الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

وقفات مع زلزال العيص


عناصر المادة
الخطبة الأولى
نعمة ثبات وسكون الأرض
الزلازل آيات يخوف الله بها عباده
وصف ما حصل في زلزال العيص
عبارات المنافقين
الحِكم الإلهية من هذه الأحداث
من الحِكم تذكير الناس بالآخرة وعدم الاغترار بالدنيا
حوادث من التاريخ
لا بد من اللجوء إلى الله والتوبة والتضرع
الخطبة الثانية
واجب المسلمين التعاون مع إخوانهم وتفريج كربهم
أحكام في الزلال

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

نعمة ثبات وسكون الأرض

00:00:27

الحمد لله الذي جعل الأرض قراراً، وجعل خلالها أنهاراً، وجعل لها رواسي، وجعل بين البحرين حاجزاً، الحمد لله الذي جعل في الأرض رواسي أن تميد بكم، جعلها قراراً لمصالح الناس، جعلها مستقراً لهم، يبنون عليها، ويزرعون، يمشون عليها، ويرتحلون، ولو كانت رجراجة متكفئة لم يستطيعوا على ظهرها قراراً، ولا ثبت عليها بناء لهم، ولا أمكنهم عليها صناعة ولا تجارة ولا حراثة ولا مصلحة، فكيف كانوا سيتهنّون بعيش إذا كانت الأرض تميد من تحتهم، وعندما تقوم الساعة، ويؤذن ربنا ملائكته بنهاية هذا العالم، بما يقدر في ذلك الوقت من أنواع الاختلالات، كما ذكر ﷺ: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ البخاري (1036). والمراد بكثرتها : شمولها ودوامها.

وإلا فقد وقع فيما تقدم من الزمان عبر حياة الناس على هذا الكوكب، زلازل كثيرة جداً في الشمال والشرق والغرب والجنوب، لكنها في آخر الزمان تكثر وتمتد، وتدوم وتطول، هكذا قال العلماء في شرح هذا الحديث، وأيضاً فإن لكثرتها سبب، قال ابن القيم رحمه الله: "ومن تأثير معاصي الله في الأرض ما يحل بها من الخسف والزلازل ، ويمحق بركتها ".

وقال الشيخ ابن باز: لا شك أن ما يحصل من الزلازل في هذه الأيام في جهات كثيرة هو من جملة الآيات التي يخوف الله بها سبحانه عباده، وكل ما يحدث في الوجود من الزلازل فكله بسبب الشرك والمعاصي، كما قال الله وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ الشورى:30. وأخبر النبي ﷺ في آخر الزمان عن أشراط الساعة الكبرى، ومنها ثلاثة خسوفٍ: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم. رواه مسلم . فإذا قامت الساعة، إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ۝ وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ۝ وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ۝ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ۝ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا الزلزلة:1-5 .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ۝ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌالحج: 1- 2.

قال عما يكون في ذلك اليوم العظيم المهول المهيب : إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً ۝ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاًالواقعة :4-5ورّج الأرض: زلزلتها. فتتحرك من أسفلها وتُخرج ما فيها من الموتى ويستنكر الإنسان حالها بعد أن كانت قارة ساكنة ثابتة، وهو على ظهرها، فينقلب الحال لتصبح متحركة مضطربة قد جاءها من أمر الله ما أتاها.

عباد الله: وبين النعمة بجعل الأرض قراراً، وزلزالها في آخر الزمان إيذاناً بانتهاء الحياة عليها وقيام الساعة، بين ذلك رحلة طويلة يعيش الإنسان فيها على ظهر هذا الكوكب، جعله الله للناس، بث فيها من كل دابة، قدر فيها أقواتها في أربعة أيام وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ۝ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ۝ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ۝ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ النازعـات:30-33.

أرساها بالجبال، ليحصل الاستمتاع لهذا الجنس البشري على ظهرها ليعبدوا الله ، ولتكون لهم قراراً فيهم يحيون وفيها يموتون ومنها يخرجون.

الزلازل آيات يخوف الله بها عباده

00:05:43

والإنسان ظلوم جهول، كثير الغفلة، فمن نعمة الله ورحمته أن يرده إليه إذا ابتعد عنه، وأن يخوفه ليراجع نفسه فيتوب إلى الله، وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاًالاسراء: من الآية59. يخوف الله عباده بما يشاء، ويرسل عليهم ما يشاء، لعلهم يرجعون، لعلهم يتقون، لعلهم يتذكرون، فتكون المحن والزلازل والكوارث وآيات الله تعالى الدالة على قوته، وجبروته، وأن الأرض بيده وأنه يفعل فيها ما يشاء، ويتبين لأهل الأرض ضعفهم، وأنهم لا يسيطرون عليها، ولا يملكون دفعاً لما يريده الله مما ينزل بها، وأنه لو شاء في ثوانٍ وفي لمح البصر جعل عاليها سافلها.

عباد الله: هذا التخويف من الله، هذه الآيات التي تأتي لا بد أن يكون لها في قلب المؤمن أثر، وإلا والله فما فائدة وما منفعة هذه الأحداث، وما هو وجه الخير فيها، ونحن نعلم أن ليس في أفعال الله شر محض بل لا بد أن يكون فيه خير بوجه من الوجوه، أدركه من أدركه، وغفل عنه من غفل عنه.

