الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدً عبده ورسوله.
أما بعد:
حاجة المسلم إلى الاستغفار في كل حين
إن حال المسلمين -يا عباد الله- حال شديدة، وإننا أمام الدنيا في ضعف، وأمام الكفار في ضعف، وقد انغمس المسلمون في الشهوات، واشتغلوا بالدنيا، واسلموا إخوانهم للأعداء، وهذا الحال يحتاج إلى تغيير، ولابد أن يكون لنا مع الله تعالى وقفة؛ لنصلح ما أفسدنا بيننا وبين الرب هذا تقصيرنا واضح، قد أدى فيما أدى إليه، من ذهاب بعض بلاد المسلمين، وحصول تداعي أعداء الله علينا، إن المخرج الصلح مع الله تعالى، ولابد للمسلمين اليوم من أن يؤبوا إلى ربهم، وأن يصلحوا فيما بينهم وبينه، هذا القحط، والجدب، واحتباس المطر، وانقطاع الغيث، أليس تذكرة من الله؛ ليرجع العباد إليه تائبين مستغفرين؟ والاستغفار الاستغفار، العودة إلى الله: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ [سورة آل عمران:135]، ونحن لا نخلوا من المعاصي والتقصير، فنحن في حاجة إذًا إلى التوبة، والاستغفار ليس شيئًا باللسان يقال: فقط.
وإنما هو يقع في القلب، ومن قال بلسانه: استغفر الله، وهو غير مقلع بقلبه فهو داع بلسان، لكن القلب غير حاضر، ولذلك فإن استغفاره يحتاج إلى استغفار، طلب المغفرة: وقاية شر الذنوب مع سترها، وإذا غفر الله لعبد فقد وقاه شر ذنبه، وغطى عنه ذلك الذنب، وهو سؤال للرب تعالى، وطلب بعد رؤية قبح المعصية، والاعراض عنها، والله يذكر عباده بالشدائد، وما يحدث لنا اليوم شدائد، لما وقع الزلزال في زمن عمر بن عبد العزيز؛ كتب إلى عماله في البلدان، أمرهم أن يأمروا المسلمين بالتوبة إلى الله، والضراعة، والاستغفار من ذنوبهم، إنه استغفار فيه لجوء إلى الرب، والله لا يعذب القوم المستغفرين، كما قال: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [سورة الأنفال:33]، الاستغفار: استصلاح القول الفاسد قولًا وفعل، الاستغفار: الطلب، طلب المغفرة من الغفار، ومن أسمائه أيضًا الغفور كثر ستره لعباده، وتجاوزه عن خطاياهم، والعبد أحوج شيء إلى الاستغفار؛ لأنه يخطئ بالليل والنهار طلب إقالة العثرات: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ [سورة غافر:3].
الاستغفار من أعظم الطاعات وأنفع القربات
إنه من أعظم الطاعات وأنفع القربات الاستغفار، ختام الأعمال الصالحة مع كونها صالحة، فتختم الصلوات بالاستغفار، وقيام الليل بالاستغفار، وكذلك في الحج: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ [سورة البقرة:199].
وختام المجالس الاستغفار، الاستغفار بالأسحار بعد قيام الليل في الطاعات أيضًا، وليس في المعاصي فقط؛ لأن العبد لا يخلو من التقصير، وأما إذا ظلم نفسه، فإنه يستغفر ربه: ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [سورة آل عمران:135]، وقد أمرنا الله تعالى به فقال: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة المزمل:20]، أَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ [سورة هود:3]، فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ [سورة فصلت:6]، وهكذا أمر الأنبياء أقوامهم: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ [سورة هود:52]، كما قال هود لقومه، وكذلك قال صالح : يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [سورة هود:61]، وقال شعيب لقومه: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [سورة هود:90]، وقال النبي ﷺ: يا عائشة، إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، فإن التوبة من الذنب الندم والاستغفار[1]، ندم بالقلب مصحوب باستغفار اللسان طلب المغفرة من الله.
