الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فالحمد لله الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًاالفرقان:62 فجعل سبحانه الليل والنهار مجالاً للطاعات، ومستودعاً للأعمال الصالحة لهؤلاء المؤمنين الصالحين، الذين يريدون أن يغتنموا أعمارهم في طاعة ربهم وعبادته ، ولو أن أنساناً يُجر على وجهه من يوم ولد الى يوم يموت، هرماً في طاعة الله تعالى؛ لحقره يوم القيامة، ولما رآه شيئاً بجانب نعم الله ، وواجب الشكر، وما كلف الله تعالى به العباد، والذي ينبغي لحقه .
الثبات على الطاعات بعد رمضان
عباد الله: لقد انقضى موسم رمضان وذهب بما فيه من الأعمال، فنسأل الله القبول، ونسأله العون على طاعته، ونعاهد ربنا بأننا على طريق عبادته سائرون، وعلى الأعمال الصالحة مستمرون، ونعاهد ربنا بأننا لن نقطع صلتنا معه بعبادةٍ، وذكرٍ، وتلاوةٍ، وصيامٍ، وغير ذلك من الأعمال الصالحة، فربنا تعالى في سائر الشهور واحد، وهو قد جعل بعض الشهور أفضل من بعض كما يشاء ، ونحن علينا أن نعبد الله في سائرها؛ لأن الله تعالى قال لنبيه ﷺ: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُالحجر:99 ونذكر أنفسنا بعدم النقصان والانحدار، ونستعيذ بالله من الحور بعد الكور، أي: من النقصان بعد الزيادة والتمام.
ونتأمل في قول الله، الذي نهانا أن نكون كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا النحل:92 فلا يجوز لنا أن نفرق شمل الطاعة بالمعاصي، ولا أن نفل القوة الإيمانية التي حصلت بالعبادات، لا يجوز أن نفلها بالارتداد على الأعقاب، والرجوع إلى الموبقات والغفلات.
عباد الله: إن الانسان لربما يكون فيما يظهر للناس على عمل أهل الجنة، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وذلك لوجود دخيلة في نفسه لم يسعَ لقلعها ، فإذا جاء الموت خانته النفس، فمات على غير طاعة الله، فيكون سوء المصير هو العاقبة، ولذلك يجب علينا أن نستمر في العبادة، ولا نغير، ولا أن نعود إلى كفر بعد إيمان، ولا إلى معصية بعد طاعة، وإنما نستمر في ذلك العهد الإيماني، الذي كنا مرتبطين به بالرب .
وكان الصحابة يتعهدون أنفسهم، وينظرون هل حصل فيها تغير أم لا، وما هو التغيير الذي حصل عليهم لما فتحت الدنيا، ولذلك يقول بعضهم: غيرنا إلا أبو عبيده وعبد الرحمن بن عوف، ونحو ذلك من العبارات التي تدل على تعاهدهم لأنفسهم، هل هناك نقص ؟ هل حصل انحدار؟ هل صار هناك تراجع؟ وهكذا كلما تبدل بهم حال تعاهدوا أنفسهم، ونحن بعد رمضان يجب أن نتعاهد أنفسنا جيدا، والمؤمن مستمر في الطاعة على منهج أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها، وإن قل[البخاري:6464،ومسلم:783] وأما المنافق فإنه لا يذكر الله إلا قليلا، وإذا ذكره يرائي الناس، المؤمن يستمر على العمل، "كان الرسولﷺ إذا عمل عملاً أثبته"[مسلم:746] استمر عليه، المنافق يعمل، وينقطع طويلا حتى يعود للعمل مرة أخرى، وأي عمل، يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاًالنساء:142.
ثمار المداومة على الأعمال الصالحة
عباد الله: إن للمداومة على الأعمال الصالحة ثمارا ًعظيمة، وآثارا ًجسيمة، ومن ذلك:
- دوام اتصال القلب بالله فيعطى العبد ثباتاً وقوةً من الرب: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُالطلاق:3 المداومة على الأعمال الصالحة؛ سبباً لمحبة الرب للعبد إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَالبقرة:222 أي: إن الله يحب التوابين من ذنوبهم على الدوام، ويحب المتطهرين المتنزهين عن الآثام، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه[البخاري:6502] ولا يزال أي: يستمر تفيد الاستمرارية، إن هذا الاستمرار سببٌ للنجاة من الشدائد، ولذلك قال النبي ﷺ للغليم الذي كان خلفه وهو ابن عباس -رضي الله عنهما-: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده امامك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة[أحمد:2803]
إذاً هذه الطاعات تنفع في الشدائد، من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء، ويونس لولا أنه كان من المسبحين، -من قبل كان من المسبحين- للبث في بطن الحوت إلى يوم يبعثون، لكن لأنه كان عبداً صالحاً يسبح الله ويعبده من قبل، شفع له ماضيه وما سلف من العبادة عندما وقع في الورطة، وعندما صار في الأزمة فنجاه الله تعالى.
