، ولا يقسمون إلا به، وما أقسم الله به من المخلوقات فهو دال على شرف ذلك المخلوق وأهميته، وجاء حديث النبي ﷺ ليؤكد على أهمية الوقت، وقيمة الزمن، وأن الإنسان مسؤول عنه يوم القيامة. فروى البخاري -رحمه الله- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي ﷺ: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ[1]، والغبن هو الخسارة في البيع، بأن يشتري السلعة بأضعاف ثمنها، أو يبيعها بأقل من ثمنها، فكثير من الناس أنعم الله عليهم بنعمة الصحة، والفراغ من الشغل، فقد يكون الإنسان صحيحاً، ولا يكون متفرغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنياً، ولا يكون صحيحاً، فإذا اجتمع له الصحة والفراغ ولم يغتنمهما فيما ينفعه في الآخرة فهو المغبون الخاسر في أعماله.

ولذلك سمى الله تعالى يوم القيامة: بيوم التغابن، فقال: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [سورة التغابن:9]، أي يظهر فيه الغبن والخسران لكل أحد، أما الكافر فقد خسر بترك الإيمان بالله، وذلك هو الخسران المبين، وأما المؤمن فيظهر له خسرانه في بعض الأوقات التي مرت عليه ولم يستفد منها طاعة الله ، فإذا كان المؤمنون في الآخرة يتحسرون على ساعة مرت بهم لم يذكروا فيها اسم الله تعالى، فكيف تحسر من أنفق أياماً وشهوراً وسنيناً في معصية الله؟ وقد قال النبي ﷺ: لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم[2].

يسأل عن عمره فيما أفناه أي: فيما صرفه، وعن شبابه فيما أبلاه أي: فيما ضيعه، وفي إعادة السؤال عن الشباب بعد السؤال عن العمر إشارة إلى أهمية وقت الشباب بالذات وأن التفريط فيه خسارة عظيمة؛ لأنه يتمكن فيه من العبادات ما لا يتمكن من فعلها بعد الشيخوخة والكبر، وعن ماله من أين اكتسبه أمن حلال أو حرام وفيما أنفقه أي: في طاعة أو معصية أو مباح، وماذا عمل فيما علم، ولذلك أوصانا نبينا ﷺ في وصيته لرجل وهو يعظه يقول: اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك[3].

اغتنم ما تلقى نفعه بعد موتك؛ لأن الإنسان إذا مات انقطع عمله، فقال: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك اغتنم العمل في حال الصحة، فقد يمنع مانع كمرض، فتأتي المعاد بغير زاد، وفراغك قبل شغلك أي: اغتنم فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة.

وكذلك اغتنم فراغك الآن وأنت دون المسؤوليات الكثيرة، قبل أن تركبك الهموم والمسؤوليات، وشبابك قبل هرمك اغتنم وقت الشباب قبل أن تندم على ما فرطت في جنب الله.

اغتنم فراغك الآن وأنت دون المسؤوليات الكثيرة، قبل أن تركبك الهموم والمسؤوليات، وشبابك قبل هرمك اغتنم وقت الشباب قبل أن تندم على ما فرطت في جنب الله.

وغناك قبل فقرك اغتنم التصدق بما عندك من الأموال الفائضة الآن عن حاجتك فربما تذهب الأموال وتأتي الجائحة فتصبح فقيراً ليس لك ما تتصدق به، فهذه الخمسة لا يعرف قدرها إلا بعد زوالها، وقد قال النبيﷺ حاثاً المسلم على أن يستفيد من الوقت بأي شيء ينفعه، حتى ولو في آخر لحظة من لحظات الدنيا قائلاً: إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل[4].

وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو يمر أسرع من مر السحاب، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته، وإن عاش فيه عيش البهائم، يعني يأكل ويشرب وينكح، فإذا قطع وقته في الغفلة والشهوة والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه بالنوم والبطالة، فموت هذا خير له من حياته"، ابن القيم في الداء والدواء.