إن هنالك أناسًا يأتون يوم القيامة في غاية السرور والحبور لماذا؟ قال ﷺ: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرا[2]، رواه ابن ماجة وهو حديث صحيح، بل إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول: أنى هذا؟ من أين لي هذا؟ لا يراه في عمله، فيقول: أنا هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك[3]، وهو حديث حسن، وكذلك قال ﷺ: من أحب أن تسره صحيفته، فليكثر من الاستغفار، فهنيئًا إذًا للمستغفرين، وهنيئًا لآباء المستغفرين الذين يستغفرون لهم، بل النبي ﷺ وهو العليم بأحوال النساء قال: يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار، إن الاستغفار ينتج عملًا عظيمًا، ويغفر الذنب الكبير، قال ﷺ: من قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف[4]، إن الفرار من الزحف كبيرة ؛ لكن الاستغفار يرقع ذلك كله، من قال: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، كلمات جامعات، أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف[5] كلما أذنب استغفر ربه؛ لأنه يعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب يغفر: هذا رجاء، يأخذ: هذا خوف، فهو جامع بين الخوف والرجاء، كلما أذنب ذنبا استغفر ربه؛ لأنه يعلم، ويؤمن، ويوقن، بأن الله يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ولذلك فإن الله يغفر له ذنبه، وهو ينزل إلى سماء الدنيا ليقول للعباد: هل من مستغفر يغفر له حتى ينفجر الصبح.
والنبي ﷺ إمامنا، وقدوتنا، وحبيبنا، وأعظم الأمة، وأعبد العباد قال: إنه ليغان على قلبي، ليغان من الغين، والغين بمعنى واحد: ما يتغشى القلب، ما يغطيه، ما يغان على قلبي، وإني لاستغفر الله في اليوم مائة مرة، هل النبي ﷺ يفعل المعاصي ليغان على قلبه؟ لا، لكن قالوا: بما يشتغل به من مصالح أمته، والمباحات أحيانًا، وما يكون من محاربة العدو، وتأليف المؤلفة، ونحو ذلك يشتغل به عن علي المقام، فيراه ذنبًا بالنسبة إلى عظيم منزلته مع أن هذه الأمور من الطاعات، لكن لما كان ﷺ قلبه مشغول دائمًا بالحضور مع الله، ومراقبة الله، وهو يذكر ربه، وهو مع ربه، فتأتي هذه الأمور التي هي من الطاعات لكن فيها اشتغال بالتفكير في العدو، التفكير بتأليف المؤلفة قلوبهم، ونحو ذلك من مصالح الأمة التي يفكر بها فيعتبر أن هذا الانصراف عن الحضور، حضور الذهن والقلب مع الله إلى اشتغال القلب والذهن بمصالح الأمة؛ يعتبره غينًا على قلبه، هل رأيتم هذه الدقة والحساسية؟ التي جعلته يكثر من الاستغفار حتى لا ينزل عن المستوى العالي، ونحن اليوم ننزل من مستوى أسفل إلى أسفل، والنبي ﷺ يريد أن يحافظ على المستوى الأعلى، ومصالح لابد من القيام بها، ولكنه يريد أيضًا أن يكون في المقام الأعلى، فهو لا يزال يستغفر في اليوم مائة مرة.
المؤمن لا يقنط أبدًا من رحمة الله تعالى
عباد الله:
إن مغفرة الله عظيمة يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء عنان السماء ارتفاع كم؟ لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي؛ لأن الله لا يعجزه شيء؛ لأن الله لا يثقل عليه شيء، لا يصعب على الله شيء يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، إن الاستغفار لجوء العبد إلى الله؛ ولذلك لو كان الصحابة لا يذنبون لذهب الله بهم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم، فالله يريد من العباد أن يستغفروه، يريد منهم أن يلجأوا إليه، يريدهم أن يطلبوا منه المغفرة: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ [سورة الأحزاب:35]، هؤلاء في الخشوع، والتصدق، والصيام، وحفظ الفرج، وذكر الله؛ لأن الله أعد لهم مغفرة، هؤلاء الله يغفر لهم على أعمالهم هذه هؤلاء الله يوفقهم لأنهم من المستغفرين بالأسحار: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [سورة الأنفال:33]، الاستغفار، يقول أبو موسى: كان فيكم أمانان، كان فيكم -أيها الصحابة- أمانان، كانت فيكم يا -أيها الأمة- في صدرها أمانان: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [سورة الأنفال:33]، هذا الأمان وجود النبي في الأمة: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [سورة الأنفال:33]، هذا الأمان الثاني، الاستغفار، قال: أما النبي فقد مضى لسبيله، الأمان الأول انتهى، الأمان الأول زال بوفاة محمد ﷺ، قال: وأما الاستغفار فهو كائن بينكم إلى يوم القيامة، فبقي الاستغفار معنا، فإذا ذهب هلكنا، هذا الاستغفار الذي يعوض النقص، قال أبو هريرة: الغيبة تخرق الصيام، والاستغفار يرقعه، من اغتاب خرق، ومن استغفر رقع.