- إن المداومة على الأعمال الصالحة تنقذ صاحبها من الفواحش إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ[العنكبوت:45] جاء رجل إلى رسول الله ﷺفقال:" إن فلان يصلي بالليل فإذا أصبح سرق قال: إنه سينهاه ما تقولسينهاه في النهاية إذا استمر على هذا القيام قيام الليل فإنه سينهاه عن السرقة " رواه الامام أحمد رحمه الله[9778].
- والمداومة على الأعمال الصالحة وخاصةً الصلوات المكتوبة سببٌ لمحو الخطايا ، ما معنى حديث: أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس[البخاري:528،ومسلم:667] معناه: المواصلة والمداومة، كل يوم خمس مرات، بهذه الصلوات المكتوبات هذه المواصلة والمداومة تسبب تكفير الخطايا والسيئات، يغسل نفسه كل يوم بهذه الصلوات من الأدران، أدران الذنوب والمعاصي.
- هذه المداومة سببٌ لحسن الخاتمة، وقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاالعنكبوت:69 وقال الله تعالى: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِإبراهيم:27 فهي ثبات إلى الممات، معك -أيها المسلم- تقيك مصارع السوء، عليكم باصطناع المعروف، يعني: دائماً استمرار على عمل المعروف، لماذا؟ قال في الحديث الصحيح: صنائع المعروف تقي مصارع السوء[المعجم الكبير:8014].
- والله يعطي هؤلاء المداومين من متمسكين أجراً عظيما، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ[الأعراف:170].
- وكذلك فإن المداومة على الأعمال الصالحة، والاستمرار عليها بعد رمضان، وفي رمضان وفي سائر العام؛ إنها سببٌ لتيسير الحسابِ، وتجاوز الرب ، وكان عبدٌ عنده خصلة من الأخلاق الحميدة، أنه كان يبايع الناس ويعاملهم، فيقبل الميسور ويتجاوز عن المعسور، هكذا دائماً يفعل، هذا من خلقه، لم يكن يفعل ذلك مرة، لم يفعلها مرة أو مرتين، وإنما باستمرار كنت أطالب به الناس، يقول حذيفة: رجلٌ لقي ربه فقال: ما عملت، قال: ما عملت من الخير إلا أني كنتُ رجلا ذا مال، فكنت أطالب به الناس، كنت أقبل الميسور وأتجاوز عن المعسور، فقال: تجاوزوا عن عبدي قال أبو مسعود لأبي هريرة: هكذا سمعت رسول الله ﷺ يقول"[مسلم:1560].
- المداوم على الأعمال الصالحة، معلق قلبه في المساجد دائماً مداومة، يخفي الصدقات، يذكر الله، يكون في ظل العرش يوم القيامة.
- من ثمرات المداومة على الأعمال الصالحة يا عباد الله: تطهير القلب من النفاق والنجاة من النار، فخذ على سبيل المثال: من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كم يكون صلى من صلاة؟ أربعين في خمسة: مائتي صلاة متواليه، يدرك التكبيرة الأولى، تكبيرة الإحرام ، يعني: يكون واقفاً في الصف عندما يقول الإمام: الله أكبر في أول صلاته، فيكبر بعده مباشرة ، هذا الذي يكون مدركا لتكبيرة الإحرام، متى يكون مدركا لتكبيرة الإحرام؟ إذا كان واقفاً في الصف لما يقول الإمام : الله أكبر في أول الصلاة، فيكون آخذا موضعه، مستويا في صفه، ويكبر بعد الإمام مباشرةً، هذا يكون مدركاً لتكبيرة الإحرام، ما هو الفضلُ في هذه المداومة والتوالي على مائتي صلاة؟ من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق[الترمذي:241].