وبهذا تجيب الشخص الذي يسألك: أريد أن أتابع المباريات الآن كلها، وأراها بما فيها فما هو الضرر؟

فقل له:

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع

تقضي ثلاث ساعات في اليوم تتابع مباريات، هل فيها شيء من ذكر الله؟ كلا، هل فيها شيء من طاعة الله؟ كلا، هل فيها شيء من عبادة الله؟ كلا، وإنما إهدار أوقات، جاءت الإجازة، وما أدراك ما الإجازة، فكيف سيفعل بالوقت يا عباد الله؟

أقوال السلف في أهمية الوقت

00:09:20

"الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غداً فلعلك لا تدركه، وأما اليوم فهو لك فاعمل فيه". يا ابن آدم: "إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك". "إن اغتممت بما ينقص من مالك، فابك على ما ينقص من عمرك".

كان بعضهم إذا أطال الناس الجلوس عنده قال: "أما تريدون القيام؟ إن الشمس لا تمسك عن الجري".

قال ابن القيم: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها".

فما أشد جهالة من يقول: تعال نقتل الوقت، طفشانين، لا ندري ماذا نفعل، ما أشد التفريط والحسرة لمن ضيع عمره فيما لا ينفعه.

قال الحسن البصري: "أدركت قوماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم شحاً وحرصاً على دراهمكم ودنانيركم".

قال ابن مسعود: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي".

دخل أحدهم على البيروني يجود بنفسه، وقد حشرج نفسه، وضاق به صدره، وبلغ من العمر ثمان وسبعين سنة، فسأل البيروني وهو في حالة النزع علي بن عيسى في مسألة فقهية، فأشفق عليه، "وقال: أفي هذه الحالة؟ فأجابه: يا هذا أودع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، ألا يكون خيراً من أن أخليها وأنا جاهل بها، فأخذ المسألة ووعاها، قال ابن عيسى: فخرجت من عنده فسمعت الصراخ وأنا في الطريق، أي: على موته".

قال عمر: "إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة".

ما أكثر الشباب الذين يصفقون بالأسواق، ويطوفون بالطرقات، ويتمشون في الشوارع، ويدخلون المحلات، سبهللاً، لا في عمل دنيا ينفعه ويعود عليه بمال، ولا في عمل آخرة، وإنما إضاعة أوقات على أحسن الأحوال، ومعاصي ومحرمات في أسوأها.

قال أبو الوفاء ابن عقيل: "إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة، أو مناظرة، وتعطل بصري عن مطالعة؛ أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره"، ولذلك كتب كتاب الفنون في ثمانمائة مجلد،" وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في الثمانين أشد ما كنت أجده وأنا ابن عشرين".

وإن أجل تحصيلٍ عند العقلاء بإجماع العلماء هو الوقت، فينبغي للمسلم أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، وكان بعض العلماء لا ينام إلا اضطراراً، لا ينام عادة.

حال السلف في الحفاظ على الوقت

00:13:09

وكان النووي يحضر اثنا عشر درساً كل يوم، وكان الشوكاني يدرس لطلابه ثلاثة عشر درساً كل يوم في العلوم المختلفة الشرعية، من التفسير، والحديث، والأصول، والنحو، والمعاني، والبيان، وغير ذلك، سوى ما كان يأتيه من فتاوى تحتاج إلى تحرير الجواب، وكتاباته، بالإضافة إلى المؤلفات التي كان يؤلفها.

كان بعض السلف ملأ يومه كله بمجالس العلم، فلا ينتهي من مجلس حتى يذهب إلى آخر، حتى إذا لم يجد من الوقت ما يشوي به طعامه ربما أكله نيئاً.

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: "كنا بمصر سبعة أشهر لم نأكل فيها مرقة، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ، وبالليل للنسخ والمقابلة، نسخ ما سمعوه من الشيوخ، والمقابلة لتصحيح النسخ، فأتينا يوماً أنا ورفيق لي شيخاً فقالوا: هو عليل، يعني مريض، فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتنا، فاشتريناها، فلما صرنا إلى البيت حضر وقت مجلس، فلم يمكنا إصلاحه أي طبخ هذه السمكة، ومضينا إلى المجلس فلم نزل نطوف في المجالس مشغولين بطلب العلم، حتى أتى علينا ثلاثة أيام، وكاد أن يتغير فأكلناه نيئاً"، لم يكن لنا فراغ أن يعطيه من يشويه، ثم قال: "لا يستطاع العلم براحة الجسد".