ولقد لعبت مع الفتيان ما لعبوا | وقد أجد، وقد أغنى وأفتقر |
استغفر الله من جدي ومن لعبي | كل امرئ بامرء لابد مؤتزر |
الإنسان تقع منه أشياء، تختلف به الأحوال، وتتقلب، الاستغفار هو الاستغفار الحقيقي الذي فيه الندم، والإقلاع عن الذنب، أما استغفار بلا إقلاع، قال العلماء: توبة الكذابين، سئل سهل عن الاستغفار الذي يكفر الذنوب قال: أول الاستغفار الاستجابة، ثم الإنابة، ثم التوبة، فالاستجابة أعمال الجوارح، والإنابة أعمال القلوب، والتوبة: الإقبال على المولى؛ رجاء أن يغفر له ما فعل، القرآن يدلنا على الداء والدواء، الداء الذنوب، والدواء الاستغفار، ما جاور عبد في مقبره من جار أحب من الاستغفار، قال الحسن: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقاتكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة، قال ابن دينار: "كان الأبرار يتواصون بثلاثة: بسجل اللسان، وكثرة الاستغفار، والعزلة" أي: عدم مخالطة الخلق إلا فيما ينفع، قال بكر: أنتم تكثرون من الذنوب فاستكثروا من الاستغفار، فإن الرجل إذا وجد في صحيفته بين كل سطرين استغفار سره مكان ذلك، إذا رأيت بين كل سطرين في صحيفتك استغفارًا، فأنت لا تفعل شيئًا إلا وتستغفر بعده إن كانت طاعة استغفرت من التقصير من العجب من الريا، وإن كانت معصية استغفرت منها؛ لئلا يعاقبك.
الاستغفار سبب لتنزل الخيرات والرحمات
جاء سفيان إلى جعفر بن محمد بن علي بن الحسين قال: لا أقوم حتى تحدثني قال: أنا أحدثك وما كثرت الحديث لك بخير يا سفيان: إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها، فأكثر الحمد والشكر، فإن الله قال: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ [سورة إبراهيم:7]، يا سفيان: إذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار، فإن الله قال: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [سورة نوح:10، 11]، يا سفيان: إذا حزبك أمر من سلطان، أو غيره فأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها مفتاح الفرج، وكنز من كنوز الجنة. إبليس أهلك الناس بالمعاصي وبأي شيء يهلكونه بالاستغفار، وقال الأعرابي: من أقام في أرضنا فليكثر من الاستغفار، فإن مع الاستغفار القطار، وما هو القطار: السحاب العظيم القطر. الاستغفار الذي يحل عقدة الإصرار هذا فائدة عظيمة للاستغفار. الذين يصرون على المعاصي كيف حل عقدة الإصرار هذه؟ الاستغفار الاستغفار، ولذلك من كان قلبه مصرًا على المعصية فاستغفاره يحتاج إلى استغفار.
استغفر الله من استغفر الله من | لفظة بدرت خالفت معناها |
وكيف أرجو إجابات الدعاء وقد | سددت بالذنب عند الله مجراها |
ولما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-: "أيهما أنفع للعبد التسبيح أم الاستغفار؟ قال: إذا كان الثوب نقي فالبخور أنفع له، وإذا كان الثوب دنسًا فالصابون أنفع له". فإذا كانت الثياب متسخة إذا كانت المعاصي فالاستغفار هنا بالنسبة للعبد مقدم، والجمع بينها خير وهو السنة، يا عباد الله: العبد بين ذنب ونعمة لا يصلح ذلك إلا الحمد والاستغفار، فيحمد ربه على النعمة، ويستغفر ربه من الذنب، الاستغفار طاعة لله، الاستغفار سبب مغفرة الذنوب: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا [سورة نوح:10]، الاستغفار سبب نزول الأمطار: يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [سورة نوح:11]، الاستغفار مدد بالمال والبنين: وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ [سورة نوح:12]، اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا [سورة نوح:10]، هذه الفائدة الأولى للاستغفار يغفر الذنوب، اثنين: نزول الأمطار: يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [سورة نوح:11]، ثلاثة: الرزق بالأموال: وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ [سورة نوح:12]، أربعة: الذكور من الأولاد الذين تشتهيهم النفوس يريد ذكرًا، ولذلك قال: وَبَنِينَ [سورة نوح:12]، ولم يقل وأولاد؛ لأن الأولاد يشمل البنين والبنات، والنفوس تهفو للبنين، قال: وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ [سورة نوح:12]، خمسة: دخول الجنة: وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّات [سورة نوح:12]، ستة، كما في الآية الأخرى: وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ [سورة هود:52]، قوة بدنية، قوة السلاح.