- ولو قال قائل: نسافرُ ونمرض وينقطع العمل رغماً عنا، الجواب: إن من فوائد المداومة على الأعمال الصالحة؛ استمرار الأجر إذا حصل الانقطاع رغماً عن الإنسان؛ لأن النبي ﷺ- قال: إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا[البخاري:2996] قال ابن حجر- رحمه الله- " هذا في حق من كان يعمل طاعةً فمنع منها، وكانت نيته لولا المانع أن يدومَ عليها"، وقال ﷺ: ما من امرئٍ تكون له صلاةٌ بليلٍ فيغلبه عليها نومٌ إلا كتب الله له أجر صلاته وكان نومه صدقةً عليه[السنن الصغرى للنسائي:1784] ، يعني: من ربه تصدق عليه بالنوم، وكتب له أجر العبادة، لأنه كان ينوي القيام، وهذه عادته مستمرة، لكن ذات ليلة غلبته عيناه، فيبقى الأجر محفوظاً للعبد، والرب كريم، والعبد مادام معروفا بالطاعة عند الله، فإن الله يكافئه على ذلك.
- ثم إن الاستمرار على الأعمال الصالحة ، سبب لدخول الجنة من الأبواب العظيمة التي لها، للجنة ثمانية أبواب عظيمة، قال النبي ﷺ: من كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة[البخاري:1897]، يعني ناس مستمرون على النوافل في هذه الأبواب، نوافل الصلوات، ونوافل الصدقات، وهكذا لأنهم أصلاً يقومون بالفرائض، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه[البخاري:6502].
- المداومة على الأعمال الصالحة، يلفت الرب أنظار عباده إليها في كتابه: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَالمعارج:23 وقال: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَالمعارج:34.
مداومة السلف على الأعمال الصالحة
وهكذا -إيها المسلمون- كان صحابة رسول الله ﷺ يداومون على الأعمال، ويحافظون عليها، ولما روى علي حديث التسبيح عند النوم : "سبحان الله ثلاثا وثلاثين، والحمد لله ثلاثا وثلاثين، والله أكبر أربعا وثلاثين"، قال: "ما تركته منذ سمعته من رسول الله ﷺ قيل: ولا يوم صفين، قال: ولا يوم صفين" [البخاري:6318]، حتى عند اشتداد الأمور، وصليل السيوف، وفي أجواء المعركة، ورهبة الموقف، في الليلة التي يصبح فيها مصبحاً للعدو، لم ينسها.
عبد الله بن عمرو بن العاص لما تعهد أن يقرأ القرآن كل ثلاثة أيام، بقي على ذلك حتى الموت، مع أن سنه كبرت، وتمنى أن يكون آخذ بالرخصة[مسلم:1159]، وقرأ في أسبوع مثلاً، لكن كره أن يترك شيئاً فارق النبي ﷺ فعندهم قضية العهد، الذي تعهدوا به قضية عظيمة، يواصلون الطريق عليها، وكذلك ابن عمر لما مدح النبي ﷺ عبدالله لو كان يصلي من الليل[البخاري:1121، ومسلم:2476] استمر عليه.
أبو هريرة يقتسم الليل هو وزوجته وابنه أثلاثاً، وغيرهم من السلف، والحسن بن الصالح يقتسم الليل هو وأمه وأخوه أثلاثاً، لما ماتت أمهما اقتسما الليل قسمين، يقوم نصفه، ثم يوقظ أخاه، وينام ويقوم الأخ نصفه الثاني، ثم يوقظه لصلاة الفجر، وهكذا، وهكذا كانوا -رحمهم الله- حتى في أمور الصدقات، يتعاهدون المساكين طيلة العمر، ولذلك إذا مات الواحد منهم -كعلي بن الحسين زين العابدين- إذا مات يفتقده الأيتام والأرامل والضعفاء والمساكين والفقراء يفقدونه؛ لأنه لم يتعاهدهم، لم يكن يتصدق عليهم ليلة أو يوماً، وإنما دائماً هكذا فيفتقد، بل كان أطفال الجيران يفتقدون العباد، يفتقدون العباد الذين كانوا يصلون على أسطح البيوت، فمنصور بن المعتمر كان يداوم على الصلاة ستين سنة يقوم الليل، فلما مات، قال طفلٌ من الجيران لأمه: "أين الجذع الذي كان على سطح جارنا منصور؟ قالت: ليس بجذعٍ يا بني، ذاك منصور مات"، من كثرة قيامه ظنه الطفلُ جذعاً، خشبه على السطح، فلما فقد الخشبة ألتفت نظره وفكره إلى هذا الفقدان، والحقيقة أنها ليست بخشبة ولا جذع، إنه منصور.