ومن تتبع أخبار الناس، وتأمل أحوالهم، وعرف كيف يقضون أوقاتهم، وكيف يمضون أعمارهم، علم أن أكثرهم مضيعون لأوقاتهم، محرومون من نعمة استغلال العمر، واغتنام الوقت، ولذلك ترى الهدر في هذه النعمة الكبيرة.

حال شبابنا في قضاء الأوقات

00:15:05

وإن العجب لينقضي من فرح هؤلاء بمرور الأيام وانقضائها، ناسين أنها تقربهم إلى الموت.

إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى جزء من العمر

عباد الله:

إذا جعل العبد وقته طاعة لله لم يندم عندما ينزل به ما ذكره الله حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ۝ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [سورة المؤمنون:99، 100] سورة تركت وانتهى، كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [سورة المؤمنون:100]، اغتنم الوقت والمال في طاعة الله، وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ۝ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا [سورة المنافقون:10، 11]، قبل أن يقال: فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ [سورة السجدة:12]، قبل أن يقال: يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سورة الأنعام:27]، قبل أن يقال: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ [سورة فاطر:37].

لماذا لا يوجد لدى كثير من الشباب في الإجازات هدف؟

الرؤيا غير واضحة، تقليد أعمى، يتتابعون في المهلكات، يقلد بعضهم بعضاً في ضياع الأوقات، وإذا حصل تخطيط فللمعصية في كثير من الأحيان، إهدار الوقت، نوم طويل، وسهر مضر كثير، لماذا تضيع الصلوات بالنوم؟ ويجمع ما بين الظهر والعصر والمغرب في نومة واحدة؟

ذكر عند النبي ﷺ رجل نام ليلة حتى أصبح قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنه[5] قيل: نام عن قيام الليل، وقيل: نام عن صلاة الصبح.

إن من الغفلة والحرمان أن يألف شباب أصحاء النوم حتى تتعالى الشمس، وتتوسط السماء، وقد بال الشيطان في آذانهم، وإذا قام أحدهم يقوم ثقيل النفس، خبيثها، كسلان.

عباد الله: إننا نحتاج إلى وقفة صادقة لإصلاح المسيرة، ولكي تكون هذه الأوقات معمورة بطاعة الله، فإذا أتتك دورة علمية -يا عبد الله- فاعلم أنه رزق ساقه الله إليك، فلا تصرفه عن نفسك احضر، مجالس العلم موجودة، مجالس الذكر موجودة، العلماء وطلبة العلم يدرِّسون، الحلقات مفتوحة، الكتب مطبوعة، الوسائل متيسرة، فأي عذر لك في ترك طلب العلم، وحتى لو فاتك فالأشرطة تعيد لك الدرس مراراً وتكراراً، ولم تكن هذه النعمة عند من قبلك، يشتهي أحدهم أن يسمع الدرس من الشيخ مرة أخرى فلا يستطيع لقد ذهب، وليس هناك آلات تسجيل، والآن لما جاءتنا النعمة بآلات التسجيل أعرضنا عن الأصل وأعرضنا عن التسجيل، فالعجب العجاب.