القوة بجميع أنواعها، سبعة: المتاع الحسن: يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا [سورة هود:3]، ثمانية دفع البلاء والعذاب: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [سورة الأنفال:33]، إنها أسباب تدفع للحرص على هذه العبادة.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم اغفر لنا ما قدمنا، وما أخرنا، وما أسررنا، وما أعلنا، وما أسرفنا أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الغفور الغفار، الحمد لله العزيز القهار، الحمد لله التواب، مكور الليل على النهار، أشهد أن لا إله إلا هو لا شريك له، أنعم علينا بالسمع والأبصار، وأشهد أن محمدًا رسول الله الرحمة المهداة، البشير والنذير، صلى الله عليه ما تعاقب الليل والنهار، وعلى آله وصحبه الأطهار، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الاستغفار يجبر النقص ويكمل العبادات
عباد الله، قال ﷺ مذكرًا بالمناسبات التي تكون فيها هذه العبادة، كان إذا دخل المسجد صلى على محمد ﷺ، وقال: رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك[6]، وإذا خرج ﷺ، وقال: رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك، حتى في المسجد دخولًا وخروجا، وبعد الوضوء مع أنه عباده علمنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبد الله ورسوله تفتح أبواب الجنة الثمانية بهذا الدعاء العظيم: "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك"، فيقال ختام المجلس، ويقال بعد هذه العبادة أيضًا، ويقال عند الخروج من الغائط: "غفرانك"، وكذلك الاستغفار في الركوع والسجود كان يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي"، وبين السجدتين: "رب أغفر لي رب أغفر لي"، وأيضًا فإنه كان يقول هذا في التشهد الأخير علمه للصديق: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، وعقب الصلاة: أستغفر الله أستغفر الله، أستغفر الله، ثلاثًا، وكذلك يودع الميت بالاستغفار، وفي دعاء الجنازة استغفار للميت، وأعظم ما يصل للميت ما هو؟ الدعاء، الدعاء بالمغفرة والرحمة، والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات فضله عظيم، وأجره كبير، وربما يكون له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة، وإذا كان علمنا دعاء سيد الاستغفار لعظمته، وهو الدعاء المعروف الذي فيه: أبوء لك يعني: اعترف بنعمتك علي، وأبوء بذنبي: اعترف بذنبي، فكان من عظمة الدعاء أنه اشتمل على طلب المغفرة، وتوحيد الربوبية والألوهية، والأسماء والصفات، والاعتراف بالذنب، والاعتراف بالنعمة، والطلب، واللجوء إلى الله ، عباد الله: إن هذه الاستغفارات إن هذه الأدعية العظيمة إنها تؤثر، وقد كان شخص أصابه عقم، فلجأ إلى الله بهذا الدعاء لجأ إلى ربه: وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ [سورة نوح:12]، فرزقه الله ، وامرأة عندها أيتام ترك لها زوجها مبلغًا قليلًا من المال، فهي في يأس وبأس حتى سمعت حديثًا في فضل الاستغفار وما يكون فيه، فأكثرت منه وأمرت أولادها، قالت: وما مرت ستة أشهر حتى جاء تخطيط مشروع لنا على أملاك لنا قديمة، فعوضنا بملايين، وصار ابني متفوقًا، ومحل رعاية وعناية، إذًا الاستغفار الذي يأتي بالفوائد العظيمة من وقاية من شؤم الذنب، والوقاية من العذاب، وكذلك يأتي بهذه الفوائد الكثيرة يحتاجه الإنسان، وخصوصًا أننا نتقلب يوميًا في أحوال.
