الأحد 10 ربيع الآخر 1446 هـ :: 13 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

كيف نتعامل مع أخطاء الناس؟


عناصر المادة
الخطبة الأولى
الخطأ كائن لا محالة
كيف نتعامل مع المخطئ
العدل في تصحيح الأخطاء
لا تعينوا عليه الشيطان
مناقشة المخطئ
الخطبة الثانية
بيان مضرة الخطأ

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَآل عمران102، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا النساء1،يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا الأحزاب 70-71 .

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها؛ وكل محدثةٍ بدعة؛ وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

إخواني: نتحدث فيما يلي عن موضوعٍ لا بد منه للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وهو موضوعٌ نافعٌ للدعاة إلى الله تعالى، ومهمٌ لكل من تحت يديه رعية من أبٍ، أو مدرسٍ، أو مديرٍ.. وما شابه ذلك.

الخطأ كائن لا محالة

00:01:56

إن الله خلقنا خطائين، من طبيعة البشر أنهم يخطئون وخير الخطائين التوابون[الترمذي:2499]، وإن الله جعل من مهماتنا نحن المسلمين أن نُعلِّم الناس، ورغبنا في ذلك، وقال نبيه ﷺ: إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير[الترمذي:2685]، والناس يخطئون، وتعليم المخطئين من وظيفة الأنبياء، والقرآن كان يتنزل بتصحيح الأخطاء، حتى مما وقع من النبي ﷺ في مثل قوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى عبس1، ومما وقع من الصحابة في مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْالممتحنة1، ولما خاض بعض الناس في الإفك، متجرئين على أعراض إخوانهم المسلمين، قال الله وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۝ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ۝ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ۝ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ النــور14ـ17.

والنبي ﷺ سار على نورٍ من ربه، ينكر المنكر ويصحح الخطأ، وقد سبق الحديث عن جزءٍ من هذا الموضوع، ونتم شيئاً منه -إن شاء الله- في هذه الخطبة؛ لنتعرف عن المزيد مما كان النبي ﷺ يفعله مع المخطئ، ليكون في ذلك درساً وعبرةً لنا في التعامل مع المخطئين، إذ لا بد من وجودهم في المجتمع.

كيف نتعامل مع المخطئ

00:04:50

إن من الأمور المهمة أيها الإخوة: إظهار الرحمة للمخطئ، كما جاء عن ابن عباس: "أن رجلاً أتى النبي ﷺ قد ظاهر من امرأته فوقع عليها، فقال: يا رسول الله: إني قد ظاهرت من زوجتي، فوقعت عليها قبل أن أكفر" والله أمر بالكفارة قبل الوطء للمظاهر الذي يقول لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي، أو مثل أمي.. ونحو ذلك، لا بد إذا أراد العودة إلى الزوجة بإتيانها أن يُكفِّر قبل إتيانها إذا وقع بالظهار، وهو خلقٌ ذميمٌ من أخلاق أهل الجاهلية، قال له النبي ﷺ: وما حملك على ذلك يرحمك الله؟ قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر، قال: فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله بهالحديث [رواه الترمذي1199]، وهو حديث حسن صحيح.

وجاء رجل إلى النبي ﷺ، فقال: يا رسول الله: هلكت، قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله ﷺ: هل تجد رقبةً تعتقها؟ قال: لا، قال: وهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: فمكث النبي ﷺ، فبينا نحن على ذلك أُتي النبي ﷺ بعرقٍ -أي: زنبيل أو مكتل- فيه تمرٌ، قال: أين السائل؟فقال: أنا، قال: خذ هذا فتصدق به-هذا من رحمته وإعانته- فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيتٍ أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي ﷺ حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك[البخاري:1936،ومسلم:1111].

إن هذا المستفتي لم يكن هازلاً، ولا مستخفاً بالأمر، بل إن تأنيبه وشعوره بخطئه واضحٌ من قوله: "هلكت" ولذلك استحق الرحمة، وجاء في رواية أحمد مزيد توضيحٍ لحاله، فعن أبي هريرة : "أن أعرابياً جاء يلطم وجهه وينتف شعره، ويقول: ما أراني إلا قد هلكت"، فقال له الرسول ﷺ: وما أهلكك؟ قال: أصبت أهلي في رمضان... الحديث وفيه أنه ذكر الكفارة له، وأعطاه إياها في آخر الحديث[ أحمد:10988].