عباد الله: إن الكتب متوفرة، فلماذا لا نقبل على طلب العلم؟ وعلى القراءة، وعلى الدرس، والفهم، والسؤال عما أشكل؟

اعتاد بعض الناس على السفر في الإجازة الصيفية، فصارت شيئاً مفروضاً في حياتهم لا يمكن تغييره، جعلوه فرضاً لا بد من القيام به، وإذا حصل ظرف فلم يسافروا استغرب من حولهم، قالوا: ما سافرتم إلى مكان في هذه السنة؟ ما سافرتم؟ ويل، ما سافرتم؟ واعجبي، ألم تسافروا إلى أي مكان؟ كأنهم فعلوا خطأً كأنهم فعلوا جريمة بترك السفر، لو كان السفر لصلة قريب من الرحم أو صديق من الإخوة في الله، أو زيارة الرحاب الطاهرة، أو الترويح عن الأهل بالمباح، وإدخال السرور بالمباح، بالمباح، وبالمباح ثالثة، إدخال السرور بالمباح على أهلك تؤجر عليه؛ لأن إدخال السرور على نفس المسلم مما يكسب به الإنسان حسنات، إن هذا شيء لا بأس به، وتجديد للنشاط، وإبعاد للكلال، وعودة إلى العمل بنشاط متجدد، لكن هذا لا يحدث إلا قليلاً مع الأسف، فإذا روحوا عن أنفسهم وسافروا فإلى بلاد الشيطان، وفنادق الشيطان، ومطاعم الشيطان، وملاهي الشيطان، وملاعب الشيطان، ومتاحف الشيطان، وشواطئ الشيطان، وكابينات الشيطان، كل ذلك يحدث تبذيراً للأموال، وخدشاً في الحياء، وإذهاباً للعفة وطعناً في الدين.

إن موضة قضاء الإجازة في تلك المناطق، والسفر إليها كما يسمون هرباً من الحرارة، لكن إلى حرارة ماذا؟ من حرارة الصيف إلى حرارة المعصية، قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ [سورة التوبة:81]، يعدون ويستعدون، ويحزمون الأمتعة ويحجزون؛ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [سورة إبراهيم:7]، أما يخشى هؤلاء أن تعود عليهم هذه المعاصي وكفران النعمة بزوالها، ألم يخشوا يوماً يأتي عليهم يوم القيامة؟

يؤتى بالعبد فيقول الله له: ألم أجعل لك سمعاً وبصراً ومالاً وولداً، وسخرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع، فكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا؟ فيقول: لا، فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني[6]، أي: أتركك في العذاب، فإذا جاءه الموت بغتة فماذا أعد؟ ماذا أعد؟ رحلات إلى أماكن المعاصي.

أيها الإخوة: الناس يقولون: الترفيه، الترويح، حسناً. لكن أين أمكنته البريئة؟ تحتاج إلى إعداد، يقول الناس: ساعة وساعة، حسناً. لكن في أي شيء تقضى الساعة الأخرى؟ إذا كانت الساعة الأولى في بيوت الله أو في العلم والدعوة والعبادة، فالساعة الأخرى تقضى أين؟ هل هي في أماكن المعصية؟ لا يجوز الترويح بما يضعف الإيمان، ويهز العقيدة، ويخدش الفضيلة، ويوقع في الرذيلة، ترك الحجاب، وتضييع الأبناء والبنات، والذهاب إلى أماكن المحرمات، فإذا كان إلى دول الكفر فهو مهدد بالبراءة، البراءة من أي شيء؟

أن يتبرأ النبي ﷺ منه، أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين[7]، وهو حديث صحيح، وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن أعداء الإسلام يستهدفون أفواجاً من السياح المسلمين للوقيعة بهم، ويتم الانبهار بالغزو الفكري والأخلاقي بعد العقدي، ونقل الأمراض الفتاكة.

السياحة في الإسلام

00:24:15

ما هي السياحة؟ ما هو التعريف الشرعي للسياحة؟ هل هناك شيء في الإسلام اسمه: السياحة؟

الجواب: نعم، على أي شيء أطلقت السياحة في الإسلام؟ اسمع معي يا عبد الله لهذه المعاني الخمسة للسياحة في الإسلام؛ لأن كثيراً من المسلمين لا يعرفون أن في الإسلام سياحة، وإذا عرفوا لا يعرفون ما معناها؟

قال الله تعالى: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ [سورة التوبة:112]، السائحون: جاء عن ابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة وغيرهم: "أن السائحين: هم الصائمون"[8] إذن السياحة هنا بمعنى الصيام.

عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [سورة التحريم:5]، قالت عائشة -رضي الله عنها: "سياحة هذه الأمة الصيام"[9].

ثانياً: السفر لطلب العلم.

قال بعض أهل العلم كزيد بن أسلم: "السائحون هم الذين يسافرون لطلب الحديث والعلم"، قال بعض السلف: "من لم يكن رُحَلة لن يكون رُحالة". يعني: الذي لا يرحل في طلب العلم والحديث عند الشيوخ والسياحة للأخذ عنهم، يستبعد أن يرحل الناس إليه لأخذ العلم عنه.

ثالثاً: الخروج عن القبيلة والدار والبلد ليعبد الإنسان ربه عند الاضطهاد، فهذه الهجرة تسمى سياحة، ولذلك لما لقي ابن الدغنة المشرك أبا بكر خارجاً جهة الحبشة، قال: "أين تريد يا أبا بكر؟ قال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي. قال ابن الدغِنة: إن مثلك لا يخرج ولا يُخرج، فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"[10] إذن خرج أبو بكر يسيح في الأرض، ما معنى ذلك؟ مهاجراً في الله؛ ليعبد ربه في أرض لا يضطهد فيها.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما يفعل أعدائي بي؟ إن سجني خلوة، وقتلي شهادة، وتشريدي سياحة.

رابعاً: السياحة بمعنى الجهاد في سبيل الله، كما جاء في سنن أبي داود -وهو حديث صحيح- عن النبي ﷺ أنه قال: إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله تعالى[11]، هذه السياحة العظيمة.

وخامساً: السياحة كل سفر عبادة، والدليل على ذلك قول النبي ﷺ في دعاء السفر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون سائحون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده[12].

فالسفر لكل مطلوب شرعي من عبادة وقربة كالحج، وزيارة المساجد الثلاثة، أو الغزو في سبيل الله، كل ذلك داخل في قوله: سائحون.

هذه هي الاستعمالات الخمسة للسياحة في النصوص الشرعية وكلام العلماء، وبعضها يؤدي إلى بعض.

فأما السياحة المتعارف عليها اليوم في الحجز على شركات الطيران، التي توزع العروض لقضاء الأيام والليالي في فنادق الخمسة نجوم، وعلى الشواطئ الذهبية، وفي المتاحف، وفي أنواع الأماكن التي فيها المعاصي والكفران المبين، فهذه سياحة باطلة محرمة ومعصية، فلا بد للمسلم أن يعرف ما هي السياحة الشرعية؟ ليسيح في الأرض يعبد ربه، وما هي السياحة المحرمة؟ فيجتنبها.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم اجعلنا لك ذاكرين، لك شاكرين، لك أوابين منيبين، تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا. اللهم عليك توكلنا، وإليك أنبنا، وإليك المصير، أقول قولي هذا، فاستغفروا الله العظيم الجليل يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:30:05

الحمد لله الكبير المتعال، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، ورضي عن خلفائه وعلى من تبعهم بإحسان.

خطر السفر إلى بلاد الكفار

00:30:38

عباد الله: إن الذهاب إلى بلاد الكفر معلوم حكمه، وقد انتشرت فتاوى أهل العلم في التحذير منه، ومما ذكره شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله تعالى- في هذا: "يقول الله جل وعلا: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ [سورة البقرة:217]، والآيات الدالة على عداوة الكفار للمسلمين كثيرة، والمقصود أنهم لا يألون جهداً، ولا يتركون سبيلاً للوصول إلى أغراضهم، وتحقيق أهدافهم في النيل من المسلمين إلا سلكوه، ولهم في ذلك أساليب عديدة، ووسائل خفية وظاهرة، فمن ذلك ما تقوم به بين وقت وآخر بعض مؤسسات السفر والسياحة من توزيع نشرات دعائية، تتضمن دعوة أبناء المسلمين، لقضاء الإجازات الدراسية وغيرها في ربوع أمريكا وأوروبا بحجة تعلم اللغة، ووضع برامج شاملة لجميع وقت المسافر، وتهدف هذه النشرات إلى تحقيق عدد من الأغراض الخطيرة منها ما يلي:

أولاً: العمل على انحراف الشباب المسلمين وإضلالهم.