كيف يحافظ سعيد بن المسيب أو الأعمش أو غيرهما على تكبيرة الإحرام أربعين سنة أو ستين سنة؟ كيف يحافظ العلماء على دروسهم التي يقيمونها قرابة خمسين عاماً لا ينقطع الدرس إلا لمرضٍ أو سفر؟ كيف يحافظ حفاظ القرآن على المراجعة اليومية؟ يراجع الواحد للآخر، كما راجعه عدد من الصالحين اثنين اثنين عشرات السنين، حتى يأتي أمر الله.
عباد الله: مسألة الاستمرار والمداومة هي السر في نجاحِ المسلم في الثبات على الدين، والوصول إلى الآخرة سالماً.
اللهم اجعلنا من المداومين على الصالحات، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اجعلنا من الأخيار الأبرار، اللهم ارزقنا العبادة، والاستمرار عليها وثبتنا عليها حتى الممات، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه وإنعامه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً رسول الله الداعي إلى سبيله ورضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
فضل صيام ست من شوال
عباد الله: ومن الاستمرار على الأعمال الصالحة، ستة شوال بعد رمضان: من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر[مسلم:1164]، فسره النبي ﷺ بأن الحسنة بعشر أمثالها فصيام رمضان بعشرة أشهر، شهرٌ بعشرة، وستة شوال سته في عشرة بستين، أي بشهرين، مع العشرة تكون تمام السنة، فإن قال قائل: إن الحسنة تضاعف عند الله بعشرٍ أصلاً، فما هي الميزة في ستة شوال؟ وأي حسنة تضاعف بعشر، فقد بين العلماء -رحمهم الله- الجواب فقالوا: إن ستة شوال بعد رمضان تكمل أجر صيام سنة فرضا لا نفلا، إذاً الأجر أجران، أجر على فرضٍ، وأجر على نفلٍ، وأيُّ الأجرين أعظم، أجر الفرض ولا شك: ما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب أليَّ مما افترضته عليه[البخاري:6502] فأجر الفرض أكبر من أجر النفل، فصيام رمضان وسته من شوال ، يساوي أجر فرض صيام سنة، وليس أجر نفل صيام سنة كباقي صيام المستحبات، والله يضاعف ما يشاء ويجعل لبعض الأيام ميزه على بعض، ويجعل ليوم عرفة كفارة سنتين ، ويجعل لصيام عاشورا كفارة سنة ، يفعل ما يشاء فله الشهور والأيام يعين فيها ما يشاء من الأجر لما يشاء من العمل .
عباد الله: ولا حرج في صيامها متفرقةٍ، والمبادرة والتتابع أحسن؛ لأجل الإسراعِ في البر، واغتنام الفرصة قبل حصول المانع ، والذي عليه قضاء من رمضان، ويريد تحصيل الأجر الوارد في الحديث؛ فإن عليه أن يقضي ما عليه من العدة الفائتة أولاً؛ قبل أن يشرع في الست؛ لأن الحديث فيمن صام رمضان واتبعه، والإتباع لا يمكون إلا بعد انقضاء الشيء الأول، فإذا قال: من صام رمضان واتبعه، معنى ذلك: أنه ينبغي أن يقضي عدة رمضان كاملة ليتبعه؛ لأنه لو صام النفل ولم يقضِ الفرض ما اتبعه، وإنما جعل النفل قبل تمام أيام الفرض.
ومن هنا ذهب بعض العلماء إلى عدم جواز صيام المستحب قبل إتمام الفريضة، وقال بعضهم: بالجواز، ونحن نتحدث الآن عن حصول الأجر الوارد في الحديث، فحصول الأجر الوارد في الحديث يكون بإتمام عدة رمضان، ثم الاتباع بستٍ من شوال، والمرأة التي استمر عذرها من ولادة نفاس رضاعة، التي استمر عذرها، وعلم الله منها أنها لو كانت خاليةً من العذر لصامت رمضان واتبعته ست من شوال؛ فإن الله لا يحرمها الأجر وربك رحيمٌ بالعباد، وكريمٌ سبحانه، ولو لم يكفِ شوال لقضاء دين رمضان الذي عليها واتبعه بست من شوال، فإن الله يعطيها من عنده ما يشاءُ من الأجر بصلاح نيتها، وقد قال بعض أهل العلم: إن ستة شوال تقضى بعده، وقال بعضهم: لا تقضى، وقال بعضهم : بقضائها في عشر ذي الحجة الأول؛ لفضل تلك العشر، والصيام في عشر ذي الحجة من الأعمال الصالحة العظيمة.