وصف ما حصل في زلزال العيص

00:07:18

أخبرنا نبينا ﷺ عن نارٍ تخرج من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرة، وقد حصل ذلك في عام 654 هـ، عندما سالت حرّة المدينة بالبركان العظيم، والتجئ الناس إلى الله، ودخلوا المسجد النبوي، وصار بينهم من التناصح والإقبال على الله، والتوبة وتحلل بعضهم من ببعض، واللجوء إلى الله مضطرين إليه، حتى هدأ ذلك بعد أن عاشوا أياماً عصيبة في ذلك الموقف، وفي هذه الأيام حدث النشاط الزلزالي في منطقة العيص وما حولها، وبدأت الهزات خفيفة، وفي البداية تشعر بها الآلات ولا يشعر بها الناس، ثم صارت تقوى شيئاً فشيئاً، ويظهر معها أصوات مفزعة مدوية كأصوات الرعد والانفجارات في باطن الأرض، وصارت الأرض تهتز من تحت الناس، وازدادت شدة تلك الزلازل، وصارت المقاييس تقفز من الثلاثة إلى الأربعة إلى الخمسة، وشعر الناس بتلك الهزات في أماكن تبعد أكثر من مئة كيلو مترٍ متحركة لجهة البحر وإلى الشمال، حتى يشعر بها أهل المدينة النبوية وأملج وينبع والعلا وتبوك وضبا ونحو ذلك من تلك المناطق، قدرة الله تعالى، أنه الذي يهيمن على الأمور ، وهكذا اختلطت قضية الزلازل بقضية البراكين، وصار الخوف من هاهنا ومن هاهنا، هزات كثيرة في أماكن متفرقة، ودوي مرعب، واستيقاظ في الليل، صراخ للأطفال ورعب في النساء، وحتى أشداء الرجال في بعض الأماكن لا يثبت بفنجال قهوة على سطح الأرض، حركة غريبة للمواشي، ونفور للبهائم، وبعض الإبل ترفض البروك على سطح الأرض، وتبقى واقفة، ثم بعد ذلك قياسات للغازات، وارتفاع للحرارة الجوفية وحرارة بعض مياه الآبار، وغاز الرادون، وانتشار ذلك وظهوره، لتقوم بعد هذا الجهات المسؤولة والأمن واستنفار الدفاع المدني ورجال الصحة والإسعاف وغير ذلك في عملية إخلاءٍ وإجلاء، ويتناقل الناس أخبار الأبخرة الخارجة من بعض الفوهات، والدخان الكثيف في أماكن، والتشققات الحاصلة في مواضع أخرى، نشاط زلزالي، وقياسات وتقارير، وإشعاعات بالسماء على شكل برقٍ في بعض المناطق، وتخوف من هزات، وانتقال من أماكن إلى أخرى، وإجراءات احترازية، ومغادرة للمنازل وحمل للأهل والأطفال والنساء، وازدحام في الطرقات، وكذلك استنفار لكافة العربات، والشقق المفروشة، والفنادق، أقفرت المدارس، بل ومساجد لا تقام فيه الجمعة اليوم، ومنائر لا ينبعث منها صوت الأذان في نحو مئةٍ وخمسين مسجداً في تلك الديار، وأمتعة محملة، محطات البنزين والوقود تشهد ازدحاماً غير مسبوق، وهيئات المساحة الجيولوجية تعمل، وخلت المحال التجارية، وبعض المستشفيات، وعمليات تأمين المنازل، واستدعاء الحراسات لها، والناس قلقون بشأن مواشيهم التي تركوها، فهم يأتون في الصباح لإطعامها، ليعودوا في الليل مرة أخرى إلى مخيمات اللجوء، وهكذا غيابات في المدارس وانتقال للطلبة والطالبات والمدرسين والمدرسات من مناطق إلى أخرى، أقفلت المخابز وخلت المحلات، ونقاشات بين المقاول وعمّاله مع صاحب البيت، هل يستمرون في البنيان أو لا، ومن الذي يتحمل الخسارة لو صار زلزال أطاح بهذه الأعمدة والسقوف، تشققات، وانهيار بعض المكاتب، وهكذا قيام للجهات المعنية بإغاثة الناس طعاماً وشراباً وفرشاً، ثم يحصل أيضاً ما يحصل من بعض العمال في بقائهم في أماكن مفتوحة، وربما نام بعض الناس في سياراتهم، وهكذا سعي حثيث لتوفير المأوى للعوائل والإسكان، أنه حشر مصغر، يذكر بالحشر الأكبر، أنها آية من آيات الله ، وهكذا يستعتب ربنا الناس بمثل هذه المصائب والتغيرات، والزلازل ليوقظ النائمين من غفلتهم، ويعيد المذنبين إليه بتوبتهم، ويزداد الذين آمنوا إيماناً بقدرة ربنا ، فهنا أمر لا يمكن للعالم دفعه، ومن الذي يوقف زلزالاً أراده الله، أو يكتم بركاناً أراد الله أن يثور، إنما حسب البشر في بعض الأحيان أن يشاهدوا آثار قدرة الرب، فهنا زلزلة وهنا تشقق وهنا انبعاث حرارةٍ وهنا رصد، فأما الذين آمنوا فيقولون: هذا من ربنا، ليستعتبنا ويرينا من آياته وقدرته ما يجعلنا نزداد به إيماناً، ما يجعلنا نستغفر ونعود إليه، ما يجعلنا نراجع أنفسنا فيما أحدثنا، كما قال عمر لأهل المدينة، لما زُلزلت و اصطفقت السرر: أحدثتم، لئن عادت لا أساكنكم أبدا.