ثانياً: إفساد الأخلاق والوقوع في الرذيلة عن طريق تهيئة أسباب الفساد، وجعلها في متناول اليد.

ثالثاً: تشكيك المسلم في عقيدته.

رابعاً: تنمية روح الإعجاب والانبهار بحضارة الكفرة.

خامساً: دفع المسلم للتخلق بالكثير من تقاليد الكفار وعاداتهم السيئة.

سادساً: التعود على عدم الاكتراث بالدين الإسلامي، وعدم الالتفات لآدابه وأوامره.

سابعاً: تجنيد الشباب المسلم ليكونوا من دعاة السفر إلى بلاد الكفر بعد عودتهم من هذه الرحلة، وتشبعهم بأفكار الكفرة وعاداتهم وطرق معيشتهم، كما أنصح أولياء أمور الطلبة خاصة بالمحافظة على أبنائهم، وعدم الاستجابة لطلبهم بالسفر إلى الخارج لما في ذلك من الأضرار والمفاسد على دينهم وأخلاقهم وبلادهم كما أسلفنا". انتهى كلامه رحمه الله.

كيف نستغل الإجازة الصيفية؟

00:33:12

فأين نجعل شغل أولادنا في هذه الإجازات؟

عباد الله: إن الله يقول: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ۝ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [سورة الشرح:7، 8]، عمر المسلم ثمين، وحياته ثمينة، مليئة بالمهمات والطاعات، إذا فرغت من عبادة فانصب في عبادة أخرى، إذا فرغت من الجهاد فانصب إلى الصلاة، وهكذا طاعات متوالية.

إن الله يقول: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ۝ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ، عمر المسلم ثمين، وحياته ثمينة، مليئة بالمهمات والطاعات، إذا فرغت من عبادة فانصب في عبادة أخرى، إذا فرغت من الجهاد فانصب إلى الصلاة، وهكذا طاعات متوالية.

إنه يوجد لدينا -بحمد الله تعالى- عدداً من المراكز الصيفية التي تهتم باحتواء الشباب، وتصريف طاقاتهم في العبادات والمباحات، وفيها من البرامج المفيدة، والأمور التربوية الكثير، وهذه إذا ضبطت ضبطاً مفيداً برقابة حميدة، ومتابعة سديدة، ستثمر فائدة أكيدة.

وحلق تحفيظ القرآن الكريم خير ما اشتغل به المشتغلون، خيركم من تعلم القرآن وعلمه[13]، وحلق الذكر ومجالسة العلماء والدورات التي تقام في المساجد.

وقد يقول لك الولد: بعد عناء الدراسة وتعب المذاكرة تريدني أن أنخرط في حلق العلم؟ أين الراحة؟ ومن يسمعه يظن أنه قد قطع جلد الكتب في المذاكرة، ولكن كثيراً ممن رأيناهم من الطلاب لا مبالاة، الهم على الوالدين، والدلال والترف للولد، إذا أراد فتَحَ الكتاب، وإذا استغلقت نفسه أغلقه، وأكثر الوقت نفسه مستغلقة، فيسمع كلام بعضهم كأنه طيلة الوقت في العام الدراسي يذاكر، ثم يقول: الآن أريد أن أرتاح من العناء. أي عناء؟ كثير من الحصص وفي اليوم الدراسي في لهو ولعب، ومشاغبة في الفصول ومطاردة مع المدرسين، وارتكاب لكل عمل طائش، وحتى إذا اقتربت الامتحانات، لا مبالاة. لا مذاكرة جادة، ولا حل واجبات، ثم إذا جئت بعد الامتحان تقول: نريد أن نجعلك في مكان تستفيد فيه من وقتك، قال: تعب المذاكرة، وعناء الامتحانات، والله إن أكثر العناء قد انصرف إلى الوالدين، ولم يكن لهذه الرهبة التي كان يعتادها الأولون من الطلاب فيما سبق مكان يذكر في هذه الأجيال اللاحقة، فليستحي قائل مثل هذا الكلام.