وكذلك فإن من الأمور التي نتعامل بها مع المخطئ: أن نطالبه بالكف عن الخطأ فوراً، وعدم الاستمرار فيه، والنبي ﷺ كان إذا سمع أو رأى خطأً، طلب من المخطئ الكف عن الخطأ فوراً، فعن عمر أنه قال مرةً والنبي ﷺ يسمع: "لا وأبي" -حلف بأبيه، وكان ذلك من حلف أهل الجاهلية- فقال رسول الله ﷺ: مه-أي: اكفف.. اسكت عن هذه الكلمة- مه إنه من حلف بشيء دون الله فقد أشرك[رواه الإمام أحمد329]، وإسناده صحيح.

وعن عبد الله بن بشر، قال: "جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة"، وما أكثر ما يفعلونه في المساجد في خطب الجمعة، يأتي متأخراً، ويريد أن يشق الصفوف، "جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبي ﷺيخطب، فقال له النبي ﷺ: اجلس، فقد آذيت[أبوداود:1118]آذيت الناس.. آذيت عباد الله.. آذيت المصلين.. آذيت المبكرين إلى الصلاة.

ولما تجشأ رجلٌ عند النبي ﷺ، قال ﷺ: كف عنا جشاءك، فإن أكثرهم شبعاً في الدنيا، أطولهم جوعاً يوم القيامة[رواه الترمذي2478]، وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه.

فإذاً لما أساء الأدب بحضرة الناس، أمره عليه -الصلاة والسلام- أن يكف عن هذا الفعل المشين.

وكذلك لا بد أن نرشد المخطئ إلى تصحيح خطئه، كمحاولة لفت نظره إلى خطئه ليقوم بتصحيحه؛ كما روى أبو سعيد الخدري ، وكان مع رسول الله ﷺ، قال: "فدخل رسول الله ﷺ فرأى رجلاً جالساً وسط المسجد، مشبكاً بين أصابعه، يحدث نفسه، فأومأ إليه النبي ﷺ"أي: لينزع أصابعه- "فلم يفطن"، لم يفطن الرجل قال: "فالتفت إلى أبي سعيد ، فقال: إذا صلى أحدكم، فلا يشبكن بين أصابعه، فإن التشبيك من الشيطان، فإن أحدكم لا يزال في صلاةٍ ما دام في المسجد حتى يخرج منه[رواه أحمد11512]، وقال الهيثمي : إسناده حسن، فإذا خرجت من بيتك عامداً إلى المسجد، وجلست في المسجد تنتظر الصلاة، فلا تشبكن في هذه الفترة، وكذلك طالب النبي ﷺ المسيء صلاته أن يعيد الفعل؛ لأنه لم يأت بها على الوجه الشرعي، فإذاً من الحكمة في التعليم: طلب إعادة الفعل من المخطئ؛ لعله ينتبه إلى خطئه، فيصححه بنفسه، وإذا لم ينتبه وجب البيان والتفصيل، ووجب التوضيح عند ذلك.

وكذلك فإنه ﷺ "لما رأى رجلاً توضأ، فترك موضع ظفرٍ على قدمه لم يمسه الماء، قال له ﷺ: ارجع فأحسن وضوءك، فرجع ثم صلى"[مسلم:243].

ولما جاء رجل إلى النبي ﷺ، فدخل عليه مقتحماً ولم يسلم ولم يستأذن، قال له النبي ﷺ: ارجع فقل: السلام عليكم، أأدخل؟[الترمذي:5177 ]يعلمه الإتيان بالفعل على وجهه الشرعي.

ثم إنه إذا كان في الإمكان استدراك الخطأ، فلا بد من ذلك؛ فعن ابن عباس، "عن النبي ﷺ قال: لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا مع ذي محرم فقام رجلٌ؛ فقال: يا رسول الله، امرأتي خرجت حاجةً واكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: ارجع فحج مع امرأتك هذا الحديث [رواه البخاري5233]، وهو صحيح جداً وهو ردٌ على من قال: إنه يجوز للمرأة أن تسافر مع جماعة؛ لأن امرأة هذا الرجل لما خرجت حاجة، بالتأكيد أنها لم تخرج لوحدها، خرجت مع جماعة الحُجاج، والنبي ﷺ نبه إلى أنه لا بد من وجود المحرم، ولذلك الرجل كان مسجلاً اسمه في المجاهدين، فقام ليستوضح الحكم، قال: أرسلتها للحج وأنا ذاهبٌ للجهاد، قال: ارجع فحج مع امرأتك.