قال بعض أهل العلم: إن ستة شوال تقضى بعده، وقال بعضهم: لا تقضى، وقال بعضهم: بقضائها في عشر ذي الحجة الأول؛ لفضل تلك العشر، والصيام في عشر ذي الحجة من الأعمال الصالحة العظيمة.
واجب المسلمين في أعياد النصارى
عباد الله: هذه مناسبة للمسلمين، ومناسبة لغير المسلمين في هذه الأيام أعياد النصارى، الذين كفروا بالله، وأشركوا به، فلعنهم الله لعناً كبيراً، ونص على كفرهم في كتابه: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍالمائدة:73 لقد كفر الذين قالوا: إن المسيح ابن الله، ما اتخذ الله من صاحبة، وما كان له من ولد ، ما اتخذ الله ولدا، ولا كان له صاحبه لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌالإخلاص:2-3 ولذلك فإن هؤلاء تنزل عليهم اللعنة والغضب عندما يدخلون في أعيادهم، ويقيمون قداساتهم، ويجتمعون في كنائسهم، ويرفعون صلبانهم، ويتقدمهم قساوستهم، ويبخرون المصلين عندهم، ويطعمونهم بالملاعق الوهم والشرك، وأقراص الحلوى التي يزعمونها مباركة، ويحرقون جذعاً، ويتبركون بشجرة الميلاد، ونحو ذلك من الخرافات، ويعتقدون فيها اعتقادات، وتحرص وسائل إعلامهم على نقل كفرهم لسائر أهل الأرض، ويفتخرون بذلك، ويعممونه، وينشرونه، ويعتزون به، ويفتخرون، ويعلنون، وينظر المسلم إلى هؤلاء الضلال، كما نظر أبو الدرداء إلى أولئك المعتكفين في صوامعهم من النصارى، لما أطل الراهب عليه بكى؛ لأنه يرى وجه إنسان لو مات على هذا دخل النار، بكى أبو الدرداء لماذا؟! لأنه تذكر قول الله تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌالغاشية1-2 أي : من الذل والعذاب مع أنها عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌالغاشية:3 كانت مجتهدة في الدنيا، عاملة ناصبة، ومع ذلك تَصْلَى نَارًا حَامِيَةًالغاشية:4
من أمثلة هؤلاء: الرهبان من النصارى، ولو عملوا وترهبنوا؛ فمآلهم النار وعذاب البوار؛ لأنهم عملوا بالشرك، وتقربوا إلى الله بالشرك، والله لا يقبل الشرك، ونحن المسلمين لو رأينا شيئاً من أعيادهم كرهنا ذلك، وأبغضناه أشد البغض، ونفرت قلوبنا منه، لوكان في القلب إسلامٌ وإيمان، ولزدرينا أحوالهم، وكرهنا صفاتهم، وهم يحتفلون هذه الاحتفالات، ويقعون في هذه الخرافات، ويختلطون، بل يعملون الفواحش، ويشربون الخمور، ومن يحتسي آخر قنينة خمر في ليلة رأس السنة يكون حظه سعيداً عندهم، وكنس الغبار في تلك الليلة يدفع الحظ الحسن ويذهبه، إلى غير ذلك من الخرافات، ويأتون بهذه الشجيرات، ويلفون الأنوار عليها، فما هذا الغباء؟ وما تنفع الأنوار في الأشجار إذا كان القلب مظلماً بالشرك!
ونحن المسلمين أول واجب علينا في أعيادهم:
-أن نكره دينهم المحرف، وأن نكره هذا الشرك الذي هم عليه، وأن نعتقد تحريم ما يفعلون، وأنه طريق جهنم.
ثانياً: لا يجوز لنا أن نعاونهم على عيدهم بأي طريق، ولا أن نبيعهم ما يستعينون به على شركهم، ولا أن نؤجرهم شيئاً يستعينون به على شركهم إطلاقاً.