وللننظر يا عباد الله في سلفنا، في حفظهم للأحاديث والأذكار، قراءة الكتب النافعة، زيارة الصالحين، صلة الرحم، زيارة المقابر، المرضى في المستشفى، المكتبات، الدعوة إلى الله في البوادي والهجر، الدروس العائلية، أداء العمرة، زيارة المسجد النبوي، برامج تحفيظ القرآن، المراكز الصيفية، المسابقات النافعة، تعلم الِحرَف المفيدة، برامج الكمبيوتر المفيدة التي ربما تكون صنعة في اليد، يأمن بها من الفقر مستقبلاً، الوظائف، وظائف الصيف في المباح لا في الحرام، التي يستفيد منها على الأقل راتباً يجمعه لمهره، وهكذا تكون عمارة الأوقات، أما ترك الوقت يذهب هدراً، فهذا من أعظم المصائب، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [سورة محمد:24]، وإننا لنكبر لأولئك المدرسين من الدعاة الأفاضل صرف أوقاتهم، التي يريدون الاستجمام فيها؛ من أجل العمل لمصلحة هؤلاء الطلاب والأبناء، ولا يأخذون على عملهم شيئاً يذكر، إنها تضحية والله، وثواب عند الله، فهنيئاً لهم بما ضحوا من أوقاتهم لأجل أبناء غيرهم، وربما يكون أولئك الغير مشغولون بالدنيا.

خطر الدعايات المروجة للسفر إلى بلاد الكفار

00:38:32

عباد الله: لقد قامت مواقع الإنترنت وغيرها بعرض البرامج السياحية بالأسعار المخفضة، كما امتلأت مكاتب شركات الطيران بتلك النشرات، خمسة وعشرون يوماً بكذا وكذا، وعشرة أيام بكذا وكذا، وأسعار مخفضة، وإلى أوروبا الشرقية وإلى الرمال الذهبية، وإلى جو أوروبا، ونحو ذلك من الأماكن، ولعل البعض يعلم بأن بعض المصايف العربية لا تقل فساداً عن دول الكفر، بما جلب إليها، ورتب فيها، وأشبعت إشباعاً من أنواع الفسق والانحلال، حتى المومسات قد جلبن إليها من الغرب والشرق، فصارت لا تقل فساداً عن بلاد الكفر، فلا نخدع أنفسنا بأن نقول: لم نذهب إلى بلاد الكفر؛ لأن الذهاب إلى أماكن المعصية والفسق والفجور حرام، سواء كان في بلاد العرب، أو كان في بلاد العجم.

وعندما تقرأ فيما يوجد في مثل هذه المطويات والنشرات، الذهاب إلى المكان الفلاني، سبعة أيام اليوم الثالث المنطقة الفلانية، ميزة سكانها المحافظة على التقاليد الدينية العريقة، فلا تخلو بقعة من مجموعة الكابيلات، والكنائس التي تشهد على الاحتفالات الدينية، والصلوات خاصة في عيد الميلاد، هذا ما هو موجود في بعض المطويات: بهاء الشمس الكاريبية، بالإضافة إلى الملاهي الليلية، ومجموعة رائعة من النشاطات المتنوعة، وعند مغيب الشمس تبدأ الحياة الليلية الصاخبة في المراقص، مع الموسيقى الشعبية التي تستمر حتى بزوغ الفجر، ستة أيام إلى البلد الفلاني، في جنوب شرق آسيا تشاهد معظم المعالم السياحية لهذه الجزيرة، والمنتجع على الشاطئ، والعاصمة وما فيها من المعابد والكهوف، ثم الرحيل إلى المكان الفلاني الذي فيه المعابد البوذية، وتمثال بوذا في حالة تأمل، وقضاء الليل في المكان الفلاني.