وكذلك فإننا نطالب المخطئ بإصلاح ما أفسده، بتدارك آثار خطئه، كما: "أن رجلاً أتى النبي ﷺ فقال: إني جئت أبايعك على الهجرة، ولقد تركت أبوي يبكيان" -يبكيان من ألم فراق الولد- "فقال ﷺ: ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما[أبوداود:2528، والنسائي:4163] ارجع وأصلح الخطأ، ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما[رواه النسائي4163]وهو حديث صحيح، وكل الكفارات التي جاءت في الشريعة إنما هي لإصلاح آثار أخطاء يقع فيها هذا المخطئ المستوجب للكفارة.

العدل في تصحيح الأخطاء

00:14:23

ثم إنه ينبغي على الداعية إلى الله، الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر إذا أصلح خطأً في قولٍ أو فعلٍ في بقيته صحة، ألَّا يسارع إلى تخطئة كل القول، وكل الفعل، من باب العدل والإنصاف، وإنما ينكر موضع الخطأ فقط، ليكون موضوعياً عادلاً في إنكاره، ولذلك عندما جاء النبي ﷺ فدخل بيتاً وفيه جويريات – يعني: بنات صغيراتٌ- ينشدن، ويقلن أبياتاً في رثاء من قتل من المسلمين يوم بدر، إذ قالت إحداهن: "وفينا نبيٌ يعلم ما في غدِ، فقال: دعي هذه، وقولي بالذي كنت تقولين[رواه البخاري5247] دعي هذهلا يعلم الغيب إلا الله، لا النبي ولا غيره، وقولي بالذي كنت تقولين فأقرها على ما كانت تقول، وأنكر عيها موضع الخطأ فقط.

إن هذا الفعل يجعل المدعو يتقبل من الداعية؛ لأنه يراه منصفاً، لم يخطئه في كل شيء، وإنما موضع الخطأ فقط.

ثم إنه لا بد للدعاة إلى الله، الآمرين الناهين أن يقدموا البديل الصحيح للناس ما دام ذلك ممكناً، فإن مجرد أن تقول: هذا حرام.. هذا خطأ، دون أن تبين البديل نقصٌ في الدعوة، ونقصٌ في الإنكار، وقد كان النبي ﷺ يفعل ذلك، فلما سمع بعض الناس يقولون "السلام على الله من عباده" في الصلاة يقولون في التشهد: "السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان"، وفي رواية: "السلام على جبريل، السلام على ميكائيل"، قال النبي ﷺ: لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم، أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض... [البخاري:835]فلا حاجة لئن تخص جبريل وميكائيل، بمجرد أن تقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، تصيب بسلامك ذلك جبريل وميكائيل، وسائر الملائكة، وكل عبد صالح في السماء وبين السماء والأرض.

ولما جاء بلال إلى النبي ﷺ بتمرٍ برني -تمر جيدٍ- قال: من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمرٌ رديٌ، فبعت منه صاعين بصاعٍ" هذا ربا؛ لأن النبي ﷺ أمر أن يباع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والتمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح ..إلى آخره، مثلاً بمثلٍ، فمن زاد فقد أربا، وقع في الربا، فلما أخبره بلال أنه باع صاعين بصاع، قال: لنطعم النبي ﷺ، ما قصدت إلا الخير، بعت صاعين من تمرٍ رديٍ بصاعٍ من تمرٍ جيدٍ، فقال ﷺ: أوه.. عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري -هذا هو البديل- فبع التمر ببيعٍ آخر، ثم اشتره[البخاري:2312، ومسلم:1564].

وكذلك إذا أراد إنسانٌ أن يستبدل ذهب زوجته، بعض الناس يستبدل يعطي الذهب القديم، ويأخذ الذهب الجديد، ويدفع الفارق، أوه كلمة توجع عين الربا لا تفعل، ولكن بع الذهب القديم واقبض النقود، ثم اشتر ذهباً جديداً من عنده، أو من عند غيره بنفس المال الذي معك، أو بأكثر، أو بأقل.. وهكذا يكون البيع الشرعي، وهناك فرق.