هذا الاستعتاب من الله، وهذا الحدث الكبير الضخم، الذي لا زالت آثاره قائمة ممتدة، ولا زال الناس لا يدرون هل ستعود أم ستهدأ، وعندما تُرى صخور تنحدر من أماكنها، وعندما يرى الناس بأعينهم الأبواب والشبابيك تتحرك، وما في الرفوف يسقط، ودلال القهوة لا تستقر، بل تنسكب ساقطة بما فيها، وكذلك يتواصل الناس ويتصل بعضهم ببعض مخبرين عن أشياء، وبعضها من الإشاعات، وبعضها من الحقائق، فمنهم من يسعى لطمأنة المسلمين، ومنهم من يبث الرعب والهلع في نفوسهم بغير تقديرٍ ولا تفكيرٍ ولا ترويٍ.

عباد الله: من يتأمل في عبارات الناس: "لقد خفت خوفًا لن أنساه بحياتي".جريدة المدينة.

"بعضنا جعل يودع بعض بالبكاء في صلاة العشاء ".

"رأيت الموت بأم عيني ".

"لن أنسى ذلك المنظر ما حييت" .

هذه الاهتزازات التي هزت القلوب والأفئدة، الذين آمنوا قالوا: قدر الله تعالى، وقدرته وتخويفه لعباده.

عبارات المنافقين

00:16:33

والذين كفروا ونافقوا قالوا: القضية أنكم لستم معتادين على الزلازل، فلو كنتم في اليابان لاختلف الأمر، وما درى المنافق الدعّي أنه قد مات في اليابان آلاف مؤلفة وتحطمت مدن بأكملها، فماذا أغنى عنهم ما كانوا يعملون، والبشر لهم حدود، مهما احتاطوا في معامل البناء في الزلازل، لكن بعد ذلك تأتي أشياء تهدم المكان على من فيه، ويصبح الناس أثراً بعد عين ، وفرق عظيم بين اتخاذ الأسباب الشرعية في الأوضاع المعينّة التي يكون فيها الإنسان عند الزلزال، وما الذي يبتعد عنه من المساحات الزجاجية والأماكن الخطيرة في المبنى، وما الذي يقترب منه ويقف بجانبه، وكيف تبنى المساكن والمباني بناءً على ذلك، فرق بين اتخاذ الأسباب الشرعية، وبين نفي تخويف الله للناس، فترى عبارات المنافقين كانت واضحة جداً في نفي تخويف الله للناس، وفي الاستهزاء بمن يدعو الناس للتوبة والاستغفار، لقد كان موقف هؤلاء من الذين ملأ النفاق قلوبهم، فهم لا يريدون للناس اتعاظا، لا يريدون لألسنتهم أن تنطلق استغفارا، يريدون حجب الناس عن التوبة، وقطع الطريق عنهم، بينهم وبين الله ، قال شيخ الإسلام رحمه الله: " والزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده، كما يخوفهم بالكسوف، وغيره من الآيات ".

هذه الزلازل آية كونية، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يّـس:82 . وبعضهم يقول: نجم في السماء وقع، وخرافات تنتشر أيضاً في الجانب المقابل، ولكن إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ41 سورة فاطر،  وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراًالاسراء: من الآية60. فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ الأنعام: من الآية43. فيقولون للناس: هذه أشياء طبيعية تحدث في كل مكان من العالم، ما معنى كلامكم هذا؟ لا تريدون للناس أن يتوبوا؟ لا تريدون للناس أن يعودوا إلى الله، لا تريدون للناس أن يقبلوا إلى ربهم بالصلاة، لا تريدون أكفاً مرتفعة تتضرع وقلوباً على الله تقبل، ويحكم يا لصوص القلوب، ويا قطاع الطرق، ويا أتباع الكفرة، ويا تلاميذ أهل الإلحاد والزندقة، ويا معشر المنافقين.. حتى التوبة لا تريدونها للناس، حتى الاستغفار لا تطيق آذانكم سماعه، إلى هذه الدرجة من النفاق والعصيان والاستعصاء، وقسوة القلب وتحجر النفس إلى هذه الدرجة من الختم على قلوبكم وعلى آذانكم،  لا تريدون للناس أن يتأثروا بما أحدثه ربهم لهم، وبما قدره عليهم، إذاً لماذا ما هي الحكمة من وراء ذلك، مجرد خراب الديار، مجرد انهيار المساكن، مجرد تشقق الأرض، مجرد انبعاث الحمم المنصهرة، ما هي الحكمة من وراء هذا، أجيبونا لو كان عندكم مسكة عقلٍ، لماذا تحدث؟ باطلاً عبثاً، ما خلق الله السماوات والأرض بالباطل، ولا خلقها عبثاً، ولا يقدّر هذه الأحداث المكروهة لنا بلا حكمة، لماذا تحدث؟، مجرد احتقان حراري وتنفيس فقط، ما هذا الغباء، ما هذه الغشاوة على الأعين، فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ 46 سورة الحـج.