الاستغفار الذي يأتي بالفوائد العظيمة من وقاية من شؤم الذنب، والوقاية من العذاب، وكذلك يأتي بهذه الفوائد الكثيرة يحتاجه الإنسان، وخصوصًا أننا نتقلب يوميًا في أحوال.وتأمل في حديث: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، واسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي، وهزلي، وخطأي وعمدي، وكل ذلك عندي. اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير[7].
عباد الله، إن هذا القحط، وتأخر نزول المطر لا شك بذنوبنا، ولابد أن نرجع إلى الله فإنه يرزق العباد إذا رجعوا إليه.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا اللهم أغثنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقي عذاب، ولا بلاء، ولا هدم، ولا غرق، اللهم أسقنا الغيث، أغثنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا، مريئًا، غدقًا، مجللًا، عامًا، طبقًا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير ضار، يا أرحم الراحمين.
اللهم أحيي البلاد والعباد، اللهم اسق عبادك وبهائمك وأحيي بلدك الميت، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان والسلامة والإسلام.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم أحيينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين، اللهم ثبت إخواننا على الدين يا أرحم الراحمين، اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، اللهم إنا نسألك التثبيت لإخواننا المجاهدين، اللهم إنه قد نزل بإخواننا من البلاء ما لا يعلمه إلا أنت، وأنت الرحيم الرحمن، وأنت على كل شيء قدير، اللهم أنت اللطيف بعبادك، اللهم ففرج عنهم ما نزل بهم، واكشف ما نزل بهم من ضر يا أرحم الراحمين.
اللهم إنهم جياع فأطعمهم، وإنهم عراة فاكسهم، وإنهم حفاة فاحملهم، وإنهم مظلومون فانصرهم. اللهم إنا نسألك لإخواننا الفرج العاجل يا رب العالمين، اللهم سدد رميهم، ووحد صفهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم إن هؤلاء الصليبيين قد أفسدوا في الأرض، اللهم طغوا وبغوا، وجاءوا بخيلائهم وفخرهم، اللهم إنهم يريدون دينك، وأنت صاحب الدين والشريعة، يا هازم الأحزاب، يا منزل الكتاب، يا سريع الحساب، اللهم اقض عليهم يا رب العالمين، اللهم زلزلهم زلزالًا شديدا، اللهم خذهم أخذًا أليما، اللهم لا تجعل لهم طائرة تحارب المسلمين إلا أسقطتها، ولا سفينة إلا أغرقتها، ولا بارجة إلا قصفتها، ولا دبابة إلا أحرقتها، ولا مركبة إلا قلبتها، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم مزق ملكهم، اللهم أسقط علمهم وسلطانهم، اللهم أجعل أمرهم في سفال، وشأنهم إلى زوال أنت الكبير المتعال، لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، اللهم أنزل عليهم سخطك وعذابك، اللهم عليك بأعدائنا من اليهود والصليبيين والمشركين، أحصهم عددا، وأقتلهم بددا، اللهم هؤلاء أعداؤك، اللهم اقطع دابرهم، واستأصل شأفتهم، وأبد خضراءهم، اللهم عليك بهم وبمن عاونهم، انزل بهم بأسك الذي لا يرد عن المجرمين، ندرأ بك الله في نحروهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم أرنا بهم عجائب قدرتك. اللهم أنزل عليهم صاعة فإنهم لا يعجزونك، أنت الملك فلا ند لك، وأنت الرب فلا شريك لك، أنت الجبار القهار، اللهم أنت العزيز الكبير القوي المتين، اللهم خذهم وشتتهم، اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم، أدر دائرة السوء عليهم، وانزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم اجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين، اللهم اجعل بلاد المسلمين مقابر لهؤلاء الأعداء يا رب العالمين، اللهم أقر أعيننا بيوم قريب تعز به دينك، وتهزم به أعداءك، وتنصر فيه أولياءك، يا سميع الدعاء، اجعلنا في بلادنا أمنين مطمئنين، اللهم اجعلنا في بلادنا أمنين مطمئنين، من أراد بلدنا هذا وبلاد المسلمين بسوء فامكر به واجعل كيده في نحره، أحسن خاتمتنا، واغفر ذنوبنا، وأحينا مسلمين، وأمتنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الصافات:180- 182]، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.