وثالثاً: أننا لا يجوز أن نشاركهم في أعيادهم لا بالذهاب إلى كنيسة ولا بالدخول إليها، ومن أراد الذهاب إلى الكنائس للصلاة فيها فهو مشرك مثلهم، فأي شيء يصلي في عيد الميلاد؟ صلاة القوم، وماهي صلاة القوم؟ الشرك بالله تعالى.
وكذلك فإن المسلم رابعاً: لا يجوز أن يهنئهم بأعيادهم. لماذا؟ بعض الناس يقولون: تقيمون الدنيا على كلمتين، نريد أن نقول له: "هابي نيو ير " أو ميري كرسميس" أو غير ذلك، كلمتين مجاملة، صاحبي في العمل، مديري في العمل، شريكي في التجارة، أليس هذا من الإحسان إلى الناس؟ أليس هذا من معاملة النصارى بالإحسان؟ إنها طريق لدعوتهم واستجلاب قلوبهم، والجواب: أنه لا يجوز أن تكون وسائل الدعوة محرمة ، يجب أن تكون وسيلة الدعوة شرعية.
ثانياً: أننا لا يجوز أن نجامل الكفار على حساب ديننا، وأن نفعل شيئاً يحرمه الدين الإسلامي لأجل عيونهم، لماذا؟ هذه مداهنة محرمة، وقد قال الله: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَالقلم:9مداهنة محرمة، نفاق نفاق، لماذا؟ أيها الأخوة؟ لأن تهنئتهم بأعيادهم تتضمن أمراً خطيراً جداً يغفل عنه كثير من الناس، نلخصه بكلمة: ألا وهو "الإقرار الإقرار"، إذا هنأته على عيده أقررته عليه، تتضمن تهنئتك إقراراً له، إقرار يتضمن في كلامك الذي تقوله له بالتهنئة إقرار، وهو يحتفل بماذا؟ بعيد الميلاد، ميلاد من؟ ميلاد -وهذا الكلام خطير جدا الذي لا يعرفه كثير من الناس، ولا يلتفتون إليه-ميلاد الله الذي تشكل بصورة طفل خرج من بطن مريم ببيت لحم في مثل هذه الليلة، هذا اعتقادهم، يعني: يعتقدون أن الله تشكل بصورة بشر، وأنه خرج طفلا من بطن مريم ببيت لحم في مثل هذه الليلة، إذاً إذا قلت تهنأ بهذا العيد، وعيدك مبارك، ونحو ذلك من الكلمات، فأنت تقره على عيده، عيد ميلاد من؟ ليس عيد ميلاد عيسى رسول الله البشر، وإلا لقلنا إن فعلك بدعة محرمة، عيد ميلاد الرسل بدعة محرمة، لاتصل إلى الشرك الأكبر المخرج عن الملة، لكن لما تقول عيد ميلاد عيد ميلاد الله الذي تشكل بصورة بشر وخرج طفلا من بطن مريم، أو عيد ميلاد ابن الله، فما معنى ذلك؟ معنى ذلك الإقرار لهم على شركهم، وهذا مكمن الخطر العظيم في هذه القضية التي يستسهلها بعض الناس، فلا لإرسال رسائل بالجوال، ولا الإيميل والبريد الإلكتروني، ولا بالبطاقات بطاقات الكريسميس، والتهنئة، وينشر هؤلاء كفرهم في طول الأرض وعرضها.
نسأل الله أن يذلهم، وأن يقمعهم، وأن يخمدهم، وأن ينكس صليبهم، وأن يرغم أنوفهم، وأن يكبت باطلهم، ودينهم المحرف أنه سميع مجيب، اللهم إنا نسألك النصر للمسلمين يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل المسلمين، اللهم انصر المجاهدين، وأعلي كلمة الدين، اللهم أذل اليهود والصليبين واجعل بأسهم بينهم يا رب العالمين، واجعل تدبيرهم تدميرا عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم أخسئ الهندوس الكفرة، اللهم أذل الهندوس يا رب العالمين، اللهم أهزم الهندوس المشركين ، وانصر المسلمين في كشمير وغيرها يا رب العالمين، اللهم أخرج اليهود من بيت المقدس أذلة صاغرين، اللهم أخرج اليهود من بيت المقدس أذلة صاغرين، واجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين، اللهم عجل فرجنا، عجل فرجنا عجل فرجنا، وفرج المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم أمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَالصافات:180ـ181.