الحِكم الإلهية من هذه الأحداث

00:21:02

والذي لا يدرك ما وراء هذه الأحداث من الحكم الإلهية، وماذا يريد ربنا منّا من هذه الزلازل، ماذا يريد ربنا منّا من هذه الأحداث، إن لله حكم من وراء ذلك، يستعتبكم ربكم، أدركها عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، أدركها أهل العلم، أدركها أهل التفسير، أدركها أهل الإيمان، أدركها أصحاب أهل القلوب الحية، وبعضهم من كبار المثقفين لا يريدون إدراكها، وإن كنا أهل الإسلام أهل حكمة وفطنة وأخذ بالأسباب، واستعمال للتحليلات العلمية، واستعمال للأجهزة الحديثة، واستعمال لمحطات رصد الزلازل، فإن كل هذه المقاييس لا تلهينا عن الاتعاظ بالأصل، وما وراء القضية أصلاً: نخوفهم، وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً الاسراء: من الآية59فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا الأنعام: من الآية43 وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَالمدثر: من الآية31.

ومن جنوده هذه الزلازل والبراكين، من الحكم الإلهية في وقوع مثل هذا في هذه الأمة، كما يقول بعضهم: لقد وقعت في أرض للمسلمين، وفي أرض الحجاز، التي لها هذه المكانة العظيمة في الشريعة، لماذا ؟ قال ﷺ: أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ وَالزَّلَازِلُ وَالْقَتْلُسنن أبي داود (4278) وصححه الألباني.

إذن: يخفف الله عن الأمة بهذه الكوارث، يخفف عنها، ما يحصل لها من المصائب في الدنيا، تخفيف، حتى يأتي يوم القيامة وقد كفّر من ذنوبهم ما كفّر، وربما استحق إنسان دخول النار، فتكون المصيبة سبباً في إنقاذه ودخوله الجنة، لكن أين الصبر عليها، واليقين بقضاء الله، والإيمان بحكمته تعالى، الأمة تجازى على تقصيرها ومعاصيها بمحن في الدنيا، أمراض بلايا زلازل كوارث، فقر، تسلط عدو، فتن بينهم، قتل، وإذا كان الله قال في كتابه: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِالنساء: من الآية123. فلا بد أن يجزى به في الدنيا أو في الآخرة، فمن رحمة الله أن يجازى به في الدنيا قبل الآخرة، هذا سبب آخر من الأسباب لوقوع كوارث بين المسلمين، ليس لأن الإسلام فيه خلل، ليس لأن المسلم مثل الكافر وبلد الإسلام مثل بلد الكفر لا، وربما يرفع الله الكارثة الكبرى عن المسلمين بصلاتهم ودعائهم وقنوتهم وإقبالهم وهو رحيم، قال لنا في كتابه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ الشورى:30. وتأمل الرحمة والرأفة في هذا الزلزال كيف بدأ متدرجاً، فلم يأت للناس على حين غرة بأقصى درجاته، وإلا لماتوا في ديارهم جاثمين، ولكن تدرج بهم الأمر وأخلي أناس من أماكن، والله يفعل ما يشاء، وهو رحيم بعباده، وسواء كانت نجاة بتدرجٍ حصل أو موت بمفاجأة تحصل،  أو بسبب انتقال ونحو ذلك، فلله الحكمة البالغة، هذا يقين المؤمن، لله الحكمة البالغة، بدون أن يزلزل الناس أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا البقرة: من الآية214.هناك زلزلة للقلوب في المعارك، وهناك زلزلة للأرض بأجساد الناس، هناك تخويف بما يحصل من إيذاء الكفار حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ البقرة: من الآية214 . وهنالك أيضاً قدر بحادث يحصل، ولو خلت الدنيا من المصائب يا عباد الله لركن الناس إليها أكثر مما ركنوا، كثير منهم في غفلة ودعة، وانشغال بالترف، فيحدث الله ما يحدث ليعلمهم ويذكرهم بحقيقة الدنيا أنها زائلة، أنها متاع الغرور، أن فيها منغصات، أنكم إذا أردتم حياة ليس فيها منغصات فلا يوجد إلا في الجنة، فاعملوا لها، واسعوا إليها، قال ابن القيم رحمه الله : " وقد يأذن الله سبحانه للأرض أحياناً بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام، فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية، والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه، والندم كما قال بعض السلف وقد زلزلت الأرض: "إن ربكم يستعتبكم ".

جواب من قال: أصاب زلزال بيت أحد العابدين القانتين مثلاً، حصلت له أضرار، لماذا؟

فنقول إن المصائب إذا أصيب بها أهل الإيمان فهي ابتلاء ورفعة للدرجات وزيادة في الحسنات.

أما إذا أصيب بها أهل الكفر والموبقات وشرب الخمور، وأكل الربا فهي عقوبة.

وقد تكون المصيبة الواحدة ابتلاء لقومٍ وعقوبة لآخرين، ثم قد تردهم إلى الله فيتوبون ويتذكرون ويتضرعون وبعضهم لا يزداد إلا طغياناً كبيرا، كما قال الله: وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراًالاسراء: من الآية60.