بعض الناس يقولون: هذا إجراء لا معنى له؟ لا، له معاني، ولذلك إذا أردت أن تفعله، واختلف السعر عليك، جربه، وسترى ماذا سيقول البائع؟ أما إذا كان المبيع من غير الأصناف الربوية، كسيارة بسيارة مع دفع الفرق، وأرض بأرض مع دفع الفرق، فلا بأس بذلك، لأن الأراضي والسيارات ليست من الأصناف التي يجري فيها الربا، ولا يشترط فيها المماثلة ولا التقابض في مجلس العقد.

إن الإنكار دون تعليم البديل وتقديمه عيبٌ، لا بد من تلافيه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

لا تعينوا عليه الشيطان

00:21:05

وكذلك فإننا لا بد أن نجنب المخطئ معونة الشيطان، لا نعين الشيطان عليه، ولذلك لا ندعو عليه، وإنما ندعو له: فلما جيء إلى النبي ﷺ برجل قد شرب الخمر، أمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه" -وفي رواية قال له رجل: أخزاه الله- فقال ﷺ: لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم[البخاري:6781]إذا لعنته ودعوت عليه بالخزي، ماذا فعلت؟ أعنت الشيطان عليه، وفي رواية: قال: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان[البخاري:6777] وإنما ندعو له بالهداية، نقول: اللهم اهده مثلاً، وهكذا يكون الأمر عندما نجد مخطئاً مذنباً، فإننا ندعو له، اللهم إلا إذا كان مخطئاً معانداً مجافياً للحق، مصراً بعد البيان، فإن النبي ﷺ دعا على هذا المخطئ المعاند، كما جاء في صحيح مسلم في رجل أكل عند النبي ﷺ بشماله، فقال: كل بيمينك، قال: لا أستطيع -يستطيع لكن تكبراً- فقال: لا استطعت -دعا عليه بأن لا يستطيع- قال: فما رفعها إلى فيه"[مسلم:2021]، وفي رواية: "فما وصلت يمينه إلى فمه بعد"[أحمد:16499]أي: أصيبت يمينه بالشلل، فما استطاع أن يرفعها مطلقاً بعد ذلك، هذا المخطئ المعاند يدعى عليه بما يكف شره، ويعلمه درساً، ولعل تلك الآية التي رآها تكون سبباً في عودته إلى الحق وتوبته واستغفاره.

مناقشة المخطئ

00:23:47

وكذلك فإننا نواجه في الحياة أناساً يخطئون على أناس، يظلمونهم، فلا بد أن يكون هناك موقفٌ جيدٌ من مثل هذا، وخصوصاً عندما يكون الخطأ مشتركاً، فلا بد أن نبين لهذا ولهذا، ولذلك روى عبد الله بن أبي أوفى ، قال: "شكا عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد إلى رسول الله ﷺ، فقال النبي ﷺ: يا خالد، لا تؤذ رجلاً من أهل بدر، فلو أنفقت مثل أحدٍ ذهباً، لم تدرك عملهم، فقال خالد : يقعون فيَّ، فأرد عليهم، فقال: لا تؤذوا خالداً، فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار[رواه الطبراني المعجم الصغير:580]، وقال الهيثمي : رجاله ثقات.