وهكذا ثلاثة تماثيل لبوذا، متع بصرك. بأي شيء؟ اختلاط الرجال بالنساء؟ الأمراض التي ستنشأ عن هذه الأسفار، أمراض تحدث أحياناً للسفر، في الأسفار، من التسمم الغذائي، وما يحدث من الإرهاق نتيجة تغير الجو، والمضاعفات على مرضى السكري والقلب والكلى، وأمراض ناتجة من السفر لأماكن موبوءة بالملاريا مثلاً، وأما الأمراض التناسلية الجنسية فهي عقوبة الله للفجرة في هذا الزمان.

وأخذ الأشياء الملوثة، والاتصالات المحرمة، وهكذا تنتقل الإيدز والزهري والسيلان وغيره من الأوبئة الفتاكة إلى هؤلاء الفسقة عبر البغايا، لتترك له بطاقة وهو يغط في نوم عميق، وقد كتب عليها مرحباً بك في نادي الإيدز، ثم إذا رجع ماذا سيفعل؟ من نقل المرض الخبيث إلى زوجته المسكينة، وإلى أولاده تبعاً لذلك.

عباد الله: خمور ومخدرات، وفواحش وفيروسات، ولحوم خنزير، وحتى الشوكلاتة فيها أنواع من الخمر وكحول يسكب على السلطة، ونحو ذلك من الأشياء العجيبة، التي حفلت بها تلك الأماكن، وقدوة سيئة من الآباء للأبناء، بل إن بعض الآباء ربما أعطى تذكرة السفر كهدية لولده عند نجاحه.

وما تقوم به أفراد العمالة الوافدة من المدح لبلدانهم وتصويرها للتغرير بهؤلاء المساكين، وكذلك ما تقوم به القنوات من الإعلام الفاسد في الجذب إلى تلك البقاع السيئة.

عباد الله: عجباً لمن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ثم يقول: عمرة ونذهب إلى الخارج، أو نرجع من الخارج إلى العمرة، فما بالك جاوزت بيت الله، وجاوزت حدود الله، ثم إن الكثيرين ليفتنون بأشياء من الأمور الشاطئية المائية، وهي في الحقيقة: نزع حجاب، وسفور، وتهتك، واختلاط محرم، ومطاعم تعج بأنواع الديسكو والموسيقى، ثم يقولون: الدبابات البحرية، والغطس، والتزلج، ماذا يوجد من الأشكال إذن على الشواطئ؟ ومسرح العرائس، وصالات الفنادق، وغيرها.

إذن لا بد أن يكون الترويح في شيء مباح، لو كان في وديان، وروضات، ومياه، وخضرة، وصيد أسماك، بل كهوف، ومغارات، ونحو ذلك من مناظر الطبيعة، إذن لقلنا: رفهَ عن أولاده وأهله بالمباح، لكن في كثير من الأحيان مع الأسف لا ينفك هذا عن هذا، لا ينفك المباح عن الحرام.

فجاهد يا عبد الله: أن تكون الإجازة لك ولأولادك في طاعة الله، وفي مباح تروح به عن أنفسهم سروراً ليس في معصية.

اللهم إنا نسألك أن تجعل عملنا في طاعتك، اللهم اجعل خير أعمارنا خواتمها، اللهم إنا نسألك أن تعيننا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم انصر المجاهدين، واقمع أعداء الدين، وانشر رحمتك على العالمين، اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد، والنجاة يوم المعاد، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا مع محمد وصحبه يوم الدين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الصافات:180- 182].

  1. ^  رواه البخاري: (6412).
  2. ^  رواه الترمذي: (2416)، حديث صحيح
  3. ^ السنن الكبرى للنسائي: (11832).
  4. ^  رواه أحمد: (12981) حديث صحيح.
  5. ^  رواه البخاري: (1144).
  6. ^  رواه مسلم: (2968)، والترمذي: (2428)، واللفظ للترمذي.
  7. ^  رواه أبو داود: (2645).
  8. ^ المستدرك على الصحيحين: (3288).
  9. ^ تفسير الطبري: (12/ 15).
  10. ^ رواه البخاري: (3905).
  11. ^  رواه أبو داود: (2486).
  12. ^  رواه البخاري: (2995)، ومسلم: (1344).
  13. ^  رواه البخاري: (5027).