من الحِكم تذكير الناس بالآخرة وعدم الاغترار بالدنيا

00:27:21

هذه الزلزلة التي تذكر بالآخرة، يا أيها الناس القضية ليست استمتاع بالقنوات، وبيع وشراء على الشاشات، والتنعم بعالم الملبوسات، وأخذ بالأزياء والموضات، وهكذا غرق في الملهيات والألعاب والترفيه والسياحات، يا أيها الناس إن من وراء هذه الدنيا آخرة، إن من وراء هذه الدنيا التي أنتم فيها محشر واجتماع عند الله وحساب وجزاء وتطاير صحف وميزان وصراط وحوض، جنة ونار، هنالك مجيء الرب ، وإحاطة الملائكة وحصار الجن والأنس بهذه الحلقات، من أهل السماء الذين ينزلون لحصار الناس في المحشر، يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ الرحمن:33.، فالسلطان قد ذهب، والقوة لله جميعا.

عباد الله: يغتر الناس بالدنيا وما فيها، هي فتنة، الدنيا حلوة خضرة، لكن عندما تحدث فيها كوارث، يرى الناس الوجه الآخر، يرى الناس أبعاداً أخرى، تدرك عقولهم أشياء لم يكونوا بغير الكوارث بالغيها، وتحوم عقولهم حول معاني لم تكن لتحوم حولها طيور فكرهم لو لم تحدث هذه الأشياء، وينظر الإنسان إلى الجبال، وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ النحل: من الآية15. وكثرة الزلازل هذه التي تبين قرب الساعة، وأن المراد بكثرة الزلازل ليس مجرد الوقوع وإنما كما قال بن حجر في فتح الباري: " وقَدْ وَقَعَ فِي كَثِير مِنْ الْبِلَاد الشَّمَالِيَّة وَالشَّرْقِيَّة وَالْغَرْبِيَّة كَثِير مِنْ الزَّلَازِل وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَر-يعلق على حديث البخاري: لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلازل . - أَنَّ الْمُرَاد بِكَثْرَتِهَا شُمُولهَا وَدَوَامهَا". فتح الباري.

فتقع في الأماكن المختلفة تطول، وأيضاً فإن هذا يذكر بالخسوفات الثلاث في أشراط الساعة، وأيضاً فإنه يذكر بأخذ الله للأمم، بأخذ الله للمدن، بأخذ الله لما يكون على الأرض من عامرٍ فيصبح خراباً في ثوانٍ.

حوادث من التاريخ

00:29:53

ماذا حصل في بومبي الرومانية لما هلك عشرات الآلاف في عيد إله النار لديهم، وتحول كثير منهم إلى جثث متحجرة، وسحقت الصخور أسقف المباني، وزحفت الحمم الملتهبة على المدينة، لتغلف أكثر من ألفين جثة بتحنيطٍ محكم، حتى يعثر عليهم من بعدهم كل واحد على الحال التي كان عليها لما هجم عليهم الركام البركاني فغلّفهم.

وفي تاريخنا ماذا كان يفعل المسلمون، قال ابن عساكر في تاريخ دمشق في حوادث 233هـ: " زلزلت دمشق يوم الخميس ضحى فقطعت ربع الجامع وتزايلت الحجار العظام -يعني: عن أماكنها- ووقعت المنارة، وسقطت القناطر والمنازل وامتدت في الغوطة ".

وقال صاحب كتاب النجوم الزاهرة:

" ودخلت سنة ثلاث وستين وثمانمائة‏:‏ في أولها كانت الزلزلة المهولة بمدينة الكرك أخربت أماكن من قلعتها ودورها وأبراجها "‏.‏

وحتى في تلك الأحداث كان المسلمون يذهبون إلى المساجد يصلون، قال الذهبي رحمه الله: " كانت الزلزلة المهولة بـدمشق ودامت ثلاث ساعات، وسقطت الجدران وهرب الخلق إلى المصلى يجأرون إلى الله "العبر في حوادث سنة (232 للهجرة).

وقد حصل في عدد من المواضع والأحداث أن الزلازل كانت تمسك بعد أن يجأر الناس إلى الله ويلح المضطرون عليه بالدعاء، ولذلك تحدث التذكرة بمثل هذا، يقول القرطبي رحمه  الله في النار التي خرجت في الحجاز: وقد خرجت نار بالحجاز بالمدينة الشريفة وكان بدؤها زلزلة عظيمة ثم ظهرت النار، وكانت لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك مثل النهر أحمر وأزرق، وله دوي كدوي الرعد يأخذ الصخور بين يديه، واجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم، فانتهت النار قرب المدينة، وقد شوهد لهذه النار غليان كغليان البحر.

وقال ابن كثير في حوادث سنة654هـ : "وفيها‏:‏ كان ظهور النار من أرض الحجاز التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى"البداية والنهاية (13/187).