إذاً بين حق هذا، ثم بين حق الآخر، وعندما يخطئ إنسان على أخيه المسلم، فإننا نسعى إلى معاتبته، وبيان حقوق الأخوة، ونعاتبه على خطئه، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة : "أن رجلاً مرَّ على قومه، فسلم عليهم، فردوا ، فلما جاوزهم، قال رجل منهم: والله إني لأبغض هذا في الله، فقال أهل المجلس: بئس والله ما قلته، أما والله لننبأنه، قم يا فلان -لرجل منهم- فاخبره، فأدركه رسولهم، فأخبرهم بما قال"، يعني ذلك الرجل في حقه "فانصرف الرجل الذي قيل فيه ما قيل، حتى أتى رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله، مررت بمجلسٍ من المسلمين فيهم فلان، فسلمت عليهم، فردوا السلام، فلما جاوزتهم، أدركني رجلٌ منهم، فأخبرني أن فلاناً قال: والله إني لأبغض هذا الرجل في الله، فادعه فسله علام يبغضني؟ فدعاه رسول الله ﷺ، فسأله عما أخبره الرجل، فاعترف بذلك، وقال: قد قلت له ذلك يا رسول الله، فقال له رسول الله ﷺ: فلم تبغضه؟، قال: أنا جاره وأنا به خابر، والله ما رأيته يصلي صلاةً قط إلا هذه الصلاة المكتوبة التي يصليها البر والفاجر، فقال الرجل: سله يا رسول الله، هل رآني قط أخرتها عن وقتها، أو أسأت الوضوء لها، أو أسأت الركوع والسجود فيها، فسأله رسول الله ﷺعن ذلك، فقال: لا. ما رأيته ينقص منها شيء، ثم قال: والله ما رأيته يصوم قط إلا هذا الشهر الذي يصومه البر والفاجر، فقال: يا رسول الله: هل رآني قط أفطرت فيه، أو انتقصت من حقه شيئاً؟ فسأله رسول الله ﷺ، فقال: لا، ثم قال: والله ما رأيته يعطي سائلاً قط، ولا رأيته ينفق من ماله شيء في سبيل الله بخير إلا هذه الصدقة، -أي: الزكاة- التي يؤديها البر والفاجر، قال: فسله يا رسول الله، هل كتمت من الزكاة شيئاً قط؟ أو ماكست فيها طالبها؟ قال: فسأله رسول اللهﷺ عن ذلك، فقال: لا، فقال له رسول الله ﷺ: قم إن أدري لعله خيرٌ منك[أحمد:23803].

إذاً: إصلاح ذات البين، ومعاتبة المخطئ على أخيه، ومناقشة ذلك لمعرفة السبب في البغض، ونحن كثيراً ما نخطئ على إخواننا، ونخطئ على الخدم المسلمين عندنا، ونغتابهم كثيراً وكثيراً، والقضية خطيرة، فإن رجلاً كان يخدم أبا بكر و عمر في السفر، فناما فاستيقظا ولم يهيئ لهما طعاماً، فقال أحدهما لصاحبه، أحد الشيخين للآخر: "إن هذا لنئوم" -فقط هذه العبارة، إن هذا لنئوم يعني نوام فأيقظاه، فقالا: "ائت رسول الله ﷺ، فقل له: إن أبا بكر و عمر يقرئانك السلام، وهما يستأدمانك -يطلبان الإدام- فقال ﷺ لهذا الخادم: أقرئهما السلام، وأخبرهما أنهما قد ائتدما، ففزعا، فجاءا إلى النبي ﷺ، فقالا: يا رسول الله، بعثنا إليك نستأدمك، فقلت: قد ائتدما، فبأي شيء ائتدمنا؟ قال: بلحم أخيكما، والذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين أنيابكما، قالا: فاستغفر لنا: قال: هو فليستغفر لكما[مساوئ الأخلاق للخرائطي:180]وهذا حديث صحيح.

كم نغتاب الخدم؟ كم نغتاب الذين نتعامل معهم؟

ماذا قال هذان الشيخان الكريمان؟ قالا: إن هذا لنئوم -نوَّام- واعتبرها ﷺ غيبة، وطلب منهما أن يذهبا إليه ليستغفر لهما.

نسأل الله أن يجعلنا هداةً مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، وأن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

00:30:24

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا هو، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

إخواني:

بيان مضرة الخطأ

00:30:50

إن مما ينبغي علينا أن نبين للناس مضرة الخطأ إذا نصحناهم، إن النبي ﷺ لما رأى تفرق بعض أصحابه لما نزلوا منزلاً، قال: إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان فلم ينزلوا بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض، حتى يقال: لو بسط عليهم ثوبٌ لعمهم[أبوداود:2628]، وذلك حتى لا ينزل بهم خوف من المشركين، أو يستدرج العدو بعضهم، ولا يكون في هذا التفرق إغراءٌ للعدو بهم، وانظروا إلى النبي ﷺ لما رأى الصف في الصلاة غير مستوٍ، قال ﷺ: لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم [البخاري:717ومسلم:436]، فتقع بينكم العداوة والبغضاء، فينبغي إذاً أن نحرص على تسوية الصفوف، وأن نتراص كما تتراص الملائكة عند ربها، وأن يكون المنكب بالمنكب، ليس هناك فرجات، دون إغلاظٍ على جارك في الصف من اليمين والشمال، فهذه المسألة مما وقع فيها الإفراط والتفريط، فبعض الناس يلتصق بصاحبه التصاقاً مؤذياً له، ويحشر نفسه في فرجةٍ ضيقةٍ في الصف، مؤذياً عباد الله قطعاً، لا يجوز له أن يدخل فيها إذا كان ذلك يؤذي المصلين، ولا تتهيأ الفرصة، ولا يتحمل الوضع أن يدخل في هذه الفرجة، وبعض الناس يترك الفراغات، ولا يحب أحداً أن يلتصق به أبداً، لا يطيق أحداً أن يلصق منكبه بمنكبه ولابد أن نبين للناس أن هذا لا يرضاه الله، والنبي ﷺ قال: إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف [النسائي:815،وأحمد:13735]الفراغات التي في الصف.