قال أبو شامة: "وظهر بالمدينة النبوية دوي عظيم، ثم زلزلة عظيمة رجفت منها الأرض والحيطان والسقوف والأخشاب والأبواب ساعة بعد ساعة إلى يوم الجمعة الخامس من الشهر المذكور، ثم ظهرت نار عظيمة في الحرة نبصرها من دورنا من داخل المدينة كأنها عندنا، وهي نار عظيمة، وقد سالت أودية بالنار، ووالله لقد طلعنا جماعة نبصرها فإذا الجبال تسيل نيراناً، فسارت إلى أن وصلت إلى الحرة فوقفت، ورجعت تسيل في الشرق فخرج من وسطها سهود وجبال، نيران تأكل الحجارة، فيها أنموذج عما أخبر الله تعالى في كتابه: إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ۝ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ المرسلات:32-33 البداية والنهاية (13/187).

ونقل أبو شامة عن قاضي المدينة شمس الدين سنان بن عبد الوهاب، أنه قال: " والله يا أخي إن عيشتنا اليوم مكدرة والمدينة قد تاب جميع أهلها ولا بقي يسمع فيها رباب ولا دف ولا شرب".البداية والنهاية (13/189).

لا بد من اللجوء إلى الله والتوبة والتضرع

00:33:31

عباد الله: إن قضية اللجوء إلى الله عند الكوارث ليست وليدة تخلف الناس لأن ليس عندهم تقدم علمي، لأن أهل النفاق يصرون على هذا المعنى، يقولون: خطابكم الديني مبني على تخلف، لأنه ليس عند هؤلاء القرويين والمزارعين والبسطاء علم بحقيقة الزلازل والبراكين، ومعرفة بتفسير الطبعي العلمي لما يحدث، وليس عندكم وسائل قياس، وليس عندهم وليس عندهم، فلذلك يخافون من هذه الأشياء، وعند السكرات فأي علاج ينفعكم، وأي تقدم علمي سيحول بين ذلك وبينكم، بل سينزل بكم قدر الله، ويأخذكم ملك الموت، وأخذة الأسف غضب من الله ، فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ الزخرف: من الآية55حرارة الكفر والنفاق المنبعثة من هذه القلوب التي تغلي بها، فتخرج التعابير في هذه الأوقات، ومن فوائد هذه الأزمات، كشف النفاق، وأهل النفاق، والذين لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر ولا بقدر الله ولا بحكمته البالغة، ولا يؤمنون بتوبة، ولا استغفار ولا عودة إلى الله للناس، لماذا ؟ لما رجفت الأرض في عهد عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل البلدان: إن هذه الرجفة شيء يعاتب الله به عباده، فمن استطاع أن يتصدق فليفعل؛ فإن الله يقول: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى.الأعلى:14. فتح الباري-لابن رجب.

قولوا كما قال نوح: وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَهود: من الآية47. وكما قال موسى : قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي القصص: من الآية16. وكما قال يونس : لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ الانبياء: من الآية87. فهنا ينبغي الإلحاح على الله بالدعاء، والتوجه إلى الله بقلوب مخلصة، ما هي الأجهزة التي ستمنع الزلزال، لكن يمنعه عسكر المؤمنين الصادقين بدعائهم المجتمع التضرع إلى الله، فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواالأنعام: من الآية43. هلاّ تضرعوا، عتاب على ترك الدعاء، فلعلهم تحت وطأة الشدة يتضرعون إلى الله، ناس غفلوا بأشياء، التهوا في لهوٍ ولعبٍ وأفلامٍ ومسلسلاتٍ ومحرمات، هذه القضية هي إعادة للقلوب إلى ربها، ويتذكر الناس قول الله: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَالأنفال: من الآية33. وأن القلوب المخلصة يُرفع العذاب عن أصحابها، وأن أبواب الرحمة تفتح لأهل الاستغفار، ليس في السنة دعاء معين للزلزال، أو للبركان، وإنما الاستغفار وتوبة عامة، رجوع إلى الله وأوبة، ولذلك كان الواجب كما يقول شيخنا رحمه الله عبد العزيز بن باز : " الواجب عند الزلازل وغيرها من الآيات والكسوف والرياح الشديدة, والفيضانات؛ البدار بالتوبة إلى الله سبحانه, والضراعة إليه, وسؤاله العافية, والإكثار من ذكره, واستغفاره, كما قال ﷺ عند الكسوف: فإذا رأيتم ذلك, فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره" فتاوى ابن باز (9/150ـ151).

وما استجلب الأمان للناس بمثل الإيمان والتضرع والتقوى .

اللهم آمنا في أوطاننا، وثبت علينا الأمن والإيمان يا رب العالمين، اللهم عاف هذه البلاد وبلاد المسلمين من كل سوء، اللهم إنا نسألك أن تنجي المسلمين، اللهم أنج المسلمين يا رب العالمين، وانشر رحمتك علينا يا كريم، واجعلنا في أمن وعافية، إنك أنت الغفور الرحيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية

00:37:31

الحمد لله الواحد القهار، مكوّر الليل على النهار، الحمد لله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، الحمد لله الذي يفعل في عباده ما يشاء، مالك الملك، ، لا اعتراض على حكمه، وليس لنا إلا التسليم بقضائه وقدره، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، القوي، العزيز، الجبار المتعال المتكبر له الكبرياء في السماوات والأرض، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله بين يدي ساعة بشيراً ونذيراً، فدعانا إلى الله، وقرأ علينا كتابه، أنذرنا وبشرنا، علمنا وأدبنا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.

واجب المسلمين التعاون مع إخوانهم وتفريج كربهم

00:38:37

عباد الله: لقد ظهرت في هذه الأحداث مواقف كثيرة، ظهر تعاون كثير من المسلمين مع بعضهم، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِالبخاري (2442) ومسلم (2580).

ظهر من يريد التنفيس عن كربات المسلمين، ومن يعمل على طمأنتهم، مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِالبخاري (2442) ومسلم (2580).

ظهر من يقوم بإعانة المسلمين، ومن يسر على معسر يسر الله عليه، وكذلك لما خرجت عشرات الألوف من الناس إلى المأوى إلى الأماكن البعيدة والقريبة، قام بعض الناس بفتح بيوتهم لهم، من أقارب وأباعد، وبعضهم كان يريد أن يسكن هؤلاء في عمارته مجاناً، هذه المواقف المشرفة من أناس يحملون في سياراتهم في الطريق من لا أحد يحمله، تطبيقاً لحديث النبي ﷺ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُأبو داود (1663).هنا يظهر أهل الإحسان، وقد ضرب رجال الأمن والدفاع المدني بسهمٍ وافر عظيم في هذا الباب، فسهر كثيرون وبقي كثيرون في أماكن الخطر لإجلاء النازحين وإخلاء كبار السن والمعوقين والضعفاء والمساكين، فهم بالأجر العظيم بحسن نيتهم، وكذلك كل الدوائر والقطاعات التي كانت تعمل على مدار الساعة من أجل إنقاذ الناس، لأن أرواح المسلمين أمانة، وكذلك تثبيت الخائفين، وهذا شأن الدعاة إلى الله والناصحين والأئمة والخطباء وطلبة العلم والدعاة العاملين، وقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فاستقبلهم النبي ﷺ قد سبق الناس إلى الصوت وهو يقول: لَنْ تُرَاعُوا, لَنْ تُرَاعُوا[يعني: لا تفزعوا ولا تخافوا استطلعت الأمر وليس عليكم بأس],  وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ, فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ. البخاري (6033).

تسكين الروع في هذه الأحداث في هذه الكوارث تسكين الروع وتأنيس المخاطب والرفق به، ثق بالله، هذا ما يقال له، مع التعامل مع الموقف بالحكمة والإقرار بخطورة القضية، فهو لا يقول للناس ليس هناك بأس، ولكن هو يقول: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُالرعد: من الآية28ثقوا بالله، ادعوا ربكم فهو ينجيكم أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (63 سورة النمل، وتثبيت من نزل به الفزع وإغاثة الملهوف وإعانة الضعيف من أبواب الأجر العظيمة، وهكذا لما انتقل المهاجرون من مكة وسعتهم بيوت إخوانهم الأنصار في المدينة، وكثير من النازحين على أقاربهم وإخوانهم ولله أوس آخرون وخزرج.

أحكام في الزلال

00:41:49

وكذلك فإن تذكر قول الله لما نزلت الآية: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ الأنعام:65,[يعني بالصيحة أو الحجارة] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:  أَعُوذُ بِوَجْهِكَ.

قَالَ: أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ الأنعام:65.[يعني بالرجفة، فإن الله أخذ أقوام بالرجفة، والزلازل والخسف] قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَالبخاري (4628).

الكلمة التي تقال اليوم في غمرة هذه الزلازل، نعوذ بوجهك أن نؤخذ من تحت أرجلنا.

نتذكر أذكار الصباح والمساء، نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا، نسألك العفو والعافية، عندما يقول المسلم: وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي، قال وكيع: هو الخسف.

عند ذلك نعرف قيمة أذكار الصباح والمساء.

قد تنزل بك أشياء فورا ًيا عبد الله، فتحصنك بالأذكار اليومية ينقذك بإذن الله ثم صلاة الزلازل والآيات.

كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.

وكذلك سائر الآيات كالصواعق والريح الشديدة.

أخرج البيهقي بإسناد صحيحٍ أن ابن عباس صلى في زلزلة بـالبصرة فأطال القنوت، ثم ركع، ثم رفع رأسه، فأطال القنوت، ثم ركع، ثم رفع رأسه فأطال القنوت، ثم ركع وسجد فقام في الثانية، ففعل مثل ذلك، فصارت صلاته أربع ركعات وست سجدات.

قال ابن عباس: هكذا صلاة الآيات.

وقد تكلم أهل العلم هل للزلازل صلاةٌ تخصها؟

وهل يجتمع الناس للصلاة أم أنهم يصلون متفرقين ؟

فمن العلماء من قال: يصلون كالكسوف جماعةً.

وبعضهم قال: صلاة عادية: مثنى مثنى. إذا رأيتم الآيات فاسجدوارواه أبو داود بسندٍ صحيح.

وقال الشافعي رحمه الله في الصلاة للزلازل: آمر بالصلاة منفردين.

قال النووي رحمه الله: ويستحب لكل أحد عند حضور الزلازل والصواعق والريح الشديد والخسف ونحوها التضرع بالدعاء ونحوه، والصلاة في بيته منفرداً.