وقد يبتلى الإنسان برجلٍ في المسجد بلغ من الكبر عتياً، فيه نزق، كبير السن، قد يتغير خلقه،  يسوء خلقه جداً، فيأتي بحركات غريبة، قد يدفع هذا، أو يتكلم عليه بعد الصلاة بألفاظ نابية، مع أن هذا مصلح يريد سد الفرجة، فيعامل بالحسنى، كبير السن الذي تغير خلقه لا بد أن نتحمله.

قيل لأحدهم: يا فلان: لماذا تنفر؟ لماذا تريد أن يكون بينك وبين الذي بجانبك شبرٌ؟ إن الشياطين تدخل من خلل الصف، قال: الشياطين أرحم منكم، ثم قال: الشيطان مات في فتح مكة، فإذا وجد هناك مثل هذا المسكين الذي يعتقد أن الشيطان مات في فتح مكة، وأن الشياطين أرحم من المؤمنين، فلا بد أن يكون هناك شيء من الرحمة واللين بمثل هذا الرجل، يعلم على قدر الاستطاعة، وإذا فقدنا القدرة والأمل في تعليمه، راعينا المفاسد حتى لا تتطور الأمور إلى الأسوأ، وكان النبي ﷺ أحياناً يظهر على وجهه الغضب إذا رأى خطأً، كما خرج على أصحابه وهم يختصمون في القدر، فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب؛ لأن القدر لا يجوز المماراة فيه.

كان النبي ﷺ أحياناً يظهر على وجهه الغضب إذا رأى خطأً، كما خرج على أصحابه وهم يختصمون في القدر، فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب؛ لأن القدر لا يجوز المماراة فيه.

وكذلك لما رأى في يد عمر بن الخطاب صحفاً من صحف أهل الكتاب، غضب عليه -الصلاة والسلام-، وقال: أمتهوكن فيها يابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل، فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى ﷺكان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني[أحمد:15156]حديثٌ صحيحٌ بطرقه، وله طرق كثيرة.

أيها الإخوة: إن تصحيح الأخطاء مسئولية عظيمة، ووراثة نبوية، وإن في هذه المناسبات المختلفة التي قيلت فيها وفعلت أساليب مختلفة من النبي ﷺ تدلنا على أنه لا بد أن ننتقي الوسيلة المناسبة في كل مناسبة لإصلاح الخطأ فيها، ومن قاس النظير بالنظير، والشبيه بالشبيه ممن عنده فقهٌ، ووفقه الله اقتبس من أساليب النبي ﷺ ما يعينه في دعوته إلى الله.

نسأل الله تعالى أن يرحمنا برحمته، وأن يتوب علينا أجمعين، اللهم اعف عنا يا عفو، واغفر لنا يا غفور، وتب علينا يا تواب، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأرشد الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.

1 - الترمذي:2499
2 - الترمذي:2685
3 - رواه الترمذي1199
4 - البخاري:1936،ومسلم:1111
5 - أحمد:10988
6 - رواه الإمام أحمد329
7 - أبوداود:1118
8 - رواه الترمذي2478
9 - رواه أحمد11512
10 - مسلم:243
11 - الترمذي:5177
12 - رواه البخاري5233
13 - أبوداود:2528، والنسائي:4163
14 - رواه النسائي4163
15 - رواه البخاري5247 
16 - البخاري:835
17 - البخاري:2312، ومسلم:1564
18 - البخاري:6781
19 - البخاري:6777 
20 - مسلم:2021
21 - أحمد:16499
22 - رواه الطبراني المعجم الصغير:580
23 - أحمد:23803
24 - مساوئ الأخلاق للخرائطي:180
25 - أبوداود:2628
26 - البخاري:717ومسلم:436
27 - النسائي:815،وأحمد:13735
28 - أحمد:15156