وقال أحمد رحمه الله: يصلي للزلزلة الدائمة - لأن قد تحدث مرة واحدة فجأة وتنتهي-؛ لأن النبي ﷺ علل الكسوف بأنه آيةٌ يخوف الله بها عباده، والزلزلة أشد تخويفاً – إذا كان الله يخوف بالخسوف ويذكر به في يوم القيامة -، فأما الرجفة الواحدة فلا تبقى مدةً تتسع للصلاة.

وقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:" إِذَا سَمِعْتُمْ هَادًّا[أي فزعا] مِنَ السَّمَاءِ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ " سنن البيهقي (2/413).

وبعض الناس تغفل قلوبهم حتى في الشدائد، قال ابن عساكر في حوادث 233هـ:

" زلزلت دمشق يوم الخميس ضحى... فخرج الناس إلى المصلى يتضرعون إلى قريب من نصف النهار فسكنت الدنيا، وعاد الأمر إلى الهدوء ".

قال عبد الله بن الإمام أحمد: رأيت أبي إذا كان ريح، أو أمر يفزع الناس منه، يفزع إلى الصلاة كثيرا والدعاء[مسائل أحمد].

إذا صارت هذه الزلازل متوالية فلا شك أنه عذر يبيح الجمع بين الصلاتين، لو صلوا في المسجد فجاء شيء من هذا فإن الخروج من المسجد حينئذٍ صحيح شرعاً، حتى لا ينهدم على أهله، وإذا خشوا من صلاة الجمعة في المسجد من شدة الزلازل أو تواليها صلوا في المصلى، في الأماكن المكشوفة، وإلا فالصلاة لا تترك بأي حال من الأحوال، وخروج الناس من أرض الزلزال صحيح لا شك فيه، احتياطاً لسلامة أرواحهم، ويتفاوت الأمر بين الجواز والوجوب بحسب نسبة الخطر، ومن منع الخروج قياس على الفرار من الوباء فقد أخطأ.

قال ابن رجب يرد على بعض من قاس الخروج من أرض الزلازل بالخروج من أرض الوباء: " إن الفرار من الطاعون لا يتيقن به النجاة، بل الغالب فيه عدم النجاة، وأما الخروج من المساكن التي يخشى وقوعها بالرجفة فيغلب على الظن من السلامة، فهو كالهروب من النار والسيل ونحوهما " فتح الباري لابن رجب (6/331).

ولذلك إخلاء المناطق من الناس  المناطق المزلزلة من الناس إجراء صحيح شرعاً، بل تقتضيه الحكمة والنظر السديد، والمحافظة على أرواح البشر، وهنا تظهر أهمية رجال الأمن في دورهم في حفظ ممتلكات الناس والنازحين أثناء غيابهم، لأن بعض من لا يخاف الله من السّراق قد ينتهز مثل هذه الفرصة من مصائب الناس ليسطوا على ممتلكاتهم، فيكون أهل النجدات والمروءات، وعموم المسلمين في حراسة أموال بعضهم البعض، لأن مال المسلم على المسلم حرام، واستيعاب الخطر النازل بحسن التعامل مع الحقائق الواقعة، وعدم التهويل في نشر الأخبار مهم جداً في مثل هذا، وعلى الناس ألا يسعوا في نشر الشائعات الباطلة، وينبغي التثبت خصوصاً أنه قد يترتب على الإشاعة فوات أرواح، وقضية التناصح بالإجراءات التي تكون في وقت الخطر والزلازل، في الأماكن ومواد الإسعاف والمعدات والتهيئة النفسية وأرقام الهواتف لجهات الإغاثة، والتعامل مع الصغار والنساء، ومع التيار الكهربائي والأماكن المزدحمة والمصاعد والنوافذ، والشرفات والجدران والطرقات والتجمهرات والسيارات، كل ذلك من الحكمة، وحتى ما وزع من الأقنعة على بعض الأماكن التي حصل فيها انبعاث غازات الرادون ونحو ذلك ، كل ذلك من الإجراءات الصحيحة شرعاً لأن المؤمن هو الأولى بالحكمة.

يا كاشف الضر صفْحاً عن جرائمنا فقد أحاطت بنا يا ربُّ بأساء

نشكو إليك خطوباً لا نطيق لها

حِملاًونحن بها حقا أحِقَّاءُ

زلازلٌ تخشع الصم الصلاد لها وكيف تقوى على الزلزال صماءُ
أقام سبعا يرجُّ الأرض فانصدعت عن منظر منه عين الشمس عشواء
فباسمك الأعظمِ المكنونِ إن عظمت  
1 - البخاري (1036)
2 - رواه مسلم
3 - جريدة المدينة
4 - سنن أبي داود (4278) وصححه الألباني
5 - فتح الباري
6 - العبر في حوادث سنة (232 للهجرة)
7 - البداية والنهاية (13/187)
8 - البداية والنهاية (13/187)
9 - البداية والنهاية (13/189)
10 - فتح الباري-لابن رجب
11 - فتاوى ابن باز (9/150ـ151)
12 - البخاري (2442) ومسلم (2580)
13 - البخاري (2442) ومسلم (2580)
14 - أبو داود (1663)
15 - البخاري (6033)
16 - البخاري (4628)
17 - رواه أبو داود بسندٍ صحيح
18 - سنن البيهقي (2/413)
19 - مسائل أحمد
20 - فتح الباري لابن رجب (6/331)